نموذج الحب والحرب

أرحب بكل نقد أو استفسار

نموذج الحب والحرب

أرحب بكل نقد أو استفسار

عالم السياسة والاقتصاد والقانون

هذه المدونة تعبر عن الكثير من الأبحاث التي قدمتها

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 21 مايو 2010

الوحدة الوطنية في العراق في عهد الأخوين عارف

الوحدة الوطنية خلال فترة البعث الأولى 1963
وتداعياتها خلال العهد العارفي
يتناول هذا الفصل التطبيق العملي لمحددات الوحدة الوطنية في العراق خلال فترة حكم البعث الأولى التي لم تتجاوز السنة ، مع تداعيات هذه الفترة والتي كانت نتيجة للفترة الأولى ، حيث ستجيب الدراسة عن التساؤلات التي طرحت في فرضية البحث خلال هذا الجزء منها ، والذي يعتبر أساس المراحل السابقة كونه كان أول تجربة خاضها حزب البعث في مجال الحكم ، ورغم فشل هذه التجربة إلا أنها كان لها فوائد عملية استفاد منها البعث لاستعادة سلطته ، متبعا نفس الأسلوب الذي اتبعه عبد السلام عارف في إسقاط حكم البعث الأول ، وعلى هذا الأساس سيبحث هذا الفصل عن كيفية وصول البعث إلى السلطة ، وهل استطاع تحقيق الوحدة الوطنية في العراق خلال فترة حكمه ؟ ، وما هي أسباب سقوطه ، وصعود النظام العارفي إلى السلطة ؟ وكيف استطاع البعث الاستفادة من تناقضات العهد العارفي ، وضعف الوحدة الوطنية خلاله ، ليصعد مرة أخرى إلى السلطة ؟ هذا ما سيبينه لنا مبحثي هذا الفصل .
المبحث الأول
الوحدة الوطنية في ظل حركة البعث
(8 فبراير 1963 ـ 18 نوفمبر 1963)
يتناول هذا المبحث مدى تمكن حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق بعد سيطرته على الحكم فيه في (8) فبراير 1963، من تحقيق الوحدة الوطنية فيه، من خلال المحددات التي ارتكزت إليها الدراسة، ورغم أن هذا المبحث يتناول فترة لم تتعد حدود السنة، إلا أنها تعتبر فترة الأساس الأول للفترات التي تليها من فترات حكم البعث، إضافة لفترة الأخوين عارف، فهي النتيجة الأساسية لهذه الفترات، فكانت التجربة الأولى التي خاضها البعث في الحكم، ونتائجها هي التي حددت معالم سياسة الأخوين عارف فيما بعد، رغم ما عاناه البعث خلال فترة الأخوين عارف، من استبعاد وتهميش، مما اضطره أن يعمل سراً، هذا ويسعى هذا المبحث إلى الإجابة عن تساؤلات خاصة كمحددات للوحدة الوطنية، ومدى تمكن حزب البعث من تحقيقها، وذلك من خلال دراسة سياسة الحزب الداخلية، ودستوره ، وقياداته، وإجراءاته حيال المشاكل التي حدثت في المجتمع العراقي، إضافة لما يعانيه المجتمع العراقي من تمايزات واختلافات حزبية ، وإقليمية ، وعشائرية ، وطبيعية، وعرفية، وطائفية، لابد لها تأثيرها على فترة حكم البعث الأولى.

• وصول حزب البعث إلى السلطة في العراق
لم يكن وصول البعث إلى الحكم في العراق من خلال حركة عسكرية مفاجأة، أو من خلال القوة التي يتمتع بها هذا الحزب، أو من خلال شعبيته أو مؤيدي بين الجماهير العراقية، أو من خلال قيادته لتحالف عسكري أو سياسي حزبي، كل هذه العوامل كان لها تأثيرات لا يمكن إهمالها، ولكن كان هناك ثمة ظروفاً ساهمت إلى حد بعيد في نجاح تلك الحركة العسكرية ـ إضافة إلى العوامل السابقة ـ وأهم هذه الظروف هو اضطهاد قاسم للقوميين أو مؤيدو التقارب مع مصر والوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة، من خلال اعتقاله لعبد السلام عارف، ورشيد تعالي الكيلاني ، وغيرهم من القوميين، إضافة لما حدث في عهده من عمليات دموية بحق القوميين من خلال الشيوعيين، مثل حركة العقيد عبد الوهاب الشواف في الموصل والتي تدخل قائد الخطط العسكرية الزعيم طه الشيخ أحمد باخمادها، إضافة لما كان يسعى إليه الشيوعيون وما يقومون به من حركات لإسقاط نظم قاسم والانفراد بالحكم مباشرة، أضف إلى ذلك تذمر الأكراد ضد نظم قاسم، فبرغم ما تحقق لهم من حرية الصحافة حتى وصلت عدد صحفهم إلى أربعة عشرة صحيفة كردية، واعتماده عليهم في قمع الحركات المناوئة لحكمه، في كركوك والموصل عام 1959، إلا أنه رفض طلبهم عام 1961 بالاستقلال الذاتي الموسع، وذلك عندما طالب الحزب الديمقراطي الكردستاني في يوليو 1961 بهذا الأمر، على أساس أن ذلك يمس بوحدة العراق السياسية والإقليمية، ثم مبادرته بشن حملات على حزب البارتي (الديمقراطي الكردستاني) وإغلاق مقراته، واعتقال الكثير من أعضاءه، وهذا جعل الكثير من الضباط والجنود الأكراد ينحازون إلى جانب البرزاني ضد قاسم الذي اتهمهم بأنهم أعوان الاستعمار بقوله في 23فبراير 1961: "وبعون المخلصين من أبناء شعبنا المظفر وبإرادة جيشنا المخلص، تمكنا أن نحطم أقوى مؤامرة استعمارية" ( ).
كما كانت نقمة الشيوعيين على نظام قاسم، بسبب اضطهاده لهم بعد أحداث الموصل وكركوك والتي أسفرت عن أكثر من خمسة ألاف قتيل، وإبعاده لهم عن نقابات العمال والفلاحين، وفرض رقابة مشددة عليهم ، وتطهير إدارة الدولة منهم، وإبعاده لهم عن الجيش( ).
أيضاً كانت نقمة التيار الإسلامي على النظام، من خلال الحزب الإسلامي الذي شكله قاسم، من السنة والشيعة على حد سواء، من خلال رئيسه غير المتدين نعمان عبد الرزاق السامرائي، وراعيه الأول الفقيه الشيعي آية الله الأكبر محسن الحكيم، حيث وجه الحزب الإسلامي في أكتوبر 1965 انتقادات إلى بعض التشريعات الحكومية مثل : الإصلاح الزراعي ، والتأميم، ومساواة حق الإرث للرجل والمرآة على حد سواء، على أساس أن هذه التشريعات تخالف الشريعة الإسلامية، وقد أدت هذه الانتقادات، إلى أن يقوم النظام بحملة اعتقالات ضد أعضاء الحزب،وإغلاق فروعه وتعليق صحيفته( ).
كما أثار قاسم من خلال سياسته الخارجية، نقمة الكثير من الدوائر المعادية لحكمه فابتعاده عن الجمهورية العربية المتحدة، وتوتر علاقته السياسية معها، وإثارته للشركات النفطية، بسبب القانون الذي أصدره عام 1961، بتقليل إمتيازات الشركات النفطية، وقيامه بمفاوضات سرية مع حكومة الكويت على إقامة اتحاد فيدرالي معها ـ بعد فشله في ضمها ـ بحيث تصبح قضايا الدفاع والخارجية والتعليم ضمن صلاحيات الحكومة العراقية( ).
وفي ظل هذه الظروف تشكل المكتب العسكري لحزب البعث، بقيادة علي صالح السعدي، الذي استطاع أن يضم إليه بعض الضباط الذين احتلوا مناصب مهمة في القوات المسلحة، إضافة لبعض المسؤولين الكبار في الدولة، وأصبح السعدي قادراً على تعبئة الكثير من المتعاطفين مع البعث، فنظم المظاهرات ضد نظام قاسم بغية إثبات جماهيريته ونفوذه ، أمام الحزب الشيوعي، وقد اعتمد السعدي في تشكيله للمكتب العسكري للحزب على مبادئ التنظيم السري، وأسس جهازاً تمكن فيه من شن حرب خفية على الشيوعيين في العراق، واستطاع التسلل إلى أوساط الحكم، وإشراك عدداً من الضباط للإطاحة بنظام قاسم، وأهم هؤلاء الضباط هم : (أحمد حسن البكر، وصالح مهدي عماش، وحردان عبدالغفار التكريتي، وطاهر يحي... وغيرهم)، وبحلول عام 1962، أصبح السعدي هو القائد الفعلي لحزب البعث في العراق، بعد أن شكل خلايا بعثية في الجيش والإدارات العامة في النقابات المهنية والعمالية( ).
وعندما شعر عبد الكريم قاسم بأن ثمة مؤامرة تحاك ضده، قام باعتقال السعدي، وصالح مهدي عماش، الذي كان ضابطاً في الجيش، وبدأ النظام بملاحقة البعثيين، وفي هذه الأثناء، بحثت القيادة القومية في بيروت أوائل 1963 من خلال اجتماعها بأعضاء بعثيين من سوريا والعراق ، ودرست خطة للإطاحة بنظام عبدالكريم قاسم في العراق، وبنظام ناظم القدسي في سوريا، فشكلت لجنة سرية من ممثلي البعث، وأعضاء من لجنة الضباط الأحرار القديمة، حيث رأت هذه اللجنة أن يكون إسقاط نظامي العراق وسوريا في يوم واحد، وإن تعذر ذلك فألا يكون ثمة فاصلاً زمنياً كبيراً بينهما( ).
وقد استطاع البعث العراقي، أن يدير الاضطرابات في جامعة بغداد، مما هيأ الظروف لتحرك الضباط البعثيين في العراق خاصة بعد موافقة القيادة القومية للبعث، أن تكون حركة البعث العراقي قبل حركة البعث في سوريا وأن يكون عبد السلام عارف رئيساً للعراق، وممثلاً للبعث في العراق لدى الرئيس جمال عبد الناصر ، وعلى هذا الأساس قام البعث باغتيال قائد القوى الجوية الزعيم جمال الأوقاني، وهو من الشيوعيين، ثم تم مهاجمة معسكر الرشيد وتعطيل مهبط الطائرات العسكرية فيه، ثم توجهت وحدات عسكرية إلى بغداد( ).
ورغم تشكيل خط دفاعي من قبل سرية الدفاع، الموجودة في وزارة الدفاع، بعد تحصن الرئيس عبد الكريم قاسم فيها إلا أن قائد السرية العسكرية انحاز إلى جانب الانقلابيين، حيث طوق وزارة الدفاع مع جنوده، إضافة لما قام به قائد فوج الدفاع عن وزارة الدفاع وهو العقيد (عارف يحيى)، حيث ترك موقعه ولاذ بالفرار( ).
وقد حاول الحزب الشيوعي بالرغم من خلافه مع قاسم التدخل لصالحه، والحيلولة دون سقوط النظام، فتوجه قسماً كبيراً منهم إلى وزارة الدفاع، وطلبوا تسليمهم، بناءاً على اقتراح قائد التخطيط العسكري طه الشيخ أحمد، لكن قاسم رفض ذلك، متوقعاً أن قوته الخاصة قادرة على إفشال المحاولة الانقلابية، إضافة لتخوفه من وضع الأسلحة في أيدي الجماهير، حيث من الممكن أن تتسبب في حرب أهلية في البلاد كالتي حدثت في كركوك عام 1959، كما رفض الهرب بطائرة عسكرية أعدها له مدير الخطوط الجوية العراقية قائلاً: ماذا ستقول الأجيال القادمة من العراقيين لو أنني تركت وزارة الدفاع إلى أي جهة آمنة"( ).
ثم أعلنت القطعات العسكرية خارج بغداد في بعقوبة، وكركوك وأربيل والبصرة تأييدها لحركة، بالرغم من التظاهرات الكثيفة التي شهدتها البصرة، حيث قام الانقلابيون بإرسال اللواء الخامس عشر للسيطرة على المدينة، وفرضوا نظام حظر التجول فيها، وعلى هذا الأساس تم السيطرة على كافة المعسكرات في العراق، وهي (الوشاش، وأبو غريب والرشيد ، واللواء التاسع عشر ، والقاعدة الجوية، والثكنة الشمالية التي تضم قيادة الفرقة الخامسة في باب المعظم) ، ولم يبق سوى وزارة الدفاع( ).
ورغم إصدار قاسم بياناً للشعب العراقي دعاه فيه للقضاء على الانقلابيون ووسمهم بالعملاء، حيث بثها مرافقة محمد سعيد الدوري من محطة إرسال في منطقة "سلمان باك" إلا أنه كان الأوان قد فات، مما اضطره إلى الاتصال بالانقلابيين وعرض عليهم استسلامه مقابل تسفيره إلى خارج البلاد، أسوة بما فعله النظام السوري عام 1962 بعد فشل محاولة عبد الكريم النحلاوي الانقلابية، حيث تم نفيه خارج البلاد، إلا أن أعضاء النظام السوري رفضوا ذلك، وطلبوا استسلامه دون قيد أو شرط، ثم تمكنوا من أسره مع بعض مقربيه في التاسع من فبراير 1963، وشكلوا محكمة من قادة الحركة، وأصدروا الحكم عليه وعلى رفاقه الذين كانوا معه في وزارة الدفاع بالإعدام رمياً بالرصاص، وقد نفذ الحكم مباشرة، وعرضت جثث القتلى في التليفزيون( ).
وقد اعتبر البعث بعد سيطرته على الحكم، أن حركته هي امتداد لثورة الرابع عشر من يوليو 1958، وعلى هذا الأساس كان رأيه في جعل العقيد عبد السلام عارف رئيساً للجمهورية ، على اعتبار أن ذلك لفترة انتقالية ، حتى تتحقق الوحدة بين العراق ومصر، على أساس أن البعث قام بحركته لأجل هذه الوحدة وهذا ما أكده عبد السلام عارف من أنه لم يكن له أي دخل في الانقلاب الذي قام به البعث( ) .
وقد جاء في البيان الأول للحركة، مبيناً ماهيتها ولها هدفين هما تحقيق وحدة الشعب الوطنية، وتحقيق المشاركة الجماهيرية في توجيه الحكم وإدارته، وأنها ستعمل على إطلاق الحريات وتقرير مبدأ سيادة القانون ، وستكون سياسة حكومة الثورة وفقاً لأهداف ثورة تموز/ يوليو وتحقيق مبدأ وحدة الشعب الوطنية، بما يتطلب لها من تعزيز الأخوة العربية الكردية، وبما يضمن مصالحهما القومية، واحترام حقوق الأقليات، وتمكينها من المساهمة في الحياة الوطنية، وستحافظ على المكتسبات التقدمية، وفي مقدمتها قانون الإصلاح الزراعي، وتطويره مصلحة الشعب، وإقامة اقتصاد وطني يهدف إلى تصنيع البلد، وزيادة إمكانياته المادية والثقافية، كما سيؤمن تدفق البترول إلى الخارج ( ) ، كما نص البيان رقم ثلاثة عشرة، بإبادة الشيوعيين ووصفهم بالعملاء، وأصبح عمل السلطة ملاحقة الشيوعيين وفك تنظيماتهم الحزبية، وكل خلاياهم( ) ، لكن هذا يتنافى مع مبدأ المشاركة السياسية والتعددية السياسية خاصة أن للشيوعيين مؤيدين بين صفوف الشعب ، وقد اتخذت هذه الحركة اسمين متلازمين، فالاسم الأول هو ثورة(8) شباط/ فبراير والاسم الثاني هو ثورة الرابع عشر من رمضان، كونها قامت في الشهر الإسلامي المقدس "رمضان" ، وهذا ما جعل بعض الأوساط الإسلامية تؤيدها، كما رحبت الكثير من الأوساط الشعبية العربية والكردية بهذه الحركة، وأرسل الأمين العام للقيادة القومية لحزب البعث الحربي الاشتراكي ميشيل عفلق برقيه تهنئة بهذه الحركة( ).
وفي اليوم الأول للحركة تم تشكيل المجلس الوطني لقيادة الثورة، وتألف من ثلاثة من المدنيين، وستة من العسكريين وكلهم من البعث العراقي ماعدا عبد السلام عارف الذي ظل مستقلاً ، أما المدنيين فهم : (علي صالح السعدي، وحازم جواد، وطالب الشبيب) ، والعسكريين هم: (عبد السلام عارف، وأحمد حسن البكر، وصالح مهدي عماش، وعبد الستار عبد اللطيف، وحردان عبد الغفار التكريتي، وخالد مهدي الهاشمي)، أما القيادة القطرية للحزب فتألفت من عسكريين ومدنيين برئاسة علي صالح السعدي، الذي كان يرأس المكتب العسكري للحزب، وبالنسبة لرئاسة المجلس الوطني لقادة الثورة ، فقد رأى الأعضاء أن يكون دورياً بينهم وكان أول من رأسه هو العقيد عبد الستار عبد اللطيف، ورأس الحكومة ؛ أحمد حسن البكر نائبه الأمين العام القطري للحزب على صالح السعدي الذي تسلم وزارة الداخلية ، كما تسلم الوزراء البعثيين معظم الوزارات ، هذا وقد ضمت الوزارة ثلاثة من القوميين هم: ناجي طالب ، وشكري صالح زكي ، وعبد العزيز الوتاري ، وواحداً من الإسلاميين هو محمود شيت خطاب ، فيما ضمت اثنان من الأكراد ، هما بابا علي الشيخ محمود ، وفؤاد عارف اللذان لم يستمرا في الوزارة سوى ثلاثة اشهر ، عندما شن حزب البعث الحرب على البارتي في الأول أيار 1963.
وبالنسبة لرئاسة الجمهورية فقد تسلمها عبد السلام عارف، لكنه كان منصباً شرفياً، لأن السلطة الحقيقية كانت بيد مجلس قيادة الثورة، ورئاسة الوزراء، اللتين في معظمهما من أعضاء بعثيين، وبالتالي فهما مرتبطان بقرارات القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، المرتبطة بدورها بالقيادة القومية للحزب، بمعنى أن القرار الأول والأخير هو لحزب البعث العربي الاشتراكي، وخاصة لأمينة العام في القيادة القطرية، علي صالح السعدي( ).
• موقع محددات الوحدة الوطنية في سياسات حزب البعث
أولاً : احترام ووحدة البلاد ولغتها الرسمية، وثقافتها الوطنية
عانى النظام العراقي في ظل حكم البعث عام 1963، من عدة مشكلات كان يسعى إلى حلها من أجل تحقيق الوحدة الوطنية للعراق، ولعل أبرز مشكلة كانت تواجه وحدته الوطنية هي المشكلة الكردية، فبعد الانقلاب البعثي عام 1963، أصدر المجلس الوطني لقيادة الثورة بياناً تضمن ما يلي: " المجلس جاد في تحقيق الوحدة الوطنية للشعب العراقي، بما يتضمن تقرير الأخوة الكردية بشكل يضمن مصالحها القومية، ويقوى نظامها المشترك"( )، وقد وعدت الحكومة في أول جلسة لها بأن لجنة مختصة سوف تشكل لوضع نظام لا مركزي وأكد على ذلك رئيس الحكومة العراقية أحمد حسن البكر بقوله: "ينظر بعين الاعتبار إلى طموح القومية الكردية في زيادة مساهمتها في تطوير البلاد وفي تنمية رعاية ثقافتها ولغتها وفي تحقيق نظام اللامركزية الذي يسمح بازدهار أوسع لجميع أبناء الشعب"( ).
كما عملت السلطة على إيفاد قائد الأركان طاهر يحيى ؛ لإجراء مباحثات مع الأكراد برئاسة علي حيدر سليمان الذي كان سفيراً للعراق في الخارج، مع الوزيرين الكرديين بابا علي البرزنجي ، وفؤاد عارف، إلا أن المباحثات لم تسفر عن أية اقتراحات حاسمة، حيث طالب الوفد الكردي بضرورة الحكم الذاتي، بينما لم تحدد الحكومية موقفها من هذه القضية، ثم شكلت الحكومة وفداً أكبر يمثل كافة أطياف الشعب العراقي وأهم رموزه، فكان منهم: محمد رضا الشبيبي، وهو شخصية سياسية ودينية شيعية معروفة، وكان في الخمسينات رئيساً للجبهة الشعبية ضد الحكم الملكي، وفائق السامرائي وهو أحد قيادي حزب الاستقلال، وحسين جميل من قادة الحزب الوطني الديمقراطي، وفيصل حبيب خيزران وهو أحد أعضاء القيادة القومية لحزب البعث، وعبد العزيز الدوري وكان يشغل رئيساً لجامعة بغداد وزيد أحمد عثمان وهو من الشخصيات الكردية المعروفة ، حيث تم اجتماع هذا الوفد مع الوفد الكردي برئاسة الملا مصطفى البرزاني في قرية جوان قورنة في السابع والثامن من مارس عام 1963 وتوصل الجانبان إلى مشروع اتفاق مبدئي ضم عدداً من التوصيات أهمها( ):
1- الاعتراف بالحقوق القومية للشعب الكردي على أساس الإدارة الذاتية.
2- إعلان العفو العام في الشمال ورفع الحصار الاقتصادي المضروب على المنطقة.
3- سحب القوات العسكرية كدليل على حسن النية من جانب الحكومة.
ثم عمل المجلس الوطني لقيادة الثورة على رفع الحصار الاقتصادي عن الإقليم الكردي، وأصدر بياناً حول ذلك جاء فيه: " أن المجلس الوطني لقيادة الثورة يقر لحقوق القومية للشعب الكردي على أساس اللامركزية، وسوف يدخل هذا المبدأ في الدستور المؤقت والدائم عند تشريعها، كما أن لجنة مختصة سوف تشكل لوضع الخطوط العريضة" ( ) ، ويعتبر هذا البيان أول بيان رسمي يقر الحقوق القومية للأكراد على المستوى السياسي والدستوري.
ثم قامت الفئات الكردية المختلفة بعقد اجتماع لها خلال الفترة (18-22) أبريل 1963، برئاسة (جلال الطلباني) الذي كان يمثل الحزب الوطني الديمقراطي الكردي، وقد مثل هذا المؤتمر جميع الاتحادات والمنظمات الشعبية الكردية، من اتحاد نسائي، وأقليات دينية كردية، مثل اليزيدية، والعلي اللهية، والشبك، وعقد المؤتمر في بلدة كوي سنجق، وجرت مناقشات عامة في المؤتمر حول الوضع السياسي والعسكري للإقليم الكردي، ثم تم اختيار لجنة مؤلفة من خمس وثلاثين مندوباً لوضع المقترحات المقررة، وتقرر في المؤتمر أن يوجه الملا مصطفى البرزاني برقية شكر للحكومة المركزية في بغداد على اعترافها بالمطالب الكردية، كما تقرر اختيار وفد كردي من أربعة عشر عضواً برئاسة جلال الطلباني، لمفاوضة الحكومة حيث ضم هذا الوفد جميع ممثلي الفئات الحزبية والسياسية والعشائر الكردية ، واستنكر هذا الوفد اللجوء إلى الحرب في حل المشكلة الكردية.
ودعا للحوار والمصارحة بين الأكراد بجميع فئاتهم، بسبب ما كان بين الأكراد من نزاعات قبلية، حيث أصبح الحزب الديمقراطي الكردستاني (البارتي) ممثلاً لجميع الأكراد ، واعترف الجميع على أهمية دورة على الساحة السياسية، وضرورة عدم توسيع الخلافات بين الأكراد، وإجراء مشاورات دورية بينهم، والاتصال بالقبائل والعشائر الكردية الموالية للحكومية وكسبها إلى جانبهم، وخاصة الزيباريين، وبعض القيادات الدينية( ).
وبعد لقاء الوفدين الشعبي (الحكومي)، والكردي، للاتفاق حول مبدأ الإدارة الذاتية، لم يتوصل الجانبان إلى أية نتائج، مما حذا بالوفد الكردي، إلى المطالبة بأن تجري المباحثات على المستوى الرسمي من خلال أعلى سلطة في الدولة وهي مجلس قيادة الثورة، حيث وافق بعد اجتماعه بالوفد الكردي على تشكيل وفد حكومي برئاسة وزير الدفاع صالح مهدي عماش، وعضوية بعض قياديي الدولة، مثل حازم جواد، وناجي طالب، ثم انضم إليهم بعد ذلك نائب رئيس الوزراء علي صالح السعدي الذي كان في مهمة خارج الدولة، إضافة إلى قائد القوات الجوية حردان التكريتي، وقد حدد الوفد الكردي رأيه في الوحدة الثلاثية التي كانت تسعى إليها الحكومة مع كل من الجمهورية المتحدة وسوريا، وبيَّن هذا الرأي أن الأكراد يدعمون هذه الوحدة، ولهم شرف المساهمة فيها، لكن لهم بعض التحفظات حولها وهي( ):
1- في حالة بقاء العراق بدون تغيير كيانه يقتصر مطلب الشعب الكردي في العراق على تنفيذ البيان الصادر عن الجمهورية العراقية بشأن الحقوق القومية للأكراد على أساس اللامركزية.
2- في حالة انضمام العراق إلى اتحاد فيدرالي، يجب منح الشعب الكردي في العراق حكماً ذاتياً بمفهومه المعروف غير المتداول ولا المضيق عليه.
3- أما إذا اندمج العراق في وحدة كاملة مع دولة أو دول عربية أخرى يكون الشعب الكردي في العراق إقليمياً مرتبطاً بالدولة الموجودة على نحو يحقق الغاية من صيانة وجوده، وينفي في الوقت نفسه شبهة الانفصال، ويضمن تطوير العلاقات الوثيقة بين الشعبين الشقيقين نحو مستقبل أفضل.
لكن هذه المطالب قد ترافقت مع مطالب حزب البارتي التي طالب بها عشية حركة (8) فبراير 1963 وأهمها( ):
1- إعطاء صورة من الاعتراف بالحكم الذاتي للإقليم الكردي وفق دستور الدولة الجديدة إلى هيئة الأمم المتحدة، وإذاعته من الإذاعة الرسمية ونشره بالصحف الرسمية للدولة وبالصحف المحلية.
2- تكون اللغة الكردية، اللغة الرسمية في الإقليم الكردي، وبالنسبة للمواطنين عبر الأكراد، فتكون بلغتهم الخاصة إلى جانب اللغة الكردية.
3- يكون الحكم الذاتي من خلال وجود نائب لرئيس الجمهورية، وهو المسؤول عن الإقليم الكردي بحدوده الجغرافية المحددة شمالاً تركياً وشرقاً إيران وغرباً سوريا، وجنوباً سلسلة جبال حمرين، وأن يكون هناك مجلس وزراء في الإقليم الكردي، مع إبقاء وزارات الخارجية والدفاع والمالية تابعة للحكومة المركزية، إضافة لضرورة تعيين وزراء أكراد في الحكومة المركزية في بغداد، وذلك بحسب نسبة عدد السكان الأكراد، إضافة لوجود عدداً من النواب الأكراد في البرلمان المركزي، بحسب نسبتهم العددية.
4- يكون لإقليم كردستان ميزانية خاصة تتألف من واردات الضرائب والجمارك والرسوم، وأن يكون لهم نسبة من واردات النفط التي تعادل ثلثي واردات النفط الموجودة في الإقليم الكردي.
وقبل أن تقر الحكومة أو تصدر بياناً حول رأيها في هذه المطالب، قام حزب البارتي بإصدار منشور أخر تضمن بعض المطالب، التي تزيد الشقاق بين الحكومة وحزب البارتي، وتساهم في إضعاف الوحدة الوطنية بين الإقليم الكردي وبقية أنحاء العراق، وأهم هذه البنود هي( ):
1- أن يتم انتخاب نائب رئيس الجمهورية- الكردي- على غرار انتخاب رئيس الجمهورية العراقي، وأن يكون ذلك الانتخاب فقط في الإقليم الكردي ، وأن يكون مقره في عاصمة إقليم كردستان، وتتحدد صلاحيته من خلال دستور الجمهورية العراقية، مع الدستور الإقليمي لكردستان.
2- أن يكون لإقليم كردستان حكومة لا مركزية، تتألف من المعارف، والصحة، والداخلية، والأشغال، والإسكان والمواصلات، والعدل ، والإصلاح الزراعي والزراعة، والشؤون الاجتماعية والسلبيات، على أن تكون خاصة بإقليم كردستان، إضافة إلى أنه في كل وزارة مركزية يجب أن يكون وكيل وزارة فيها من الإقليم الكردي، بحيث ترشحه الحكومة اللامركزية الكردية، وأن يكون عدد الموظفين في الوزارات المركزية متناسباً مع نسبة السكان الأكراد، وأن يتم انتخاب البرلمان الكردي لإقليم كردستان على غرار البرلمان العراقي، من تشريع وتنظيم ومؤسسات، بما لا يتناقض مع الدستور المركزي، ولا يحق للبرلمان المركزي ولا لأي سلطة أخرى المصادفة على أي قانون يقلل الصلاحيات اللامركزية للإقليم الكردي، أو يقلل من الحقوق القومية للأكراد ، ولا يجوز إعلان الأحكام العرفية على إقليم كردستان من قبل الحكومة المركزية إلا بعد موافقة البرلمان الكردي.
3- بالنسبة للأقليات القومية كالتركمان، والأشوريين، والأرمن، وغيرهم، فعلى النظام الجديد أن يضمن لهم الحقوق الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وأن تفتح لهم مدارس خاصة به، وإحياء تراثهم القومي والتقدمي، وضمان مساواتهم التامة في الحقوق والواجبات مع العرب والأكراد.
وبالنسبة لوزارة الشؤون الاقتصادية الخاصة بالإقليم الكردي، فهي تقوم بمهام وزارة الصناعة والتخطيط والنفط في شؤون الإقليم الكردي، سواء كانت مالية أو تجارية أو اقتصادية، يحقق لها جني الضرائب ونصف عائدات النفط في المنطقة الكردية، ونصف عائدات الرسوم الجمركية، وأن تأخذ من عائدات العراق الأخرى ما يعادل نسبة عدد السكان الأكراد، أما بالنسبة لوزارة المعارف الخاصة بكردستان فيحق لها أن تبعث من تريده من أبناءها للدراسة بالخارج، وأن تستقيل من تريد، دون الرجوع إلى وزارة المعارف المركزية، كما يجب على وزارة المعارف المركزية أن تقبل نسبة من الطلاب في جامعاتها، بحسب نسبة عدد الأكراد، إضافة إلى البعثات الخارجية( ).
وما زاد عن ذلك التصريح الذي أدلى به جلال الطلباني- بعد أن أشركه الوفد الرسمي العراقي في محادثات الوحدة مع فؤاد عارف، كمثلين الأكراد في مباحثات الوحدة الثلاثية- حيث ادعى أن المساعدات المقدمة للأكراد هي عامل من عوامل قوتهم ، ليحصلوا على حقوقهم الاقتصادية كونهم هم أصحاب النفط الموجود في كركوك وفي كل منطقة الشمال ، وأن الأكراد مستعدين لأن يقدموا تنازلات لشركات النفط فيما لو أصبح بأيديهم( ) ، فهذه المطالب تفرق بين الأقاليم العراقية، وخاصة الإقليم الكردي، وتبرز التمايز في المجتمع العراقي، كما أنها تسعى لزيادة هذا التمايز من خلال مطالتبها باستقلال الوزارات الكردية، وأن تكون لها انتخابات خاصة بها، وخاصة بالنسبة لنائب الرئيس الذي يتم تعيينه عرفياً من قبل الرئيس مباشرة، كما أن مقره يكون في العاصمة، وليس في الإقليم الذي ينتمي إليه، بخلاف الانتخابات المحلية للبرلمان المحلي والإدارة المحلية التي يتم انتخابها من قبل سكان الإقليم فلا تشكل انفصال، إذا كانت مرتبطة بالحكومة المركزية، لكن هنا يشار إلى أن هناك ثمة حكومة كردية في إقليم محدد، ولا يحق للحكومة المركزية التدخل في بعض الأشياء مثل إعلان الأحكام العرفية، فهذا تنويه بالانفصال، والقبول به من قبل الحكومة المركزية يعد من نوع التنازل عن جزء من أرضها، أي من إقليم الدولة، كما أن التصريح الذي أدلى به جلال الطلباني، كممثل لحزب البارتي، الذي يمثل بدوره جزءاً كبيراً من الأكراد، فيه الكثير من انعدام المسؤولية أمام الشعب العراقي ككل، عندما يقسم الشعب بين من ينتمي إليه وبين الأعداء وهم الحكومة العراقية أو الشعب العراقي ككل، وأن الثروة الموجودة في المنطقة الكردية هي خاصة بالأكراد وحدهم دون سواهم من العراقيين، بالرغم من أنهم يطالبون بحصتهم من ثروة العراق ككل، كما أنه يحث الشركات الأجنبية وخاصة الشركة الأنجلو أمريكية (شركة نفط العراق)، على السعي لعدم التعامل مع الحكومة العراقية، وعدم دفع أي حصة لها من موارد البترول المستثمرة، وأن تعطى هذه الحصص لأصحابها الشرعيين وهم الأكراد، الذي يمثلهم حزب البارتي، وعلى هذا فهذا التصريح لابد له أنه كان له أكبر الأثر في تجميد المفاوضات بين الحكومة العراقية وحزب البارتي.
ولم يكتف حزب البارتي بتلك المطالب، أو بذلك التصريح، بل زاد من مطالبه على الحكومة العراقية، وأهم هذه المطالب كان( ):
1- تكليف أحد الوزراء الأكراد الحاليين في الحكومة المركزية، من خلال تشكيل مجلس تنفيذي مؤقت يمارس صلاحيات البرلمان الكردي بشكل مؤقت، وتجري انتخابات المجلس التشريعي خلال فترة لا تتجاوز أربعة أشهر من تاريخ تأليفه، وتعويض جميع المتضررين من الأكراد بسبب حرب الأكراد مع قاسم.
2- في حالة تبديل الجنسية العراقية إلى الجنسية العربية ينظر في وثائق شهادة الميلاد، ودفاتر النفوس، وجوازات السفر، على كون حاملها كردستانياً، في الجمهورية العربية المتحدة إذا كان من مواطني كردستان وتعويض جميع المتضررين من الأكراد ؛ بسبب حرب الأكراد مع قاسم.
3- عند تبديل العلم العراقي أو شعار الدولة العراقية تضاف إليها إشارة كردية.
وقد ضاعفت هذه المطالب من حدة الشقاق بين أبناء الوطن العراقي، كونها تسعى إلى إظهار التمايزات في المجتمع العراقي من خلال الأوراق الشخصية للمواطن العراقي سواءً أكان عربياً أم كردستانياً ؛ كما أن العلم الذي يجمع الأمة كلها، يجب عليه ألا يحوي أي إشارات تفرق أو تميز بين أبناء الوطن بل، عليه أن يكون جامعاً لتاريخ جميع أبناء الشعب بغض النظر عن أصولهم أو دياناتهم.
ورغم تجميد الحكومة لمفاوضاتها مع الأكراد بسبب هذه المطالب، إلا أنها ما لبثت أن عادت بعد فترة وجيزة وسعت لإنهاء هذه المشكلة ؛ فشكلت لجنة وزارية من خمسة وزراء من الحكومة المركزية، إضافة إلى خمسة من السياسيين، وكلفتها بإعداد مشروع لنظام الإدارة اللامركزية في العراق، وكان من بين أعضاء الوفد الحكومي، السفير العراقي (الكردي) في الولايات المتحدة علي حيدر سليمان، حيث أعدت هذه اللجنة مشروعاً صادق عليه مجلس الوزراء في الأول من يونيو 1963، وقد جاء في مقدمة المشروع ، أن المجلس قد وافق على نظام اللامركزية الذي يقوم بتقسيم العراق إدارياً إلى محافظات تتمتع كل منها بدرجة كافية من حرية العمل في إدارة شؤونها تحت إشراف الحكومة ، ولمجلس الوزراء إصدار توجيها عامة يراعيها مجلس المحافظة، وفي حالة امتناع هذا المجلس عن ذلك، فلمجلس الوزراء أن يوقف أو يلغي أو يعدل أي قرار يصدره مجلس المحافظة، كما له سلطة نزع ي سلطة أو اختصاص من مجلس المحافظة لهذا الغرض( ).
كما حددت تلك اللجنة خصوصية المنطقة الشمالية، على اعتبار أن هدف نظام اللامركزية هو جمع أجزاء الإقليم الكردي المشتت من خلال عدة متصرفيات، بحدة إدارية واحدة، وعلى هذا فقد أعيد النظر في الحدود الإدارية للمتصرفيات القائمة وفق الآتي( ):
1- تم اقتطاع قضاء (جمجمال) الكردي من لواء كركوك، وإلحاقه بلواء السليمانية الكردي.
2- كما تم اقتطاع بعض الأقضية من لواء الموصل خمسة أقضية هي زاخو، ودهوك ، والعمادية ، وعقرة، والزيبار، ليتألف منها لواء دهوك، الذي يتألف غالبية سكانه من الأكراد والآشوريين.
3- تألفت محافظة باسم محافظة السليمانية، وهي مركز الحركة الكردية في القسم العربي حيث قسِّم وفق هذا المشروع إلى:
(1) محافظة الموصل ومركزها الموصل، حيث تألف من لواء الموصل منقوصاً منها الأقضية الخمسة التي فصلت لصالح السليمانية ودهوك.
(2) محافظة كركوك ومركزها كركوك، وتتألف من لواء كركوك منقوصاً منها قضاء جمجمان.
(3) محافظة بغداد ومركزها بغداد، وتتألف من ألوية بغداد ، والرمادي ، وديالي ، والكوت.
(4) محافظة الحلة ومركزها الحلة، وتتألف من ألوية الديوانية، والحلة وكربلاء.
(5) محافظة البصرة ومركزها البصرة، وتتألف من ألوية البصرة، والناصرية والعمارة.
كما تم من خلال تلك اللجنة إقرار اللغتين العربية والكردية كلغتين رسميتين، في إطار نظام الإدارة اللامركزية، وذلك في محافظة السليمانية، على أن تكون لغة التدريس في المرحلة الابتدائية، والإعدادية هي اللغة الكردية، وتدرس اللغة العربية كلغة ثانية، ولغة التدريس بالنسبة للمرحلة الثانوية تكون اللغة العريبة.
وعلى هذا الأساس يلاحظ من قرارات اللجنة أنها قد عاملت المنطقة الكردية معاملة عادلة أسوة ببقية الناطق العراقية الأخرى، بل وقد جمعت كل المناطق الكردية في محافظة واحدة، هي السليمانية، وأقرت اللغة الكردية فيها، بغية الحفاظ على أهم خصائص الأكراد التي يتمايزون بها عن بقية الشعب العراقي وهي لغتهم الكردية، ومن الطبيعي أن تكون اللغة في المراحل العليا من الدراسة الثانوية وما بعدها هي لغة الدولة الرسمية التي هي لغة الأكثرية، من أجل التلاقي بين جميع أبناء الشعب حول لغة وحدة مفهومة من قبل الجميع، تربطهم وتجمعهم، وتحفزهم على التلاقي في جميع المجالات.
إلا أن حزب البارتي رفض مقررات اللجنة، على اعتبار أنها لم تلبي كل متطلبات الأكراد التي أوضحوها للحكومة، فأحالت الحكومة العراقية هذا الرفض إلى مجلس قيادة الثورة، مما حذا به إلى إصدار بيان باسمه وباسم الحكومة جاء فيه أنه بالرغم من إعلان الحكومة الثورية بوحدة المصير الذي يجمع بين العرب والأكراد في إشراكها للمثلي الأكراد في الوفود الرسمية ، والشعبية التي تدارست في الأقطار العربية شؤون الوحدة، وفي جعلها الأكراد على صلة وثيقة بمجريات ونتائج مباحثات الوحدة الاتحادية بين مصر وسوريا والعراق ، والموافقة على تطبيق نظام اللامركزية، وتم إعداد لائحة القانون الخاص بالنظام اللامركزي، ولقد شرعت حكومة الثورة، وبسرعة في إعادة النظر في الخطة الاقتصادية بالشكل الذي يعمل على إعادة تعمير المنطقة التي خربها القتال بين قاسم والبارتي، وبالشكل الذي يضمن للمناطق الشمالية حصة وفيرة من المشاريع التي تحقق الازدهار الاقتصادي، في ذلك الجزء من الوطن وتنقله من أوضاع التخلف إلى أوضاع التقدم ، وعملت الحكومة الوطنية بصدق وإخلاص منذ البداية على التوصل إلى حل سلمي سريع للمشكلة التي نشأت في العهد القاسمي، ولكن البارتي ذو النوازع الانفصالية والإقطاعية لم يأخذ بنظر الاعتبار المصالح المشروعة للأكراد ولمجموع أبناء العراق، ولم يعمل على حقن دماء المواطنين من العرب والأكراد، وتوفير الأمن والاستقرار لإنهاء الأوضاع الشاذة، ولم يضع مصلحة الوطن ومصلحة جماهير الأكراد، والعمل على تحقيق الازدهار لهما، بل أخذ تيدور حول مطلب انفصالي رجعي هدفه تهديد استقلال العراق ووحدته الوطنية وانطلاقته الثورية ( ).
ثم ذكر البيان عن أهم الممارسات التي مارسها حزب البارتي ضد الحكومة المركزية، خلال المفاوضات بين البارتي والحكومة، والتي اعتبرها تسهم في تهديد الاستقرار السياسي في الدولة وتهدد الوحدة الوطنية ككل، وأهم الوقائع التي ذكرها البيان( ).
1- إيواء الهاربين من وجه العدالة سواءً كانوا مدنيين أو عسكريين، وتشكيل عصابات مسلحة تهدد المواطنين إذا لم ينضموا إليها، وتفرض عليهم إتاوات وتجمع منه الأسلحة لصالحها.
2- تفتيش السيارات على الطرق الرئيسية، وسلب ونهب المواطنين، إضافة إلى الهجوم على مراكز الشرطة، وأسر وسلب أسلحتهم وتجهيزاتهم، والحيلولة دون مراجعة أهالي المتمردين لدوائر الحكومة.
3- قطع خطوط الهاتف بين المناطق الكردية، ولتعطيل معاملات الأهالي والتأثير على أعمال السلطات الحكومية، إضافة لإطلاق النار على رعايا القوات المسلحة.
4- اختطاف الموظفين الإداريين، وبعض الأفراد الحرس القومي، في بعض المناطق الكردية، ومهاجمة بعض القرى وسلبها، والتنكيل بأهلها.
5- مهاجمة سيارات الإسعاف الناقلة لبعض المصابين وسلبها، وإحراق بعض القرى، وتشكيل محاكم خاصة بها، وفرض أحكاماً على بعض الأبرياء وإعدامهم لبعض المواطنين.
6- فتح النار على طائرات الجيش (الهليكوبتر) وتعرضهم لقوافل التموين الحكومية.
وعلى هذا الأساس رأت الحكومة أنها حرصاً على حماية المواطنين في المناطق الشمالية، ورغبة منها في إعادة الأمن والاستقرار فيها، من أجل تطبيق المنهاج المرحلي للمجلس الوطني لقيادة الثورة، ولتطهير المنطقة ممن اسمتهم العصاة والانفصاليين، أنذرت الحكومة حزب البارتي بأنه إذا لم يسلم أسلحته، ويستسلم خلال أربع وعشرين ساعة فإن الحكومة عازمة على إجبارهم على ذلك، وقد أذيع هذا الإنذار في الإذاعة الرسمية داعياً إلى ضرورة مساعدة الشعب لقواته المسلحة للقضاء على الانفصاليين.
وهكذا بدأت الحرب بين النظام والأكراد منذ العاشر من يونيو 1963، بعد أن أصر البرزاني على آراءه بالحكم الذاتي كما يريد هو، إضافة لما فعله عبد السلام عارف، من تشجيع لهذه الحرب، بهدف إضعافه للنظام البعثي، وإسقاطه تمهيداً للانفراد بالحكم، خاصة وأن جناحي البعث العراقي، وهو جناح حازم جواد، وجناح علي صالح السعدي ، بينما الخلافات قد ازدادت بتشجيع من عبد السلام عارف، كما أن حازم جواد كان قد أعطى معلومات مغلوطة للقيادة القومية، حول المشكلة الكردية وتطوراتها في العراق( ).
وقد بدأت الحرب فعلياً في العاشر من يونيو 1963، وشجعت أطراف خارجية هذه الحرب، وأهم هذه الأطراف كانت الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل وتركيا، حيث استمرت هذه الحرب طول فصل الصيف من عام 1963، كما حدث تحالف بين الإيرانيين والأتراك من جهة وبين عبد السلام عارف من جهة أخرى وذلك من خلال أحد قيادات حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق، وهو قائد الأركان طاهر يحيى، الذي كان يعمل سراً ضد البعث، فكان ينسق مع الإيرانيين والأتراك في كركوك حيث كانت طائرات إيرانية تنتقل العتاد الثقيل إلى قاعدة كركوك الجوية، وكل هذا بدون علم أعضاء البعث في الحكومة( ).
كما عملت الولايات المتحدة من خلال سفارتها في بغداد على تسليح العراق مقابل السماح لخبراتها بالإطلاع على الأسلحة السوفياتية التي كان العراق قد أستوردها زمن قاسم( ).
لكن هذه الحرب لم تحقق شيئاً للطرفين، فضعف الاقتصاد العراقي، والأمن الداخلي بسبب الصراعات بين أعضاء البعث، وتشجيع عبد الناصر لعبد السلام عارف على تغذية الحرب في الشمال تمهيداً لإسقاط البعث العراقي، وذلك بسبب الخلافات بين قادة البعث وعبد الناصر، وبالفعل فقد ذهب عبد السلام عارف إلى الشمال وأخذ يحرِّض على القتال ضد الأكراد، وضرورة استخدام كل الأساليب ضدهم، وزادت حدة الشائعات ضد العرب على أساس أن القيادة القومية في سوريا قد بعثت لواءاً سورياً إلى العراق لقتال الأكراد في العراق ودعم الجيش العراقي، رغم أن ذلك الجيش قد بعثته القيادة القومية بهدف دعم النظام العراقي الذي يوشك على الانهيار أمام تدخلات عارف، وإثارته للشقاق بينهم، لكن عارف جعله-بتكتيك سياسي وتحريضي- يذهب إلى الشمال بدل أن يتواجد في بغداد( ).
ورغم ذلك يعتبر بعث قوات سورية إلى العراق خطأ جسيماً؛ لأن الغرب إضافة إلى بعض الأكراد المتواجدين في الخارج، واللذين لهم مكاتبهم وصحفهم في العالم الغربي أصبحوا يصفون العرب بالشوفونيين، وأنهم يريدون التخلص من الأكراد أو تذويبهم ضمن الجسم العربي، فاشتدت الحملات الإعلامية على النظام، وخاصة الإذاعة الكردية في القاهرة، التي أخذت تصف البعث بأنه حزب فاشي، كما أخذت المنظمات الكردية في الخارج تشن حملاتها على ما أسمته التفرقة العنصرية ضد الأكراد، وتناشد الصليب الأحمر الدولي بضرورة التدخل لما أسمته وقف المذابح ضد الأكراد، وهذا ما حذا بالصليب الأحمر إلى أن يبعث شكوى إلى الأمم المحتدة ضد الحكومة العراقية، مطالباً بإدراج هذه الشكوى في جدول أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة( ).
ورغم أن الجيش العراقي حقق انتصارات حاسمة في الشمال ولم يبق سوى استسلام البارزاني، إلا أن اشتداد الصراع بين تيار حازم جواد، بعد سيطرته على القيادة القطرية، وإبعاده -بالتآمر مع بعض الضباط -على علي صالح السعدي عن السلطة وعن البلاد بعد تسفيرهم إلى إسبانيا، واتهامهم بإثارة عدم الاستقرار في العراق، مما حذا بمؤيدي السعدي في العراق، وأهمهم فرع القيادة القطرية في بغداد، التي اعتبرت أن القيادة الجديدة بقيادة حازم جواد غير شرعية، وأنها- فرع القيادة القطرية في بغداد - تمثل الشرعية، لحين قدوم القيادة القومية، وحلها لمشكلة الحزب( ).
وبعد وصول القيادة القومية لحزب البعث إلى بغداد، واستلامها مهام القيادة القطرية في العراق، بعد حلها للقيادتين - قيادة السعدي وقيادة جواد- في الحادي عشر من نوفمبر 1963، إلا أن تدخل عبد السلام عارف وتحالفه مع بعض الضباط البعثيين، الذين تخوفوا من عودة السعدي بعد انتهاء الأزمة في الحزب، كونهم ممن أيد حازم جواد في انقلابه ضد السعدي، لذلك وقفوا مع عارف في انقلابه، مستفيدين من خطأ القيادة القومية من حل القيادتين، حيث كان من الأحرى لها أن تنهي المشكلة بطريقة لا تثير أي طرف، من خلال تجميدها للوضع القائم، وأن تعيِّن قيادة بديلة، وتنحي الرئيس عبد السلام عارف، وتدينه، وأن تعلن الأحكام العرفية، وتسيطر مباشرة على الجيش، وبالتالي تخلق الجو الملائم للحل.
لكن رغم ما حدث بين النظام البعثي عام 1963 ، وبين الأكراد من مشاكل وحرب، أثَّرت سلباً على كليهما، وأضعف الوحدة الوطنية بين الطرفين، بسبب الرغبات الانفصالية للبارتي، وعدم احترامه للغة الرسمية للبلاد، بأن لا تدخل في المدارس ذات الأكثرية الكردية إلا كلغة ثانية ، ومطالبه ذات الطبيعة الاستقلالية، وعدم احترامه للثقافة الوحدوية التي يطالب بها الشعب العربي في العراق، إضافة لما في المجتمع العراقي من أقليات ، كل هذه الأشياء لابد أنها ساهمت في إضعاف الوحدة الوطنية في العراق، لكنها تتميز هذه المرحلة بأنه ولأول مرة يلتقي فيها الطرفان المؤهلان لحمل المسؤولية وجهاً لوجه،ويباشرا حواراً سياسياً صريحاً، لأول مرة يشعر الجانب الكردي أنه يفاوض فوق أرضية واحدة ،ويتمتع بحقوق متساوية مع مواطنيه الذين يمثلون الجانب الرسمي للحكومة المشتركة (العراقية ) ، فلم يكونوا يمثلون الشعب الكردي في العراق عن طريق قيادته السياسية ، بينما يمثل الجانب العراقي الرسمي عن طريق قيادته السياسية التي يمثلها حزب البعث ، الأمر الذي أتاح فرصة كبيرة للشعور بالثقة ،والتعامل بالرضى ، لكن انهيار المباحثات واللجوء إلى الحرب بين الطرفين قد أضعف هذه الثقة، ومزَّق الوحدة الوطنية في العراق خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من حكم البعث عام 1963.
والمشكلة الأخرى التي واجهها حكم البعث في العراق عام 1963 هو مشكلة الاعتراف بالكويت، حيث يرى الكثير من العراقيين أن الكويت تلك المنطقة التي تقوم فوق بحيرة من النفط هي جزء من العراق، على أساس أنها كانت في العهد العثماني تابعة للواء البصرة أما حاكمها الأول وهو المعروف بصباح الأول ، فقد انتقل من أم قصر إلى مدينة الكويت عام 1752، كما انتقل المكتب البريطاني من البصرة إلى الكويت عام 1773، إثر خلاف البريطانيين مع الأتراك، أيضاً صاحب ذلك انتقال المقيم البريطاني من مدينة البصرة إلى إحدى الجزر الكويتية وهي جزيرة فلكا، وأزيلت الحدود بين الكويت والعراق خلال الفترة (1932-1939)، كما أن الكثير من الكويتيين لهم ممتلكات في البصرة، كل هذه الأشياء دعت عبد الكريم قاسم -عقب انسحاب القوات البريطانية منها- إلى محاولة ضمها للعراق، وعقد مؤتمراً صحفياً في 25 يونيو 1961 هدد فيه بقطع العلاقات مع أي دولة تعترف بالكويت، كما انسحب من الجامعة العربية ؛ بسبب اعترافها بالكويت وضمها إلى جامعة الدول العربية، كما حاول بعد ذلك إقامة نوع من الاتحاد الفيدرالي مع الكويت، لكن حالت حركة البعث عام 1963 دون استكمال ذلك الاتحاد، بينما يرى الكويتيون أن الكويت كانت لها استقلاليتها منذ القرن السابع الميلادي وكانت عبارة عن قرية صغيرة اتخذها بعض الصيادين والبدو مقراً لهم، وأن قبيلة بنوخالد كانت تسيطر عليها إلى أن جاءت قبيلة أخرى تسمى العتوب الذين انحدر منهم آل الصباح والذين كانت لهم علاقات جيدة مع الشركة البريطانية المسماه شركة الهند الشرقية، ووقع حاكمها مبارك الكبير اتفاقية سرية مع بريطانيا عام 1899، لكن لم يستثن أي نظام حكم العراق أمر الكويت ومطالبة ضمها للعراق على اعتبار أن الكويت والكويتيون هم جزء من المجتمع العراقي، وأنها كانت على مدار تاريخها جزء من الدولة العثمانية مثلها مثل العراق ، لذلك فقد عارض الكثير من العراقيين مسألة اعتراف مجلس قيادة الثورة العراقية عام 1963 بالكويت كدولة مستقلة، بعدما وصل وفد كويتي برئاسة صباح السالم الصباح -الذي كان يشغل ولي العهد - إلى بغداد ولقاءه برئيس الوزراء العراقي أحمد حسن البكر، ومن ثم توقيع محضر مشترك في الرابع من نوفمبر وقد أذيع قرار الاعتراف من الإذاعة( ).
وكانت حجة بعض العراقيين ضد هذا الاعتراف، أن موضوع نشوء الدولة الكويتية كان في وقت كانت فيه الكويت إحدى المحميات البريطانية، والسيادة حسب القانون الدولي هي من المقومات الأساسية لنشوء الدولة، فإذا لم توجد حكومة مستقلة ذات سيادة، فيكون تشكيل الدولة غير قانوني، كما أنه لم يستفت الشعب العراقي رسمياً في مبدأ الاعتراف بالكويت( ).
لهذا السبب فقد استاء الكثير من العراقيين من هذا الاعتراف الذي اعتبروه بأنه ضد حق تاريخي للعراق، إضافة لما فيه من موارد، وموقع استراتيجي يتمتع بسواحل كبيرة في ظل السواحل المحدودة للعراق، وادعى الناصريين أن هذا الاعتراف قد تم في الوقت الذي وقَّع فيه مشروع الوحدة الثنائية بين سوريا والعراق، عقب انعقاد المؤتمر الخامس لحزب البعث عم 1963 ، حيث عملت الحكومة على المماطلة مع شركة (كونكورديا) الألمانية، في منح امتيازاً باستثمار الجزيرة العراقية، تمهيداً لمنحه للشركة الأنكلو أمريكية أي شركة نفط العراق( ).
والمشكلة الثالثة التي واجهها البعث خلال فترة حكمه عام 1963 هي الوحدة الثلاثية مع كل من الجمهورية العربية المتحدة، وسوريا، حيث كان البعث عقب حركته يدعو للوحدة العربية، وأنه يريد تطبيقها على أرض الواقع، وهذا الطموح طموح جميع العراقيين العرب، الذين يعتبرون أنهم ينتسبون إلى أمة أكبر، يجب توحيد أجزاءها، وأن يكون العراق هو الرائد في ذلك، خاصة في ظل دولتين مجاورتين لهما تأثير على مجريات الشرق الأوسط وهما إيران وتركيا، لكن شروع البعثيين في العراق في إبعاد الناصريين عن الحكم، والانفراد بالحكم ساهم في التأثير السلبي على العلاقات مع مصر، فرغم أن الوحدة الثلاثية قد حدثت بين سوريا والعراق ومصر، في السابع عشر من أبريل 1963، إلا أن قمع الناصريين في سوريا وإبعادهم عن الحكم عقب حركة جاسم علوان في 18 نوفمبر 1963، وإعدام الكثير من الضباط الناصريين، جعل الفوارق بين البعث والجمهورية العربية المتحدة، كبيراً إضافة لما ساد من عدم ثقة بين الجانبين عقب إذاعة محاضر جلسات الوحدة بين الدول الثلاث من خلال إذاعة صوت العرب، وإذاعة القاهرة ، وعلى هذا الأساس شنت مصر حملة إعلامية مكثفة ضد البعثيين السوري والعراقي، وأخذت تدعم الناصريين إلى أن تم إسقاط البعث عن طريق عبد السلام عارف- الموالي لعبد الناصر- والذي شرع في إبعاد البعثيين عن كل مراكز الدولة وإلغاء حزبهم( ).
وتكمن أهمية مبادرات مساعي العراق الوحدوية، أنها قد أثارت، الأكراد الذين اعتبروا أنهم من الممكن أن يذوبوا فيها، خاصة أن الجنسية لن تكون عراقية في الدولة الجديدة بل ستكون عربية كما كان مفترضاً ، لذلك رأينا أنهم طالبوا بأن يكون لهم إقليماً خاصاً بهم، وأن ترفق جنسيتهم في أوراقهم الرسمية، وأن يكون لهم حكماً ذاتياً، بالرغم من أنهم أيدوا الطموحات العراق الوحدوية، كونها تشكل إحدى أهم ثقافات المجتمع العربي خلال فترة المد الثوري في الخمسينات والستينات من القرن الماضي ؛ لذلك فقد عالج المؤتمر السادس للحزب في بيروت عام 1963 هذه القضية ، حيث أصدر قراراً بضرورة الوحدة الثنائية بين سوريا والعراق وإنجازها في مدة أقل من شهرين، وأن يكون اسم الدولة الجديدة الجمهورية العربية الديمقراطية الشعبية، لكنه طلب ضرورة إنهاء النزاع المسلح مع الأكراد، وحل المشكلة الكردية سلمياً بإقرار الحقوق القومية للشعب الكردي، والإسراع بتطبيق اللامركزية، وفق حق تقرير المصير للشعب الكردي( ).
والخلاصة أن حزب البعث رغم محاولاته تحقيق مبدأ احترام وحدة البلاد ولغتها الرسمية وثقافتها الوطنية، فإنه اصطدم بتعنت كردي من خلال حزب البارتي، الذي ساهم في تأزم الموقف مع البعث ؛ لإشعال الحرب في المنطقة الكردية، إضافة إلى غياب روح الحوار بين النظام السياسي الحاكم وبين الأكراد، فكان من الممكن إشراك جهات خارجية تسعى لإيجاد الحل بدل رفع السلاح ، كما أن اعتراف النظام بالكويت ساهم في إثارة الكثير من العراقيين الذين يعتبرون أن الكويت جزءاً من العراق، وأن الاعتراف بها هو تفريط بحق تاريخي، وعدم احترام لمشاعر الشعب وثقافته، إضافة أن سعي العراق للوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة وسوريا، قد ساهم هو الآخر في تأزم العلاقات بين النظام والأكراد الذين أكدوا على مطالب تسعى لتقسيم أبناء الشعب العراقي، والمنطقة العراقية وإثارة التمايز فيها، وعدم الرغبة في تعلم اللغة العربية واستعمالها في المناطق الكردية، وهذا مما كان له أكبر الأثر على إضعاف التواصل بين العرب والأكراد في العراق.
ثانياً : مدى تحقق الحرية والعدالة والمساواة في الدولة
منذ وصول البعث إلى السلطة في العراق بدأ بمكافحة الشيوعيين ومؤيدي النظام القاسمي، وبدأت حملة اعتقالات، وإعدامات كثيرة ضد الشيوعيين وإغلاق صحفهم ونقاباتهم، إضافة إلى جميع الشيوعيين الذين كانوا معتقلين في زمن قاسم قبل حركة البعث الثامنة من فبراير من عام 1963م( )، وقد استعملت مليشيات البعث المسماة "الحرس القومي" ، والتي أقرها مجلس قيادة الثورة، على أساس أنها ضمن الجيش العراقي وهدفها حماية النظام من أعداءه، لكنها كانت مليشيات قاسية جداً على الشعب العراقي ككل، ففي سجن أبي غريب الذي اتخذ كأحد السجون التي يسجن فيها المعتقلين من خلال قوات الحرس القومي، كان عدد السجناء يصل إلى حوالي ستمائة سجين، تركوا دون طعام أو شراب، لمدة ثلاثة أيام, ولم يكن المكان المخصص لكل واحد منهم في السجن يزيد عن متر واحد، وكانت ممارسات الحرس القومي للسجناء فيها الكثير من الإهانات والتعذيب( ).
والكثير من هؤلاء المتهمين كان يؤخذ بتهمة دون أي أدلة أو براهين تثبت ضلوعه بالشيوعية، أو بأي جريمة أخرى، فقد شكل الحرس القومي لجان تحقيق من قبل بعض الأعضاء المنحرفين أخلاقياً، وأخذوا يمارسون إهاناتهم واعتقالاتهم وتعذيبهم للمعتقلين، بدون الرجوع إلى الحكومة أو إلى قيادة الجيش التابعين له، وأصبحت مكاتب التحقيق التابعة للحرس القومي، التي اتخذت من بعض المقرات ومنها محكمة المهداوي مراكزاً لها، تمتلك السلطة المطلقة في اعتقال من تشاء من أفراد الشعب، وساد الفساد الإداري في هذه المراكز، فكان الكثير من المعتقلين يدفعون الأتاوات أو الرشاوي مقابل إطلاق سراحهم ، حتى أن بعض المستقلين ممن كانوا خطراً على النظام، أطلق سراحهم مقابل بعض الرشاوي، ولم يكتف عناصر الحرس القومي بالاعتقالات والتعذيب وأخذ الرشاوي، بل وصل بهم الحد إلى إعدام الكثير من المعتقلين ودفنهم في مناطق مختلفة تحت ستار الليل، وبتكهم رجال الحرس القومي على ذلك، أيضاً كان اتهامهم للكثير من القوميين الوحدويين والناصريين بالشيوعية، عاملاً ساهم في زيادة عدد المعتقلين بشكل كبير كون القومين والناصرين يشكلون تياراً كبيراً في المجتمع العراقي( ).
ورغم أن الحرس القومي هو جزء من القوات المسلحة العراقية كما نصت المادة الأولى من قانون الحرس القومي، إلا أن حب السيطرة والانفراد بالحكم قد استولى على بعض قادة الحرس القومي، وأباحت لهم ارتكاب الأعمال المخالفة للقانون ضد أبناء الشعب، وضد بعض أفراد السلطة أيضاً، وهذا ما حذا بقيادة القوات المسلحة إلى توجيه كتاباً إلى قيادة الحرس القومي برئاسة المقدم منذر الونداوي، لوضع حد لهذه التصرفات، حيث أرسل هذا الكتاب في الرابع من يونيو من عام 1963، وكان مضمونه: " إن الحرس القومي يقوم بأعمال من شأنها تعكير صفو الأمن وراحة المواطنين، وإذا استمرت هذه الأعمال، فإن القيادة العامة للقوات المسلحة تجد نفسها مضطرة لحل الحرس القومي"( ) ، مما حذا بقائد الحرس القومي الونداوي إلى التأكيد على أن الحرس القومي قوات شعبية ذات قيادة مستقلة، ولا يحق لأحد أن يصدر مثل هذه الأوامر والتعليمات، إلا لمن له صفة تمثيل الشعب، الذي هو المجلس الوطني لقيادة الثورة ، وإن الأخطاء والمخالفات التي حدثت من بعض أفراد الحرس القومي، إنما هي أخطاء فردية تحدث أمثالها في كل من الجيش والشرطة والأجهزة الأخرى، وأن قيادة الحرس القومي هي السلطة المسؤولة عن مراقبة وتصحيح مثل هذه القضايا( ).
ولكن أي قانون يقصده قائد الحرس القومي في ذلك ، فقانون الدولة ينص على أن المواطنون سواسية أمام القانون، كما أن دستور البعث، لا يتيح للبعثيين القتل والسحل وانتهاك الأعراض، والاعتداء على النساء، والنهب والسلب، وإهانات المواطنين، إضافة إلى أن الحرس القومي لم يتقيد بالقانون الذي أسس بموجبه، والذي تنص مادته الأولى على ربطه بالقوات المسلحة، وأنه يتلقى تعليماته من وزارة الدفاع، وبناءاً على ذلك فالحرس القومي وقيادته قد داسوا على حرمة القانون واستهتروا بقدسية النظام، إضافة إلى أن الحرس القومي لم يحترم رموز المجتمع العراقي من أساتذة جامعات، وضباط جيش، واتهامه لمن ينتقده بالشيوعية، إضافة إلى اعتداءه على أفراد الشرطة، وتدخله في المحاكم العسكرية والمدنية للمواطنين، وتدخله أيضاً في أعمال التجارة الداخلية، ومديرية التسويق، وممارسته لأعمال التهريب بالتعاون مع بعض مهربي المواد الغذائية، وتدخله في قضايا الإصلاح الزراعي وفي قضايا الفلاحين، وجمعهم المبالغ الضخمة بحجة التبرعات بدون أخذ الموافقات القانونية، وتدخلهم أيضاً في توظيف الموظفين، مع ضرورة موافقتهم على التوظيفات، وتعيينهم لبعض الإداريين الغير مؤهلين في شغل مناصب معينة بحجة انتسابهم للحرس القومي أو للبعث، وسرقتهم للسيارات، وحصولهم على أموال التبرعات التي كانوا يقومون بها بأنها تبرعات لشهداء ثورة الثامن مارس، رغم أنها ذهبت إلى جيوبهم، وأخذهم إتاوات من المسافرين خارج العراق أو الداخلين إليه، وفرضهم إرادتهم على الموظفين والعمال بما يحقق لهم رغباتهم منهم، أو في الدائرة التي يشتغل بها، و إلا فأنه سيتهم بالشيوعية( ).
قد انتقد أحد أفراد الحرس القومي هذه التصرفات وبعث بشكوى إلى القيادة القطرية حول ذلك في رسالة له في 29 يوليو 1963جاء فيها مبنى قيادة الحرس القومي أصبح ساحة لملتقى (الأوانس والفتيات) المرتبطات بصداقات أعضاء هذه القيادة، الذين أصبح جنودهم معتادين على مشاهدة السيارات التي تقودها الفتيات أو تحمل الفتيات، فالحرس القومي يجب أن يقدر المسؤولية والأمانة التي أنيطت به ، وإن الحزب ورسالته فوق الجميع ليظل برئياً من أخطاء بعض المخطئين ( ).
وكان من الضروري إلغاء مكاتب التحقيقات الخاصة بالحرس القومي، والاستعاضة عنها بتشكيل هيئة تحقيق أمن الجمهورية المرتبطة بالمخابرات العسكرية لكن قيادات الحرس القومي رفضت ذلك بحجة أن الأوامر يتلقونها من القيادة القطرية للبعث، أي من على صالح السعدي، ورغم أن وزير الدفاع الفريق صالح مهدي عماش حدد دور الحرس القومي وصلاحياته، وربطه بالمخابرات العسكرية، وبالحاكم العسكري العام، وبالمحكمة الثورية، إلا أن قيادة الحرس لم تتمثل لأوامره، حتى أن رئيس الحرس القومي نفى تلك التهم الموجه إليه ، مؤكداً أنه مع الثورة ضد كل من يستهين بها أو يعارضها( ) ، وعلى هذا الأساس لم يتورع رجال الحرس القومي لا لأوامر الحاكم العسكري ولا ولأوامر قادة الجيش، وأصبح أي مواطن عراقي معرضاً لتجاوزاتهم وإهاناتهم واتهاماتهم، وإجبارهم على الانتساب إلى الحرس القومي، مع أنه معظم قياداته كانت من ذوي أخلاق ذميمة ، وكانوا عاطلين عن العمل، أو لأنهم بعثيون، من دون أي كفاءات علمية أو إدارية أو قيادية( ).
كما أن الكثير من البعثيين الذين تولوا في الحكومة أو مجلس قيادة الثورة، أو في القيادة القطرية للحزب في العراق، كانوا من الشباب الذين تنقصهم الخبرة والدراية بأمور الحياة والدولة، وهذا ما أثار الكثير من ذوي الخبرة والدراية والذين أمضوا الكثير من حياتهم في ذلك، وحول تولي هؤلاء للمناصب في الدولة يقول ميشيل عفلق: " من الضروري أن يتسلم الشباب البعثيون الصغار مقاليد الحكم ، ثم يخرجوا ويأتي شباب يعني آخرين، ويبقى في الحكم فترة وجيزة، ثم يستقيل، فيصبح في النهاية حصيلة لا بأس بها من الشباب الذين يحملون لقب وزراء سابقين"( ).
إن أمور الأمة والدولة، لم يستطع هؤلاء الشباب الغير مدربين وغير ذوي الكفاءة أن يقوموا بها ، لأنه تنقصهم الكفاءات، وتحجب هذه المناصب التي تولوها عن ذوي الخبرة والدراية التي يمتلأ العراق بالكثير من كوادرها ، فلو تتبعنا مثلاً بعض أهم هؤلاء القيادين وأعمارهم ومستواهم التعليمي فسنجد أن علي صالح السعدي، كان معلم ابتدائي، وعمره 35 سنة ، أما حازم جواد، فمطرود من المعهد العالي للمعلمين، وعمره 28سنة ، وهما قمة هرم السلطة ، إضافة للأعضاء الآخرين ممن لم يكونوا مؤهلين تعليمياً لتسلم المناصب في الدولة ، ومعظم هذه المجموعة ينتمون إلى الطبقة الوسطى وإلى البعث، ورغم أنه لم يكن عندهم طائفية مذهبية أو عرقية لتؤثر على العلاقات فيا بينهم، إلا أن معظم هذه القيادات المدنية كانت شيعية وأبرزها: (علي صالح السعدي، وحازم جواد، وهاني الفكيكي، وطالب الشبيب)، لكن معظم القيادات العسكرية كانت سنية، مثل:(أحمد حسن البكر، وصالح مهدي عماش، وحردان التكريتي، وعبد الستار عبد اللطيف، ومنذر الونداوي) ( )، كما أن علي صالح السعدي، هو من أصول كردية، حتى أن أخاه كان عضواً قيادياً في حزب البارتي، وهذا يؤكد عدم طائفية أو إقليمية أو عرقية القيادة البعثية في العراق عام 1963.
وفي ظل حكم البعث عام 1963، أصبح يساق الناس إلى المعتقلات لمجرد اعتناقهم أيديولوجية أو فكر غير بعثي، بما في ذلك القوميون والناصريون، لكن أكثر من تعرض لاضطهاد البعث كان الشيوعيون، الذين كان لهم دور بارز خلال فترة حكم عبدالكريم قاسم، وكان عبد السلام عارف يغذي هذه القسوة من قبل البعث العراقي، فهو الذي شجع على إعدام ما يقارب أربعمائة وخمسين شيوعياً، عام 1963، وذلك من خلال ما عرف بقطار الموت الذي أخذ فيه الشيوعيون من بغداد إلى البصرة وماتوا بسبب الاختناق، ودرجة الحرارة المرتفعة( )، ورغم ذلك رأى ميشيل عفلق أن المجازر التي ارتكبت بحق الشيوعيين، لا تدخل في طائلة مسؤولية البعث ؛ لأن البعث في العراق كان في حالة دفاع عن النفس، كما برر حملة الاعتقالات ضدهم، واصفاً الأحزاب الشيوعية العربية بأنها أحزاب قطرية وإقليمية( )، رغم أن الانتقامات البعثية من الشيوعيين كانت مبنية على روح الثأر والحقد والانتقام، وهو ما زرعته العشائرية- من خلال العشيرة- برجالها الذين تحولوا إلى قيادة الجيش والدولة، وهذا ما يفسر رفضهم لطلب عبد الكريم قاسم الذين تحولوا إلى قيادة الجيش والدولة، وهذا ما يفسر رفضهم لطلب عبد الكريم قاسم أن ينفي إلى الخارج، أو أن تتشكل له محكمة علنية على التلفاز، كما يفسر رفضهم لطلب زعيم الحزب الشيوعي سلام عادل وهو الاسم الحركي لحسين أحمد راضي، حيث رفضوا طلبه بأن يتناسى الجميع الماضي، ويعلنوا بيان قومي مشترك( )، حتى أن أحد قادة البعث وهو أول قائد للحرس القومي مصطفى عبد الكريم نصرت، قال وهو في السجن لأحد الشيوعيين الذين كان قسماً منهم مازال قيد الاعتقال بعد سقوط البعث على يد عبد السلام عارف،: "لو جئتم إلى السلطة وقتلتمونا بالدبابات سيكون ذلك من حقكم، لأنه لم يبق شئ لم نستخدمه ضدكم"( )، وهذا ما يفسر قتلهم لابن أخت عبد الكريم قاسم، وهو الطيار (طارق القيسمي)، وإظهارهم لجثث قاسم ورفاقه، على التلفاز وتمثيلهم بجثثهم، كل هذه الصفات عشائرية بدوية غير حضارية( ).
وقد أيدت بعض العشائر العربية في شمال العراق النظام الذي ساد، رغم قيامه بعمليات تهجير لبعض القرى الكردية من سكانها وإسكانها للعشائر العربية، مثل قرية بندور وهي قرية غرب جبل القوس في الشمال، على اعتبار أن هذه العشائر التي كانت موجودة في القرى كان تؤيد البارتي( ).
وبعد فشل ميثاق الوحدة الثلاثية بين العراق وكل من سوريا ومصر، بعد تحديد فترة للوحدة بعد حوالي سنتين، واتخاذ إجراء استفتاء في كل من هذه الدول خلال ثلاثة أشهر، وأن تكون هذه الوحدة على شكل فيدرالي بحيث تكون الحكومة الاتحادية مسؤولة عن الخارجية والدفاع والمالية والإعلام والتعليم والعدل والمواصلات الاتحادية، أما المشاتل الأخرى فتكون من اختصاص الحكومات الإقليمية الثلاث، والسلطة الاتحادية مسؤولة أمام الجمعية التشريعية الاتحادية التي ينتمي إليها رئيس الجمهورية لمدة أربعة سنوات، وتتألف من مجلس اتحادي يضم ممثلين متساويين في العدد في كل دولة من الدول الثلاث، ومجلس نواب منتخب يكون نصف أعضاءه من العمال والفلاحين، وعليه فإن سبب فشل الميثاق منذ الأشهر الأولى لقيامه هو قمع الناصريين في سوريا بعد فشل انقلاب جاسم علوان في 18يوليو 1963، ثم انتقل الخلاف إلى كلا القيادتين القطريتين في سوريا والعراق، وهذا مما حذا بعبد الناصر إلى تعبئة عبدالسلام عارف، لإسقاط البعث في العراق، وذلك بعد زيارته لمصر في نفس السنة، ثم بدأت حملة إعلامية بين البعث وعبد الناصر، حيث اتهم عبد الناصر البعث بأنه حليف للاستعمار بقوله في 22/10/1963: "إن حزب البعث يتحالف اليوم مع الاستعمار، ومع أعوان الاستعمار، إن حزب البعث لا يستطيع أن يحكم إلا إذا فرض الإرهاب بالحديد والنار، أنه حزب فاشستي لا يمثل الشعب، أنه حكم بنى وجوده على الدم"( ) ، لكن ميشيل عفلق انتقد تصريح عبد الناصر معتبراً أن النظام الناصري قد اتبع سياسة التي بيروقراطية إقليمية، ولاعقائدية وإقليمية تسعى لأن تكون هي المتفوقة والمسيطرة( ).
ثم أخذت القيادة القطرية تحرض على إبعاد الناصريين عن أجهزة الحكم بحكم خلافها مع عبد الناصر، فأصدرت بياناً جاء فيه:"يعتمد نظام الحكم في القاهرة على التيار الناصري، وهو التيار الذي تدعمه القاهرة، وتتألف قياداته من مرتزقة عهد الوحدة، ومن الأذناب والانتهازيين والعملاء، وبقايا المباحث والمخابرات"( ) .
وتجدر الإشارة هنا إلى القول أن تخوف عبد الناصر من وحدة مع سوريا والعراق، بحيث يصبح حسب قوله بين المطرقة والسندات، جعله يعرض عن هذه الوحدة إضافة لعدم رغبته من انتقال مركز العروبة إلى بغداد أو دمشق، فيما لو حصلت وحدة بينهما، على اعتبار أن ذلك قد يقود إلى هلال خصيب بعثي معادي لعبد الناصر، لهذه الأسباب لم يشجع على الوحدة الثلاثية مع بعثي سوريا والعراق، والاستعاضة عنها باستراتيجية إسقاط البعثين السوري والعراقي، فكان فشله من خلال جاسم علوان في إسقاط البعث السوري، جعله يتفق مع عارف وطاهر يحيى على إسقاط البعث العراقي، وذلك بالتقارب مع البعث العراقي على حساب البعث السوري ( ).
وهذا الكلام فيه الكثير من الصحة، حيث أن ميشيل عفلق أعد برنامج للبعث بعد وصوله للحكم في العراق، لكن لم يتطرق برنامجه للموقف من الوحدة، ولا لمشكلة الأقليات وخاصة الأكراد، ولا للسياسة النفطية أو قانون الإصلاح الزراعي، كما أنه عندما طرح مشروع الوحدة الثلاثية، وكان الزعيم• أحمد حسن البكر متحفظاً على الوحدة، وعدم التسرع بها متذرعاً بالمشكلة الكردية والخطر الإيراني والمشاكل الاقتصادية( ).
وعلى هذا الأساس كان إبعاد الكثير من الناصرين عن الحكم، مدعاة لسخط الكثيرين، كون الكثير منهم من أصحاب الكفاءآت العالية ، وخاصة الضباط الناصريين، والقوميون العرب، وأخذ البعث يضع الموالين له في المراكز الرئيسية كما أصبحت الكليات العسكرية والأمنية، لا تقبل في صفوفها سوى البعثيين( ).
وهكذا ابتعد البعث عن الجماهير، وشكل الضباط البعثيون طبقة خاصة بهم لها قوانينها الخاصة بهم، وأسعارها الخاصة، وسكنوا بعيداً عن الطبقات الفقيرة، وعملوا على جعل ثكناتهم العسكرية، على أفخم طراز من مكيفات ووسائل ترفيه، رغم أنهم كانوا من أقل الفئات المثقفة علماً ودراية( ) ، هذا إذ ما علمنا أن الثورة عندما تكون بأيدي شباب تنقصهم الخبرة، وروح الاعتدال وشعور التساهل والتسامح، ومن طبقة فقيرة عانت من الأغنياء فيكون انتقامهم قوياً، لأن الانتقام من غرائز البشر، رغم أن جميع البعثيين الذين حكموا العراق عام 1963 كانوا ينتمون إلى الطبقة الوسطى، التي لها جاذبية عند معظم أفراد الشعب وخاصة من الطبقة الفقيرة، إلا أن ضباط البعث عملوا على زيادة الفوارق بينهم وبين الجنود من ناحية المرتبات إضافة لما ذكرناه ، من تجهيزات وأسواق خاصة بهم، فقد استفادوا من مخصصات ورواتب القوات المسلحة، وزادت مرتباتهم بنسبة ستة أضعاف، وبالنسبة للفوارق بين الجنرالات، والجنود فقد كان الفارق يصل إلى واحد على ستة وأربعين ووصلت مخصصات الإنفاق العسكري إلى 1/31%( )، وهذا مما أثر سلباً على الاقتصاد العراقي.
كما أن الإجراءات الاشتراكية التي قام بها البعث من خلال الإصلاح الزراعي والتأميم، جعلت هناك انشقاقات في المجتمع العراقي، فرغم أنها لم يكن لها أي صفة طائفية أو عرقية، إلا أن الشيعة نظروا إليها على أنها إجراءات مورست ضدهم، على اعتبار أنهم يشكلون الطبقة التجارية المسيطرة على معظم مناطق العراق( )، كما أن رجال الدين كانوا ممانعين لهذه الإجراءات منذ عهد قاسم على أساس أنها لا تتطابق مع الشريعة الإسلامية.
ولعل مما زاد في ابتعاد الشعب والجماهير عن القيادة البعثية في الدولة العراقية عام 1963، هو المحسوبية التي ظهرت بين أعضاء البعث، فعلى سبيل المثال عندما اشتكى آمر موقع البصرة، لقائد الأركان الزعيم طاهر يحي عن تجاوزات الحرس القومي هناك، وادعائهم أنهم يأخذون أوامرهم من القيادة القطرية للبعث، أو من قيادة الحرس القومي، وأنهم يمثلون السلطة العليا في الدولة، قام وزير الدفاع الفريق صالح مهدي عماش بنقل قائد الحرس القومي من البصرة إلى أحد قطاعات الجيش، بدلاً من معاقبته، وكان ذلك مجاملة لقيادة الحرس القومي، كما أن علي صالح السعدي، كان يعين المحافظين دون استشارة وزير المالية أو مجلس الوزراء( )، وعلى هذا الأساس لم يكن حزب البعث سوى اتحاداً لمجموعة من الجماعات التي تجمعها أيديولوجيا وأسباب مهنة، لكن بدرجة أكثر الأصول الطبقية المشتركة، والعلاقات الشخصية بين أفراده، وهذه الأشياء كانت سبباً في توليد التضامن بين أفراد البعث( ).
ورغم ذلك حدثت انشقاقات داخل حزب البعث، بين تيار على صالح السعدي، وتيار حازم جواد، حيث اتهم السعدي خصومه – أي جناح جواد ـ بأنهم غير اشتراكيين، واختلف البعثيون فيما بينهم حول تفسيرات شعارات البعث في الوحدة والحرية والاشتراكية، ونشأت داخل الحزب تكتلات مختلفة الاتجاهات، أهمها جناحي السعدي وجواد، كما تحالف السعدي مع تيار القيادة القطرية في سوريا- ذلك التيار المتشدد حول الاشتراكية- برئاسة حمود الشوفي، وكانت سيطرة السعدي وتأسيسه للحرس القومي، هو لمواجهة التيار العسكري للبعث في الجيش العراقي، الذي يضم مجموعة الضباط البعثيين ، ولفرض إرادته على التنظيم البعثي الذي يعتقد أنه يمثله، وهذا ما حذا بحازم جواد إلى التحالف مع الضباط القوميين من غير البعثيين، إضافة لبعض الضباط البعثيين، بقصد إبعاد السعدي أو تحجيم قوته العسكرية، والحزبية، وهذا ما ساهم في اتفاق مجلس قيادة الثورة على إبعاده عن الداخلية، وتعينه وزيراً للإرشاد، وأن يحل محله في الداخلية حازم جواد، كما اختلف التياران حول الوحدة مع مصر، حيث رأى جناح جواد ضرورة الوحدة الفورية مع مصر، بينما رأى السعدي ـ الذي يميل إلى رأي القيادة القومية ـ أن الموضوع حساس جداً في الوقت الذي يتفاوض فيه الأكراد من خلال البارتي مع الحكومة( ).
وعلى هذا الأساس حدثت اشتباكات بين البعث بمليشياته المسلحة، من خلال الحرس القومي، مع الناصريين وحركة القوميين العرب، الموالية أيضاً لمصر، وازدادت تجاوزات الحرس القومي ضدهم، مما حذا بحازم جواد إلى الاتفاق مع بعض العسكريين البعثيين الموالين له في الانقلاب على علي صالح السعدي، أثناء انعقاد المؤتمر القطري السادس في الحادي عشر من نوفمبر 1963، وإبعاده عن العراق، مع أهم مؤيديه في القيادة القطرية، وانتخاب قيادة قطرية جديدة تكسب تأييد الضباط البعثيين، وبالفعل، ثم إبعاد السعدي خارج العراق، وهذا أثار مؤيدو السعدي في الحرس القومي، وخاصة رئيسه منذر الونداوي، الذي قاد هجوماً جوياً على معسكر الرشيد والقصر الجمهوري، وسيطر أفراد الحرس القومي على المراكز الحيوية في بغداد( ).
وهذا ما دعا الضباط العسكريين، وعلى رأسهم أحمد حسن البكر وصالح مهدي عماش إلى دعوة القيادة القومية للمجيئ إلى بغداد، وحل أزمة الحزب ، وبسبب تخوف بعض الضباط من قراراتها، التي من الممكن أن تؤيد عودة السعدي إلى العراق، وانتقامه منهم بعد ذلك ، قرروا التحالف مع عبد السلام عارف لإسقاط البعث، حيث تعاون معه، قائد الأركان طاهر يحي، وقائد القوى الجوية حردان التكريتي، والعقيد عبد الستار عبد اللطيف( )، إلا أن رئيس الوزراء أحمد حسن البكر بالرغم من إنه هو الذي خطط لإسقاط الحرس القومي، لكنه لم يكن يهدف من ذلك لإسقاط البعث كلياً حيث قال حول تلك الخطة، "على بركة الله أنا موافق"( )، إلا إنه طالب بوقف العملية قبل يومين من تنفيذها، بعد قرارات القيادة القومية عند وصولها بغداد، لكن رفض الضباط التوقف بعد أن أصبحت التحضيرات جاهزة، مما حذا به إلى الانسحاب من العملية كلياً، وقد اتهم عبد السلام عارف عقب انقلابه، بأن علي صالح السعدي كان يريد فرض الديكتاتورية، والاستهتار بحقوق الشعب وقوانين البلاد، وأنه حاول أن يجر البلاد إلى حرب أهلية وثارات عقائدية تخدم مصالح أعداء العراق( ).
لقد أثبت انقلاب عبد السلام عارف في 18 نوفمبر أن ضعف القيادة البعثية وانشقاقها، كان سبباً استغله عارف للانقلاب على البعث، وفي ذلك يقول أحد ضباط الجيش الذين شاركوا مع عارف في الانقلاب : "كان-عارف- يراقب هذا الصراع ويشجعه, وكان شديد الكره لعلي صالح السعدي, لأنه لم يكن يحترم مقامه كرئيس للجمهورية..... وكان يحسب نفسه بصفته أمين سر القيادة القطرية للحزب, أكبر من رئيس الجمهورية, ومن رئيس الوزراء"( ) ، إضافة إلى ضعف جماهيرية البعث في مراحله الأخيرة، بسبب تجاوزات الحرس القومي، فتسفير علي صالح السعدي والانقلاب عليه من قبل حازم جواد أضعف الجبهة الداخلية للبعث خاصة بعد أن اعتبر التيار الموالي له وهو قيادة فرع بغداد أن القيادة القطرية الجديدة لا تمثل الشرعية، وأنه يمثل الشرعية، لحين مجيء القيادة القومية وحلها لأزمة البعث في العراق، إضافة لتأييد الاتحاد العام لنقابات العمال له، وعلى ذلك كان بيانه الذي جاء فيه أنه انتفاضة للدفاع عن كيان الحزب ونظامه الداخلي وأخلاقياته، ضد المجموعة التي حاولت أن تدعي تمثيل الحزب وتقوده بأساليب لم يعرفها الحزب في يوم من أيام تاريخه النضالي، مستغلين طيبة بعض الضباط بشكل غير حزبي لعزل القيادة القطرية الشرعية المنتخبة ، وفرض قيادة غير شرعية ، وفرض عضويتها، حتى على بعض أعضائها، وأن قاعدة الحزب هي الضمانة للدفاع عن الحزب ، قد قام عضوان من القيادة القومية بالاتصال بقيادة فرع بغداد كأعلى سلطة منتخبة على مستوى العراق حيث طلبت إصدار بيان يعلن فيه طلب استلام القيادة القومية المسؤولية في العراق ، وحل أزمة الحزب عن طريق النظام الداخلي، كما وطلبت قيادة الفرع تسفير ثلاثة من القيادة القطرية الجديدة التي انقلبت على القيادة الشرعية إلى خارج العراق خوفاً من أن تحاول الالتفاف على الحزب ( ).
ورغم أن القيادة القطرية القديمة بقيادة علي صالح السعدي قد أصدرت مقررات من بينها تصحيح انحراف الحرس القومي، وعدم ملاحقة الشيوعيين لغرض الانتقام، إلا أن تدخلات عارف كان لها تأثيرها في ذلك الانقلاب( )، كما تتحمل القيادة القومية مسؤولية عدم تدخلها لتصحيح الأخطاء في مهدها، وإبعاد عبد السلام عارف منذ البداية عن رئاسة الجمهورية، رغم علمها بأن ثمة مؤامرة تحال ضد البعث من خلاله ، وعلى هذا الأساس كانت خطتها الفاشلة ببعث قوات سورية إلى العراق لحماية البعث هناك، وإبعاد القوات غير الموالية للبعث إلى الشمال، لكن حدث العكس حيث أبعدت القوات السورية إلى الشمال، وبعثت القوات غير المؤيدة في بغداد.
وعلى هذا الأساس كان من هم أسباب سقوط البعث في 18 نوفمبر 1963 هو عدم الخبرة في إدارة الدولة ومؤسساتها وعلاقاتها، وعدم وجود إدارة عقلانية للبلاد، حيث كانت إدارتهم بعقلية المعارضة السياسية، وليس بعقلية الحكام المتمرسين، كما أنه لم يكن للبعث برنامج سياسي متفق عليه في مجال إدارة الدولة سياسياً واقتصادياً ، إضافة للخلافات الداخلية في الحزب ؛ بسبب تقاطع الجدل حول عدم وجود برنامج متفق عليه، وعدم الاتفاق على رموز القيادة في تلك المرحلة، وانشغالهم بمن هو الأجدر لرؤوس القيادة السياسية، وسيادة خطاب ثوري متشدد مثله علي صالح السعدي بضرورة القضاء على الرجعية والإقطاع، وإتباع الخط الماركسي العلمي، بخلاف تيار حازم جواد الذي كان يرى كسب موقف الإقطاع من رؤساء العشائر وتذويبهم بهدوء في العملية السياسية، إضافة إلى تجاوزات الحرس القومي، وعدم تقيد قيادته بالقيادة العسكرية المركزية، وسيادة روح العلاقات الشخصية والمحسوبية، وابتعاد القيادة عن الجماهير من خلال وجود فجوة بينهما، إضافة إلى ابتعاد البعث عن القوميين والناصريين، وتشدده حيال الشيوعيين الذين وصفهم بالعملاء، وسيادة الخلاف والشقاق بين أعضاء البعث، وخاصة بين المدنيين والعسكريين، فكانت ردة فعل هذه الأشياء مجتمعة هو سقوط النظام، وانفراد عبد السلام عارف بالسلطة بعد انقلابه في 18 نوفمبر1963.
مما سبق نرى أن البعث لم يستطع أن يحقق الحرية والمساواة والعدالة في المجتمع العراقي، بسبب تخبط سياسته حيال تناقضات المجتمع العراقي، وعدم جدية قياداته في تحقيق ما دعت إليه في بيانها الأول، من أنها تسعى إلى الديمقراطية والحرية، وتحقيق المساواة والعدالة، فكانت أخطاء النظام، وتجاوزات تنظيمات المسلحة، والمدنية، سبباً ساهم في إضعاف الوحدة الوطنية بدلاً من تقويتها، وقاد إلى سقوط البعث في النهاية.

ثالثاً : الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي
كانت مركزية حزب البعث في العراق خلال الفترة 1963، سبباً لقلة شعبيته، فقد كان يصعب الوصول إلى مرتبه العضوية العاملة في الحزب، فلم يكن يضم خلال هذه الفترة سوى ألف وخمسمائة عضو عامل في الحزب، ولم يزداد عددهم كثيراً خلال الفترة التي حكم فيها البعث عام 1963، وقد انتقد ميشيل عفلق هذه المركزية، وقال أنها من الأخطاء التي أدت إلى سقوط البعث عام 1963، حيث أكد في المؤتمر الاستثنائي لحزب البعث في سوريا عام 1964 ، أن حزب البعث في العراق ضم الآلاف من الشباب العربي المجربين، ولكن هؤلاء حرموا من العضوية العاملة التي حصرت بمئات الأعضاء الموزعين على المحافظات المختلفة والذين بهم حكم ملايين العراقيين، وهذا ما كان من تناقض كلي مع روح المبادئ الحزبية ( ).
كما أن من أسباب عدم تفاعل الشعب مع النظام السياسي، أن معظم القادة كان صغير السن، فأربعة من أعضاء قيادة الثورة كانوا في العشرينات من العمر، وإحدى عشر كانوا في سن الثلاثينات، ولم يكن هناك سوى أربعة في الأربعينات، حيث ترافق صغر السن مع جهل كبير وافتقار إلى المخيلة، حتى أن ميشيل عفلق انتقد ذلك في إحدى اجتماعات القيادة القومية عام 1964 بقوله: "بعد الثورة بدأت أشعر بالقلق من فرديتهم وطريقتهم الطائشة في تصريف الأمور، واكتشفت أنهم ليسوا من عيار قيادة بلد وشعب، بل أنهم يصلحون لظروف النضال السلبي"( ) ، كما استاء من تصرفاتهم رئيس الوزراء أحمد حسن البكر الذي كان أكبر الأعضاء البعثيين سناً إضافة إلى علي صالح السعدي الذي كان قائد البعث العراقي( ) ، وهذا شيء طبيعي فتصرفات الحرس القومي، وما رافقها من تعديات على حقوق وحريات الآخرين، جعل هناك فجوة كبيرة بين النظام والشعب، إضافة إلى اعتماد البعث على نظام الحزب الواحد خلال فترة حكمه، رافضاً مشاركة أحزاب أخرى في السلطة، ما عدا حزب البارتي، ولم يكن الوزراء الأكراد، يمثلان البارتي، وإنما كانوا يمثلان الأكراد بشكل عام ومن ضمنهم الأكراد الذين يقودهم البارتي، وعلى هذا الأساس أخذت الأحزاب الأخرى تعمل سراً، مثل حزب الاستقلال، والناصريون، والحزب العربي الاشتراكي، والأخوان المسلمون، وحزب الدعوة، والحزب الشيوعي، وقد حدثت مواجهات دامية بين أعضاء هذه الأحزاب، والحرس القومي، وخاصة بين أعضاء الحزب الشيوعي من جهة ، والحرس القومي من جهة أخرى ، كما أصدر البعث بياناً اتهم فيه الناصريين أو اللذين يعملون معهم بأنهم أذناب النظام المصري، وأنهم يقومون بمؤامرات لإسقاط البعث من السلطة ، بينما ادعت هذه الأحزاب أن هذه خطة من البعث لتصفيتهم، خاصة بعد فشل الناصريون في السيطرة على الحكم في سوريا عقب انقلاب جاسم علوان في 18 يونيو1963( ).
وعندما فشلت الوحدة الثلاثية بين سوريا والعراق ومصر، بسبب ذلك الانقلاب الفاشل ، قام نظامي البعث في كل من سوريا والعراق بعقد الوحدة العسكرية بينهما في التاسع من أكتوبر من عام 1963 ( ) ، وقد علقت على هذه الوحدة صحيفة أخبار فلسطين في الثامن عشر من أكتوبر عام 1963، وضرورة رفضها، ومقاومتها من قبل الناصريين، كون البعث برأيها قد أثبت عدم مقدرته على الاندماج مع الشعب العربي( ).
ولابد أن نشير هنا أن الوحدة مهما كانت صفتها فهي مقيدة، وكان يجب ألا تعارض من قبل أي جهة كانت، في ظل الأقطار المحدقة بالبلدين، لكن خلافات البعث مع عبد الناصر، كانت سبباً لإشعال الموقف بين الناصرين، وأعضاء حركة القوميين العرب، الموالين لمصر، وبين البعث الحاكم في كلا البلدين، فازدادت الاعتقالات في صفوف أعضاء حركة القوميين العرب، وسيق الكثير منهم إلى معتقل قصر النهاية، حتى وصل عددهم إلى أكثر من أربعة ألاف معتقل، موزعين في سجون العراق المختلفة، وخطب أحد قادة الحرس القومي واصفاً حركة القوميين العرب بقوله: "إن حزب البعث يؤمن بلا تردد أن حركة القوميين العرب حركة ثورية تقدمية لا تتناقض مع حزب البعث ولكن لديه بعض المآخذ"( ).
وكان من أسباب توتر العلاقات بين البعث والناصريين، أن البعث عارض استمرار فتح الإذاعة الكردية التي تبث من القاهرة، والتي أقامها عبد الناصر خلال فترة حكم قاسم، كما أن دعوة عبد الناصر لحل القضية الكردية عن طريق الفيدرالية ولقاءآته مع الوفود الكردية، مؤكداً لهم على ضرورة الحكم الذاتي ضمن الدولة العراقية، ونصائحه لجلال الطلباني عند لقاءه معه عام 1963، حيث كان موفد من قبل البرزاني، بضرورة شرح القضية الكردية للرأي العام العربي، ليؤكد الحقوق القومية للأكراد، وهذا ما جعل الطلباني يسافر إلى بيروت، ويعقد مؤتمراً صحفياً تكلم فيه عن موقف عبد الناصر، وحرصه على الحل السياسي للقضية الكردية، ومعارضته لأساليب القوة العسكرية ، والقتال كلها وموافقته على جعل المنطقة الكردية من العراق إقليماً خاصاً ضمن الجمهورية العربية المتحدة بعد الوحدة الثلاثية( ).
وكما لم يستطع البعث التفاعل مع الأحزاب الدينية، وأيديولوجياتها، فلم يحدث أي تفاعل له مع حزب الإخوان المسلمين، على اعتبار أن أيديولوجية البعث تعتبر الحركات الدينية هي حركات رجعية، رغم أن أحد الوزراء الإخوانيين قد تقلد حقيبة وزارية في حكومة البكر وهو محمد شيت خطاب، كما لم يستطع حزب الدعوة الشيعي، التفاعل مع البعث، رغم أن قادة البعث كان معظمهم من الشيعة، ورغم أن هذا الحزب قد استطاع التغلغل في الأوساط الشيعية وألقى أصحابه على عاتقهم القيام بدور الطليعة المناضلة الممثلة للشيعة، وكان أهم أعضاءه محمد باقر الصدر ومحمد مهدي الحكيم ومرتضى العسكري، إلا أن كلا الحزبين الأخوان المسلمين والدعوة قد تذمر من سياسة البعث عام 1963( ).
كما أن حزب الدعوة الإسلامي رفض بدوره التعاون مع أي من الأحزاب غير الإسلامية، بما فيها حزب البعث، بالرغم من أنه قد تعاون مع البعث وكون معه ومع القوميين العرب جبهة واحدة ضد عبد الكريم قاسم والشيوعية، ورغم ما تحقق للشيعة زمن قاسم من إصلاحات اقتصادية وترقية في المجال التعليمي والوظيفي، وعلى هذا فله دور كبير في وصول البعث إلى السلطة عام 1963( ).
ورغم محاولة القيادة القطرية للبعث في العراق، تثبيت قانون الأحوال الشخصية الذي وصفه قاسم عام 1959، والذي يتضمن بعض الأشياء التي تخالف الشريعة الإسلامية، مثل وضع الأقارب الذكور على قدم المساواة فيما يتعلق بإرث المتوفي بلا وصية، إلا أن تدخل عبد السلام عارف وأحمد حسن البكر عارضاً ذلك، وأسقطا هذا القانون، مما حذا بالسعدي إلى اتهامهما بسعيهما إلى جعل النظام رجعياً( )، وقد توافق هذا الإسقاط مع رغبة حزبي الدعوة والإخوان المسلمين، والذين كانا يطالبان بتغييره، وكان لهم بعض المتعاطفين مثل عبد الغني الراوي الذي كان يقود إحدى فرق الجيش العراقي.
وبالنسبة للحزب الشيوعي فقد كان عداء البعث كبيراً ضده وذلك منذ توليه الحكم، فرغم أنه حظر النقاش حول المذاهب، ولم يكن أحداً يجرؤ على التهجم على أي منها، إلا أنه استطاع الحصول على فتوى من أية الله محسن الحكيم على أنه من غير المسموح الانضمام إلى الحزب الشيوعي، وأنه كفر وإلحاد( ).
ورغم ذلك انقسم الشارع العراقي بعد حركة البعث بين مؤيد للبعث والقوميين، وأكثرهم من السنة، وبين موال لقاسم والشيوعيين وأكثرهم من الشيعة( )، رغم أن البيان الأول لحركة البعث نص على أنه يسعى لتوحيد الشعب، وكان سبب تأييد الشيعة لقاسم بسبب ما تحقق لهم من إصلاحات اقتصادية خلال فترة حكمه، لكن كان إعدام الضباط الشيوعيين-والكثير منهم من السنة- قد بحثوا عن ملاذ من لهم بين الشيعة بالرغم أن معظم قادة البعث كانوا من الشيعة، وجزء من قادة الحزب الشيوعي كانوا من السنة( ).
فتم اعتقال حوالي عشرة ألاف شيوعي، وأعدم المئات في مكاتب التحقيق واضطر أكثر من خمسون ألف من الشيوعيين إلى الهرب إلى بغداد آتين من المحافظات الأخرى( )، بسبب اضطهادهم من قبل السلطات الحكومية وتمايزهم مع أفراد الشعب الذي نظر إليهم كخارجين عن عقائده، وعلى هذا الأساس كان تعاون الكثيرين ضد الشيوعيين.
وقد كان من أسباب العداء بين البعث والشيوعيين أن البعث اعتبر أن الشيوعيين اتجاه شعوبي معادي للأمة العربية والوحدة العربية، وأنهم مناقضون للقومية العربية، والدليل على ذلك وقوفهم ضد انضمام العراق إلى الجمهورية العربية المتحدة في عهد قاسم، كما أنهم يتبعون بشكل مطلق الاتحاد السوفياتي، ونظرتهم الاشتراكية تتناقض مع مفهوم اشتراكية البعث، حيث تقوم على أساس انتقال المجتمع من الإقطاعية إلى الرأسمالية سيولة رأس مال يتراكم، فتقوم الصناعات الضخمة التي تكون المدن، والطبقة العاملة، ويتراكم رأس المال بسبب ارتفاع الإنتاج، لكن بالمقابل يزداد الفقر والشقاء للطبقة العاملة، وهنا يحدث التناقض بين الطبقة العاملة والطبقة الرأسمالية المسيطرة، ويحدث الصراع الطبقي، حتى تتغلب الطبقة العاملة على المجتمع وتلغي الطبقية فيه، وتنقله للمجتمع الشيوعي، لكن اشتراكية البعث تقوم على مزيج من الاشتراكية الماركسية والملكية الفردية في حدود معينة( ).
وقد أدى انشغال البعث إلى اعتقال عناصر الحزب الشيوعي، في التأثير على اهتمامه بأمور الدولة الأخرى، وكانت حجته في ذلك أن الشيوعيون يخططون لإسقاط النظام، من خلال تنظيماتهم القوية، وشبكاتهم الكبيرة ومنشوراتهم وخططهم، وتشويههم للبعث وعناصره، حيث وصفهم زعيم الحزب الشيوعي سلام عادل بأنهم "أيتام نوري السعيد" ، وأنهم سوف ينتهون بسرعة، وعلى هذا الأساس فتح البعث لهم السجون وخاصة قصر النهاية الذي كان قصراً للعائلة المالكة قبل ذلك، وحوله علي صالح السعدي إلى سجن، وحول هذا السجن يقول السفير العراقي في بيروت ناظم جواد، مقارناً بين هذا السجن وبين سجن النازية المسمى (أوشفيتز) الذي زاره عام 1963، أن سجن (أوشفيتز) يعتبر فندق خمسة نجوم بالنسبة لسجن قصر النهاية، وهذا ما يؤكد على مدى عدم الاهتمام الذي مارسه البعث بالنسبة للمعتقلين، فتركز حقدهم في التعذيب، وكانت بلاغات الحاكم العسكري العام تصدر بأسماء المقرر إعدامهم، وبخاصة ضد من اشتركوا في قمع ثورة الشواف عام 1959، كما عذب الكثير منهم في سجن أبو غريب، وسجن كتلة الدبابات الثانية، ورغم محاولة زعيم الحزب الشيوعي سلام عادل، -عندما كان في المعتقل- الطلب من أحد قادة الثورة وهو حازم جواد، من أجل تخفيف التعذيب عن المعتقلين ومعاملتهم معاملة حسنة، إلا أن جواد رفض ذلك متهماً الشيوعيين بمعاداة الوحدة العربية ، و إعدام الكثير من القوميين في زمن قاسم ( ).
وعندما اقترح على حازم جواد إصدار بيان سياسي مشترك، يؤكد على الحفاظ على سيادة الدولة، والاستقلال الوطني، والعمل الوطني المشترك، ونسيان الماضي، إلا أنه رفض ذلك وأجابه: "هذا لا يمكن أن يحصل، لأن بيننا وبينكم بحر من الدماء ... أنت سجين وأنا السجان"( )، وهذا دليل على أن البعث رفض الاندماج مع جزء من الشعب، وتحقيق تفاعل سياسي معهم، وهذا يعتبر من المآخذ الكثيرة التي ساهمت في سقوطه في النهاية.
حتى أنه عندما أصبح حازم جواد رئيساً لمجس قيادة الثورة، طالب بتخفيف التعذيب عن المعتقلين، وأن يعفي عماش من وزارة الدفاع، لضلوعه بالتعذيب ضد المعتقلين، إلا أن معظم قادة مجلس الثورة رفضوا ذلك، وتدخل بعضهم مثل حردان التكريتي ضد القرار، بسبب ما تعرض له من تعذيب على أيديهم خلال فترة حكم قاسم، كما أن عبد السلام عارف اعترض على القرار ليزيد الاختلاف بين البعث والحزب الشيوعي( )، وهذا ما دعا حازم جواد إلى الاعتراض على هذا الكلام وصرح بتصريح قال فيه: "أعلن أمامكم أن الحزب بريء من هذه الجريمة، ولا علاقة له منذ الآن بالتحقيقات، وسأمنع كل أعضاء القيادة من الذهاب إلى أي معتقل"( )، وقد لاقى تصريحه تأييد السعدي والشبيب، وبالفعل فقد خف التعذيب في المراحل الأخيرة لحكم البعث، كما أن من أسباب عدم التفاعل السياسي بين جزء كبير من الشعب وهم المؤيدين لقاسم، وبين نظام البعث، هو إعدام قاسم ورفاقه في مبنى الإذاعة، واعتبار مجلس قيادة الثورة هو المحكمة التي حكمت عليهم بالإعدام رغم أن شعبية قاسم لم تأت من فراغ فهو لم يدخر أموالاً أو يرفه نفسه، فبقى بيته كما هو، كما أن ممن أعدم معه، وهو مدير الخطط الحربية الزعيم طه الشيخ أحمد كان متوسط الحال ويرعى أسرة كبيرة، وعلى هذا الأساس، انتقلت المقاومة ضد نظام البعث من قبل القاسميين الذين التحموا مع الشيوعيين وغيرهم من أجل إسقاط النظام، ورغم أن الانقلابيين ظنوا أن إعدام قاسم ورفاقه، وعرض جثثهم على التلفاز سينهي المقاومة، إلا أن المقاومة لم تنته، رغم أنها قد خفت بعض الشئ( ).
كما أدت المشكلة مع حزب البارتي إلى ضعف التفاعل السياسي بين الأكراد والنظام الحاكم، فرغم تأييد البارتي للحركة عام 1963، وتحقيق نوع من التفاعل مع النظام السياسي الجديد، خاصة بعد أن وجه مجلس قيادة الثورة نداءاً للوزير الكردي فؤاد عارف الذي شغل منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية، في حكومة البكر، وللعضو البارز في حزب البارتي صالح عبد الله اليوسفي للاتفاق على مشروع حل المشكلة الكردية، كما أن حزب البارتي وجه بياناً أيد فيه الحركة واعتبر قاسم بأنه عدو للقوميتين العربية والكردية( )، وقد تم إذاعة هذا البيان من دار الإذاعة والتهنئة بالثورة ، كما شارك شخصين في حكومة البكر، هما فؤاد عارف وبابا علي، وتوقف القتال بين الأكراد والجيش عقب الحركة( ).
ورغم أن المباحثات بين الحكومة الجديدة بدأت في الثامن عشر من فبراير 1963 ، إلا أن المباحثات بائت بالفشل بعد حوالي ستة أشهر، وصرح بذلك أبرز قادة النظام وهو علي صالح السعدي بعد اتهامه للوفد الكردي بالتعاون مع الشيوعيين قائلاً: " نحن لا نمثل كل العرب، وكذلك الممثلين الأكراد الموجودين لا يمثلون كل الأكراد، ولهذا يتوجب الدعوة إلى عقد مؤتمر شعبي واسع لانتخاب عناصر جديدة للوفدين"( )، حيث اعتبر هذا التصريح قطعاً عملياً للمباحثات ( ) ، لكن هذا لا يعني أنه لم يحصل تواطؤ بين البارتي والشيوعيين، فالكثير من الحقائق تؤكد التعاون بينهما، فقد اتخذت بعض المناطق الكردية في قضاء الشيخان- الذي تقطنه أكثرية كردية يزيدية- مخبأً للشيوعيين حيث لم ينتشر هناك أفراد البعث، بعد برقية التأييد من الحزب الوطني الديمقراطي الكردستاني (البارتي)، تلك البرقية التي عرفت باسم التحام الثورتين، حيث استغل الشيوعيون ما تم الاتفاق عليه من هدنه ومباشرة بالمفاوضات على مشروع اللامركزية الذي تقدم به البعث، وتوقف القتال( ).
ورغم أن وضع الحزب الشيوعي كان مأساوياً عقب حركة البعث عام 1963 ، خاصة بعد البيان رقم 13 الذي دعا لإبادتهم كونهم حسب رأي البعث مجرمين وأعداء للشعب ، ورغم ذلك استمرت الخلافات بين الشيوعيين بالرغم من سيطرة الشيوعيين على منطقة جبل القوش، واتخاذها قاعدة لهم، في المنطقة الكردية، إلا أن قائدهم مصلح الجلالي (كاكا أحمد)، عمل على تغذية النعرات القومية بين الشيوعيين الذين كان من بينهم قوميات عربية وكردية وأشورية وتركمانية ويزيدية، وأخذ معه التركمان وفتح مقراً له في قرية (شكعني) وعمل على التشهير بالذين لم ينضموا إليه، وأنهم منشقين ومطرودين من الحزب( ).
كما تعاون اليزيدية، مع البيش مركة•، والشيوعيون ضد النظام، وجعل مناطقهم آمنة لتحركات المتمردين، حتى أن أمير اليزيدية (تحسين بك) كان يأوي الثوار ويسهل لهم أمورهم ضد النظام، لكن بمقابل ذلك عملت السلطات الحكومية على استمالة رؤساء العشائر والأغوات لصالحها ضد البارتي، ومن يتعاون معهم من الشيوعيين( ).
كما حدثت انشقاقات داخل حزب البعث نفسه وانعكست على تفاعل الشعب مع النظام بالسلب، فعلى الرغم أن البعث لم يتسلم جميع الحقائب الوزارية في الحكومة، حيث شغل أعضاءه على اثنى عشر مقعداً، من أصل واحد وعشرين وكان منهم الضباط الأحرار، واثنين من الأكراد، وبعض القومين الناصرين، وواحد من الأخوان المسلمين، وثلاثة من اليمين المحافظ، وأحد الإقطاعيين من رؤساء العشائر، واثنين من حزب الاستقلال اليميني، ولكن رغم ذلك رفض البعث، أن يكون هناك تنظيمات حزبية أو تكتلات سياسية تعارض سياسته، حيث اعتبر نفسه الحزب الوحيد المؤهل لقيادة الدولة والمجتمع( ).
فكان التناقض بين الضباط البعثيين والقادة المدنيين بالحزب، قد تداخلت معه عوامل إقليمية وطائفية وشخصية، رغم عدم وجود هذه الصراعات داخل الحزب نفسه، فقد كان معظم الضباط البعثيين من السنة، بينما كان معظم المدينيين في الحزب من الشيعة، ومثل الشيعة العرب في القيادة القطرية 53.8% ومثل السنة العرب 38.5%، أما الأكراد فمثلهم علي صالح السعدي بالرغم من إيمانه العروبي الكبير، وبذلك تكون نسبتهم 7.7%( ).
كما ظهر التناقض بين القادة المدينيين في الحزب، بسبب رفض السعدي التحالف مع الآخرين في حكم الدولة، بخلاف تيار حازم جواد، الذي رأى إقامة جبهة سياسية، تضم الناصرين والقومين مع البعث، وبسبب اشتداد الخلاف، سيطر السعدي على الشرطة والمخابرات، بحكم منصبه كنائب لرئيس الوزراء، إضافة لمنصب وزارة الداخلية، وقيادة القيادة القطرية لبعث العراقي ؛ لهذا فقد تحالف حازم جواد مع عبد السلام عارف، وبعض الضباط البعثيين من مجلس قيادة الثورة لإضعاف سلطة السعدي، واتهامه بعدم المبالاة بمشاعر الآخرين، وتطرفه، وتهوره، فتم إقرار إبعاد السعدي عن الداخلية إلى وزارة الإرشاد (الإعلام) وأن تصبح الحقيبة –الداخلية-لجواد، لكن استمر جواد بالتآمر لإخراج السعدي وإبعاده عن الحكم، فتم الانقلاب عليه في الثالث عشر من سبتمبر عام 1963، أثناء اجتماع القيادة القطرية، وبالفعل تم إبعاده ، وحلول جواد بقيادة القيادة القطرية بالتعاون مع بعض العسكريين البعثيين، وعلى هذا فكانت الخلافات الشخصية سبباً في إضعاف سلطة الحزب وعدم تفاعله مع الشعب، فلم تكن الرابطة الأيديولوجية هي المسيرة لهؤلاء القادة بقدر ما كانت الخلافات الشخصية( ) ، رغم مجئ القيادة القومية، بعد توتر العلاقة بين القيادة الجديدة برئاسة حازم جواد، وبين مؤيدي السعدي من قيادة فرع بغداد والاتحاد العام لنقابات العمال، المسيطر عليها البعث، إلا أن مجيئها لم يكن موفقاً بسبب أن تدخل الرئيس السوري أمين الحافظ وقيادة من خارج العراق، في وقت الأزمة رغم أن معظم العراقيين لم يكونوا بعثيين ، وتجاهلهم للرئيس العراقي عبد السلام عارف الذي لم يأت لتحية الرئيس السوري في المطار ، وسيطرة العواطف على القيادة الحزبية ، فالقيادة القومية لم تحترم التقاليد الرئاسية بعدم زيارة الرئيس أمين الحافظ، للرئيس عبد السلام عارف•، وتنحيتها للقيادة القطرية الجديدة، ونفيها خارج البلاد( ).
كما كان اختراق بعض الأشخاص لمجلس قيادة الثورة مثل الرئيس عبد السلام عارف، وللقيادة القطرية مثل طاهر يحيى ، وتسعيرهم للخلافات بين الأعضاء البعثيين، واتباعهم استراتيجية إضعاف تياري السعدي وجواد، من خلال أضعاف تيار السعدي أولاً بوقوفهم إلى جانب جواد، ثم استغلوا قرار القيادة القومية بإبعاد جواد خارج البلاد للانفراد بالسلطة من خلال الانقلاب على البعث نفسه وبالتعاون مع الضباط البعثيين( ) ، وقد جاء في بيان القيادة القومية بعد وصولها لبغداد في 14 نوفمبر 1963م أن الحزب قد برهن على احترامه العميق للقيم الحزبية وتمسكه الصميم بمبدأ الشرعية المنبثق عن انتخاب نظامي سليم، وأن أي تفريط بهذه القيم أو تجاهل لها يعرض وجود الحزب، وبالتالي وجود الثورة للخطر وأن الديمقراطية التي يمارسها الحزب في رسم سياسته وخططه، وفي انتخابات قياداته، وتماسك منظماته، هي الطريق الصحيحة والسليمة لتحقيق أهداف الحزب، ولا غرابة أن الشعب برهن على يقظة ووعي عندما اتجه للقيادة القومية لتمارس صلاحيتها الشرعية في إيجاد حل للأزمة وإن الحزب مطالب بتصحيح الأخطاء التي وقع بها بعض أعضائه القياديين، وذلك باتباع الأسلوب الحزبي السليم داخل المنظمة الحزبية، وبالتمسك الدقيق بالشرعية والديمقراطية وبالانفتاح على الشعب والاستماع الدقيق إلى آرائه ومطالبه، إن القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي شعوراً منها بخطورة الدور الذي تقوم به ثورة الرابع عشر من ، ورغبة منها في تهيئة الظروف لانتخاب قيادة قطرية جديدة تتطلع بمسؤولية الثورة في القطر العراقي قررت ما يلي( ):
1- اعتبار المؤتمر القطري المنعقد ببغداد بتاريخ 11 تشرين الثاني/ نوفمبر مؤتمراً غير شرعي، وحل القيادة القطرية المنبثقة عنه.
2- حل القيادة القطرية التي كانت تمارس مهامها عند انعقاد المؤتمر المذكور.
3- تولى القيادة القومية مسؤولية القيادة القطرية في العراق.
4- التحقيق في كافة المخالفات والأخطاء التي وقعت في الفترة الماضية، واتخاذ التدابير الحزبية الحاسمة بشأنها.
5- حصر صلاحية اتخاذ العقوبات بحق الرفاق الحزبيين التابعين للتنظيم العراقي بالقيادة القومية.
6- إجراء الانتخابات الحزبية في القطر العراقي في كافة مراحلها، وعقد مؤتمر قطري لانتخاب قيادة قطرية جديدة في مدة لا تتعدى الأربعة أشهر.
فإذا حللنا هذا البيان لتبين لنا أن القيادة القومية بالفعل شرعت في تصحيح الأخطاء، ومارست مقررات النظام الداخلي للحزب، بالنقد الذاتي للإجراءات والأعمال التي ارتكبتها القيادة والتي أثرت سلباً على جماهيريته وشعبيته وتفاعله السياسي والاجتماعي بالشعب.
لكن كان عليها أن تمنع قيادة فرع بغداد من إصدار أية بيانات أو تصريحات استفزازية، تؤثر على تيار حازم جواد، الذي بالفعل سُفر خارج البلاد مع بعض مناصريه وخاصة طالب الشبيب، إلا أنه حدث العكس من ذلك، فانطق أفراد الحرس القومي ومؤيدي قيادة فرع بغداد، الذي يعتبر من جناح السعدي، إلى شوارع بغداد، وأخذت تطلق الأعيرة النارية، ابتهاجاً بقرارات القيادة القومية، والتي كانت تشير ما بين سطورها إلى عودة السعدي إلى البلاد ، وإبعاد حازم جواد وطالب الشبيب عن البلاد وعن أي مسؤولية في الحزب( ) .
كما أن تخوف عبد السلام عارف، الذي كان مؤيداً لقرار إبعاد السعدي، -ومن حوله بعض الضباط ومنهم ضباطاً بعثيين -من عودة السعدي إلى البلاد، والذي كان من الممكن أن يقود إلى عمليات انتقامية، مما حذا بهم إلى الإسراع في الانقلاب على الحزب، وإسقاطه.
لكن يجب وضع كل اللوم في انشقاق البعث على تيار حازم جواد فقط لأن تيار السعيد وقيادته القطرية، عملت مخالفات تمس جوهر القانون الداخلي للحزب، ففي المؤتمر الخامس للحزب، الذي جدد قيادة السعدي القطرية له عام 1963، نلاحظ أنه لم يحتل الحزب جميع القيادات البعثية في العراق، مثل : الاتحاد الوطني لطلبة العراق، ونقابة المسلمين، ونقابات العمال والفلاحين، كما تم تغيب محافظات عراقية بأكملها عن تمثيل نفسها في ذلك المؤتمر، كما أن السعدي كان قد فرض نفسه في تلك الانتخابات، كل هذا ساهم في زيادة حدة الخلافات بين تياري السعدي وجواد ، حيث رأى جواد ضرورة سيادة القانون وتحجيم الحرس القومي عدداً ودوراً ووضع خطة للانفتاح على كل القوى الوطنية والقومية في العراق، وأن تعاد الانتخابات، لأن الكثيرين لم يحضروها ومنهم حازم جواد الذي كان في مهمة خارج العراق للاتفاق حول مشروع الوحدة الثلاثية( ).
كما أن خلاف البعث مع عبد الناصر، كان له دور في زيادة حدة الخلافات بين تياري البعث، حيث قام علي صالح السعدي كوزير للإرشاد، بإقامة إذاعة سرية في العراق تعادي سياسة عبد الناصر، من دون الرجوع إلى القيادة القطرية للحزب، وكانت القيادة القومية على علم بها، وكان رد عبد الناصر على ذلك بإثارة الشقاق بين السعدي وجواد، وإثارة القيادة القطرية في العراق، ضد القيادة القومية التي كان على خلاف شديد مع عبد الناصر، ففي اجتماعات الوحدة الثلاثية قال عبد الناصر: " لا مشكلة لدي مع البعث العراقي، ولو خيرت للانتساب إلى حزب فلن اختار إلا حزب البعث العراقي"( )، كما أنه اشترط عند توقيع ميثاق الوحدة الثلاثية، أن تحوي حكومتي العراق وسوريا، على وزراء ناصريين يشكلون النصف، أما النصف الآخر فمن البعثيين.
وعلى هذا فكان البعث حزباً غير قادر على اختراق الجماهير بشكل يحدث التفاعل معها ويجعلها تكون الضمانة لاستمراره( )، ودرعاً واقياً لعدم اختراقه وإضعافه بسبب ما لحقه من انشقاقات كانت إحدى أهم الأسباب لسقوطه.
بيد أنه يجب أن نهمل أن بعض الأحزاب الأخرى مثل حزب البارتي نفسه كان يعاني من الانقسام النظري، والذي ازدادت حدته في فترة الأخوين عارف كما سنرى في المبحث القادم، حيث أن حزب البارتي كان يعاني منذ زمن قاسم من الانقسام النظري، بسبب قيادته التقليدية، القبلية الممثلة بالملا مصطفى البرزاني، وبين قيادته التنظيمية، من خلال أمينه العام إبراهيم الأحمد، بسبب أن البرزاني كان زعيماً قبلياً وعشائرياً وشيخاً للطريقة النقشبندية، ومتأثراً بجمهورية مهباد، بينما إبراهيم الأحمد، ومعه معظم أعضاء المكتب السياسي للحزب الكردي، كانوا من مثقفي المدن، والكثير منهم كانوا أعضاء في الحزب الشيوعي العراقي، وظلوا على صلة وثيقة بأيديولوجيتهم( ).
فكان يجب على البعث في حكمه أن يستغل هذا الانشقاق، لضم العناصر الأكثر ميلاً له ولأيديولوجيته، وإفساح المجال أمام حل المشكلة الكردية بشكل نهائي، خاصة أن عناصر الاتجاه التقدمي موجودة، ومن الممكن أن تضغط على الاتجاه التقليدي العشائري؛ لحل المشكلة، لكن البعث فعل العكس فقد تحالف مع بعض العشائرية الكردية لمناهضة حزب البارتي ككل، وهذا ما ساهم في إضعاف تفاعله مع جزء كبير من الأكراد الموالين للبارتي.
لكن يجب أن ندرك أن الأحزاب العراقية أيضاً كانت سبباً ساهم في معارضة البعث، وبالتالي إضعافه، فكانت متخوفه من الوحدة الثلاثية، على أساس أنها فيما لو قامت، فإنها ستنتهي من الخارطة السياسية، وتصبح ملاحقة كما في ظل البعث، لأن هذه الوحدة فيما لو قامت على العاطفة فستنهار، كما حدث في ظل وحدة مصر مع سوريا عام 1958، بسبب أنها –العاطفة-تثور بسرعة، لكنها تخبوا بسرعة أيضاً، أما إذا كانت مبنية على المصالح والمنافع ومدروسة من جميع وجوهها، وتعود بالمنافع على جميع الأطراف المشاركة، فإنها ستبقى وستصمد( )، إضافة إلى تخوف هذه الأحزاب من استمرار ملاحقتها من قبل حزب البعث، كان سبباً لمقاومتها له، مقاومة سرية، أضعفته، رغم أن حزب البعث أعلن بعد حركته في الثامن من أبريل عام 1963، أنه سيقبل بالمعارضة السياسية في ظل حكمه، لكنه لن يحدد نوع المعارضة المقبولة عنده، ولا نوعية الأحزاب المقبولة في ظل حكمه، كما أن هذا الإعلان لابد أنه يتناقض مع مبدأ البعث القائل بأنه حزب قائد لشؤون السلطة وموجهاً للسياسة العامة والشؤون الأساسية لقضايا الحكم، وهذا ما يبينه لنا رأي رئيس الوزراء العراقي أحمد حسن البكر ، إن كل حكومة لا توجد أحزاب معارضة في صفوفها ترتكب أخطاء، ولذا ينبغي تشجيع الأحزاب المعارضة من أجل حكومة العراق الشعبية ( ).
أيضاً تداخلت العلاقات الشخصية والعشائرية بين العناصر البعثية في القيادة وهذا مما ساهم في إضعاف تفاعل النظام مع الشعب، وبناءاً على ذلك أنقذ الكثير من معارضي البعث، والذين كانوا يشنون عليه حرباً دعائية، بسبب أن لهم صلات قرابية مع بعض أعضاء الحرس القومي، ودخل الكثير منهم الكليات العسكرية والأمنية بناءاً على ذلك أيضاً( )، وأكبر مثال على ذلك الدعاية الشيوعية ضد البعث، حيث وصفت إحدى منشوراتهم السرية بأن أعضاء البعث هم عملاء، فقد أصدر الحزب الشيوعي العراقي- بسبب ما تعرض له من قمع- بياناً قال فيه: "إن سياسة البعث في سوريا والعراق، لم تكن إلا سياسة مدروسة، رسمها وخططها عملاء للاستعمار، مندسون في قيادة البعث من أمثال ميشيل عفلق وصلاح البيطار وعلى صالح السعدي"( ).
ومن أمثلة صلات القرابة التي أثرت على تفاعل الشعب مع النظام، صلات القربة بين ناظم جواد الذي شغل منصب السفير العراقي في بيروت، وكان أخو عضو مجلس قيادة الثورة، حازم جواد، قد استقال من منصبه عقب سقوط البعث، بسبب أن أخاه لم يعد بالقيادة، وكذلك بهاء الشبيب شقيق طالب الشبيب، الذي اعتقل بعد سقوط البعث العراقي، بسبب علاقته بأخيه، كما تولي الكثير من البعثيين مناصب قيادية لمجرد انتماءهم للبعث، رغم أنهم لا يحملون أية مؤهلات لذلك( ).
كما أن الشقاق بين جناحي السعدي وجواد، أضعف التفاعل الاقتصادي بين النظام البعثي الحاكم، وبين الشعب، حيث أصبح علي صالح السعدي يدعي أنه من الطبقة الكادحة، فكان يتقارب مع أفراد هذه الطبقة ويجالسهم بهدف كسب شعبيته بينهم، وقد تجاوب في ذلك مع تيار القيادة القطرية في سوريا برئاسة حمود الشوفي، حيث سيطر تيارهما في انتخابات المؤتمر القومي السادس للحزب الذي عقد في بداية نوفمبر 1963، وشنا حملة ضد من أسموهم بالتيار اليمني، وكان السعدي يقصد تيار حازم جواد، وكلاهما أيضاً يقصدان القيادة القومية، فأخذا يحثا على ضرورة أن يحدث البعث إنجازات اشتراكية ذات طابع ماركسي، مثل: التخطيط الاشتراكي، والمزارع الجماعية التعاونية التي يديرها الفلاحون، وضرورة سيطرة العمال على وسائل الإنتاج، وارتكاز الحزب على العمال والفلاحين بصفة خاصة، وقد أيدت منظمات الحرس القومي، واتحاد الطلاب، ونقابات العمال، والكثير من أعضاء البعث ذلك ، بيد أن معظم الضباط البعثيون رفضوا هذه الإجراءات ووقفوا مع تيار حازم جواد، وكان من بينهم، قائد الأركان طاهر يحيي، وقائد القوى الجوية حردان التكريتي، ووزير المواصلات، العقيد عبد الستار عبد اللطيف، وقائد كتيبة الدبابات الثالثة العقيد محمد المهداوي، بينما وقف رئيس الوزراء ، اللواء أحمد حسن البكر، ووزير الدفاع، الفريق صالح مهدي عاش، وسطاً بين التيارين، وعملاً على تسوية الخلافات بينهما حسب رأي ميشيل عفلق، لكنهما عملياً كانا مع تيار حازم جواد( ).
وقد ازداد هذا الخلاف بعد أزمة الحزب إثر تسفير علي صالح السعدي إلى خارج العراق، حيث طالب تيار السعدي، من خلال مؤيديه بالاتحاد العام لنقابات العمال بضرورة تصفية البرجوازيين الذين هم خارج الحزب، وبالتأميم الفوري للمصانع، وجعل المزارع تعاونيه، مما مهد للكثير من الضباط الذين كانوا في معظمهم من البرجوازية الصغيرة أن يقفوا ضد البعث( )، رغم أنهم كانوا في الأصل من الطبقة المنخفضة الدخل أو المتوسطة الدنيا، وهؤلاء كانوا يشكلون ثلثي أعضاء مجلس قيادة الثورة، بينما القسم الثالث، فكان في الأصل من طبقة متوسطة الدخل ، ويبين الجدول النسبة المئوية للأعضاء مجلس قيادة الثورة بناءاً على انتماءاتهم الطبقية:

الانتماء الطبقي لأعضاء مجلس قيادة الثورة النسبة المئوية لهم
طبقة منخفضة الدخل 22.2%
طبقة متوسطة دنيـا 44.5%
طبقة متوسطـــة 33.3%
المجموع 100%
هذا الجدول رقم (3،1) مأخوذ من مرجع حنا بطاطو، العراق: الشيوعيين والبعثيون والضباط الأحرار، ص ص320 -327 ، ويبين الانتماء الطبقي لأعضاء مجلس الثورة عام 1963 .

كما أن البعث منذ بداية حركته، وضع ما أسماه بالمنهاج المرحلي للثورة الشعبية العراقية، والذي رأى فيه أن الثورة تؤمن بأن خيرات الوطن ملك للجميع من أبناءه العاملين المنتجين ويجب أن يطور النظام الاقتصادي، بحيث يؤمن توزيع الخيرات على كل المواطنين كل بحسب خدماته وما يقدمه لهذا الوطن من جهد ( ).
لكن لم ينفذ البعث معظم هذه الخطط، كما لم يحدد نظرته للأرض وملكيتها، وما هو مصيرها، هل ستلغى أم ستبقى، وإذا ما بقيت فضمن أي حدود؟ كما أن تدخلات الحرس القومي حال دون تحقيق الكثير مما دعا البعث إليه، رغم ازدياد عدد الآبار النفطية خلال فترة حكم البعث في (8) أيار1963 بعد أن انخفضت عام 1962 إلى اثنين فقط( ).
السنة عدد الآبار النفطية المنجزة
1960 11
1961 7
1962 2
1963 8
جدول رقم (3-2) يبين ارتفاع نسبة المشاريع النفطية المنجزة
في عهد البعث بعد أن انخفضف في الآونة الأخيرة من حكم قاسم
كما أنه ازداد إنتاج البترول خلال فترة 1963 عن السنة التي سبقتها بنسبة 15.2%، من خلال التغير السنوي في إنتاج العراق، و 7.5% في التغير السنوي في إنتاج العالم، حيث ازدادت مساهمة العراق في الإنتاج العالمي إلى 4.2%، وهذا ما دعا البعض على اتهام البعث بأنه قد حصل على تأييد الغرب ، لأن البترول العراقي يتبع ستة شركات غربية، منها أربعة شركات تابعة للكارتل، أي للشقيقات السبع المسيطرة على النفط العالمي إنتاجاً وتوزيعاً وقيمة شرائية، وهذه الشركات هي( ).
1- شركة البترول البريطانية تسيطر على 23.75%.
2- مجموعة رويال دويتشر شل تسيطر على 23.75%.
3- شركة النفط الفرنسية تسيطر على 23.75%.
4- شركة ستاندرد أويل أوف نيوجسي تسيطر على 11.875%.
5- شركة موبيل أويل تسيطر على 11.875%.
6- مصالح كولبنكان تسيطر على 5%.
ولم يحدث أي زيادة في الدخل القومي العراقي بدون النفط، فالنفط كان له الدور الأكبر في زيادة الدخل عام 1963، حيث شكل حوالي 50% من الدخل القومي، بينما شكلت بقية القطاعات النصف الآخر( ).
وبناء على هذه الزيادة في الدخل فقد خصص البعث حوالي سبعة وخمسين مليون دينار عراقي للتعليم الثانوي، أي بزيادة قدرها 75.9% عن العام الذي سبقها، وازداد عدد الطلاب بنفس النسبة، كما ازداد عدد طلاب التعليم العالي إلى 27.4% في نفس العام، وازدادت معدلات التنمية الاقتصادية بنسبة 3.8%( ).
وازدادت قوة الطبقة الوسطى في المجتمع العراقي، مخترقة كل أجهزة الدولة، وتحسنت أحوالها من خلال الخدمات والأحوال المعيشية، والصحة والسكن، فحصلوا على أرض مجانية من الدولة، لبناء المساكن بموجب المنهاج الذي صدر عام 1963، حيث كان الكثير منهم يعيش في الصرائف وأكواخ الطين، إلا أن عدم تجانس هذه الطبقة كونها تضم في داخلها الضباط والمهنيون ومتوسطي الملاك والتجار الصغار، قد جعلها لا تستطيع أن تشكل تنظيماً طبقياً خاصاً بها( )، لكن عمل العسكريون الذين كانوا من خلفية اجتماعية واحدة، على التعاون مع بعضهم البعض، أكثر من تعاملهم مع أقرانهم من نفس الأيديولوجية( ).
كما ازدادت نسبة العاملين بالصناعات التحويلية بمقدار 0.001 عن الفترة التي سبقتها، لكن هذه الزيادة تعتبر طبيعية بالنسبة للزيادة الطبيعية لعدد السكان، كما أزاد الميزان التجاري بمعدل 37.6%. وارتفعت نسبة التغير في قطاع النفط، بزيادة 15.3%، وانخفضت نسبة سكان الريف من 53.3% عام 1962 إلى 51.8%، عام 1963، بسبب التحسنات في الريف، لكن تناقصت مشاريع التنمية من خلال إيرادات النفط من 51% عام 1962 إلى 8.6 عام 1963، وانخفضت صادرات العراق غير النفطية بنسبة 17.7%، كما انخفض الدخل القومي العام بنسبة 0.027( ).
ويعود انخفاض الدخل رغم الزيادة النفطية، بسبب حرب الشمال التي أدت إلى نتائج مأساوية على الجانبين، بسبب الخسائر في الأرواح والمعدات وانخفاض المحاصيل الزراعية بنسبة 55% بالنسبة للقمح، و 29% للشعير، وارتفعت أسعار المواد الغذائية والصناعية بنسبة 21% وعمت البطالة في مناطق القتال وما جاورها، وتعطلت الدراسة في المدارس( )، خاصة أن بعض الإقطاعيين في هذه المناطق كانوا يسيطرون على المحاصيل الزراعية، إضافة إلى الكثير من الأراضي، فكان استيلاء البيش ماركة والشيوعيون على محاصيل الإقطاعيين وتوزيعها على فقراء الأكراد يكتسب عندهم تأييداً كبيراً ( ).
ورغم الكثير من التحسينات التي حققتها البعث خلال فترة حكمه إلا أنه لم يكسب تعاطف الكثير من أبناء الشعب العراقي، فلم يستطع تحقيق التفاعل الاقتصادي بينه وبين الشعب، بسبب حرب الأكراد أولاً، والتي استنفذت الكثير من ميزانية العراق، وخاصة خلال الأشهر الثلاثة من حكم البعث، إضافة إلى ممارسات الحرس القومي الذي قام أفراده باغتصاب أموال باهظة، وكميات كبيرة من الأشياء الثمينة كالذهب والتحف النادرة، من المحلات العامة، ودور المواطنين، والشركات الأهلية بالقوة والإكراه، وكان كل ذلك من خلال استغلال شعارات البعث كالاشتراكية، أو بحجة التبرع، أو بأسلوب اعتقال الأبرياء ومن ثم إطلاق سراحهم مقابل الرشوات الباهظة، والأتاوات من كافة المواطنين، حيث كانت توزع على قادة الحرس القومي، إضافة إلى وزير الدفاع صالح مهدي عماش، متحدين بذلك كافة قوانين الدولة ومتبعين أساليب لا شرعية في حصولهم على الأموال( ).
وبالنسبة للتفاعل الاجتماعي بين النظام والشعب، فكون معظم القيادة القطرية من التنظيم المدني للبعث من الشيعة، مثل : (علي صالح السعدي، وحازم جواد، وطالب الشبيب، ومحسن الشيخ راضي، وحميد خلخال، وهاني الفكيكي) وتشكيلهم حوالي 27.8% من أعضاء مجلس قيادة الثورة ، أدى إلى جعلهم-في مجلس قيادة الثورة- أقل من السنة الذين شكلوا 66.7% أي أقل من نسبتهم العددية، كما أن الأكراد شكلوا 5.51%( )، أي أقل من نسبتهم العددية أيضاً، ولم تحصل الأقليات الأخرى على أي من المقاعد، رغم حصول بعضها، مثل طارق عزيز الذي ينتمي إلى الطائفة المسيحية في العراق، على العضوية في القيادة القطرية، إلا أن هذا لا يعبر عن النسب الحقيقية للسلطة الحقيقية في الدولة، وهو مجلس قيادة الثورة ، أو مجلس الوزراء، أو الحرس القومي، اللذين شكلوا القوة الحقيقية في الدولة العراقية عام 1963.
كما أن معظم مجلس قيادة الثورة، كانوا أقل من أعمار القياديين في الدول الأخرى وعلى هذا الأساس فمن غير المعقول أن يستثنى من له خبره طويلة في مجال الحكم، ويحكم العراق فئات عمرية معظمها من الشباب ذو الخبرة القصيرة، ومعظمهم ينتمون إلى تنظيم محدد هو التنظيم البعثي، حيث شكل (16) منهم من البعث واثنين فقط من غير البعث.
كما أن معظمهم لم يشتغل بالسياسة أو بأمور الحكم، فثلاثة منهم كانوا يعملون ضمن الحزب، وخمسة مهنيون، وثلاثة معلمون، واثنين، إحداهم محامي، والآخر مهندس، أما العسكريون فلم يكن من بينهم سوى أربعة أكثر من رتبة عقيد، إضافة إلى أنهم لم يشكلوا توزيعاً عادلاً لكل أقاليم العراق، فكان أربعة منهم من بغداد، وواحد من النجف، وثلاثة عشرة من الريف، أي تغلب الريف على المدينة، رغم أنه يشكل نسبة من السكان لا تزيد كثيراً عن سكان المدينة.
وهنا برز التناقض الاجتماعي في الأعمار، وفي الأقاليم، وفي التنظيمات المهنية التي ينتمي إليها أعضاء مجلس قيادة الثورة، إضافة إلى التناقض الطائفي بين الشيعة الذين شكلوا غالبية الجهاز المدني القيادي للحزب، وبين السنة الذين شكلوا أغلبية الجهاز العسكري، ومجلس قيادة الثورة وعلى هذا الأساس فلم يستطع البعث تحقيق التفاعل الاجتماعي بينه وبين الشعب.
وقد اعترفت القيادة القطرية لحرب البعث في العراق في يناير من عام 1964، حول أسباب سقوط البعث في العراق في بيان أصدرته، وقد جاء فيه ، أنه غم أن الحزب اشتراكياً إلا أنه لا ينفي أبداً الهوة العميقة بين الحزب والجماهير ، ولم يستطع أن يقيم علاقات مستمرة بجماهير العمال والفلاحين، والطبقات العامة، في عملية التحويل الاشتراكي، لكن اتضحت الرؤية أن الحزب لم يكن قد هيأ نفسه وأعد ما يحتاج إليه من تخطيط ودراسات في هذا المجال لتحقيق الثورة في القطر العراقي وإجراء عملية التحويل الاشتراكي في المجتمع بكل ما يحتاجه وتقتضيه تلك العملية ، أن الحزب باعتباره الحركة المؤهلة لقيادة النضال الاشتراكي لجماهير شعبنا العربي الكادحة ينبغي أن يفرق بين نوعين من الحركات( ):
• الحركات السياسية التي تعبر بتركيبتها وتفكيرها عن مصالح القوى والطبقات الاجتماعية المعادية للجماهير الكادحة، وهذه القوى والطبقات تشمل البرجوازية، والإقطاع، والرجعية بكل فصائلها.
• الحركات التي تنطلق بنضالها من إيمانها بأنها تعبر عن مصالح الجماهير الشعبية الكادحة، نفس جماهير الحزب، حيث يتركز خلاف الحزب معها في بعض المنطلقات.
إن النوع الأول هي حركات معادية للجماهير الكادحة ولذلك فإن موقف الحزب منها يجب أن ينطلق من الدفاع عن مصالح هذه الجماهير تجاه القوى والحركات المعادية، أما النوع الثاني فإن الموقف منها يجب أن يعتمد إقناع قواعدها بأن الحزب هو المعبر عن مصالح الجماهير الكادحة، لا أن يتجه إلى ضربها ودفعها للشك في حقيقتنا الاشتراكية، ويعتبر الحزب الشيوعي من هذا النوع ، لذلك كان ينبغي على الحزب أن يحدد الموقف منه انطلاقاً من نظرته الاشتراكية، ومنطلقاته كحزب ثوري لجماهير الكادحين ، رغم عداء الحزب الشيوعي لثورة الحزب إلا أن ذلك لا لم يكن ليبرر استمرار الحملة ضده في الوقت الذي تركت فيها الرجعية بمختلف فصائلها إلى أجهزة الدولة ، حيث عملت تلك العناصر على استخدام البعث كأداة لتتحول لمعاداة الحزب الشيوعي بعد أن يتم لها تصفية بقية القوى، وهذا ما أكدته مؤامرة 18 تشرين الثاني/ نوفمبر ، حيث تتربع هذه العناصر الآن على كرسي الحكم، وتتمعن في معاداة البعث والجماهير الشعبية ، وقد كان موقف البعث من هذه الفئات رغم معرفته الكاملة بها من قبل الثورة موقفاً متردداً وغامضاً ، وحقيقة هذا التخبط الذي عاشه الحزب ترجع في أساسها إلى التخطيط الفكري وغموض تخطيطه الاشتراكي، وعدم تقويمه السليم لقوى الطبقية في المجتمع ذات المصلحة بالثورة الاشتراكية( ) ، فمن تحليل البيان نلاحظ تركيز الحزب على أخطاءه ضد الشيوعية، إضافة إلى العناصر اليمنية في الحزب والتي يقصد بها تيار حازم جواد، والضباط الذين تعاونوا مع عارف في انقلابه، لكنه لم يذكر الاختلافات بين عناصر الحزب بسبب العوامل الشخصية واستهتار بعضهم بالقوانين، وتكوينهم طبقة خاصة بها ابتعدت عن الجماهير، كما لم يذكر البيان، أن الصراع مع الأكراد أدى لاستنزاف موارد الدولة، وإضعاف الاقتصاد، وأن الخلاف مع العناصر القومية سواءاً (كانوا من الناصرين أم من حركة القوميين العرب)، وأن عدم وجود تفاعل اجتماعي بين العناصر البعثية ذوي الأعمال الصغيرة، وعدم تمثيل مجلس قيادة الثورة، والضباط العسكريين، لفئات المجتمع العراقي بنسب كل فئة، واعتماده على الأيديولوجيا وحدها وعلى هذا الأساس فإن هذا البيان تنقصه الكثير من الأمور التي أسهمت في سقوطه، وأهمها عن تفاعل النظام البعثي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً مع الشعب العراقي.

رابعاً : التأكيد على الهوية الوطنية للجيش
إن أهمية دور العسكري في تحقيق الوحدة الوطنية أو إضعافها، تكمن أنهم أساس عملية التغيير في المجتمع العراقي، منذ نشوء الدولة العراقية عام 1920، فكل شئ يقومون به يؤثر سلباً أو إيجاباً على الوحدة الوطنية، فانقلاب 8 فبراير 1963، قام من خلال الضباط البعثيين بالدرجة الأولى، وحرصوا أن يكون أنصارهم ومؤيديهم موجودين في المعسكرات والحاميات المحيطة في بغداد ذلك اليوم، وأن يتولوا الحراسة تلك الليلة، ليلة الخميس/ الجمعة، ليضمنوا السيطرة ويقتلعوا كل من يشك في عدم تأييده لحركتهم.
وأول ما بدء به الانقلابيون هو اغتيال قائد القوة الجوية (جلال الأوقاني) في منطقة الكرادة، وساعدهم في ذلك بعض الضباط القوميون الذين نسقوا معهم قبل الحركة، مثل : صبحي عبد الحميد، وناجي طالب، وعبد الكريم فرحان، وهادي خماس، وشكلوا معهم الجبهة القومية( ).
وعلى هذا يتبين دور الضابط في عملية إسقاط النظام، كما يتبين أن تحالف الضباط مع البعثيين كان له دور كبير في إقامة نظام جديد يعتمد في وجوده على العسكر بصفة خاصة ، لكن كان موقف حزب البعث داخل الجيش ضعيفاً ، ومعظم الضباط البعثيون من ذوي الرتب الصغيرة ، لذلك فقد جاءت تشكيله قيادات الجيش من عناصر قومية في غالبيتها ، وكان لتلك العناصر دور كبير في إسقاط سلطة حزب البعث بعد 9 اشهر من وقوع حركة 8 شباط 1963 ، وفي الوقت نفسه أصدر الانقلابيون قراراً ت أخرى بتعين قادة الفرق العسكرية ، ومعظمهم من البعثيين الذين كانوا من الأساسيين في حركة فبراير1963 .
كما كان من الأمور التي أضعفت ثقة الشعب بالقوات المسلحة خلال فترة حكم البعث عام 1963، هو تشكيل الحرس القومي، الذي نص قانونه على أساس أنه تابع للقوات المسلحة، فقد نشر قانون الحرس القومي برقم 35 في الثامن من فبراير عام 1963، أي في نفس يوم حركة الرابع عشر من رمضان، على أساس أن يكون هذا التنظيم هو الجيش الشعبي الاحتياطي لحماية الوطن والحفاظ على أمن الدولة والحزب، لكن حسابات البعث كانت خاطئة ، فالحرس القومي مهما بلغ تعداده ، فهو لا يصل إلى تعداد قوات الجيش ، كما أن السلاح الذي يمتلكه الحرس القومي لا يمكن أن يقاس بما لدى الجيش من أسلحة ثقيلة ، ومعدات ، وطائرات ، وخبرات قتالية ، وإمكانيات مختلفة ، هذا بالإضافة إلى افتقار الحرس القومي ، وقيادته إلى الحكمة ، والتبصر ، فقد اتسمت كل تصرفاتهم بالاستهتار ، والتسرع ، مما أفقدها أي تعاطف ، سواء كان من الشعب ، أو من الجيش ، خاصة بعد سعيهم إلى تقليص نفوذ الضباط القوميين داخل الجيش مما دفع بالصراع بين الطرفين إلى مرحلة أعلى .
وقد تطوع كل المعادين لقاسم أو للشيوعيين فيه، وأندس فيه بعض الانتهازيين ذوي الحزبية الضيقة، أو المصالح الشخصية، وأخذوا يرفعون من خلاله شعارات البعث، القائمة على أساس العدالة الاجتماعية، والاشتراكية والوحدة العربية الشاملة، والحرية المنشودة للوطن العربي ، ونص قانونه ذو الرقم خمس وثلاثين على الأهداف التي دعت لوجوده بقولها: " إن الغاية من تشكيل الحرس القومي هي لإعداد قوة الشباب القومي العربي لتتدرب على استعمال السلاح، لغرض معاونة القوات المسلحة للدفاع عن الوطن العربي، وصيانة الأمن الداخلي بموجب تعليمات خاصة تصدرها وزارة الدفاع"( ) ، كما بين القانون أن قيادة قوات الحرس القومي برئاسة قائد الأركان وذلك عن طريق دائرة الأركان العامة، والأمور الإدارية كل حسب اختصاصها وتكون واجباته لخدمة الشعب والثورة ، وبناء على هذه القوانين ، انضم الكثير من المتطوعين حسب الشروط والتوصيات التي ينص عليها، حتى أن بعض أفراد مجلس قيادة الثورة كان يرتدي بزة الحرس القومي مثل رئيس الوزراء أحمد حسن البكر، والرئيس عبد السلام عارف، وأمين القيادة القطرية، علي صالح السعدي، وهذا إن دل فإنما يدل على مدى أهمية وقوة هذا التنظيم( ).
لكن بعض أعضاء القيادة القطرية والحكومية وعلى رأسهم علي صالح السعدي الذي كانت قيادة الحرس القومي تتبع له وتأخذ أوامرها من خلاله، عملوا على استعداء الحرس القومي على الجيش، وكان يستطيع تحديد مهامها ومنع تجاوزاتها( )، فزعم الأهمية الكبيرة للحرس القومي، في حماية النظام وإجهاض بعض التحركات المعادية له، إلا أن عدم انضباط أفرادها، جعل أول قائد لها وهو العقيد عبد الكريم مصطفى نصرت- الذي قاد الهجوم بالدبابات على وزارة الدفاع، لإسقاط نظام قاسم- يطلب نقله إلى الجيش النظامي بسبب أن أفراد الحرس القومي، كانوا يقرون النقاش والتصويت وتبادل الآراء، على أساس أنهم بعثيون، وهذه الأشياء غير موجودة في الجيش الذي عنده مبدأ: نفذ ثم اعترض"( ).
فلم يحدث في التاريخ أن تمكن أحد من ضبط المليشيات الحزبية، فعلى سبيل المثال، لم يستطع الزعيم النازي أدولف هتلر، أن يضبطها، حيث قضى عليها وأعدم قائدها، كما أن عبد الكريم قاسم، حل بعد ثورته المقاومة الشعبية، فالجيش والمليشيات لابد أن يصطدمان.
وكان تعيين الحزب لأحد الضباط الطيارين وهو منذر الونداوي، رئيساً للحرس القومي غير محظوظ ، حيث تم ذلك على خلفية نقل عبد الكريم مصطفى نصرت إلى الجيش النظامي، وتكليفه بضرورة ضبط الحرس القومي، حيث أن الونداوي بدل أن يفعل ذلك، ويخضع الحرس القومي لمجلس قيادة الثورة، أصبح واحداً من المعاكسين للقيادة العسكرية، فتدهور الوضع قيادة وقواعداً، وأصبح الونداوي ينفذ أعماله من دون الرجوع إلى مجلس قيادة الثورة، أو إلى القيادة القطرية للحزب( )، رغم أنه كان يأخذ الأوامر بشكل شخصي من علي صالح السعدي مباشرة، وليس على أساس التنظيم الحزبي.
وبسبب تذمر الضباط في الجيش من أعمال الحرس القومي، من خلال إهانتهم وتفتيشهم، وتذمر ضباط الأمن والشرطة، بسبب تدخلهم في دوائرها، وسيادة روح المنافسة القائمة على الحسد والحقد، مما كان له تأثيره في تصدع قوة الحزب داخل الجيش، فكان بعض الضباط ينقدون تصرفات الحرس القومي، ولم يكونوا راضين عنها، مثل أحمد حسن البكر وطاهر يحيي، وكانوا يرون ضرورة الانفتاح على القوى القومية الأخرى، وكسبها إلى جانب حزب البعث( ).
ورغم محاولة مجلس قيادة الثورة استبدال منذر الونداوي، كقائد للحرس القومي، بالمقدم عبد الستار رشيد، من خلال مرسوم جمهوري، أصدره عبد السلام عارف في الأول من نوفمبر 1963، إلا أن الونداوي رفض ذلك ، وهذا دليل على مدى قوة وفعالية الحرس القومي( ).
وكان لهذا تأثير كبير في الانقلاب الحزبي ضد علي صالح السعدي في الحادي عشر من نوفمبر عام 1963، حيث عقد المؤتمر الاستثنائي لزيادة عدد الأعضاء في القيادة القطرية إلى ستة عشر عضو، بدلاً من ثمانية، كما يفترض النظام الداخلي للحزب، إلا أن حازم جواد، كان قد تعاون مع بعض الضباط العسكريين البعثيين، لإبعاد علي صالح السعدي، والحلول محله في قيادة القطرية للحزب، وأصدرت القيادة الجديدة بياناً دعت فيه جماهير الشعب من العمال والفلاحين والمثقفين والقوات المسلحة لتأييد الخطوة التي حددها بيان المؤتمر القومي السادس لحزب البعث العربي الاشتراكي( ).
وهذا ما كان له تأثير سيئ على الحرس القومي الموالي للسعدي، وعلى هذا الأساس، قام الحرس القومي بانتفاضة ضد النظام وسيطر على بغداد، ومرافقتها الحيوية، ورغم محاولة وزير الدفاع حل المشكلة بحثه على ضرورة العودة إلى العلاقات الرفاقية وإلى التفاهم والأخوة، إلا أن البكر رفض إعطاء الأوامر للجيش بالتدخل لإحلال النظام ، فامتلأت مقرات الحرس القومي بالأسلحة( ) ، رغم أن ما فعله الحرس القومي يعني أنه كان يسعى للاصطدام مع قوات الجيش، حيث كانت هذه الإجراءات تنفيذاً لمقررات القيادة القومية، لكن عندما شعر ميشيل عفلق أن عارف يقوم بمؤامرة لإسقاط البعث من خلال لقاءاته مع بعض الضباط، اقترح استدعاء بعض القوات السورية، وتمركزها في بغداد، وإبعاد القطعات العسكرية غبر الموالية للحرب إلى الشمال، كما أكد على ضرورة تدريب الحرس القومي على استعمال الدبابات والأسلحة الثقيلة، وأن يوضع عبد السلام عارف، والضباط الناصريين، تحت المراقبة ، لكن لم تتقيد القيادة القطرية بذلك ، وهذا ما يشكل هوة بينهما أثر على مسار الحزب( ).
ورغم تدخل أحمد حسن البكر وصالح مهدي عماش، لحل مشكلة الحزب باستدعاء القيادة القومية، إلا أن القيادة القومية، كان تصرفها سلبياً، عندما أيدت تحركات الحرس القومي، وبيانات فرع بغداد حول هذه القضية ، واعتبرت عمل الحرس القومي هو عمل جبار على أساس أن الحرس القومي عبر من خلال انتفاضته على احترامه العميق للقيم الحزبية وتمسكه الصميم بمبدأ الشرعية المنبثقة عن انتخاب نظامي سليم، وإن أي تفريط بهذه القيم أو تجاهل لها يعرض وجود الحزب، وبالتالي وجود الثورة وقضية الشعب العربي في الوحدة والحرية والاشتراكية للخطر( ).
كانت هذه القرارات من القيادة القومية بانتصارها لأعمال الحرس القومي، وعدم اتخاذها قرارات واقعية لحل الأزمة، قد دفعت بعبد السلام عارف للاستفادة من تذمر بعض الضباط، واستغلالهم قبل أن يفوت الأوان وتحل المشكلة بشكل جذري من خلال القيادة القومية، وأخذ بحثهم على ما أسماه "الثأر لكرامة الجيش والثأر لحماية الوطن"( ).
وقد استفاد عبد السلام عارف من أخطاء الحرس القومي، وأخطاء أعضاء التنظيم الحزبي، سواء كانوا في القيادة العسكرية أم القيادة القطرية أو بالحكومة، فقد أخطأ وزير الدفاع عندما كان يرفض تعيين الضباط بالجيش لغير البعثيين ( ) ، كما أن قلة شعبية الحزب في الجيش بسبب تصرفات الحرس القومي، وتخبط القيادة القطرية، والمنافسة على المناصب بين أعضاءها، قد جعل انتشار الحزب بين ضباط الجيش قليلاً، حتى أن بعض المراكز الحساسة في الجيش بقيت في أيدي ضباطاً غير بعثيين ، وخاصة القبيلة التي ينتمي إليها عبد السلام عارف، وهي قبيل الجُميلة، كما تولي بعض البعثيين الذين كانوا ضد البعث عملياً، مثل اللواء طاهر يحيي، لقيادة الأركان، رغم ولاءه لعبد السلام عارف، إضافة لتولى بعض المستقلين لبعض المراكز بالجيش ( ).
كما أن بعض الضباط تأثر سلباً بسبب إبعاده عن الجيش، وطبعاً لهم كان بعض الأصدقاء في الجيش، الذين حرضوهم ضد البعث، فكان إبعاد قائد سلاح الطيران العقيد عارف عبد الرازق وإقصاءه عن مجلس قيادة الثورة، وتعيين حردان التكريتي مكانه، وإبعاد عبد الستار علي، الذي كان من حزب الاستقلال، إضافة لإبعاد بعض الضباط غير البعثيين مثل: مهدي طالب، ورجب عبد المجيد، ومحمد جواد العبوسي، بسبب أنهم غير بعثيين، رغم أن كل هؤلاء قد شاركوا في حركة 8 فبراير 1963، وبذلك عملوا على إضعاف القوة العسكرية العراقية( ).
وهذا ما يفسر اعتماد علي صالح السعدي على الاعتماد على الحرس القومي، الذي وصل تعداده في العراق إلى خمس وثلاثين ألف عنصر، كان معظمهم من الأنصار والمؤيدين في حزب البعث، حيث قلة الدعم العسكري للبعث جعلته يعتمد عليه، ويستقطب رئيسه منذر الونداوي الذي كان يتلقي أوامره من السعدي بشكل رئيسي كما ذكر سابقاً ، وليس من القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة، وهنا نشأت الفجوة بين التنظيم العسكري للحزب، وبين الجيش، هذا من جهة، ومن جهة أخرى بين الجيش والتنظيم المدني للحزب أي القيادة القطرية، في ظل التمايز الطائفي بين العسكريين والمدنيين في الحزب حيث العسكريين في معظمهم من السنة بينما المدنيين في معظمهم من الشيعة ، وازداد هذا الخلاف في ظل إعدام الشيوعيين من قبل الحرس القومي، أو من خلال العسكريين البعثيين، وكان هذا أيضاً من الخلافات بين القيادة المدنية والعسكرية في الحزب( ).
كما استغل عبد السلام عارف وصول قوات سورية إلى العراق، ليدفع بها وبحثها على القتال في الشمال، وليجعل من الصراع وكأنه صراع بين قوميتين عربية وكردية، رغم أن هذا الصراع لم يأخذ شكل حرب أهلية، أو انفصالية أو عداء قومي بين العرب والأكراد، وكان هدف عارف، من أجل مصالح سلطوية، حيث حث الجنود السوريين على القتال ضد من أسماهم بالانفصاليين( ).
كما استغل عارف بعض الضباط البعثيين على أسباب أنهم القادرين على إنهاء انحرافات تياري حازم جواد وعلي صالح السعدي، ووعدهم بمناصب معينة لقاء اشتراكهم معه، ضد الحرس القومي( )،وعلى هذا استفاد عارف، من الجناح العسكري البعثي الذي كان موالياً لأحمد حسن البكر، ومنهم صالح مهدي عماش الذي كان وزيراً للدفاع، وحردان التكريتي الذي كان قائداً لسلاح الطيران، وانضم إليهم الكثير من الضباط البعثيين وغير البعثيين، الذين كانوا يرون أن هناك قواسم مشتركة تجمعهم، أكثر مما تربطهم الأيديولوجيا( )، حتى أن بعض الضباط كان يرى تحجيم دور السعدي ضرورياً لإضعاف الحرس القومي، وزيادة قوة الضباط، خاصة بعد صعود السعدي بعد انتخابات المؤتمر القومي السابع للقيادة القومية عام 1963( ).
كما أن مشكلة البعث مع الشيوعيين والأكراد قد سببت ضعف التأييد الشعبي للبعث وحرسه القومي، وللضباط البعثيين أنفسهم، وكان لذلك رده فعل عند الشيوعيين، الذين قاموا بعدة حركات عسكرية انقلابية ضد النظام، مثل حركة (معسكر فايدة) قرب الموصل لكن تم اكتشاف الحركة قبل تحركها، وتم اعتقال معظم قادتها، في السابع والعشرين من فبراير عام 1963، إلا أن الشيوعيين استمروا في تشكيل المراكز لهم في ظل حكم البعث تمهيداً لإسقاطه مثل مركز (دير الرهبان) ( ) ، إضافة إلى تحالفهم مع البارتي بعد فشل مباحثات الحكومة معه ؛ بسبب الدعاوي الانفصالية التي طالب بها البارتي، مما حذا بالحكومة إلى أن تدخل الجيش وتشن هجومها على مواقع البيش ماركة، واشترك معها القوات الكردية الموالية للحكومة المسماة بفرسان صلاح الدين، بسبب ما كانوا يقوموا به من مهاجمة لمراكز الشرطة الحكومية، واستيلائهم على محتوياتها من الأسلحة والممتلكات، كما كان مع الشيوعين والأكراد، بعض الأهالي، من الأكراد بسبب الدعاية البارتية وتأثرهم بها، كما تعاون الشيوعيون مع أحد الآشوريين وهو (هرمز ملك جكو) الذي كان يقود مجموعة من المقاتلين الآشوريين، ضد النظام، وعمل من خلالهم على الاستيلاء على بعض المشافي والمستوصفات الطبية، والاستيلاء على محتوياتها من الأدوية، بحجة معالجة مرضاهم، رغم أن الجيش السوري الذي بعث إلى الشمال قد تداخلت معه قوات من فرسان صلاح الدين، إضافة إلى أنه كان من بين عناصره أفراد أشوريين من منطقة الجزيرة السورية المحاذية للعراق ، وهذا يثبت أن القتال لم يكن له بسمة عنصرية أو عرقية، ورغم ما حققه الجيش من انتصارات، إلا أن انقلاب عبد السلام عارف حال دون القضاء النهائي على المقاومة الشيوعية والكردية، التي استمرت بضرب الجيش( ).
كما حاول الشيوعيون استعادة السلطة بقيادة حسن سريع في منتصف يونيو 1963 كرد فعل لما تعرضوا له من تعذيب وإعدامات من قبل البعث ، فبدؤوا ينظمون صفوفهم داخل المؤسسة العسكرية، رغم أن السلطة الحاكمة عملت على القيام بحملة مداهمات ضدهم، وضبطت في مقراتهم ملابس عسكرية عليها شارات (الحرس القومي)، حيث كان الكثير منهم قد اخترق الحرس القومي، وعلى هذا الأساس قاموا بحركة انقلابية، واعتقلوا قائد الحرس القومي (منذر الونداوي)، إضافة إلى عضوين آخرين من مجلس قيادة الثورة وهما (حازم جواد وطالب الشبيب)، وهاجموا السجن العسكري في معسكر الرشيد جنوب بغداد، حيث كان فيه عدداً كبيراً من الضباط الشيوعيين المعتقلين، وكان هذا النجاح لهم بسبب تموههم بملابس الحرس القومي، إلا أن قوات الحرس القومي مع بعض قوات الأمن الداخلي، إضافة لتدخل قوات عسكرية من ساهمت في إنقاذ الموقف ( ).
كما استفاد عارف من التصدع الذي حصل بين الضباط البعثيين أنفسهم، خاصة بين وزير الدفاع صالح مهدي عماش، وبين وزير المواصلات: عبد الستار عبد اللطيف، إضافة إلى التصدع الذي حصل عقب انقلاب الحرس القومي على القيادة القطرية الجديدة بقيادة حازم جواد، حيث قام الحرس القومي باعتقال كل من أحمد حسن البكر وصالح مهدي عماش، ووجهوا كلاماً قاسياً لهما، ثم أطلقوا سراحهما بعد تدخل بعض الضباط البعثيين، وإطلاق بيان باسم الحزب سمي (بيان الآخوين) الذي تحدث عن وحدة الحزب وإنهاء الأزمة بوصول وفد القيادة القومية( ).
كما كان استياء الشعب من تصرفات بعض الضباط العسكريين الذين كان من الواجب أن يكونوا قدوة لهم، مثل تقاضي الرشاوي من وزير الدفاع صالح مهدي عماش إضافة لمقاسمته لغنائم الحرس القومي، وانتشار الروح العشائرية بين ضباط الجيش، إضافة للروح الإقليمية، وإعطاء رتب عسكرية وترقيات لبعض الضباط الذين لا يستحقون، مثل إعطاء رتبه (رائد) لأحد المهربين للسلاح، وهو علي عبد السلام، وترفيع عبد السلام عارف من رتبة عقيد إلى رتبة مشير ركن، أيضاً ترفيع صالح مهدي عماش من رتبة عقيد إلى رتبة فريق ركن( )، كل هذه الأشياء أضعفت ولاء الشعب والكثير من الضباط للقيادة، وجعلت فجوة بين المؤسسة العسكرية والشعب، وبين العسكريين فيما بينهم بسبب ما ساد بينهم من حساسية وحقد، حيث تأثير الكثيرين من هذه التصرفات، وخاصة بعد توسيع مجلس قيادة الثورة من(9) أعضاء إلى (14) عضو، ودخول بعض الضباط صغيري السن، مثل الرائد أنور الحديثي، والنقيب منذر الونداوي، إلى المجلس مما أثار كبار الضباط في الجيش( ).
وضعفت الأعراف العسكرية في ظل النظام، بسبب إخضاع هذه الأعراف، إلى أعراف طائفية، أو أيديولوجية، فرغم عدم وجود طائفية دينية في الجيش، على اعتبار أن البعث عملياً ونظرياً يدين فكرة الطائفية الدينية، وهذا ما جعل أول وزير للدفاع في زمن البعث هو الفريق (سعيد طعمة الجبوري)، وأول قائد أركان للجيش العراقي، كان (عبد الواحد شنان)، وكلاهما من المسلمين الشيعة، إلا أنه رغم ذلك فإن الأيديولوجية كان لها تأثيراً سيئاً عند الضباط، فقد يتلقى ضابط برتبة جنرال لكنه غير بعثي أوامره من ضابط أقل منه رتبة عسكرية، كما مورست في ظل النظام بعض الأخطاء مثل شراء العسكريين الكبار بمنحهم القدم العسكري، والمكافئات المالية والامتيازات ، وتسرع بعض الضباط الغير موالين بدل نقلهم إلى قطعات أخرى( ).
ومما يدل على أن الجيش لم يكن يمثل جميع فئات المجتمع العراقي، هو المطالب التي طالب بها الملا مصطفى البرزاني في إطار المحادثات بين البارتي والنظام الحاكم، حيث طالب بعدة أشياء أهمها( ):
1- أن يكون هناك نسبة من الأكراد بين ضباط الجيش المركزي، يتناسب مع عدد الأكراد في العراق، وأن تكون قيادة الوحدات في كردستان، من أبناء كردستان، سواء كانوا ضباطاً أم صف ضباط، أم جنود.
2- أن يكون الجيش الكردي، المتواجد في الشمال، فيه جميع القوات، سواء أكانت جوية أم مشاة أم مدرعات أم إشارة، أم هندسة مدفعية مضادة للطائرات، وأن يكون له مؤسسات عسكرية على غرار المؤسسة العسكرية المركزية، وأن يحتفظ بقوات كردية (فصائل الأنصار) لحين إكمال تنظيمات ومرتبات العسكريين الأكراد، مع تخصيص رواتب وطعام ولباس لهم.
فلو كان الجيش العراقي ومؤسسته العسكرية تشمل بشكل عادل جميع فئات المجتمع العراقي بما فيهم الأكراد، لما تجرأ الملا مصطفى البرزاني على هذه الدعاوي الإقليمية، والتي فيه تنويه واضح لفصل وتقسيم المؤسسة العسكرية إلى أجزاء إقليمية، وعرفية، فلو تتبعنا تشكيلات مجلس قيادة الثورة من العسكريين فلن نجد منهم أحد من الأكراد، ورغم أن علي صالح السعدي من أصول كردية، لكنه متأثر بأيديولوجية البعث لدرجة أنه يصعب أن يكون تأييده غير عربي.
ولم يكتف الوفد الكردي المتفاوض مع الحكومة بتلك المطالب بل طالب أيضاً أن يكون لإقليم كردستان وكيل لوزير الدفاع في الحكومة المركزية، وأن يكون نائب قائد الأركان كردياً، وأن يكون مقره في كردستان، وأن تكون قواته موجودة في كردستان، بشرط أن يكون جميع العسكريين فيه من ضباط وصف ضباط وجنود من الأكراد، وعدم إرسال أية قوات حكومية إلى هناك، إلا في حالات التهديد الخارجي، كما لا يحق للجيش المركزي إجراء مناورات في شمال كردستان، دون موافقة الحكومة الإقليمية في كردستان، وخضوع تعيين قائد القوات الموجودة في كردستان للحكومة الإقليمية هناك، ويكون للبرلمان الكردي حق الفيتو في تعيين ذلك القائد من قبل الحكومة المركزية في بغداد، كما يجب على المؤسسات العسكرية المركزية قبول عدداً من طلاب الأقاليم يتناسب مع نسبة سكان تلك الأقاليم، ريثما تقام مؤسسات مماثلة في تلك الأقاليم، ويستثنى من ذلك الفنيين العسكريين الذين من الممكن أن يكونوا من خارج إقليم كردستان ريثما يتم تدريب أكراد يستطيعون القيام بهذه المهمة( ).
يلاحظ أن هذه المطالب تحتوي على دعاوي انفصالية مستقبلية، وكأن الجيش العراقي ليس معبراً عن الشعب أمام طموحات البارتي، رغم أن الكثير من الأكراد كانوا قد تولوا مناصب عسكرية مهمة في الجيش، وأكبر دليل على ذلك، الفريق بكر صدقي، الذي كان قائداً للأركان عام 1936، وقام بانقلاب عسكري كان الأول من نوعه في المنطقة العربية، إلا أنه يجب ألا يفوتنا أن الجيش العراقي لم يمثل بشكل عادل كل الأقاليم والفئات العراقية، بحيث لا تثار بقية الأقاليم العراقية الأخرى، فالجيش المركزي كان يجب أن يكون أكثر تعبيراً عن الأقاليم والفئات العراقية المشكلة للمجتمع العراقي.
كما أنه بعد اجتماعات الوفد العراقي مع الوفدين المصري والسوري، للاتفاق حول لوحدة الثلاثية بينهم، زاد البارتي بعض المطالب إضافة للمطالب السابقة الذكر، وأهم هذه المطالب:
1- أن يحتفظ الجيش العراقي باسمه، وفي حالة تبديل الاسم بأن يطلق على الأسهم الكردي منه اسم (فيلق كوردستان)، ويكون هذا الفيلق من تجمع الجنود والضباط الموجودين في الجيش العراقي من أهالي كردستان.
2- يؤدي أبناء كردستان خدمة العلم فيها، ويعاد الضباط وصف الضباط المفصولين لأسباب سياسته قومية إلى الجيش العراقي، ويعادون إلى وحدات الجيش في كوردستان.
لذلك فقد رفضت الحكومة هذه المطالب، ووجهت إنذاراً للبرزاني في العاشر من يونيو 1963، أشار بيانها إلى ما تعرض له الجيش على يد جماعة حزب البارتي، ودخلائهم من الشيوعيين، وأشار أيضاً إلى القرى التي تعرض لها هؤلاء وسلبوها المؤمن والسلاح، وفتحهم النار على قطعات الجيش العراقي في الشمال، ومهاجمتهم للقوات الكردية المتعاونة مع الحكومة وهي التي تسمى بـ(فرسان صلاح الدين)، وتصديهم وإحراقهم لسيارات الجيش وقوافل التموين، وتحيرضهم لبعض أفراد الشرطة والجيش من الأكراد على الهروب بأسلحتهم من الجيش العراقي( ).
وهكذا اندلع القتال بين الطرفين، وتكلف الجيش الكثير من التكاليف، وتضررت المناطق الكردية، والأكراد أنفسهم من جراء هذه الحرب، التي كانت سبباً في إضعاف الجيش، وصعود بعض المعارضين للحكم إلى السلطة بعد انقلابهم عليها من خلال عبد السلام عارف، كما أثبتت هذه الحرب أن ما تعرض له الجيش على أيديهم أو أيدي الشيوعيين أو بعض الأقليات، يبين أنهم لا يعتبرون هذا الجيش هو جيشهم، وأن حربهم معه تعبر عن استياءهم منه، وعداواتهم له، وهذا مما يضعف الوحدة الوطنية، بسبب المشكلة بين بعض فئات الشعب مع النظام الحاكم، كم يؤكد الهوة العميقة بين معارضي النظام من قبل كثير من الفئات وبين النظام نفسه ، رغم أن البعث كان قد أصدر قبل حركته في 8 مارس 1963 بياناً يبين حل فيه حل هذه القضية وأسبابها واستراتيجية التعامل معها، ومما أصدره في ذلك أنه قد ظهرت في العهد القاسمي نزعات عنصرية في شمال العراق تدعي تمثيلها للأكراد ومصلحتهم بغية تجزئة العراق وتفتيت وحدته النضالية، ولتفتيت وحدة الشعب النضالية ( ) ، وهذا يعني أن البعث كان يدين الحركة المسلحة الكردية منذ البداية، ولكن لماذا تحالف معها لإسقاط قاسم؟، هذا ما جعل الحركة الكردية في موضع الشك من ولاءها للنظام، وأهدافه القومية، إضافة لرغباتها الاستقلالية، وعشية انقلاب البعث في 8 فبراير 1963 حدد مجموعة من الأشياء لحل مشكلة التمايزات العرفية والإقليمية والطائفية، ومما أصدره في ذلك أن الاستعمار يسعى لاستغلال الأقليات القومية والطائفية ، ومنذ الحادي عشر من هذا الشهر تدور معارك بين قوات الجيش العراقي ، ورجال العشائر الكردية الذين أعلنوا العصيان المسلح ورفعوا شعار تجزئة العراق، والبعث يحمل حكم قاسم مسؤولية ما يصيب الجيش والشعب من وراء هذه الأحداث الدامية، كونه هو الذي أراد ومهد لمثل هذه المأساة لكي يجد فيها وسيلة لتحويل أنظار الشعب ونقمته عن حكمه ولكي يغطي فشله في إثارة قضية الكويت ( ) ، وعلى ذلك فالبعث رغم أنه قد أكد على استطاعته حل هذه القضية سلمياً إلا أنه قام بنفس ما قام به قاسم من حرب مسلحة على الأكراد، وما زاد من ذلك أنه ربط قضية الأكراد بفشل قاسم في ضمه للكويت، رغم أن البعث نفسه هو أول من اعترف بالكويت كدولة مستقلة، وهو أول من قبل بالحكم الذاتي للأكراد، وفشلت قواته العسكرية في إنهاء مقاومتهم، وفي ذلك يرى أحد الشيوعيين الأكراد وهو عزيز الحاج أن كلا الطرفين القومي العربي والقومي كردي يتحملان نتائج هذه المشكلة ، بسبب ذعر الأكراد وتحفظهم على العروبة من جهة، وتخلف الفكر القومي العربي وعنصريته من الجهة الثانية، وبذلك ضاعت إمكانياته التفكير في إنشاء مجتمع موحد في دولة متعددة القوميات والمذاهب والأديان( ) ، وبذلك فلم يكن الأكراد مسؤولين فقط عن الحالة المتردية التي وصلتها المشكلة الكردية في شمال العراق، بل إن التيار القومي العربي له بعض المسؤولية عن المشكلة بسبب تحفظه على العروبة، وعدم رؤيته أن هناك قوميات أخرى تشاركه في أرض الوطن ومن الواجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، وعلى هذا الأساس تأزم الموقف بين التيارين بما أسهم في سد الطريق أمام إنشاء مجتمع موحد في دولة مختلفة المذاهب والقوميات.
كما حدث خلاف بين وزير الدفاع صالح مهدي عماش، ورئيس القيادة القطرية لحزب البعث العراقي علي صالح السعدي ، واتهما بعضهما بالعمالة، كما حدث اصطدم بين السعدي والبكر، وكل ذلك في نفس الوقت الذي كان فيه تآمر من عبد السلام عارف على الحزب، وقد تأكد هذا التآمر بعد وصول وفد القيادة القومية لحزب البعث إلى العراق، فكان إصرار قيادة فرع بغداد على إزاحة عارف، ودعوة السعدي للرجوع، قد آثار عارف، إلا أن ميشيل عفلق وأحمد حسن البكر أكدا ولاء القوات المسلحة للحزب، وقدرتهما على الإمساك بالسلطة، رغم أن البكر كان قد أمر بخطة لإسقاط الحرس القومي من خلال الجيش كحركة تصحيحية لمسار الحزب، دون إسقاطه وذلك بعد أن كلف طاهر يحيي ـ الموالي لعارف ـ على وضع تلك الخطة لاستعادة الشرعية، بعدما سيطر الحرس القومي على المراكز الحيوية في بغداد، فاعتقد البكر أن انسحابه من الخطة سيوقفها، إلا أن عارف كان قد اتفق مع بعض العسكريين الآخرين على عدم الرجوع عن الخطة، وإسقاط البعث ككل( )، لذلك لم يوافق الضباط على رأي البكر بتأجيل التدخل العسكري، مما دعا البكر إلى مخاطبة قادة الجيش بقوله لهم: " اسمع يا رئيس أركان الجيش، وأنت يا قائد القوة الجوية، وأنت يا مدير الحركات العسكرية .. إني أترك مقدرات البلاد في أيديكم وأنا غير مسؤول عن أي دم يسيل غداً "( ) ، وحول هذا الموقف يرى وزير الداخلية في عهد عارف أن الضباط البعثيين في الجيش كانوا متذمرين من جراء تصرفات الحرس القومي, الذي كان بمثابة ميليشيا تابعة لحزبهم, ولذلك فقد تحالفوا مع تيار حازم جواد, لمواجهة تيار علي صالح السعدي الأمين العام للقيادة القطرية الذي كان يتبادل الدعم مع الحرس القومي، لكن موقف البكر أكد تحول الحركة من حركة تصحيحية داخل الحزب إلى حركة هزت كيان الحزب، وعصفت به، لأنه رأس الحركة التصحيحية، وانسحابه منها في أخر لحظة، فسح المجال لعبد السلام عارف أن يصبح رأسها، وكانت هذه الحجة هي تمسك بها عبد السلام، وحردان التكريتي، لإبعاد البكر عن رئاسة الوزراء، بعد نجاح الحركة( ).
وعلى هذا الأساس بدأ عبد السلام عارف بتنفيذ ما كان يرتبه منذ أمد طويل فقام بزيارة للشمال، واتصل مع قائد الأركان، ومدير الحركات العسكرية حيث تم إرسال قوات من الشمال، مع بعض الطائرات، وتحركت قوات من كركوك، والموصل نحو بغداد، كما تحركت الفرقة الأولى بقيادة عبد الكريم فرحان، والفرقة الخامسة بقيادة شقيقه (عبد الرحمن عارف)، والشرطة العسكرية بقيادة، قريبة (سعيد الصليبي)، وقام قائد سلاح الجو حردان التكريتي، بقيادة أسراب الطائرات، لضرب مقرات الحرس القومي بالصواريخ، وبعد ذلك تحركت الدبابات، وسيطرت على بغداد، وأخضعت كل نقاط الحرس القومي( ) ،وفي ذلك يرى وزير الداخلية في عهد عبد السلام عارف أن انسحاب البكر من الحركة عشية تنفيذها, أدى لانفراد قيادتها لرئيس الجمهورية عبد السلام الذي كان مسلوب الصلاحيات, وكان يشجع الصراع داخل حزب البعث بأمل أن يطيح به وينفرد بالسلطة رغم أنه لم يعرف بخطتها إلا قبل يومين من تاريخها ( ).
وكان عارف، قد أعد البيان الأول لانقلابه، وحرص على إذاعته بنفسه، وضمنه فقرة تنص على إعلان الجمهورية الرئاسية، لأن رفض بعض الضباط لها جعله يعدل عنها ، إلا أنه بالمقابل فاجأ الجميع بإعطاء نفسه صلاحيات المجلس الوطني لقيادة الثورة جميعها لمدة عام، قابلة للتجديد تلقائياً بحسب تقديره الشخصي، وعين نفسه رئيساً للمجلس، وقائداً عاماً للقوات المسلحة( )، واتهم في بيانه قوات الحرس القومي بالشعوبيون والسفاحون والعابثون واللاقوميون، وذكر بما قاموا به من أعمال مخلة بالأخلاق والالتزام العسكري، وأن الشعب هو الذي دعا الجيش للتدخل من أجل إنقاذ الأمة والشعب والوطن، وأعلن أنه سيباشر بحل الحرس القومي، قيادة ومقرات، مع إلغاء كافة القوانين والأنظمة والتعليمات والأوامر الصادرة بخصوصه، وحل المجلس الوطني لقيادة الثورة المتشكل في الثامن من فبراير 1963، وتشكيل مجلس جديد بقيادته، وأن يكون هو المهيمن على قراراته من خلال الصلاحيات التي أعطاها لنفسه، كما أعلن أن المجلس الوطني الجديد سيشكل مجلساً استشارياً يختارهم من المواطنين من ذوي السمعة الطيبة، والسيرة الحسنة، والكفاءة والخبرة والاختصاص( )، وحرصاً على عدم تذمر الضباط البعثيين الذين اشتركوا معه في الانقلاب، أعطى منصب نائب الرئيس لأحمد حسن البكر، كونه هو من أمر بوضع الخطة في بدايتها - رغم انسحابه منها قبل التنفيذ- كما أعطى قيادة الأركان لحردان التكريتي، وأعطى طاهر يحيي رئاسة الوزراء، كما شملت الحكومة بعض الوزراء البعثيين، مثل عبد الستار عبد اللطيف، بسبب ما كان يشكله هؤلاء الضباط من قوة سياسية وعسكرية، إضافة لإعطاء نفسه شيئاً من الشرعية والولاء في صفوف الضباط النفاذين.
مما سبق نجد أن الأخطاء التي ارتكبها الحرس القومي، وتذمر بعض الأحزاب الدينية، والشيوعية، وضعف الصلات بين البعث والناصرييين وحركة القوميين العرب، وخلافات الضباط مع بعضهم البعض، وسيادة روح المصالح الشخصية والعشائرية والإقليمية، وخلافات الضباط البعثيين مع القيادة المدنية للحزب، واستغلال المواقف من قبل بعض الأطراف المعادية للبعث،وذلك بتحريض من جهات خارجية، وقيام حركات عسكرية معادية للنظام كالشيوعيين، والأكراد، والقوميين الناصريين، وانهيار الروح الأيديولوجية في الجيش، كل هذه الأشياء أدت إلى ابتعاد الكثير من الضباط المؤهلين عن أمكنتهم المناسبة، إضافة للترفيعات الاستثنائية للبعض الآخر، وذلك بناءاً على اعتقادات أيديولوجية سياسية أو شخصية، كل هذه الأمور جعلت هناك فجوة بين الشعب والنظام الحاكم، ومهد بالتالي لإسقاط البعث من خلال الضباط البعثيين أنفسهم، بعد أن استغلتهم جهات من خارج لحزب، لأجل إسقاط الحزب نفسه.
ونخلص من هذا المبحث إلى أن البعث لم يستطع خلال فترة حكمه عام 1963، أن يحقق وحدة وطنية وفقاً لمحددات الدراسة، فلم يتحقق في عهده احترام للبلاد ووحدتها ولغتها الرسمية، وثقافتها الوطنية، كما أن الحرية والمساواة والعدالة، قد تأثرت سلباً بسبب تجاوزات بعض أعضاء النظام، وخاصة في الحرس القومي، ولم يحدث تفاعل سياسي واقتصادي واجتماعي بين الشعب والنظام، بسبب التخبط الذي عاناه النظام خلال فترة حكمه، إضافة إلى الهوة العميقة التي كانت بين الشعب والجيش، حيث أن كثير من الفئات قامت بحركات عسكرية ضد الجيش، إضافة لأخطاء ضباط الجيش، وعدم شعورهم بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم، كل هذه الأشياء كانت من العوامل الأساسية التي ساهمت في سقوطه على أيدي كانت تتحفز للسيطرة على الحكم مستفيدة من أخطاء النظام واستغلالها لأجل كسب قدراً من الشرعية في انقلابها، وعلاوة على ذلك إذا كان البعث قد سلم عبد السلام عارف الرئاسة، ولو بشكل شرفي، إلا أنه قد انهار أمامه بسبب أخطاءه التي أضعفت تأييد الشعب له، فما هي تداعيات فترة حكم البعث على الوحدة الوطنية، كون عهد الأخوين عارف (عبد السلام وعبد الرحمن) كان نتيجة حتمية لسلطة البعث 1963؟، وهل يستطيع البعث استعادة سلطته، من خلال اتباع نفس الأسلوب الذي اتبعه عارف في السيطرة على السلطة ، وذلك بالاستفادة من الأخطاء والتجاوزات، وضعف الشعبية، بنتيجة انهيار أو ضعف الوحدة الوطنية ؟ هذا ما سيبينه المبحث القادم، الذي سيبحث عن دور فترة الأخوين عارف في الوحدة الوطنية في العراق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق