تركيبة المجتمع العراقي
اتسَّم العراق عبر تاريخه الطويل الممتد إلى مهد الحضارات العالمية التي نشأت في بلاد الرافدين، بالتمايز العرقي ، والديني ، والعشائري، نتيجة قيام حضارات عديدة فيه، وانتشار المجموعة البشرية التي كان لها دور كبير في هذه الحضارات في مناطق محددة من العراق.
وقد بلغ عدد سكان العراق ما يقارب 27مليون نسمة، حوالي 40% منهم تحت عمر 15 سنة، ويسكن معظمهم في وسط البلاد، وأكبر مدن العراق هي بغداد ؛ التي يلغ عدد سكانها حوالي ستة ملايين نسمة ، ثم تليها البصرة ، ثم الموصل، ويتحدث العربية أكثر من80% من العراقيين، ويتميز العراق مثل باقي دول المشرق العربي بتنوع عرقي وطائفي ويشكل العرب الغالبية العظمى فيه عرقية و الأكراد الذين كانوا يشكلون بعد الحرب العالمية الثانية نحو 19% من مجموع السكان، يضاف لهم مجموعات صغيرة من التركمان إضافة للمسيحيين : الآشوريين والكلدانيين والأرمن، وكان اليهود في العراق يشكلون نحو 2.6% بعد الحرب العالمية الثانية لكن هجرتهم المتزايدة والقسرية أحيانا بعد حرب 1948 ؛ قلص عددهم إلى بضعة آلاف فقط ، أما عن الطوائف والديانات فينقسم العرب المسلمون ما بين شيعة وسنة،والأكراد غالبيتهم من أتباع المذهب السني، إضافة لحوالي 5% من المسيحيين وأخيراً اليزيدية والشبك والصابئة المندائيين والعلى الهي والكولية .
ولعل أهم الأشياء التي ساهمت في وجود هذه المجموعات العرقية والدينية في العراق هي:
1- قرب العراق من مهد الديانات الرئيسية سواء اليهودية ، أو المسيحية ، أو الإسلام، وكانت الكوفة عاصمة خلافه الإمام علي، ومركزاً لمناصريه كما أصبحت بغداد في العصر العباسي مركزاً للخلافة معظم تلك الفترة، إضافة لسامراء التي أصبحت عاصمة أيضاً في عهد الخليفة المتوكل، ومما تجدر الإشارة إليه ، أنه في بغداد قد نشأت معظم المدارس الدينية الكبرى، والتي انقسم أبنائها إلى مذاهب متعددة.
2- يعتبر الهلال الخصيب معرضاً دوماً لغزوات مجموعات سكانية متعددة ، فقد هاجر إليه الكثير من الأقوام، مثل: الأكراد، والمغول، والتركمان، والأتراك، والفرس، وغيرهم من الأقوام؛ بسبب توسع بعض الأقوام من خلال الفتوحات إلى العراق، كما حدث في عهد الدولة الساسانية الفارسية، أو عهد الدولة الصفوية، أو العثمانية في الأناضول، أو بسبب رغبة تلك الأقوام في العيش في مناطق خاصة بها في العراق، مثل الأكراد.
3- كان الهلال الخصيب ملجأاً للمضطهدين سياسياً، ودينياً من الأقاليم المجاورة، مثل الصابئة، والأرمن، والأشوريين.
4- كانت بعض الاختلافات العشائرية، والقومية، ذات طابع ديني في العراق ؛ مما خلق مجموعات سياسية دينية، مثل اليزيديين، والأشوريين، والصائبة، والعلى اللهية .
5- حافظت بعض الأقليات على تمايزها، من خلال وجودها في إقليم جغرافي محدد، مثل: النساطرة، والكلدان، والأكراد، واليزيديون، والصائبة، والكاكائيون، وغيرها.
6- عدم وجود سلطة مركزية قوية، إضافة إلى ضعف إمكانيات الاتصال مع هذه المناطق، مما جعلها تتمايز عن غيرها من الأقاليم، السهلية الأخرى، التي تستوطنها الغالبية من السكان.
7- التسامح الديني، والعرقي، لدى المسلمين على الدوام، تجاه الأديان ، والأعراق الأخرى، وهذا ما أكد عليه كثير من الباحثين الغربيين.
8- العزلة الطبيعية التي تعيش فيها بعض الجماعات؛ بسبب صعوبة المواصلات، واختلاف تضاريس العراق الجغرافية.
9- عدم اهتمام الأنظمة والدول التي حكمت العراق، بمعالجة موضوع الأقليات معالجة علمية سليمة؛ بسبب غياب فلسفة تربوية واضحة في نظام التعليم، الذي لم يساير برامج التعليم الحديثة ؛ بما يحقق حاجات المجتمع، ويبرز واقعة([1]).
10- اختلاط الطابع الديني بالطابع القومي لبعض الفئات في العراق.
هذه الأسباب كانت كافية لوجود هذا التنوع العرقي ، والديني، والطائفي والمذهبي، والعشائري، والإقليمي، والطبقي، والحزبي، في العراق، وبناءاً على ذلك سيقسم هذا المبحث إلى عدة مطالب هي:
· المطلب الأول: سيتناول التمايز العرقي الإثني في العراق.
· المطلب الثاني: سيتناول التمايز الديني ، والطائفي ، والمذهبي في العراق.
· المطلب الثالث: سيتناول التمايز الحضري بين الريف والمدينة والتمايز الإقليمي، والتمايز العشائري.
· المطلب الرابع: سيتناول التمايز الطبقي ، والحزبي في العراق.
وحيث أن هذه التمايزات مرتبطة ببعضها البعض بشكل كبير، لذلك فستكون الدراسة فيها نوع من التعقيد والصعوبة، لامتزاج أكثر من عامل مع عوامل أخرى ، فقد يرتبط الفرد بدين معين، ومذهب معين، إضافة لانتمائه لعشيرة معينة ، أو إقليم معين ، أو طبقة معينة ، أو حزب معين، لذلك فقد رأت الدراسة التركيز على تمايز معين للأفراد في كل حالة، مع التنويه لارتباط هذا التمايز بتمايز آخر في نفس السياق، والتركيز على التمايز الآخر في موضع أخر، مع التنويه إلى ارتباطه بالتمايز الأول، بشكل مبسط ، وكل ذلك توخياً لسهولة التحليل العلمي لكل عامل.
المطلب الأول
التمايز العرقي –الإثني- في العراق
التمايز العرقي –الإثني- هو: تمايز الأفراد في الخصائص الانثروبولوجية والجينية عند الأفراد الآخرين، من نفس المجتمع، أو بالنسبة لمجتمعات أخرى، وبما أن المجتمع العراقي يحتوي مجموعات عرقية عديدة، إلا أن هذا لا يعني أنه لم يحصل تمازج بين أفراد المجموعات المختلفة عرقياً، فليس هناك عرق صاف في العالم، وهذا ما أثبته وأكده علماء الانثربولوجيا، بيد أن عملية الدمج العرقي هي مسألة نسبية، رغم أن هذا لم يمنع احتفاظ بعض هذه الأعراق بقدر من التمايز مع الآخرين، وهذا ما حدث بالفعل في محل الدراسة وهو العراق.
وأهم المجموعات العرقية في العراق هي ·:
(1) العرب
قوم ساميون، هاجروا هجرات متعاقبة، على بقاع الهلال الخصيب، وعاشوا مع سكان تلك المنطقة ، الذين كانوا يعيشون حياة لا حضرية، وامتزجوا بهؤلاء السكان، فظهر منهم السومريون ، والأكاديون، الذين كانوا أولى المجموعات السامية المهاجرة إلى العراق منذ (4500) ق.م، ثم قامت هجرة سامية أخرى هي الأموريون الذين هاجروا إلى بلاد الرافدين ، والشام ، وكونوا سلالة بابل الأولى، التي اشتهرت بملكها حمورابي ، وفي نفس تلك الفترة استوطن قسماً من القبائل الآرامية، وعرفوا باسم الكلدانيين، كما استوطن قسماً من العرب في عهد الدولة الفارسية التي كانت آنئذ تحتل العراق، وعرفوا باسم اللخميون ، أو المناذرة، كما استوطن قسماً من العمالقة الساميون في العراق، وأنشؤوا دولتهم في عام 2500ق.م. وكان منهم الهكسوس الذين حكموا مصر في عام 2300 ق.م، كما دخل العاديون ، والقحطانيون ، والتابعية، واستقروا في العراق، وقد تهَّود قسماً منهم، كما تنصَّر آخرون، وذلك قبل الفتح العربي الإسلامي للعراق([2]).
ثم جاءت بعد ذلك الهجرة العربية السامية الكبرى عام 633م، حيث أدخلت معها الإسلام للعراق، وقد استمر العرب فيها حتى سقوط بغداد على يد المغول عام 1258، فتوقفت الهجرات العربية إلى العراق ردحاً من الزمن ، لكن في العهد العثماني، خلال فترة حكم داود باشا للعراق في القرن التاسع عشر، حدثت هجرة عربية جديدة ، وكانت تلك الهجرة لسببين: أولاهما اقتصادي، والآخر سياسي، حيث كان بسبب اضطهاد الحركة الوهابية لهم لعدم تقبلهم مذهبها الجديد، وقد شجع العثمانيون هذه الهجرة، بقصد صد الحركة الوهابية عن العراق، وليكونوا حاجزاً عن الصفويين في إيران من ناحية الشرق([3]).
وقد كان العراق منذ خلافة الإمام على (كرم الله وجهه) ؛ مركزاً للخلاف بين المواليين له، وبين الرافضين لبيعته من الأمويين ، ومؤيديهم، وقد اشتد هذا الخلاف في العهد العباسي بين العلويين الهاشميين وبين العباسيين الهاشميين، ؛ بسبب التنافس على السلطة، وعلى هذا الأساس كان العراق مركزاً للثورات الشيعية المتلاحقة، بين العرب أنفسهم ؛ بسبب اختلافاتهم الأيديولوجية ، والعقائدية.
فقد حكم العراق من كلا الطرفين الشيعة، والسنة، فعندما يكون الحكم شيعياً كما في دولة البويهيين، والصفويين، يكون السنة في حالة اضطهاد، ويحدث العكس عندما يكون الحكم سنياً، كما في دولتي السلاجقة، والعثمانيين ، لكن هذه الدول لا تمثل الشخصية العربية ، وبالتالي لا تعبر عن واقع الشخصية العربية والإسلامية الصحيحة ، فقد كان هناك تسامح بين هاذين المذهبين في العصر العباسي الذهبي ، قبل أن يتدخل السلاجقة ، ومن بعدهم البويهيون في حكم الدولة العباسية ، كما كان هناك تسامح ديني في عهد دولة الحمدانيون الشيعية التي ظهرت خلال العصر العباسي الثاني ، والتي شملت أرجاء كبيرة من العراق ، وسوريا .
وقد اجتمع العرب السنة تحت تسمية واحدة بغض النظر عن اختلافاتهم المذهبية الفرعية: حنابلة، شافعية، حنفية، مالكية، وسموا باسم السنة، أما الشيعة فرغم اختلافهم أيضاً، إلا أنهم اجتمعوا تحت راية الشيعة الاثنى عشرية، وعلى هذا الأساس كان انعزال السنة عن الشيعة في أقاليم العراق المختلفة.
ويتسم العرب من الناحية الانثروبولوجية، باستطالة الرأس، واستقامة الأذن وسمرة البشرة (حنطي)، وسواد العينين، والقامة المتوسطة، ويتسمون بالذكاء، وسرعة الانفعال، والكرم، والدهاء، وهم حضر ، وبدو ، وشبه رحل، وينقسمون إلى قبائل وعشائر، تميزهم عن بعضهم البعض([4]).
وقد كان لهم أكثر من حقبة في التاريخ حيث كونوا خلالها، دولاً كبرى ضمت بين جناحيها قوميات ، وأقوام عديدة، وتجسد ذلك في مراحل تاريخها العريق، وخاصة في مراحل النهضة والتقدم، فإن مستوى الامتزاج الحضاري بين العرب ، والقوميات الأخرى التي ضمتهم الدول العربية كان واسعاً ، وعميقاً، بدون أن تفقد الأمة العربية شخصيتها ، وأصالتها القومية، في جميع عهودها، سواء في ظل قوتها، أو في ظل عهود الانحطاط، عندما تحللت الدولة العربية وسيطرت قوى أجنبية على الوطن العربي ، فبقيت أهم خصائصها أنها تنتمي إلى أمة عريقة الجذور في التاريخ الإنساني([5]).
وأهم مميزات الشعب العربي في العراق هي:
1- عدم اجتماعهم على تقبل شكل من أشكال السلطة ، أو القيادة؛ بسبب الاختلاف على السلطة بين السنة ، والشيعة·، حيث ترى كل واحدة أحقيتها بالسلطة، لذلك انعزلت كل منهما عن الأخرى في مناطق خاصة بها، حتى أن العاصمة بغداد انقسمت إلى أحياء شيعية ، وأخرى سنية.
2- العصبية العشائرية ، والقومية ؛ بسبب اعتدادهم بأمجاد الأمة العربية الغابرة، حيث كانت بغداد مركز الدولة العباسية، وحاضرة العالم بأسره.
3- اختلاف مطالبهم وحاجاتهم، نتيجة اختلاف آراءهم ، وثقافاتهم في المجال السياسي ، أو الديني.
4- ميلهم إلى الوحدة العربية مع الدول العربية المجاورة ؛ بسبب وجود قوتين كبيرتين محاذيتين للعراق، هما إيران ، وتركيا، وما يشكله الترابط العشائري والتاريخي لهم مع هذه الدول وخاصة سوريا ، والأردن.
5- ميلهم إلى السلطة ؛ بسبب عشائرية المجتمع العراقي، حيث أن العشائرية تتصف بميلها إلى السلطة السياسية، مع ميلها لبروز زعيم تتفق عليه العشائر.
6- ميولهم الدينية، بسبب تاريخ العراق كمركز للخلافة العباسية، ووجود أئمة الفقه الإسلامي والمذهبي مثل، الإمام جعفر الصادق (رضي الله عنه)، والأئمة السنة مثل: أبي حنيفة النعمان، وأحمد بن حنبل (رضي الله عنهما)، ووجود المراقد المقدسة، للسنة والشيعة على حد سواء، لكن امتياز الشيعة بخاصية الاهتمام الكبير بزيارة هذه المراقد - مراقد أهل البيت- ( عليهم السلام )، قد جعل عندهم نزعة متعصبة تجاه مذهبهم ؛ إضافة إلى ظهور الفرق ، والحركات الإسلامية السياسية مثل الخوارج ، والمعتزلة ، والصوفية، وهذا ما ساهم في انضمام الكثير من العراقيين إلى الحركات السرية ضد الحكم العثماني منذ عام 1909.
7- ميلهم إلى المغامرة، والتمجيد بالأجداد؛ بسبب اختلاطهم بالأعاجم من غير العرب، مثل الفرس والترك وغيرهم.
ويشكل العرب نسبة تقترب من الـ70% من مجموع سكان العراق، ويتوزعون في معظم أرجاء العراق، إلا أن نسبتهم في شمال العراق أقل من نسبة الأكراد، ويتوزعون إلى أكثرية سنية في الوسط العراقي، وأكثرية شيعية في الجنوب العراقي، أما بغداد فتكاد تكون النسبة فيها متساوية بين الاثنين سواءاً السنة أم الشيعة.
الجماعة الإثنية
نسبتها إلى مجموع السكان
مكان تمركزها في العراق
العرب
70%
شمال غرب ووسط وجنوب العراق
الأكراد
20%
شمال غرب العراق
التركمان
4%
شمال غرب العراق
الفرس
3%
وسط وشمال العراق
الأشوريون
أقل من 1%
شمال غرب العراق
الكلدان ، والنساطرة
أقل من 1%
شمال غرب العراق
الأرمن
أقل من 1%
وسط وشمال العراق
المجموع
100%
جدول رقم (1-1) يوضح الأعراق الإثنية في العراق ، وقد صمم الباحث هذا الجدول بناءاً على المراجع المتوفرة في الدراسة
2- الأكراد
اُختلف حول أصولهم، وما هي العصور التي جاءوا بها للعراق، لكنهم وجدوا في العراق منذ ما قبل الفتح الإسلامي له، وكان لهم دور كبير في فترة الحكم الإسلامي ، بما امتازوا به من علم ، ومعرفة ، وثقافة، وخاصة في أيام الدولة الأيوبية التي قامت في مصر ، والشام وشملت معظم أرجاء العراق، وقد استقر بعضهم في إيران، وآخرون منهم في الأناضول وشمال سوريا، ومعظمهم سكن القرى، ولهم ثقافة خاصة بهم، إضافة إلى عادات ، وتقاليد موروثة، وقد أخلصوا للدين الإسلامي منذ دخولهم فيه، وهذا ما يفسر وجود كثير من مؤسسي الطرق الصوفية من الأكراد، ورجال الدين ، والعلماء([6]).
ويرى بعض الباحثين أن أصولهم عربية، لكن رأى آخرون أنهم من أصول أرية فارسية، رغم أن لهجاتهم بعيدة جداً عن اللغة الفارسية، أما ادعاءهم أنهم من أصول عربية؛ فبسبب انتساب الكثير منهم إلى أحد أجداد العرب وهو ربيعة بن نزار بن بكر بن وائل، حيث تفرقوا في بلاد كثيرة ؛ بسبب الحرب التي كانت بينهم وبين قبائل عربية أخرى، وامتزجوا بعد ذلك بأهل تلك البلدان، وانتهت لغتهم العربية، وأصبحت لهم لغة خاصة بهم، وهذا الرأي أكده كل من المسعودي وابن الشمنة([7]).
بيد أن بعض القوميين من الدول التي يتواجد فيها أكراد، رأى أنهم ينتمون إليهم مثل الأتراك الذين رأوهم أتراكاً ، وعلى هذا الأساس سماهم مصطفى كمال أتاتورك، أتراك الجبل، بينما رأى ميشيل عفلق أنهم من أصول عربية، وقد نسوا لغتهم بسبب الاستعمار الذي مرَّ على الوطن العربي في كافة مراحله، كما رأى أنهم من ذرية كثير من العرب الفاتحين أمثال خالد بن الوليد ، ومعاذ بن جبل، ، والعباس بن عبد المطلب ، وبني أمية، أو من أولاد كردين عمر مزيفيا، والدليل على ذلك أن الكثير من القبائل الكردية تدعي انتسابها لهولاء، كما أن الكثير من رؤساء العشائر الكردية يتباهون بانتسابهم ، لأحد الصحابة ، أو أحد أئمة أهل البيت([8]).
وقد رأى آخرون أن الأكراد من قوم النبي نوح عليه السلام، الذين دخلوا السفينة وخرجوا منها ، ثم عاشوا منفردين بعد ذلك، وهم ينتسبون إلى كردين بن مردين بن يافت بن نوح، أو إيران بن ارم بن سام بن نوح، أو إلى كردين بن كنعان بن كوش بن حام بن نوح([9]).
إلا أن الباحث مازن بلال يرى ؛ أنهم قد تمازجوا مع كافة الشعوب القديمة والأصول السلالية إبتداءاً من القوتين وحتى الآن، وأنهم وجدوا ضمن البيئة السورية التي تشكل الهلال الخصيب بكامله، فهم جزء من الشعب السوري مثلهم مثل الأشوريين ، والفينيقيين ، والآراميين، لكنهم ظهروا بشكل أوضح ؛ بسبب ما تعرضوا به للإرهاب من العناصر الأخرى خارج بيئة الهلال الخصب السورية، وخاصة من قبل الأتراك، والدليل على ذلك أن منطقة الهلال الخصب السورية كانت على الدوام وحدة إدارية تامة، وهذا ما اعتبتره الإمبراطوريات الرومانية والإغريقية -خلال حكمها للمنطقة - لأن له نسيج جغرافي واحد، وما يسمى بكردستان ، وهذه المنطقة ذات الأكثرية الكردية في كل من سوريا ، والعراق ، وإيران ، وتركيا، هي جزء من سوريا الطبيعية، وأن كردستان لا يمكن أن تشكل بيئة مستقلة بحد ذاتها سواءاً من حيث الحدود الجغرافية الواضحة، أو من حيث الإمكانيات الاقتصادية ، والتركيب البشري([10]).
لكن يرى بعض الأكراد أنهم من أصول أرية، والسبب في ذلك ربما يكون بسبب ما كان لهذا العرق من دعاية متطرفة قبيل الحرب العالمية الثانية، حيث يدعي البعض أنهم أتوا من مناطق العرق الآري، مثلهم مثل الجورجيين، منذ ما قبل التاريخ، واستطاعوا إذابة شعوب المنطقة الأصليين بفعل اندماجهم معهم، وأنهم حافظوا على استقلالهم، في ظل الدول التي حكمتهم، ويستدلون على ذلك أنهم كانوا قبل الإسلام يعتنقون الزرادشتية، التي لم تنتشر إلا بين الأجناس الآرية، وهم الفرس والأكراد، إلى أن انتشر الدين الإسلامي في مناطقهم على يد خالد بن الوليد وعياض بن غنم، إلا أن هذا الرأي فيه الكثير من الضعف؛ بسبب اختلاف السحنات بين الأكراد، إضافة إلى اختلاف لغة الأكراد عن بعضهم البعض، أما عن عامل الدين، فإن الأسبان ، والبرتغاليين قد اعتنقوا الدين الإسلامي خلال فترة الحكم العربي في الأندلس، لكن تنصروا بعد سقوط غرناطة، كما تنصر الكثير من العرب هناك، بعد محاكم التفتيش الاسبانية، كما أن الكثير من الساميين العرب في أريتريا، وأثيوبيا قد تنصروا ؛ بسبب ما لاقوا من اضطهاد ديني على يد النظام الأثيوبي خلال فترة حكم الإمبراطور هيلاسيلاسي، كما أن الكثير من الأكراد يفندون هذا الرأي فيرون أنهم من الجنس القوقازي (قفقاسيا)، وتاريخهم يبدأ مع ظهور السومريين ، والأكاديين، كما يرى آخرين من الأكراد أنهم كانوا آريين، إلا أنهم اختلطوا مع أكراد الولو، والكوتي، الذين حكموا بلاد الرافدين بعد السومريون، كما رأى آخرون أنهم من شعب الكردوخ، الذين جاءوا من زاجروس وحكموا إيران ، وبلاد الرافدين، ورأى آخرون أنه سورياريون كانوا في بلاد عيلام قرب أضة في شمال سوريا، كما يرى أحد الباحثين الأكراد وهو أحمد تاج الدين، أن كل القوميات التي ذكرها الأكراد عن أصولهم هم فرع من الأكراد الآريين الذين أتوا من جبال زاجروس، الممتدة من كرمنشاه وهمدان شرقاً إلى شمال سوريا ، وجبال طوروس في الأناضول غرباً، ومن جنوب بحر الخزر شمالاً، حتى حوض نهر الزاب الأكبر جنوباً، وأن أصولهم ترجع إلى 500 ق.م، إلا أن هذا الباحث لا يستطيع أن يفسر لنا الاختلاف اللغوي والانثروبولوجي ، والإقليمي للأكراد، حيث ينتشرون في مناطق قد تتكون من أكثريات ليست كردية، ولماذا لم توجد حدود سياسية ، أو قومية تجمع سكانها، وأن لفظ كلمة كردستان هو لفظ ليس ببعيد زمنياً، فقد أطلقة أحد ملوك السلاجقة، على إحدى مقاطعات مملكته في القرن الثاني عشر الميلادي، كما لم تعرف حتى الآن فترة دخولهم لإيران([11]).
ويرى عباس العزاوي ؛ أنهم شعب مستقل عن الشعوب الأخرى ، ومتأثر بالمجاورين له من العرب ، والإيرانيين والأتراك وغيرهم. وقد اختلطوا بهم، وصاروا لا يفترقون عنهم، إلا أنهم حافظوا على أنسابهم([12])، ويعتبر هذا الرأي أقرب للصحة، لأن الرأي القائل بأنهم من أصول تنتمي إلى قومية حاكمة في دولة ما، أو أنهم ينتمون إلى قومية ادعت تفوقها في فترة زمنية معينة، ما هو إلا نزعة شوفينية لتلك القومية الحاكمة، يراد بها دمجهم تحت بوتقتها ؛ لحل مشكلة الأقليات العرقية فيها، ويقترب هذا الرأي من رأي مازن بلال الذي يرى أنهم مثل غيرهم من شعوب الهلال الخصب، الذين اندمجوا معه، لكن انعزالهم قد أبعدهم عن التواصل الحضاري مع أقرانهم، رغم أنهم كانوا حكاماً للمنطقة في فترة زمنية معينة في أيام حكم الدولة الأيوبية.
وتعتبر كردستان هي موطن الأكراد، وهي تمتد حسب رأي أحمد تاج الدين من بحيرة أورمية في أقصى الشمال الشرقي ، إلى ملاطية بتركيا في الجنوب الغربي بطول يصل إلى 900 كم، وعرض 200 كم، وتتسم هذه المنطقة بمناعتها الجبلية، مع وجود بعض السهول ، والهضاب، وتشتهر بالزراعة، أما سكانها فيقسمون إلى أربعة فئات هي([13]).
1- الكرمانج.
2- الكوران.
3- اللور.
4- الكلهر.
ويصل عددهم إلى حوالي سبع وعشرين مليون نسمة ـ احصاءيتهم في نهاية عقد التسعينات ـ ويعيشون في تركيا ، والعراق ، وإيران ، وسوريا ، وبعض مناطق الجمهوريات السوفياتية السابقة ، ونسبتهم إلى عدد السكان في هذه المناطق حسب رأي ناجي أبي عادوا وميشيل جريتون، تصل إلى 20% في العراق، و17% في تركيا، 7% في إيران و4% في سوريا، و1% في لبنان([14])، ورغم ذلك فقد اختلف الباحثون حول معالم الوطن الكردي([15])؛ بسبب أنه لم يؤكد علماء التاريخ عن قيام دولة كردية معينة·، بل إمارات متناثرة خضعت لدول أخرى من فرس ، وترك ، وعرب، وقد شجعهم القياصرة الروس ومن بعدهم البلشفيك على الهجرة إلى شمال العراق، لتزيد نسبتهم هناك، ولتقل من المناطق السوفياتية، بهدف التخلص منهم أولاً، ورغبتهم في الوصول إلى المياه الدافئة حيث منابع الطاقة في منطقة الخليج، ورغم كل ذلك يستمر ادعاء الأكراد أنهم يشتركون مع بعضهم البعض في ثقافة واحدة ، وأن لهم أعرافاً وتقاليداً واحدة مشتركة ، رغم وجود الكثير من التمايزات التي تميزهم عن بعضهم البعض، لكنهم يرون أن اختلاف لهجاتهم -بحيث لا تكون معروفة بينهم-هو بسبب تباعد مناطقهم، وأن لهم لغة مشتركة يحرصون أن تكون اللغة التي تجمعهم وهي اللغة الكردية التي يتكلم بها أهل السليمانية، التي يعتبرونها إحدى اللغات الهندو أوربية المستقلة عن الفارسية، وتكتب اللغة العربية([16])، بالرغم من أن الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق قد رأى أن تكتب اللغة الكردية باللغة اللاتينية.
فعملياً للغة الكردية لهجتين شمالية ، وجنوبية، أما الشمالية، فيتحدث بها أكراد أرمينيا ، وتركيا ، وسوريا ، وأكراد الموصل ، ودهوك في العراق، أما الجنوبية فيتكلمها السورانيون من أهل أربيل، والبابانيون، وأهل السليمانية، وكركوك، وأكراد إيران، ويصعب التفاهم بين الناطقين بين هاتين اللهجتين، كما توجد اللهجة الكورانية في شمال سوريا، وبعض مناطق إيران، وتشكل هذه اللهجات لغات بحد ذاتها نظراً للاختلاف الكبير بينها، وعدم قدرة المتكلمين بإحداها من التفاهم مع الآخرين من اللغات الأخرى([17]).
وحوالي90% من نسبة الأكراد يدينون بالإسلام، أما الآخرون فيدينون بالمسيحية مثلهم مثل : النساطرة ، اليعاقبة ، والروم الكاثوليك، والأرمن الأرثوذكسي، كما أن قسماً منهم يدين، باليزيدية، والكلاكائية، والشبكية، والعلى اللهية، وهي ديانات سنتحدث عنها في إطار دراستنا للتمايز الديني ، والطائفي ، والمذهبي في العراق، أما المذهب الإسلامي الذي يدين به الأكراد فهو المذهب الشافعي في معظمهم، إلا أن هناك عشائر في العراق تدين بالمذهب الشيعي مثل قبيلة (الفيليين) ، لكن تسود معظم العشائر الكردية، الطرق الصوفية، خاصة القادرية ، والنقشندية([18]).
ويتركزون في العراق في مناطق السليمانية ، وأربيل ، وكركوك ، والموصل، وخانقين، وبعض مناطق ديالي·، وتتخلل هذه المناطق كثير من العشائر والقبائل العربية، كقبيلة طئ في أربيل، أما كركوك فنصف سكانها من الأكراد أكثرهم من المهاجرين إليها منذ عام 1958· ، كما أن الأكراد ينتشرون في مناطق خارج المناطق التي يتكاثفون فيها، مثل: العمارة ، والكوت، وبغداد، والبصرة، وغيرها من المدن العراقية([19])، وتقدر نسبة المناطق التي يسكنها الأكراد في العراق إلى المساحة الكلية له بـ11.6% أي ما يعادل حوالي 50 ألف كم2([20])، وقد زادت نسبتهم في العراق بعد تنكر الحكومة التركية للأكراد بالحكم الذاتي ضمن المناطق التي يسكنون فيها، فقاموا بثورات ضدها عام 1925، مما حذا بتركيا إلى اضطهادهم ، وإبعاد قسماً منهم خارج حدودها، فهاجر قسماً منهم إلى شمال سوريا والعراق([21])، وما يؤكد هذه الحقيقة، أن زعيم حزب العمال الكردستاني في تركيا، عبد الله أوجلان، صرَّح أن أكراد سوريا جاءوا من تركيا، ويجب أن يعودوا إليها من خلال حزبه([22])، ولا شك أن أكراد سوريا هم امتداداً طبيعياً لأكراد العراق، وبالتالي ينطبق عليهم نفس التصريح.
وكان السبب الذي أشعل فيهم الروح القومية والدعوة لتأسيس دولة لهم هو قيام الأرمن بعد الحرب العالمية الأولى، بالدعوة لإنشاء دولة أرمنية تمتد من بحر قزوين إلى البحر الأسود، ومن ثم إلى البحر المتوسط غرباً، ويدخل فيها مناطق كردية كثيرة، مثل: أرض روم، وسيواء، وخربوط، وديار بكر، وتفليس، ووان، مما جعل الأكراد يقومون بردة فعل تجاه ذلك، ويطالبوا بدولة كردية لهم في مواجهة التحدي الأرمني لقوميتهم، إضافة إلى الدعوات القومية الطورانية في تركيا ؛ بسبب التأثر باتجاه مصطفى كمال أتاتورك، العلماني القومي، وعلى هذا الأساس ظهر الحزب الوطني الكردي برئاسة عبد القادر شمدنان، الذي طالب بتوحيد المناطق الكردية، وإعطائها حكماً لامركزياً، وحثَّ بريطانيا على ذلك، وأنشؤوا لهم صحيفة في القاهرة عام 1919، ثم سعوا على إشراك قضيتهم في مؤتمر الصلح في باريس عام 1919، وفي 10 أغسطس من عام 1920م عقدت معاهدة سيفر، التي نصت على وضع مشروع لاستقلال المناطق الكردية الواقعة في كل من تركيا ، والعراق ، وسوريا([23]).
ويعتبر أكراد العراق أن الجزء الجنوبي من كردستان الكبرى هو كردستان الواقعة في شمال العراق، المحاذية للحدود الإيرانية ، والتركية ، والسورية، ومعظم هذا الجزء جبلي، وتتراوح نسبتهم بين 18% إلى 20% من مجموع سكان العراق، ورغم أن معظمهم من المسلمين السنة مثلهم مثل : العرب السنة، إلا أن اندماجهم بالعرب السنة كان قليلاً، وظلت أعرافهم ، وقوميتهم سائدة في مجال تعاملاتهم مع غيرهم، رغم أن اختلاف لهجاتهم باختلاف مناطقهم قد أضعف التفاعل فيما بينهم، إضافة لعامل العزلة الطبيعية ؛ بسبب سكنهم في الجبال([24])، لكن يبقى الهاجس الذي يوحد كل الحركات الكردية، والنخب الكردية ، والشعب الكردي في العراق، هو البحث عن كيان في إطار الدولة العراقية ، أو حتى خارج إطارها، إضافة إلى هاجس الأمن، كما أنهم يهدفون إلى تحقيق حضارة كردية فيها مؤسسات اجتماعية وبنية تحتية لدولة عصرية، بسبب أن معظم مناطقهم بلا حواضر باستثناء بعض المناطق في مدن مثل: أربيل ، ودهوك ، السليمانية، بسبب علاقة تلك المناطق بالحكومات المركزية في بغداد([25]).
(3) التركمان
يتشابهون مع الأتراك باللغة ، والعرق، وقد نزح قسم كبير منهم إلى العراق بعد الحرب العثمانية الروسية بين عامي (1877-1887)، لكن يختلفون عن الأتراك في أن الأتراك هم بقايا العثمانيين، وقد تعرب قسماً كبيراً منهم، كما أن الأتراك يرجعون بأصولهم إلى الفرس ؛ فالصفويين ، والقاجار الذين حكموا بلاد فارس هم من جنس الأتراك ، بخلاف التركمان الذين هم المغول المتتركين الذين جاءوا من قيزغستان، وامتدوا إلى منشوريا ، والتركستان ، ومنغولياً، وظهر منهم السلاجقة ، والخوارزمية، كما أن معظم أفراد الجيش الإسلامي بقيادة عبيد الله بن زياد عام (٥٤هـ) الذي فتح تركستان، كانوا من المحاربين العرب ، الذين استقروا هناك وتزاوجوا مع التركستانيات، ولم يكتف العراقيون بالاستقرار والتزاوج مع التركمان ، بل إنهم بعثوا بالمقاتلين التركمان ليستقروا بدورهم في العراق كما أن قسماً منهم يعود إلى قبائل (أوغوز والغز) الذين قدموا إلى سوريا ، والعراق، من أواسط آسيا الصغرى في عهد السلاجقة، وسموا بالأذربيجانيين في أذربيجان، وبالعثمانيين في تركيا، كما أن قسماً منهم بقايا جيش طغرل بك السلجوقي، وجنود أنابك، كما أن آخرون من سلالة العثمانيين في عهد الدولة العثمانية ، وقد استخدم الأمويون ، والعباسيون قسماً منهم في حروبهم ؛ بسبب ما اتصفوا به من شجاعة ، وقدرة قتالية عالية، كما استقر قسماً منهم في عهد المغول حيث تترك قسماً من المغول (التركمان الوثنيين)، واختلطوا بهم ؛ بسبب تأثير غزوات دولتي الخروف الأبيض ، والخروف الأسود (1410-1508)، وقد ازداد نفوذ الترك أو التركمان خصوصاً في أيام الخليفة العباسي المعتصم بالله ، الذي استقوى بهم واعتمد عليهم، وقد رفدوا الدولة العباسية بالكثير من الأعلام مثل : الفارابي والبخاري والخوارزمي والبيروني والسرخسي والعديد غيرهم، وقد تمكن التركمان حتى قبل العهد العثماني من حكم العراق، عبر الإمارات المختلفة كالإمارة الزنكية الأتابكية والدولة السلجوقية، بجانب الدولتين البارانية المعروفة بـ"الخروف الأسود" (قره قويونلو) والبايندارية المعروفة بـ"الخروف الأبيض" (آق قويونلو) اللتين حكمتا معظم أراضي العراق ، كما امتزجوا بالعرب في العهد العثماني([26]).
وتركزوا في المناطق الفاصلة بين العرب والأكراد، ومنهم من سكن السهول، بسبب ما كان من رغبة الدولة العثمانية في جعلهم حاجزاً يفصل الأكراد عن العرب، ولحماية خطوط التجارة بين بغداد ، والموصل ، وإيران، إضافة لما كان من رغبة السلاجقة قبل ذلك من السكن في مناطق شبيهة بمناطقهم، وقريبة من بلادهم، كما اشتغل قسماً كبيراً منهم في الزراعة، ويسكنون في مناطق ضيقة تختلط في مناطق الأكراد، وأغلبهم يعيش في المدن، خاصة في كركوك، ويتسمون بإخلاصهم لرؤسائهم، وتعصبهم لقوميتهم ، ونزعاتهم الطورانية، إلا أنهم لم يطالبوا بالانفصال عن جسم العراق، وقد شجعت الحكومات العراقية فتح نوادي رسمية لهم، إضافة إلى سماحها بإصدار صحف خاصة بهم، وبلغتهم، وعممت اللغة التركمانية في دوائرهم الرسمية ([27]).
وفي عام ١٩٢٦ أبرمت اتفاقية بين الحكومتين التركية والبريطانية حول تبعية ولاية الموصل (وتشمل أربيل وكركوك والسليمانية)·، تشير إحدى فقرات هذه الاتفاقية إلى حرية اختيار العراقيين من الأصول التركمانية، بين البقاء في العراق أو الهجرة إلى تركيا، وقد فضل التركمان البقاء في العراق إلا عدد قليل فضلوا الهجرة إلى تركيا والاستقرار فيها، ومن أعلامهم في العصر الحديث برز العديد من الشخصيات العلمية والثقافية والأدبية والسياسية، بعد تشكيل الحكومة الوطنية العراقية عام ١٩٢١ وحتى الآن.
وبالنسبة إلى مشكلة مدينة كركوك فيرى التركمان أنها كانت ذات أكثرية تركمانية ، وكانت حكومات ما قبل الثورة العراقية 1958 ، ولكنها كانت عملية منظمة وعقلانية ومن دون ضجة، فكانت خطة نوري السعيد تعريب المدينة بتوطين الموظفين العرب، بأسلوب نقل الموظفين سنوياً منها واليها، فالموظفين التركمان والأكراد وقسم من العرب كانوا ينقلون سنويا إلى الألوية (المحافظات الأخرى) لقضاء أربعة سنوات خدمة مدنية فيها، وينقل إلى كركوك موظفين عرب ليقضوا بقية عمرهم الوظيفي والحياتي فيها،لكن بعد الثورة ، نشط الأكراد في تكريد مدينة كركوك، خاصة بعد وصول الملا مصطفى البارزاني وأتباعه من منفاهم في الاتحاد السوفيتي وتأثير الحزب الشيوعي العراقي، حيث كان غالبية كوادر وأعضاء وأنصار الحزب الشيوعي في كركوك من الأكراد، فزحفت عشرات الآلاف من العوائل الكردية من القرى المحيطة بشمال كركوك إلى مركز المدينة واستولت على الأراضي من أصحابها التركمان، وبنيت البيوت البدائية عليها، وألصقت صور عبد الكريم قاسم على الأبواب واعتبروها سند الملكية، نشبت إثر ذلك حزازات ومصادمات بين الكثير من سكان المدينة الأصليين التركمان وبين الوافدين للسيطرة عليها من خلال تغيير ديموغرافيتها، وتحولت هذه الحزازات إلى صراع دامي بين الأكراد والتركمان، فتحالف التركمان والعرب في المدينة لإيقاف هذه الهجمة المنظمة ذات الأهداف السياسية، لكن استمر الصراع والحزازات والمناوشات إلى أن انفجرت ثورة عبد الوهاب الشواف عام ١٩٥٩ خلال مسيرة الذكرى الأولى لثورة ١٤ تموز، فارتكب الشيوعيون خلالها مجزرة بشعة، قتلوا وسحلوا شباب التركمان في الشوراع ، ومثلوا بأجسادهم وعلقوها على أعمدة الكهرباء والأشجار، ونهبوا محلاتهم التجارية وبيوتهم ، راح ضحية هذه المجزرة ستة وثلاثين من التركمان وعشرات من الجرحى، ومن يومها لم تهدأ هذه المدينة حيث دبت الفرقة والبغضاء والحقد والفتن بين القوميات الرئيسية الثلاثة في المدينة واستمرت المشاحنات بينها ولم تهدأ إلى الآن.
وتصل نسبتهم إلى 4% من سكان العراق، ومعظمهم مسلمون ، وقسماً منهم مسيحيون ، وهم الذين وصلوا العراق في عهد المغول ، وبالنسبة إلى المسلمون منهم ؛ فيقسمون إلى سنة ، وشيعة ، حيث تشيع قسماً منهم في عهد الحكم الصفوي للعراق ، ولهم عدة لهجات ؛ بسبب تباعد مناطقهم ، واختلاف قبائلهم ، حيث يتركزون في موطن التركمان في العراق الممتد من قضاء تلعفر شمال محافظة الموصل ، وينحدر إلى جنوب شرقها باتجاه محافظة أربيل (نصف سكان أربيل من التركمان من بقايا الدولة الأتابكية التركمانية) ويمتد جنوباً إلى ناحية التون كوبري باتجاه محافظة كركوك- واستنادا لإحصائية العام١٩٥٧ احتل التركمان مركز القومية الأولى في هذه المحافظة، ثم جاءت القوميتان الكردية ثم العربية والمسيحـيون- ثم جنوباً باتجاه ناحية تازة خورماتو وقضاء طوز خورماتو، ثم ناحية بيات وقضاء كفري، وينحدر إلى جنوب شرق العراق إلى محافظة ديالي وخاصة قضاء الخانقين، وناحية زرباطية والسعدية وجلولاء. ويقطن في محافظة بغداد الآن بحدود (٥٠) ألفا من التركمان، ومن الناحية المذهبية ينقسم التركمان إلى حوالي ٥٥٪ من السنة، و٤٥٪ من الشيعة، يقطن السنة في مدن، أربيل والتون كوبري وكركوك وبيات وكفري وخانقين وجلولاء وزرباطية والسعدية؛ أما الشيعة فيقطنون في تلعفر وتوابعها في محافظة الموصل وفي مركز مدينة كركوك (حوالي ٣٥٪ من التركمان في مركز مدينة كركوك من الشيعة)؛ وناحية تازة خورماتو وطوز خورماتو وعدد من القرى التابعة لهما. بلغ عدد نفوس التركمان ، ولهجتهم تختلف عن اللغة التركية بشكل كبير ، وإن كانت لهجة كركوك أقرب إليها ، لذلك أجمع معظم تركمان العراق على اعتمادها لغة للثقافة وللأدب ، رغم أنها مازالت تحتفظ بنسبة ٤٠% من المفردات العربية بخلاف اللهجة التركية التي أدخلت إليها، بعد تأسيس الجمهورية التركية، المفردات الإنكليزية والفرنسية بنسبة أكثر من ٣٠% بدلاً من المفردات العربية، وما زال التركمان يعتمدون الحروف العربية في الكتابة، ولهم سمات خاصة بهم ، منها تحفظهم في علاقاتهم مع الآخرين ، واعتدادهم بالتقاليد ، وبالتقارب الأسري ، والعداء بينهم وبين الأكراد([28]) .
(4) الفرس
يعود وجودهم في العراق إلى زمن الاحتلال الفارسي بعد هزيمة الدولة الكلدانية على يد ملك الفرس كورش عام 539 ق.م ، واستمر الفرس في حكم العراق حتى هزمهم الإسكندر المقدوني عام 331 ق.م ، وحكم العراق لمدة أكثر من مائة سنة ، ليعود الفرس بعدها ويحتلوا العراق، حوالي أربعة قرون أخرى ، إلى أن جاءت معركة القادسية بقيادة سعد بن أبي وقاص عام 636 م ، ليعود حكم العرب للعراق ، ولتصل إمبراطوريتهم إلى حدود الصين ، شاملة إيران نفسها تحت حكم العرب المباشر لها لمدة تزيد عن أربعة قرون([29]) .
وقد عملوا خلال العهد العباسي على التدخل في شؤون الدولة العباسية ، فكان لهم نفوذاً كبيراً في عهد البويهيين الفرس في العراق ، وقاموا بحركات شعوبية لإضعاف الدولة العباسية، وقد استمر نفوذهم حوالي مائتي سنة، ثم جاء الصفيون بعد ذلك، واحتلوا العراق إلى أن جاء العثمانيون، وهزموهم ، وحكموا العراق منذ عام 1532([30]).
وبما أن العراق يحوي على مقامات سبعة من أئمة أهل البيت، فكان الكثير من الشيعة الإيرانيين يحبذون السكن قرب هذه الأضرحة، كما تركَّز قسماً منهم في بعض المدن العراقية، وامتهنوا مختلفة([31]) ، وتصل نسبتهم إلى حوالي 3% من سكان العراق ، ووجودهم في العراق له دوافع سياسية في بعض الأحيان ، من خلال سعي إيران إلى السيطرة على العراق ، وجعله تابعاً لها، وكانت معظم تمردات العشائر العراقية وخاصة الشيعية منها؛ بسبب مساعدتها لهم، حيث كانت تشتد هذه المنازعات عند تدهور العلاقات العراقية الإيرانية، وتعمل السلطات الإيرانية على تشجيع هجرة الإيرانيين إلى العراق، بغية استمرار تدخلاتها في العراق([32]).
(5) الآشوريون
يدعون أنهم من أصول من سلالة الأشوريون الذين حكموا بلاد الرافدين قبل الميلاد ، وكانوا يسموا بالآثوريين في اللغات السائدة في المنطقة وأهمها الآرامية وتعني كلمة آثور منطقة جغرافية ، أما آشور فاسم علم لألههم وملوكهم ،وعلى ذلك فالآشوريين والآثوريين ليستا إلا تسمية واحدة تعني ( الأمة الآشورية) ، ومنذ القرن الخامس الميلادي وتحديدا إثر مجمع أفسس سنة 431 انقسموا إلى فرقتين: أتباع كنيسة المشرق ومقرها في ساليق طيسفون ( سلمان باك) والذين سميوا بالنساطرة نسبة إلى نسطورس بطريرك القسطنطينية ،وأتباع الكنيسة الأرثوذكسية ومقرها البطريركي في انطاكيا وهم السريان المغاربة ويسميهم بعض المؤرخين باليعاقبة نسبة إلى يعقوب البرداغي([33]).
وهم من أصول جبلية، أتوا إلى داخل العراق من جبال الهيكاري، الممتدة داخل حدود العراق الشمالية، والتي أصبحت من نصيب تركيا بعد معاهدة لوزان 1923، حيث قدموا إلى قرب العاصمة بغداد في مكان يسمى بعقوبة ؛ وهي على بعد 50 كم شرقي بغداد، وقد سخَّرتهم روسيا أثناء الحرب العالمية الأولى للثورة ضد الأتراك، مما حذا بتركيا إلى تشتيتهم خارج أراضيها ، وذلك بعد تخلي الروس عنهم بعد ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا عام 1917، وكان هذا سبب نزوحهم إلى العراق، كما التجأ قسمٌ منهم إلى الاتحاد السوفياتي ، وإلى أذربيجان، وكان من نتائج مجيئهم للعراق أن أكثر من عشرون ألفاً منهم انضم إلى القوات البريطانية الموجودة في العراق آنئذ، على أساس وقوفهم مع بريطانيا ضد تركيا، فشكلت بريطانيا جيشاً منهم سمته جيش (الليفي)، وأصبح له قواعد عسكرية في أنحاء العراق المختلفة، وادعت بريطانيا أنهم من أصول عراقية آشورية([34])·.
وقد وقف هذا الجيش ضد ثورة العشرين في العراق عام 1920، وارتكبوا مجازر عديدة بحق الشعب العراقي، وهاجموا أهالي كركوك عام 1924، ونكلَّوا بهم، وأعطتهم بريطانيا بعض الأراضي الزراعية، مقابل وعدها للحكومة العراقية بضم الموصل للعراق، وبعض المناطق التي كانت تركيا تطالب بها ، كما كان للأشوريين اتصالات أخرى مع الغرب، واستعدادهم للتعامل معه على حساب الشعب العراقي([35])، فقد وقفوا ضد إنهاء الانتداب البريطاني على العراق عام 1932، وقد شجع زعيمهم المار شمعون هذه التصرفات، مما أثار الحكومة العراقية ضدهم، كما تأثر الأكراد سلبياً في وجودهم في مناطق تابعة للأكراد، خاصة بعد أن أصبحوا يتدخلوا بالشأن العراقي الكلي منذ عام 1930، فكان اتفاق الحكومة العراقية مع قائد الأركان العراقي بكر صدقي ـ كردي ـ على مهاجمتهم والتنكيل بهم، مما أدى لهجرة قسماً كبيراً منهم إلى سوريا، وقد استغلت الصحافة الغربية هذه الأحداث لتتهم العراقيين بالتعصب، وتدعو لحماية الأقليات، رغم أنهم لم يحترموا وحدة العراق عندما طالبوا بإقامة كيان قومي لهم على أرض العراق([36]).
ونسبتهم حوالي 1% إلى من سكان العراق، ويتكلمون السريانية، وهي بقايا اللغة الآرامية القديمة، التي كان يتكلم بها سكان سوريا قبل الفتح الإسلامي لها، ويدينون بالكنيسة اليعقوبية، وينقسمون إلى اليعاقبة ، والنساطرة، وبعضهم كاثوليك ، وبروتستانت ، وأرثوذكس، ومعظمهم يقطن الآن في العمادية، ودهوك، في لواء الموصل([37]).
وقد أعطتهم الحكومة العراقية بعد المذبحة التي تعرضوا لها كل ما للعراقيين، من حقوق وسمحت بتدريس لغتهم في المدارس إلى جانب اللغة العربية، وتدريس اللغة السريانية في جامعة بغداد كإحدى اللغات القديمة، وإصدار مجلات شهرية باللغة السريانية، وأقامت لهم نوادي ثقافية وفنية، وبرامج تلفزيونية خاصة بهم، وأعطتهم الجنسية العراقية، بعد ما أسقطتها عنهم على أساس أنهم لم يكونوا في العراق قبل الحرب العالمية الأولى، وقد استقبل عبد الكريم قاسم زعيمهم الديني ، والسياسي المار شمعون عام 1958([38])، بعد أن كان منفياً خارج العراق قبل ذلك.
(6)- الكلدانيون
يعود أصل تسمية الكلدان بمعناها المتداول اليوم إلى القرن الخامس عشر عندما أعلن نساطرة قبرص المؤمنين بعقيدة الكنيسة الشرقية النسطورية خضوعهم للكنيسة الكاثوليكية الرومانية وقبولهم لمعتقدها اللاهوتي-يدعى التحول العقائدي هذا لدى المؤرخين من الكاثوليك بالاهتداء -، وهكذا ازداد عدد المتحولين من النسطرة إلى الكثلكة، وخاصة إثر الانقسام الكنيسي عام 1551 الذي لم يدم طويلا وتجدد في سنة 1681 ؛ مما نتج عنه انشطار الكنيسة إلى كنيستين مستقلتين هما الكنيسة الشرقية النسطورية والكنيسة الشرقية الكلدانية، وترسخت الكنيسة الكلدانية بين أوساط الشعب الآشوري ، وترسخت معها تسمية الكلدان تمييزاً لهم عن النساطرة، حيث أصدر البابا أوجينوس الرابع برائته البابوية حولهم ، وأمر بتسميتهم كلداناً منذ سنة 1445م، فلا علاقة لهم بالاسم الكلداني المعروف تاريخياً، بل إن التسمية هذه حديثة جاءت من بابا روما، لأنهم من أصول آشورية تعود إلى بقايا الإمبراطورية الآشورية فهم من سكان العراق القدماء (الآراميين) الذين تنصروا في عهد الدولة الفارسية، رافضين الزرادشتية التي كان يؤمن بها الفرس، ويتكلمون السريانية، التي تعتبر اللغة الأم للغتين العربية والعبرية، ونسبتهم تصل إلى حوالي 2 % من سكان العراق، ويتركزون في بعض قرى الموصل([39]).
(7)- النساطرة
انفصلوا عن الكلدان في القرن الخامس الميلادي ، وشكلوا مذهباً دينياً جديداً على يد نسطور الحكيم , وانتشرت مدارسهم وإرسالياتهم انتشارا سريعاً في بلاد الفرس ، ووصل تبشيرهم إلى الهند وامتدوا حتى الصين؛ وصارت كنيستهم في القرنين الحادي عشر والثاني عشر أكبر كنيسة مسيحية في العالم , فكانت هي الكنيسة المسيحية في الشرق الأقصى ، ولهم رئيس روحي يقيم في بغداد ويخضع لرياسته 25 مطراناً , وظل النساطرة يتمتعون بحماية الخلفاء العباسيون في بغداد حيث ظهرت مبادئ نسطور في عهد الخليفة العباسي المأمون، حيث تصرف في الأناجيل بحسب رأيه، واختلف رأيه حول شخصية المسيح (عليه السلام)، حيث رأى أن الله والمسيح اتحدا اتحاداً تاماً([40])،وكانوا يشغلون المناصب الهامة فى الدولة العباسية ، ولكن سيطرة المغول على بغداد , عانى النساطرة اضطهاداً شديداً ، إلى أن غزا التتار بقيادة تيمورلنك البلاد في القرن الرابع عشر فساد فيها الدمار ومحا الكنيسة هناك تقريباً ولم يبق من النساطرة إلا نفراً قليلاً ، وقد كانوا على عداء صريح مع الصليبيين الذين احتلوا البلاد العربية؛ بسبب ما لمسوه من فرق المعاملة بينهم وبين المسلمين([41])،وفى أوائل يناير عام 1958 م أبدى بضعة ألاف من النساطرة بالعراق رغبتهم في انضمام إلى الكنيسة السريانية الأرثوذكسية برياسة مارأغناطيوس يعقوب الثالث بطريرك إنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس , وأعادوا الكرة مرة أخرى في 29 من أغسطس من تلك السنة , وكتبوا مضبطة رسمية موقعاً عليها من زعمائهم قدموها إلى مطران السريان الأرثوذكس في الموصل بالعراق , كما قدموا صورة منها إلى وزارة الداخلية العراقية , وأخرى إلى متصرفة لواء الموصل يعلنون فيها حقيقة انضمامهم إلى الكنيسة السريانية الأرثوذكسية , وبعد أن كتب البطريرك السرياني إلى إخوته المطارنة يستشيرهم في الأمر , قرروا قبول أولئك النساطرة في شركة الكنيسة , ,فأسس لهم إيبراشية خاصة بهم في العراق , ورسم لهم مرشحهم شاليطا بن زيبا مطراناً عليهم باسم إيثاوس شاليطا , وكان ذلك في 23 نوفمبر سنة 1958 م([42]) .
8- الأرمن
ينتمي الأرمن إلى العرق الآري (الهندو-أوروبي) وقد ظهروا في التأريخ في الألف الثالث ق.م ، حسب الدراسات اللغوية والآثارية الحديثة وهناك عدة روايات لوجود الأرمن في العراق، فقد كتب المؤرخ الأرمني موفسيس خوريناتسي في القرن الخامس قبل الميلاد عن وجود الأرمن في العراق استناداً إلى المصادر التي اطلع عليها في الألفين الثاني والأول قبل الميلاد، أما المؤرخ اليوناني هيرودوتس (القرن الخامس قبل الميلاد) ، فيذكر عن علاقات أرمينيا والعراق القديمة ، حيث إن الأرمن كانوا ينقلون بمراكبهم البضائع إلى بابل عبر نهر الفرات، ومن خلال هذه التجارة استقر العديد منهم في بابل وكونوا جالية أرمنية فيها ، وتشير مصادر أخرى إلى وجود أبرشية أرمنية في شمالي العراق في أواخر القرن العاشر للميلاد ، وفي البصرة أيضا عام 1222م، وتشير المصادر أيضاً إلى وجود طائفة أرمنية في بغداد لها رئيس روحي عام 1354م، كما يعتقد البعض أنهم استوطنوا آسيا الصغرى قبل انهيار إمبراطورية الحثيين، بعد أن ذاقوا مرارة الاستعباد تحت حكم الملك سباكزار ملك ميديا، الذي غزا نينوى واحتلها ، ثم بسط سيطرته على أرمينيا، وبعد أن حرر الملك تريناد أرمينيا من أنصار الوثنية، دعا مجلس الأشراف إلى انتخاب غريغوار رئيسا أعلى للكنيسة الكاثوليكية في أرمينيا بعد أن كرسه (بطريك) قيصرية أسقفا عليها، وفي عام 302م أعلن الملك تريناد الثالث، المسيحية دينا للدولة، وكانت مدينة سيرت أول مدينة بأرمينيا عرفت المسيحية ، وقد أدخلها إليها اثنان من تلاميذ السيد المسيح (ع) ، كما كان هناك عدة مراكز أخرى للمسيحية في عام 200 م ، لكن معظم الأرمن الموجودين حالياً في العراق قد هاجروا إلى العراق بعد الحرب العالمية الأولى، وذلك بعد الاضطهاد الذي تعرضوا له على يد الأتراك، بعد دعودتهم لإقامة الدولة الأرمنية على جزء من الأراضي التركية عام 1915م مما حذا بالأتراك إلى قتل وإبادة أكثر من مليون ونصف أرمني عدا الذين تم تهجيرهم خارج أراضيهم، حيث هاجر قسم آخر منهم إلى لبنان ، وسوريا ، ومصر، وهم مسيحيون ينتمون إلى عدة كنائس مسيحية أشهرها الأرمن الكاثوليك، أو الأرثوذكس، ولهم إنجيل يدعى بالإنجيل الأرمني، وهو إنجيل منحول كونه لا ينطبق مع القوانين الكنيسية في إعداد لائحة أسفار العهد الجديد ، ولهم لغة خاصة بهم لكنها كانت لغة محكية فقط دون حروف، وتعود في أصولها إلى الآرامية ، ويتميز الأرمن بالأندية الرياضية والاجتماعية التي تلعب دورا مهما في الحياة الاجتماعية وتتشارك مع العائلة والكنيسة في بناء الأجيال الشابة، وأشهر الأندية الأرمنية هي جمعية الشبيبة الأرمنية ، والنادي الرياضي الأرمني (هومت من عام 1918)، والجمعية الخيرية الأرمنية , ونادي الشهيد أوهان، واتحاد النساء الأرمن، وتتنوع الأنشطة مابين رياضية واجتماعية وثقافية وخيرية وعدد الأرمن في العراق حالياً يتراوح مابين 20 -22 ألفا يتمركزون في بغداد ، والبصرة،والموصل، وكركوك وزاخو (قضاء تابع لدهوك)، وما يزالون لهم اتصالات جيدة مع أرمينيا، ويمتهنون الطب والهندسة وصياغة الذهب وتصليح السيارات ، ويمتهنون التجارة بشكل خاص بالإضافة إلى مهن أخرى مثل الصياغة والحدادة والخياطة ولا يفضلون كثيراً الزواج من بقية الطوائف المسيحية من أجل الحفاظ على النوع ضمن المعقول كي لا تذوب مع المجتمعات الأخرى ، وينقسم الأرمن في العراق إلى قسمين، وذلك حسب تاريخ هجرتهم الحديثة (حيث كانوا ينتشرون في تركيا وإيران والاتحاد السوفيتي) واستقروا في العراق([43]):
-أرمن بغداد الذين جاء بهم الشاه عباس البهلوي في عهد الدولة الصفوية ، عن طريق البصرة ، واستقروا في بغداد في القرن السابع عشر للمساعدة على تطوير المدن الإيرانية ، حيث كانوا تجارا وفنانين وحرفيين ماهرين،وهم يسمون بالأرمن التجار.
-الأرمن الذين فروا من تركيا على إثر المذابح التي تعرضوا لها في بداية القرن الماضي ، من قبل الزعيم التركي كمال أتاتورك ، واستقروا في بغداد والموصل والبصرة.
المطلب الثاني
التمايز الديني ، والطائفي ، والمذهبي في العراق
من أبرز معالم التمايز الديني، والمذهبي ، والطائفي ؛ هو ظهور الطائفية في المجتمع تلك التي يستطيع المرء التعبير عنها بأنها : مشاعر في القلوب، أسست على تاريخ قوامه الزيف ، وتعليم كله جهل ، وتجهيل، وتنشئة تقوم على الضغينة والنفاق، ودعم سياسي لحكم متسلطين ، دافعه تفريق الأمة لتسهل قيادتها من جهة، وسحق القسم الثوري في المجتمع، الذي يتسِّم بأنه عصي عن الخضوع للطغاة مهما كلف الأمر، من جهة أخرى([44]).
فالإنسان الطائفي ؛ هو ذلك الإنسان الذي يقف مواقف غير صحيحة، إما بوعي ، أو بدون وعي، بناءاً على هذه المشاعر، أما الدولة الطائفية فهي التي تميَّز بين رعاياها في التوظيف والمكافآت، وإعطاء المسؤولية، وتوزيع الحقوق والواجبات على اختلافها، لا على أساس المساواة كأصل ، ثم الكفاءة، ودرجة العطاء بعد ذلك، وإنما على أساس الانتماء الطائفي([45]).
فما هي الأديان ، والطوائف ، والمذاهب الدينية في العراق ؟ وهل بينها اختلاف عقائدي في أسسها، أو أيديولوجيتها، أو دعوتها من أجل الوحدة الوطنية في المجتمع والدولة ؟ وهل ظهر بينها اختلاف قبل وصول حزب البعث العربي الاشتراكي إلى السلطة في العراق عام 1963 ؟ على اعتبار أننا سندرس علاقة البعث بالوحدة الوطنية في إطار مستقل مع مراعاة جميع تمايزات المجتمع العراقي، وخاصة الجانبيين الإثني ، والديني.
· الأديان والطوائف والمذاهب في العراق·
(1) المسلمون
يشكلون 93% من سكان العراق([46])، ويشكل المسلمون السنة 46.5% من السكان، بينما المسلمون الشيعة 46.5% من عدد السكان أيضاً ، وعلى هذا الأساس، فالسنة ، والشيعة متعادلي النسبة بالنسبة لسكان العراق، لكن نسبة السكان السنة من العرب هي 5،30% ، أما نسبة السكان الشيعة من العرب فهي 40% بينما الأكراد السنة فيشكلون 14% من سكان العراق ، أما الأكراد الشيعة فيشكلون 2% من العراقيين([47])، والشيعة الفرس 3% ، والتركمان السنة 2% ، والتركمان الشيعة 1،5% ، انظر حول ذلك الجدولين(2-1),و( 3-1) .
وينتشر المذهب السني في وسط وشمال العراق، بينما ينتشر المذهب الشيعي في جنوب العراق، وإذا تقاطع محوري المذهب مع القومية، فيكون تركز العرب المسلمون السنة في وسط وشمال العراق، أما العرب المسلمون الشيعة ففي جنوب العراق ، والأكراد المسلمين سواءاً كانوا شيعة أم سنة ، فيتركزون في شمال أو شرق العراق وللتمييز بين السنة والشيعة، فسندرس كل منهما على حدة، رغم أن الاختلاف بينهما ليس جوهرياً، بل هو اختلاف نظري في كثير من جوانبه.
المسلمون في العراق حسب المذهب
النسبة المئوية بالنسبة لنسبة عدد السكان
المسلمون السنة
5،46%
المسلمون الشيعة
46،5%
نسبة المسلمون السنة ، والشيعة
93%
الجدول (2-1) يبين نسبة المسلمين في العراق بالنسبة إلى مجموع أفراد الشعب العراقي ، كما يبين نسبة كل من السنة والشيعة في العراق بالنسبة إلى مجموع عدد المسلمين في العراق ، وقد صمم الباحث هذا الجدول بناءاً على المراجع المتوفرة .
المسلمون حسب المذهب ، و القومية (الإثنية)
نسبتهم إلى مجموع السكان
عرب مسلمون سنة
30,5%
عرب مسلمون شيعة
40%
أكراد مسلمون سنة
14%
أكراد مسلمون شيعة
2%
فرس مسلمون شيعة
3%
تركمان مسلون سنة
2%
تركمان مسلمون شيعة
1،5%
المجموع الكلي للمسلمين السنة (عرباً وكرداً تركماناً)، والشيعة (عرباً وكرداً وتركمان وفرس)
93%
الجدول (3-1) يبين تقاطع الإطار المذهبي والقومي ( الإثني ) للمسلمين في العراق ، وقد صمم الباحث هذا الجدول بناءاً على المراجع المتوفرة .
الديانات في العراق
النسبة المئوية بالنسبة إلى عدد السكان
المسلمون
93%
المسيحيون
4%
اليزيديون
1%
اليهود ، والكاكائيون ، والعلى اللهية ، والصابئة ،والشباك ، البهائية، والكولية
2%
المجموع الكلي
100%
الجدول (4-1) يبين الإطار الديني لنسبة السكان في العراق ، وقد صمم الباحث هذا الجدول بناءاً على المراجع المتوفرة .
القوميان والأديان في العراق
نسبة السكان بناءاً على تقاطع محوري القومية والدين في العراق
العرب المسلمون
70%
الأكراد المسلمون
16%
التركمان المسلمون
3،5%
الفرس المسلمون
3%
أكراد يزيدية
1%
أكراد (الكاكائية ، والشاباك ، والصابئة ، والعلى اللهية)
2%
العرب المسيحيون
أقل من 1%
الأكراد ، والتركمان المسيحيون
أقل من1 %
الكلدان المسيحيون
2%
الأشوريون ، والنساطرة ، والأرمن (المسيحيون )
1%
البهائيون ، والكولية
أقل من 1%
اليهود
بضعة آلاف
المجموع
100%
الجدول (5-1) يبين تقاطع الإطارين الديني والقومي ( الإثني ) للسكان في العراق ، وقد صمم الباحث هذا الجدول بناءاً على المراجع المتوفرة .
· السنة
هي الطائفة المسلمة التي تسمى ؛ أهل السنة ، أو أهل التسنن ، أو السنيين، وقد أطلق هذا المفهوم على المسلمين الذين اتبعوا الفقهاء الذين لم يكونوا من ذرية الرسول محمد (ص)، كأبي حنيفة ، والشافعي، ومالك بن أنس، وأحمد بن حنبل، والأوزاعي وغيرهم من أئمة هذا المذهب، وقد سلَّم كل هؤلاء بالخلفاء الراشدين الأربعة، كخلفاء شرعيين للرسول، كما سلَّموا بالقرآن ، والسنة والحديث، معتمدين في تفسيرها على الصحاح الستة، وهي صحيح البخاري، ومسلم، والترمذي، وأبي داود، وأبن ماجة، والنسائي، وقد انتشر اصطلاح "السنة" في العصر العباسي الثاني، الذي ابتدأ بالخليفة المتوكل، حيث كان بعض الخلفاء العباسيين، يتبعون المعتزلة، أو يترفعون عن المذهبية الدينية.
ويرى السنة أن باب الاجتهاد قد أقفل منذ عشرة قرون، وذلك بعد أن انقسم المسلمون حسب المذاهب الأربعة، وأن هؤلاء الأئمة الأربعة قد فسَّروا كل ما يتعلق بالقرآن ، والسنة، وكل ما تشمله الحياة اليومية، إلا أن بعض العلماء يرى أن باب الاجتهاد مازال مفتوحاً بشرط توافر شروط خاصة بالمجتهد ، والإمامة ليست من أصول الدين، التي هي عندهم: التوحيد ، والنبوة ، والمعاد ، وصلاة الجمعة عندهم واجبة، ولا يميزون بين أحد من الصحابة فعندهم الجميع سواسية، ويجب احترامهم وتقديرهم، مثلهم مثل "آل البيت" النبوي، الذين يحظون بمنزلة خاصة عندهم ، إضافة إلى ما يحظى به أئمة الطرق الصوفية، حيث لهم الكثير من المقامات التي تقام فيها الاحتفالات الدينية، ويرون أن ما حدث من اختلافات بين الصحابة ، وقتال بضعهم البعض هو أمر لابد من عدم النقاش به ، حيث يترك الأمر لله عز وجلَّ في شأنهم ، لأنهم اجتهدوا وقرروا، وعلى هذا الأساس فليس هناك داع للخلاف حول هذه الأمور، لأن الرسول (ص) أوصى بأصحابه عندهم، وأنهم قد تربوا تربية نبوية، فهم قدوة حسنة للأمة، وبالتالي فلا يجوز الانتقاص من أحدهم ، أو الطعن فيه، وأصول الفقه عندهم هي: السنة ، والإجماع ، والقياس ، والمصلحة المرسلة ، والاستصحاب، والإجماع عندهم هو إجماع أهل الحل والعقد([48])، والشروح المثلى للفقه تأتي من الأئمة الأربعة ؛ لأنهم حسب رأيهم هم الأقدر على تفسير الدين الإسلامي، ويرون بأخذ ظاهر الآية القرآنية، أو الحديث النبوي، دون أن تكون ثمة تأويلات باطنية لها، إلا إذا أقرها واتفق عليها الفقهاء ، إلا أن لأهل الطرق الصوفية الكثير من التفسيرات الباطنية ؛ التي تختلف باختلاف هذه الطرق ،وإن كانت كلها تصب في جوهر القرآن والسنة .
وقد كان لهم نفوذ كبير في ظل الدولة العباسية ،وفي ظل حكم السلاجقة، والمماليك الذين حكموا العراق، بعد سقوط بغداد على يد المغول عام 1258م ، ثم في ظل الدولة العثمانية ، وحتى سقوط بغداد بيد قوات التحالف الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية عام 2003، فقد كانت الأقاليم السنية في العراق تعامل معاملة خاصة من العثمانيين، بخلاف الجنوب الشيعي؛ بسب طائفية الدولة العثمانية([49])، كما عملت بريطانيا خلال فترة انتدابها للعراق، على التمييز بين الطوائف المذهبية في العراق، بأن أعطوا السنة مراكزاً أكثر من الشيعة في الدولة ، وقد استاء الشيعة من خلال مجتهديهم على التركيبة الدينية لمجلس إدارة الدولة عام 1919 ، خاصة بعد تعيين الإنكليز لحكام سنيين للمحافظات الشيعية([50]).
وقد كان التنافس بين السنة على السلطة خلال فترة قيام الدولة العراقية، من أسباب إضعاف شرعيتهم السياسية، لكن وجود عدم توازن في الدولة العراقية بين السنة ، والشيعة منذ قيام الدولة العراقية، كان من خلال مؤامرة إنكليزية ؛ بغية تحقيق استراتيجية مستقبلية لها ؛ مدركة أنها تستطيع بعد ذلك إشعال حرب طائفية عند الضرورة، فمن مذكرات المستر "أدموندز" ؛ معاون مستشار وزارة الداخلية العراقية في العهد الملكي البريطاني : " كما أنه يظهر كذلك أن التهذيب، وحتى تعيين الشيعة للمناصب الحكومية العليا قد جعل الطبقة المفكرة أشد شعوراً من ذي قبل بحالتهم الأدنى بالنسبة إلى السنة التي يجب أن تدوم إلى حين"([51]).
وقد استطاعت هذه الاستراتيجية فيما بعد نشر الكثير من الضغينة بين السنة ، والشيعة في العراق ؛ بسبب الصراع على السلطة ضمن الدولة العراقية، وهذا ما أثبتته الأحداث بشكل أكثر وضوحاً، بعد الاحتلال الأمريكي الغربي للعراق عام 2003م.
· الشيعة
ظهروا بظهور الخلاف بين الإمام على بن أبي طالب "كرم الله وجهه"، وبين معاوية بن أبي سفيان بعد أن طالب معاوية بدم الخليفة عثمان بن عفان (رض)، معتبراً أن الإمام علي "كرم الله وجهه" يأوي قتله عثمان(رض)، رغم أن بعض الشيعة ترى أن الرسول قد أطلق اسم الشيعة على المخلصين لأهل البيت ، وتحتوي عقائدهم على عداء صريح لكل من يخالفهم؛ بسبب ما تعرضوا له من اضطهاد سياسي عبر العصور المختلفة، ولهم تفسيرات خاصة للقرآن، والأحاديث النبوية، ويرون أحقية أهل البيت ، وذريتهم بالخلافة الإسلامية، بدءاً من الإمام على " كرم الله وجهه " وأبناءه، وذريته التي هي ذرية الرسول (ص)، ويرون أنه إذا لم تكن الإمامة -السلطة السياسية- في أيديهم فلا يجوز صلاة الجمعة؛ لأن الإمام يملك السلطة الروحية ، والزمنية وهذا ما يفسر اختلافهم عن شيعة إيران بعد الثورة الإسلامية فيها عام 1978، حيث يؤدي شيعة إيران صلاة الجمعة([52]).
ويتسم الشيعة بأنهم يبالغون في الشعائر الدينية في يومي التاسع ، والعاشر من شهر محرم، فيقيمون المآدب حزناً على استشهاد الإمام الحسين ( رض) ؛ الذي استشهد في معركة كربلاء بعد إعلانه الثورة ضد الخليفة الأموي يزيد بن معاوية، رافضاً مبايعته بالخلافة، ويرون أن أئمة أهل البيت قد استخلفهم الرسول محمد (ص)، وأن عدم وجود حاكم من ذرية الرسول سيجعل الحكم غير شرعي، لذلك كانوا يعارضون إجراءات الحكومات العراقية بعد الاستقلال، إذ كانت في معظمها من السنة، لذلك عملوا على تشكيل حزب سياسي شيعي عام 1927، حيث نقدوا فيه الحكومة العراقية، ونظامها السياسي، وطالبوا بضرورة نقل السلطة إليهم، على اعتبار أنهم يشكلون الأكثرية القومية والمذهبية من سكان العراق ([53]).
وقد حكموا العراق في فترة العصر العباسي الثاني من خلال سيطرة البويهيين الشيعة على مقاليد الحكم في الدولة لمدة تقترب من مائتي سنة، كما حكموها من خلال الصفويين الذين احتلوا العراق في بداية القرن الخامس عشر إلى أن أخرجهم منها العثمانيون عام 1532.
ويرى بعض الباحثين أن قضية الإمامة بين السنة ، والشيعة ليست سوى مسألة سياسية بحتة لا تمت للعقيدة بأي صلة، على اعتبار أن الصحابة أنفسهم قد اختلفوا فيها ، وقاتلوا بعضهم بعضاً بسببها، وفي ذلك يقول ماكدونالد: "إن الخلاف بين السنة والشيعة هو خلاف غير جوهري، فهو حول العبادات والمعاملات لكن العقيدة واحدة"([54])، كما يرى "جولد تسيهر" أن الشيعة أقرب إلى فقه الشافعية، واعتبرها أحد مشايخ الأزهر المعاصرين مذهباً سنياً خامساً على أساس أن الإمام جعفر الصادق (رض) هو أستاذ الإمامين أبي حنيفة، ومالك رضي الله عنهما.
وبالمقابل فقد تبرأ علماء المذهب الشيعي من بعض الحركات الهدامة التي تدَّعي الولاء لأهل البيت، بينما تحتوي على الخرافات والشعوذات التي ظهرت من خلال بعض الفرق المنحرفة، مثل : الحروفية ، والبابية ، والبهائية([55]).
والعلم عندهم موروث عن الإمام علي "كرم الله وجهه"، وهو يشكل ما كان وما سيكون، وهو يورث للإمام الذي يأتي بعده بالتعيين وبالنص، وهذا العلم يطلقون عليه اسم الجفر، وهو على عدة أقسام هي([56]):
(1) الجامعة وهي تشمل على المحرمات ، والحلال.
(2) صحيفة الفرائض وهي تشمل الفرائض.
(3) كتاب الجفر، ويشمل تراث الرسول (ص) ويقسم هو الآخر إلى:
- الجفر الأبيض، وهو وعاء فيه علوم الأنبياء والأوصياء، وصحف إبراهيم وموسى ، والزبور ، والإنجيل.
- الجفر الأحمر وفيه علم الحوادث الآتية
أما عن عصمة الأئمة عندهم فهم يرونها مأخوذة من الآية القرآنية:" إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً " فإذهاب الرجس ، والتطهير معناه العصمة، وبالنسبة لعصمة الأنبياء فهي وجوب إلهي ، أما عصمة الأئمة فهي لطف إلهي، وآخر الأئمة عندهم هو الإمام محمد المهدي الذي يلقبونه "المنتظر" ، ويرون أن الرسول (ص) قد بشَّر به، وأنه سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وأنه قد اختفى منذ أكثر من ألف وثلاثمائة سنة، وأنه سيعود ويظهر في نهاية الزمان([57]).
ويرون أن باب الاجتهاد مفتوح ولم يتوقف، وقد حذر إمامهم الإمام جعفر الصادق من النزعات الغالية بالدين، واعتبرها حركات هدامة، تدعي ولاءها لآل البيت، بينما تعمل لهدم الدين، ووضع معياراً مهماً للكشف عن الغلو بقوله: "لا تقبلوا علينا حديثاً إلا ما وافق القرآن ، والسنة "([58])، كما دعا لمقاطعة خصومه العباسيين، وأيد الثورات ضدهم بعد أن نكثوا بوعودهم معه، من هنا كان العداء العباسي، مع ذرية الإمام علي (العلويين) ومؤيديهم، حيث لقبهم العباسيين بالرافضة، لرفضهم الولاية لهم، لكن رأى آخرون، أن هذه التسمية جاءت إليهم ؛ بسبب رفضهم الاعتراف بالخلفاء الراشدين كخلفاء شرعيين للرسول ماعدا الإمام علي ، وأن مبايعة الإمام علي لهم كانت عن استكراه ، لأنهم يعتبرون حادثة السقيفة التي تم بموجبها مبايعة أبوبكر الصديق(رض) بالخلافة هي غير شرعية لأنه لم يحضرها أي من بني هاشم ، وعلى هذا الأساس فهذه التسمية-الرافضة- هي تسمية سياسية بحتة لا تمت للدين بأية صلة، وبالمقابل فإن بعض الشيعة قد لقبوا السنة بأنهم نواصب ،أي أنهم يناصبون العداء لآل البيت، رغم أن هذه التسمية بعيدة كل البعد عن أتباع السنة الحقيقية ؛ لأنهم في مجملهم يقدِّرون ، ويعظمون ، ويجلون آل البيت "عليهم السلام" ، فهذه التسمية أيضاً لا تمت إلى جوهر العقيدة بأي صلة، أما موضوع الاجتهاد ، وتشريعه ، وفتحه عندهم إلى هذا الحين، فهم يرون أن ذلك يكون وفقاً لشروط يجب توافرها في المجتهد وهي: (المعرفة باللغة العربية ، والقرآن ، والحديث، والتفسير، وعلم الكلام، وعلم الإنسان) ، وأن الإمامة من أصول الدين، التي هي عندهم : (التوحيد ، والعدل ، والنبوة ، والإمامة ، والمعاد)، ويرون أنهم هم أهل السنة الحقيقيون ؛ لأنهم يتَّبعون تعاليم الرسول وآل بيته عليهم السلام.
أما زواج المتعة· عندهم فقد حلَّلوه ، حيث يتزوج الرجل من المرأة لمدة محددة يحددها عقد الزواج - بالرغم من أن السنة قد حرَّموه- على أساس أنه لم يرد نص قرآني في عهد الرسول يحرمه، وهم يرون أنه له شروطاً خاصة ، ويتشابه هذا الزواج مع زواج المسيار الذي يحلله بعض السنة ، على أساس أن المسافر إذا انقطع في مكان ما قبل وصوله إلى مكانه، فيجوز له الزواج طيلة فترة إقامة في ذلك المكان، ويفسخ الزواج بعد ذلك بإعلانه إكمال سفره، وأصول الفقه عندهم هي: القرآن، والسنة، والإجماع، والاجتهاد ، لكن الإجماع عندهم هو إجماع مجتهدي الشيعة([59]).
وقد انتشر هذا المذهب بشكل كبير في العراق، خلال فترة الحكم العثماني له وذلك خلال العامين (1743 – 1831)، حيث تشيعت أعداداً كبيرة من القبائل العربية المهاجرة إلى العراق ، وكان سبب تشيع هذه القبائل بسبب التحالفات القبلية بين القبائل، وعدم تسامح الحكومة مع القبائل العربية المهاجرة ، إضافة إلى الدعاية الشيعية.
ومنذ منتصف القرن التاسع عشر ظهرت في إيران مسألة التقليد للمجتهد، بعد مطالبة رجال الدين بذلك على أساس أنهم وكلاء عن الإمام الغائب "المهدي المنتظر" ، وقد تقبلها رجال الدين الشيعة في العراق؛ بسبب تأثر الأحداث السياسية بالدينية في كل من إيران ، والعراق، لكن لم تقتصر هذه الفكرة في العراق على مرجع ديني واحد ، بل على عدة مراجع دينية، وهذا ما ساهم في اختلافات الرأي بين المراجع، كما ساهم في عدم وجود مؤسسة دينية سياسية مركزية([60]).
ومعظم مجتهدي الشيعة في العراق، والذين كونوا المنظمات السياسية فيه، هم من أصول إيرانية، وهذا ما دعا بعض قادة الحكومات العراقية منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921، إلى اتهام المعارضة الشيعية بأنها دخيلة على العراق، رغم ما كان لهؤلاء المجتهدين من دور كبير في مقاومة الاحتلال البريطاني للعراق، ومشاركتهم في ثورة العشرين مع إخوانهم من السنة العراقيين([61]) ، كما أن معظم هؤلاء المجتهدين يدَّعون انتسابهم لآل البيت "عليهم السلام "،وعلى هذا فهم يدَّعون الانتساب للعرب.
وكان ثمة محاولات من النظام السياسي في العراق، لإشراك الشيعة بشكل أكبر في العملية السياسية، إلا أن الضغوط البريطانية على النظام العراقي كانت تحول دون ذلك، فقد رأى الملك فيصل الأول عام 1933، أنه من الضروري إشراك الشيعة بشكل أكثر فعالية في السلطة، لتحقيق التوازن في الدولة العراقية ؛ بسبب ما كان من تنافس بين السنة ، والشيعة على السلطة السياسية التي كانت بيد السنة، حتى أن بعض القبائل الشيعية قد عملت اتفاق سمته "ميثاق النجف" عام 1925 دعوا فيه إلى ضرورة تحقيق المساواة ، والعدالة في الدولة ، وإدخال الفقه الشيعي إلى جانب السني في التدريس في مدارس وجامعات الدولة، وطالبوا بأن يكون لهم دور أكبر في المجالس المحلية، والجيش، وأن توزع موارد الأوقاف عليهم بشكل أكبر، حيث كانت توزع على المراكز الدينية للسنة، ورغم ذلك ظلت معظم مراكز المؤسسة العسكرية ، والمدنية، والبرلمانية، في أيدي السنة، فلم يحصل الشيعة سوى على ثلث المناصب الحساسة في الدولة حتى عام 1958 ، فبين تسعة وعشرون حكومة عراقية بين عامي (1940 – 1958) شكَّل رجال من السياسيين الشيعة خمسة حكومات فقط ، كما أن تطور مشاركة الشيعة في الحياة السياسية كان بطيئاً بشكل كبير([62]).
2- المسيحيون
ويشكلون حوالي (5)% من سكان العراق، ويرجع وجودهم إلى ما قبل دخول الإسلام للعراق بأكثر من 600 سنة([63]) ، والدليل على ذلك وجود النبط، وهم بقايا سكان العراق القدماء، حيث كان هؤلاء مسيحيون نسطوريون، كما وجد الخميون المناذرة في الحيرة، وهم العرب المسيحيون الذين نشروا المسيحية بين القبائل العربية، مثل بني تميم ، وبني سليم، وقد حسبوا مع العرب عند الفتح العربي الإسلامي للعراق، لأنهم عرب أولاً، ولأنهم كانوا قد تعرضوا لاضطهاد الفرس ثانياً، ويقسمون إلى آراميون وهم السريان المتواجدون قرب الموصل، الذين يتكلمون السريانية ومنهم ظهر الكلدان ، والآشوريون ، واليعاقبة ، والنساطرة ، والسريان الشرقيين والغربيين ، كما أن بعض العرب ، والأكراد ، والتركمان يدينون بالمسيحية ، وقد انقسم المسيحيون في العراق بسبب ما كان من انقسامات في الكنيسة البيزنطية ، فالانقسام الأول والذي افرز الكنيسة الشرقية (النساطرة) والكنيسة الأرثوذكسية (اليعاقبة) يعود إلى القرن الخامس الميلادي، كما وأن بدايات الانقسام الآخر ضمن الكنيسة الشرقية والذي افرز الكنيسة الكلدانية تعود إلى القرن الخامس عشر، وأن محاولة إضفاء شخصية متميزة للمذاهب المتولدة من هذه الانقسامات كالقول: الأثوريون بمعنى النساطرة والسريان بمعنى اليعاقبة والكلدان بمعنى الكاثوليك هي محاولة غير صحيحة ، ويتعامل معظم المسيحيون في العراق باللغة العربية ، لكن هناك قرى سهل الموصل لم تزل الآرامية لغتها الأساسية ( وهي لغة قديمة تجد شراكتها مع العربية باعتبارها من جذر واحد ، كما وان الآرامية لغة السيد المسيح ( ع) لم تزل لغة الطقوس الدينية في البيع والكنائس العراقية، أما البروتستانت في العراق فهم قليلون ([64]).
والأدوار الحضارية لهذه الأقوام المسيحية العريقة قد تكاملت سياسيًا واجتماعياً مع القوى المحلية العراقية جميعاً، ويمكن القول بأن الذي أدمجها هذا الإدماج التاريخي الذي يعّبر عنه: تعايش سلمي واجتماعي قّل نظيره في أماكن وبيئات أخرى لأمم أخرى في العالم له دوافع حقيقية وتاريخية، يمكن أجمالها بالآتي:
· الشعور الجمعي الاجتماعي المسيحي ؛ بأنه متوارث للنزعة المسالمة التي لا تقبل الاعتراض أو الاختلاف أو التباين.
· توارث قيم التعايش ، وأسلوب الحماية لمجتمع كان العراقيون يعتّزون به اعتزازاً كبيراً حتى منتصف القرن العشرين.
· موجات التحدّيات الخارجية القاسية التي عانى منها المجتمع العراقي كله على امتداد تاريخه الطويل، خلق حالة شراكة تاريخية حقيقية نادرة الحصول في وقوف الجميع مسلمين ومسيحيين للاستجابة معاً إلى التحديات، ومعاناتهم معاً من المكابدات نفسها.لقد وصلت حالة الاندماج الاجتماعي إلى درجة الشراكة في التقاليد والعادات والألبسة وحتى اللغة، فالقرى المسيحية الواقعة في مجتمع كردي يتكّلم أهلها الكردية والقرى المسيحية الواقعة في مجتمع عربي يتكّلمون العربية وبنفس اللهجة، أما المستوطنات المسيحية القديمة منذ أكثر من ألفي سنة فالناس فيها يتّكلمون الآرامية([65]) ، وقد برز منذ عهد صدر الإسلام وامتدادا بالأمويين ومرورا بالعباسيين العديد من نخب الشعراء والعلماء واللغويين والمترجمين والأطباء المسيحيين العراقيين، ويكفي أن الفلسفة الإغريقية نقلت إلى العربية بفضل مسيحيي العصر العباسي ، وقام الأطباء المسيحيون بأدوار بارعة في الجراحة وعلم الأدوية، كما وكان لقسم منهم أدوار حضارية في الفن والهندسة والتاريخ والرحلات والصناعات والزراعة ، وهناك لغالبيتهم براعة في المهن وخصوصا البناء والتجارة وعلاج الأسنان والنجارة والحدادة وصناعة الحلويات والمعجنات.
أما دور المرآة المسيحية العراقية، فكان له أهميته البالغة لما قدمته للمجتمع من خدمات خاصة وخصوصاً في فن التطريز وصناعة الحلويات والتمريض والتعليم،إن هذه الأدوار ما كان لها أن تتطور إلى أسمى حالاتها لولا حالات السلم والأمان التي عاشها المسيحيون العراقيون وهم في كنف المسلمين العراقيين وتأمين هؤلاء على شركائهم المسيحيين ، وعلى أرواحهم ، وأموالهم ، وأملاكهم، وأعراضهم ، ونواميسهم، وعباداتهم ، وكنائسهم، واحترام المجتمع عاداتهم ، وتقاليدهم ، وطقوسهم ، وصلواتهم([66]).
وفي العصر الحديث كان لهم أدوار ومواقف ومعطيات حضارية في الفن والأدب واللغة والجغرافية والتاريخ ، والطباعة والصحة والفهرسة ، والتربية والتعليم والطب وطب الأسنان ، والصيدلة وفي الإدارة والقضاء ، والمحاماة والصحافة والترجمة ، والعلوم الأكاديمية والتأليف، والفن والغناء والمسرح، وفن البناء وخصوصاً في القرن العشرين، كذلك حفظت الأديرة القديمة اللغة العربية من الاندثار والضياع! حيث عمد الربان والآباء على حفظ نفائس الكتب العربية في مجالات العلوم المختلفة خوفاً من تلفها وإحراقها على يد الغزاة الذين توالوا على غزو العراق ، واشتهر العديد من الرهبان والقسس والمطارنة كعلماء ورحالة وشعراء ومدرسين في اللغة العربية إلى جانب السريانية الآرامية، وقد كان من أهم تلك البعثات: إرسالية الآباء الدومنيكان الذين وصلوا مدينة الموصل سنة 1750م وقدموا خدماتهم الطبية والتعليمية ، ومنها تأسيس مدرسة فرنسية عرفت بمدرسة الآباء الدومنيكان التي خرَّجت طبقة من المثقفين والعلماء المحدثين استمر تأثيرهم حتى القرن العشرين، إذ كان لهم تأثيرهم في نشوء المسرح بالموصل لأول مرة في تاريخ المنطقة، وكان لهم تأثيرهم في تأسيس المطابع ونشر العدد الكبير من الصحف.. فضلا عن الطباعة وخدمات أخرى([67]).
وحول عقيدتهم، فهم ينسبون إلى دين المسيح عيسى عليه السلام الذي ولد من أم يهودية هي مريم العذراء عليها السلام، عام (4) ق.م، ويؤمن المسيحيون أن الله قد خلق الكون، وخلق الإنسان على صورته، وجعله خليفته في الأرض، ويتسمون بالرموز والشعائر الكثيرة ، والدين المسيحي دين يدعو إلى المحبة والأخوة ، والزمالة بين الناس، ولهم عدة أناجيل تعتبر أربعة منها رئيسية هي: متى ، ومرقص ، ويوحنا، ولوقا وهي مترابطة مع بعضها البعض، ومكملة لبعضها البعض كما يرون أن هناك عدة أناجيل غير قانونية([68]).
وتجدر الإشارة إلى أن قسماً من المسيحيين قد جاء إلى العراق في العصر الحديث وأهمهم الأرمن الذين تعرضوا لمذابح الأتراك بعد الحرب العالمية الأولى، بسبب دعواتهم لإقامة الدولة الأرمينية على جزء من الأراضي التركية، وهذا أدى بهم إلى الهروب إلى المناطق المجاورة مثل العراق ، وسوريا ، ولبنان ، ومصر، كما دخل النساطرة الأشوريون العراق، كما أسلفنا قبل ذلك، عندما عرضنا التمايز الإثني في العراق، وكلتا هاتين الكنيستين لهما كنائسهما الخاصة بهما، وعلى العموم فإن المسيحيون سواء منهم المهاجرون الجدد أم القدماء، يشتغلون في جميع المجالات الاقتصادية ، والسياسية ، والمدنية في العراق مثلهم مثل المسلمون.
3- اليهود
كانت مهد الحضارات "بابل" هي مولد العبرانيين، قبل أن يصبحوا شعباً ويظهروا على ساحة التاريخ، كما كان مولد إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام في المدينة القديمة أور في عام 1900 ق.م، لكنه هاجرها بأمر الله تعالى عابراً نهر الأردن باتجاه فلسطين لذلك سمي أتباعه بالعبرانيين ، وتجدر الإشارة هنا أن قسماً من هؤلاء اليهود ينسب إلى النبي اسحق بن إبراهيم عليهما السلام، بينما ينسب الجزء الثاني من نسل إبراهيم إلى العرب المستعربة عن طريق النبي إسماعيل ابن إبراهيم عليهما السلام ، ومنهم الرسول محمد (ص) ؛ فالعرب واليهود أبناء عمومة ، إضافة لكونهم ينتسبون لنفس العرق السامي-قبل أن يطلق على اليهود اسم العبرانيين- الذي جاء من شبه الجزيرة العربية منذ آلاف السنيين،وقد عادوا للعراق زمن السبي البابلي الأول في عهد ملك الأشوريين شلمانصر عام 721 ق.م ، حيث قام بحملة ضد ملك الإسرائيليين "يهوشع" ، كما قام بعد ذلك ملك الأشوريين سنحاريب عام 702 ق.م ؛ بالهجوم على المملكة اليهودية الثانية "مملكة يهوذا" ، ثم كان السبي الثالث على يد ملك الكلدانيين نبوخذ نصر عام 486 ق.م ([69])،.
وهو دين يؤمن بالتوحيد منذ وجود النبي إبراهيم عليه السلام ، ثم ورث عنه التوحيد ابناه إسماعيل وإسحق وحفيده يعقوب والأسباط ، وأمر الله إبراهيم بختان كل ذكر في اليوم الثامن من مولده ليكون علامة عهد بينه وبين الله سنّة للأجيال ، ويؤمنون أن العقل البشري لا يمكنه إدراك الذات الإلهية ،وصفاتها ، ويؤمن اليهود بالمُوشِيَاح أي ( المسيح المنتظر ) الذي يأتي في آخر الأزمان ليملأ الأرض عدلاً وسلاماً ، ولهم عدة مقامات في العراق يزورونها منها مقام حزاقيل المعروف بالنبي ذي الكفل عليه السلام ، ومقام عزرا المعروف بالعزير عليه السلام ، وعندهم عدداً من الكتب المقدسة منها التوراة ، و الزبور التي يقولون عنها مزامير داود ، والتلمود وهو مجموعة التعاليم الدينية والشرعية المستمدة من التوراة ، كما لهم عدداً من الكتب المكتوبة باللغة الآرامية([70]) .
وقد حظوا بمكانة كبيرة أيام الدولة الإسلامية في كافة عصورها ، وأرجائها ، وكان منهم أسماء لامعة في العصر الحديث، ولهم صلوات وصيام خاصاً بهم ، وعطلتهم الأسبوعية هي السبت ، وأشهر أعيادهم يوم الغفران الذي يصادف العاشر من أكتوبر ، وعيد الغفران في 15 إبريل ، وعيد المظال الذي يستمر من 8 وحتى 15 من شهر أكتوبر، كما لهم عدداً آخر من الأعياد الثانوية([71]) .
وقد اشتهر اليهود في العراق بمهنة الصيرفة، والتجارة، حتى أن وزير المالية في حكومات الدولة العراقية كان منهم وهو ساسون حزقيل، حيث تولى هذه الوزارة خمسة مرات وذلك في الحكومات العراقية المتعاقبة؛ بسبب أن القانون العراقي لم يفرق بينهم ، وبين المسلمين في شغل المناصب في الدولة، كما أنهم قد سيطروا على الصحافة ؛ بسبب كفاءتهم العلمية الكبيرة، لكن تراجع مركزهم بعد استقلال العراق عام 1932، بسبب خطة الحكومة العراقية للسيطرة على الشؤون الاقتصادية في الدولة، رغم أنهم ظلوا يحتفظون بنسبة 50% من التجارة العراقية، إلا أن ما قامت به الدعاية النازية –قبل 1945- ، ومن ثم اندلاع الحروب العربية الإسرائيلية، قد جعل أحوالهم ومراكزهم تتضعضع، فهاجر قسماً كبيراً منهم إلى الخارج، لكن ظلوا يحتفظون بمعابدهم الدينية، كما استمر وضع بعضهم جيداً بعد ذلك، بالرغم من أن الكثير من مثقفيهم قد تعاطف مع الشعب الفلسطيني، وأيَّد حقه في فلسطين مستنكراً الدعوات الصهيونية لهذه الأسباب ،وانضم الكثير منهم إلى الحزب الشيوعي العراقي ،وأيدوا ثورة 1958في العراق، وقد شرعت لهم الحكومة العراقية قوانين إدارة " الطائفة الموسوية "، لتنظيم أحوال من تبقى منهم([72]).
أما أعدادهم في الوقت الحاضر فهم قليلون جداً، بسبب هجراتهم المتواصلة من العراق إلى إسرائيل ، وأوربا ، والولايات المتحدة، نتيجة الحروب العربية الإسرائيلية ، ففي عام ١٩٥٠ اتخذت الحكومة العراقية قراراً بالسماح لليهود بالتخلي عن جنسيتهم العراقية والسفر إلى إسرائيل ، ومنحتهم مدة عدة شهور لاتخاذ قرارهم،وفعلاً هاجر الكثير منهم بناءاً على ذلك، بسبب ما قامت به المنظمات الصهيونية وعملاءها من أعمال إرهابية حيث ألقيت العديد من القنابل على النوادي والكنس اليهودية ؛ مما جعل اليهود يندفعون في قبول القرار،وعلى هذا الأساس كان تهجير اليهود العراقيين مؤامرة كبرى دبرها الصهيونيون والبريطانيون وعملاءهم المؤتمرون بأوامر بريطانيا ، وتلقى بعض حكام العراق أجورا كبيرة على عملهم هذا، فكان تهجير يهود العراق إلى إسرائيل تقوية كبرى لإسرائيل ؛ لأن الشباب اليهود إناثاً وذكوراً أصبحوا فوراً جنوداً بموجب قانون التجنيد الإجباري المعمول به في إسرائيل، وكان تهجير اليهود خسارة كبيرة للشعب العراقي ؛ بسبب أن الجالية اليهودية كانت أكثر الجاليات التي هاجرت إلى إسرائيل ثقافة ، ورغم أن ثورة 1958م رفعت عن اليهود كل القيود، بل وألغى قانون إسقاط الجنسية إلا أنهم استمروا في الهجرة فلا يزيدون الآن عن عدة ألاف منتشرين في أنحاء متفرقة في العراق ،وخاصة العاصمة بغداد ، رغم أن عددهم كان قبل ذلك -قبل الحروب العربية الإسرائيلية- يصل إلى حوالي 2.6%([73]).
4- اليزيدية
طائفة دينية، يعتقد أنها كانت تؤمن بالديانة المانوية، التي كانت سائدة في عهد الفرس إلى جانب الزرادشتية، وكلا الديانتين تعتقدان بوجود إلهين واحد للخير، وأخر للشر، وأنه من المفروض عبادتهما لضمان السلامة، ويعتقد البعض أن اليزيدية هي واحدة من الديانات التي تطورت مع تطور البشرية حيث ترجع جذورهم إلى زمن إبراهيم الخليل (عليه السلام) ، فيعتقد اليزيدية أنه أول نبي آمنوا به ، كما أن هناك الكثير من العبادات القديمة التي لا تزال موجودة لديهم ، وهي من العبادات القديمة المتعلقة بالطبيعة وتقديس الشمس والقمر ، أو بعض الأحوال الطبيعية شأنهم شأن جميع الديانات التي سبقت الزرادشتية أو اليهودية ، أو المسيحية أو الإسلام ، وقد ظلوا على هذه العقيدة إلى أن ظهر الشيخ "عدى بن مسافر" الذي يتصل بالجد الرابع للخليفة الأموي مروان بن الحكم رابع الخلفاء الأمويين فأسلموا على يديه، وتبنوا التعاليم الصوفية، وبشروا بها من خلال مركزهم في جبال لالش في منطقة سنجار الواقعة على الحدود السورية العراقية، ثم ظهر بعض الدعاة الآخرين الذين أبعدوا اليزيدية عن الإسلام ؛ بسبب ما أدخلوه عليهم من أفكار لا تمت للإسلام بأي صلة، مثل : إن اليزيدية هم عنصر خاص من البشر، وأن الآخرين نجسون، وقذرون، ولا يجوز مخالطتهم ومعاشرتهم، وضرورة عبادة إله الشر ، وتقديم النذور ، والقرابين له، وأنه قد أسقط عنهم التكاليف الشرعية ؛ لأنهم أمنوا به ، وأن الشيخ عدي بن مسافر سيدخلهم الجنة دون حساب ، أو عقاب ورغم ذلك ما تزال عباداتهم ، وطقوسهم تبرز فيها بعض المعالم الإسلامية، ويرمزون لإله الشر بالطاووس ويسمونه "طاووس ملك"، ولهم سبعة طواويس ، كل واحد يرمز لإله، واحدهم يرمز ليزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وأخر للحسن البصري، وأخر للشيخ عبد القادر الجيلاني، وآخر لمحمد بن الحنفية وهو أحد أبناء الإمام علي "كرم الله وجهه" ، كما أن يزيديي سنجار يختلفون عن غيرهم من اليزيديين من حيث المعتقدات ، والعادات حيث يبدون الولاء لأئمة أهل البيت العلوي ، ويقدسون أسماءهم ، ولهم عدة كتب دينية، منها كتاب الجلوة، ومصحف رش ـ وهو الكتاب الأسود عندهم ـ ولهم طقوس وأغان، وعادات وشعائر خاصة بعباداتهم ، وأعيادهم الدينية، ويقدمون فيها القرابين وأشهر أعيادهم عيد ( جه ما ) ؛ الذي تقام مراسيمه في معبد لالش حصراً ويستمر ستة أيام من ستة إلى ثلاثة عشرة من شهر أكتوبر من كل عام ، وهو عيد خاص بذبح الثور قرباناً للشمس التي هي مصدر الخليقة بطاقتها في نمو كل شيء ، ويزورون معبد لالش من جميع مناطق تواجدهم لأحياء مراسيم هذا العيد ([74]).
ويقسم مجتمعهم إلى طبقات يتمايزون فيها عن بعضهم البعض ، فالطبقتين العليا والسفلى عندهم لا تتمازجان مع بعضهما البعض، ويتوارث الأمراء إماراتهم عليهم، حيث يعتبرون الأمير ممثلاً للإله عندهم ، ويقيم في قرية (باعذرة)، ويعتقد شيوخهم أنهم من نسل الأمويون، وقد حلت روح الخليفة يزيد بين معاوية فيهم، ويجمع أميرهم كل السلطات الدينية ، والسياسية ، والاجتماعية([75]) ، ومجتمعهم متأثر بالعادات الريفية والطابع العشائري الذي يسود علاقاته إلى الآن لأن معيشتهم الرئيسية ؛ تعتمد على الزراعة وتربية المواشي.
ولكل يزيدي مريد له يسمى البيرة أو الشيخ ، ويكيل أمره إليهما ، ويرجو منهما الشفاعة في الآخرة ، ويلتزم كل يزيدي بالشريعة اليزيدية من خلال ثلاثة أمور هي : عدم مخالطة غير اليزيدي ، واعتزاله بصورة مطلقة ، وعدم الخروج عن الحدود المفروضة عليه ، وإظهار العناية الكبيرة بالخرقة التي يكتسيها الفقير ، والحرمة لها ، ويطلق على هذه الأمور الثلاث بالشريعة ،والطريقة ،والدربجقة ، وهناك طبقة المريدون من الطبقة الروحية ، إضافة إلى الكواجك من طبقة العوام ، وهؤلاء الأخيرون ليس لهم صفة دينية ، كما أن طبقة القوالون الذين ينشدون الأناشيد الدينية ، ويغنون ،ويعلمون اليزيديين أصول الدين ، ولا يوجد أي اختلاط لهؤلاء مع الطبقات الأخرى من ناحية النسب([76]) .
ويؤمنون بالألوهية والتناسخ ، وبأن الأرواح الخيرة تعود إلى الحياة ، بينما الأرواح السيئة تدخل أجساد الحيوانات ، وتعيش فترات طويلة حسب الفترة التي حكم عليها بها من قبل ملائكة الله ، كما يؤمنون بعودة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان إلى الأرض ؛ ليملأها عدلاً ، بعدما فسدت ، وأنه سيرفع من شأن الطائفة اليزيدية ، وأن مجد الأمويين سوف يعود ، وستكون دمشق أكبر مدن الأرض([77]) .
ويتركزون في العراق في عدة مناطق هي : الشيخان ، والجراحية ، وألمان ، وباعذرة ، وعين سفني، وسنجار، وينتشر قسماً منهم في سوريا ، وتركيا إضافة إلى روسيا والقوقاز، ومعظمهم من الأكراد، لكن بعضهم من أصول آشورية ، أو ميدية أرية، إلا أن أمراءهم ومشايخهم من أصول عربية خالصة· ، حيث لا يزالون يحافظون على عنصريتهم ، ودمائهم العربية، كما اعتنقت بعض القبائل والأفخاذ العربية الدين اليزيدي ومنها قبيلة شهوان ، كما أن بعضهم من أصول أرامية مندمجة مع عشائر عربية ، وعددهم أقل من 1% من سكان العراق([78])، ولهم صلات قوية مع المسيحيين ، والمسلمين عن طريق الكرافة وهي من المراسيم الاجتماعية لهم ، والتي وتتمثل بقيام الشخص اليزيدي بعملية ختان أطفاله في حضن شخص مسلم يختلط فيها الدم ويصبحون كعائلة واحدة .
وقد أفتى المسلمون بارتدادهم ، وكفرهم على أساس استباحتهم لدماء آل البيت النبوي عليهم السلام، وكرههم للإمام علي "كرم الله وجهه" ، وغلوهم في الأمويين ، وقد تعرضوا للاضطهاد على يد العثمانيين؛ بسبب رفضهم للتجنيد الإجباري، كما رفضوا دعوة الحكومات العراقية لهم للتجنيد الإجباري، وقد وقفوا موقفاً سلبياً من الثورات العراقية ضد الإنجليز، وكانت لهم علاقات خاصة معهم، وقاموا بثورات ضد الحكومة العرقية عام 1935 ، مما حذا بالحكومة العراقية إلى اضطهادهم([79]).
5- الصائبة
ويسمون كذلك بالمانديون، أما اسم الصابئة فهو الاسم المعروف لطائفة دينية قديمة جداً ما يزال لأتباعها بقية باقية في العراق ، وجنوب إيران-منطقة عربستان المحتلة من قبل إيران منذ 1925 ، حتى يومنا هذا، ولا تزال لهؤلاء قيم وطقوس وشعائر دينية وكتب مقدسة ينسبون اثنين منها -وهما الكنزابرا ، وسدرة اندشمائة- إلي أبي البشر آدم عليه السلام ، ويعظمون يوم الأحد كالنصاري (المسيحيين) ويقدسونه كثيراً ، ويعطلون فيه عن العمل ، وأعيادهم هي العيد الكبير، وهو عيد رأس السنة ويسمونه (دهفة ربه) ويعرف باسمه الفارسي أيضاً(نوروز ربه) ويسميه العامية عيد الكرصة، ومدته يومان ، ويعتنون كثيراَ بكتبهم الدينية ولا يسمحون لأي أشخاص آخرين بالإطلاع عليها ، ويعدون العزوبة خطيئة وإنجاب الأولاد فريضة ، وعددهم في العراق قرابة المائة ألف، ويدَّعون أن للعالم صانعاً فاطراً حكيماً مقدساً، ونتقرب إليه من خلال الروحانيون الذين يقولون عنهم بأنهم مطهرون، ومقدسون ، ومنزهون ،ومفطورون على الطهارة، وأنهم الواسطة مع الإله، وهم وسائل الشفاعة عنده ويشكون حاجاتهم إليهم، بعد أن يظهروا أنفسهم ويهذبوها، ويتبتلون بالدعوات ، والصلوات ، والذكوات ، والصيام، والقرابين ، وتبخير البخور ، وتقديم العزائم، ويعتقدون أن هؤلاء الروحانيون يستمدون القوة من الله، وهم الذين يدبرون الكواكب السبعة في أفلاكها، وهم هياكلها ، حيث لكل روحاني هيكل، ولكل هيكل فلك، ونسبة الروحاني إلى ذلك الهيكل ؛ الذي اختص به نسبة الروح إلى الجسد، فهو ربه ومدبرة ، ومديره ، والهياكل هي أرباب، لذلك فهم يقدسون الكواكب([80]).
ويرون أيضاً أن فعل الروحانيات في حركتها على قدر مخصوص؛ ليحصل من حركتها انفعالات في الطباع ، والعناصر، فيحصل من ذلك تركيبات ، وامتزاجات في المركبات ، فيتبعها قوى جسمانية ، ويركب عليها نفوس روحانية، مثل أنواع النبات ، والحيوان، وكل من المطر ، والثلج ، والرياح ، والصواعق ، والشهب، بنتيجة تلك النفوس الروحانية، كما أن تصرفات الإنسان تخضع لهم([81]).
ويرى البعض أن أصلهم من الحرانيين ؛ الذين انتحلوا تسمية الصائبة بعد أن خيَّرهم الخليفة العباسي المأمون، بين الدخول في الإسلام ، أو اختيار أحد الأديان الموجودة في القرآن، فرؤوا أن يتسموا بالصائبة، وهم جماعة من اليهود تبعوا دين يوحنا المعمدان – النبي يحيى عليه السلام - ، وتركوا شريعة النبي موسى عليه السلام، وهاجروا من الأردن، في زمن النبي عيسى عليه السلام واستقروا على ضفاف دجلة ، لكنهم ينكرون ذلك حيث يؤكدون أنهم كانوا يسكنون منذ زمن قديم مناطق عديدة تمتد على رقعة جغرافية كبيرة واشتهروا بطلاء معدن المينا وصياغة الذهب والفضة، وصناعة القوارب الخشبية ([82]).
ومن أساسيات الدين عندهم اغتسال العروسين المتزوجين حديثاً في المياه الجارية، وذلك تحت مختلف الظروف الجوية ، وكذلك للمحتضر قبل موته ، وهذه العادة قد سببت وفاة العديد منهم، كما سببت الأذى للكثيرين ، لذلك فقد غيَّروا هذه العادة ؛ من خلال إقامة مسابح مياه عذبة في معابدهم لأجل طقوسهم الدينية.
ويتكلمون العربية، ورغم قلة عددهم فقد كان لهم دور بارز في مجالات العلم والأدب والمعرفة منذ العصر العباسي وحتى الآن ،فقد خرج منهم من كبار رجال العلم والتاريخ والأدب ، العالم الشهير ثابت بن قرة وأبو اسحق إبراهيم بن هلال الصابئ ، أما لغة طقوسهم الدينية فاللغة المندائية، وهي لغة قريبة من السريانية داخلتها كلمات عربية وفارسية، وقد كتبت كتبهم الدينية باللغة المندائية ومن أهمها "كنزا ربا" (الكنز الكبير) و"ادرافشا دياحيا" (تعاليم يحيى) و"سيدرا دنيشماتا" (كتاب الأرواح) و"القاليتصا" (السعادة) و"الديونان"([83]) .
6- العلى اللهية
عقيدية دينية تمارسها عشائر "اللر، والكورانيون" من الأكراد ، وهم يعتبرون من المسلمون الغلاة المتطرفون الذين خرجوا بغلوهم من دائرة الإسلام ؛ بسبب مسهم لجوهر العقيدة الدينية الإسلامية ؛ بإيمانهم بالحلول وتناسخ الأرواح، وألوهية الإمام علي "كرم الله وجهه" ، الذي يدعونه بخالق الأرزاق، وأن روحه قد حلت بأولاده ، وأحفاده من بعده، ولهم مشايخ تسمى البيرات (الهاتفون) ويطلقون على أنفسهم اسم (يام) ، وعلى الغرباء (جوز) ، ولهم عدة معابد أقدسها عندهم "بابايزوك" ، وعددهم عدة أعشار من الآلاف في العراق([84])، ومن عباداتهم أيضاً أنهم يؤمنون بعبادة الشمس على أنها تجسيم للخالق، وأن هناك قرآناً أخر غير الموجود، ، ويحرمون أكل اللحوم ، وقتل الحيوانات، ويميلون إلى العزلة تجاه غيرهم من الطوائف الدينية([85]).
7- والكاكائيون
الكاكائية نسبة إلى كلمة (كاكه) الكردية وتعني الأخ الأكبر وبهذا تكون الترجمة الحرفية لكلمة الكاكائية هي: الأخية ؛ والكاكائية جماعة أو عشيرة كردية كبيرة تسكن أغلبها في كردستان الجنوبية والشرقية ، والساكنين منهم في كردستان الشرقية فيسمون بأهل الحق، وقد عرفت "الكاكائية" كملَّة في القرن العاشر والحادي عشر الهجري، لكن كانت معروفة قبل هذا التاريخ بشكل طريقة صوفية، ويقال إنها كانت تعرف بـ "الفتوة" ، وقد ظهرت إلى الوجود على شكلها الحالي في القرن السابع الهجري على يد سلطان إسحاق البرزنجي ، لكن ظهرت بوادرها في القرن الثاني للهجرة على يد عمرو بن لهب الملقب بـ (بهلول)، والكاكائية يصرحون بأن عقائدهم مكتومة، لا يبوحون بها ولا يجيزون كشف أسرارهم الدينية ، ولدينهم أربعة ركائز و هي: النظافة (نظافة الجسد الروح)، الصدق (مع الخالق والمخلوق)، الفناء (الفناء في الله) والتضامن ، ويعتقدون بوحدة الوجود من أن الكون هو الله، والكل يرجع إليه ويعود إلى حقيقته ، ويؤمنون بالتناسخ ، وهذا من عقائدهم الأصلية وهو نتيجة للحلول، فإذا لم يتم التناسخ فلا يكون الحلول أبداً، وهم لا يتلون القرآن، ويعد في نظرهم غير معتبر ؛ أما اليوم الآخرعندهم فيقصدون به يوم " ظهور الله" في شخص وحلوله فيه ومعناه عندهم انتقال الروح العادية من بدن إلى آخر حتى تطهر وتكون صالحة مجردة عما ارتكبته من أعمال أو ما اقترفت من آثام([86]) ، وأهم كتبهم الدينية : كــلام الخــزانــة أو "ســرانجــام" المدون في القرنين السابع والثامن الهجري ويتكون من ستة أجزاء، ويعتبر في رأيهم وحياً منزلاً، ويرون فيه تعاليم كاملة، ونهجاً قويماً، ومرشداً لهم في الحياة، يستندون إليه في حل كل مسائلهم الدينية والدنيوية،وهذا الكتاب لم يُطبع قط في أي مكان، ومن كتبهم أيضاً "جاوَدانْ عُرفي" وهو كتاب الطريقة الصوفية الحروفية· ، وكتاب "حياة" و "التوحيد" لـ سلمان أفندي الكاتبي، تُضاف إلى هذه الكتب دواوينَ شعرية، تُتلى كأدعية وابتهالات.
يعتقد أنهم من أصول كردية، كونهم يرتدون الزي الكردي، وهم طائفة دينية منشقة عن الإسلام، كونهم يؤمنون بالحلول ، والتناسخ ، وألوهية الإمام علي "كرم الله وجهه" ، وادعائهم أن الرسول محمد (ص) قد كتب القرآن بنفسه، ويصومون خمسة أيام من كل عام، ويحترمون يومي الجمعة ، والاثنين، ويحرمون الطلاق، إلا برضى الطرفين، ويقسم مجتمعهم إلى ثلاث طبقات هي([87]):
1- طبقة السادة أو المرشدون الدينيون، وهم الطبقة الحاكمة.
2- طبقة الإمام وهم المرشدون ويسمون بابا.
3- طبقة (أومي) وهم العامة منهم، ويسمون كذلك بالإخوان.
ويتواجد قسماً منهم في خانقين والسليمانية والموصل، لكن معظمهم يتواجد في كركوك، ويشتغلون بالزراعة، ويميلون إلى العزلة مع غيرهم، ويتسمون بالتسامح الديني مع الآخرين.
8- الشاباك
ويتسمون كذلك بالشبك، ويعتقد أنهم من أصول الأكراد ، أو الأتراك، حيث لغتهم خليط من اللغات التركية ، والكردية ، والفارسية ، والعربية،إلا أنهم يعتبرون أنفسهم طائفة ، وقومية مستقلة عن بقية الطوائف والقوميات الموجودة في العراق ، رغم أنهم من أصول مختلطة من عرب ، وتركمان وكرد ، وهم أيضاً طائفة انشقت عن الإسلام، بسبب ألوهيتهم للإمام علي "كرم الله وجهه" ، وعدم إقرارهم للتعاليم الإسلامية ، أو الفرائض ، وتحليلهم لبعض المحرمات عند المسلمين كالخمر، وممارستهم لبعض التعاليم المسيحية ، وسيادة الخرافات ، والسحر ، وعادة الأخذ بالثأر عندهم ، ومن أقدس كتبهم الدينية كتاب مخطوط بالتركية يسمى (بويوق) وتعني الأوامر ، وهذا المخطوط يحتوي على حوار بين الشيخ صدر الدين ، والشيخ صفي الدين في آداب الطريقة (القزلباشية) وهم من غلاة الشيعة الذي يسكنون أذربيجان وتركيا، ويكثر الشبك في كتابهم المقدس من الاستغاثة في أذكارهم وأورادهم بذكر ، الأعداد الثلاثة والخمسة والسبعة والاثني عشر والأربعة عشر والأربعون وكل عدد يرمز إلى أمر ديني مقدس ؛ فالثلاثة الله ومحمد وعلي ، والخمسة هم الرسول محمد (ع) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (رض) ، ويسمون أصحاب الكساء، ويرمز العدد سبعة إلى درجات ومراتب الصوفية وهي المنتسب - المريد - الدرويش - البير - البابا - القلندر - الرند -القطب.
أما الاثنا عشر فيرمز إلى الأئمة المعصومين ، فيما يرمز الرقم (14) إلى المعصومين إضافة إلى الرسول (ع) وابنته فاطمة الزهراء (رض) ، والأربعون هم الأبدال أو الواصلون ، وهؤلاء لا يعرفهم الناس ولا يرونهم لأنهم رجال الله وجند الله، وعقيدتهم تستمد تفاصيلها من الطريقة (البكتاشية القزلباشية) وهي دين أسسه الحاج بكتاش ولي الخراساني الأصل النيسابوري المولد ، وقد توفي سنة 738هـ ودفن في قرية (قره شهر) ، حيث أن هذه الطريقة تؤله الإمام علي (كرم الله وجهه) ، وتصل نسبتهم في العراق إلى أكثر من 1% من السكان ، ويتوزعون على أكثر من خمسين قرية في الجانب الشرقي لمدينة الموصل، ويتسمون بتميزهم بفلكور شعبي خاص بهم([88])، ومعظمهم يتركز في الموصل ومنهم من يوالي السنة-يرون أنسهم سنيون-، ومنهم من يوالي الشيعة-يرون أنفسهم شيعيون- في عقيدتهم ، ولهم كتاب أسمه المناقب ويسمونه (البريخ) وهو كتاب ؛ يشرح عن الخير والشر وموالاة آل البيت، وفيه أدعيتهم وصلواتهم، وعددهم بضعة عشرات من الآلاف في العراق ، أما في باب العبادات عند الشبك فهم يؤدون فريضة تسعة أيام من شهر محرم ، وهم يزكون أموالهم ويقومون بتأدية فريضة الحج إلى الديار المقدسة، وعنده بعض المساجد التي يصلون فيها([89]).
والشبكي لا يرى مولوده مباركاً ما لم يبارك له البابا ، ويدع له بالخير ويقرأ له (الكلبنك)، وعن مراسيم الزواج فإن البابا أيضاً هو الذي يتولى العقد ويحضر الأفراح في بيت العروس ، حيث تضرب الدفوف ويرقص المجتمعون علي شكل حلقة وتسمى محلياً رقصة الجوبي أو الدبكة ، ويندر أن يطلق الشبكي زوجته حتي لو ابتليت بمرض عضال لا يرجى شفاؤه ، ويظل ملازما لزوجته ، وقد كانت الأمية شائعة بينهم ، وكان معظمهم كان لا يحسن القراءة والكتابة باستثناء بعض الشيوخ أي الداده أو البير أو المرشدين، وكانت آداب الشبك الذي هو من نوع الأدب الديني محصوراً في هؤلاء الناس فقط، كان ذلك خلال الربع الأول من القرن العشرين، ولكن بحلول منتصف القرن الماضي تم فتح المدارس الحكومية في كل قرية من قري الشبك ، وأصبح المجتمع الشبكي مجتمعاً مثقفاً مواكباً للمستجدات العصرية الحديثة وبرز بينهم مثقفون وأطباء ومهندسون وأساتذة ، ولهم أعياد خاصة بهم تتسم بأنها تتشابه مع أعياد المسيحيين مثل ليلة رأس السنة، وليلة التغافر ، وليلة الاعتراف([90]).
9- البهائية
فرقة انشقت عن الإسلام، وارتَّدت عنه؛ بسبب ما لحقها من أفكار تمس جوهر العقيدة الإسلامية، وتسمى أحياناً بالبابية، وقد نشأت في القرن التاسع عشر في إيران، ثم انتشرت في عدة بلدان ومنها العراق، وترجع بتأسيسها إلى الشيخ محمد الشيرازي الذي لقب نفسه بالباب، وادعى أنه المهدي المنتظر ، ثم قام بسن شرائع جديدة ، مثل تحليل زواج المتعة دون أية شروط أقرها المذهب الشيعي لذلك، كما ساوى بين الرجل والمرأة في الميراث، وأقام توقيتاً جديداً فجعل أشهر السنة تسعة عشر شهراً بدلاً من اثني عشر، وجعل أيام الشهر تسعة عشر يوماً، وحرم الزكاة ، والصدقة إلا على أتباع مذهبه ، وألف كتاباً أسماه "البيان" ، وحثَّ أتباعه على حج بيته في مدينة تبريز الإيرانية بدلاً من مكة، ثم ادعى النبوة، ولقب نفسه ببهاء الله، ثم جاء ابنه بعد موته، ولقب نفسه بعبد البهاء، وحاول نشر هذا الدين خارج إيران من خلال أتباعه ، وأصدر عدة صحف باللغة الإنكليزية، وسميت صحيفتهم في الغرب "بنجمة الغرب"([91])، ثم نقل مقر دعوته إلى عكا في إسرائيل، حيث يحج أتباعه إلى هناك بعد أن حولها من تبرير.
والبهائية دين يقوم على فكرة أساسية تدور عن وجود إله أزلي واحد هو الذي يصرف أمور الناس، وأن رحمته لا تغلق ، ويجب أن تتطور الشرائع مع تطور الحضارة ؛ لأن الجمود يجعلها متخلفة بنظرهم، وعلى هذا الأساس فيجب على الشريعة الإسلامية أن تتطور لتوافق روح العصر الحديث، وقلد لقي هذا الدين النقد ، والتكفير من جميع المسلمين ، لكنه استطاع الانتشار في بعض الدول العربية مثل : العراق ، وسوريا ، ولبنان ، ومصر، إضافة إلى الأمريكيتين وأوربا([92]).
11- الكولية
يلقبون بالغجر ، ويرى بعض الباحثين أنهم جاءوا من أفغانستان في الألف الأول الميلادي ، ومروا بالشرق الأوسط ، وانقسموا إلى قسمين فرع ذهب إلى تركيا ومنها إلى أوروبا عبر مضيق البسفور ، وكون الجاليات الغجرية الكثيرة في شرق أوروبا ، والبعض منهم واصل طريقه نحو إيطاليا وفرنسا حتى استقر بهم المقام في إسبانيا "الأندلس"· ، وبذلك فإن الغجر انتشروا في كل أوروبا ، وفي القرن الماضي تعرض الغجر في أوربا إلى مجازر ومحارق راح ضحيتها مئات الآلاف منهم، وبسبب أنهم يتميزون عن غيرهم من الأقوام بميزات التخلف الحضاري والاجتماعي، لأنهم يكرهون العلم والثقافة والعمل ويحبون اللهو والطرب والعبث، مما جعلهم مكروهين في المجتمعات التي يحلون عليها وخصوصا الأوربية التي تتمتع بحضارة تنبذ هذه الصفات، لذا فقد تغاضى العالم عن الجرائم التي ارتكبتها النازية ، وغيرها من الأنظمة الأوربية بحقهم ، أما القسم الآخر الذي لم يذهب إلى تركيا ؛ فإنه انتشر في الشام والعراق والبعض منهم عبر سيناء واستقر في مصر ، ولهم أسماء بحسب المناطق التي انتشروا فيها فيسمون بالقرباط في حلب ، والنور في دمشق ، والغجر في مصر ، وعند الأكراد القرج ، ولغتهم التي يتكلمونها فيما بينهم شبيهة بالهندية ويسمونها بالرومانيّة أحياناً ، لكنهم يتكلمون أيضاً لغات الدول التي يعيشون فيها ويتقنونها بشكل كبير ، ويضرب بهم المثل في صفات البخل والتخلف والجهل.
ومنهم الفقراء ومنهم الأغنياء، ومنهم من يأكل الجيف، ويسكن أكثرهم في بيوت من الشعر أو الطين ويرفضون حياة الاستقرار على أساس أنهم يعشقون الحرية والتحرر من كل قيد ، ويدعون أن الأرض ملكاً لهم ، كما يمتهنون صناعات يدوية متدنية مثل : صناعة المناخل والغرابيل والطبول والدفوف، من شعر أذناب الخيل والدواب الميت، أما عباداتهم فإنهم يعبدون الإله سيدا، وليس لهم أماكن للعبادة، رغم ادعائهم بأنهم مسلمون أو مسيحيون أو غير ذلك ، حيث يدينون بديانة ظاهرية فيكونوا مسلمون في الأوساط الإسلامية ، ومسيحيون في الأوساط المسيحية،وهكذا فإن الغجر يأخذون لغة ودين الأرض التي يسكنونها.
والمعتقد الغجري القديم يؤمن بأن البشرية نبعت وتطورت من خلال ثلاثة رجال، أحدهم أسود ومنه جاءت الشعوب الأفريقية أو الزنوج بشكل عام، والآخر أبيض البشرة ومن نسله وذريته جاءت الشعوب الأوربية والجنس الأبيض بشكل عام ، وثالثهم هو " كين " أي جد الغجر الأول، وتقول الأسطورة بأن كين قتل أخاه وعلى أثر هذه الجريمة غضبت الآلهة وعاقبت نسله وذريته بعدم الاستقرار في مكان معين ، وأن يبقوا هائمين على وجوههم مدى الحياة، ومثل هذا الاعتقاد يفسر لنا طبيعة الغجر الجوالة على مدى التاريخ، وكذلك العاطفة الجياشة تجاه بعضهم البعض، أو ما يسمى "الأخية" أي أن مشاعر الحب والود والتعاطف بينهم في أعلى درجاتها .
وتقول إحدى الروايات حول أصولهم أن بهرام شاه الذي اعتلى عرش بلاد فارس في بداية القرن الخامس الميلادي ، كان يحب راحة رعاياه وأحب هذا الشاه أن يكرس لشعبه نصف كل يوم من السنة للراحة والحفلات وقد صدم هذا الشاه عندما علم أن الفقراء يجدون ملذاتهم بشرب الخمر فقط ، بينما الأغنياء يحتسون الخمر أثناء سماع الموسيقى ؛ لذلك طلب من واليه في الهند أن يرسل له 12 ألف موسيقي للترفيه عن الفقراء ، والمساكين فأرسل له ذلك ولما وصلوا أقسموا أمامه على إسعاد الفقراء في حفلاتهم ، وبالمقابل أعطى الشاه لكل منهم حماراً وثوراً وكمية كافية من الحبوب حتى يواصلوا زراعة الأرض التي أعطاهم إياها الشاه ، ولكنهم أكلوا ثيرانهم وحبوبهم ، وعندما تذمروا من الموت جوعاً ، قال لهم الشاه بقي لكم الحمير وآلاتكم الموسيقية فما عليكم بعد رفضكم الغناء للشعب إلا أن تحملوا آلاتكم على الحمير ، وتخرجوا من بلاد فارس وفعلا خرجوا، والأمر المؤكد أنهم أقاموا فترة طويلة ببلاد فارس بعد أن عرفهم الناس بأنهم أصحاب مهن وموسيقيين ، وبعد الفتح الإسلامي للإمبراطورية الساسانية خلال القرن السابع الميلادي تم طردهم، لأن الإسلام يحرم الكثير من أعمالهم ، ويعادي أخلاقيتهم المتدنية ، فاتجهوا إلى بلاد الكرد والقوقاز وعبروا الأناضول وبلاد الشام إلى مصر واليونان والقسم الأكبر ذهب إلى إسبانيا والمجر وألمانيا وباقي الدول الإفريقية العربية وبلاد أوروبا ، أما عاداتهم ففي حالات الوفاة يُلبسون المتوفى أجمل ملابسه ، حيث يدفنونه وهو في كامل أناقته، أما بالنسبة للمرأة المتوفاة في أكثر الحالات يدفن بجانبها جميع ممتلكاتها من جواهر وذهب وخاصة عندما لم تكن للمرأة المتوفية بنات يرثونها ، وقد أصبحت بعض هذه العادات من الماضي ،وهم فخورين جداً بانتمائهم الغجري ، وبالرغم من معايشة الغجر للمجتمعات الجديدة التي حلوا بها، واعتناقهم ديانات " المسيحية والإسلام " ومذاهب الشعوب والبلدان التي حطوا فيها الرحال وتحدثهم بلغاتها ولهجاتها، إلا إنهم بقوا محل شك وريبة من قبل شعوب وحكومات هذه البلدان ولا سيما في البلدان الأوربية التي وضعتهم تحت المراقبة الشديدة، ولم تخل هذه السياسة من الترحيل القسري والقتل ، دون أن يترتب على القاتل للغجري أي تبعات قانونية في بعض المراحل التي مرت بها هذه الدول، كما يعزى كراهية الأوربيين المسيحيين للغجر على الاعتقاد الذي كان متداولاً في العصور الوسطى لدى الشعوب الأوربية بأن صانع الصليب الذي صلب عليه السيد المسيح عليه السلام كان رجلاً غجرياً.
ويسكنون على أطراف بعض المدن، ولا يحبذون الاستحمام ؛ لأن الماء عنهم شيئاً نادراً ، لهذا السبب فلهم رائحة كريهة ، وعددهم قليل جداً، وتشتغل نساؤهم في أحياء الأفراح والرقص والغناء وقراءة الكف ، والدجل ، والبغاء ، ولا يبالي الغجري بما تشتغل زوجته ، أو ابنته فالمهم عنده أن تحصل على الأموال كونها مصدر رزق له ، وقد امتهن بعض غجر العراق مهنة تربية الخيول ، وصناعة الأسنان (متجولين ) وقد أصبح هؤلاء من أغنياء العراق، ففي منطقة الكمالية في بغداد توجد بيوت غنية جداً من الكاولية اغتنت من وراء الخيول ([93])، وقد نظر العرب للغجر عمومًا على أنهم جنس بشري منحط، ولاقى الغجر على الدوام معاملة سيئة من العرب ؛ بسبب العادات السيئة للغجر كالسرقة مثلاً· ، حيث يعملون كل ما باستطاعتهم لكسب المال، لهذا لم يرغب العرب بالاختلاط بهم أو الزواج منهم، ولم يشعر الغجر على طول تاريخهم بالانتماء إلى الشعب العربي نتيجة المعاملة الاستعلائية-وهذا حق للعرب أمام أناس ذوي صفات متدنية مثل الغجر··- ونتيجة عادة التنقل التي ميزت أسلوب حياتهم ، فهم يتمايزن بشكل كبير عن الشعب العراقي في بشرتهم ولون عيونهم وقوامهم التي تشبه سكان جبال الهند وأفغانستان، إضافة إلى بروز عظام الوجنتين ممّا يدُلّ على جُذورهم الآسيويَّة ، وقد بدأ هؤلاء الأقوام يصعدون إلى الشمال الغربي منذ الألف الثاني قبل الميلاد .
وحول وجودهم في العراق فمنذ خروجهم من بلاد فارس ، نزلوا السهل العراقي في الألف الأول ق.م ، وكانوا بدواً رحلاً يعتاشون على منتجاتهم الحيوانية وخصوصاً الحليب ، وأيضاً امتهنوا مهنة الرقص والغناء الذي حملوه معهم من ديارهم ؛ ليمارسوه في أفراح القرى التي ينزلون جوارها ، ولهذا فإنهم لم يختلطوا بالسكان بشكل مباشر في العراق، لأن الأراضي الزراعية كانت خاضعة لأصحابها العراقيين، فلا مجال لهم لممارسة الزراعة ، ولذلك بقوا على أعتاب القرى الزراعية بين الصحراء والسهل يعيشون على حيواناتهم ، وينتظرون من يأتي إليهم ليقدموا له المتعة الخاصة أو الحفلة الخاصة ، أو يأخذهم لإحياء حفلة لعائلته بمناسبة الأعراس، ولذلك كانوا يسمون في العراق القديم بكاولي ، وكاولي باللغة العراقية القديمة تعني أصدقاء ، لأنهم يقومون بدور مسالم وحميمي ، وقد استمر وجود الغجر في العراق حتى دخول العراق في كنف الإسلام ، الذي حارب تجارة هؤلاء الناس المرفوضة دينياً، لذا شد الكثير منهم الرحال إلى تركيا ، ومنها إلى أوروبا ، والقسم الآخر ذهب إلى مصر ، واستقر فيها حتى أن الأوروبيين التقوا بهم في مصر قبل أن يستقر الغجر في أوروبا ، ولهذا فأن أغلب اللغات الأوروبية تسمي الغجر ”جبسي“ ، وهو خطأ تاريخي ولغوي ؛ لأن الغجر ليسوا سكان مصر الحقيقيين، ولكن الرومان عندما وصلوا مصر قبل الميلاد اطلعوا عليهم ولهذا حصل الخلط بين مصر والغجر ، ويتواجدون في وسط وجنوب العراق ، وليس لهم مؤسساتٍ قضائيَّة أو هيئة اجتماعيَّة ذات سطوة يلجأون إليها في خصوماتهم([94]) .
المطلب الثالث
التمايز الحضري ، والعشائري ، والإقليمي في العراق
ترتبط هذه التسميات ببعضها البعض ارتباطاً شديداً؛ لأن التمايز الحضري بين الريف، والمدينة ؛ هو تمايزاً أيضاً بين العشائر الحضرية ، والبدوية، وبين العشائر التي تنتمي لأقاليم مختلفة، لكن سنحاول تفصيل كل واحدة من هذه الحالات قدر المستطاع توخياً لتحليلها ، ووصفها بشكل أكثر وضوحاً بما يبرز أهم جوانبها ودورها في التأثير على الوحدة الوطنية في العراق التي هي أساس الدراسة.
· العشائرية
كل طائفة دينية ، أو عرقية ، أو قومية (عرقية) في العراق تنتمي لعشائر خاصة بها؛ لأن المجتمع العراقي هو مجتمع عشائري بالدرجة الأولى ، لكن هذا لا يعني أن العشائر كلها ذات مذهب ديني ، أو فئة عرقية معينة؛ لأنه في العشيرة الواحدة قد يكون هناك من ينتمي إلى دين أخر غير دين بقية أفراد العشيرة، أو قد تكون العشيرة موزعة إلى أديان مختلفة ، وإن كانت سمة العشيرة الواحدة هي الأصل المشترك ، وأنها جزء من قبيلة أكبر.
إن البنية العشائرية في ريف العراق أقوى في قوتها الاجتماعية من البنية الحضرية المدينية في المدن ، كما أن التنظيمات الشعائرية في العراق هي تنظيمات تتمتع بالاستقلال الذاتي بشكل كبير ، وعدم تدخل الحكومة في شؤونها، منذ زمن بعيد، وينطبق الحال على كل المجتمعات العشائرية في العراق سواءاً كانت عربية ، أم كردية ، أم غير ذلك، فالعشائر الكردية على سبيل المثال تنقسم إلى ثلاثة أنواع هي([95]):
1- عشائر رحل: وهي العشائر التي تنتقل من منطقة إلى أخرى بحثاً عن المراعي، كما يؤثر المناخ على هجراتها بين الصيف ، والشتاء، وكثيراً ما يحصل التصادم بين هذه العشائر بسبب هذه المراعي.
2- العشائر نصف الرحل، وهم الذين يحترفون الزراعة في الشتاء، إضافة للرعي، وفي الصيف يهاجرون إلى المناطق المرتفعة، وعلى هذا الأساس ينقسمون إلى قسمين، قسم يحمي المنطقة المستقرين بها، وقسم يخرج لمزاولة مهنة الرعي.
3- عشائر مستقرة وهي العشائر التي تزاول الزراعة طوال العام ، وتعتمد حياتهم عليها.
كما توجد تنظيمات لا عشائرية في العراق ؛ حيث تتسم بدرجة كبيرة من الاستقلال الذاتي، وارتباطها بالإدارة الحكومية، ومعظمها في القرى، ويغلب على طبيعة حياتها الصراع الدائم مع العشائر الرعوية الرحالة ؛ وذلك بسبب المراعي([96]).
وتتميز العشائر العراقية بعدم ولائها للدولة بالدرجة الأولى، بسبب مشكلة القرابة العشائرية، والصلات القبلية التي تتمتع بكل صفات ، وتقاليد الماضي من تفاخر ونسب وثراء وسيادة مبدأ: "انصر أخاك ظالما أو مظلوم"؛ لذلك كانت تعمل الحكومات العراقية عادة على استدراج الولاء من خلال رئيس العشيرة، لتجعل بذلك العشيرة تنقاد بكاملها وتدين للدولة، فالرئيس العشائري عند الأكراد على سبيل المثال يجمع كلاً السلطتين الدينية ، والزمنية، والأكراد في تلك العشيرة يقدرونه ، ويحترمونه كلما كان قوياً ، وحكيماً، بشرط أن يكون كردياً، وينطبق الحال على العشائر العربية أيضاًَ ([97])، وكان السبب الأساسي في وجود هذه السلطة لدى رؤساء العشائر، هو أن العثمانيون الأتراك الذين كانوا يحكمون العراق، ومن بعدهم الإنكليز، قد أعطوهم سلطات كبرى، بحيث يحاكمون أفراد عشائرهم، وهم الذين ينوبون عنهم في التعامل مع الدولة، فقد عملت السياسة البريطانية على فرض ولاء أفراد العشائر على إطاعة شيوخها ، والاعتراف برؤسائها، وعدم التعامل مع أفراد العشائر على إطاعة شيوخها ، والاعتراف برؤسائها، ورفض التعامل مع أفراد العشائر بشكل مباشر، مؤكدة على دعم المشيخة ، ووساطة المشايخ بدلاً من المحاكم النظامية، وتألفت المجالس التحكيمية العشائرية، ومنحوهم النظر عن الدعاوي المدنية ، والجزائية، لكن بسبب كبت الحريات الديمقراطية، وتكالب الكتل السياسية على السلطة في العراق، وعدم نضج المنظمات الاجتماعية، وضعف الطبقة الوسطى صار الشيوخ يمارسون مختلف الضغوط لتوجيه المؤسسات في العراق([98]).
وتقوم المجتمعات العشائرية في العراق على النعرة (اللحمة) ، والعصبية ، وعلى مجموعة من التقاليد ، والأمجاد، وروابط القربى التاريخية الواقعية ، وغير الواقعية ، إذ تعتقد كل عشيرة أنها تنحدر من جد أعلى، سواء كان جداً حقيقياً أم غير ذلك، وتتفاخر هذه العشائر بالشرف ، والنسب ، والقوة ، وقد نشأت المجتمعات العشائرية في العراق أيضاً، على أنواع متعددة من العصبيات مثل :عصبية الأقارب ، أو التحالفات العشائرية ، أو الجوار ، أو التقاليد ، وعلى هذا الأساس تتوزع العشائر العراقية توزيعاً يتفق مع عصبياتها، خاصة بعد أن أصبحت العشيرة بالنسبة للفرد العراقي، هي التنظيم السياسي ، والاجتماعي ، والاقتصادي الوحيد الذي يربطه ، ويحميه ، ويحافظ على أمواله ، وأعراضه، مما جعله يواليها ، ويخلص لرؤساء العشائر، وكان لهذا أسبابه الخاصة؛ بسبب ما تعرض له العراق من مآسي على يد المغول ،والتتار ، والعثمانيون ، وغيرهم ممن حكم العراق([99])، كما يؤكد فيصل حمدي عجيل الياور، الناطق باسم إحدى أكبر القبائل العراقية ،وهي شمر ، أن العشيرة كان لها دورها السياسي الإيجابي على مدى تاريخ العراق ، فزعيم قبيلة شمر ساهم في إنقاذ لواء الموصل عام 1926 عندما حاولت تركيا ضمه إليها ؛ فدافع عن عروبته في عصبة الأمم ، كما شارك مع العشائر الأخرى في تشكيل مجلس السيادة في ظل حكم قاسم عام 1958 ،ومن الممكن أن تواكب التطور الحضاري في العراق ، كما أكد الناطق باسم قبيلة البوعامر العراقية أنه لا يمكن للزعيم العشائري أن يتخذ قراره منفرداً فعليه أن يعرض هذا الرأي ، على أهل العلم والخبرة ، قبل اتخاذه ، وأن للعشيرة دورها في تحقيق الوحدة الوطنية في العراق ؛ لأنها قد تحوي جميع أطياف المذاهب ، والتيارات السياسية ، والفكرية ،ولها دورها للتعرف على كل من هو غريب عن العراق([100]).
كما أن تدخل الدولة في سلطة العشائر في ظل حكم قاسم قد انعكس سلبياً على الوحدة الوطنية في العراق وفي ذلك يقول : عبد الجليل الطاهر
" السلطات المنبثقة عن ثورة 14 تموز 1958 نظرت إلى العشائر على أنها مصدر ضعف في كيان الوطن وتؤدي إلى تعريض أمن الوطن وسلامته إلى الخطر وتحول دون تحقيق المواطنة الحقيقية ؛ لأنها تعمل على تجزئة الوطن إلى وحدات عشائرية غير منسجمة وتسود بينها شريعة الغاب ، لذلك فقد أقدمت هذه السلطات على إلغاء قانون العشائر ، وتشريع قانون الإصلاح الزراعي ومارست ضغوطا واسعة ضد شيوخ العشائر والإقطاعيين"([101]) .
· التمايز الحضري ، والإقليمي
في العراق يوجد تمايز بين الريف ، والمدينة، إضافة إلى التمايز بين الريف ، والبدو، كما تتمايز كل قرية ، أو مدينة عن غيرها ؛ بسبب المواصلات وصعوبة التضاريس، فالقرى الكردية على سبيل المثال تتسم بعدم التوافق ، والتعاون فيما بينها ؛ بسبب انعزال السكان الأكراد عن بعضهم البعض، وفي ذلك يقول برتون:
"إن انعزال السكان الأكراد قد جعل التعاون بين سكان القرى المختلفة أمراً متعذراً ؛ مما أدى إلى أن تستقر كل أسرة كبيرة في قرية خاصة بها، وأن تعتمد على نفسها في إنتاج حاجاتها الضرورية، وأن تقف في وجه كل غريب معتبرة إياه تهديداً ، لأمنها ، واطمئنانها الاقتصادي"([102]).
وقد كان تمايز الخدمات -التي تقدمها الدولة- بين الحضر ، والبدو قد جعل الفوارق كبيرة بينهما ؛ مما زاد من التمايز بينهما، فقد كان كانت نسبة التعليم عند البدو أقل من 1% ، وكانوا معرضين للتوطين الذي عملت من أجله الحكومات العراقية، وكان سبب معارضتهم هو الخوف على استقلال الوحدة القبلية، لذلك قاموا بالكثير من التمردات ضد الحكومة([103])،وضد الفلاحين حول الأرض والماء، على اعتبار أن الفلاح ينظر إلى الأرض على أنها ملكاً له، أما البدوي فيعتبر أن الماء ، والأرض مشاعاً للجميع، وتحل الخلافات بين القبائل عن طريق اللجوء إلى الحكم العرفي، دون عرض النزاع على السلطة المركزية([104]).
كما أن المستوى الحضاري لعشائر العراق يختلف من عشيرة إلى أخرى تبعاً لدرجة التوطن، وتطور الزراعة واستخدام وسائل الري، وزراعة المحاصيل، حيث تنظر القبائل البدوية الرحالة في الصحراء ، والتي تبلغ نسبتها حوالي خمسة بالمائة من سكان العراق، نظرة إزدراء للقبائل المتوطنة ؛ التي تشتغل بالزراعة والرعي، وتدَّعي أن هذه القبائل إنما تمثل الأرستقراطية العربية([105]).
ويشكل سكان الريف العراقي حوالي 60% من سكان العراق، وترتفع هذه النسبة عند الأكراد إلى 80% ، حيث يمارسون الزراعة ويعيشون في قرى، وينقسمون من حيث المرتبة الاجتماعية إلى الشيوخ ، والسراكيل ، والفلاحين، أما الشيوخ فهم شيوخ القبائل التي تتفرع إلى عشائر ، ثم إلى بطون، ثم إلى أفخاذ، وعلى رأس كل عشيرة شيخ، يدافع عن كيانها ويصرِّف شؤونها، وتخضع الشعيرة لأوامره ، وتدين له بالولاء وقد أعطتهم الحكومات العراقية الكثير من الأراضي، من خلال قانون اللزمة الصادر عام 1932، من أجل أن تضمن ولاءهم لها، من أجل إثبات مركزها ودعمها، كما كان هذه الحكومات تترك للعشائر حرية التصرف في أمورها الداخلية، ولكل عشيرة عدداً من الرجال المسلحين، الذين يقومون بحمايتها ، وتنفيذ أوامر الشيخ على الفلاحين ، لذلك ونتيجة قسوة الشيوخ وسوء أحوال الفلاحيين العراقيين، كانت هناك عمليات هجرة مستمرة من الريف إلى المدينة([106]).
أما السراكيل فكانوا وكلاء المشايخ في القرية ، ووسطائهم لدى الفلاحين ويقومون بوظائف تأجير الأرض ، ومراقبة الفلاحين، وجمع الضرائب منهم، ويمثلون سلطة الشيخ عندما يغيب عن العشيرة، ويتقاضون أجورهم من الفلاحين من خلال غلة الحقول، ومن الشيخ من خلال جزء من الغلة، أو من خلال قطعة أرض يهبهم إياها، ويقوم الفلاحون بالعمل لحسابه، أما الفلاحين فقد كانوا قبل ثورة 14 يوليو 1958 محرومون من ملكية الأرض، ويشتغلون في أعمال السخرة في أراضي الشيوخ مقابل أجر زهيد، وكانوا يتسمون بانخفاض مستوى التعليم، وانتشار الفقر ، وارتباطهم بأعراف العشيرة الخاضعين لها، وبتعدد أفراد العائلة على أساس أن هذه الزيادة توفر لهم مورداً أخر ، من خلال عمل هؤلاء إضافة لهيبة العائلة، من خلال زيادة عدد أفرادها وتماسكها([107]).
كما ساهم الصراع الحضاري بين البدو ، والريفيين، في زيادة التمايز بينهما، فقد أعتاد البدو حياة الصحراء ، والانطلاق ، وكرهوا الارتباط بالأرض، كما اعتادوا على التفاخر بغزواتهم ، وكانوا يغيرون على المزارع ؛ ليسرقوا المحاصيل الزراعية وغيرها، مما دفع الفلاح العراقي الساكن في محاذاة الصحراء إلى التوغل إلى الداخل هرباً من هذه الغزوات، وقد كان انتقال الفلاح من تخوم الصحراء إلى الداخل ، قد قابله احتقار أخر من جانب أهل المدن؛ الذين ظلت العصبية العشائرية تتحكم في تصرفاتهم بشكل مباشر، رغم أن هذه النظرة بدأت تتغير بمرور الزمن([108]).
كما ساهمت السياسة الإنكليزية في العراق في زيادة التمايز بين الحضر ، والبدو من خلال خلق الموازنة بين قوة العشائر ، مع قوة أهل المدن، لضمان استمرار النفوذ الإنكليزي في العراق، فلم يحاولوا تشجيع العملية المدنية التي كانت تسعى لتحقيق الانحلال العشائرية، وتحقيق التفاعل بين أهل المدن ، والعشائر اللاحضرية ، بل عملوا على تدعيم الانشقاق القائم بتقوية العادات العشائرية والاعتراف بها رسمياً، وبقي العراق من الناحية القانونية يخضع لنظامين واحد خاص بالمدن، والأخر خاص بالريف العشائري، وبقى على هذا الحال حتى ثورة 14 يوليو 1958 حيث حاول النظام الجديد، إضعاف سلطة العشائر الريفية وتحقيق الاندماج ببين الريف ، والمدن من خلال قانون دعاوى العشائر الذي ألغته ثورة 14 تموز 1958 ، شكلياً ، إلا أنها لم تستطع أن تقضي على البنية العشائرية في العراق ([109]).
وبالنسبة لسكان المدن، فقد ظهرت تمايزاتهم عن سكان الريف ، والبدو، بعد ظهور التقسيم الإداري للإنكليز عند احتلالهم العراق، وذلك بعد سقوط الدولة العثمانية عام 1917،· فظهرت المحافظات العراقية، التي تتمركز في كل واحدة منها مدينة خاصة بها، وعلى هذا الأساس قسِّم العراق إلى محافظات ، وأقضية ونواحٍ، وقد تأثر التزايد السكاني للمدن سلباً، نتيجة عدم قدرتها على استيعاب هذه الزيادة الغير طبيعية، حيث كانت بالدرجة الأولى ؛ بسبب الهجرة من الريف حتى وصلت نسبة سكان المدن إلى 40% من مجموع سكان العراق، وبرغم ذلك استمروا في عاداتهم ، وتقاليدهم ، وعصبياتهم العشائرية؛ بسبب أن الشخصية العربية، أينما كانت فهي تتسم بالعشائرية ، والجهوية قبل الوطنية ، والقومية([110]).
كما عمل الإنكليز على عدم تشجيع الاختلاط بين أبناء المدن ، وأبناء الريف، فكان هناك مدارس لأبناء مشايخ العشائر، وأخرى لأبناء المدن([111])، كما انتشرت التمايزات الإقليمية بين سكان العاصمة من جهة ، وسكان المحافظات الأخرى من جهة أخرى، حيث نظر بعضهم إلى الأخر على أساس أنهم غرباء، بسبب ما كان من فوارق بين محافظة وأخرى، وظهرت هناك مصطلحات الأقاليم الشرقية والغربية ، والجنوبية ، والشمالية([112]).
لكن بسبب التطور الحضاري في المجتمع العراقي، بدأ الولاء للقرية ، أو للعشيرة ، أو للقبيلة بالاهتزاز، حيث حلَّ الولاء للوطن عند كثير من النخب المتعلمة المثقفة، بعد ازدياد تطور المدن ، وتزايد عدد السكان فيها، وعلى هذا الأساس نشأ مايعرف بازدواجية الولاء بين القديم ، والجديد، حيث انتهت سيطرة العائلة التي كانت تشرف على الفرد وتوجهه وتختار عمله، كما لم تعد متجانسة، واختلفت نظرة أعضائها إلى الحياة([113])،كما أن تحقيق التوازن بين مصلحة الإقليم ، أو المحافظة ، ومصلحة الوحدات الإدارية الصغيرة من خلال تنظيم العلاقات بين المستويات الإدارية المختلفة ، وتقسيم الحقوق والواجبات فيما بينها والصلاحيات ونمط العلاقة بين الأطراف المعنية ضمن إطار من التنسيق ، والتكامل والتعاون بين المستويات المختلفة، وتحقيق الاستغلال الأمثل للموارد المحلية البشرية والطبيعية والمالية لصالح التنمية المتوازنة في المنطقة المعنية لكل المكونات والوحدات الإدارية للإقليم أو المحافظة، والعمل على تلبية حاجات السكان المحليين في كل وحدة إدارية ، وخلق تنمية حقيقية تزيد من أهمية الإقليم أو المحافظة والمساهمة في زيادة الدخل المحلي وتحقيق مستوى معاشي مناسب للسكان موازية للمستوى العام في البلد،كل ذلك سيقلل من الفوارق الإقليمية الموجودة بين الأقاليم العراقية بكافة أنواعها ، إلا أن هذه التناقضات تبقى موجودة ، ومؤثرة ؛ لأنها لم تنتهي بشكل كامل من المجتمع العراقي .
المطلب الرابع
التمايز الطبقي ، والحزبي في العراق قبل عام 1963
هناك ارتباط كبير بين الطبقية ، والحزبية ؛لأن الأحزاب السياسية إنما وجدت من أجل مصلحة فئة من الشعب، تتزايد قوتها بتزايد الفئات التي تمثلها وبما أن معظم الفئات في المجتمع العراقي كانت من الطبقة الفقيرة، فكان حري بالأحزاب السياسية أن تدعي تمثيلها، ومن هنا ينشأ الترابط بين الطبقية ، والحزبية.
· التمايز الطبقي في العراق قبل عام 1963
من المعروف أن الملكية المشاعية للأرض في العهد العثماني ؛ كانت موجودة في العراق، مثلها مثل سائر الدول العربية التي خضعت للحكم العثماني، كون المراعي ملكاً جماعياً لعشائر البدو في المناطق التي يسكنها الرحالة، فكانت المشاعيات الفلاحية توزع دورياً بين العوائل الكبيرة ؛ لأن الأتراك اتَّبعوا سياسة نزع الأراضي المشاعية ، واعتبروها أراضي أميرية تابعة للدولة، ثم جعلوها فردية عائدة إلى ممثلي أشراف العشائر من الشيوخ، وقد انقسمت الأراضي الأميرية وفقاً لذلك إلى قسمين هما ([114]):
1- الخاصيات: وهي إقطاعيات مترامية الأطراف ذات دخل سنوي يتصرف بها السلطان وأفراد أسرته، وينتفع منها مؤقتاً الوزراء ، وكبار الموظفين عند توليهم لمناصبهم.
2- الإقطاعيات العسكرية، وتعهد إلى الفرسان· مدى الحياة، وتعفى من الضرائب كلياً مقابل التزام الفرسان (السباهيين) بتأدية الخدمة العسكرية، وتنقل الأرض من الفارس إلى أولاده من بعده.
كما ظلت الأراضي الزراعية العائدة للإقطاعيين المحليين بأيديهم على أن يدفعوا خراجاً لولاة السلطان، وهم أول من استورد آلات الزراعة ؛ لزيادة إنتاج الأرض الزراعية، منذ قيام الدولة العراقية عام 1921 ، وهم أول من أقام المصانع الغذائية ، وتحول قسماً منهم إلى برجوازيين، يعملون في المدينة على استثمار أموالهم، إضافة إلى استثمار برجوازيي المدينة لبعض أموالهم في الريف من خلال شراءهم لكثير من الأراضي الزراعية ، واستثمارها، وعلى هذا الأساس تكونت البرجوازية في العراق قبل الحرب العالمية الثانية، من خلال الإنتاج الزراعي الصناعي في جلب الإنتاج([115]).
وقد أفرزت هذه العملية تشكيل ثلاث طبقات في المجتمع العراقي وهي([116]):
1- طبقة الحكام ومعاونيهم إضافة إلى رؤساء الدين والعلماء ....الخ.
2- طبقة الأسر العريقة إضافة إلى ذوي المهن اليدوية المختلفة.
3- طبقة العمال ، والفلاحين ، والخدم.
وقد برز الصراع الطبقي في العراق منذ تطبيقات قانون الطابو العثماني خلال الحكم العثماني للعراق، حيث أصبحت معظم الأراضي الزراعية في أيدي شيوخ العشائر ، ووجهاء المدن على حساب الفلاحين ، وفقراء البدو وقد استمرت بريطانيا بعد حكمها للعراق، في إتباع نفس النهج، فقامت بتقوية النفوذ السياسي للزعيم العشائري، وتزكية التقاليد ، والأعراف التي تجعل الآخرين من الشعب الكادح من فلاحين ، وفقراء المدن تابعين لسلطة الشيوخ ، والآغوات الإقطاعيين والبرجوازيين، إضافة لما قام به بعض الإقطاعيين ، وتسجيلها بأسمائهم، وسادت العلاقة بين الفلاح ، والإقطاعي من خلال نظام المحاصصة –المزارعة- بين المالكين والفلاحين، أي أن الفلاح يشتغل في الأرض مقابل نسبة من الإنتاج([117])، وفي ذلك يقول هاي:
" إن أقسام العشيرة المختلفة تمثل ملاك الأرض الأصليين، في حين أن الرؤساء ينتمون إلى أسر قوية، سبق لها أن اجتاحت هذه الأراضي ، وسيطرت عليها بالقوة ... حيث تعود ملكية جميع الأراضي تقريباً إلى أسرة واحدة، يقابلها نفر قليل من الرؤساء ، والأغوات العشائريين القدماء الذين يحتفظون ببعض النفوذ، فالرئيس العشائري هنا في الحقيقة مالك للأرض، والنظام بحد ذاته هو نظام إقطاعي، وليس نظاماً عشائرياً بمعنى الكلمة"([118]).
لكن بعد خروج العثمانيون من العراق، كانوا قد أخرجوا معهم سندات ملكية الأفراد للأرض ، واتلفوا قسماً منها قبل خروجهم ، فقامت بريطانيا التي حلت محل العثمانيين في العراق، بتوزيع جديد للأراضي العراقية على مؤيديها من الشيوخ الذين ساندوها أثناء دخولها للعراق، أو على أولئك الذين وقفوا موقفاً سلبياً من ثورة العشرين عام 1920، ثم قامت بالمساومة على أراضي الدولة ؛ فوزعت بعضها على الأفراد من خلال تحويل الملكية الجماعية إلى ملكية فردية، بعد إصدارها لقانون سمته "قانون دعاواي العشائر" عام 1918 ، ثم إصدارها "لقانون اللزمة" الصادر عام 1932 ، فبموجب إحصاء الحكومة العراقية حتى عام 1959 وجد أن عدد الملكيات الزراعية تقدر بـ (168) من أصل (346) ، وثلث هذه المساحة يملكها أفراد نسبتهم 2% فقط من مجموع المالكين، كما وجد أن عدد الأشخاص الذين لا يملكون شيئاً ، بنسبة تساوي أكثر من ربع سكان الشعب العراقي([119])، وهذا يتوافق مع قول سلام كبه:
"حسب إحصاء 1957 كان لكل 6 عوائل فلاحية حصان واحد أي سدس حصان لكل منها.. وكان مابين 60%- 70% من مجموع العوائل الفلاحية لا يملك حصانا واحدا أو بغلا أو حتى حافرا!.. كان تملك الفلاح أو عدم تملكه لحيوان حراثة قوي يمكن أن يتخذ مقياسا لتصنيفه من مرتبة فقراء الفلاحين أو أغنيائهم أو متوسطيهم إلى جانب المقاييس الأخرى.. لقد استغلت في زراعة ما قبل 1958 (2712) ساحبة و(1056) حاصدة دارسة وآلاف الآلات الزراعية مما أسهم في تفكيك العلاقات الأبوية"([120]) .
هذا الوضع الطبقي في العراق كانت له أثاراً سلبيةً على العراق ، فانتشرت الأمية بشكل عال في أوساط الشعب ، وخاصة الفلاحين ؛ بسبب انخفاض التعليم ، وساد استعمال الأساليب ، والآلات البدائية في الزراعة، وزاد من الأمر سوءاً تهاون الحكومات العراقية المتعاقبة في تنشيط الزراعة ، ومكافحة آفاتها، وازدياد عدد السكان في العراق، ومشكلة الهجرة من الريف إلى المدينة، بغرض الحصول على دخل أعلى ، وازدياد النشاطات في المدينة ، حيث انخفضت نسبة سكان الريف من حوالي 80% من سكان العراق في الأربعينيات لتصبح حوالي 56% من السكان في منتصف الستينات، ومعظم المهاجرين تركزوا في مناطق معينة ، وقد كانت من أهم أسباب هجراتهم من الريف على المدينة هي([121]):
1- اضطهاد شيوخ العشائر للفلاحين، وتفضيل مصلحتهم على مصلحة الفلاحين الذين يعملون عندهم.
2- انعدام الصحة في الريف.
3- زيادة الإعمار، والتصنيع في المدن وهذا تطلب زيادة في العاملين ، مما زاد من الهجرة إلى المدن.
وقد حاول نوري السعيد تفسير مشكلة الإقطاع على أنها موروث اجتماعي ،وسيحل من خلال الزمن حيث سيورث الآباء أبناءهم، والأبناء أحفادهم ، وبذلك ستنتهي الملكيات الكبيرة ، لكن بعض الشيوعيون عارضوا هذا الرأي ، فيقول أحدهم وهو إبراهيم كبه:
" من الغريب أن يطمئن السيد نوري السعيد الرأي العام العراقي بقرب زوال النظام الاقطاعي العشائري عن طريق الإرث ، وتقسيم الإقطاعيات الكبيرة على الأبناء والأحفاد ، وقد تناسى فخامته أن قرونا سحيقة مضت على نظام الإرث دون أن تنال من النظام المذكور ، وأن الأنظمة والتقاليد العشائرية تحتفظ بالملكيات الكبيرة للأبناء الكبار فقط ، ويعلم الرأي العام أن السبيل الوحيد للقضاء على هذا النظام الظالم هو تغيير العلاقات الإقطاعية نفسها ؛ بتمليك الأرض لمنتجها والقضاء على الملكيات الاستغلالية الكبرى في الزراعة وتوزيع أراضي الدولة على الفلاحين وأتباع نظام التعاونيات الزراعية... الخ، كل هذا مرتبط بالقضاء على الاستعمار وسحق الرجعية وانتصار الحركة الوطنية بمجموعها وتحقيق الأهداف الوطنية الكبرى"([122]) .
لكن يرى سيار الجميل أن الإقطاع لم يوجد في كل مناطق العراق فكان في مناطق محدودة ، وإن علاقة الفلاح بالمالك أو شيخ العشيرة كانت جيدة فيقول في ذلك :
" فليس هناك أية علاقات إقطاعية كالتي صبغ بها تاريخ العراق الاقتصادي ظلماً وعدواناً .. إن غالبية شيوخ العشائر كانت تمتلك سندات التفويض بالطابو لأراضي العشيرة والتي كانت تدعى بـ " الديرة " ، وتعريفها : أنها مساحة من الأرض التي تأوي العشيرة التي اعتادت زراعتها أباً عن جد ، وهي ارض أميرية مملوكة للدولة ، ولكنها مفوضة بالطابو بأسماء شيوخ العشائر .. وكان استثمار الأرض يتم طبقاً للأعراف والتقاليد التي تلتزم العشيرة بها ، وكان لكل أسرة في العشيرة لزمتها الخاصة ، بما فيها أسرة الشيخ .. وكانت العشائر في جنوب العراق والأدنى من الفرات الأوسط هي التي تضطلع بكري الجداول والنهيرات وبناء السدود وفتح الترع .. وكلها تتم بأسلوب التعاون وبتلقائية من قبل الجميع بما فيهم طاقم الشيخ ، وكلنا يعرف أن الفلاحين انقلبت على شيوخها في كل من العمارة والناصرية يوم 14 تموز 1958، إذ لم نجد أية ثورات وانتفاضات وانقلابات فلاحية ضد شيوخ الديوانية ولا الكوت ولا الانبار ولا ديالي ولا شهربان ولا الحويجة والعظيم ولا الموصل ولا أربيل والسليمانية"([123]) .
وبعد الثورة العراقية عام 1958، تزعزع الإقطاع بظهور قوانين الإصلاح الزراعي ، وتحجيم امتيازات الطبقة الإقطاعية، ونمو طبقة رأسمالية صناعية، نافست الإقطاع في المصالح، خاصة بعد دخول الآلة قطاع الزراعة، وازدياد الهجرة من الريف إلى المدينة، مما أدى إلى تطور المجتمع العراقي، بازدياد قوة الطبقة الوسطى في المجتمع والتي كانت الأساس في الثورة العراقية عام 1958، وزاد من نفوذها استغلال موارد جديدة في الدولة، ونمو المؤسسات المالية في العراق، مما أدى على التوسع في العمران، ونمو طبقة عاملة أصبحت تقوى وتشتد وتزداد نفوذاً([124])، لكن أيضاً ظهرت أثار سلبية في ظل تطبيق قانون الإصلاح الزراعي ،على مستوى الدخل القومي والفردي ، فالعلاقات الإنتاجية للأرض الزراعية العراقية كانت أقوى بكثير قبل 14 تموز 1958 مما غدت عليه في ظل حكم قاسم، حيث أن الفلاح الذي كان يخاف فيعمل وينتج ، أصبح حراً طليقاً لا يعمل ولا ينتج ، فالإنتاج الزراعي العراقي من قمح وشعير وتمر وفواكه ، كان فائضه يصدر من خلال نقله عن طريق النهر إلى البصرة ليشحن إلى خارج العراق ، لكن العراق أصبح يستورد المواد الغذائية الأساسية ؛ لأن الأرض لم تعد تزرع وبات الفلاح حراً لا يعمل ، وقد ساهمت الدولة في هذه الكارثة ؛ لأنها لم توفر أية أدوات تطوير ولا أية مكننة ولا أي تسويق ولا أي بذور ولا أي مواصلات متطورة ، ولم تستطع أن تحميه لأنه غير قادر أن يحمي نفسه من رئيس عشيرته أولاً، ذلك الشيخ الذي أخذت أرضه ؛ حيث ذهبت إلى الفلاح الذي كان يرتبط به ؟ فكيف باستطاعته وهو المعدم في الجنوب أو الشمال ، وفي القرى البعيدة أن يعتمد على نفسه في تهيئة مستلزمات الزراعة ؟ من أين سيحصل على ما يؤهله للإنتاج ؟ لذلك عمل النظام على محاولة حل هذه المشكلة بإعادة بعض الأراضي إلى مالكيها ، وتخصيص 5% من إنتاج الفلاح إلى المالك الأصلي الذي أخذت منه الأرض ،وأطلق قاسم شعار " الفلاح أخو الإقطاعي " ؛ مما أكسبه سخط الفلاحين .
وبالنسبة إلى الصناعة، فقد كانت في العراق ضعيفة، واقتصرت على بعض الصناعات الصغيرة عدا النفط، كالصابون ، والمشروبات ، والكبريت، وقد تمركزت في ثلاث مدن هي : بغداد ، والبصرة ، والموصل، حيث كان ثلثي عمال المصانع في هذه المدن؛ بسبب اتساع مراكز هذه المدن لاستيعاب المنتجات الصناعية، وسهولة المواصلات فيها، مما يسهل انتقال المواد الأولية، وتصرف الإنتاج ، ووجود مؤسسات مهمة إدارية للدولة فيها، إضافة لوجود الطاقة الكهربائية فيها، مما يشجع وجود المصانع فيها([125]).
وكان من أسباب ضعف الصناعية في العراق هو ما كان من دور للسيطرة العثمانية على العراق في تخلفه الاقتصادي والاجتماعي، ففيما يخص الإنتاج الزراعي وتخلف نظام الري، فقد كان الشيوخ والأغوات يسرقون جهود الفلاحين لمصلحة العثمانيين، وظلت السلطات العثمانية منذ فتحها للعراق غير مهتمة بتطوير القوى المنتجة، إضافة إلى عدم اهتمامها بتطوير الصناعة، وبقى العراق لفترات طويلة جداً مستورداً للمواد الصناعية رغم كونه يصدر المواد الأولية، كما اتجه التجار المحليين إلى التجارة الخارجية بدل الاهتمام بإنشاء صناعات وطنية ، واستمر هذا الحال حتى الاحتلال الإنكليزي ، حيث ارتبطت الصناعة بالمصالح الاستعمارية في مجالات الحبوب ، والتمور ، والصوف ، والجلود ، وصناعات أخرى، ولقد لبت هذه الصناعات الأهداف الاستهلاكية للمحتلين، ونتج عن ذلك عدم تطور البرجوازية العراقية مثل مثيلاتها في الأقطار العربية الأخرى، كمصر، وسوريا، ولبنان وغيرها([126]).
وكانت الدولة العراقية قد شجعت في فترة ما قبل ثورة 14 يوليو 1958 على نمو الصناعة ، على اعتبار أنها ستساهم في تنمية الدخل القومية ، وتحقق استقلال البلاد اقتصادياً، وترفع المستوى المعاشي للأفراد، كما أنها تقوم بتحقيق التوازن بين المبادلات الخارجية عن طريق تنويع الصادرات، فهي واسطة ؛ لتحقيق الاكتفاء الذاتي في الدولة من خلال إحلال سلع مصنعة محلياً مكان سلع مستوردة، ووسيلة للقضاء على البطالة في ظل تزايد عدد السكان ، لكن رغم ذلك لم تكن نتيجة هذا التشجيع إيجابية على الطبقة العاملة؛ بسبب ارتفاع الأرباح الكبيرة في المصانع، وارتفاع تكاليف الاستثمار، مما أدى لتزايد الفوارق الطبقية في المجتمع؛ بسبب تفاوت الدخول، ونشأت طبقة مالكة غنية، وطبقة فقيرة عاملة، ومازاد من نسبة أرباح أرباب العمل، هو عدم وجود إجراءات قانونية منظمة لتوزيع الشركات، ولم تكن نسبة العاملين بالصناعة يتجاوز الخمسة بالمائة من السكان قبل الثورة العراقية، وحتى بعد الثورة لم تكن معالجة الحكومات العراقية مفيدة للتَّقدم في الصناعة، فمثلاً حركة التأميم التي قام بها عبد الكريم قاسم، قد سجَّلت المشاريع التي ساهم القطاع العام بالجزء الأكبر منها، ولم يؤمم إلا البسيط منها، كما أن معظم هذه الشركات كانت ذات طابع تجاري، لا تساهم في تكوين تراكم رأسمالي للبلد ([127]).
وقد كان في حوزة أصحاب رؤوس الأموال العراقيين عدة ملكيات متشعبة في كثير من المرافق، فمثلاً كان يملك في آن واحد مضخات مياه الزراعة، وأراض زراعية يعمل فيها الفلاحين ويمتلك في ذات الوقت عقارات معينة في المدينة ، إضافة إلى قيامه بأعمال تجارية في كثير من المجالات مع وجود بعض الصناعات، وبهذا قد أضعفت هذه العملية ( التراكم ) الذي كان بالإمكان أن يؤدي إلى قيام صناعة وطنية متطورة ، ويعلل وجود بعض الصناعات الأولية بعد ذلك أنها صناعات معينة تنسجم مع متطلبات المصالح الإنكليزية ، بينما بقت الصناعات الأجنبية لفترات طويلة تحتل مواقع الصدارة في العراق،أما صناعة النفط (استخراج النفط ) فقد كانت لها آثاراً متميزة على عموم الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في العراق، فقد جعلت الاقتصاد العراقي يرتبط بالاقتصاد الرأسمالي الأجنبي ، وأصبح يتأثر بأزماته الاقتصادية الدورية والعامة([128]).
وحول الصراع الطبقي في مجال الصناعة ، فقد خاضت الطبقة العاملة العراقية منذ نشؤها في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر صراعاً مزدوجاً طبقياً وقومياً، فقامت باضرابات قبل ثورة العشرين لاسيما في عام 1918 ، واعتبرت هذه الإضرابات إحدى العوامل التي ساهمت في ثورة العشرين 1920 في العراق ، لكن كانت أول تجربة يقوم بها عمال العراق لتنظيم أنفسهم في عام 1924 ، حيث حاول عمال السكك الحديدية أن ينظموا أنفسهم، وكانوا يشكلون أكبر مجموعة عمالية تقدر بثمانية آلاف عامل، فقدموا طلباً إلى السكك الحديدية الحكومية ؛ لمنحهم إجازة فتح نادٍ لهم، لكن السلطات الحكومية لم تمنحهم الإجازة، وقد حوكم مقدمي الطلب قانونياً ووجهت لهم عقوبات إدارية ، وبين عامي 1928 – 1929 حدثت تبدلات في الوضع السياسي ؛ فتكونت "جمعية حرفي" العراق برئاسة محمد صالح القزاز ، وكذلك تكونت منظمات أخرى مثل " الاتحاد التعاوني للحلاقين " ، و"اتحاد عمال الطباعة" الذي ضم عمال الصحف ، والمطابع الحكومية،و"اتحاد عمال الميكانيك" و"اتحاد السواق"([129]).
وقد قادت منظمة حرفي العراق اضرابين عماليين لعمال السكك الحديدية في 1930 – 1931، وساهم في هذين الاضرابين حوالي ألف عامل وطالب بزيادة الأجور، وأعقبه إضراب آخر شارك فيه ألف ومائتي عامل ؛ وطالب بتقليص أوقات العمل وتطبيق نظام العمل بالمناوبة ؛ أي يبقى العامل عاطلاً فترة زمنية ويعمل فترة أخرى، وقد بدأ هذا الإضراب في بغداد في يوليو 1931 ، وفرضت السلطات الحكومية ضرائب جديدة على أصحاب الورشات ،وفي نفس الشهر السابق قام عمال البصرة بإضراب كبير ؛ قامت على إثره مظاهرة واسعة ساهم فيها عمال السكك الحديدية، وقد حدثت صراعات دموية بين العمال والسلطات الحكومية، حيث قامت السلطات بإطلاق النار على المتظاهرين مما أدى إلى قتل وجرح العديد منهم، وفي الوقت نفسه قامت مظاهرة في بغداد فاعتقل العديد من العمال ، واتخذت هذه الإضرابات والمظاهرات طابعاً حزبياً سياسياً أيضاً ، وقد استطاع العمال من خلال هذه المظاهرات الحصول على العديد من حقوقهم ، مما حذا ببعض الأحزاب الإصلاحية الموالية للحكومة للتدخل مثل :الحزب الوطني ، وحزب الإخاء الوطني ؛ اللذين كانا يتفاوضان مع السلطات من جهة ،ومع القادة النقابيين المعتقلين من جهة أخرى،لذلك قامت السلطات بغلق جمعية الحرفين في أواخر شهر أغسطس 1930 ، وشكلت بدلاً منها "منظمة العمال العراقيين " وهي منظمة عراقية حكومية يقودها أعضاء من الحكومة، إلا أن ذلك لم يمنع العمال من العمل في اتحاد الميكانيك من استمرار نشاطاتهم لصالح العمال ، فدعوا لتكوين " اتحاد عمال العراق " الذي تم تكوينه في عام 1933 وانظم إليه حوالي عشرون ألف عامل من جميع النقابات العمالية ، وكانت شعارات الاتحاد اقتصادية فقط ، حيث شملت " ساعات العمل، والضمان الاجتماعي، وتشريع قانون العمل، والأجور، والبطالة ... الخ، ولم تكن شعارات الإتحاد تتضمن مطالباً سياسية ، وبين عامي (1932 – 1933)وتحت تأثير حزبي الإخاء الوطني، والحزب الوطني صدرت جريدة باسم ( العمال ) في الموصل ، وقد أشارت إلى تكوين حزب باسم "حزب العمال" ، والذي نشر برنامجه بعد موافقة السلطات الحكومية، وتضمنت بنوده حول الاستقلال التام، والعمل من أجل الوحدة العربية والقومية العربية، والدفاع عن حقوق العمال ونشر الثقافة بين العمال وغيرها من المطالب ([130]) .
كما كان رفع أسعار الكهرباء إلى الضعف ، قد أثار الشعب ضد شركة الكهرباء الإنكليزية ؛ مما أدى إلى الإعلان عن مقاطعة الكهرباء في 11 سبتمبر 1933 مما حذا بالحكومة إلى اعتقال المحرضين ، وفصل قسماً من العمال ، وإغلاق قسماً من المنظمات العمالية ، فقامت تحركات عمالية واسعة مثل: تقديم العرائض والمذكرات في سبيل إلغاء قرارات الحكومة ، وكذلك فتح المنظمات التي تم إغلاقها وتخفيض أجور الكهرباء، وقد استجابت الحكومة لبعض مطالب العمال ، ثم قامت الحكومة عام 1934 بقمع الحركة العمالية بعد المقاطعة المذكورة، وتراجعت نسبياً حركة الطبقة العاملة العراقية ، لكن في الوقت نفسه شهد تاريخ العراق مرحلة جديدة من العمل السياسي حيث أعلن عن تأسيس حزباً للطبقة العاملة العراقية ، وأداتها السياسية وهو الحزب الشيوعي العراقي في عام 1934 ، والذي قاد الطبقة العاملة ضد الحكومة والاتفاقيات مع بريطانيا([131]) .
وخلال تطور الصناعة في الأربعينات اتسعت الطبقة العاملة أكثر من السابق ؛ فتصاعدت حركة الإضرابات المتنوعة التي خاضتها بعد ثورة 1941، ونتيجة هذه الإضرابات والتصميم ؛ اضطرت السلطات الحكومية على إجازة ( النقابات العمالية) اعتباراً من سنة 1944 ؛ فقد تشكلت (16) نقابة واستأنف خلال هذه الفترة نشاط النقابات ، ونشط الحزب الشيوعي العراقي الذي كان يقود (12) نقابة ، وعقدت على أثر ذلك نقابة السكك أول اجتماع لها في أيلول 1944 ، وتضمن برنامجها التي المطالبة ؛ بزيادة الأجور وتحسين ظروف العمل ؛ وقدمت هذه الطلبات إلى مجلس إدارة الشركة البريطانية من أجل تنفيذها بشكل سلمي، ولكن مجلس الإدارة رفض هذه المطالب ؛ لذلك دعت النقابة إلى الإضراب ولقد لبى الطلب (1250 ) عامل ، ونجح العمال في تحقيق مطالبهم في زيادة الأجور، لكن بعد فترة وجيزة منعت النقابة من ممارسة نشاطها ؛ فقام العمال بتنظيم إضراباً عاماً في 1946 وآخر في 1948 ، وقد سجلت ما قبل هذين التاريخين إضرابات عمالية في الميناء حيث قام العمال بتأسيس نقابتهم عام 1945، وكذلك إضرابات النفط في كركوك عام 1946 ؛ حيث شارك في المظاهرة العمالية حينذاك خمسة آلاف عامل وكانت هذه الإضرابات من خلال قادة الحزب الشيوعي العراقي الذين أعدم قسماً ·منهم بعد حرب فلسطين عام 1948 .
وفي عام 1951 تم تأسيس ( مكتب النقابات الدائم ) دون أخذ موافقة من السلطة الحكومية ، وركز نشاطه في المجالين الإعلامي و التنظيمي ، ففي الجانب الإعلامي أصدر المكتب العديد من البيانات، وفي مجال التنظيم قام بتشكيل الحلقات النقابية واللجان النقابية السرية خلال عام 1953 ، كما أصدرت الحركة السرية في 1954 جريدتها السرية ( اتحاد العمال ) ، وشهدت فترة الخمسينيات إضرابات عمالية عديدة ومتنوعة ، ونشطت هذه الإضرابات في مجال عمال البناء في البصرة وإضرابهم المعروف، وتبعهم إضراب عمال النفط في البصرة أيضاً ، ثم إضرابات عمال النسيج والسكاير والمطابع في بغداد، وشاركوا في انتفاضة 1952 ، كما أضرب عمال مصلحة نقل الركاب في البصرة، واضرب في تشرين الثاني عمال اللاسلكي في الميناء، وتلتها إضرابات عمالية تضامنية عديدة، وعندما تفاقم الأمر أعلنت السلطات الحكومية الأحكام العرفية العسكرية لقمع الإضرابات والحركة الجماهيرية المتصاعدة مما أدى إلى غلق العديد من الصحف الوطنية وزج المئات في السجون والمعتقلات وتقديمهم للمحاكم العسكرية ، لكن استمرت الطبقة العاملة في المساهمة لقيادة الحركة النقابية الديمقراطية وشاركت في جميع المظاهرات الحزبية والشعبية المساندة لحركة التحرر الوطني وبخاصة ضد العدوان الثلاثي على مصر في 1956 ، كما شهد عامي 1957 و 1958 بعض الإضرابات العمالية في قطاعات مختلفة مثل معمل نسيج الوصي، وشركة الغزل والنسيج وغيرها وحضر ممثلي عمال ونقابات العمال العراقيين للعمال العراقيين المؤتمر العمالي العالمي ، في عام 1957 ، فكان للعمال مساهمة جبارة في ثورة 1958 في العراق([132]).
لكن هذا التطور قد خلق صعوبات عانتها الطبقات الدنيا من العمال ؛ فكان العامل لا ينال من نصيبه سوى القوت الضروري لحياته الخاصة، بسبب استغلال أرباب العمل لجهد العمال، وهذا ما أدى لظهور جماعات منظمة تسعى لإبراز حقوق العمالة، وتطالب بتحسين ظروف العمل ، والمعيشة الخاصة بهم، فقاومها أرباب العمل، على أساس أنها ضد الدولة، بسبب ما قامت به من إضرابات ضد الحكومة ، مثل الإضراب الذي قام به عمال النفط في العراق عام 1952·.
وبعد ثورة 1958 قامت الطبقة العاملة بتأسيس نقاباتها بكل حرية ، وسارعت للعمل من أجل علانية العمل النقابي الذي كان يعيش الظروف السرية ، والملاحقة في العهد الملكي ، ومنذ التشكيلات الأولى أخذ عشرات الآلاف من العمال ينتمون إلى نقاباتهم ، وبعد أتمام عملية تأسيس النقابات في أكثرية المرافق العمالية من المعامل والورش والمهن وغيرها ؛ انطلق العمال من أجل التحضير لعقد المؤتمر التأسيسي العلني وقد تحقق ذلك في تموز 1959 ، وفي نقلة هامة في تاريخ الحركة النقابية العراقية الذي مثلها المؤتمر التأسيسي الذي مَثّل (250 ) ألف عامل، عقدوا المؤتمر الأول في 1959 ، وحضره (350) مندوباً يمثلون أكثر من ( 350 ) ألف عامل عراقي ، وهكذا عاشت الطبقة العاملة العراقية وحركتها النقابية أوج ازدهارها من خلال تعبئة عشرات الآلاف من العمال في النقابات، ثم تم تشكيل (51) نقابة واتحاد فرعي في جميع أنحاء العراق ، إلا أن هذه الفترة الذهبية للطبقة العاملة وحركتها النقابية الحرة لم تدم طويلاً، حيث بدأت الأجهزة والمؤسسات الحكومية الأمنية وغير الأمنية ؛ تضيق الخناق على هذه الحركة وتوجهاتها وطابعها الطبقي، من خلال دعم خارجي مثل شركات النفط الاستعمارية ، وبقايا من مالكي الأراضي الكبيرة ، والجبهة القومية وعلى رأسها حزب البعث العربي الاشتراكي العراقي ، ورؤساء بعض العشائر ، والأغوات ، والبعض من رجال الدين الذين أصدروا البعض منهم فتاوي ضد النظام الحاكم ، وزج بالمئات من نشطاء العمال النقابين في المعتقلات والسجون، وكان الحجز بأمر الحاكم العسكري بحجة التشرد ؛ قد طال أساتذة ومعلمين وأطباء ومثقفين وسياسيين ، إضافة لقادة نقابين معروفين، ومنذ بداية 1960 ، بدأت الممانعة تشتد وتتوسع على الحركة النقابية حيث جر تزوير الانتخابات في عدة فروع وهيئات نقابية نتج عنها السيطرة على اتحاد النقابات العام ، وعين على رأس كل نقابة عضو من الحكومة ، لكن الطبقة العاملة بقت تتذمر من أجل تخليص النقابات من سيطرة رجال الحكومة ، وتدعوا إلى الحرية النقابية ومبادئ الديمقراطية النقابية([134]).
ومن سلبيات هذه المرحلة أيضاً أن معظم الصناعات التي أممت في العراق قبل عام 1963، كانت صناعات استهلاكية، بسبب أن القطاع الخاص، كان يتجه غالباً إلى النشاط الربحي السريع، ومن المعلوم به أن صغر المؤسسة الإنتاجية يؤدي غالباً إلى رفع سعر الوحدة المنتجة، بسبب ازدياد تكاليف إنتاجها، وهذه الصناعات لا تحقق تطور للبلد([135])؛ فالصناعات الثقيلة لم تدخل للعراق إلا في عهد عبد الكريم قاسم، ورغم دخول بعض هذه الصناعات ، إلا أن خبرة استعمالها ظلت ضعيفة ؛ لخضوعها التام للإدارة العامة للدولة ، وعلى ذلك فتطور الصناعة في العراق حتى عام 1963 ، لم يستطع إدخالها إلى السوق الرأسمالية العالمية، وتحول الكثير من الرأسماليين العراقيين إلى وكلاء محليين للبضائع الأجنبية المصنعة، التي نافست الصناعات التقليدية اليدوية في العراق، مما زاد من البطالة ؛ بسبب عدم قدرتهم على منافستها، فتوجهوا إلى مصانع البرجوازيين ؛ ليعملوا فيها بالقطعة([136]).
ورغم أن الحكومة العراقية- قبل ثورة 14 تموز 1958- قد ضمنت لعمال النفط تحديد ساعات العمل، وأجور أيام العطل، إضافة إلى أجور الساعات الإضافية، والحد الأدنى للأجور، إلا أنها اضطهدت تنظيمهم النقابي، مما حذا بالكثير من الأحزاب أن تقف إلى جانبهم([137]).
أيضاً في المجال التجاري، ساهمت التجارة في زيادة الفوارق الطبقية في المجتمع؛ فبسبب ضيق السوق الداخلية نتيجة انخفاض مستوى دخل الفرد في العراق، ومنافسة السلع الأجنبية للسلع الوطنية ؛ نتيجة عدم الإشراف الحكومي على السوق الداخلية، مما أدى إلى احتكار فئة معينة من المستوردين للسلع الاستهلاكية، وذلك بغية التحكم في أسعارها، مما أثَّر سلباً على التطور الإنتاجي الوطني([138]).
وبسبب إجراءات التأميم والإصلاح الزراعي التي قام بها عبد الكريم قاسم، لم يعد المستثمر يستثمر من أجل التنمية، في أوضاع ليست في مصلحته، فقد فقدَ السيطرة على الدولة التي أصبحت وكأنها ليست دولته، ولا الحكم حكمه، واستبعد رجال الاستثمار من كل الأجهزة البيروقراطية ، ولم تشرع لهم ضمانات ضد التأميم ، والمصادرة ، والوضع تحت الحراسة ، وغيرها من الإجراءات التي تقوم بها السلطات الديكتاتورية ، والشيوعية، فكان تقوية دور الدولة من خلال سيطرتها على المجتمع ، والاقتصاد ؛ بحجة منع السيطرة الإمبريالية على موارد الدولة حجة خاطئة وزائفة ؛ لأن الدولة قد تحولت بسبب ذلك إلى شريك في السيطرة الإمبريالية على موارد الدولة ، والمجتمع ، ومصالح الشعب([139]).
وأما الادعاء بأن الإصلاح الزراعي ، قد حدَّ من الملكيات الواسعة الزائدة عن الحد المعقول، والتي تعيق المالكين أنفسهم عن إمكانية استثمارها على الوجه الأكمل ؛ بسبب اتساعها، وتباعد أمكنتها، والمشاكل المتوطنة فيما بينها ، وبين المالك ، والفلاح من أجلها، حيث سيؤدي هذا إلى اتجاه المالك إلى إحياء أراضيه المتبقية له مستخدماً كامل قوته ، وكفاءته اللتين ظلتا موزعتين على جميع ما كان في ملكيته، ونتيجة لذلك سيؤدي هذا الإجراء إلى الحصر في المقدرة ؛ وبالتالي إلى رفع نسبة الإنتاج، والتقليل من التكاليف ، والمصاريف، وسيقود ذلك في النهاية إلى الفائدة وتخفَّيف الأعباء، لكن هذا الادعاء لا يمت للحقيقة بأي صلة؛ لأن الدولة لم تستطع توجيه المالكين الجدد من الفلاحين لزيادة إنتاجهم، كما لم يستطع الفلاح أن يستثمر الأرض التي أعطيت له من خلال الإصلاح الزراعي، بسبب بيروقراطية الدولة في تأمينها لمستلزمات الأرض والإنتاج، كما أدى تشتيت الأرض على أعداد كبيرة من الفلاحين إلى ظهور ما عرف بالإنتاج الصغير الغير قادر على المنافسة ، والتطور، وتحقيق التنمية الاقتصادية في الزراعة، فلم تكن إجراءات التأميم ، والإصلاح الزراعي في خدمة رفع الدخل العام في الدولة بقدر ما ساهمت في انخفاض الدخل القومي، وبالتالي الفردي؛ بسبب العلاقة بينهما.
· التمايز الحزبي في العراق قبل عام 1963
الحزبية في العراق قديمة جداً، فلم تكن الحركات الاجتماعية الثورية التي اكتسبت الطابع الديني ، أو المذهبي، في العصر العباسي سوى أحزاب سياسية تسعى للسيطرة على الحكم ، واكتسبت بعد ذلك الصفة الدينية، لإيمان المريدين بأفكارها ، واعتبارهم إياها مقدسة، مثل الخوارج، والبرامكة، والشيعة وغيرهم من الحركات الاجتماعية، لكن في العصر الحديث، أصبح للحزب مفهوماً عصرياً، فأصبح منظمة متخصصة في تدريب المرشحين للبرلمان، من أجل عرض مشكلات المجتمع فيه، وأصبح مؤسسة سياسية تنظم بشكل رسمي ضمن أهداف معلنة بشكل قانوني([140]).
وعليه فقد رأت الدراسة أن تطور الأحزاب في العراق قد مر بثلاث مراحل، وكل مرحلة كانت تتسم بطابع خاص، يطبع أحزابها يميِّزه عن غيره من المراحل الأخرى، لذلك فثمة أحزاب كانت ذات سمة خاصة قبل الحرب العالمية الثانية، ثم ظهرت أحزاب في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، مختلفة بطبيعتها عن سابقتها، ثم ظهرت أحزاب جديدة في عهد الثورة العراقية عام 1958، حيث اتسمت هي الأخرى بطابع خاص، بعد إلغاء القيادة السياسية للأحزاب القديمة، واستمرت تلك الأحزاب حتى سقوط نظام عبد الكريم قاسم عام 1963.
وأهمية ذكر هذه المراحل الثلاث تكمن في بحث المسار الذي وصل فيه حزب البعث الذي هو موضع الدراسة إلى الحكم في العراق، حيث أن وجوده في الساحة العراقية قبل حركته عام 1963، لم يكن منفرداً، بينما أصبح بعد عام 1963 منفرداً ، أو قائداً للمجتمع، فهنا يثار تساؤل مفاده: هل كان رفض الفرد العراقي لأيديولوجيات الأحزاب السياسية -غير البعث- هو الذي جعل البعث يصل إلى السلطة ؟ وهل استفاد الفرد العراقي من التجارب الحزبية التي قد مرت بالعراق قبل حركة البعث الأولى عام 1963 ؟ وهل كانت التمايزات الحزبية في المجتمع العراقي عاملاً سهَّل وصول حزب البعث إلى السلطة؛ بسبب ما سببه وجود أحزاب متعددة في العراق من عدم استقرار سياسي فيه ؟.
-الأحزاب العراقية قبل الحرب العالمية الثانية
كانت معظم هذه الأحزاب امتداداً للتأثيرات الفكرية ؛ التي خضع لها المثقفون الذين تلقوا علومهم في الغرب، فبضعهم كان يمثل صيغة الديمقراطية البرجوازية، ، كما خضع بعضهم لتأثير الفاشية، وتأثر آخرون بالفكر الاشتراكي، سواءاً الديمقراطي كالفابية، أو الديكتاتوري كالماركسية، فلم يكن الواقع العربي هو المطلق في المعاناة الفكرية، بل كان التأثر بالأيديولوجيات هو الأساس؛ لذلك كان الطابع النسخي المقلد هو الطابع الذي يغلب على هذه الأحزاب([141]).
وأهم الأشكال الحزبية التي وجدت في العراق خلال هذه الفترة هي:
1. أحزاب ذات طابع ليبرالي مثل الحزب العراقي عام 1922.
2. أحزاب ذات طابع ديني مذهبي مثل جمعية الشباب المسلمين، التي كان مركزها في سوريا ، والعراق، وحركة الإخوان المسلمين التي انتشرت في بعض الدول العربية ، والإسلامية، ومنها العراق، بعد أن كان مركزها مصر ، وكلا هاتين الحركتين تتبعان المذهب السني([142])، كما نشأت أحزاب شيعية أهمها حزب النهضة الذي تأسس في منطقة الفرات الأوسط ، ودعا إلى تعديل الدستور الذي تشكل عقب قيام المملكة العراقية عام 1921، كما دعا إلى إتاحة المجال في مجلس إدارة الدولة والحكومة، لصالح الشيعة، كونهم يمثلون الأكثرية، وأن يكون حكم العراق شيعياً، وقد قام أعضاء هذا الحزب ببعض التمردات ضد الحكومة، لكن تم قمعها، وقد عزا بعض الشيعة ؛ أن تمردات هذا الحزب ، كانت بسبب إدارة الدولة العراقية التي لا تعتبر أنها تمثل المجتمع العراقي بكل فئاته([143]).
3. الأحزاب القومية العربية التي كانت امتداداً للجمعيات السرية ، والحركات القومية التي وجدت منذ ِأواخر العهد العثماني ؛ حيث كانت تدعو إلى الوحدة العربية بشكل غامض، وقد تفاعلت أفكارها مع ثورة الشريف حسين عام 1916، ومع قيام الدولة العربية الفيصلية في سوريا ، ثم في العراق، وأهم هذه الأحزاب كان نادي المثنى (1921 ـ 1927) ، وعصبة العمل القومي في سوريا ، والعراق.
4. الأحزاب الإقليمية، وهي الأحزاب التي رأت وجود أمم عربية، وخصائص لكل قطر من الأقطار العربية، مثل الحزب الحر العراقي عام 1922، وحزب التقدم (1924 – 1929) ، وحزب الشعب وحزب العهد عام 1930 ، وكانت هذه الأحزاب تطالب بالإبقاء على الوضع الراهن ؛ مستغلة مصالح شيوخ العشائر ، ورجال الدين في العراق، لكن رغم ذلك ظهرت بعض الأحزاب الإقليمية الأخرى التي كانت معارضة للسلطة نفسها من خلال رفضها للانتداب البريطاني، ومطالبتها ببرلمان منتخب من قبل الشعب ، وتحويل الملكية إلى ملكية دستورية، وأهم هذه الأحزاب كان الحزب الوطني (1921-1934) ، وحزب الإخاء (1930-1933) وحزب الأمة، وحزب الاستقلال الوطني في الموصل 1924([144]).
5. الأحزاب الاشتراكية، وهي الأحزاب الاجتماعية التي دعت لمساعدة المحتاجين، وكانت تقوم ببعض النشاطات الثقافية والسياسية مثل جمعية البصرة الإصلاحية 1913 ، وجماعة الأهالي في العراق 1931، ، ونادي البعث العربي ؛ الذي بدأ في العراق في منتصف الأربعينيات، إلا أنه كان لظهور بعض هذه الأحزاب الاشتراكية خدمة لمصالح خارجية، وكانت تتبع مصالح تلك الدول، مثل الحزب الشيوعي في العراق الذي تأسس عام 1930، على يد شخص اسمه (يوسف سليمان يوسف) الملقب بفهد، وقد انتشر هذا الحزب في المدن العراقية، وكان مدعوماً من قبل روسيا الشيوعية، وقد نادى هذا الحزب بإلغاء الانتداب البريطاني عن العراق، ثم طالب بإلغاء المعاهدة العراقية عام 1930، لكن رغم ذلك لم يكن انتشاره كبيراً في أوساط الغالبية من سكان العراق، فقد اقتصر انتشاره بين الأقليات العرقية ، والدينية، وما يثبت تأثره بالسياسة الشيوعية السوفياتية ؛ أنه أيد التحالف الذي قامت به روسيا مع الغرب ضد قوات المحور أثناء الحرب العالمية الثانية، وقد سيطر هذا الحزب على النقابات، وتغلغل في صفوف الطلاب ، والمثقفين ، وطالب بضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية، ، وزيادة الأجور ، وضرورة تحقيق التضامن الاجتماعي([145])، ويعتبر هذا الحزب من الأحزاب الأممية، الذي لم يكن يعمل على المستوى العراقي فحسب، بل على المستوى العالمي، بحكم ارتباطه بروسيا الشيوعية.
6. الأحزاب القومية الكردية، حيث ظهرت هذه الأحزاب رداً على الأحزاب القومية في تركيا ، أو في المنطقة العربية ، ومنها العراق، ورغم أن بعضها لم يكن وجوده في العراق ؛ إلا من خلال امتداده لحزب أخر موجود في تركيا التي تحتوى أكبر تجمع للأكراد في العالم، إلا أن ظهورها في العراق كان ملحوظاً بشكل أكبر، كون الأكراد في العراق متواجدين في منطقة محددة من العراق تتيح لهم الانعزال عن غيرهم من أبناء الشعب العراقي، وأهم هذه الأحزاب هي: حزب خيبون (الاستقلال)، الذي تشكل في تركيا وامتد إلى العراق عام 1926 ، وطالب بضرورة جمع القوى الكردية من أجل تحقيق إقامة الدولة الكردية، وحزب (كومه لي لاوان) أي الفتوَّى، وتشكَّل في بغداد عام 1932، وأصدر بعض المجلات مثل : مجلة "ذكريات الشباب" ، وحزب هيوا الذي تشكَّل عام 1939 ، وتأسس في إحدى المدن العراقية ذات الأكثرية الكردية ، وهي السليمانية، وذلك من خلال عدداً من الضباط ، والمثقفين الأكراد، الذين دعوا لإقامة الدولة الكردية الكبرى ، أو ما يسمى بدولة كردستان الكبرى، كما دعوا إلى ضرورة تأسيس حكومة كردية، والتقارب مع زعماء الحركة الكردية في إيران، لكن هذا الحزب انقسم إلى تيارين، يميني ، ويساري، حيث انحل التيار اليميني، بينما انضم التيار اليساري إلى الحزب الشيوعي العراقي، كما ظهر حزب أخر اسمه حزب "شورس" عام 1944، وكان حزباً شيوعياً لكنه خاص بالأكراد، وحدد أهدافه وبرامجه على أساس تحقيق الأماني القومية للأكراد، وأخيراً ظهر حزب "زركاري كورد" أي الثورة الكردية في عام 1944، وهو أيضاً ركَّز جهوده على المطالب الكردية، وضرورة الاستفادة من كافة القوى الكردية لتحقيق ذلك، حيث جاء في بيانه: "الأمة الكردية المقسمة حسب خطط وأطماع الاستعمار، عليها أن تناضل في سبيل تقرير المصير وتحرير كردستان الكبرى" ، وقد حدد هدفه المرحلي، بضرورة تحرير كردستان العراق ضمن الدولة العراقية، وهو الحزب الذي رفع مذكرة إلى مجلس الأمم المتحدة الذي عقد في لندن في نهاية الحرب العالمية الثانية، وأشار فيها إلى ما أسماه المؤامرة التي أيدها مؤتمر الصلح الذي عقد في باريس عام 1919 ، وذلك غداة الحرب العالمية الأولى، حيث رأى أن ذلك المؤتمر كان له دور مهم في تقسيم كردستان بين تركيا ، والعراق ، وسوريا ، وإيران، وأضاف أن الأكراد يتعرضون للاضطهاد في هذه الدول([146]).
-الأحزاب العراقية بعد الحرب العالمية الثانية ،وحتى ثورة 14 يونيو 1958
استمرت بعض أحزاب الفترة السابقة، في هذه المرحلة، لكن ظهرت أحزاب جديدة أخرى ، خاصة بعد ظهور تطورات كبيرة على الساحة السياسية العالمية ، والإقليمية، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث ظهر نظام عالمي ثنائي القطبية، يسعى كل قطب على استقطاب حكومات ، وأنظمة الدول الأخرى من العالم الثالث، وكان لهذين القطبين عدة أدوات ، ومنها كانت الأحزاب السياسية، فكان الحزب الشيوعي يسعى جاهداً للوصول إلى السلطة في العراق ضمن استراتيجية السوفيت ؛ للوصول إلى منطقة الخليج الغنية بالنفط، كما أيد هذا الحزب سياسة الاتحاد السوفيتي ، وقراراته التي تمس المنطقة العربية، مثل تقسيم فلسطين، وهذا أثار الشعب العراقي ضده، وحكم على بعض أعضاءه بالإعدام مثل رئيسه فهد الذي أعدم عام 1949، ثم استخدم هذا الحزب أسماء متعددة لتثبيت تغلغله في المجتمع العراقي مثل تسميته " أنصار السلام" ، تلك الحركة التي ضمَّت الكثير من الطلاب ، وقد شارك هذا الحزب في انتفاضة العمال في العراق عام 1952 ، وعارض الوحدة السورية المصرية عام 1958، وبما أن الكثير من أعضاء هذا الحزب كانوا من الأقليات الدينية ، والقومية العراقية، لذلك عملوا على إثارة النعرات الإثنية ، والطائفية، واستغلالها لصالح استقطاب الأقليات التي تدعي بأنها مضطهدة ، وكل ذلك من خلال سياسة الاتحاد السوفيتي في المنطقة([147]).
كما ظهرت في العراق خلال هذه الفترة، ما عرف بالحركة الناصرية ، تلك الحركة التي تأثرت بمبادئ جمال عبد الناصر الاشتراكية، منذ عام 1954 فدعت في برنامجها السياسي إلى ضرورة تحقيق الاستقلال الوطني ، وتنميته ومكافحة الاستعمار بكل صوره، واعتناق سياسة عدم الانحياز في السياسة الخارجية، وتنمية الاقتصاد ، والاجتماع، وكل نواحي الحياة في المجتمع، مع ضرورة تحقيق الاستقلال الاقتصادي ، والسعي لتحقيق الوحدة العربية، والاشتراكية العربية، المنبثقة عن الشعب العامل، والإيمان بالصراع الطبقي بشكل سلمي، وتحويل المجتمع المتخلف إلى متطور من خلال إقامة سلطة قوية([148]).
وبالمقابل ظهرت بعض الأحزاب الموالية للسلطة العراقية ، المرتبطة ببعض الدول الغربية من خلال المعاهدات، وقد عملت السلطة السياسية على تأسيس هذه الأحزاب بحيث تكون مؤيدة لها من جهة، وتعارض الحكومة (ظاهرياً) في البرلمان في بعض الأشياء ، وذلك بغية إظهار النظام العراقي بالمظهر الديمقراطي، وقد تميَّز أعضاء هذه الأحزاب ؛ بأنهم محافظين ، وإقطاعيين مثل : حزب الأمة الاشتراكي الذي أسسه رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد، وحزب الاتحاد الدستوري الذي أسسه رئيس الوزراء العراقي صالح جبر، وقد تم حل هذين الحزبين عام 1954، بناءاً على قرار نوري السعيد تجميد الأحزاب السياسية في العراق، كما حلت الأحزاب الأخرى في نفس الفترة بينما استمر آخرون مثل: البعث ، والشيوعي يعملان سراً([149]).
كما ظهرت خلال هذه الفترة، بعض الأحزاب الإصلاحية في البرلمان، حيث دعت لإصلاح الأوضاع الداخلية، وتحقيق الوحدة الوطنية، وإلغاء المعاهدة العراقية البريطانية ، ونشر الديمقراطية ، والاهتمام بالتصنيع ، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتقريب الطبقات من بعضها البعض من خلال الضرائب التصاعدية على الدخول، وإصلاح الإدارة والتعليم، ومكافحة الأمراض، وكان من أهم هذه الأحزاب: حزب الوحدة ، وحزب الأحرار، وحزب الاستقلال، والحزب الوطني الديمقراطي، وحزب الجبهة الشعبية المتحدة([150]).
إلا أن أخطر الأحزاب التي ساهمت في تصديع الوحدة الوطنية في العراق، خلال هذه الفترة، من خلال تبنيها أفكاراً قومية انفصالية ؛ هو الحزب الديمقراطي الكردستاني، وبما أن هذا الحزب سيستمر معنا إلى نهاية فترة الدراسة، لذلك رأت الدراسة أن نلم بهذا الحزب بشئ من التفصيل، خاصة أن هذا الحزب كانت له ارتباطات خارجية منذ نشأته في العراق عام 1945.
فمن المعروف أن التمردات الكردية لم تكن جديدة في المنطقة الكردية سواءاً كانت في تركيا ، أم في العراق ، أم في إيران،أم في سوريا، حيث كانت نواة الحركة الكردية منذ عام 1908 ، من خلال تأسيس بعض الأكراد نواة لهم في القاهرة، ثم أنشاءهم صحيفة خاصة بهم، رغم أنهم منذ عام 1843 أي في ظل الحكم العثماني، كانت لهم تمردات ضد السلطة العثمانية، وضد الإقطاعيين الأكراد الموالين لها، إلا أن جميع هذه التمردات قد باءت بالفشل.
والزعامات الكردية في العراق، هي زعامات قبلية ، ودينية في نفس الوقت، فكان أول ظهور لها في العراق من خلال الشيخ محمود البرزنجي منذ نهاية القرن التاسع عشر، حيث حارب الشيخ محمود مع الأتراك ضد الروس ، وضد الحلفاء، لكن اختلافه مع الأتراك بعد ذلك جعله يعلن ولاءه للإنكليز، فوافقوا على ذلك وجعلوه حاكماً على محافظة السليمانية، ثم عمل على إرسال رسالة إلى أحد ممثلي الأكراد ، والقاطنين في باريس عام 1919، وكان هذا الممثل الكردي هو "شريف باشا" ، حيث كان سينعقد مؤتمر الصلح ، وسيمثل الأكراد في ذلك المؤتمر، وسيطالب بحقوقهم القومية، إلا أن هذه الرسالة لم تصل إلى شريف باشا ، لكنه استطاع بعد حصوله على تفويض من أكراد تركيا ـ حضور المؤتمر ـ ثم حصل على تأكيد من ذلك المؤتمر، بحق الأكراد في تقرير مصيرهم في تركيا، والعراق إذا وافق أكراد العراق على ذلك ، وقد حددت في ذلك المؤتمر منطقة كردستان من خلال مواد المؤتمر (2-56-63-64)، وذلك ضمن ما عرف بمعاهدة سيفر 1919([151]).
وعندما حاول الشيخ محمود البرزنجي، توسيع منطقة نفوذه في السليمانية اصطدم مع الزعماء الأكراد الآخرين، ومع القوات البريطانية، التي كانت منتدبة للعراق، مما حذا ببريطانيا إلى أسر الشيخ محمود ، ونفيه إلى الهند، وعينت موظفين في السليمانية تحت إشرافها المباشر، لكن أعادته بعد ذلك بعد أن أخذت ضمانات على حسن سلوكه عام 1922، حيث شكَّل حكومة في السليمانية ،وأصدر صحيفة "روزي كردستان" ؛ التي أخذت تدَّعي أن السليمانية ليست جزءاً من العراق، وأنَّ لها كيانها الخاص، لكن انتصار القوات التركية على قوات الحلفاء عام 1923، أجبر الحلفاء على توقيع معاهدة لوزان ، وبموجبها ألغت بريطانيا أي أحقية للأكراد في إقامة الدولة الكردية في تركيا، وقضت على الحكومة الكردية في السليمانية، بعد اتفاقها مع تركيا على تعيين الحدود بينهما([152]).
كما تأثر الواقع الكردي في العراق، بالواقع الكردي في إيران، في أعقاب تشكيل الحزب الوطني الكردستاني في إيران، وتشكيله لفرع له في العراق عام 1946، حيث شكَّل هذا الحزب ما عرف بجمهورية "مهباد" ، التي دعمها السوفيت أثناء احتلالهم لإيران خلال فترة الحرب العالمية الثانية , وحتى نهاية عام 1946 , إضافة لمساعدة رئيس جمهورية أذربيجان السوفيتية لها، إلا أن انسحاب السوفيت من إيران، قضى على هذه الدولة، وأعدم رئيسها المسمى (القاضي محمد)،وهرب مستشاره مصطفى البرزاني -هو شقيق الشيخ محمود ، وتولى قيادة التمردات الكردية من أخيه الشيخ أحمد- خارج إيران إلى روسيا , وقاد الفرع الأخر للحزب الكردي في العراق ، حيث كان الملا مصطفى البرازي في روسيا ويتابع تطورات الأحداث في العراق، وكانت أولى مؤتمرات هذا الحزب في العاصمة العراقية بغداد في أغسطس عام 1946 ([153]).
وقد أصدر هذا الحزب صحيفة " رزكاري " لتكون لسان هذا الحزب ، كما تعرض هذا الحزب منذ وجوده في العراق للمطاردة ، والملاحقة من قبل السلطات العراقية، ونقلت الحكومة العراقية قسماً من الأكراد إلى الجنوب العراقي، وهرب الكثير منهم إلى خارج العراق ؛ بسبب ما كان لهذا الحزب من أهداف انفصالية، من خلال مبادئه، ومطالبته باستقلال الأكراد، حيث رأى هذا الحزب أن إقامة كردستان الكبرى يبدأ من العراق، كما أن الكثير من أعضاء هذا الحزب قد قاموا بعمليات عنيفة ضد المراكز الحكومية في شمال العراق، وأعلنوا العصيان المسلح ضدها.
وكون مصطفى البرازي موالياً للسوفيت، لذلك فقد رفض هذا الحزب معاهدات الحكومة العراقية مع الغرب، مثل معاهدة "بورتسموث" عام 1947 ، ونظم المظاهرات ضدها، مما حذا بالحكومة إلى القيام بحملات عسكرية ضد هذا الحزب ، وأعضائه، وتمكنت من اعتقال بعض قياداته ، حيث صرَّح أحدهم لمراسل الصنداي تلغراف: " لقد اتهمنا بأننا شيوعيين، وذلك غير صحيح، ليس لنا أية أهداف شيوعية، إننا نريد فقط الاستقلال، إنهاء الاضطهاد للغتنا ، وثقافتنا واقتصادنا" ([154]).
وقد دعا هذا الحزب في مؤتمره الثالث عام 1953، إلى ضرورة الإصلاح الزراعي ، والتأميم ، والعدالة الاجتماعية، والوقوف إلى جانب المعسكر الشيوعي، وإسقاط الملكية في العراق، وإحلال الديمقراطية، وإلغاء المعاهدة البريطانية العراقية التي تشكلت عقب استقلال العراق من الانتداب البريطاني عام 1930 ، كما دعا إلى حكم ذاتي للأكراد ضمن الجمهورية العراقية، والتعليم الإجباري المجاني، ويلاحظ أن هذه الأهداف تتطابق مع الأهداف التي يدعو لها الحزب الشيوعي في العراق، مع زيادة الحقوق القومية للأكراد، والحكم الذاتي لهم، وهذا ما يؤكد ارتباط هذا الحزب جذرياً بالاتحاد السوفيتي ، وسياسته في المنطقة العربية في إطار حربه الباردة مع المعسكر الغربي ؛ الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ، وهذا ما يفسِّر وقوفه إلى جانب الشعب المصري في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، حيث تلاقت بعض قيادات هذا الحزب مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر، لشرح القضية الكردية له، والاتفاق على تنسيق العلاقات بين الحركتين الكردية والعراقية عام 1957، كما التقى أحد قادة هذا الحزب وهو "جلال طلباني" مع أحد القادة اليساريين في سوريا وهو "أكرم الحوراني" من أجل هذه الغاية([155]).
لكن رغم ذلك ظلت النزعة الانفصالية في أيديولوجية، وبرنامج عمل هذا الحزب، بالرغم من أن العرب ، والأكراد قد تعايشا مع بعضهما البعض منذ أقدم العصور، حتى أنه كان كل زعيم كردي تقريباً يفخر بأنه ينحدر من أصل عربي ، ويحاول إرجاع نسبة إلى الرسول محمد (ص) ، أو إلى أحد أصحابه([156])، كما أن العراق هو أول من اهتم بالأكراد ، وأدخلهم في جميع وظائف الدولة، حتى أن الكثير من أكراد تركيا هجروا أراضيهم وسكنوا العراق([157])، فلم يدرك قادة هذا الحزب أن الأكراد ليسوا سوى ساحة للعمل ، وميدان للصراع ، وأنهم ليسوا موضوع الصراع، في ظل وجودهم في مجال حيوي تعمل فيه جميع القوى الإقليمية، والدولية الكبرى، كما أن تضحيات الأكراد ، وثوراتهم هي نيابة عن تلك القوى([158])، فالعروبة في ضميرها تؤمن بالتسامح ، والتعايش السلمي مع القوميات الأخرى([159])، وهذا ما يفسَّر وصول الكثير من الأكراد إلى صفوف قيادية في الدول العربية المتواجدين منها، فقد لعب الأكراد أدوارا مهمة في تاريخ العراق، الدول العربية عموماً، وخرج منهم صلاح الدين الأيوبي، والمؤرخ والمترجم الشهير ابن خلكان صاحب "وفيات الأعيان" كما ينسب إلى الأكراد في تركيا وسورية وإيران ومصر والعراق شخصيات كبار تبوأوا مواقع قيادية وبلغوا في مجالات الثقافة والفكر والفن شأناً عالياً في مقدمهم أمير الشعراء أحمد شوقي ، وقاسم أمين "محرر المرآة" في مصر، والمجاهد الاستقلالي السوري إبراهيم هنانو والمؤرخ والعلامة محمد كرد علي وعدد من أهل السياسة والحكم والجيش في سورية ولبنان مثل الرئيسين السوريين فوزي سلو وأديب الشيشكلي ، وزعيم الحزب التقدمي الاشتراكي في لبنان كمال جنبلاط .
وفي العراق بالذات وصل عدد منهم إلى مناصب رفيعة في الدولة منها رئاسة الحكومة، ومن هؤلاء ـ ولا سيما من تعرّبت أسرته من قبل ـ جعفر العسكري وجميل المدفعي ونور الدين محمود وأحمد مختار بابان في العهد الملكي. كذلك شغل الوزارات والمواقع القيادية المدنية والعسكرية عدد من كبار الشخصيات الكردية منهم جلال وجمال بابان، ومحمد أمين زكي ، وبكر صدقي قائد انقلاب 1936، وعدد من آل النقشبندي، وغيرهم كثيرون. وفي مجالات الأدب والعلم والفن اشتهرت شخصيات كردية عديدة لعل من أشهرها الشاعر الكبير جميل صدقي الزهاوي، وكذلك الشاعر الكبير بلند الحيدري، ولقد خصص منصب نائب الرئيس لهم في العهد الجمهوري.
ورغم ذلك ظلت تطلعات هذا الحزب انفصالية وأكبر الأدلة على ذلك ، ما في برنامج هذا الحرب من بنود تثير القوميات العراقية الأخرى، وتساهم في تشكيل الفواصل بينهم، فتقول المادة الثامنة من هذا الحزب: " إن حزبنا حزب ديمقراطي طليعي يمثل مصالح العمال ، والفلاحين ، والحزبيين ، والمثقفين الأكراد في العراق"([160])، كما تقول الفقرة (هـ) من المادة الحادية عشر:"تخصيص كرسي في جامعة بغداد ؛ لتدريس اللغة ، والتاريخ الكردي ، والسعي لتعميم اللغة الكردية في سائر أجزاء العراق، وإنشاء مجمع لغوى كردي ، وزيادة الجهد باللغة الكردية في دور الإذاعة "([161])، وتقول المادة الحادية والعشرين: " السعي لمساندة إخواننا الأكراد أينما كانوا في نضالهم من أجل استكمال حرياتهم وحقوقهم القومية ...." ([162])، وتقول المادة الخامسة: "السعي من أجل تعزيز علاقات الأخوة بين جميع القوميات المتآخية التي يتكون منها الشعب العراقي ، كالعرب ، والتركمان ، والأشوريين ، والأرمن ، وسائر الأقليات الأخرى في العراق"([163])، فهذا التقارب الذي يدعو إليه هذا الحزب ليس سوى تقارب بين الأكراد ، والغرباء، فلا يوجد أي تمايز بينهما حسب رأي هذا الحزب ، وهذا خلاف للواقع الذي يؤكد العلاقات المتميزة بين الأكراد ، والعرب، وعلى هذا الأساس فهذا الحزب في مبادئه يتناقض مع مبادئ الوحدة الوطنية في العراق، ومع مصالح الأكراد ، والعرب على حد سواء.
-الأحزاب العراقية من ثورة 14 يوليو 1958 وحتى حركة البعث 1963
حيث تشمل هذه الفترة فترة حكم عبد الكريم قاسم للعراق، كحكم فردي أوتوقراطي؛ بسبب ما جمعه من سلطات تشريعية ، وتنفيذية، بحسب الدستور الذي وضعه هو نفسه، بالرغم من أن هذه الثورة لم يقم بها الجيش وحده، حيث كان قاسم هو أحد القيادات التي نفَّذت الثورة، وليس هو وحده القائد العسكري الذي أطاح بالنظام، بل هناك قادة آخرون شاركوه في ذلك ، وأبرزهم عبد السلام عارف، وناظم الطبقجلي ، وعبد الوهاب الشواف ، ورفعت الحاج سري،ونجيب الربيعي ، وقد اضطهدهم قاسم بعد ذلك وأعدم بعضهم ، كما أن الإطاحة بالنظام الملكي، اشترك فيها ما عرف بالجبهة الوطنية، التي تشكلت عام 1957م ، من مجموعة من الأحزاب العراقية اليسارية ، والقومية العراقية ، وخاصة حزب البعث العربي الاشتراكي ، والحزب الشيوعي العراقي، لكن بعد ذلك قام عبد الكريم قاسم ؛ بإلغاء جميع هذه الأحزاب، مع إجازة أربعة أحزاب هي([164]).
1- الحزب الشيوعي، الذي شكَّله عبد الكريم قاسم بعد أن حلَّ الحزب الشيوعي القديم.
2- الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، الذي تميَّز منذ ما قبل الثورة، بنزعاته الاشتراكية.
3- الحزب الوطني الكردستاني الذي ذكرناه سابقاً.
4- الحزب الإسلامي، الذي أراد قاسم من خلاله ، إثبات أن حكمه ليس شيوعياً، ورغبة منه في استغلال الأيديولوجيا الدينية التي تتسم بتأثيرها الشديد على الشعب العراقي.
وقد سمح قاسم للحزب الوطني الكردستاني، بإصدار الصحف، وتعليم اللغة الكردية في مدارس الأكراد، وخصص لهم برامج بالإذاعة العراقية بلغتهم، وعفى عن الملا مصطفى البرزاني ، ومؤديه، بعد ثلاثة عشر سنة قضوها خارج البلاد في روسيا ، واستقبلهم على أساس أنهم كانوا يكافحون ضد الملكية الديكتاتورية ، وبالرغم من ذلك عاد هذا الحزب إلى نشاطاته السرية ، ودعواته الانفصالية، حتى أن أحد قادة الحزب صرَّح للرئيس المصري جمال عبد الناصر خلال فترة الوحدة بين سوريا ، ومصر بأنه آن الأوان لخلق دولة كردية، وأنَّ للأكراد ديناً على العرب، وأن هذا الدين يجب أن يوفه عبد الناصر، وهو بذلك يقصد هزيمة الصليبيين على يد القائد التاريخي صلاح الدين الأيوبي –كردي- وإخراجهم من الديار العربية، وبالفعل فقد ساهم عبد الناصر بدعمهم في طار خلافه مع نظام عبد الكريم قاسم، فسلحهم، وأنشأ لهم برامج تبث من صوت العرب([165])، وأخذت صحيفة الحزب المسماة (خه بات) ترفع شعار: " يا جماهير شعبياً: ناضلي من أجل اتحاد وطني للعمل على تمتع الشعب الكردي، بحقوقه القومية، بما في ذلك الحكم الذاتي لكردستان العراق "([166]).
وقد تأثرت بعض الفئات العراقية سلباً بسياسة عبد الكريم قاسم مع الأكراد، إضافة لمساندة نظام الجمهورية العربية المتحدة للقوميين العرب، الذين كانوا على علاقة بذلك النظام فقاموا بثورة الموصل عام 1959 ضد نظام قاسم، وقد دعمت الجمهورية العربية المتحدة هذه الثورة وأمدتها بالخبرات الفنية ، وبالسلاح ، وبالمال، لكن فشلت هذه الثورة، وساهم الحزب الوطني الكردستاني، والحزب الشيوعي، في قمع هذه الثورة وقاموا بعمليات في منتهى القسوة ضد مؤيديها، كما كان نظام قاسم قاسياً جداً على أعضاء هذه الثورة، وخاصة من خلال ما عرف بالمحاكمات التي كان رئيسها قريبه "فاضل عباس المهداوي" ، وقد كان من أسباب هذه الثورة ، إضافة للأسباب السالفة الذكر، ارتفاع نفوذ العناصر الشيوعية في عهد قاسم، وقضاءه على الأحزاب القومية العربية في العراق، وديكتاتورية النظام، ولجوء قاسم إلى سياسة ضرب الفئات السياسية ببعضها البعض ؛ بحيث تصفي نفسها بنفسها، وإعدامه لبعض القادة الذين اشتركوا معه بالثورة مثل : رفعت الحاج سري ، وناظم الطقجلي، وسجنه لرفيق ثورته "عبد السلام عارف" ، ونشوء فجوة بين الشعب العراقي ، والنظام العراقي ؛ بسبب انعدام وجود رسالة عقائدية يتفق عليها الجميع ، والمركزية المفرطة في إدارة الدولة، مما جعل الكثير من مناطق العراق مهملة، وذلك بالنسبة إلى مناطق أخرى ، وانعدام الوعي الثقافي لدى أفراد الشعب العراقي؛ بسبب الأمية التي كانت منتشرة بشكل كبير في العراق، والتدخل العسكري في صنع القرار السياسي، كما أنه –قاسم- لم يوجد دستور دائم حدد على أساسه الشكل الحقيقي لنظامه، إضافة لمغامرات قاسم في المجال الخارجي ؛ بإنهائه لمصالح الشركات الغربية النفطية في العراق، وإثارته لمشكلة الكويت عام 1960، وإثارته لمشكلة الإمتيازات الفرنسية النفطية في العراق، حيث رفع شعار استثمارها من قبل النظام العراقي، وتقاربه الكبير مع الاتحاد السوفيتي، هذه الأشياء جعلت الغرب يثير الأكراد ضده؛ لأن الكثير من الأكراد لهم علاقات مع الغرب، وعلى هذا الأساس قام أفراد من الحزب الوطني الكردستاني بمهاجمة المناطق الكردية في الشمال ، والاستيلاء عليها، وأصبح لهم قوة مؤثرة فيها([167]).
كما تبين من خلال التحقيقات التي أجراها مجلس قيادة ثورة البعث الأولى 1963، أنه في الأشهر الأربعة التي سبقت الثورة، كان الشيوعيون يدأبون على تحريض عبد الكريم قاسم على ما يسمونها المؤامرة المزعومة، حتى أن جريدة "طريق الشعب" السرية كتبت في أحد مقالاتها، أن هناك تآمر في معسكري أبو غريب والرشيد، وأن آمري كتائب دبابات بين المتآمرين وأن ساعة الصفر حددت، لكن تبين فيما بعد أنه كانت هناك ثلاث كتل داخل المكتب السياسي للحزب الشيوعي، واحدة متطرفة يقودها سلام عادل منذ 1959 تطالب بمشاركة الحزب الشيوعي بنسبة معقولة في حكم عبد الكريم قاسم، وأخرى مع التسليم التام لقاسم وتأييده من دون قيد أو شرط يمثلها بهاء الدين نوري وعامر عبد الله، واتجاه ثالث في الوسط يمثله زكي خيري، وكانت مراكز القوى تتبدل في شكل دائم فأبعد سلام عادل إلى موسكو مرة، ثم عاد وأبعد بعدما أبعد إليها نوري وعبد الله([168]).
هذه الأمور جعلت بعض الأحزاب السياسية المعارضة ، وخاصة القومية، تعمل لإسقاط عبد الكريم قاسم، حيث حدث تجمع للناصرين من خلال عبد السلام عارف ـ بعد خروجه من السجن- واجتمع مع بعض أفراد حزب الاستقلال، وتلاقى مع بعض الأكراد على أساس أن إسقاط قاسم سيكون في صالحهم، إلا أن أهم الفصائل التي كان لها الدور الأول في سقوط قاسم هو حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي كانت له عدة محاولات لاغتيال قاسم، إلا أنها كلها باءت بالفشل، وبعد ذلك استطاع حزب البعث أن يجمع جميع القوى المعارضة لقاسم، تحت قيادته، وأن يسقط بعد ذلك النظام، من خلال عدداً من الضباط العسكريين في الجيش العراقي ، وخاصة من البعثيين ، وقد رأى البعث أن حركته هذه هي حركة تصحيحه لمسار ثورة 1958، وتأكيد مبادئها في تحرر العراق من الاستغلال الاقتصادي العربي، وإنهاء القيود المفروضة على حرية الشعب وحقوقه، وإعادة العراق إلى دوره القومي العربي، وتحقيق الديمقراطية ، ورفع مستوى الطبقات الفقيرة، وكل ذلك ضمن وحدة الشعب ، والالتزام بالمعاهدات ، والمواثيق الدولية([169]).
وعلى هذا كانت الأحزاب العراقية خلال المراحل الثلاث التي ذكرت سابقاً ، قد اتسمت بعدد من السمات التي جعلتها لا تستطيع الاستمرار ، أو حل المشاكل العراقية ؛ مما جعلها لا تعبِّر عن الواقع العراقي بجميع تمايزاته، بل ساهمت بتمايزها عن بعضها البعض في إضعاف الوحدة الوطنية، وأهم المآخذ على هذه الأحزاب هي([170]):
1- انعدم ارتكاز زعمائها على تنظيم شعبي؛ بسبب ديكاتوريتهم.
2- افتقارها إلى التنظيم، مما سهَّل وقوعها في عثرات كثيرة.
3- كان الكثير من أعضائها ذوي مصالح شخصية ، لا يهمهم سوى مصالحهم.
4- عدم شعبيتها ، وجماهيريتها، وتبعيتها للمؤسس ، أو للقادة الذين يسيرونها.
5- اختراقها من قبل جهات خارجية لها مصالح في العراق.
6- ديكتاتورية النظام العراقي في المراحل السابقة، مما ساهم في عدم وجود ، أو استمرار حياة حزبية عادلة.
7- افتقادها لفهم نفسية الشعب العراقي، المتسم بتنوع الآراء ، إضافة إلى جهله بما يحيط بمجتمعه.
كما تميزت هذه الأحزاب بهشاشة بنيتها وبغموض برامجها، وحتى لو أن لبعضها برامج محددة، فلم تكن تتقيد بها، فكان من الممكن حل الحزب ، أو انشقاقه في الداخل؛ بسبب تعارض المصالح الضيقة للقادة ، والزعماء مع البرامج التي كانوا يتبنوها ، وساهم في ضعف الهيكلية التنظيمية لهذه الأحزاب، إبقاء نشاطها ، وتأثيرها محدوداً، فلم تعرف ما يسمى بالهيكل التنظيمي المتدرج من القيادة إلى الكوادر إلى الوحدات الأصغر المنتشرة بين صفوف السكان، وهذا ما أدى إلى عدم وجود أنظمة داخلية تقرر حقوق الأعضاء ، وواجباتهم، ونمط العلاقات القائمة بين القيادات ، والقواعد في الهرم التنظيمي، وهذا ما جعلها أحزاب مرحلية ، ووقتية ، ومحدودة النشاط ،والتأثير، وضعيفه الاتصال الواسع مع الشعب، وكان سبب عدم وجود هياكل تنظيمية ؛ بسبب غياب القواعد الفكرية المشتركة التي تسير هذه الأحزاب، ومن علائم ضعف نضج هذه الأحزاب، أن الخلافات فيما بينها كانت هي السائدة ، وأكثر هذه الخلافات ، كان بسبب الرغبة في الوصول إلى السلطة ، أو البرلمان، وتحقيق مكسب معنوي([171]).
كما لم تستطع هذه الأحزاب حل مشكلة الفوارق الاجتماعية ، والاقتصادية ، والسياسية بحيث تضيق الهوة بين الأفراد، ولم تكن لها استراتيجية واضحة ، وعلمية في تحقيق أهدافها، باستثناء بعض الأحزاب القومية العربية التي رأت ضرورة تذليل ، وإزالة هذه الفوارق من خلال عملية متدرجة توصل بالنهاية إلى تحقيق الوحدة العربية، وبالمقابل كانت بعض الأحزاب تتناقض مع أعراف ، وتقاليد ومبادئ الشعب العراقي الذي يتسم بالتدين في معظم مناطقه، فكان وجود الأحزاب الشيوعية سواءاً ما كان منها يميل إلى الأمية ، أو ما كان يميل إلى القومية الكردية، قد جعل الهوِّة كبيرة بينه ، وبين الشعب، فظلت هذه الأحزاب أسيرة أفكارها، رغم ما كانت تقوم به من دعايات واسعة، من قبيل أن أهدافها الرئيسية هي: القضاء على الفوارق الطبقية، وإن التمايز بين الأفراد ليس منزلاً من عند الله ، بل هو ناجم عن أسباب إنسانية ، وتاريخية، وأن الاتحاد السوفيتي قد انتصر بالعلم في الحرب العالمية الثانية، ووصل إلى الفضاء ، وامتلك الذرة، ، وطور أسلحته، وأنه يدعم الحركة القومية العربية، وهو الذي كشف عن مخططات الغرب لتقسيم الأرض العربية في سايكس بيكو1916، ورغم ذلك لم يستطع هذا الحزب أن يكون جماهيرياً، بسبب إيمانه بالمادية الجدلية التي رفضها الشعب العراقي، فعلى سبيل المثال يقول لينين:
"على الماركسي أن يكون مادياً، أي عدواً للدين، ولكن أن يكون مادياً جدلياً، أي مادياً لا ينظر إلى محاربة الدين بطريقة تجريبية، ولا على أساس الوعظ الرتيب ، والبعيد، والنظري البحت، بل بطريقة واقعية، على أساس الصراع الطبقي الجاري بالممارسة العملية ، والذي يثقف الجماهير أكثر، وأفضل مما يفعله أي شيء أخر"([172]).
كما يقول أيضاً: "يجب أن يرتبط بالممارسة الفعلية للحركة الطبقية التي تهدف إلى اقتلاع الجذور الاجتماعية للدين"([173]).
ورغم أن هذا الحزب كان له النفوذ الأكبر خلال عهد عبد الكريم قاسم، إلا أنه لم يستطع الحفاظ على نفوذه ؛ بسبب عدم شعبيته أولاً، وبسبب اضطهاد قاسم له، في مرحلة لاحقة لنفوذه، حيث عمل قاسم على إبعاد الكثير من الشيوعيين عن المراكز القيادية، وحل حزبهم، بعدما شعر أن هذا الحزب أصبح عاملاً سلبياً في وجه سلطته المطلقة.
مما سبق رأينا أن المجتمع العراقي يحتوي تمايزات عديدة، منها التمايزات العرقية ، والدينية ، والطائفية ، والمذهبية ، والعشائرية ، والإقليمية ، والطبقية ، والحزبية، وأن كل تمايز من هذه التمايزات له خصوصياته التي تؤثر بشكل مباشر على الحياة الاجتماعية ، والاقتصادية ، والسياسية في المجتمع العراقي، وبالتالي على أي سلطة سياسية تحكمه، وقد رأينا على سبيل المثال مساهمة الأحزاب السياسية، في إسقاط النظام الملكي ، وفي إسقاط قاسم بعد ذلك، كما رأينا مساهمة الأكراد في إحداث تضعضع في الأنظمة السياسية المتعاقبة، ورأينا أثر وجود السلطة العشائرية في بروز الصراع الطبقي في المجتمع العراقي، ورأينا الخلافات العقائدية، ودورها في الانتقاص من شرعية النظام السياسي، فهذه التناقضات كافية لزعزعة أي نظام سياسي، والتقليل من شرعيته ما لم يستطع التعامل معها بكل حكمة وموضوعية.
وعلى هذا فقد رأينا من خلال مبحثي هذا الفصل، أن حزب البعث العربي الاشتراكي، قد وجد في مجتمع يحتوي تمايزات عديدة، فكيف استطاع التعامل معها، رغم أنه حزب قومي، لا يمثل كل القوميات الموجودة في العراق، وهو حزب يرفض الإقليمية ، والعشائرية ، والطائفية ، والمذهبية ، والطبقية ، والتعددية الحزبية، في مجتمع يحوي كل هذه التناقضات، هذا ما ستوضحه لنا الدراسة في الفصول القادمة، حيث سيتناول الفصل الثاني، الوصول الأول لحزب البعث العربي الاشتراكي إلى السلطة في العراق في حركة 8 فبراير 1963 ، كما سيناول أسباب فشل تجربته الأولى في الحكم ، والأسباب التي سهلت الإطاحة به من خلال عبد السلام عارف، الذي وصل إلى الحكم من خلال البعث، ثم سيتناول هذا الفصل المحاولات البعثية للوصول إلى السلطة مرة أخرى، إلى أن ككل لهم النجاح بالإطاحة بعبد الرحمن عارف عام 1968م.
([1]) Phebe ,Marr,. "Iraq's Leadership Dilemma: A Study in Leadership Trends, 1948-1968," Middle East Journal, 24, No. 3.Winter-Autumn 1970,pp 283-301.
· انظر الجدول (1-1) الذي يبين نسبة كل إثنية من الإثنيات (الأعراق ) الموجودة في العراق .
([2]) شفيق عبد الرازق السامرائي، مرجع سابق ذكره، ص ص 12-15 للمزيد انظر قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق، ص67.
([3]) قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق: دراسة سياسية اقتصادية، اجتماعية، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 1977، ص ص199-200
([4]) أمين سامي الغمراوي، قصة الأكراد في شمال العراق، القاهرة: دار النهضة العربية،1967، ص ص91-101 .
([5]) شفيق عبد الرازق السامرائي، مرجع سابق ذكره، ص 31، للمزيد حول دور العرب الحضاري، انظر عاطف أمين وصفي، المجتمع العربي، ط3، القاهرة: دار المعارف بمصر، 1969، ص ص 18-20.
· لم يكن الشيعة العرب يشكلون الأكثرية من سكان العراق ، إلا في القرن التاسع عشر عندما حدثت الهجرة العربية في عهد والي بغداد داود باشا حيث تشيعت تلك القبائل ، لتزيد نسبة الشيعة العرب ، إلا أن هذا لا يعني أن الشيعة بقوا هم الأكثرية في العراق ، فلو جمعنا العرب السنة ، مع السنة من القوميات الأخرى من الأكراد والتركمان وغيرهم ، فسيكون هناك تعادل بين السنة والشيعة (الباحث ) .
([6]) عباس العزاوي، عشائر العراق، بغداد: مطبعة المعارف، 1947، ص ص 17-18 ، أنظر أيضاً شاكر خصباك، الأكراد: دراسة جغرافية إثنوغرافية، بغداد: مطبعة شفيق ، 1972، ص 503 – 511.
([7]) نفس المرجع السابق، ص19 ، للمزيد انظر :
Edmund ,Ghareeb,. The Kurdish Question in Iraq. Syracuse: Syracuse University Press, 1981,pp.8-40. Also Look :
Stephen, C ,Pelletiere,. The Kurds: An Unstable Element in the Gulf. Boulder, Colorado: Westview Press, 1984.pp.30-70.
([8]) نفس المرجع السابق، ص ص20 – 23 .
([9]) نفس المرجع السابق، ص ص 19-22 .
([10]) مازن بلال، المسألة الكردية: الوهم والحقيقة، بيروت: بيسان للنشر والتوزيع، 1993، ص ص19-33
Also Look : Saad, Jawad,. Iraq and the Kurdish Question, 1958-1970.
London: Ithaca Press, 1981.pp.10-28
([11]) مازن بلال، مرجع سابق ذكره ، ص ص19-33 ، للمزيد انظر :
Edmund ,Ghareeb,. The Kurdish Question in Iraq,Op.Cit,pp.18-25.
([12]) أحمد تاج الدين، الأكراد: تاريخ شعب وقضية وطن، القاهرة: الدار الثقافية للنشر، 2001، ص ص 15-20، ص 20-30، للمزيد أنظر عزيز الحاج، مرجع سابق ذكره، ص ص 224-227 ، انظر أيضاً شاكر خصال، مرجع سابق ذكره، ص ص 511-512 أيضا، منذر موصلي، الحياة السياسية والحزبية في كردستان، لندن: رياض الريس للكتب والنشر ، 1991، ص ص 25-30، انظر أيضاً :
Saad ,Jawad,. Iraq and the Kurdish Question, op.cit.pp.15-50
([13])أحمد تاج الدين، مرجع سابق ذكره ، ص11
([14])ناجي أبي عاد وميشيل جريتون ، النزاع وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، ترجمة: محمد نجار، عمان: الأهلية للنشر والتوزيع، 1999، ص121.
([15]) حول اختلاف الباحثين حول معالم الوطن الكردي، انظر: أمين سامي الغمراوي، مرجع سابق ذكره ، ص ص26-40، أيضاً قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره ص ص 76-79 . أيضاً، مازن بلال، مرجع سابق ذكره، ص ص 24-25 ، أيضاً منذر موصلي، مرجع سابق ذكره، ص25، أيضاً شاكر خصباك، مرجع سابق ذكره، ص ص 515-516 ، أيضاً أحمد تاج الدين، مرجع سابق ذكره، ص 11 ، ص29.
· الدولة الأيوبية التي حكمت مصر والشام ، وأجزاءاً من العراق ، كانت دولة دينية مستعربة ، لا يوجد تمييز قومي أو عنصري لأي من رعاياها مثلها مثل دولة المماليك في العراق (الباحث) .
([16]) Minorisky. V. "The encyclopedia of Islam : the Kurds", London, 1925, pp. 480-479.
([17]) شاكر خصباك، مرجع سابق ذكره، ص ص 481-482 .
([18]) نفس المرجع السابق، ص ص 483 – 488 .
· انظر الخريطة في المبحث السابق .
· بسبب سماح الزعيم العراقي عبد الكريم قاسم للمعارضة الكردية بالرجوع إلى الوطن بعد أن ظلت لسنوات عديدة في المنفى ، وتسامحه مع الأحزاب الكردية الانفصالية ، هاجر الكثير من الأكراد إلى كركوك في عهده ، مما سبب الكثير من المشاكل في المدينة وخاصة إبان ثورة الشواف في الموصل ، حيث تعرض الكثير من التركمان إلى الأعمال الوحشية من قبل الأحزاب الكردية و الشيوعية التي كانت في أغلبها كردية (الباحث ) .
([19]) شاكر خصباك، مرجع سابق ذكره، ص52.
([20]) أمين سامي الغمراوي، مرجع سابق ذكره، ص ص101 - 103
([21]) قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص 212 – 213 .
([22])صلاح بدر الدين، ، الحركة القومية الكردية في سوريا، بيروت، رابطة كاوا للثقافة الكردية، 2003، ص15-148.
([23]) قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص 202-205، للمزيد انظر محمد طلب هلال، دراسة عن محافظة الجزيرة من النواحي القومية والاجتماعية والسياسية (وثيقة) ، بيروت: دار كاوا للنشر والتوزيع، 2001، ص ص23-27، انظر أيضاً :
, Abbas ,Kelidar. "Iraq: The Search for Stability," Conflict Studies ,London, 59, July 1975,pp. 1-22
([24]) نفس المرجع السابق، ص ص 76 – 79 .
([25])Vanly, I.C. "Kurdistan in Iraq." pp. 192-203. in Gerard Chaliand .(ed.), People Without a Country: The Kurds and Kurdistan. London: Zed Books, 1980.
أنظر أيضاً : سعد البزاز، الأكراد في المسألة العراقية، عمان: الأهلية للنشر والتوزيع، 1997، ص ص 94-96 .
([26]) نظرة بالأرقام والأسماء إلى النسيج الاجتماعي للعراق ، 20/3/2003 ، مأخوذ من الموقع : http://www.amanjordan.org/arabic_news/wmview.php?ArtID=5841
([27]) قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص215، 216، انظر أيضاً ، أمين سامي الغمراوي ، مرجع سابق ذكره، ص101.
· انظر الخريطة في المبحث السابق .
([28]) قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص 87-89 .
([29])قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره ، ص 14 .
([30]) نفس المرجع السابق، ص14.
([31]) نفس المرجع السابق، ص14
([32]) نفس المرجع السابق، ص15
([33])إفرام برصوم ، اللؤلؤ المنثور في تاريخ العلوم والآداب السريانية ، ط3، بغداد ، 1976 ، ص 521 . انظر أيضاً ، بطرس نصري ، ذخيرة الأذهان في تاريخ المشارقة والمغاربة السريان، بيروت ،ج3 ، مطبعة الدومنيكان، 1913 ، ص 72، ص 89 ، ص 225 ، انظر أيضاً : البير أبونا، شهداء المشرق، ج1 ، بغداد ، 1985 ، ص 200 ، أيضاً مراد كامل ، تاريخ الأدب السرياني ، القاهرة ، 1974 ،
ص 258، انظر أيضاً ، بطرس حداد ، البطريرك مار إيليا عبو اليونان ، بين النهرين، العددين( 39 ، 40)، 1982، ص 250 .
([34]) نفس المرجع السابق، ص211.
· بالرغم من أنهم يتكلمون إحدى اللغات السامية وهي اللغة السريانية ذات الأصول الآرامية ، إلا أنهم يختلفون بعض الشيئ في سحناتهم ، وإثنيتهم ، عن العراقيين ، كما أن ولاءهم للدولة العراقية ظل ضعيفاً ، بعكس ولاءهم لبعض الدول الغربية ، أو الشيوعية ، مثل روسيا ، أو بريطانيا ، وهذا ما شكك الكثير من الباحثين على اعتبارهم عراقيين أو من أصول عراقية، لكن هذا لا يبرر أنهم غير عراقيين اعتمداً على السحنان ، لأن السحنات تتغير بتغير المناطق التي يسكنها الإنسان (الباحث )وللمزيد حول ارتباط الأشوريين بالغرب أنظر : فرست مرعي الدهوكي ، مجلة البيان ، العدد 1532، أغسطس 2000.
([35]) نفس المرجع السابق، ص212.
([36]) موسى الشابندر، ذكريات بغدادية: العراق بين الاحتلال والاستقلال، بيروت: رياض الريس للكتب والنشر، 1993، ص128
([37]) عزيز الحاج، مرجع سابق ذكره، ص95.
([38]) نفس المرجع السابق، ص ص: 217-221، للمزيد أنظر، أمين سامي الغمراوي، مرجع سابق ذكره، ص – ص 101-103.
([39]) أمين سامي الغمراوي، مرجع سابق ذكره، ص102، للمزيد أنظر سمير عبده، المسيحيون السوريون خلال ألفي عام ، دمشق ، دار علاء الدين، 2000، ص ص 29-29،ص 68. أنظر أيضاً : بطرس نصري ، ذخيرة الأذهان في تاريخ المشارقة والمغاربة السريان ، ج2 ، بيروت: مطبعة الدومنيكان، 1913 ، ص 72، للمزيد انظر : إفرام برصوم ، اللؤلؤ المنثور في تاريخ العلوم والآداب السريانية ، ط3 ، بغداد : 1976 ، ص 521 ، انظر أيضاً مراد كامل ، تاريخ الأدب السرياني ، القاهرة ، 1974 ، ص 73 ، أنظر أيضاً : يوسف حبي ، من هم مسيحيو العراق ، مجلة قالا سوريانا، العدد 1 السنة، 13 كانون الثاني 1990، ص 29 .
([40]) محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، الملل والنحل، ج2، تحقيق: أحمد فهمي محمد، القاهرة: مكتبة الحسين التجارية، 1948، ص ص44-48 ، أنظر أيضاً : فهمي ماروكي ، بحث في تاريخنا المشترك ، خويادا ، العدد 9، السنة 13، 1990 ، انظر أيضاً : فرست مرعي الدهوكي ، النشاط التنصيري في كردستان العراق ، مجلة البيان ، العدد (153) ،أغسطس 2000.
([41]) سمير عبده، مرجع سابق ذكره، ص88.
([42]) عزت اندراوس ، أنسكلوبيديا موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history الكنيسة النسطورية السريانية الشرقية ، مأخوذ من الموقع الإلكتروني : http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm
([43])الأرمن في العراق ، http://www.minoritiescouncil.org/html/armen.htm ، للمزيد انظر : فالنتيناس مايت ، العراق: الطائفة الأرمنية
http://64.233.183.104/search?q=cache:6LBkqsCisrkJ:arabic.tharwaproject.com/node
أيضاً انظر ، صحيفة الديوان العراقية6/2/2006 .
([44]) سعيد السامرائي، الطائفية في العراق: الواقع والحل ، لندن، مؤسسة القمر، 1993، ص43.
([45]) نفس المرجع السابق، ص46.
· الجدول (2-1) الذي يبين نسبة المسلمين السنة والشيعة في العراق ، والجدول (3-1) يبين تقاطع الإطار المذهبي والقومي لنسبة المسلمين عموماً في العراق ، و الجدول (4-1) يبين نسبة السكان بناءاً على الأديان الموجودة في العراق ، والجدول (5-1) يبين تقاطع الإطارين الديني والقومي ( الإثني ) للسكان في العراق .
([46]) The Europe year Book 1974, Awarld survey, vol. 11. London: Europe publications ltd, 1974, p. 696.
([47]) مأمون كيوان، اليهود في الشرق الأوسط : الخروج الأخير من الجيتو الجديد، عمان: الأهلية للنشر والتوزيع، 1996، ص36، للمزيد حول نسبة السكان حسب المذهب ، والقومية أنظر المرجع Encyclopedic Britannica. Vol. 12 ,USA William Benton publisher, 1971, p. 529.
([48]) قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، ص ص45-50 .
([49]) نجيب الأرمنازي ، عشر سنوات في الدبلوماسية ، بيروت، دار الكتاب الجديد، 1964، ص 58، أنظر أيضاً، فرهاد إبراهيم، مرجع سابق ذكره، ص91، أنظر أيضاً: حنا بطاطو، العراق: الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية، ط2، ترجمة : عفيف الرزاز ، بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، 1995، ص36.
([50]) فرهاد إبراهيم، مرجع سابق ذكره، ص94 .
([51]) سعيد السامرائي، مرجع سابق ذكره،ص 86 , للمزيد انظر :
Peter ,Sluglett, and Marion Farouk-Sluglett. "Some Reflections on the Sunni/Shia Question in Iraq," British Society for Middle East Studies ,London, 5, 1978,pp. 79-87.
([52]) , Hanna, Batatu. Shi'i Organizations in Iraq: Al-Da'wah al-Islamiyah and Al-Mujahidin."pp. 179-200. in, Juan R.I. Cole and Nikki R. Keddie (eds.), Shi'ism and Social Protest. New Haven: Yale University Press, 1986.
للمزيد أنظر : قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص 217-218.
([53]) محمود إسماعيل، فرق الشيعة بين التفكير السياسي والنفسي الديني، القاهرة: سينا للنشر، 1995، ص ص98-100 , للمزيد انظر :
Hodgson, Marshall G.S. "How Did the Early Shia Become Sectarian?". Journal of the American Oriental Society, 75, No. 1, January-March 1955, 1-13.
([54]) محمود إسماعيل، مرجع سابق ذكره ، ص47 ، ص94
([55])Marshall G.S,Hodgson,. How Did the Early Shia Become Sectarian?. Journal of the American Oriental Society, 75, No. 1, January-March 1955,pp. 1-13.
انظر أيضاً : محمود إسماعيل، مرجع سابق ذكره ، ص96.
([56])محمود إسماعيل، مرجع سابق ذكره ، ص98 .
([57]) نفس المرجع السابق، ص ص 100-105 ، للمزيد أنظر محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، مرجع سابق ذكره،ص ص254 ، 235 ، ص ص280 – 288 ، للمزيد حول الشيعة انظر :
Moojan ,Momen,. An Introduction to Shia Islam. New Haven: Yale University Press, 1985.pp.20-180.
([58]) نفس المرجع السابق، ص ص 104 – 121 .
· الكثير من القبائل والعوائل العربية الشيعية لا تتقبل هذا الزواج وتستكرهه ،رغم عدم تحريمها له ، وإذا حصل فلا يحصل للبكر ،وإنما للمطلقة ، أو الأرملة ونحوها من النساء (الباحث ).
([59]) قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص48.
([60]) فرهاد إبراهيم، مرجع سابق ذكره ، ص ص39-58 .
([61]) نفس المرجع السابق، ص ص 65-88 ، ص ص 114-115
([62]) نفس المرجع السابق، ص 106 – ص ص 122-191 ، للمزيد انظر :
Hanna ,Batatu,. Iraq's Underground Shia Movements: Characteristics, Causes, and Prospects, Middle East . Journal, 35, No. 4, Autumn 1981,pp.94-578. Also Look : Hanna, Batatu. Shi'i Organizations in Iraq: Al-Da'wah al-Islamiyah and Al-Mujahidin.pp.179-200
([63]). نزار عسكر ، المسيحيون العراقيون، ماض عريق وحاضر مجهول ، 24/2/2005 ، مأخوذ من الموقع : http://www.enjeely.com/vb/showthread.php?t=862
([64]) قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص 51-53 .
([65]) نزار عسكر ، المسيحيون العراقيون، ماض عريق وحاضر مجهول ، 24/2/2005 ، مأخوذ من الموقع : http://www.enjeely.com/vb/showthread.php?t=862
([66]) نفس المرجع السابق
([67])نفس المرجع السابق
([68]) سمير عبده ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 10-50 .
([69]) مأمون كيوان، مرجع سابق ذكره ص ص18-28 ، انظر أيضاً :
pp.12-120, ، Baghdad Sasson ,D., A, History of the Jews in
للمزيد حول اليهود في العراق يمكن الرجوع إلى المصادر التالية :
Cohen, H., The Anti Jewish Farhud in Baghdad, Middle Eastern Studies, Vol. 3, London, 1966 - 1967
Goitein, S., Jews and Arabs, New York,1955 also:
Hourani, A. Minorities in the Arab World, London, 1947 also:
also : Lancshut, S., Jewish Communities in the Muslim Countries of Middle East, London, 1950
also :Lilienthal, A. The Other Side of the Coin, New York, 1965
also : Masliyah, S, Zionism in Iraq, Middle Eastern stuedies, Vol. 25, No. 2, London, April, 1989
also :Rajwan., N, The Jews of Iraq, London,1985
([70]) مير بصري (رئيس الطائفة الموسوية في العراق سابقاً): يهود العراق ، مأخوذ من الموقع : http://www.almawsem.net/diwan01/yahood.htm
أنظر أيضاً : vol, 25. Masliyah, S., Zionism in Iraq, Middle Estern studies
أنظر أيضاًSchechman, On Wings of Eagles, pp331-332.
أنظر أيضاً :
Albert. Hourani,; Minorities in the Arab World, san Francesco,1990. p.102
Steven, E., Tigris and Euphrates,London.1961, pp.216
([71]) مير بصري ، مرجع سابق ذكره ، أنظر أيضاً : حسقيل قوجمان ، الجالية اليهودية في العراق سابقاً ، مأخوذ من الموقع : http://bahzani.net/C%20Ordner/c146.htm
أنظر أيضاً : 332- Schechman, On Wings of Eagles, pp. 331
([72]) نفس المرجع السابق، ص ص 28-32 ، انظر أيضاً قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراقي، مرجع سابق ذكره ص219 ، للمزيد أنظر : محمد جلاء إدريس، العراق والتعايش العربي اليهودي ، مأخوذ من الموقع :http://www.aljazeera.net/NR/exeres/D3DFF17C-E828-4A27-8184-0A5D8189DF4D.htm ، وحول تغلغل بعض العناصر الصهيونية والبريطانية من خارج العراق – إضافة لبعض عملاءها من اليهود العراقيين في الداخل - ، وقيامه ببعض الأعمال التخريبية ، مما أثار ضدهم الحكومة العراقية التي كان يرأسها توفيق السويدي : يمكن الرجوع إلى الموقع التالي : http://www.hamseyes.com/vb/showthread.php?t=2544
([73]) أمين سامي الغمراوي، مرجع سابق ذكره، ص104 ، للمزيد حول اليزيدية أنظر : خضر دوملي ، من هم الأيزيديون في عراق اليوم ؟، مأخوذ من الموقع : http://kaniya-sipi.de/arabic/far9.php
أنظر أيضاً :
Felipe,G . Crainbrok ,Yezidism-Its Background, Observances and Textual.pp33-70 Tradition: taufek .wehba ,The Yezidism are not Devil- Worshippers, London, 1962.pp 12-50 ،
([74])صديق الدملوجي، اليزيدية، الموصل، مطبعة الاتحاد ، 1941 ، ص ص4-19، انظر أيضاً : خليل جندي ، نحو معرفة حقيقة الديانة والأيزيدية، السويد، رابوون ، 1998، ص265، ص ص223-241
([75])نفس المرجع السابق ، ص ص20-50 ، للمزيد أنظر : نزار آغري ، الشيخ عدي والملك طاووس ، أوراق كردية ، العدد 1 ، 1/8/2002 ، أيضاً : خليل جندي : الشيخ آدي مجدد الديانة وليس مؤسسها والأيزيدية ليست طائفة إسلامية ، مأخوذ من الموقع : http://www.khaliljindy.com/ar-m2alat6.htm ، أنظر أيضاً : : صقر شنكالي ، الشيخ آدي بن مسافر...بين سندان الحقيقة ومطرقة الكتّاب، مجلة لالش/ دهوك، العدد17، كانون الثاني/2002
([76])نفس المرجع السابق ، ص ص50-70.
([77])نفس المرجع السابق ، ص ص49-72.
· أمراء اليزيدية لهم سحنات عربية تميزهم ، فالخصائص الأنثروبولوجية العربية واضحة فيهم ، وهذا دحض لبعض المزاعم التي يوردها البعض من أنه لا علاقة لليزيدية بالعرب ، أو بالمسلمين ، عبر تاريخهم الطويل (الباحث ) .
([78]) نفس المرجع السابق، ص ص 174 – 176 ، ص ص 398 – 177 ، للمزيد أنظر عزيز الحاج، مرجع سابق ذكره ، ص84 .
([79]) نفس المرجع السابق ص ص 728 – 506 ، أنظر أيضاً : قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره ، ص217 .
([80]) محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، مرجع سابق ذكره ص ص 108-201
([81]) نفس المرجع السابق ص 109-200
([82]) قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره ، ص225 ، ص ص 57 – 61
([83]) نظرة بالأرقام والأسماء إلى النسيج الاجتماعي للعراق ، 20/30/02003 ، مأخوذ من الموقع الالكتروني : http://www.amanjordan.org/arabic_news/wmview.php?ArtID=5841
([84]) شاكر خصاك، مرجع سابق ذكره، ص ص 492 - 493
([85]) قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 65-66 .
([86])فهمي كاكه يي ، من مشاهير كاكائية كركوك ، مأخوذ من الموقع :
http://bahzani.org/Maqalat%20ordner/M75.html
انظر أيضاً : إبراهيم داود الداود ، طائفة الكاكائية العلوية الصوفية ، مأخوذ من الموقع : http://www.mesopotamia4374.com/adad9/37.htm
· الحروفية طريقة صوفية تدعي الولاء لآل البيت عليه السلام ، لكنها تغلوا فيهمبشكل يمس جوهر العقيدة الدينية ، وقد تبرأ الإمام جعفر الصادق (رض ) منها ، ودعا لمقاومة أفكارها ومعتنقيها (الباحث ) .
([87])شاكر خصاك، مرجع سابق ذكره، ص 493، أنظر أيضاً، قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره ، ص ص 63-64 ، انظر أيضاً :
الكاكائيةُ، وحيرة المؤرخين في تقصي تاريخِها،ومعرفةِ أحوالِها الراهنة ،صحيفة المرصد ، مأخوذ من الموقع : http://arabic.tharwaproject.com/node/1027 ، أنظر أيضاً : الكـاكـائـية من فرق العراق ، مجلة الراصد ،العدد 54 / 2007 .
([88]) نفس المرجع السابق ، ص ص493 – 494 .
([89]) وليد دولة ، الشبك: والهوية الضائعة بين زمنين ، موسوعة صوت العراق، 17/7/2004 ،أنظر أيضاً قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص 64-65
([90]) نظرة بالأرقام والأسماء إلى النسيج الاجتماعي للعراق ، 20/30/02003 ، مرجع سابق ذكره ، للمزيد انظر : ادهام عبدالعزيز الولي ، الشبك: مزيج فريد لتلاقح الحضارات والتأثير المتبادل بين الشعوب، ،صحيفة الزمان ، العدد 1540 ص ص 4-5 .
([91]) نفس المرجع السابق، ص56 .
([92]) نفس المرجع السابق ص ص 56 – 57 ، أنظر أيضاً قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره ص ص 223 .
· لهم رقص خاص في إسبانيا يسمى الفلامنكو وهم يفتخرون بها بشكل كبير ، وهم أول من استخدم الثيران في المصارعة ، ورغم ادعاء بعض الإسبان أنهم من بقايا العرب ، إلا أن خصائصهم لا توحي بذلك على الإطلاق (الباحث ) .
([93] ) عبد الفتاح رواس قلعة جي، ، حلب القديمة والحديثة، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1989، ص333-386، للمزيد انظر : سامي كلاوي ، الغجر يحكمون العراق ، 6/8/2007 ، مأخوذ من الموقع : http://www.sotkurdistan.net/index.php?mod=article&cat=samiklawi&article=12801
أيضا ، غجر العراق في مواجهة الموت والابادة مَنْ المسؤول ؟6/1/2006 ، Kurdistan Regional Government ، مأخوذ من الموقع :
http://www.krg.org/articles/print.asp?anr=8551&lngnr=14&rnr=84
أيضاً :جمال جمعة ، أصل الغجر :نشر بتاريخ 6 سبتمبر 2006 ، مأخوذ من الموقع :
http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphWriter/2005/9/88606.htm
· أكثر ما يشاع عن سرقاتهم هو سرقة الأطفال ، وقد وجد بالفعل أنهم يتبنون اللقطاء أو أطفال الشوارع بغية الاستفادة منهم في المهن المختلفة في المستقبل لهم (الباحث ) .
·· هناك شائعة تظهر بين العوام من أن الغجر هم من أصول عربية من قبيلة بني مرة العربية ، التي اضطهدها الزير سالم انتقاماً لمقتل أخيه كليب على يد ابن رئيس تلك القبيلة وهو جساس ، وهذه الشائعة ليس لها أي مصدر للصحة ، لأن هؤلاء القوم مختلفين نهائياً بسحناتهم ، وأنثروبوليجيتهم ، و أخلاقهم ، ومبادئهم ، وعقائدهم الدينية ، عن العرب ، وخاصة في مجال صون العرض ، والكرم ، والنزعة الثورية ، وحب القتال والحرب والغزو ، وهذه الصفات لا تتوفر عند الغجر(الباحث) .
([94])علي النشمي ، الفلامانكو وأصل الغجر والكاولية ، مأخوذ من الموقع : http://www.alsabaah.com/paper.php?source=akbar&mlf=interpage&sid=6794
للمزيد انظر : الفقر والخوف يحكمان حياة الغجر في العراق : مأخوذ من الموقع : http://www.annabaa.org/nbanews/53/155.htm
أيضاً : 6/1/2005 ، عراقيات يرقصن في ليل دمشق : victor wardeh
مأخوذ من الموقع : http://www.zaidal.com/229/Syria_Homs/topic/1345-1.htm
أنظر أيضا :عدنان أحمد العباد ، الغجر... حين يرون أنفسهم سادة الأرض ، 14/5/2004، صحيفة الوفاق : السنة التاسعة ، العدد 2505 ، مأخوذ من الموقع : http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%BA%D8%AC%D8%B1
أيضا : سليم أبو جبل ،. فلسطين عام 1935، مأخوذ من الموقع :
http://www.banias.net/nuke/html/modules.php?name=News&file=article&sid=2746
أيضاً : عرفان شهيد ، الغجر في فلسطين - حضارة داثرة ، 14/4/ 2007، مأخوذ من الموقع :
http://www.aljabha.org/q/print.asp?f=-3385698419.htm
أيضاً : عدنان أبو زيد ، العراقيون والغجر أصدقاء الليل وأعداء النهار ، 20 ديسمبر 2006، مأخوذ من الموقع : http://www.elaph.com/ElaphWeb/Reports/2006/12/198784.htm
أيضاً : محمد ناجي ، الغجر:هويَّة ثقافية ، صحيفة الوفد ،8/1/2008 ،
([95]) قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص 69 – 70.
([96]) نفس المرجع السابق، ص ص 80-81 للمزيد انظر شاكر خصباك ، مرجع سابق ذكره، ص ص 169 – 174 ، ص 383 ، للمزيد أيضاً أنظر: Phillips ,Price Morgan, , A journey Through Azerbeijan and Persian Kurdistan 1885, p.19
([97]) نفس المرجع السابق، ص ص 81-85، أنظر أيضاً: شاكر خصباك، مرجع سابق ذكره ، ص ص 405- 4065
([98]) عبد الجليل الطاهر، العشائر العراقية، بغداد : مكتبة المشيخة ، 1972، ص ص 18-21 ص 37 – 44 للمزيد أنظر حنا بطاطو، العراق: الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية ، مرجع سابق ذكره ص ص31-32 ، ص ص 38-42 ، انظر أيضاً : زينب النعيمي ، وثائق: العشائر العراقية وعلاقتها بالدولة العثمانية ، صحيفة الجريدة ، 15/7/2006 .
([99]) نفس المرجع السابق ، ص ص37 – 38 ، أنظر أيضاً : علي الوردي ، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث ، ج 1، بغداد ، 1969 ، ص 18 .
([100]) ماهر عبد الله ، دور العشائر العراقية في صناعة مستقبل العراق ، برنامج قناة الجزيرة : عراق مابعد الحرب ، بتارخ 5/5/2003 ، أخذ من الموقع ، www.aljazeera.com .
([101])عبد الجليل الطاهر ، العشائر والسياسة ، بغداد ، 1958 ، ص6 .
([102]) Bunion, H.W. The Kurds, Journal of Royal, Central Asian society, No. 8, p.72, vol, xxxI, 1944.
([103]) قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص230.
([104]) قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص72-73 .
([105]) عبد الجليل الطاهر، مرجع سابق ذكره، ص36 .
([106])هاشم جواد ، مقدمة في كيان العراق الاجتماعي، جمعية الرابطة الثقافية ، 1946 ، ص28 ـ 29، انظر أيضاً : قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص 69-70 .
([107]) نفس المرجع السابق، ص ص 71- 72 .
([108]) حنا بطاطو، العراق: الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية، مرجع سابق ذكره، ص ص42-43
([109]) نفس المرجع السابق، ص ص38 ـ 42 ، انظر أيضاً : سيّار الجَميل، البنية العشائرية في العراق ، حرر في 29/12/2007، جادة حوار عراقي: مقاربات ومباعدات بيني وبين الأستاذ الدكتور كاظم حبيب، أخذ من الموقع : http://www.akhbaar.org/wesima_articles/democratic_studies-20071229-40428.html
· لقد قسم العراق إلى أقاليم عديدة كل منها كانت تدفع خراجاً للسلطة المركزية ، وقد ظهر هذا التقسيم بشكل أوضح في ظل حكم السلاجقة للعراق حيث بدت الأقاليم وكأنها دول ، انظر حول ذلك : رشيد الخيون
أقاليم العراق: لبغداد أكثر من الدعاء والخطبة، الشرق الأوسط ، العدد 10158، 20 سبتمبر 2006
([110]) قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص73 أنظر أيضاً، عز الدين دياب، التحليل السياسي لظاهرة الانقسام السياسي في الوطن العربي، مرجع سابق ذكره، ص 67 ـ ص52 .
([111]) حنا بطاطو، العراق، الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية، مرجع سابق ذكره، ص120 .
([112]) باسيل يوسف بجك وأخرون، استراتيجية التدمير: آلية الاحتلال الأمريكي للعراق ونتائجه، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2006، ص2 ، أنظر أيضاً : حنا بطاطو، العراق، مرجع سابق ذكره، ص120.
([113]) قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص73 ، للمزيد انظر : جرجس كوليزادة ، الأقاليم العراقية ، حرر بتاريخ 08/01/2008 ، وأخذ من الموقع :
http://www.iraqoftomorrow.org/wesima_articles/articles-20080108-51742.htm
([114]) شفيق عبد الرازق السامرائي، مرجع سابق ذكره، ص ص55-56
· كان يسمى العسكريون في الجيش العثماني باسم الفرسان أو السباهيين ، حيث كانت خدمتهم في الجيش مدى الحياة (الباحث ) .
([115]) نفس المرجع السابق ص58 .
([116]) يوسف الحكيم، سوريا والعهد العثماني، ط2، بيروت: دار النهار للنشر، 1980، ص ص83-84، للمزيد انظر : حنا بطاطو، العراق: الطبقات الاجتماعية، مرجع سابق ذكره : ص77 - 88
([117]) طلعت الشيباني ، بعض مشاكل العراق الاقتصادية ومعرفة اتجاهاتها التطورية ، بغداد، 1953 ، ص16، أنظر أيضاً :عزير الحاج، مرجع سابق ذكره، ص ص58- 70 .
([118]). Weliam Hay, two years in Kurdistan, London 1921, p.p. 65 - 64.
للمزيد أنظر، شاكر خصباك، مرجع سابق ذكره ، ص348 ، ص ص382 – 383 .أيضاً عبد الجليل الطاهر، مرجع سابق ذكره، ص ص 6-16 ص ص20-21 . ص38-42 ، أيضاً قاسم جميل قاسم: الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص 15- 116 .
([119]) قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي، حي العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص 116-117 للمزيد أنظر عبد الجليل الطاهر، العشائر العراقية، بغداد مكتبة المثنى 1972، ص42، أيضاً، نوري خليل ، الملكية والتطور الزراعي في العراق، بغداد: مطبعة العاني: 1964، ص5، أيضاً صالح يوسف عجينة، ضريبة الدخل في العراق من الوجهتين الفنية والاقتصادية، القاهرة: المطبعة العالمية، 1965، ص ص20-21، أيضاً: حنا بطاطو: العراق: الطبقات الاجتماعية ، والحركات الثورية، مرجع سابق ذكره، ص ص65-71 ، حمود الساعدي ، دراسات في عشائر العراق ، بغداد ، 1988 ، ص 7 .
([120])سلام كبه ، طريق الشعب ، 30/9/ 2007 .
([121]) قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص 116- 118، ص ص 122 ، 123 ، حول وضع الطبقة الدنيا في المجتمع العراقي، أنظر أيضاً، نفس المرجع المذكور، ص ص 254 – 255 .
([122])إبراهيم كبه ، الإقطاع في العراق ، بغداد ، 1957 ، ص 17.
([123])سيّار الجَميل، البنية العشائرية في العراق ، مرجع سابق ذكره .
([124]) نفس المرجع السابق، ص167 ، للمزيد حول الإصلاح الزراعي في العراق أنظر :
Doreen ,Warriner,. Land Reform and Development in the Middle East: A Study Egypt, Syria, and Iraq. London: Oxford. University Press for the Royal Institute of International. Affairs, 1962.pp.100-150.Also Look :
Martin E ,Adams,. "Lessons from Agrarian Reform in Iraq," Land Reform [Rome], No. 1, 1972,pp. 56-64.
([125]) قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص139-140 للمزيد أنظر، حنا بطاطو، العراق: الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية، مرجع سابق ذكره ص ص330 ص 387.
([126]) مصطفى محمد غريب ، الطبقة العاملة العراقية وحركتها النقابية تاريخ ونضالات وآفاق مستقبلية ، الحوار المتمدن، العدد: 484 ، 11/5/2003 .
([127])قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص: 140-142.
([128]). Langley. M. Kathleen,. The Industrialization of Iraq. Harvard Middle Eastern Monograph Series, V). Cambridge: Harvard University Press, 1967.pp.30-50.
([129])مصطفى محمد غريب ، مرجع سابق ذكره ، 11/5/2003 .
([130]) op.cit.pp.35-70, . Kathleen. M. Langley
([131]) Ibid.pp.50-60.
· كان أهم الذين أعدموا هو زعيم الحزب الشيوعي العراقي يوسف سليمان يوسف ، حيث اتهم بالعمالة لصالح الصهيونية (الباحث).
([132])Ibid.pp.70-75. ، للمزيد أنظر : سيار الجميل : البنية العشائرية في العراق ، 01/01/2008
مأخوذ من الموقع ، www.aljeeran.net
· حيث ازداد إنتاج النفط في العراق منذ ذلك الوقت بشكل كبير،ومنذ ذلك الوقت والاقتصاد العراقي يعتمد اعتماداً شديداً على النفط ، فاقتصاده نفطي في المقام الأول، لكنه ليس المورد الوحيد في العراق ، وهو من الدول المؤسسة لمنظمة الأوبك وقد بدأت صناعته منذ عام 1925 ، وبدأ الإنتاج في حقل كركوك بعد عامين من ذلك التاريخ ، وتوالي في الحقول الأخرى ، وقبل التأميم اتبعت شركات الامتياز النفطي العاملة سياسة معاقبة العراق بالحد من إنتاجه والتقليل من حصته في الأسواق العالمية خاصة بعد ثورة 14 تموز 1958 وسن قانون رقم 80 لعام 1961 والمعروف بقانون الاستثمار المباشر أنظر حول ذلك : قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص: 232-233، ص ص: 255-256.
([134]) مصطفى محمد غريب ،مرجع سابق ذكره .
([135]) نفس المرجع السابق، ص144.
([136]) خلدون حسن النقيب، الدولة التسلطية في المشرق العربي المعاصر، ط3، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1996، ص ص: 105-106.
([137]) نفس المرجع السابق، ص ص: 254-255.
([138]) نفس المرجع السابق، ص144.
([139])Rony ,Gabbay,. Communism and Agrarian Reform in Iraq. London: Croom Helm, 1978.pp.30-180. ، انظر أيضاً : خلدون حسن النقيب، الدولة التسلطية في المشرق العربي المعاصر، مرجع سابق ذكره، ص197.
([140]) parties , Northumberland, Press : Great Pritch , pp.3-4 James, Jupp. ,Political
([141]) شفيق عبد الرزاق السامرائي ، مرجع ساق ذكره ، ص ص 83-85 .
([142]) نفس المرجع السابق، ص ص84-89 ، للمزيد حول أحزاب ما قبل الحرب العالمية الثانية ، أنظر قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، ص ص 3-13 ، ص ص28-31 .
([143]) فرهاد إبراهيم، الطائفة والسياسة في العالم العربي: نموذج الشيعة في العراق، القاهرة: مكتبة مدبولي، 1996 ، ص125.
([144]) قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص 3-13 .
([145]) نفس المرجع السابق، ص ص 16-19 .
([146]) قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص217 – 225.
([147]) قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص17-19.
([148]) قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره ، ص20 .
([149]) فرهاد إبراهيم، مرجع سابق ذكره، ص ص 190 – 191 .
([150]) قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص 23-28 .
([151]) قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص211 – 214 للمزيد أنظر : أمين سامي الغمراوي، مرجع سابق ذكره ص ص 193 – 208 .
([152]) نفس المرجع السابق، ص ص 214 – 215 .
([153]) أمين سامي الغمراوي، مرجع سابق ذكره، ص ص 212 – 250 .
([154]) قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص230 .
([155]) نفس المرجع السابق، ص225 .
([156]) عزيز الحاج، مرجع سابق ذكره، ص 43، ص108 .
([157]) نفس المرجع السابق، ص43 - 108 .
([158]) سعد البزاز، مرجع سابق ذكره، ص26.
([159]) باسيل يوسف بجك وآخرون، استراتيجية التدمير: آلية الاحتلال الأمريكي للعراق ونتائجه، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2005 ، ص59، للمزيد، حول الحقوق التي أعطيت للأكراد في العراق، أنظر قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص 208 - 209 .
([160]) محمد طالب هلال، دراسة عن محافظة الجزيرة، من النواحي القومية والاجتماعية والسياسية (وثيقة)، (بيروت: دار كاد النشر والتوزيع، 2001) ، ص96 .
([161]) نفس المرجع السابق، ص99 .
([162]) نفس المرجع السابق، ص102 .
([163]) نفس المرجع السابق، ص106 .
([164]) نفس المرجع السابق، ص245 .
([165]) محمد طلب هلال، مرجع سابق ذكره، ص ص 32-33.
([166]) أمين سامي الغمراوي، مرجع سابق ذكره، ص ص 253 – 278 .
([167])Michael, E,Brown,. The Nationalization of the Iraqi Petroleum Company
International Journal of Middle East Studies, 10, No. 1, February 1979,pp. 107-24.
أنظر أيضاً : قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص246 – 247، ص ص 205 – 208 ، ص ص 240 – 241 .
([168]) حازم جواد، صحيفة الحياة، 11/2/2004.
([169]) نفس المرجع السابق، ص 247 .
([170]) نفس المرجع السابق، ص ص 33 – 34 .
([171]) محمد جعفر فاضل الحيالي، العلاقات بين سوريا والعراق (1945 - 1958) ، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2001، ص ص 135 – 136 .
([172]( Vladimir, Lenin, Marx, English, Marxism, Moscow, 1951, pp. 274 – 280.
([173])Vladimir. Lenin, collected works, Moscow, 1963, pp. 403 – 408.
اتسَّم العراق عبر تاريخه الطويل الممتد إلى مهد الحضارات العالمية التي نشأت في بلاد الرافدين، بالتمايز العرقي ، والديني ، والعشائري، نتيجة قيام حضارات عديدة فيه، وانتشار المجموعة البشرية التي كان لها دور كبير في هذه الحضارات في مناطق محددة من العراق.
وقد بلغ عدد سكان العراق ما يقارب 27مليون نسمة، حوالي 40% منهم تحت عمر 15 سنة، ويسكن معظمهم في وسط البلاد، وأكبر مدن العراق هي بغداد ؛ التي يلغ عدد سكانها حوالي ستة ملايين نسمة ، ثم تليها البصرة ، ثم الموصل، ويتحدث العربية أكثر من80% من العراقيين، ويتميز العراق مثل باقي دول المشرق العربي بتنوع عرقي وطائفي ويشكل العرب الغالبية العظمى فيه عرقية و الأكراد الذين كانوا يشكلون بعد الحرب العالمية الثانية نحو 19% من مجموع السكان، يضاف لهم مجموعات صغيرة من التركمان إضافة للمسيحيين : الآشوريين والكلدانيين والأرمن، وكان اليهود في العراق يشكلون نحو 2.6% بعد الحرب العالمية الثانية لكن هجرتهم المتزايدة والقسرية أحيانا بعد حرب 1948 ؛ قلص عددهم إلى بضعة آلاف فقط ، أما عن الطوائف والديانات فينقسم العرب المسلمون ما بين شيعة وسنة،والأكراد غالبيتهم من أتباع المذهب السني، إضافة لحوالي 5% من المسيحيين وأخيراً اليزيدية والشبك والصابئة المندائيين والعلى الهي والكولية .
ولعل أهم الأشياء التي ساهمت في وجود هذه المجموعات العرقية والدينية في العراق هي:
1- قرب العراق من مهد الديانات الرئيسية سواء اليهودية ، أو المسيحية ، أو الإسلام، وكانت الكوفة عاصمة خلافه الإمام علي، ومركزاً لمناصريه كما أصبحت بغداد في العصر العباسي مركزاً للخلافة معظم تلك الفترة، إضافة لسامراء التي أصبحت عاصمة أيضاً في عهد الخليفة المتوكل، ومما تجدر الإشارة إليه ، أنه في بغداد قد نشأت معظم المدارس الدينية الكبرى، والتي انقسم أبنائها إلى مذاهب متعددة.
2- يعتبر الهلال الخصيب معرضاً دوماً لغزوات مجموعات سكانية متعددة ، فقد هاجر إليه الكثير من الأقوام، مثل: الأكراد، والمغول، والتركمان، والأتراك، والفرس، وغيرهم من الأقوام؛ بسبب توسع بعض الأقوام من خلال الفتوحات إلى العراق، كما حدث في عهد الدولة الساسانية الفارسية، أو عهد الدولة الصفوية، أو العثمانية في الأناضول، أو بسبب رغبة تلك الأقوام في العيش في مناطق خاصة بها في العراق، مثل الأكراد.
3- كان الهلال الخصيب ملجأاً للمضطهدين سياسياً، ودينياً من الأقاليم المجاورة، مثل الصابئة، والأرمن، والأشوريين.
4- كانت بعض الاختلافات العشائرية، والقومية، ذات طابع ديني في العراق ؛ مما خلق مجموعات سياسية دينية، مثل اليزيديين، والأشوريين، والصائبة، والعلى اللهية .
5- حافظت بعض الأقليات على تمايزها، من خلال وجودها في إقليم جغرافي محدد، مثل: النساطرة، والكلدان، والأكراد، واليزيديون، والصائبة، والكاكائيون، وغيرها.
6- عدم وجود سلطة مركزية قوية، إضافة إلى ضعف إمكانيات الاتصال مع هذه المناطق، مما جعلها تتمايز عن غيرها من الأقاليم، السهلية الأخرى، التي تستوطنها الغالبية من السكان.
7- التسامح الديني، والعرقي، لدى المسلمين على الدوام، تجاه الأديان ، والأعراق الأخرى، وهذا ما أكد عليه كثير من الباحثين الغربيين.
8- العزلة الطبيعية التي تعيش فيها بعض الجماعات؛ بسبب صعوبة المواصلات، واختلاف تضاريس العراق الجغرافية.
9- عدم اهتمام الأنظمة والدول التي حكمت العراق، بمعالجة موضوع الأقليات معالجة علمية سليمة؛ بسبب غياب فلسفة تربوية واضحة في نظام التعليم، الذي لم يساير برامج التعليم الحديثة ؛ بما يحقق حاجات المجتمع، ويبرز واقعة([1]).
10- اختلاط الطابع الديني بالطابع القومي لبعض الفئات في العراق.
هذه الأسباب كانت كافية لوجود هذا التنوع العرقي ، والديني، والطائفي والمذهبي، والعشائري، والإقليمي، والطبقي، والحزبي، في العراق، وبناءاً على ذلك سيقسم هذا المبحث إلى عدة مطالب هي:
· المطلب الأول: سيتناول التمايز العرقي الإثني في العراق.
· المطلب الثاني: سيتناول التمايز الديني ، والطائفي ، والمذهبي في العراق.
· المطلب الثالث: سيتناول التمايز الحضري بين الريف والمدينة والتمايز الإقليمي، والتمايز العشائري.
· المطلب الرابع: سيتناول التمايز الطبقي ، والحزبي في العراق.
وحيث أن هذه التمايزات مرتبطة ببعضها البعض بشكل كبير، لذلك فستكون الدراسة فيها نوع من التعقيد والصعوبة، لامتزاج أكثر من عامل مع عوامل أخرى ، فقد يرتبط الفرد بدين معين، ومذهب معين، إضافة لانتمائه لعشيرة معينة ، أو إقليم معين ، أو طبقة معينة ، أو حزب معين، لذلك فقد رأت الدراسة التركيز على تمايز معين للأفراد في كل حالة، مع التنويه لارتباط هذا التمايز بتمايز آخر في نفس السياق، والتركيز على التمايز الآخر في موضع أخر، مع التنويه إلى ارتباطه بالتمايز الأول، بشكل مبسط ، وكل ذلك توخياً لسهولة التحليل العلمي لكل عامل.
المطلب الأول
التمايز العرقي –الإثني- في العراق
التمايز العرقي –الإثني- هو: تمايز الأفراد في الخصائص الانثروبولوجية والجينية عند الأفراد الآخرين، من نفس المجتمع، أو بالنسبة لمجتمعات أخرى، وبما أن المجتمع العراقي يحتوي مجموعات عرقية عديدة، إلا أن هذا لا يعني أنه لم يحصل تمازج بين أفراد المجموعات المختلفة عرقياً، فليس هناك عرق صاف في العالم، وهذا ما أثبته وأكده علماء الانثربولوجيا، بيد أن عملية الدمج العرقي هي مسألة نسبية، رغم أن هذا لم يمنع احتفاظ بعض هذه الأعراق بقدر من التمايز مع الآخرين، وهذا ما حدث بالفعل في محل الدراسة وهو العراق.
وأهم المجموعات العرقية في العراق هي ·:
(1) العرب
قوم ساميون، هاجروا هجرات متعاقبة، على بقاع الهلال الخصيب، وعاشوا مع سكان تلك المنطقة ، الذين كانوا يعيشون حياة لا حضرية، وامتزجوا بهؤلاء السكان، فظهر منهم السومريون ، والأكاديون، الذين كانوا أولى المجموعات السامية المهاجرة إلى العراق منذ (4500) ق.م، ثم قامت هجرة سامية أخرى هي الأموريون الذين هاجروا إلى بلاد الرافدين ، والشام ، وكونوا سلالة بابل الأولى، التي اشتهرت بملكها حمورابي ، وفي نفس تلك الفترة استوطن قسماً من القبائل الآرامية، وعرفوا باسم الكلدانيين، كما استوطن قسماً من العرب في عهد الدولة الفارسية التي كانت آنئذ تحتل العراق، وعرفوا باسم اللخميون ، أو المناذرة، كما استوطن قسماً من العمالقة الساميون في العراق، وأنشؤوا دولتهم في عام 2500ق.م. وكان منهم الهكسوس الذين حكموا مصر في عام 2300 ق.م، كما دخل العاديون ، والقحطانيون ، والتابعية، واستقروا في العراق، وقد تهَّود قسماً منهم، كما تنصَّر آخرون، وذلك قبل الفتح العربي الإسلامي للعراق([2]).
ثم جاءت بعد ذلك الهجرة العربية السامية الكبرى عام 633م، حيث أدخلت معها الإسلام للعراق، وقد استمر العرب فيها حتى سقوط بغداد على يد المغول عام 1258، فتوقفت الهجرات العربية إلى العراق ردحاً من الزمن ، لكن في العهد العثماني، خلال فترة حكم داود باشا للعراق في القرن التاسع عشر، حدثت هجرة عربية جديدة ، وكانت تلك الهجرة لسببين: أولاهما اقتصادي، والآخر سياسي، حيث كان بسبب اضطهاد الحركة الوهابية لهم لعدم تقبلهم مذهبها الجديد، وقد شجع العثمانيون هذه الهجرة، بقصد صد الحركة الوهابية عن العراق، وليكونوا حاجزاً عن الصفويين في إيران من ناحية الشرق([3]).
وقد كان العراق منذ خلافة الإمام على (كرم الله وجهه) ؛ مركزاً للخلاف بين المواليين له، وبين الرافضين لبيعته من الأمويين ، ومؤيديهم، وقد اشتد هذا الخلاف في العهد العباسي بين العلويين الهاشميين وبين العباسيين الهاشميين، ؛ بسبب التنافس على السلطة، وعلى هذا الأساس كان العراق مركزاً للثورات الشيعية المتلاحقة، بين العرب أنفسهم ؛ بسبب اختلافاتهم الأيديولوجية ، والعقائدية.
فقد حكم العراق من كلا الطرفين الشيعة، والسنة، فعندما يكون الحكم شيعياً كما في دولة البويهيين، والصفويين، يكون السنة في حالة اضطهاد، ويحدث العكس عندما يكون الحكم سنياً، كما في دولتي السلاجقة، والعثمانيين ، لكن هذه الدول لا تمثل الشخصية العربية ، وبالتالي لا تعبر عن واقع الشخصية العربية والإسلامية الصحيحة ، فقد كان هناك تسامح بين هاذين المذهبين في العصر العباسي الذهبي ، قبل أن يتدخل السلاجقة ، ومن بعدهم البويهيون في حكم الدولة العباسية ، كما كان هناك تسامح ديني في عهد دولة الحمدانيون الشيعية التي ظهرت خلال العصر العباسي الثاني ، والتي شملت أرجاء كبيرة من العراق ، وسوريا .
وقد اجتمع العرب السنة تحت تسمية واحدة بغض النظر عن اختلافاتهم المذهبية الفرعية: حنابلة، شافعية، حنفية، مالكية، وسموا باسم السنة، أما الشيعة فرغم اختلافهم أيضاً، إلا أنهم اجتمعوا تحت راية الشيعة الاثنى عشرية، وعلى هذا الأساس كان انعزال السنة عن الشيعة في أقاليم العراق المختلفة.
ويتسم العرب من الناحية الانثروبولوجية، باستطالة الرأس، واستقامة الأذن وسمرة البشرة (حنطي)، وسواد العينين، والقامة المتوسطة، ويتسمون بالذكاء، وسرعة الانفعال، والكرم، والدهاء، وهم حضر ، وبدو ، وشبه رحل، وينقسمون إلى قبائل وعشائر، تميزهم عن بعضهم البعض([4]).
وقد كان لهم أكثر من حقبة في التاريخ حيث كونوا خلالها، دولاً كبرى ضمت بين جناحيها قوميات ، وأقوام عديدة، وتجسد ذلك في مراحل تاريخها العريق، وخاصة في مراحل النهضة والتقدم، فإن مستوى الامتزاج الحضاري بين العرب ، والقوميات الأخرى التي ضمتهم الدول العربية كان واسعاً ، وعميقاً، بدون أن تفقد الأمة العربية شخصيتها ، وأصالتها القومية، في جميع عهودها، سواء في ظل قوتها، أو في ظل عهود الانحطاط، عندما تحللت الدولة العربية وسيطرت قوى أجنبية على الوطن العربي ، فبقيت أهم خصائصها أنها تنتمي إلى أمة عريقة الجذور في التاريخ الإنساني([5]).
وأهم مميزات الشعب العربي في العراق هي:
1- عدم اجتماعهم على تقبل شكل من أشكال السلطة ، أو القيادة؛ بسبب الاختلاف على السلطة بين السنة ، والشيعة·، حيث ترى كل واحدة أحقيتها بالسلطة، لذلك انعزلت كل منهما عن الأخرى في مناطق خاصة بها، حتى أن العاصمة بغداد انقسمت إلى أحياء شيعية ، وأخرى سنية.
2- العصبية العشائرية ، والقومية ؛ بسبب اعتدادهم بأمجاد الأمة العربية الغابرة، حيث كانت بغداد مركز الدولة العباسية، وحاضرة العالم بأسره.
3- اختلاف مطالبهم وحاجاتهم، نتيجة اختلاف آراءهم ، وثقافاتهم في المجال السياسي ، أو الديني.
4- ميلهم إلى الوحدة العربية مع الدول العربية المجاورة ؛ بسبب وجود قوتين كبيرتين محاذيتين للعراق، هما إيران ، وتركيا، وما يشكله الترابط العشائري والتاريخي لهم مع هذه الدول وخاصة سوريا ، والأردن.
5- ميلهم إلى السلطة ؛ بسبب عشائرية المجتمع العراقي، حيث أن العشائرية تتصف بميلها إلى السلطة السياسية، مع ميلها لبروز زعيم تتفق عليه العشائر.
6- ميولهم الدينية، بسبب تاريخ العراق كمركز للخلافة العباسية، ووجود أئمة الفقه الإسلامي والمذهبي مثل، الإمام جعفر الصادق (رضي الله عنه)، والأئمة السنة مثل: أبي حنيفة النعمان، وأحمد بن حنبل (رضي الله عنهما)، ووجود المراقد المقدسة، للسنة والشيعة على حد سواء، لكن امتياز الشيعة بخاصية الاهتمام الكبير بزيارة هذه المراقد - مراقد أهل البيت- ( عليهم السلام )، قد جعل عندهم نزعة متعصبة تجاه مذهبهم ؛ إضافة إلى ظهور الفرق ، والحركات الإسلامية السياسية مثل الخوارج ، والمعتزلة ، والصوفية، وهذا ما ساهم في انضمام الكثير من العراقيين إلى الحركات السرية ضد الحكم العثماني منذ عام 1909.
7- ميلهم إلى المغامرة، والتمجيد بالأجداد؛ بسبب اختلاطهم بالأعاجم من غير العرب، مثل الفرس والترك وغيرهم.
ويشكل العرب نسبة تقترب من الـ70% من مجموع سكان العراق، ويتوزعون في معظم أرجاء العراق، إلا أن نسبتهم في شمال العراق أقل من نسبة الأكراد، ويتوزعون إلى أكثرية سنية في الوسط العراقي، وأكثرية شيعية في الجنوب العراقي، أما بغداد فتكاد تكون النسبة فيها متساوية بين الاثنين سواءاً السنة أم الشيعة.
الجماعة الإثنية
نسبتها إلى مجموع السكان
مكان تمركزها في العراق
العرب
70%
شمال غرب ووسط وجنوب العراق
الأكراد
20%
شمال غرب العراق
التركمان
4%
شمال غرب العراق
الفرس
3%
وسط وشمال العراق
الأشوريون
أقل من 1%
شمال غرب العراق
الكلدان ، والنساطرة
أقل من 1%
شمال غرب العراق
الأرمن
أقل من 1%
وسط وشمال العراق
المجموع
100%
جدول رقم (1-1) يوضح الأعراق الإثنية في العراق ، وقد صمم الباحث هذا الجدول بناءاً على المراجع المتوفرة في الدراسة
2- الأكراد
اُختلف حول أصولهم، وما هي العصور التي جاءوا بها للعراق، لكنهم وجدوا في العراق منذ ما قبل الفتح الإسلامي له، وكان لهم دور كبير في فترة الحكم الإسلامي ، بما امتازوا به من علم ، ومعرفة ، وثقافة، وخاصة في أيام الدولة الأيوبية التي قامت في مصر ، والشام وشملت معظم أرجاء العراق، وقد استقر بعضهم في إيران، وآخرون منهم في الأناضول وشمال سوريا، ومعظمهم سكن القرى، ولهم ثقافة خاصة بهم، إضافة إلى عادات ، وتقاليد موروثة، وقد أخلصوا للدين الإسلامي منذ دخولهم فيه، وهذا ما يفسر وجود كثير من مؤسسي الطرق الصوفية من الأكراد، ورجال الدين ، والعلماء([6]).
ويرى بعض الباحثين أن أصولهم عربية، لكن رأى آخرون أنهم من أصول أرية فارسية، رغم أن لهجاتهم بعيدة جداً عن اللغة الفارسية، أما ادعاءهم أنهم من أصول عربية؛ فبسبب انتساب الكثير منهم إلى أحد أجداد العرب وهو ربيعة بن نزار بن بكر بن وائل، حيث تفرقوا في بلاد كثيرة ؛ بسبب الحرب التي كانت بينهم وبين قبائل عربية أخرى، وامتزجوا بعد ذلك بأهل تلك البلدان، وانتهت لغتهم العربية، وأصبحت لهم لغة خاصة بهم، وهذا الرأي أكده كل من المسعودي وابن الشمنة([7]).
بيد أن بعض القوميين من الدول التي يتواجد فيها أكراد، رأى أنهم ينتمون إليهم مثل الأتراك الذين رأوهم أتراكاً ، وعلى هذا الأساس سماهم مصطفى كمال أتاتورك، أتراك الجبل، بينما رأى ميشيل عفلق أنهم من أصول عربية، وقد نسوا لغتهم بسبب الاستعمار الذي مرَّ على الوطن العربي في كافة مراحله، كما رأى أنهم من ذرية كثير من العرب الفاتحين أمثال خالد بن الوليد ، ومعاذ بن جبل، ، والعباس بن عبد المطلب ، وبني أمية، أو من أولاد كردين عمر مزيفيا، والدليل على ذلك أن الكثير من القبائل الكردية تدعي انتسابها لهولاء، كما أن الكثير من رؤساء العشائر الكردية يتباهون بانتسابهم ، لأحد الصحابة ، أو أحد أئمة أهل البيت([8]).
وقد رأى آخرون أن الأكراد من قوم النبي نوح عليه السلام، الذين دخلوا السفينة وخرجوا منها ، ثم عاشوا منفردين بعد ذلك، وهم ينتسبون إلى كردين بن مردين بن يافت بن نوح، أو إيران بن ارم بن سام بن نوح، أو إلى كردين بن كنعان بن كوش بن حام بن نوح([9]).
إلا أن الباحث مازن بلال يرى ؛ أنهم قد تمازجوا مع كافة الشعوب القديمة والأصول السلالية إبتداءاً من القوتين وحتى الآن، وأنهم وجدوا ضمن البيئة السورية التي تشكل الهلال الخصيب بكامله، فهم جزء من الشعب السوري مثلهم مثل الأشوريين ، والفينيقيين ، والآراميين، لكنهم ظهروا بشكل أوضح ؛ بسبب ما تعرضوا به للإرهاب من العناصر الأخرى خارج بيئة الهلال الخصب السورية، وخاصة من قبل الأتراك، والدليل على ذلك أن منطقة الهلال الخصب السورية كانت على الدوام وحدة إدارية تامة، وهذا ما اعتبتره الإمبراطوريات الرومانية والإغريقية -خلال حكمها للمنطقة - لأن له نسيج جغرافي واحد، وما يسمى بكردستان ، وهذه المنطقة ذات الأكثرية الكردية في كل من سوريا ، والعراق ، وإيران ، وتركيا، هي جزء من سوريا الطبيعية، وأن كردستان لا يمكن أن تشكل بيئة مستقلة بحد ذاتها سواءاً من حيث الحدود الجغرافية الواضحة، أو من حيث الإمكانيات الاقتصادية ، والتركيب البشري([10]).
لكن يرى بعض الأكراد أنهم من أصول أرية، والسبب في ذلك ربما يكون بسبب ما كان لهذا العرق من دعاية متطرفة قبيل الحرب العالمية الثانية، حيث يدعي البعض أنهم أتوا من مناطق العرق الآري، مثلهم مثل الجورجيين، منذ ما قبل التاريخ، واستطاعوا إذابة شعوب المنطقة الأصليين بفعل اندماجهم معهم، وأنهم حافظوا على استقلالهم، في ظل الدول التي حكمتهم، ويستدلون على ذلك أنهم كانوا قبل الإسلام يعتنقون الزرادشتية، التي لم تنتشر إلا بين الأجناس الآرية، وهم الفرس والأكراد، إلى أن انتشر الدين الإسلامي في مناطقهم على يد خالد بن الوليد وعياض بن غنم، إلا أن هذا الرأي فيه الكثير من الضعف؛ بسبب اختلاف السحنات بين الأكراد، إضافة إلى اختلاف لغة الأكراد عن بعضهم البعض، أما عن عامل الدين، فإن الأسبان ، والبرتغاليين قد اعتنقوا الدين الإسلامي خلال فترة الحكم العربي في الأندلس، لكن تنصروا بعد سقوط غرناطة، كما تنصر الكثير من العرب هناك، بعد محاكم التفتيش الاسبانية، كما أن الكثير من الساميين العرب في أريتريا، وأثيوبيا قد تنصروا ؛ بسبب ما لاقوا من اضطهاد ديني على يد النظام الأثيوبي خلال فترة حكم الإمبراطور هيلاسيلاسي، كما أن الكثير من الأكراد يفندون هذا الرأي فيرون أنهم من الجنس القوقازي (قفقاسيا)، وتاريخهم يبدأ مع ظهور السومريين ، والأكاديين، كما يرى آخرين من الأكراد أنهم كانوا آريين، إلا أنهم اختلطوا مع أكراد الولو، والكوتي، الذين حكموا بلاد الرافدين بعد السومريون، كما رأى آخرون أنهم من شعب الكردوخ، الذين جاءوا من زاجروس وحكموا إيران ، وبلاد الرافدين، ورأى آخرون أنه سورياريون كانوا في بلاد عيلام قرب أضة في شمال سوريا، كما يرى أحد الباحثين الأكراد وهو أحمد تاج الدين، أن كل القوميات التي ذكرها الأكراد عن أصولهم هم فرع من الأكراد الآريين الذين أتوا من جبال زاجروس، الممتدة من كرمنشاه وهمدان شرقاً إلى شمال سوريا ، وجبال طوروس في الأناضول غرباً، ومن جنوب بحر الخزر شمالاً، حتى حوض نهر الزاب الأكبر جنوباً، وأن أصولهم ترجع إلى 500 ق.م، إلا أن هذا الباحث لا يستطيع أن يفسر لنا الاختلاف اللغوي والانثروبولوجي ، والإقليمي للأكراد، حيث ينتشرون في مناطق قد تتكون من أكثريات ليست كردية، ولماذا لم توجد حدود سياسية ، أو قومية تجمع سكانها، وأن لفظ كلمة كردستان هو لفظ ليس ببعيد زمنياً، فقد أطلقة أحد ملوك السلاجقة، على إحدى مقاطعات مملكته في القرن الثاني عشر الميلادي، كما لم تعرف حتى الآن فترة دخولهم لإيران([11]).
ويرى عباس العزاوي ؛ أنهم شعب مستقل عن الشعوب الأخرى ، ومتأثر بالمجاورين له من العرب ، والإيرانيين والأتراك وغيرهم. وقد اختلطوا بهم، وصاروا لا يفترقون عنهم، إلا أنهم حافظوا على أنسابهم([12])، ويعتبر هذا الرأي أقرب للصحة، لأن الرأي القائل بأنهم من أصول تنتمي إلى قومية حاكمة في دولة ما، أو أنهم ينتمون إلى قومية ادعت تفوقها في فترة زمنية معينة، ما هو إلا نزعة شوفينية لتلك القومية الحاكمة، يراد بها دمجهم تحت بوتقتها ؛ لحل مشكلة الأقليات العرقية فيها، ويقترب هذا الرأي من رأي مازن بلال الذي يرى أنهم مثل غيرهم من شعوب الهلال الخصب، الذين اندمجوا معه، لكن انعزالهم قد أبعدهم عن التواصل الحضاري مع أقرانهم، رغم أنهم كانوا حكاماً للمنطقة في فترة زمنية معينة في أيام حكم الدولة الأيوبية.
وتعتبر كردستان هي موطن الأكراد، وهي تمتد حسب رأي أحمد تاج الدين من بحيرة أورمية في أقصى الشمال الشرقي ، إلى ملاطية بتركيا في الجنوب الغربي بطول يصل إلى 900 كم، وعرض 200 كم، وتتسم هذه المنطقة بمناعتها الجبلية، مع وجود بعض السهول ، والهضاب، وتشتهر بالزراعة، أما سكانها فيقسمون إلى أربعة فئات هي([13]).
1- الكرمانج.
2- الكوران.
3- اللور.
4- الكلهر.
ويصل عددهم إلى حوالي سبع وعشرين مليون نسمة ـ احصاءيتهم في نهاية عقد التسعينات ـ ويعيشون في تركيا ، والعراق ، وإيران ، وسوريا ، وبعض مناطق الجمهوريات السوفياتية السابقة ، ونسبتهم إلى عدد السكان في هذه المناطق حسب رأي ناجي أبي عادوا وميشيل جريتون، تصل إلى 20% في العراق، و17% في تركيا، 7% في إيران و4% في سوريا، و1% في لبنان([14])، ورغم ذلك فقد اختلف الباحثون حول معالم الوطن الكردي([15])؛ بسبب أنه لم يؤكد علماء التاريخ عن قيام دولة كردية معينة·، بل إمارات متناثرة خضعت لدول أخرى من فرس ، وترك ، وعرب، وقد شجعهم القياصرة الروس ومن بعدهم البلشفيك على الهجرة إلى شمال العراق، لتزيد نسبتهم هناك، ولتقل من المناطق السوفياتية، بهدف التخلص منهم أولاً، ورغبتهم في الوصول إلى المياه الدافئة حيث منابع الطاقة في منطقة الخليج، ورغم كل ذلك يستمر ادعاء الأكراد أنهم يشتركون مع بعضهم البعض في ثقافة واحدة ، وأن لهم أعرافاً وتقاليداً واحدة مشتركة ، رغم وجود الكثير من التمايزات التي تميزهم عن بعضهم البعض، لكنهم يرون أن اختلاف لهجاتهم -بحيث لا تكون معروفة بينهم-هو بسبب تباعد مناطقهم، وأن لهم لغة مشتركة يحرصون أن تكون اللغة التي تجمعهم وهي اللغة الكردية التي يتكلم بها أهل السليمانية، التي يعتبرونها إحدى اللغات الهندو أوربية المستقلة عن الفارسية، وتكتب اللغة العربية([16])، بالرغم من أن الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق قد رأى أن تكتب اللغة الكردية باللغة اللاتينية.
فعملياً للغة الكردية لهجتين شمالية ، وجنوبية، أما الشمالية، فيتحدث بها أكراد أرمينيا ، وتركيا ، وسوريا ، وأكراد الموصل ، ودهوك في العراق، أما الجنوبية فيتكلمها السورانيون من أهل أربيل، والبابانيون، وأهل السليمانية، وكركوك، وأكراد إيران، ويصعب التفاهم بين الناطقين بين هاتين اللهجتين، كما توجد اللهجة الكورانية في شمال سوريا، وبعض مناطق إيران، وتشكل هذه اللهجات لغات بحد ذاتها نظراً للاختلاف الكبير بينها، وعدم قدرة المتكلمين بإحداها من التفاهم مع الآخرين من اللغات الأخرى([17]).
وحوالي90% من نسبة الأكراد يدينون بالإسلام، أما الآخرون فيدينون بالمسيحية مثلهم مثل : النساطرة ، اليعاقبة ، والروم الكاثوليك، والأرمن الأرثوذكسي، كما أن قسماً منهم يدين، باليزيدية، والكلاكائية، والشبكية، والعلى اللهية، وهي ديانات سنتحدث عنها في إطار دراستنا للتمايز الديني ، والطائفي ، والمذهبي في العراق، أما المذهب الإسلامي الذي يدين به الأكراد فهو المذهب الشافعي في معظمهم، إلا أن هناك عشائر في العراق تدين بالمذهب الشيعي مثل قبيلة (الفيليين) ، لكن تسود معظم العشائر الكردية، الطرق الصوفية، خاصة القادرية ، والنقشندية([18]).
ويتركزون في العراق في مناطق السليمانية ، وأربيل ، وكركوك ، والموصل، وخانقين، وبعض مناطق ديالي·، وتتخلل هذه المناطق كثير من العشائر والقبائل العربية، كقبيلة طئ في أربيل، أما كركوك فنصف سكانها من الأكراد أكثرهم من المهاجرين إليها منذ عام 1958· ، كما أن الأكراد ينتشرون في مناطق خارج المناطق التي يتكاثفون فيها، مثل: العمارة ، والكوت، وبغداد، والبصرة، وغيرها من المدن العراقية([19])، وتقدر نسبة المناطق التي يسكنها الأكراد في العراق إلى المساحة الكلية له بـ11.6% أي ما يعادل حوالي 50 ألف كم2([20])، وقد زادت نسبتهم في العراق بعد تنكر الحكومة التركية للأكراد بالحكم الذاتي ضمن المناطق التي يسكنون فيها، فقاموا بثورات ضدها عام 1925، مما حذا بتركيا إلى اضطهادهم ، وإبعاد قسماً منهم خارج حدودها، فهاجر قسماً منهم إلى شمال سوريا والعراق([21])، وما يؤكد هذه الحقيقة، أن زعيم حزب العمال الكردستاني في تركيا، عبد الله أوجلان، صرَّح أن أكراد سوريا جاءوا من تركيا، ويجب أن يعودوا إليها من خلال حزبه([22])، ولا شك أن أكراد سوريا هم امتداداً طبيعياً لأكراد العراق، وبالتالي ينطبق عليهم نفس التصريح.
وكان السبب الذي أشعل فيهم الروح القومية والدعوة لتأسيس دولة لهم هو قيام الأرمن بعد الحرب العالمية الأولى، بالدعوة لإنشاء دولة أرمنية تمتد من بحر قزوين إلى البحر الأسود، ومن ثم إلى البحر المتوسط غرباً، ويدخل فيها مناطق كردية كثيرة، مثل: أرض روم، وسيواء، وخربوط، وديار بكر، وتفليس، ووان، مما جعل الأكراد يقومون بردة فعل تجاه ذلك، ويطالبوا بدولة كردية لهم في مواجهة التحدي الأرمني لقوميتهم، إضافة إلى الدعوات القومية الطورانية في تركيا ؛ بسبب التأثر باتجاه مصطفى كمال أتاتورك، العلماني القومي، وعلى هذا الأساس ظهر الحزب الوطني الكردي برئاسة عبد القادر شمدنان، الذي طالب بتوحيد المناطق الكردية، وإعطائها حكماً لامركزياً، وحثَّ بريطانيا على ذلك، وأنشؤوا لهم صحيفة في القاهرة عام 1919، ثم سعوا على إشراك قضيتهم في مؤتمر الصلح في باريس عام 1919، وفي 10 أغسطس من عام 1920م عقدت معاهدة سيفر، التي نصت على وضع مشروع لاستقلال المناطق الكردية الواقعة في كل من تركيا ، والعراق ، وسوريا([23]).
ويعتبر أكراد العراق أن الجزء الجنوبي من كردستان الكبرى هو كردستان الواقعة في شمال العراق، المحاذية للحدود الإيرانية ، والتركية ، والسورية، ومعظم هذا الجزء جبلي، وتتراوح نسبتهم بين 18% إلى 20% من مجموع سكان العراق، ورغم أن معظمهم من المسلمين السنة مثلهم مثل : العرب السنة، إلا أن اندماجهم بالعرب السنة كان قليلاً، وظلت أعرافهم ، وقوميتهم سائدة في مجال تعاملاتهم مع غيرهم، رغم أن اختلاف لهجاتهم باختلاف مناطقهم قد أضعف التفاعل فيما بينهم، إضافة لعامل العزلة الطبيعية ؛ بسبب سكنهم في الجبال([24])، لكن يبقى الهاجس الذي يوحد كل الحركات الكردية، والنخب الكردية ، والشعب الكردي في العراق، هو البحث عن كيان في إطار الدولة العراقية ، أو حتى خارج إطارها، إضافة إلى هاجس الأمن، كما أنهم يهدفون إلى تحقيق حضارة كردية فيها مؤسسات اجتماعية وبنية تحتية لدولة عصرية، بسبب أن معظم مناطقهم بلا حواضر باستثناء بعض المناطق في مدن مثل: أربيل ، ودهوك ، السليمانية، بسبب علاقة تلك المناطق بالحكومات المركزية في بغداد([25]).
(3) التركمان
يتشابهون مع الأتراك باللغة ، والعرق، وقد نزح قسم كبير منهم إلى العراق بعد الحرب العثمانية الروسية بين عامي (1877-1887)، لكن يختلفون عن الأتراك في أن الأتراك هم بقايا العثمانيين، وقد تعرب قسماً كبيراً منهم، كما أن الأتراك يرجعون بأصولهم إلى الفرس ؛ فالصفويين ، والقاجار الذين حكموا بلاد فارس هم من جنس الأتراك ، بخلاف التركمان الذين هم المغول المتتركين الذين جاءوا من قيزغستان، وامتدوا إلى منشوريا ، والتركستان ، ومنغولياً، وظهر منهم السلاجقة ، والخوارزمية، كما أن معظم أفراد الجيش الإسلامي بقيادة عبيد الله بن زياد عام (٥٤هـ) الذي فتح تركستان، كانوا من المحاربين العرب ، الذين استقروا هناك وتزاوجوا مع التركستانيات، ولم يكتف العراقيون بالاستقرار والتزاوج مع التركمان ، بل إنهم بعثوا بالمقاتلين التركمان ليستقروا بدورهم في العراق كما أن قسماً منهم يعود إلى قبائل (أوغوز والغز) الذين قدموا إلى سوريا ، والعراق، من أواسط آسيا الصغرى في عهد السلاجقة، وسموا بالأذربيجانيين في أذربيجان، وبالعثمانيين في تركيا، كما أن قسماً منهم بقايا جيش طغرل بك السلجوقي، وجنود أنابك، كما أن آخرون من سلالة العثمانيين في عهد الدولة العثمانية ، وقد استخدم الأمويون ، والعباسيون قسماً منهم في حروبهم ؛ بسبب ما اتصفوا به من شجاعة ، وقدرة قتالية عالية، كما استقر قسماً منهم في عهد المغول حيث تترك قسماً من المغول (التركمان الوثنيين)، واختلطوا بهم ؛ بسبب تأثير غزوات دولتي الخروف الأبيض ، والخروف الأسود (1410-1508)، وقد ازداد نفوذ الترك أو التركمان خصوصاً في أيام الخليفة العباسي المعتصم بالله ، الذي استقوى بهم واعتمد عليهم، وقد رفدوا الدولة العباسية بالكثير من الأعلام مثل : الفارابي والبخاري والخوارزمي والبيروني والسرخسي والعديد غيرهم، وقد تمكن التركمان حتى قبل العهد العثماني من حكم العراق، عبر الإمارات المختلفة كالإمارة الزنكية الأتابكية والدولة السلجوقية، بجانب الدولتين البارانية المعروفة بـ"الخروف الأسود" (قره قويونلو) والبايندارية المعروفة بـ"الخروف الأبيض" (آق قويونلو) اللتين حكمتا معظم أراضي العراق ، كما امتزجوا بالعرب في العهد العثماني([26]).
وتركزوا في المناطق الفاصلة بين العرب والأكراد، ومنهم من سكن السهول، بسبب ما كان من رغبة الدولة العثمانية في جعلهم حاجزاً يفصل الأكراد عن العرب، ولحماية خطوط التجارة بين بغداد ، والموصل ، وإيران، إضافة لما كان من رغبة السلاجقة قبل ذلك من السكن في مناطق شبيهة بمناطقهم، وقريبة من بلادهم، كما اشتغل قسماً كبيراً منهم في الزراعة، ويسكنون في مناطق ضيقة تختلط في مناطق الأكراد، وأغلبهم يعيش في المدن، خاصة في كركوك، ويتسمون بإخلاصهم لرؤسائهم، وتعصبهم لقوميتهم ، ونزعاتهم الطورانية، إلا أنهم لم يطالبوا بالانفصال عن جسم العراق، وقد شجعت الحكومات العراقية فتح نوادي رسمية لهم، إضافة إلى سماحها بإصدار صحف خاصة بهم، وبلغتهم، وعممت اللغة التركمانية في دوائرهم الرسمية ([27]).
وفي عام ١٩٢٦ أبرمت اتفاقية بين الحكومتين التركية والبريطانية حول تبعية ولاية الموصل (وتشمل أربيل وكركوك والسليمانية)·، تشير إحدى فقرات هذه الاتفاقية إلى حرية اختيار العراقيين من الأصول التركمانية، بين البقاء في العراق أو الهجرة إلى تركيا، وقد فضل التركمان البقاء في العراق إلا عدد قليل فضلوا الهجرة إلى تركيا والاستقرار فيها، ومن أعلامهم في العصر الحديث برز العديد من الشخصيات العلمية والثقافية والأدبية والسياسية، بعد تشكيل الحكومة الوطنية العراقية عام ١٩٢١ وحتى الآن.
وبالنسبة إلى مشكلة مدينة كركوك فيرى التركمان أنها كانت ذات أكثرية تركمانية ، وكانت حكومات ما قبل الثورة العراقية 1958 ، ولكنها كانت عملية منظمة وعقلانية ومن دون ضجة، فكانت خطة نوري السعيد تعريب المدينة بتوطين الموظفين العرب، بأسلوب نقل الموظفين سنوياً منها واليها، فالموظفين التركمان والأكراد وقسم من العرب كانوا ينقلون سنويا إلى الألوية (المحافظات الأخرى) لقضاء أربعة سنوات خدمة مدنية فيها، وينقل إلى كركوك موظفين عرب ليقضوا بقية عمرهم الوظيفي والحياتي فيها،لكن بعد الثورة ، نشط الأكراد في تكريد مدينة كركوك، خاصة بعد وصول الملا مصطفى البارزاني وأتباعه من منفاهم في الاتحاد السوفيتي وتأثير الحزب الشيوعي العراقي، حيث كان غالبية كوادر وأعضاء وأنصار الحزب الشيوعي في كركوك من الأكراد، فزحفت عشرات الآلاف من العوائل الكردية من القرى المحيطة بشمال كركوك إلى مركز المدينة واستولت على الأراضي من أصحابها التركمان، وبنيت البيوت البدائية عليها، وألصقت صور عبد الكريم قاسم على الأبواب واعتبروها سند الملكية، نشبت إثر ذلك حزازات ومصادمات بين الكثير من سكان المدينة الأصليين التركمان وبين الوافدين للسيطرة عليها من خلال تغيير ديموغرافيتها، وتحولت هذه الحزازات إلى صراع دامي بين الأكراد والتركمان، فتحالف التركمان والعرب في المدينة لإيقاف هذه الهجمة المنظمة ذات الأهداف السياسية، لكن استمر الصراع والحزازات والمناوشات إلى أن انفجرت ثورة عبد الوهاب الشواف عام ١٩٥٩ خلال مسيرة الذكرى الأولى لثورة ١٤ تموز، فارتكب الشيوعيون خلالها مجزرة بشعة، قتلوا وسحلوا شباب التركمان في الشوراع ، ومثلوا بأجسادهم وعلقوها على أعمدة الكهرباء والأشجار، ونهبوا محلاتهم التجارية وبيوتهم ، راح ضحية هذه المجزرة ستة وثلاثين من التركمان وعشرات من الجرحى، ومن يومها لم تهدأ هذه المدينة حيث دبت الفرقة والبغضاء والحقد والفتن بين القوميات الرئيسية الثلاثة في المدينة واستمرت المشاحنات بينها ولم تهدأ إلى الآن.
وتصل نسبتهم إلى 4% من سكان العراق، ومعظمهم مسلمون ، وقسماً منهم مسيحيون ، وهم الذين وصلوا العراق في عهد المغول ، وبالنسبة إلى المسلمون منهم ؛ فيقسمون إلى سنة ، وشيعة ، حيث تشيع قسماً منهم في عهد الحكم الصفوي للعراق ، ولهم عدة لهجات ؛ بسبب تباعد مناطقهم ، واختلاف قبائلهم ، حيث يتركزون في موطن التركمان في العراق الممتد من قضاء تلعفر شمال محافظة الموصل ، وينحدر إلى جنوب شرقها باتجاه محافظة أربيل (نصف سكان أربيل من التركمان من بقايا الدولة الأتابكية التركمانية) ويمتد جنوباً إلى ناحية التون كوبري باتجاه محافظة كركوك- واستنادا لإحصائية العام١٩٥٧ احتل التركمان مركز القومية الأولى في هذه المحافظة، ثم جاءت القوميتان الكردية ثم العربية والمسيحـيون- ثم جنوباً باتجاه ناحية تازة خورماتو وقضاء طوز خورماتو، ثم ناحية بيات وقضاء كفري، وينحدر إلى جنوب شرق العراق إلى محافظة ديالي وخاصة قضاء الخانقين، وناحية زرباطية والسعدية وجلولاء. ويقطن في محافظة بغداد الآن بحدود (٥٠) ألفا من التركمان، ومن الناحية المذهبية ينقسم التركمان إلى حوالي ٥٥٪ من السنة، و٤٥٪ من الشيعة، يقطن السنة في مدن، أربيل والتون كوبري وكركوك وبيات وكفري وخانقين وجلولاء وزرباطية والسعدية؛ أما الشيعة فيقطنون في تلعفر وتوابعها في محافظة الموصل وفي مركز مدينة كركوك (حوالي ٣٥٪ من التركمان في مركز مدينة كركوك من الشيعة)؛ وناحية تازة خورماتو وطوز خورماتو وعدد من القرى التابعة لهما. بلغ عدد نفوس التركمان ، ولهجتهم تختلف عن اللغة التركية بشكل كبير ، وإن كانت لهجة كركوك أقرب إليها ، لذلك أجمع معظم تركمان العراق على اعتمادها لغة للثقافة وللأدب ، رغم أنها مازالت تحتفظ بنسبة ٤٠% من المفردات العربية بخلاف اللهجة التركية التي أدخلت إليها، بعد تأسيس الجمهورية التركية، المفردات الإنكليزية والفرنسية بنسبة أكثر من ٣٠% بدلاً من المفردات العربية، وما زال التركمان يعتمدون الحروف العربية في الكتابة، ولهم سمات خاصة بهم ، منها تحفظهم في علاقاتهم مع الآخرين ، واعتدادهم بالتقاليد ، وبالتقارب الأسري ، والعداء بينهم وبين الأكراد([28]) .
(4) الفرس
يعود وجودهم في العراق إلى زمن الاحتلال الفارسي بعد هزيمة الدولة الكلدانية على يد ملك الفرس كورش عام 539 ق.م ، واستمر الفرس في حكم العراق حتى هزمهم الإسكندر المقدوني عام 331 ق.م ، وحكم العراق لمدة أكثر من مائة سنة ، ليعود الفرس بعدها ويحتلوا العراق، حوالي أربعة قرون أخرى ، إلى أن جاءت معركة القادسية بقيادة سعد بن أبي وقاص عام 636 م ، ليعود حكم العرب للعراق ، ولتصل إمبراطوريتهم إلى حدود الصين ، شاملة إيران نفسها تحت حكم العرب المباشر لها لمدة تزيد عن أربعة قرون([29]) .
وقد عملوا خلال العهد العباسي على التدخل في شؤون الدولة العباسية ، فكان لهم نفوذاً كبيراً في عهد البويهيين الفرس في العراق ، وقاموا بحركات شعوبية لإضعاف الدولة العباسية، وقد استمر نفوذهم حوالي مائتي سنة، ثم جاء الصفيون بعد ذلك، واحتلوا العراق إلى أن جاء العثمانيون، وهزموهم ، وحكموا العراق منذ عام 1532([30]).
وبما أن العراق يحوي على مقامات سبعة من أئمة أهل البيت، فكان الكثير من الشيعة الإيرانيين يحبذون السكن قرب هذه الأضرحة، كما تركَّز قسماً منهم في بعض المدن العراقية، وامتهنوا مختلفة([31]) ، وتصل نسبتهم إلى حوالي 3% من سكان العراق ، ووجودهم في العراق له دوافع سياسية في بعض الأحيان ، من خلال سعي إيران إلى السيطرة على العراق ، وجعله تابعاً لها، وكانت معظم تمردات العشائر العراقية وخاصة الشيعية منها؛ بسبب مساعدتها لهم، حيث كانت تشتد هذه المنازعات عند تدهور العلاقات العراقية الإيرانية، وتعمل السلطات الإيرانية على تشجيع هجرة الإيرانيين إلى العراق، بغية استمرار تدخلاتها في العراق([32]).
(5) الآشوريون
يدعون أنهم من أصول من سلالة الأشوريون الذين حكموا بلاد الرافدين قبل الميلاد ، وكانوا يسموا بالآثوريين في اللغات السائدة في المنطقة وأهمها الآرامية وتعني كلمة آثور منطقة جغرافية ، أما آشور فاسم علم لألههم وملوكهم ،وعلى ذلك فالآشوريين والآثوريين ليستا إلا تسمية واحدة تعني ( الأمة الآشورية) ، ومنذ القرن الخامس الميلادي وتحديدا إثر مجمع أفسس سنة 431 انقسموا إلى فرقتين: أتباع كنيسة المشرق ومقرها في ساليق طيسفون ( سلمان باك) والذين سميوا بالنساطرة نسبة إلى نسطورس بطريرك القسطنطينية ،وأتباع الكنيسة الأرثوذكسية ومقرها البطريركي في انطاكيا وهم السريان المغاربة ويسميهم بعض المؤرخين باليعاقبة نسبة إلى يعقوب البرداغي([33]).
وهم من أصول جبلية، أتوا إلى داخل العراق من جبال الهيكاري، الممتدة داخل حدود العراق الشمالية، والتي أصبحت من نصيب تركيا بعد معاهدة لوزان 1923، حيث قدموا إلى قرب العاصمة بغداد في مكان يسمى بعقوبة ؛ وهي على بعد 50 كم شرقي بغداد، وقد سخَّرتهم روسيا أثناء الحرب العالمية الأولى للثورة ضد الأتراك، مما حذا بتركيا إلى تشتيتهم خارج أراضيها ، وذلك بعد تخلي الروس عنهم بعد ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا عام 1917، وكان هذا سبب نزوحهم إلى العراق، كما التجأ قسمٌ منهم إلى الاتحاد السوفياتي ، وإلى أذربيجان، وكان من نتائج مجيئهم للعراق أن أكثر من عشرون ألفاً منهم انضم إلى القوات البريطانية الموجودة في العراق آنئذ، على أساس وقوفهم مع بريطانيا ضد تركيا، فشكلت بريطانيا جيشاً منهم سمته جيش (الليفي)، وأصبح له قواعد عسكرية في أنحاء العراق المختلفة، وادعت بريطانيا أنهم من أصول عراقية آشورية([34])·.
وقد وقف هذا الجيش ضد ثورة العشرين في العراق عام 1920، وارتكبوا مجازر عديدة بحق الشعب العراقي، وهاجموا أهالي كركوك عام 1924، ونكلَّوا بهم، وأعطتهم بريطانيا بعض الأراضي الزراعية، مقابل وعدها للحكومة العراقية بضم الموصل للعراق، وبعض المناطق التي كانت تركيا تطالب بها ، كما كان للأشوريين اتصالات أخرى مع الغرب، واستعدادهم للتعامل معه على حساب الشعب العراقي([35])، فقد وقفوا ضد إنهاء الانتداب البريطاني على العراق عام 1932، وقد شجع زعيمهم المار شمعون هذه التصرفات، مما أثار الحكومة العراقية ضدهم، كما تأثر الأكراد سلبياً في وجودهم في مناطق تابعة للأكراد، خاصة بعد أن أصبحوا يتدخلوا بالشأن العراقي الكلي منذ عام 1930، فكان اتفاق الحكومة العراقية مع قائد الأركان العراقي بكر صدقي ـ كردي ـ على مهاجمتهم والتنكيل بهم، مما أدى لهجرة قسماً كبيراً منهم إلى سوريا، وقد استغلت الصحافة الغربية هذه الأحداث لتتهم العراقيين بالتعصب، وتدعو لحماية الأقليات، رغم أنهم لم يحترموا وحدة العراق عندما طالبوا بإقامة كيان قومي لهم على أرض العراق([36]).
ونسبتهم حوالي 1% إلى من سكان العراق، ويتكلمون السريانية، وهي بقايا اللغة الآرامية القديمة، التي كان يتكلم بها سكان سوريا قبل الفتح الإسلامي لها، ويدينون بالكنيسة اليعقوبية، وينقسمون إلى اليعاقبة ، والنساطرة، وبعضهم كاثوليك ، وبروتستانت ، وأرثوذكس، ومعظمهم يقطن الآن في العمادية، ودهوك، في لواء الموصل([37]).
وقد أعطتهم الحكومة العراقية بعد المذبحة التي تعرضوا لها كل ما للعراقيين، من حقوق وسمحت بتدريس لغتهم في المدارس إلى جانب اللغة العربية، وتدريس اللغة السريانية في جامعة بغداد كإحدى اللغات القديمة، وإصدار مجلات شهرية باللغة السريانية، وأقامت لهم نوادي ثقافية وفنية، وبرامج تلفزيونية خاصة بهم، وأعطتهم الجنسية العراقية، بعد ما أسقطتها عنهم على أساس أنهم لم يكونوا في العراق قبل الحرب العالمية الأولى، وقد استقبل عبد الكريم قاسم زعيمهم الديني ، والسياسي المار شمعون عام 1958([38])، بعد أن كان منفياً خارج العراق قبل ذلك.
(6)- الكلدانيون
يعود أصل تسمية الكلدان بمعناها المتداول اليوم إلى القرن الخامس عشر عندما أعلن نساطرة قبرص المؤمنين بعقيدة الكنيسة الشرقية النسطورية خضوعهم للكنيسة الكاثوليكية الرومانية وقبولهم لمعتقدها اللاهوتي-يدعى التحول العقائدي هذا لدى المؤرخين من الكاثوليك بالاهتداء -، وهكذا ازداد عدد المتحولين من النسطرة إلى الكثلكة، وخاصة إثر الانقسام الكنيسي عام 1551 الذي لم يدم طويلا وتجدد في سنة 1681 ؛ مما نتج عنه انشطار الكنيسة إلى كنيستين مستقلتين هما الكنيسة الشرقية النسطورية والكنيسة الشرقية الكلدانية، وترسخت الكنيسة الكلدانية بين أوساط الشعب الآشوري ، وترسخت معها تسمية الكلدان تمييزاً لهم عن النساطرة، حيث أصدر البابا أوجينوس الرابع برائته البابوية حولهم ، وأمر بتسميتهم كلداناً منذ سنة 1445م، فلا علاقة لهم بالاسم الكلداني المعروف تاريخياً، بل إن التسمية هذه حديثة جاءت من بابا روما، لأنهم من أصول آشورية تعود إلى بقايا الإمبراطورية الآشورية فهم من سكان العراق القدماء (الآراميين) الذين تنصروا في عهد الدولة الفارسية، رافضين الزرادشتية التي كان يؤمن بها الفرس، ويتكلمون السريانية، التي تعتبر اللغة الأم للغتين العربية والعبرية، ونسبتهم تصل إلى حوالي 2 % من سكان العراق، ويتركزون في بعض قرى الموصل([39]).
(7)- النساطرة
انفصلوا عن الكلدان في القرن الخامس الميلادي ، وشكلوا مذهباً دينياً جديداً على يد نسطور الحكيم , وانتشرت مدارسهم وإرسالياتهم انتشارا سريعاً في بلاد الفرس ، ووصل تبشيرهم إلى الهند وامتدوا حتى الصين؛ وصارت كنيستهم في القرنين الحادي عشر والثاني عشر أكبر كنيسة مسيحية في العالم , فكانت هي الكنيسة المسيحية في الشرق الأقصى ، ولهم رئيس روحي يقيم في بغداد ويخضع لرياسته 25 مطراناً , وظل النساطرة يتمتعون بحماية الخلفاء العباسيون في بغداد حيث ظهرت مبادئ نسطور في عهد الخليفة العباسي المأمون، حيث تصرف في الأناجيل بحسب رأيه، واختلف رأيه حول شخصية المسيح (عليه السلام)، حيث رأى أن الله والمسيح اتحدا اتحاداً تاماً([40])،وكانوا يشغلون المناصب الهامة فى الدولة العباسية ، ولكن سيطرة المغول على بغداد , عانى النساطرة اضطهاداً شديداً ، إلى أن غزا التتار بقيادة تيمورلنك البلاد في القرن الرابع عشر فساد فيها الدمار ومحا الكنيسة هناك تقريباً ولم يبق من النساطرة إلا نفراً قليلاً ، وقد كانوا على عداء صريح مع الصليبيين الذين احتلوا البلاد العربية؛ بسبب ما لمسوه من فرق المعاملة بينهم وبين المسلمين([41])،وفى أوائل يناير عام 1958 م أبدى بضعة ألاف من النساطرة بالعراق رغبتهم في انضمام إلى الكنيسة السريانية الأرثوذكسية برياسة مارأغناطيوس يعقوب الثالث بطريرك إنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس , وأعادوا الكرة مرة أخرى في 29 من أغسطس من تلك السنة , وكتبوا مضبطة رسمية موقعاً عليها من زعمائهم قدموها إلى مطران السريان الأرثوذكس في الموصل بالعراق , كما قدموا صورة منها إلى وزارة الداخلية العراقية , وأخرى إلى متصرفة لواء الموصل يعلنون فيها حقيقة انضمامهم إلى الكنيسة السريانية الأرثوذكسية , وبعد أن كتب البطريرك السرياني إلى إخوته المطارنة يستشيرهم في الأمر , قرروا قبول أولئك النساطرة في شركة الكنيسة , ,فأسس لهم إيبراشية خاصة بهم في العراق , ورسم لهم مرشحهم شاليطا بن زيبا مطراناً عليهم باسم إيثاوس شاليطا , وكان ذلك في 23 نوفمبر سنة 1958 م([42]) .
8- الأرمن
ينتمي الأرمن إلى العرق الآري (الهندو-أوروبي) وقد ظهروا في التأريخ في الألف الثالث ق.م ، حسب الدراسات اللغوية والآثارية الحديثة وهناك عدة روايات لوجود الأرمن في العراق، فقد كتب المؤرخ الأرمني موفسيس خوريناتسي في القرن الخامس قبل الميلاد عن وجود الأرمن في العراق استناداً إلى المصادر التي اطلع عليها في الألفين الثاني والأول قبل الميلاد، أما المؤرخ اليوناني هيرودوتس (القرن الخامس قبل الميلاد) ، فيذكر عن علاقات أرمينيا والعراق القديمة ، حيث إن الأرمن كانوا ينقلون بمراكبهم البضائع إلى بابل عبر نهر الفرات، ومن خلال هذه التجارة استقر العديد منهم في بابل وكونوا جالية أرمنية فيها ، وتشير مصادر أخرى إلى وجود أبرشية أرمنية في شمالي العراق في أواخر القرن العاشر للميلاد ، وفي البصرة أيضا عام 1222م، وتشير المصادر أيضاً إلى وجود طائفة أرمنية في بغداد لها رئيس روحي عام 1354م، كما يعتقد البعض أنهم استوطنوا آسيا الصغرى قبل انهيار إمبراطورية الحثيين، بعد أن ذاقوا مرارة الاستعباد تحت حكم الملك سباكزار ملك ميديا، الذي غزا نينوى واحتلها ، ثم بسط سيطرته على أرمينيا، وبعد أن حرر الملك تريناد أرمينيا من أنصار الوثنية، دعا مجلس الأشراف إلى انتخاب غريغوار رئيسا أعلى للكنيسة الكاثوليكية في أرمينيا بعد أن كرسه (بطريك) قيصرية أسقفا عليها، وفي عام 302م أعلن الملك تريناد الثالث، المسيحية دينا للدولة، وكانت مدينة سيرت أول مدينة بأرمينيا عرفت المسيحية ، وقد أدخلها إليها اثنان من تلاميذ السيد المسيح (ع) ، كما كان هناك عدة مراكز أخرى للمسيحية في عام 200 م ، لكن معظم الأرمن الموجودين حالياً في العراق قد هاجروا إلى العراق بعد الحرب العالمية الأولى، وذلك بعد الاضطهاد الذي تعرضوا له على يد الأتراك، بعد دعودتهم لإقامة الدولة الأرمنية على جزء من الأراضي التركية عام 1915م مما حذا بالأتراك إلى قتل وإبادة أكثر من مليون ونصف أرمني عدا الذين تم تهجيرهم خارج أراضيهم، حيث هاجر قسم آخر منهم إلى لبنان ، وسوريا ، ومصر، وهم مسيحيون ينتمون إلى عدة كنائس مسيحية أشهرها الأرمن الكاثوليك، أو الأرثوذكس، ولهم إنجيل يدعى بالإنجيل الأرمني، وهو إنجيل منحول كونه لا ينطبق مع القوانين الكنيسية في إعداد لائحة أسفار العهد الجديد ، ولهم لغة خاصة بهم لكنها كانت لغة محكية فقط دون حروف، وتعود في أصولها إلى الآرامية ، ويتميز الأرمن بالأندية الرياضية والاجتماعية التي تلعب دورا مهما في الحياة الاجتماعية وتتشارك مع العائلة والكنيسة في بناء الأجيال الشابة، وأشهر الأندية الأرمنية هي جمعية الشبيبة الأرمنية ، والنادي الرياضي الأرمني (هومت من عام 1918)، والجمعية الخيرية الأرمنية , ونادي الشهيد أوهان، واتحاد النساء الأرمن، وتتنوع الأنشطة مابين رياضية واجتماعية وثقافية وخيرية وعدد الأرمن في العراق حالياً يتراوح مابين 20 -22 ألفا يتمركزون في بغداد ، والبصرة،والموصل، وكركوك وزاخو (قضاء تابع لدهوك)، وما يزالون لهم اتصالات جيدة مع أرمينيا، ويمتهنون الطب والهندسة وصياغة الذهب وتصليح السيارات ، ويمتهنون التجارة بشكل خاص بالإضافة إلى مهن أخرى مثل الصياغة والحدادة والخياطة ولا يفضلون كثيراً الزواج من بقية الطوائف المسيحية من أجل الحفاظ على النوع ضمن المعقول كي لا تذوب مع المجتمعات الأخرى ، وينقسم الأرمن في العراق إلى قسمين، وذلك حسب تاريخ هجرتهم الحديثة (حيث كانوا ينتشرون في تركيا وإيران والاتحاد السوفيتي) واستقروا في العراق([43]):
-أرمن بغداد الذين جاء بهم الشاه عباس البهلوي في عهد الدولة الصفوية ، عن طريق البصرة ، واستقروا في بغداد في القرن السابع عشر للمساعدة على تطوير المدن الإيرانية ، حيث كانوا تجارا وفنانين وحرفيين ماهرين،وهم يسمون بالأرمن التجار.
-الأرمن الذين فروا من تركيا على إثر المذابح التي تعرضوا لها في بداية القرن الماضي ، من قبل الزعيم التركي كمال أتاتورك ، واستقروا في بغداد والموصل والبصرة.
المطلب الثاني
التمايز الديني ، والطائفي ، والمذهبي في العراق
من أبرز معالم التمايز الديني، والمذهبي ، والطائفي ؛ هو ظهور الطائفية في المجتمع تلك التي يستطيع المرء التعبير عنها بأنها : مشاعر في القلوب، أسست على تاريخ قوامه الزيف ، وتعليم كله جهل ، وتجهيل، وتنشئة تقوم على الضغينة والنفاق، ودعم سياسي لحكم متسلطين ، دافعه تفريق الأمة لتسهل قيادتها من جهة، وسحق القسم الثوري في المجتمع، الذي يتسِّم بأنه عصي عن الخضوع للطغاة مهما كلف الأمر، من جهة أخرى([44]).
فالإنسان الطائفي ؛ هو ذلك الإنسان الذي يقف مواقف غير صحيحة، إما بوعي ، أو بدون وعي، بناءاً على هذه المشاعر، أما الدولة الطائفية فهي التي تميَّز بين رعاياها في التوظيف والمكافآت، وإعطاء المسؤولية، وتوزيع الحقوق والواجبات على اختلافها، لا على أساس المساواة كأصل ، ثم الكفاءة، ودرجة العطاء بعد ذلك، وإنما على أساس الانتماء الطائفي([45]).
فما هي الأديان ، والطوائف ، والمذاهب الدينية في العراق ؟ وهل بينها اختلاف عقائدي في أسسها، أو أيديولوجيتها، أو دعوتها من أجل الوحدة الوطنية في المجتمع والدولة ؟ وهل ظهر بينها اختلاف قبل وصول حزب البعث العربي الاشتراكي إلى السلطة في العراق عام 1963 ؟ على اعتبار أننا سندرس علاقة البعث بالوحدة الوطنية في إطار مستقل مع مراعاة جميع تمايزات المجتمع العراقي، وخاصة الجانبيين الإثني ، والديني.
· الأديان والطوائف والمذاهب في العراق·
(1) المسلمون
يشكلون 93% من سكان العراق([46])، ويشكل المسلمون السنة 46.5% من السكان، بينما المسلمون الشيعة 46.5% من عدد السكان أيضاً ، وعلى هذا الأساس، فالسنة ، والشيعة متعادلي النسبة بالنسبة لسكان العراق، لكن نسبة السكان السنة من العرب هي 5،30% ، أما نسبة السكان الشيعة من العرب فهي 40% بينما الأكراد السنة فيشكلون 14% من سكان العراق ، أما الأكراد الشيعة فيشكلون 2% من العراقيين([47])، والشيعة الفرس 3% ، والتركمان السنة 2% ، والتركمان الشيعة 1،5% ، انظر حول ذلك الجدولين(2-1),و( 3-1) .
وينتشر المذهب السني في وسط وشمال العراق، بينما ينتشر المذهب الشيعي في جنوب العراق، وإذا تقاطع محوري المذهب مع القومية، فيكون تركز العرب المسلمون السنة في وسط وشمال العراق، أما العرب المسلمون الشيعة ففي جنوب العراق ، والأكراد المسلمين سواءاً كانوا شيعة أم سنة ، فيتركزون في شمال أو شرق العراق وللتمييز بين السنة والشيعة، فسندرس كل منهما على حدة، رغم أن الاختلاف بينهما ليس جوهرياً، بل هو اختلاف نظري في كثير من جوانبه.
المسلمون في العراق حسب المذهب
النسبة المئوية بالنسبة لنسبة عدد السكان
المسلمون السنة
5،46%
المسلمون الشيعة
46،5%
نسبة المسلمون السنة ، والشيعة
93%
الجدول (2-1) يبين نسبة المسلمين في العراق بالنسبة إلى مجموع أفراد الشعب العراقي ، كما يبين نسبة كل من السنة والشيعة في العراق بالنسبة إلى مجموع عدد المسلمين في العراق ، وقد صمم الباحث هذا الجدول بناءاً على المراجع المتوفرة .
المسلمون حسب المذهب ، و القومية (الإثنية)
نسبتهم إلى مجموع السكان
عرب مسلمون سنة
30,5%
عرب مسلمون شيعة
40%
أكراد مسلمون سنة
14%
أكراد مسلمون شيعة
2%
فرس مسلمون شيعة
3%
تركمان مسلون سنة
2%
تركمان مسلمون شيعة
1،5%
المجموع الكلي للمسلمين السنة (عرباً وكرداً تركماناً)، والشيعة (عرباً وكرداً وتركمان وفرس)
93%
الجدول (3-1) يبين تقاطع الإطار المذهبي والقومي ( الإثني ) للمسلمين في العراق ، وقد صمم الباحث هذا الجدول بناءاً على المراجع المتوفرة .
الديانات في العراق
النسبة المئوية بالنسبة إلى عدد السكان
المسلمون
93%
المسيحيون
4%
اليزيديون
1%
اليهود ، والكاكائيون ، والعلى اللهية ، والصابئة ،والشباك ، البهائية، والكولية
2%
المجموع الكلي
100%
الجدول (4-1) يبين الإطار الديني لنسبة السكان في العراق ، وقد صمم الباحث هذا الجدول بناءاً على المراجع المتوفرة .
القوميان والأديان في العراق
نسبة السكان بناءاً على تقاطع محوري القومية والدين في العراق
العرب المسلمون
70%
الأكراد المسلمون
16%
التركمان المسلمون
3،5%
الفرس المسلمون
3%
أكراد يزيدية
1%
أكراد (الكاكائية ، والشاباك ، والصابئة ، والعلى اللهية)
2%
العرب المسيحيون
أقل من 1%
الأكراد ، والتركمان المسيحيون
أقل من1 %
الكلدان المسيحيون
2%
الأشوريون ، والنساطرة ، والأرمن (المسيحيون )
1%
البهائيون ، والكولية
أقل من 1%
اليهود
بضعة آلاف
المجموع
100%
الجدول (5-1) يبين تقاطع الإطارين الديني والقومي ( الإثني ) للسكان في العراق ، وقد صمم الباحث هذا الجدول بناءاً على المراجع المتوفرة .
· السنة
هي الطائفة المسلمة التي تسمى ؛ أهل السنة ، أو أهل التسنن ، أو السنيين، وقد أطلق هذا المفهوم على المسلمين الذين اتبعوا الفقهاء الذين لم يكونوا من ذرية الرسول محمد (ص)، كأبي حنيفة ، والشافعي، ومالك بن أنس، وأحمد بن حنبل، والأوزاعي وغيرهم من أئمة هذا المذهب، وقد سلَّم كل هؤلاء بالخلفاء الراشدين الأربعة، كخلفاء شرعيين للرسول، كما سلَّموا بالقرآن ، والسنة والحديث، معتمدين في تفسيرها على الصحاح الستة، وهي صحيح البخاري، ومسلم، والترمذي، وأبي داود، وأبن ماجة، والنسائي، وقد انتشر اصطلاح "السنة" في العصر العباسي الثاني، الذي ابتدأ بالخليفة المتوكل، حيث كان بعض الخلفاء العباسيين، يتبعون المعتزلة، أو يترفعون عن المذهبية الدينية.
ويرى السنة أن باب الاجتهاد قد أقفل منذ عشرة قرون، وذلك بعد أن انقسم المسلمون حسب المذاهب الأربعة، وأن هؤلاء الأئمة الأربعة قد فسَّروا كل ما يتعلق بالقرآن ، والسنة، وكل ما تشمله الحياة اليومية، إلا أن بعض العلماء يرى أن باب الاجتهاد مازال مفتوحاً بشرط توافر شروط خاصة بالمجتهد ، والإمامة ليست من أصول الدين، التي هي عندهم: التوحيد ، والنبوة ، والمعاد ، وصلاة الجمعة عندهم واجبة، ولا يميزون بين أحد من الصحابة فعندهم الجميع سواسية، ويجب احترامهم وتقديرهم، مثلهم مثل "آل البيت" النبوي، الذين يحظون بمنزلة خاصة عندهم ، إضافة إلى ما يحظى به أئمة الطرق الصوفية، حيث لهم الكثير من المقامات التي تقام فيها الاحتفالات الدينية، ويرون أن ما حدث من اختلافات بين الصحابة ، وقتال بضعهم البعض هو أمر لابد من عدم النقاش به ، حيث يترك الأمر لله عز وجلَّ في شأنهم ، لأنهم اجتهدوا وقرروا، وعلى هذا الأساس فليس هناك داع للخلاف حول هذه الأمور، لأن الرسول (ص) أوصى بأصحابه عندهم، وأنهم قد تربوا تربية نبوية، فهم قدوة حسنة للأمة، وبالتالي فلا يجوز الانتقاص من أحدهم ، أو الطعن فيه، وأصول الفقه عندهم هي: السنة ، والإجماع ، والقياس ، والمصلحة المرسلة ، والاستصحاب، والإجماع عندهم هو إجماع أهل الحل والعقد([48])، والشروح المثلى للفقه تأتي من الأئمة الأربعة ؛ لأنهم حسب رأيهم هم الأقدر على تفسير الدين الإسلامي، ويرون بأخذ ظاهر الآية القرآنية، أو الحديث النبوي، دون أن تكون ثمة تأويلات باطنية لها، إلا إذا أقرها واتفق عليها الفقهاء ، إلا أن لأهل الطرق الصوفية الكثير من التفسيرات الباطنية ؛ التي تختلف باختلاف هذه الطرق ،وإن كانت كلها تصب في جوهر القرآن والسنة .
وقد كان لهم نفوذ كبير في ظل الدولة العباسية ،وفي ظل حكم السلاجقة، والمماليك الذين حكموا العراق، بعد سقوط بغداد على يد المغول عام 1258م ، ثم في ظل الدولة العثمانية ، وحتى سقوط بغداد بيد قوات التحالف الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية عام 2003، فقد كانت الأقاليم السنية في العراق تعامل معاملة خاصة من العثمانيين، بخلاف الجنوب الشيعي؛ بسب طائفية الدولة العثمانية([49])، كما عملت بريطانيا خلال فترة انتدابها للعراق، على التمييز بين الطوائف المذهبية في العراق، بأن أعطوا السنة مراكزاً أكثر من الشيعة في الدولة ، وقد استاء الشيعة من خلال مجتهديهم على التركيبة الدينية لمجلس إدارة الدولة عام 1919 ، خاصة بعد تعيين الإنكليز لحكام سنيين للمحافظات الشيعية([50]).
وقد كان التنافس بين السنة على السلطة خلال فترة قيام الدولة العراقية، من أسباب إضعاف شرعيتهم السياسية، لكن وجود عدم توازن في الدولة العراقية بين السنة ، والشيعة منذ قيام الدولة العراقية، كان من خلال مؤامرة إنكليزية ؛ بغية تحقيق استراتيجية مستقبلية لها ؛ مدركة أنها تستطيع بعد ذلك إشعال حرب طائفية عند الضرورة، فمن مذكرات المستر "أدموندز" ؛ معاون مستشار وزارة الداخلية العراقية في العهد الملكي البريطاني : " كما أنه يظهر كذلك أن التهذيب، وحتى تعيين الشيعة للمناصب الحكومية العليا قد جعل الطبقة المفكرة أشد شعوراً من ذي قبل بحالتهم الأدنى بالنسبة إلى السنة التي يجب أن تدوم إلى حين"([51]).
وقد استطاعت هذه الاستراتيجية فيما بعد نشر الكثير من الضغينة بين السنة ، والشيعة في العراق ؛ بسبب الصراع على السلطة ضمن الدولة العراقية، وهذا ما أثبتته الأحداث بشكل أكثر وضوحاً، بعد الاحتلال الأمريكي الغربي للعراق عام 2003م.
· الشيعة
ظهروا بظهور الخلاف بين الإمام على بن أبي طالب "كرم الله وجهه"، وبين معاوية بن أبي سفيان بعد أن طالب معاوية بدم الخليفة عثمان بن عفان (رض)، معتبراً أن الإمام علي "كرم الله وجهه" يأوي قتله عثمان(رض)، رغم أن بعض الشيعة ترى أن الرسول قد أطلق اسم الشيعة على المخلصين لأهل البيت ، وتحتوي عقائدهم على عداء صريح لكل من يخالفهم؛ بسبب ما تعرضوا له من اضطهاد سياسي عبر العصور المختلفة، ولهم تفسيرات خاصة للقرآن، والأحاديث النبوية، ويرون أحقية أهل البيت ، وذريتهم بالخلافة الإسلامية، بدءاً من الإمام على " كرم الله وجهه " وأبناءه، وذريته التي هي ذرية الرسول (ص)، ويرون أنه إذا لم تكن الإمامة -السلطة السياسية- في أيديهم فلا يجوز صلاة الجمعة؛ لأن الإمام يملك السلطة الروحية ، والزمنية وهذا ما يفسر اختلافهم عن شيعة إيران بعد الثورة الإسلامية فيها عام 1978، حيث يؤدي شيعة إيران صلاة الجمعة([52]).
ويتسم الشيعة بأنهم يبالغون في الشعائر الدينية في يومي التاسع ، والعاشر من شهر محرم، فيقيمون المآدب حزناً على استشهاد الإمام الحسين ( رض) ؛ الذي استشهد في معركة كربلاء بعد إعلانه الثورة ضد الخليفة الأموي يزيد بن معاوية، رافضاً مبايعته بالخلافة، ويرون أن أئمة أهل البيت قد استخلفهم الرسول محمد (ص)، وأن عدم وجود حاكم من ذرية الرسول سيجعل الحكم غير شرعي، لذلك كانوا يعارضون إجراءات الحكومات العراقية بعد الاستقلال، إذ كانت في معظمها من السنة، لذلك عملوا على تشكيل حزب سياسي شيعي عام 1927، حيث نقدوا فيه الحكومة العراقية، ونظامها السياسي، وطالبوا بضرورة نقل السلطة إليهم، على اعتبار أنهم يشكلون الأكثرية القومية والمذهبية من سكان العراق ([53]).
وقد حكموا العراق في فترة العصر العباسي الثاني من خلال سيطرة البويهيين الشيعة على مقاليد الحكم في الدولة لمدة تقترب من مائتي سنة، كما حكموها من خلال الصفويين الذين احتلوا العراق في بداية القرن الخامس عشر إلى أن أخرجهم منها العثمانيون عام 1532.
ويرى بعض الباحثين أن قضية الإمامة بين السنة ، والشيعة ليست سوى مسألة سياسية بحتة لا تمت للعقيدة بأي صلة، على اعتبار أن الصحابة أنفسهم قد اختلفوا فيها ، وقاتلوا بعضهم بعضاً بسببها، وفي ذلك يقول ماكدونالد: "إن الخلاف بين السنة والشيعة هو خلاف غير جوهري، فهو حول العبادات والمعاملات لكن العقيدة واحدة"([54])، كما يرى "جولد تسيهر" أن الشيعة أقرب إلى فقه الشافعية، واعتبرها أحد مشايخ الأزهر المعاصرين مذهباً سنياً خامساً على أساس أن الإمام جعفر الصادق (رض) هو أستاذ الإمامين أبي حنيفة، ومالك رضي الله عنهما.
وبالمقابل فقد تبرأ علماء المذهب الشيعي من بعض الحركات الهدامة التي تدَّعي الولاء لأهل البيت، بينما تحتوي على الخرافات والشعوذات التي ظهرت من خلال بعض الفرق المنحرفة، مثل : الحروفية ، والبابية ، والبهائية([55]).
والعلم عندهم موروث عن الإمام علي "كرم الله وجهه"، وهو يشكل ما كان وما سيكون، وهو يورث للإمام الذي يأتي بعده بالتعيين وبالنص، وهذا العلم يطلقون عليه اسم الجفر، وهو على عدة أقسام هي([56]):
(1) الجامعة وهي تشمل على المحرمات ، والحلال.
(2) صحيفة الفرائض وهي تشمل الفرائض.
(3) كتاب الجفر، ويشمل تراث الرسول (ص) ويقسم هو الآخر إلى:
- الجفر الأبيض، وهو وعاء فيه علوم الأنبياء والأوصياء، وصحف إبراهيم وموسى ، والزبور ، والإنجيل.
- الجفر الأحمر وفيه علم الحوادث الآتية
أما عن عصمة الأئمة عندهم فهم يرونها مأخوذة من الآية القرآنية:" إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً " فإذهاب الرجس ، والتطهير معناه العصمة، وبالنسبة لعصمة الأنبياء فهي وجوب إلهي ، أما عصمة الأئمة فهي لطف إلهي، وآخر الأئمة عندهم هو الإمام محمد المهدي الذي يلقبونه "المنتظر" ، ويرون أن الرسول (ص) قد بشَّر به، وأنه سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وأنه قد اختفى منذ أكثر من ألف وثلاثمائة سنة، وأنه سيعود ويظهر في نهاية الزمان([57]).
ويرون أن باب الاجتهاد مفتوح ولم يتوقف، وقد حذر إمامهم الإمام جعفر الصادق من النزعات الغالية بالدين، واعتبرها حركات هدامة، تدعي ولاءها لآل البيت، بينما تعمل لهدم الدين، ووضع معياراً مهماً للكشف عن الغلو بقوله: "لا تقبلوا علينا حديثاً إلا ما وافق القرآن ، والسنة "([58])، كما دعا لمقاطعة خصومه العباسيين، وأيد الثورات ضدهم بعد أن نكثوا بوعودهم معه، من هنا كان العداء العباسي، مع ذرية الإمام علي (العلويين) ومؤيديهم، حيث لقبهم العباسيين بالرافضة، لرفضهم الولاية لهم، لكن رأى آخرون، أن هذه التسمية جاءت إليهم ؛ بسبب رفضهم الاعتراف بالخلفاء الراشدين كخلفاء شرعيين للرسول ماعدا الإمام علي ، وأن مبايعة الإمام علي لهم كانت عن استكراه ، لأنهم يعتبرون حادثة السقيفة التي تم بموجبها مبايعة أبوبكر الصديق(رض) بالخلافة هي غير شرعية لأنه لم يحضرها أي من بني هاشم ، وعلى هذا الأساس فهذه التسمية-الرافضة- هي تسمية سياسية بحتة لا تمت للدين بأية صلة، وبالمقابل فإن بعض الشيعة قد لقبوا السنة بأنهم نواصب ،أي أنهم يناصبون العداء لآل البيت، رغم أن هذه التسمية بعيدة كل البعد عن أتباع السنة الحقيقية ؛ لأنهم في مجملهم يقدِّرون ، ويعظمون ، ويجلون آل البيت "عليهم السلام" ، فهذه التسمية أيضاً لا تمت إلى جوهر العقيدة بأي صلة، أما موضوع الاجتهاد ، وتشريعه ، وفتحه عندهم إلى هذا الحين، فهم يرون أن ذلك يكون وفقاً لشروط يجب توافرها في المجتهد وهي: (المعرفة باللغة العربية ، والقرآن ، والحديث، والتفسير، وعلم الكلام، وعلم الإنسان) ، وأن الإمامة من أصول الدين، التي هي عندهم : (التوحيد ، والعدل ، والنبوة ، والإمامة ، والمعاد)، ويرون أنهم هم أهل السنة الحقيقيون ؛ لأنهم يتَّبعون تعاليم الرسول وآل بيته عليهم السلام.
أما زواج المتعة· عندهم فقد حلَّلوه ، حيث يتزوج الرجل من المرأة لمدة محددة يحددها عقد الزواج - بالرغم من أن السنة قد حرَّموه- على أساس أنه لم يرد نص قرآني في عهد الرسول يحرمه، وهم يرون أنه له شروطاً خاصة ، ويتشابه هذا الزواج مع زواج المسيار الذي يحلله بعض السنة ، على أساس أن المسافر إذا انقطع في مكان ما قبل وصوله إلى مكانه، فيجوز له الزواج طيلة فترة إقامة في ذلك المكان، ويفسخ الزواج بعد ذلك بإعلانه إكمال سفره، وأصول الفقه عندهم هي: القرآن، والسنة، والإجماع، والاجتهاد ، لكن الإجماع عندهم هو إجماع مجتهدي الشيعة([59]).
وقد انتشر هذا المذهب بشكل كبير في العراق، خلال فترة الحكم العثماني له وذلك خلال العامين (1743 – 1831)، حيث تشيعت أعداداً كبيرة من القبائل العربية المهاجرة إلى العراق ، وكان سبب تشيع هذه القبائل بسبب التحالفات القبلية بين القبائل، وعدم تسامح الحكومة مع القبائل العربية المهاجرة ، إضافة إلى الدعاية الشيعية.
ومنذ منتصف القرن التاسع عشر ظهرت في إيران مسألة التقليد للمجتهد، بعد مطالبة رجال الدين بذلك على أساس أنهم وكلاء عن الإمام الغائب "المهدي المنتظر" ، وقد تقبلها رجال الدين الشيعة في العراق؛ بسبب تأثر الأحداث السياسية بالدينية في كل من إيران ، والعراق، لكن لم تقتصر هذه الفكرة في العراق على مرجع ديني واحد ، بل على عدة مراجع دينية، وهذا ما ساهم في اختلافات الرأي بين المراجع، كما ساهم في عدم وجود مؤسسة دينية سياسية مركزية([60]).
ومعظم مجتهدي الشيعة في العراق، والذين كونوا المنظمات السياسية فيه، هم من أصول إيرانية، وهذا ما دعا بعض قادة الحكومات العراقية منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921، إلى اتهام المعارضة الشيعية بأنها دخيلة على العراق، رغم ما كان لهؤلاء المجتهدين من دور كبير في مقاومة الاحتلال البريطاني للعراق، ومشاركتهم في ثورة العشرين مع إخوانهم من السنة العراقيين([61]) ، كما أن معظم هؤلاء المجتهدين يدَّعون انتسابهم لآل البيت "عليهم السلام "،وعلى هذا فهم يدَّعون الانتساب للعرب.
وكان ثمة محاولات من النظام السياسي في العراق، لإشراك الشيعة بشكل أكبر في العملية السياسية، إلا أن الضغوط البريطانية على النظام العراقي كانت تحول دون ذلك، فقد رأى الملك فيصل الأول عام 1933، أنه من الضروري إشراك الشيعة بشكل أكثر فعالية في السلطة، لتحقيق التوازن في الدولة العراقية ؛ بسبب ما كان من تنافس بين السنة ، والشيعة على السلطة السياسية التي كانت بيد السنة، حتى أن بعض القبائل الشيعية قد عملت اتفاق سمته "ميثاق النجف" عام 1925 دعوا فيه إلى ضرورة تحقيق المساواة ، والعدالة في الدولة ، وإدخال الفقه الشيعي إلى جانب السني في التدريس في مدارس وجامعات الدولة، وطالبوا بأن يكون لهم دور أكبر في المجالس المحلية، والجيش، وأن توزع موارد الأوقاف عليهم بشكل أكبر، حيث كانت توزع على المراكز الدينية للسنة، ورغم ذلك ظلت معظم مراكز المؤسسة العسكرية ، والمدنية، والبرلمانية، في أيدي السنة، فلم يحصل الشيعة سوى على ثلث المناصب الحساسة في الدولة حتى عام 1958 ، فبين تسعة وعشرون حكومة عراقية بين عامي (1940 – 1958) شكَّل رجال من السياسيين الشيعة خمسة حكومات فقط ، كما أن تطور مشاركة الشيعة في الحياة السياسية كان بطيئاً بشكل كبير([62]).
2- المسيحيون
ويشكلون حوالي (5)% من سكان العراق، ويرجع وجودهم إلى ما قبل دخول الإسلام للعراق بأكثر من 600 سنة([63]) ، والدليل على ذلك وجود النبط، وهم بقايا سكان العراق القدماء، حيث كان هؤلاء مسيحيون نسطوريون، كما وجد الخميون المناذرة في الحيرة، وهم العرب المسيحيون الذين نشروا المسيحية بين القبائل العربية، مثل بني تميم ، وبني سليم، وقد حسبوا مع العرب عند الفتح العربي الإسلامي للعراق، لأنهم عرب أولاً، ولأنهم كانوا قد تعرضوا لاضطهاد الفرس ثانياً، ويقسمون إلى آراميون وهم السريان المتواجدون قرب الموصل، الذين يتكلمون السريانية ومنهم ظهر الكلدان ، والآشوريون ، واليعاقبة ، والنساطرة ، والسريان الشرقيين والغربيين ، كما أن بعض العرب ، والأكراد ، والتركمان يدينون بالمسيحية ، وقد انقسم المسيحيون في العراق بسبب ما كان من انقسامات في الكنيسة البيزنطية ، فالانقسام الأول والذي افرز الكنيسة الشرقية (النساطرة) والكنيسة الأرثوذكسية (اليعاقبة) يعود إلى القرن الخامس الميلادي، كما وأن بدايات الانقسام الآخر ضمن الكنيسة الشرقية والذي افرز الكنيسة الكلدانية تعود إلى القرن الخامس عشر، وأن محاولة إضفاء شخصية متميزة للمذاهب المتولدة من هذه الانقسامات كالقول: الأثوريون بمعنى النساطرة والسريان بمعنى اليعاقبة والكلدان بمعنى الكاثوليك هي محاولة غير صحيحة ، ويتعامل معظم المسيحيون في العراق باللغة العربية ، لكن هناك قرى سهل الموصل لم تزل الآرامية لغتها الأساسية ( وهي لغة قديمة تجد شراكتها مع العربية باعتبارها من جذر واحد ، كما وان الآرامية لغة السيد المسيح ( ع) لم تزل لغة الطقوس الدينية في البيع والكنائس العراقية، أما البروتستانت في العراق فهم قليلون ([64]).
والأدوار الحضارية لهذه الأقوام المسيحية العريقة قد تكاملت سياسيًا واجتماعياً مع القوى المحلية العراقية جميعاً، ويمكن القول بأن الذي أدمجها هذا الإدماج التاريخي الذي يعّبر عنه: تعايش سلمي واجتماعي قّل نظيره في أماكن وبيئات أخرى لأمم أخرى في العالم له دوافع حقيقية وتاريخية، يمكن أجمالها بالآتي:
· الشعور الجمعي الاجتماعي المسيحي ؛ بأنه متوارث للنزعة المسالمة التي لا تقبل الاعتراض أو الاختلاف أو التباين.
· توارث قيم التعايش ، وأسلوب الحماية لمجتمع كان العراقيون يعتّزون به اعتزازاً كبيراً حتى منتصف القرن العشرين.
· موجات التحدّيات الخارجية القاسية التي عانى منها المجتمع العراقي كله على امتداد تاريخه الطويل، خلق حالة شراكة تاريخية حقيقية نادرة الحصول في وقوف الجميع مسلمين ومسيحيين للاستجابة معاً إلى التحديات، ومعاناتهم معاً من المكابدات نفسها.لقد وصلت حالة الاندماج الاجتماعي إلى درجة الشراكة في التقاليد والعادات والألبسة وحتى اللغة، فالقرى المسيحية الواقعة في مجتمع كردي يتكّلم أهلها الكردية والقرى المسيحية الواقعة في مجتمع عربي يتكّلمون العربية وبنفس اللهجة، أما المستوطنات المسيحية القديمة منذ أكثر من ألفي سنة فالناس فيها يتّكلمون الآرامية([65]) ، وقد برز منذ عهد صدر الإسلام وامتدادا بالأمويين ومرورا بالعباسيين العديد من نخب الشعراء والعلماء واللغويين والمترجمين والأطباء المسيحيين العراقيين، ويكفي أن الفلسفة الإغريقية نقلت إلى العربية بفضل مسيحيي العصر العباسي ، وقام الأطباء المسيحيون بأدوار بارعة في الجراحة وعلم الأدوية، كما وكان لقسم منهم أدوار حضارية في الفن والهندسة والتاريخ والرحلات والصناعات والزراعة ، وهناك لغالبيتهم براعة في المهن وخصوصا البناء والتجارة وعلاج الأسنان والنجارة والحدادة وصناعة الحلويات والمعجنات.
أما دور المرآة المسيحية العراقية، فكان له أهميته البالغة لما قدمته للمجتمع من خدمات خاصة وخصوصاً في فن التطريز وصناعة الحلويات والتمريض والتعليم،إن هذه الأدوار ما كان لها أن تتطور إلى أسمى حالاتها لولا حالات السلم والأمان التي عاشها المسيحيون العراقيون وهم في كنف المسلمين العراقيين وتأمين هؤلاء على شركائهم المسيحيين ، وعلى أرواحهم ، وأموالهم ، وأملاكهم، وأعراضهم ، ونواميسهم، وعباداتهم ، وكنائسهم، واحترام المجتمع عاداتهم ، وتقاليدهم ، وطقوسهم ، وصلواتهم([66]).
وفي العصر الحديث كان لهم أدوار ومواقف ومعطيات حضارية في الفن والأدب واللغة والجغرافية والتاريخ ، والطباعة والصحة والفهرسة ، والتربية والتعليم والطب وطب الأسنان ، والصيدلة وفي الإدارة والقضاء ، والمحاماة والصحافة والترجمة ، والعلوم الأكاديمية والتأليف، والفن والغناء والمسرح، وفن البناء وخصوصاً في القرن العشرين، كذلك حفظت الأديرة القديمة اللغة العربية من الاندثار والضياع! حيث عمد الربان والآباء على حفظ نفائس الكتب العربية في مجالات العلوم المختلفة خوفاً من تلفها وإحراقها على يد الغزاة الذين توالوا على غزو العراق ، واشتهر العديد من الرهبان والقسس والمطارنة كعلماء ورحالة وشعراء ومدرسين في اللغة العربية إلى جانب السريانية الآرامية، وقد كان من أهم تلك البعثات: إرسالية الآباء الدومنيكان الذين وصلوا مدينة الموصل سنة 1750م وقدموا خدماتهم الطبية والتعليمية ، ومنها تأسيس مدرسة فرنسية عرفت بمدرسة الآباء الدومنيكان التي خرَّجت طبقة من المثقفين والعلماء المحدثين استمر تأثيرهم حتى القرن العشرين، إذ كان لهم تأثيرهم في نشوء المسرح بالموصل لأول مرة في تاريخ المنطقة، وكان لهم تأثيرهم في تأسيس المطابع ونشر العدد الكبير من الصحف.. فضلا عن الطباعة وخدمات أخرى([67]).
وحول عقيدتهم، فهم ينسبون إلى دين المسيح عيسى عليه السلام الذي ولد من أم يهودية هي مريم العذراء عليها السلام، عام (4) ق.م، ويؤمن المسيحيون أن الله قد خلق الكون، وخلق الإنسان على صورته، وجعله خليفته في الأرض، ويتسمون بالرموز والشعائر الكثيرة ، والدين المسيحي دين يدعو إلى المحبة والأخوة ، والزمالة بين الناس، ولهم عدة أناجيل تعتبر أربعة منها رئيسية هي: متى ، ومرقص ، ويوحنا، ولوقا وهي مترابطة مع بعضها البعض، ومكملة لبعضها البعض كما يرون أن هناك عدة أناجيل غير قانونية([68]).
وتجدر الإشارة إلى أن قسماً من المسيحيين قد جاء إلى العراق في العصر الحديث وأهمهم الأرمن الذين تعرضوا لمذابح الأتراك بعد الحرب العالمية الأولى، بسبب دعواتهم لإقامة الدولة الأرمينية على جزء من الأراضي التركية، وهذا أدى بهم إلى الهروب إلى المناطق المجاورة مثل العراق ، وسوريا ، ولبنان ، ومصر، كما دخل النساطرة الأشوريون العراق، كما أسلفنا قبل ذلك، عندما عرضنا التمايز الإثني في العراق، وكلتا هاتين الكنيستين لهما كنائسهما الخاصة بهما، وعلى العموم فإن المسيحيون سواء منهم المهاجرون الجدد أم القدماء، يشتغلون في جميع المجالات الاقتصادية ، والسياسية ، والمدنية في العراق مثلهم مثل المسلمون.
3- اليهود
كانت مهد الحضارات "بابل" هي مولد العبرانيين، قبل أن يصبحوا شعباً ويظهروا على ساحة التاريخ، كما كان مولد إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام في المدينة القديمة أور في عام 1900 ق.م، لكنه هاجرها بأمر الله تعالى عابراً نهر الأردن باتجاه فلسطين لذلك سمي أتباعه بالعبرانيين ، وتجدر الإشارة هنا أن قسماً من هؤلاء اليهود ينسب إلى النبي اسحق بن إبراهيم عليهما السلام، بينما ينسب الجزء الثاني من نسل إبراهيم إلى العرب المستعربة عن طريق النبي إسماعيل ابن إبراهيم عليهما السلام ، ومنهم الرسول محمد (ص) ؛ فالعرب واليهود أبناء عمومة ، إضافة لكونهم ينتسبون لنفس العرق السامي-قبل أن يطلق على اليهود اسم العبرانيين- الذي جاء من شبه الجزيرة العربية منذ آلاف السنيين،وقد عادوا للعراق زمن السبي البابلي الأول في عهد ملك الأشوريين شلمانصر عام 721 ق.م ، حيث قام بحملة ضد ملك الإسرائيليين "يهوشع" ، كما قام بعد ذلك ملك الأشوريين سنحاريب عام 702 ق.م ؛ بالهجوم على المملكة اليهودية الثانية "مملكة يهوذا" ، ثم كان السبي الثالث على يد ملك الكلدانيين نبوخذ نصر عام 486 ق.م ([69])،.
وهو دين يؤمن بالتوحيد منذ وجود النبي إبراهيم عليه السلام ، ثم ورث عنه التوحيد ابناه إسماعيل وإسحق وحفيده يعقوب والأسباط ، وأمر الله إبراهيم بختان كل ذكر في اليوم الثامن من مولده ليكون علامة عهد بينه وبين الله سنّة للأجيال ، ويؤمنون أن العقل البشري لا يمكنه إدراك الذات الإلهية ،وصفاتها ، ويؤمن اليهود بالمُوشِيَاح أي ( المسيح المنتظر ) الذي يأتي في آخر الأزمان ليملأ الأرض عدلاً وسلاماً ، ولهم عدة مقامات في العراق يزورونها منها مقام حزاقيل المعروف بالنبي ذي الكفل عليه السلام ، ومقام عزرا المعروف بالعزير عليه السلام ، وعندهم عدداً من الكتب المقدسة منها التوراة ، و الزبور التي يقولون عنها مزامير داود ، والتلمود وهو مجموعة التعاليم الدينية والشرعية المستمدة من التوراة ، كما لهم عدداً من الكتب المكتوبة باللغة الآرامية([70]) .
وقد حظوا بمكانة كبيرة أيام الدولة الإسلامية في كافة عصورها ، وأرجائها ، وكان منهم أسماء لامعة في العصر الحديث، ولهم صلوات وصيام خاصاً بهم ، وعطلتهم الأسبوعية هي السبت ، وأشهر أعيادهم يوم الغفران الذي يصادف العاشر من أكتوبر ، وعيد الغفران في 15 إبريل ، وعيد المظال الذي يستمر من 8 وحتى 15 من شهر أكتوبر، كما لهم عدداً آخر من الأعياد الثانوية([71]) .
وقد اشتهر اليهود في العراق بمهنة الصيرفة، والتجارة، حتى أن وزير المالية في حكومات الدولة العراقية كان منهم وهو ساسون حزقيل، حيث تولى هذه الوزارة خمسة مرات وذلك في الحكومات العراقية المتعاقبة؛ بسبب أن القانون العراقي لم يفرق بينهم ، وبين المسلمين في شغل المناصب في الدولة، كما أنهم قد سيطروا على الصحافة ؛ بسبب كفاءتهم العلمية الكبيرة، لكن تراجع مركزهم بعد استقلال العراق عام 1932، بسبب خطة الحكومة العراقية للسيطرة على الشؤون الاقتصادية في الدولة، رغم أنهم ظلوا يحتفظون بنسبة 50% من التجارة العراقية، إلا أن ما قامت به الدعاية النازية –قبل 1945- ، ومن ثم اندلاع الحروب العربية الإسرائيلية، قد جعل أحوالهم ومراكزهم تتضعضع، فهاجر قسماً كبيراً منهم إلى الخارج، لكن ظلوا يحتفظون بمعابدهم الدينية، كما استمر وضع بعضهم جيداً بعد ذلك، بالرغم من أن الكثير من مثقفيهم قد تعاطف مع الشعب الفلسطيني، وأيَّد حقه في فلسطين مستنكراً الدعوات الصهيونية لهذه الأسباب ،وانضم الكثير منهم إلى الحزب الشيوعي العراقي ،وأيدوا ثورة 1958في العراق، وقد شرعت لهم الحكومة العراقية قوانين إدارة " الطائفة الموسوية "، لتنظيم أحوال من تبقى منهم([72]).
أما أعدادهم في الوقت الحاضر فهم قليلون جداً، بسبب هجراتهم المتواصلة من العراق إلى إسرائيل ، وأوربا ، والولايات المتحدة، نتيجة الحروب العربية الإسرائيلية ، ففي عام ١٩٥٠ اتخذت الحكومة العراقية قراراً بالسماح لليهود بالتخلي عن جنسيتهم العراقية والسفر إلى إسرائيل ، ومنحتهم مدة عدة شهور لاتخاذ قرارهم،وفعلاً هاجر الكثير منهم بناءاً على ذلك، بسبب ما قامت به المنظمات الصهيونية وعملاءها من أعمال إرهابية حيث ألقيت العديد من القنابل على النوادي والكنس اليهودية ؛ مما جعل اليهود يندفعون في قبول القرار،وعلى هذا الأساس كان تهجير اليهود العراقيين مؤامرة كبرى دبرها الصهيونيون والبريطانيون وعملاءهم المؤتمرون بأوامر بريطانيا ، وتلقى بعض حكام العراق أجورا كبيرة على عملهم هذا، فكان تهجير يهود العراق إلى إسرائيل تقوية كبرى لإسرائيل ؛ لأن الشباب اليهود إناثاً وذكوراً أصبحوا فوراً جنوداً بموجب قانون التجنيد الإجباري المعمول به في إسرائيل، وكان تهجير اليهود خسارة كبيرة للشعب العراقي ؛ بسبب أن الجالية اليهودية كانت أكثر الجاليات التي هاجرت إلى إسرائيل ثقافة ، ورغم أن ثورة 1958م رفعت عن اليهود كل القيود، بل وألغى قانون إسقاط الجنسية إلا أنهم استمروا في الهجرة فلا يزيدون الآن عن عدة ألاف منتشرين في أنحاء متفرقة في العراق ،وخاصة العاصمة بغداد ، رغم أن عددهم كان قبل ذلك -قبل الحروب العربية الإسرائيلية- يصل إلى حوالي 2.6%([73]).
4- اليزيدية
طائفة دينية، يعتقد أنها كانت تؤمن بالديانة المانوية، التي كانت سائدة في عهد الفرس إلى جانب الزرادشتية، وكلا الديانتين تعتقدان بوجود إلهين واحد للخير، وأخر للشر، وأنه من المفروض عبادتهما لضمان السلامة، ويعتقد البعض أن اليزيدية هي واحدة من الديانات التي تطورت مع تطور البشرية حيث ترجع جذورهم إلى زمن إبراهيم الخليل (عليه السلام) ، فيعتقد اليزيدية أنه أول نبي آمنوا به ، كما أن هناك الكثير من العبادات القديمة التي لا تزال موجودة لديهم ، وهي من العبادات القديمة المتعلقة بالطبيعة وتقديس الشمس والقمر ، أو بعض الأحوال الطبيعية شأنهم شأن جميع الديانات التي سبقت الزرادشتية أو اليهودية ، أو المسيحية أو الإسلام ، وقد ظلوا على هذه العقيدة إلى أن ظهر الشيخ "عدى بن مسافر" الذي يتصل بالجد الرابع للخليفة الأموي مروان بن الحكم رابع الخلفاء الأمويين فأسلموا على يديه، وتبنوا التعاليم الصوفية، وبشروا بها من خلال مركزهم في جبال لالش في منطقة سنجار الواقعة على الحدود السورية العراقية، ثم ظهر بعض الدعاة الآخرين الذين أبعدوا اليزيدية عن الإسلام ؛ بسبب ما أدخلوه عليهم من أفكار لا تمت للإسلام بأي صلة، مثل : إن اليزيدية هم عنصر خاص من البشر، وأن الآخرين نجسون، وقذرون، ولا يجوز مخالطتهم ومعاشرتهم، وضرورة عبادة إله الشر ، وتقديم النذور ، والقرابين له، وأنه قد أسقط عنهم التكاليف الشرعية ؛ لأنهم أمنوا به ، وأن الشيخ عدي بن مسافر سيدخلهم الجنة دون حساب ، أو عقاب ورغم ذلك ما تزال عباداتهم ، وطقوسهم تبرز فيها بعض المعالم الإسلامية، ويرمزون لإله الشر بالطاووس ويسمونه "طاووس ملك"، ولهم سبعة طواويس ، كل واحد يرمز لإله، واحدهم يرمز ليزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وأخر للحسن البصري، وأخر للشيخ عبد القادر الجيلاني، وآخر لمحمد بن الحنفية وهو أحد أبناء الإمام علي "كرم الله وجهه" ، كما أن يزيديي سنجار يختلفون عن غيرهم من اليزيديين من حيث المعتقدات ، والعادات حيث يبدون الولاء لأئمة أهل البيت العلوي ، ويقدسون أسماءهم ، ولهم عدة كتب دينية، منها كتاب الجلوة، ومصحف رش ـ وهو الكتاب الأسود عندهم ـ ولهم طقوس وأغان، وعادات وشعائر خاصة بعباداتهم ، وأعيادهم الدينية، ويقدمون فيها القرابين وأشهر أعيادهم عيد ( جه ما ) ؛ الذي تقام مراسيمه في معبد لالش حصراً ويستمر ستة أيام من ستة إلى ثلاثة عشرة من شهر أكتوبر من كل عام ، وهو عيد خاص بذبح الثور قرباناً للشمس التي هي مصدر الخليقة بطاقتها في نمو كل شيء ، ويزورون معبد لالش من جميع مناطق تواجدهم لأحياء مراسيم هذا العيد ([74]).
ويقسم مجتمعهم إلى طبقات يتمايزون فيها عن بعضهم البعض ، فالطبقتين العليا والسفلى عندهم لا تتمازجان مع بعضهما البعض، ويتوارث الأمراء إماراتهم عليهم، حيث يعتبرون الأمير ممثلاً للإله عندهم ، ويقيم في قرية (باعذرة)، ويعتقد شيوخهم أنهم من نسل الأمويون، وقد حلت روح الخليفة يزيد بين معاوية فيهم، ويجمع أميرهم كل السلطات الدينية ، والسياسية ، والاجتماعية([75]) ، ومجتمعهم متأثر بالعادات الريفية والطابع العشائري الذي يسود علاقاته إلى الآن لأن معيشتهم الرئيسية ؛ تعتمد على الزراعة وتربية المواشي.
ولكل يزيدي مريد له يسمى البيرة أو الشيخ ، ويكيل أمره إليهما ، ويرجو منهما الشفاعة في الآخرة ، ويلتزم كل يزيدي بالشريعة اليزيدية من خلال ثلاثة أمور هي : عدم مخالطة غير اليزيدي ، واعتزاله بصورة مطلقة ، وعدم الخروج عن الحدود المفروضة عليه ، وإظهار العناية الكبيرة بالخرقة التي يكتسيها الفقير ، والحرمة لها ، ويطلق على هذه الأمور الثلاث بالشريعة ،والطريقة ،والدربجقة ، وهناك طبقة المريدون من الطبقة الروحية ، إضافة إلى الكواجك من طبقة العوام ، وهؤلاء الأخيرون ليس لهم صفة دينية ، كما أن طبقة القوالون الذين ينشدون الأناشيد الدينية ، ويغنون ،ويعلمون اليزيديين أصول الدين ، ولا يوجد أي اختلاط لهؤلاء مع الطبقات الأخرى من ناحية النسب([76]) .
ويؤمنون بالألوهية والتناسخ ، وبأن الأرواح الخيرة تعود إلى الحياة ، بينما الأرواح السيئة تدخل أجساد الحيوانات ، وتعيش فترات طويلة حسب الفترة التي حكم عليها بها من قبل ملائكة الله ، كما يؤمنون بعودة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان إلى الأرض ؛ ليملأها عدلاً ، بعدما فسدت ، وأنه سيرفع من شأن الطائفة اليزيدية ، وأن مجد الأمويين سوف يعود ، وستكون دمشق أكبر مدن الأرض([77]) .
ويتركزون في العراق في عدة مناطق هي : الشيخان ، والجراحية ، وألمان ، وباعذرة ، وعين سفني، وسنجار، وينتشر قسماً منهم في سوريا ، وتركيا إضافة إلى روسيا والقوقاز، ومعظمهم من الأكراد، لكن بعضهم من أصول آشورية ، أو ميدية أرية، إلا أن أمراءهم ومشايخهم من أصول عربية خالصة· ، حيث لا يزالون يحافظون على عنصريتهم ، ودمائهم العربية، كما اعتنقت بعض القبائل والأفخاذ العربية الدين اليزيدي ومنها قبيلة شهوان ، كما أن بعضهم من أصول أرامية مندمجة مع عشائر عربية ، وعددهم أقل من 1% من سكان العراق([78])، ولهم صلات قوية مع المسيحيين ، والمسلمين عن طريق الكرافة وهي من المراسيم الاجتماعية لهم ، والتي وتتمثل بقيام الشخص اليزيدي بعملية ختان أطفاله في حضن شخص مسلم يختلط فيها الدم ويصبحون كعائلة واحدة .
وقد أفتى المسلمون بارتدادهم ، وكفرهم على أساس استباحتهم لدماء آل البيت النبوي عليهم السلام، وكرههم للإمام علي "كرم الله وجهه" ، وغلوهم في الأمويين ، وقد تعرضوا للاضطهاد على يد العثمانيين؛ بسبب رفضهم للتجنيد الإجباري، كما رفضوا دعوة الحكومات العراقية لهم للتجنيد الإجباري، وقد وقفوا موقفاً سلبياً من الثورات العراقية ضد الإنجليز، وكانت لهم علاقات خاصة معهم، وقاموا بثورات ضد الحكومة العرقية عام 1935 ، مما حذا بالحكومة العراقية إلى اضطهادهم([79]).
5- الصائبة
ويسمون كذلك بالمانديون، أما اسم الصابئة فهو الاسم المعروف لطائفة دينية قديمة جداً ما يزال لأتباعها بقية باقية في العراق ، وجنوب إيران-منطقة عربستان المحتلة من قبل إيران منذ 1925 ، حتى يومنا هذا، ولا تزال لهؤلاء قيم وطقوس وشعائر دينية وكتب مقدسة ينسبون اثنين منها -وهما الكنزابرا ، وسدرة اندشمائة- إلي أبي البشر آدم عليه السلام ، ويعظمون يوم الأحد كالنصاري (المسيحيين) ويقدسونه كثيراً ، ويعطلون فيه عن العمل ، وأعيادهم هي العيد الكبير، وهو عيد رأس السنة ويسمونه (دهفة ربه) ويعرف باسمه الفارسي أيضاً(نوروز ربه) ويسميه العامية عيد الكرصة، ومدته يومان ، ويعتنون كثيراَ بكتبهم الدينية ولا يسمحون لأي أشخاص آخرين بالإطلاع عليها ، ويعدون العزوبة خطيئة وإنجاب الأولاد فريضة ، وعددهم في العراق قرابة المائة ألف، ويدَّعون أن للعالم صانعاً فاطراً حكيماً مقدساً، ونتقرب إليه من خلال الروحانيون الذين يقولون عنهم بأنهم مطهرون، ومقدسون ، ومنزهون ،ومفطورون على الطهارة، وأنهم الواسطة مع الإله، وهم وسائل الشفاعة عنده ويشكون حاجاتهم إليهم، بعد أن يظهروا أنفسهم ويهذبوها، ويتبتلون بالدعوات ، والصلوات ، والذكوات ، والصيام، والقرابين ، وتبخير البخور ، وتقديم العزائم، ويعتقدون أن هؤلاء الروحانيون يستمدون القوة من الله، وهم الذين يدبرون الكواكب السبعة في أفلاكها، وهم هياكلها ، حيث لكل روحاني هيكل، ولكل هيكل فلك، ونسبة الروحاني إلى ذلك الهيكل ؛ الذي اختص به نسبة الروح إلى الجسد، فهو ربه ومدبرة ، ومديره ، والهياكل هي أرباب، لذلك فهم يقدسون الكواكب([80]).
ويرون أيضاً أن فعل الروحانيات في حركتها على قدر مخصوص؛ ليحصل من حركتها انفعالات في الطباع ، والعناصر، فيحصل من ذلك تركيبات ، وامتزاجات في المركبات ، فيتبعها قوى جسمانية ، ويركب عليها نفوس روحانية، مثل أنواع النبات ، والحيوان، وكل من المطر ، والثلج ، والرياح ، والصواعق ، والشهب، بنتيجة تلك النفوس الروحانية، كما أن تصرفات الإنسان تخضع لهم([81]).
ويرى البعض أن أصلهم من الحرانيين ؛ الذين انتحلوا تسمية الصائبة بعد أن خيَّرهم الخليفة العباسي المأمون، بين الدخول في الإسلام ، أو اختيار أحد الأديان الموجودة في القرآن، فرؤوا أن يتسموا بالصائبة، وهم جماعة من اليهود تبعوا دين يوحنا المعمدان – النبي يحيى عليه السلام - ، وتركوا شريعة النبي موسى عليه السلام، وهاجروا من الأردن، في زمن النبي عيسى عليه السلام واستقروا على ضفاف دجلة ، لكنهم ينكرون ذلك حيث يؤكدون أنهم كانوا يسكنون منذ زمن قديم مناطق عديدة تمتد على رقعة جغرافية كبيرة واشتهروا بطلاء معدن المينا وصياغة الذهب والفضة، وصناعة القوارب الخشبية ([82]).
ومن أساسيات الدين عندهم اغتسال العروسين المتزوجين حديثاً في المياه الجارية، وذلك تحت مختلف الظروف الجوية ، وكذلك للمحتضر قبل موته ، وهذه العادة قد سببت وفاة العديد منهم، كما سببت الأذى للكثيرين ، لذلك فقد غيَّروا هذه العادة ؛ من خلال إقامة مسابح مياه عذبة في معابدهم لأجل طقوسهم الدينية.
ويتكلمون العربية، ورغم قلة عددهم فقد كان لهم دور بارز في مجالات العلم والأدب والمعرفة منذ العصر العباسي وحتى الآن ،فقد خرج منهم من كبار رجال العلم والتاريخ والأدب ، العالم الشهير ثابت بن قرة وأبو اسحق إبراهيم بن هلال الصابئ ، أما لغة طقوسهم الدينية فاللغة المندائية، وهي لغة قريبة من السريانية داخلتها كلمات عربية وفارسية، وقد كتبت كتبهم الدينية باللغة المندائية ومن أهمها "كنزا ربا" (الكنز الكبير) و"ادرافشا دياحيا" (تعاليم يحيى) و"سيدرا دنيشماتا" (كتاب الأرواح) و"القاليتصا" (السعادة) و"الديونان"([83]) .
6- العلى اللهية
عقيدية دينية تمارسها عشائر "اللر، والكورانيون" من الأكراد ، وهم يعتبرون من المسلمون الغلاة المتطرفون الذين خرجوا بغلوهم من دائرة الإسلام ؛ بسبب مسهم لجوهر العقيدة الدينية الإسلامية ؛ بإيمانهم بالحلول وتناسخ الأرواح، وألوهية الإمام علي "كرم الله وجهه" ، الذي يدعونه بخالق الأرزاق، وأن روحه قد حلت بأولاده ، وأحفاده من بعده، ولهم مشايخ تسمى البيرات (الهاتفون) ويطلقون على أنفسهم اسم (يام) ، وعلى الغرباء (جوز) ، ولهم عدة معابد أقدسها عندهم "بابايزوك" ، وعددهم عدة أعشار من الآلاف في العراق([84])، ومن عباداتهم أيضاً أنهم يؤمنون بعبادة الشمس على أنها تجسيم للخالق، وأن هناك قرآناً أخر غير الموجود، ، ويحرمون أكل اللحوم ، وقتل الحيوانات، ويميلون إلى العزلة تجاه غيرهم من الطوائف الدينية([85]).
7- والكاكائيون
الكاكائية نسبة إلى كلمة (كاكه) الكردية وتعني الأخ الأكبر وبهذا تكون الترجمة الحرفية لكلمة الكاكائية هي: الأخية ؛ والكاكائية جماعة أو عشيرة كردية كبيرة تسكن أغلبها في كردستان الجنوبية والشرقية ، والساكنين منهم في كردستان الشرقية فيسمون بأهل الحق، وقد عرفت "الكاكائية" كملَّة في القرن العاشر والحادي عشر الهجري، لكن كانت معروفة قبل هذا التاريخ بشكل طريقة صوفية، ويقال إنها كانت تعرف بـ "الفتوة" ، وقد ظهرت إلى الوجود على شكلها الحالي في القرن السابع الهجري على يد سلطان إسحاق البرزنجي ، لكن ظهرت بوادرها في القرن الثاني للهجرة على يد عمرو بن لهب الملقب بـ (بهلول)، والكاكائية يصرحون بأن عقائدهم مكتومة، لا يبوحون بها ولا يجيزون كشف أسرارهم الدينية ، ولدينهم أربعة ركائز و هي: النظافة (نظافة الجسد الروح)، الصدق (مع الخالق والمخلوق)، الفناء (الفناء في الله) والتضامن ، ويعتقدون بوحدة الوجود من أن الكون هو الله، والكل يرجع إليه ويعود إلى حقيقته ، ويؤمنون بالتناسخ ، وهذا من عقائدهم الأصلية وهو نتيجة للحلول، فإذا لم يتم التناسخ فلا يكون الحلول أبداً، وهم لا يتلون القرآن، ويعد في نظرهم غير معتبر ؛ أما اليوم الآخرعندهم فيقصدون به يوم " ظهور الله" في شخص وحلوله فيه ومعناه عندهم انتقال الروح العادية من بدن إلى آخر حتى تطهر وتكون صالحة مجردة عما ارتكبته من أعمال أو ما اقترفت من آثام([86]) ، وأهم كتبهم الدينية : كــلام الخــزانــة أو "ســرانجــام" المدون في القرنين السابع والثامن الهجري ويتكون من ستة أجزاء، ويعتبر في رأيهم وحياً منزلاً، ويرون فيه تعاليم كاملة، ونهجاً قويماً، ومرشداً لهم في الحياة، يستندون إليه في حل كل مسائلهم الدينية والدنيوية،وهذا الكتاب لم يُطبع قط في أي مكان، ومن كتبهم أيضاً "جاوَدانْ عُرفي" وهو كتاب الطريقة الصوفية الحروفية· ، وكتاب "حياة" و "التوحيد" لـ سلمان أفندي الكاتبي، تُضاف إلى هذه الكتب دواوينَ شعرية، تُتلى كأدعية وابتهالات.
يعتقد أنهم من أصول كردية، كونهم يرتدون الزي الكردي، وهم طائفة دينية منشقة عن الإسلام، كونهم يؤمنون بالحلول ، والتناسخ ، وألوهية الإمام علي "كرم الله وجهه" ، وادعائهم أن الرسول محمد (ص) قد كتب القرآن بنفسه، ويصومون خمسة أيام من كل عام، ويحترمون يومي الجمعة ، والاثنين، ويحرمون الطلاق، إلا برضى الطرفين، ويقسم مجتمعهم إلى ثلاث طبقات هي([87]):
1- طبقة السادة أو المرشدون الدينيون، وهم الطبقة الحاكمة.
2- طبقة الإمام وهم المرشدون ويسمون بابا.
3- طبقة (أومي) وهم العامة منهم، ويسمون كذلك بالإخوان.
ويتواجد قسماً منهم في خانقين والسليمانية والموصل، لكن معظمهم يتواجد في كركوك، ويشتغلون بالزراعة، ويميلون إلى العزلة مع غيرهم، ويتسمون بالتسامح الديني مع الآخرين.
8- الشاباك
ويتسمون كذلك بالشبك، ويعتقد أنهم من أصول الأكراد ، أو الأتراك، حيث لغتهم خليط من اللغات التركية ، والكردية ، والفارسية ، والعربية،إلا أنهم يعتبرون أنفسهم طائفة ، وقومية مستقلة عن بقية الطوائف والقوميات الموجودة في العراق ، رغم أنهم من أصول مختلطة من عرب ، وتركمان وكرد ، وهم أيضاً طائفة انشقت عن الإسلام، بسبب ألوهيتهم للإمام علي "كرم الله وجهه" ، وعدم إقرارهم للتعاليم الإسلامية ، أو الفرائض ، وتحليلهم لبعض المحرمات عند المسلمين كالخمر، وممارستهم لبعض التعاليم المسيحية ، وسيادة الخرافات ، والسحر ، وعادة الأخذ بالثأر عندهم ، ومن أقدس كتبهم الدينية كتاب مخطوط بالتركية يسمى (بويوق) وتعني الأوامر ، وهذا المخطوط يحتوي على حوار بين الشيخ صدر الدين ، والشيخ صفي الدين في آداب الطريقة (القزلباشية) وهم من غلاة الشيعة الذي يسكنون أذربيجان وتركيا، ويكثر الشبك في كتابهم المقدس من الاستغاثة في أذكارهم وأورادهم بذكر ، الأعداد الثلاثة والخمسة والسبعة والاثني عشر والأربعة عشر والأربعون وكل عدد يرمز إلى أمر ديني مقدس ؛ فالثلاثة الله ومحمد وعلي ، والخمسة هم الرسول محمد (ع) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (رض) ، ويسمون أصحاب الكساء، ويرمز العدد سبعة إلى درجات ومراتب الصوفية وهي المنتسب - المريد - الدرويش - البير - البابا - القلندر - الرند -القطب.
أما الاثنا عشر فيرمز إلى الأئمة المعصومين ، فيما يرمز الرقم (14) إلى المعصومين إضافة إلى الرسول (ع) وابنته فاطمة الزهراء (رض) ، والأربعون هم الأبدال أو الواصلون ، وهؤلاء لا يعرفهم الناس ولا يرونهم لأنهم رجال الله وجند الله، وعقيدتهم تستمد تفاصيلها من الطريقة (البكتاشية القزلباشية) وهي دين أسسه الحاج بكتاش ولي الخراساني الأصل النيسابوري المولد ، وقد توفي سنة 738هـ ودفن في قرية (قره شهر) ، حيث أن هذه الطريقة تؤله الإمام علي (كرم الله وجهه) ، وتصل نسبتهم في العراق إلى أكثر من 1% من السكان ، ويتوزعون على أكثر من خمسين قرية في الجانب الشرقي لمدينة الموصل، ويتسمون بتميزهم بفلكور شعبي خاص بهم([88])، ومعظمهم يتركز في الموصل ومنهم من يوالي السنة-يرون أنسهم سنيون-، ومنهم من يوالي الشيعة-يرون أنفسهم شيعيون- في عقيدتهم ، ولهم كتاب أسمه المناقب ويسمونه (البريخ) وهو كتاب ؛ يشرح عن الخير والشر وموالاة آل البيت، وفيه أدعيتهم وصلواتهم، وعددهم بضعة عشرات من الآلاف في العراق ، أما في باب العبادات عند الشبك فهم يؤدون فريضة تسعة أيام من شهر محرم ، وهم يزكون أموالهم ويقومون بتأدية فريضة الحج إلى الديار المقدسة، وعنده بعض المساجد التي يصلون فيها([89]).
والشبكي لا يرى مولوده مباركاً ما لم يبارك له البابا ، ويدع له بالخير ويقرأ له (الكلبنك)، وعن مراسيم الزواج فإن البابا أيضاً هو الذي يتولى العقد ويحضر الأفراح في بيت العروس ، حيث تضرب الدفوف ويرقص المجتمعون علي شكل حلقة وتسمى محلياً رقصة الجوبي أو الدبكة ، ويندر أن يطلق الشبكي زوجته حتي لو ابتليت بمرض عضال لا يرجى شفاؤه ، ويظل ملازما لزوجته ، وقد كانت الأمية شائعة بينهم ، وكان معظمهم كان لا يحسن القراءة والكتابة باستثناء بعض الشيوخ أي الداده أو البير أو المرشدين، وكانت آداب الشبك الذي هو من نوع الأدب الديني محصوراً في هؤلاء الناس فقط، كان ذلك خلال الربع الأول من القرن العشرين، ولكن بحلول منتصف القرن الماضي تم فتح المدارس الحكومية في كل قرية من قري الشبك ، وأصبح المجتمع الشبكي مجتمعاً مثقفاً مواكباً للمستجدات العصرية الحديثة وبرز بينهم مثقفون وأطباء ومهندسون وأساتذة ، ولهم أعياد خاصة بهم تتسم بأنها تتشابه مع أعياد المسيحيين مثل ليلة رأس السنة، وليلة التغافر ، وليلة الاعتراف([90]).
9- البهائية
فرقة انشقت عن الإسلام، وارتَّدت عنه؛ بسبب ما لحقها من أفكار تمس جوهر العقيدة الإسلامية، وتسمى أحياناً بالبابية، وقد نشأت في القرن التاسع عشر في إيران، ثم انتشرت في عدة بلدان ومنها العراق، وترجع بتأسيسها إلى الشيخ محمد الشيرازي الذي لقب نفسه بالباب، وادعى أنه المهدي المنتظر ، ثم قام بسن شرائع جديدة ، مثل تحليل زواج المتعة دون أية شروط أقرها المذهب الشيعي لذلك، كما ساوى بين الرجل والمرأة في الميراث، وأقام توقيتاً جديداً فجعل أشهر السنة تسعة عشر شهراً بدلاً من اثني عشر، وجعل أيام الشهر تسعة عشر يوماً، وحرم الزكاة ، والصدقة إلا على أتباع مذهبه ، وألف كتاباً أسماه "البيان" ، وحثَّ أتباعه على حج بيته في مدينة تبريز الإيرانية بدلاً من مكة، ثم ادعى النبوة، ولقب نفسه ببهاء الله، ثم جاء ابنه بعد موته، ولقب نفسه بعبد البهاء، وحاول نشر هذا الدين خارج إيران من خلال أتباعه ، وأصدر عدة صحف باللغة الإنكليزية، وسميت صحيفتهم في الغرب "بنجمة الغرب"([91])، ثم نقل مقر دعوته إلى عكا في إسرائيل، حيث يحج أتباعه إلى هناك بعد أن حولها من تبرير.
والبهائية دين يقوم على فكرة أساسية تدور عن وجود إله أزلي واحد هو الذي يصرف أمور الناس، وأن رحمته لا تغلق ، ويجب أن تتطور الشرائع مع تطور الحضارة ؛ لأن الجمود يجعلها متخلفة بنظرهم، وعلى هذا الأساس فيجب على الشريعة الإسلامية أن تتطور لتوافق روح العصر الحديث، وقلد لقي هذا الدين النقد ، والتكفير من جميع المسلمين ، لكنه استطاع الانتشار في بعض الدول العربية مثل : العراق ، وسوريا ، ولبنان ، ومصر، إضافة إلى الأمريكيتين وأوربا([92]).
11- الكولية
يلقبون بالغجر ، ويرى بعض الباحثين أنهم جاءوا من أفغانستان في الألف الأول الميلادي ، ومروا بالشرق الأوسط ، وانقسموا إلى قسمين فرع ذهب إلى تركيا ومنها إلى أوروبا عبر مضيق البسفور ، وكون الجاليات الغجرية الكثيرة في شرق أوروبا ، والبعض منهم واصل طريقه نحو إيطاليا وفرنسا حتى استقر بهم المقام في إسبانيا "الأندلس"· ، وبذلك فإن الغجر انتشروا في كل أوروبا ، وفي القرن الماضي تعرض الغجر في أوربا إلى مجازر ومحارق راح ضحيتها مئات الآلاف منهم، وبسبب أنهم يتميزون عن غيرهم من الأقوام بميزات التخلف الحضاري والاجتماعي، لأنهم يكرهون العلم والثقافة والعمل ويحبون اللهو والطرب والعبث، مما جعلهم مكروهين في المجتمعات التي يحلون عليها وخصوصا الأوربية التي تتمتع بحضارة تنبذ هذه الصفات، لذا فقد تغاضى العالم عن الجرائم التي ارتكبتها النازية ، وغيرها من الأنظمة الأوربية بحقهم ، أما القسم الآخر الذي لم يذهب إلى تركيا ؛ فإنه انتشر في الشام والعراق والبعض منهم عبر سيناء واستقر في مصر ، ولهم أسماء بحسب المناطق التي انتشروا فيها فيسمون بالقرباط في حلب ، والنور في دمشق ، والغجر في مصر ، وعند الأكراد القرج ، ولغتهم التي يتكلمونها فيما بينهم شبيهة بالهندية ويسمونها بالرومانيّة أحياناً ، لكنهم يتكلمون أيضاً لغات الدول التي يعيشون فيها ويتقنونها بشكل كبير ، ويضرب بهم المثل في صفات البخل والتخلف والجهل.
ومنهم الفقراء ومنهم الأغنياء، ومنهم من يأكل الجيف، ويسكن أكثرهم في بيوت من الشعر أو الطين ويرفضون حياة الاستقرار على أساس أنهم يعشقون الحرية والتحرر من كل قيد ، ويدعون أن الأرض ملكاً لهم ، كما يمتهنون صناعات يدوية متدنية مثل : صناعة المناخل والغرابيل والطبول والدفوف، من شعر أذناب الخيل والدواب الميت، أما عباداتهم فإنهم يعبدون الإله سيدا، وليس لهم أماكن للعبادة، رغم ادعائهم بأنهم مسلمون أو مسيحيون أو غير ذلك ، حيث يدينون بديانة ظاهرية فيكونوا مسلمون في الأوساط الإسلامية ، ومسيحيون في الأوساط المسيحية،وهكذا فإن الغجر يأخذون لغة ودين الأرض التي يسكنونها.
والمعتقد الغجري القديم يؤمن بأن البشرية نبعت وتطورت من خلال ثلاثة رجال، أحدهم أسود ومنه جاءت الشعوب الأفريقية أو الزنوج بشكل عام، والآخر أبيض البشرة ومن نسله وذريته جاءت الشعوب الأوربية والجنس الأبيض بشكل عام ، وثالثهم هو " كين " أي جد الغجر الأول، وتقول الأسطورة بأن كين قتل أخاه وعلى أثر هذه الجريمة غضبت الآلهة وعاقبت نسله وذريته بعدم الاستقرار في مكان معين ، وأن يبقوا هائمين على وجوههم مدى الحياة، ومثل هذا الاعتقاد يفسر لنا طبيعة الغجر الجوالة على مدى التاريخ، وكذلك العاطفة الجياشة تجاه بعضهم البعض، أو ما يسمى "الأخية" أي أن مشاعر الحب والود والتعاطف بينهم في أعلى درجاتها .
وتقول إحدى الروايات حول أصولهم أن بهرام شاه الذي اعتلى عرش بلاد فارس في بداية القرن الخامس الميلادي ، كان يحب راحة رعاياه وأحب هذا الشاه أن يكرس لشعبه نصف كل يوم من السنة للراحة والحفلات وقد صدم هذا الشاه عندما علم أن الفقراء يجدون ملذاتهم بشرب الخمر فقط ، بينما الأغنياء يحتسون الخمر أثناء سماع الموسيقى ؛ لذلك طلب من واليه في الهند أن يرسل له 12 ألف موسيقي للترفيه عن الفقراء ، والمساكين فأرسل له ذلك ولما وصلوا أقسموا أمامه على إسعاد الفقراء في حفلاتهم ، وبالمقابل أعطى الشاه لكل منهم حماراً وثوراً وكمية كافية من الحبوب حتى يواصلوا زراعة الأرض التي أعطاهم إياها الشاه ، ولكنهم أكلوا ثيرانهم وحبوبهم ، وعندما تذمروا من الموت جوعاً ، قال لهم الشاه بقي لكم الحمير وآلاتكم الموسيقية فما عليكم بعد رفضكم الغناء للشعب إلا أن تحملوا آلاتكم على الحمير ، وتخرجوا من بلاد فارس وفعلا خرجوا، والأمر المؤكد أنهم أقاموا فترة طويلة ببلاد فارس بعد أن عرفهم الناس بأنهم أصحاب مهن وموسيقيين ، وبعد الفتح الإسلامي للإمبراطورية الساسانية خلال القرن السابع الميلادي تم طردهم، لأن الإسلام يحرم الكثير من أعمالهم ، ويعادي أخلاقيتهم المتدنية ، فاتجهوا إلى بلاد الكرد والقوقاز وعبروا الأناضول وبلاد الشام إلى مصر واليونان والقسم الأكبر ذهب إلى إسبانيا والمجر وألمانيا وباقي الدول الإفريقية العربية وبلاد أوروبا ، أما عاداتهم ففي حالات الوفاة يُلبسون المتوفى أجمل ملابسه ، حيث يدفنونه وهو في كامل أناقته، أما بالنسبة للمرأة المتوفاة في أكثر الحالات يدفن بجانبها جميع ممتلكاتها من جواهر وذهب وخاصة عندما لم تكن للمرأة المتوفية بنات يرثونها ، وقد أصبحت بعض هذه العادات من الماضي ،وهم فخورين جداً بانتمائهم الغجري ، وبالرغم من معايشة الغجر للمجتمعات الجديدة التي حلوا بها، واعتناقهم ديانات " المسيحية والإسلام " ومذاهب الشعوب والبلدان التي حطوا فيها الرحال وتحدثهم بلغاتها ولهجاتها، إلا إنهم بقوا محل شك وريبة من قبل شعوب وحكومات هذه البلدان ولا سيما في البلدان الأوربية التي وضعتهم تحت المراقبة الشديدة، ولم تخل هذه السياسة من الترحيل القسري والقتل ، دون أن يترتب على القاتل للغجري أي تبعات قانونية في بعض المراحل التي مرت بها هذه الدول، كما يعزى كراهية الأوربيين المسيحيين للغجر على الاعتقاد الذي كان متداولاً في العصور الوسطى لدى الشعوب الأوربية بأن صانع الصليب الذي صلب عليه السيد المسيح عليه السلام كان رجلاً غجرياً.
ويسكنون على أطراف بعض المدن، ولا يحبذون الاستحمام ؛ لأن الماء عنهم شيئاً نادراً ، لهذا السبب فلهم رائحة كريهة ، وعددهم قليل جداً، وتشتغل نساؤهم في أحياء الأفراح والرقص والغناء وقراءة الكف ، والدجل ، والبغاء ، ولا يبالي الغجري بما تشتغل زوجته ، أو ابنته فالمهم عنده أن تحصل على الأموال كونها مصدر رزق له ، وقد امتهن بعض غجر العراق مهنة تربية الخيول ، وصناعة الأسنان (متجولين ) وقد أصبح هؤلاء من أغنياء العراق، ففي منطقة الكمالية في بغداد توجد بيوت غنية جداً من الكاولية اغتنت من وراء الخيول ([93])، وقد نظر العرب للغجر عمومًا على أنهم جنس بشري منحط، ولاقى الغجر على الدوام معاملة سيئة من العرب ؛ بسبب العادات السيئة للغجر كالسرقة مثلاً· ، حيث يعملون كل ما باستطاعتهم لكسب المال، لهذا لم يرغب العرب بالاختلاط بهم أو الزواج منهم، ولم يشعر الغجر على طول تاريخهم بالانتماء إلى الشعب العربي نتيجة المعاملة الاستعلائية-وهذا حق للعرب أمام أناس ذوي صفات متدنية مثل الغجر··- ونتيجة عادة التنقل التي ميزت أسلوب حياتهم ، فهم يتمايزن بشكل كبير عن الشعب العراقي في بشرتهم ولون عيونهم وقوامهم التي تشبه سكان جبال الهند وأفغانستان، إضافة إلى بروز عظام الوجنتين ممّا يدُلّ على جُذورهم الآسيويَّة ، وقد بدأ هؤلاء الأقوام يصعدون إلى الشمال الغربي منذ الألف الثاني قبل الميلاد .
وحول وجودهم في العراق فمنذ خروجهم من بلاد فارس ، نزلوا السهل العراقي في الألف الأول ق.م ، وكانوا بدواً رحلاً يعتاشون على منتجاتهم الحيوانية وخصوصاً الحليب ، وأيضاً امتهنوا مهنة الرقص والغناء الذي حملوه معهم من ديارهم ؛ ليمارسوه في أفراح القرى التي ينزلون جوارها ، ولهذا فإنهم لم يختلطوا بالسكان بشكل مباشر في العراق، لأن الأراضي الزراعية كانت خاضعة لأصحابها العراقيين، فلا مجال لهم لممارسة الزراعة ، ولذلك بقوا على أعتاب القرى الزراعية بين الصحراء والسهل يعيشون على حيواناتهم ، وينتظرون من يأتي إليهم ليقدموا له المتعة الخاصة أو الحفلة الخاصة ، أو يأخذهم لإحياء حفلة لعائلته بمناسبة الأعراس، ولذلك كانوا يسمون في العراق القديم بكاولي ، وكاولي باللغة العراقية القديمة تعني أصدقاء ، لأنهم يقومون بدور مسالم وحميمي ، وقد استمر وجود الغجر في العراق حتى دخول العراق في كنف الإسلام ، الذي حارب تجارة هؤلاء الناس المرفوضة دينياً، لذا شد الكثير منهم الرحال إلى تركيا ، ومنها إلى أوروبا ، والقسم الآخر ذهب إلى مصر ، واستقر فيها حتى أن الأوروبيين التقوا بهم في مصر قبل أن يستقر الغجر في أوروبا ، ولهذا فأن أغلب اللغات الأوروبية تسمي الغجر ”جبسي“ ، وهو خطأ تاريخي ولغوي ؛ لأن الغجر ليسوا سكان مصر الحقيقيين، ولكن الرومان عندما وصلوا مصر قبل الميلاد اطلعوا عليهم ولهذا حصل الخلط بين مصر والغجر ، ويتواجدون في وسط وجنوب العراق ، وليس لهم مؤسساتٍ قضائيَّة أو هيئة اجتماعيَّة ذات سطوة يلجأون إليها في خصوماتهم([94]) .
المطلب الثالث
التمايز الحضري ، والعشائري ، والإقليمي في العراق
ترتبط هذه التسميات ببعضها البعض ارتباطاً شديداً؛ لأن التمايز الحضري بين الريف، والمدينة ؛ هو تمايزاً أيضاً بين العشائر الحضرية ، والبدوية، وبين العشائر التي تنتمي لأقاليم مختلفة، لكن سنحاول تفصيل كل واحدة من هذه الحالات قدر المستطاع توخياً لتحليلها ، ووصفها بشكل أكثر وضوحاً بما يبرز أهم جوانبها ودورها في التأثير على الوحدة الوطنية في العراق التي هي أساس الدراسة.
· العشائرية
كل طائفة دينية ، أو عرقية ، أو قومية (عرقية) في العراق تنتمي لعشائر خاصة بها؛ لأن المجتمع العراقي هو مجتمع عشائري بالدرجة الأولى ، لكن هذا لا يعني أن العشائر كلها ذات مذهب ديني ، أو فئة عرقية معينة؛ لأنه في العشيرة الواحدة قد يكون هناك من ينتمي إلى دين أخر غير دين بقية أفراد العشيرة، أو قد تكون العشيرة موزعة إلى أديان مختلفة ، وإن كانت سمة العشيرة الواحدة هي الأصل المشترك ، وأنها جزء من قبيلة أكبر.
إن البنية العشائرية في ريف العراق أقوى في قوتها الاجتماعية من البنية الحضرية المدينية في المدن ، كما أن التنظيمات الشعائرية في العراق هي تنظيمات تتمتع بالاستقلال الذاتي بشكل كبير ، وعدم تدخل الحكومة في شؤونها، منذ زمن بعيد، وينطبق الحال على كل المجتمعات العشائرية في العراق سواءاً كانت عربية ، أم كردية ، أم غير ذلك، فالعشائر الكردية على سبيل المثال تنقسم إلى ثلاثة أنواع هي([95]):
1- عشائر رحل: وهي العشائر التي تنتقل من منطقة إلى أخرى بحثاً عن المراعي، كما يؤثر المناخ على هجراتها بين الصيف ، والشتاء، وكثيراً ما يحصل التصادم بين هذه العشائر بسبب هذه المراعي.
2- العشائر نصف الرحل، وهم الذين يحترفون الزراعة في الشتاء، إضافة للرعي، وفي الصيف يهاجرون إلى المناطق المرتفعة، وعلى هذا الأساس ينقسمون إلى قسمين، قسم يحمي المنطقة المستقرين بها، وقسم يخرج لمزاولة مهنة الرعي.
3- عشائر مستقرة وهي العشائر التي تزاول الزراعة طوال العام ، وتعتمد حياتهم عليها.
كما توجد تنظيمات لا عشائرية في العراق ؛ حيث تتسم بدرجة كبيرة من الاستقلال الذاتي، وارتباطها بالإدارة الحكومية، ومعظمها في القرى، ويغلب على طبيعة حياتها الصراع الدائم مع العشائر الرعوية الرحالة ؛ وذلك بسبب المراعي([96]).
وتتميز العشائر العراقية بعدم ولائها للدولة بالدرجة الأولى، بسبب مشكلة القرابة العشائرية، والصلات القبلية التي تتمتع بكل صفات ، وتقاليد الماضي من تفاخر ونسب وثراء وسيادة مبدأ: "انصر أخاك ظالما أو مظلوم"؛ لذلك كانت تعمل الحكومات العراقية عادة على استدراج الولاء من خلال رئيس العشيرة، لتجعل بذلك العشيرة تنقاد بكاملها وتدين للدولة، فالرئيس العشائري عند الأكراد على سبيل المثال يجمع كلاً السلطتين الدينية ، والزمنية، والأكراد في تلك العشيرة يقدرونه ، ويحترمونه كلما كان قوياً ، وحكيماً، بشرط أن يكون كردياً، وينطبق الحال على العشائر العربية أيضاًَ ([97])، وكان السبب الأساسي في وجود هذه السلطة لدى رؤساء العشائر، هو أن العثمانيون الأتراك الذين كانوا يحكمون العراق، ومن بعدهم الإنكليز، قد أعطوهم سلطات كبرى، بحيث يحاكمون أفراد عشائرهم، وهم الذين ينوبون عنهم في التعامل مع الدولة، فقد عملت السياسة البريطانية على فرض ولاء أفراد العشائر على إطاعة شيوخها ، والاعتراف برؤسائها، وعدم التعامل مع أفراد العشائر على إطاعة شيوخها ، والاعتراف برؤسائها، ورفض التعامل مع أفراد العشائر بشكل مباشر، مؤكدة على دعم المشيخة ، ووساطة المشايخ بدلاً من المحاكم النظامية، وتألفت المجالس التحكيمية العشائرية، ومنحوهم النظر عن الدعاوي المدنية ، والجزائية، لكن بسبب كبت الحريات الديمقراطية، وتكالب الكتل السياسية على السلطة في العراق، وعدم نضج المنظمات الاجتماعية، وضعف الطبقة الوسطى صار الشيوخ يمارسون مختلف الضغوط لتوجيه المؤسسات في العراق([98]).
وتقوم المجتمعات العشائرية في العراق على النعرة (اللحمة) ، والعصبية ، وعلى مجموعة من التقاليد ، والأمجاد، وروابط القربى التاريخية الواقعية ، وغير الواقعية ، إذ تعتقد كل عشيرة أنها تنحدر من جد أعلى، سواء كان جداً حقيقياً أم غير ذلك، وتتفاخر هذه العشائر بالشرف ، والنسب ، والقوة ، وقد نشأت المجتمعات العشائرية في العراق أيضاً، على أنواع متعددة من العصبيات مثل :عصبية الأقارب ، أو التحالفات العشائرية ، أو الجوار ، أو التقاليد ، وعلى هذا الأساس تتوزع العشائر العراقية توزيعاً يتفق مع عصبياتها، خاصة بعد أن أصبحت العشيرة بالنسبة للفرد العراقي، هي التنظيم السياسي ، والاجتماعي ، والاقتصادي الوحيد الذي يربطه ، ويحميه ، ويحافظ على أمواله ، وأعراضه، مما جعله يواليها ، ويخلص لرؤساء العشائر، وكان لهذا أسبابه الخاصة؛ بسبب ما تعرض له العراق من مآسي على يد المغول ،والتتار ، والعثمانيون ، وغيرهم ممن حكم العراق([99])، كما يؤكد فيصل حمدي عجيل الياور، الناطق باسم إحدى أكبر القبائل العراقية ،وهي شمر ، أن العشيرة كان لها دورها السياسي الإيجابي على مدى تاريخ العراق ، فزعيم قبيلة شمر ساهم في إنقاذ لواء الموصل عام 1926 عندما حاولت تركيا ضمه إليها ؛ فدافع عن عروبته في عصبة الأمم ، كما شارك مع العشائر الأخرى في تشكيل مجلس السيادة في ظل حكم قاسم عام 1958 ،ومن الممكن أن تواكب التطور الحضاري في العراق ، كما أكد الناطق باسم قبيلة البوعامر العراقية أنه لا يمكن للزعيم العشائري أن يتخذ قراره منفرداً فعليه أن يعرض هذا الرأي ، على أهل العلم والخبرة ، قبل اتخاذه ، وأن للعشيرة دورها في تحقيق الوحدة الوطنية في العراق ؛ لأنها قد تحوي جميع أطياف المذاهب ، والتيارات السياسية ، والفكرية ،ولها دورها للتعرف على كل من هو غريب عن العراق([100]).
كما أن تدخل الدولة في سلطة العشائر في ظل حكم قاسم قد انعكس سلبياً على الوحدة الوطنية في العراق وفي ذلك يقول : عبد الجليل الطاهر
" السلطات المنبثقة عن ثورة 14 تموز 1958 نظرت إلى العشائر على أنها مصدر ضعف في كيان الوطن وتؤدي إلى تعريض أمن الوطن وسلامته إلى الخطر وتحول دون تحقيق المواطنة الحقيقية ؛ لأنها تعمل على تجزئة الوطن إلى وحدات عشائرية غير منسجمة وتسود بينها شريعة الغاب ، لذلك فقد أقدمت هذه السلطات على إلغاء قانون العشائر ، وتشريع قانون الإصلاح الزراعي ومارست ضغوطا واسعة ضد شيوخ العشائر والإقطاعيين"([101]) .
· التمايز الحضري ، والإقليمي
في العراق يوجد تمايز بين الريف ، والمدينة، إضافة إلى التمايز بين الريف ، والبدو، كما تتمايز كل قرية ، أو مدينة عن غيرها ؛ بسبب المواصلات وصعوبة التضاريس، فالقرى الكردية على سبيل المثال تتسم بعدم التوافق ، والتعاون فيما بينها ؛ بسبب انعزال السكان الأكراد عن بعضهم البعض، وفي ذلك يقول برتون:
"إن انعزال السكان الأكراد قد جعل التعاون بين سكان القرى المختلفة أمراً متعذراً ؛ مما أدى إلى أن تستقر كل أسرة كبيرة في قرية خاصة بها، وأن تعتمد على نفسها في إنتاج حاجاتها الضرورية، وأن تقف في وجه كل غريب معتبرة إياه تهديداً ، لأمنها ، واطمئنانها الاقتصادي"([102]).
وقد كان تمايز الخدمات -التي تقدمها الدولة- بين الحضر ، والبدو قد جعل الفوارق كبيرة بينهما ؛ مما زاد من التمايز بينهما، فقد كان كانت نسبة التعليم عند البدو أقل من 1% ، وكانوا معرضين للتوطين الذي عملت من أجله الحكومات العراقية، وكان سبب معارضتهم هو الخوف على استقلال الوحدة القبلية، لذلك قاموا بالكثير من التمردات ضد الحكومة([103])،وضد الفلاحين حول الأرض والماء، على اعتبار أن الفلاح ينظر إلى الأرض على أنها ملكاً له، أما البدوي فيعتبر أن الماء ، والأرض مشاعاً للجميع، وتحل الخلافات بين القبائل عن طريق اللجوء إلى الحكم العرفي، دون عرض النزاع على السلطة المركزية([104]).
كما أن المستوى الحضاري لعشائر العراق يختلف من عشيرة إلى أخرى تبعاً لدرجة التوطن، وتطور الزراعة واستخدام وسائل الري، وزراعة المحاصيل، حيث تنظر القبائل البدوية الرحالة في الصحراء ، والتي تبلغ نسبتها حوالي خمسة بالمائة من سكان العراق، نظرة إزدراء للقبائل المتوطنة ؛ التي تشتغل بالزراعة والرعي، وتدَّعي أن هذه القبائل إنما تمثل الأرستقراطية العربية([105]).
ويشكل سكان الريف العراقي حوالي 60% من سكان العراق، وترتفع هذه النسبة عند الأكراد إلى 80% ، حيث يمارسون الزراعة ويعيشون في قرى، وينقسمون من حيث المرتبة الاجتماعية إلى الشيوخ ، والسراكيل ، والفلاحين، أما الشيوخ فهم شيوخ القبائل التي تتفرع إلى عشائر ، ثم إلى بطون، ثم إلى أفخاذ، وعلى رأس كل عشيرة شيخ، يدافع عن كيانها ويصرِّف شؤونها، وتخضع الشعيرة لأوامره ، وتدين له بالولاء وقد أعطتهم الحكومات العراقية الكثير من الأراضي، من خلال قانون اللزمة الصادر عام 1932، من أجل أن تضمن ولاءهم لها، من أجل إثبات مركزها ودعمها، كما كان هذه الحكومات تترك للعشائر حرية التصرف في أمورها الداخلية، ولكل عشيرة عدداً من الرجال المسلحين، الذين يقومون بحمايتها ، وتنفيذ أوامر الشيخ على الفلاحين ، لذلك ونتيجة قسوة الشيوخ وسوء أحوال الفلاحيين العراقيين، كانت هناك عمليات هجرة مستمرة من الريف إلى المدينة([106]).
أما السراكيل فكانوا وكلاء المشايخ في القرية ، ووسطائهم لدى الفلاحين ويقومون بوظائف تأجير الأرض ، ومراقبة الفلاحين، وجمع الضرائب منهم، ويمثلون سلطة الشيخ عندما يغيب عن العشيرة، ويتقاضون أجورهم من الفلاحين من خلال غلة الحقول، ومن الشيخ من خلال جزء من الغلة، أو من خلال قطعة أرض يهبهم إياها، ويقوم الفلاحون بالعمل لحسابه، أما الفلاحين فقد كانوا قبل ثورة 14 يوليو 1958 محرومون من ملكية الأرض، ويشتغلون في أعمال السخرة في أراضي الشيوخ مقابل أجر زهيد، وكانوا يتسمون بانخفاض مستوى التعليم، وانتشار الفقر ، وارتباطهم بأعراف العشيرة الخاضعين لها، وبتعدد أفراد العائلة على أساس أن هذه الزيادة توفر لهم مورداً أخر ، من خلال عمل هؤلاء إضافة لهيبة العائلة، من خلال زيادة عدد أفرادها وتماسكها([107]).
كما ساهم الصراع الحضاري بين البدو ، والريفيين، في زيادة التمايز بينهما، فقد أعتاد البدو حياة الصحراء ، والانطلاق ، وكرهوا الارتباط بالأرض، كما اعتادوا على التفاخر بغزواتهم ، وكانوا يغيرون على المزارع ؛ ليسرقوا المحاصيل الزراعية وغيرها، مما دفع الفلاح العراقي الساكن في محاذاة الصحراء إلى التوغل إلى الداخل هرباً من هذه الغزوات، وقد كان انتقال الفلاح من تخوم الصحراء إلى الداخل ، قد قابله احتقار أخر من جانب أهل المدن؛ الذين ظلت العصبية العشائرية تتحكم في تصرفاتهم بشكل مباشر، رغم أن هذه النظرة بدأت تتغير بمرور الزمن([108]).
كما ساهمت السياسة الإنكليزية في العراق في زيادة التمايز بين الحضر ، والبدو من خلال خلق الموازنة بين قوة العشائر ، مع قوة أهل المدن، لضمان استمرار النفوذ الإنكليزي في العراق، فلم يحاولوا تشجيع العملية المدنية التي كانت تسعى لتحقيق الانحلال العشائرية، وتحقيق التفاعل بين أهل المدن ، والعشائر اللاحضرية ، بل عملوا على تدعيم الانشقاق القائم بتقوية العادات العشائرية والاعتراف بها رسمياً، وبقي العراق من الناحية القانونية يخضع لنظامين واحد خاص بالمدن، والأخر خاص بالريف العشائري، وبقى على هذا الحال حتى ثورة 14 يوليو 1958 حيث حاول النظام الجديد، إضعاف سلطة العشائر الريفية وتحقيق الاندماج ببين الريف ، والمدن من خلال قانون دعاوى العشائر الذي ألغته ثورة 14 تموز 1958 ، شكلياً ، إلا أنها لم تستطع أن تقضي على البنية العشائرية في العراق ([109]).
وبالنسبة لسكان المدن، فقد ظهرت تمايزاتهم عن سكان الريف ، والبدو، بعد ظهور التقسيم الإداري للإنكليز عند احتلالهم العراق، وذلك بعد سقوط الدولة العثمانية عام 1917،· فظهرت المحافظات العراقية، التي تتمركز في كل واحدة منها مدينة خاصة بها، وعلى هذا الأساس قسِّم العراق إلى محافظات ، وأقضية ونواحٍ، وقد تأثر التزايد السكاني للمدن سلباً، نتيجة عدم قدرتها على استيعاب هذه الزيادة الغير طبيعية، حيث كانت بالدرجة الأولى ؛ بسبب الهجرة من الريف حتى وصلت نسبة سكان المدن إلى 40% من مجموع سكان العراق، وبرغم ذلك استمروا في عاداتهم ، وتقاليدهم ، وعصبياتهم العشائرية؛ بسبب أن الشخصية العربية، أينما كانت فهي تتسم بالعشائرية ، والجهوية قبل الوطنية ، والقومية([110]).
كما عمل الإنكليز على عدم تشجيع الاختلاط بين أبناء المدن ، وأبناء الريف، فكان هناك مدارس لأبناء مشايخ العشائر، وأخرى لأبناء المدن([111])، كما انتشرت التمايزات الإقليمية بين سكان العاصمة من جهة ، وسكان المحافظات الأخرى من جهة أخرى، حيث نظر بعضهم إلى الأخر على أساس أنهم غرباء، بسبب ما كان من فوارق بين محافظة وأخرى، وظهرت هناك مصطلحات الأقاليم الشرقية والغربية ، والجنوبية ، والشمالية([112]).
لكن بسبب التطور الحضاري في المجتمع العراقي، بدأ الولاء للقرية ، أو للعشيرة ، أو للقبيلة بالاهتزاز، حيث حلَّ الولاء للوطن عند كثير من النخب المتعلمة المثقفة، بعد ازدياد تطور المدن ، وتزايد عدد السكان فيها، وعلى هذا الأساس نشأ مايعرف بازدواجية الولاء بين القديم ، والجديد، حيث انتهت سيطرة العائلة التي كانت تشرف على الفرد وتوجهه وتختار عمله، كما لم تعد متجانسة، واختلفت نظرة أعضائها إلى الحياة([113])،كما أن تحقيق التوازن بين مصلحة الإقليم ، أو المحافظة ، ومصلحة الوحدات الإدارية الصغيرة من خلال تنظيم العلاقات بين المستويات الإدارية المختلفة ، وتقسيم الحقوق والواجبات فيما بينها والصلاحيات ونمط العلاقة بين الأطراف المعنية ضمن إطار من التنسيق ، والتكامل والتعاون بين المستويات المختلفة، وتحقيق الاستغلال الأمثل للموارد المحلية البشرية والطبيعية والمالية لصالح التنمية المتوازنة في المنطقة المعنية لكل المكونات والوحدات الإدارية للإقليم أو المحافظة، والعمل على تلبية حاجات السكان المحليين في كل وحدة إدارية ، وخلق تنمية حقيقية تزيد من أهمية الإقليم أو المحافظة والمساهمة في زيادة الدخل المحلي وتحقيق مستوى معاشي مناسب للسكان موازية للمستوى العام في البلد،كل ذلك سيقلل من الفوارق الإقليمية الموجودة بين الأقاليم العراقية بكافة أنواعها ، إلا أن هذه التناقضات تبقى موجودة ، ومؤثرة ؛ لأنها لم تنتهي بشكل كامل من المجتمع العراقي .
المطلب الرابع
التمايز الطبقي ، والحزبي في العراق قبل عام 1963
هناك ارتباط كبير بين الطبقية ، والحزبية ؛لأن الأحزاب السياسية إنما وجدت من أجل مصلحة فئة من الشعب، تتزايد قوتها بتزايد الفئات التي تمثلها وبما أن معظم الفئات في المجتمع العراقي كانت من الطبقة الفقيرة، فكان حري بالأحزاب السياسية أن تدعي تمثيلها، ومن هنا ينشأ الترابط بين الطبقية ، والحزبية.
· التمايز الطبقي في العراق قبل عام 1963
من المعروف أن الملكية المشاعية للأرض في العهد العثماني ؛ كانت موجودة في العراق، مثلها مثل سائر الدول العربية التي خضعت للحكم العثماني، كون المراعي ملكاً جماعياً لعشائر البدو في المناطق التي يسكنها الرحالة، فكانت المشاعيات الفلاحية توزع دورياً بين العوائل الكبيرة ؛ لأن الأتراك اتَّبعوا سياسة نزع الأراضي المشاعية ، واعتبروها أراضي أميرية تابعة للدولة، ثم جعلوها فردية عائدة إلى ممثلي أشراف العشائر من الشيوخ، وقد انقسمت الأراضي الأميرية وفقاً لذلك إلى قسمين هما ([114]):
1- الخاصيات: وهي إقطاعيات مترامية الأطراف ذات دخل سنوي يتصرف بها السلطان وأفراد أسرته، وينتفع منها مؤقتاً الوزراء ، وكبار الموظفين عند توليهم لمناصبهم.
2- الإقطاعيات العسكرية، وتعهد إلى الفرسان· مدى الحياة، وتعفى من الضرائب كلياً مقابل التزام الفرسان (السباهيين) بتأدية الخدمة العسكرية، وتنقل الأرض من الفارس إلى أولاده من بعده.
كما ظلت الأراضي الزراعية العائدة للإقطاعيين المحليين بأيديهم على أن يدفعوا خراجاً لولاة السلطان، وهم أول من استورد آلات الزراعة ؛ لزيادة إنتاج الأرض الزراعية، منذ قيام الدولة العراقية عام 1921 ، وهم أول من أقام المصانع الغذائية ، وتحول قسماً منهم إلى برجوازيين، يعملون في المدينة على استثمار أموالهم، إضافة إلى استثمار برجوازيي المدينة لبعض أموالهم في الريف من خلال شراءهم لكثير من الأراضي الزراعية ، واستثمارها، وعلى هذا الأساس تكونت البرجوازية في العراق قبل الحرب العالمية الثانية، من خلال الإنتاج الزراعي الصناعي في جلب الإنتاج([115]).
وقد أفرزت هذه العملية تشكيل ثلاث طبقات في المجتمع العراقي وهي([116]):
1- طبقة الحكام ومعاونيهم إضافة إلى رؤساء الدين والعلماء ....الخ.
2- طبقة الأسر العريقة إضافة إلى ذوي المهن اليدوية المختلفة.
3- طبقة العمال ، والفلاحين ، والخدم.
وقد برز الصراع الطبقي في العراق منذ تطبيقات قانون الطابو العثماني خلال الحكم العثماني للعراق، حيث أصبحت معظم الأراضي الزراعية في أيدي شيوخ العشائر ، ووجهاء المدن على حساب الفلاحين ، وفقراء البدو وقد استمرت بريطانيا بعد حكمها للعراق، في إتباع نفس النهج، فقامت بتقوية النفوذ السياسي للزعيم العشائري، وتزكية التقاليد ، والأعراف التي تجعل الآخرين من الشعب الكادح من فلاحين ، وفقراء المدن تابعين لسلطة الشيوخ ، والآغوات الإقطاعيين والبرجوازيين، إضافة لما قام به بعض الإقطاعيين ، وتسجيلها بأسمائهم، وسادت العلاقة بين الفلاح ، والإقطاعي من خلال نظام المحاصصة –المزارعة- بين المالكين والفلاحين، أي أن الفلاح يشتغل في الأرض مقابل نسبة من الإنتاج([117])، وفي ذلك يقول هاي:
" إن أقسام العشيرة المختلفة تمثل ملاك الأرض الأصليين، في حين أن الرؤساء ينتمون إلى أسر قوية، سبق لها أن اجتاحت هذه الأراضي ، وسيطرت عليها بالقوة ... حيث تعود ملكية جميع الأراضي تقريباً إلى أسرة واحدة، يقابلها نفر قليل من الرؤساء ، والأغوات العشائريين القدماء الذين يحتفظون ببعض النفوذ، فالرئيس العشائري هنا في الحقيقة مالك للأرض، والنظام بحد ذاته هو نظام إقطاعي، وليس نظاماً عشائرياً بمعنى الكلمة"([118]).
لكن بعد خروج العثمانيون من العراق، كانوا قد أخرجوا معهم سندات ملكية الأفراد للأرض ، واتلفوا قسماً منها قبل خروجهم ، فقامت بريطانيا التي حلت محل العثمانيين في العراق، بتوزيع جديد للأراضي العراقية على مؤيديها من الشيوخ الذين ساندوها أثناء دخولها للعراق، أو على أولئك الذين وقفوا موقفاً سلبياً من ثورة العشرين عام 1920، ثم قامت بالمساومة على أراضي الدولة ؛ فوزعت بعضها على الأفراد من خلال تحويل الملكية الجماعية إلى ملكية فردية، بعد إصدارها لقانون سمته "قانون دعاواي العشائر" عام 1918 ، ثم إصدارها "لقانون اللزمة" الصادر عام 1932 ، فبموجب إحصاء الحكومة العراقية حتى عام 1959 وجد أن عدد الملكيات الزراعية تقدر بـ (168) من أصل (346) ، وثلث هذه المساحة يملكها أفراد نسبتهم 2% فقط من مجموع المالكين، كما وجد أن عدد الأشخاص الذين لا يملكون شيئاً ، بنسبة تساوي أكثر من ربع سكان الشعب العراقي([119])، وهذا يتوافق مع قول سلام كبه:
"حسب إحصاء 1957 كان لكل 6 عوائل فلاحية حصان واحد أي سدس حصان لكل منها.. وكان مابين 60%- 70% من مجموع العوائل الفلاحية لا يملك حصانا واحدا أو بغلا أو حتى حافرا!.. كان تملك الفلاح أو عدم تملكه لحيوان حراثة قوي يمكن أن يتخذ مقياسا لتصنيفه من مرتبة فقراء الفلاحين أو أغنيائهم أو متوسطيهم إلى جانب المقاييس الأخرى.. لقد استغلت في زراعة ما قبل 1958 (2712) ساحبة و(1056) حاصدة دارسة وآلاف الآلات الزراعية مما أسهم في تفكيك العلاقات الأبوية"([120]) .
هذا الوضع الطبقي في العراق كانت له أثاراً سلبيةً على العراق ، فانتشرت الأمية بشكل عال في أوساط الشعب ، وخاصة الفلاحين ؛ بسبب انخفاض التعليم ، وساد استعمال الأساليب ، والآلات البدائية في الزراعة، وزاد من الأمر سوءاً تهاون الحكومات العراقية المتعاقبة في تنشيط الزراعة ، ومكافحة آفاتها، وازدياد عدد السكان في العراق، ومشكلة الهجرة من الريف إلى المدينة، بغرض الحصول على دخل أعلى ، وازدياد النشاطات في المدينة ، حيث انخفضت نسبة سكان الريف من حوالي 80% من سكان العراق في الأربعينيات لتصبح حوالي 56% من السكان في منتصف الستينات، ومعظم المهاجرين تركزوا في مناطق معينة ، وقد كانت من أهم أسباب هجراتهم من الريف على المدينة هي([121]):
1- اضطهاد شيوخ العشائر للفلاحين، وتفضيل مصلحتهم على مصلحة الفلاحين الذين يعملون عندهم.
2- انعدام الصحة في الريف.
3- زيادة الإعمار، والتصنيع في المدن وهذا تطلب زيادة في العاملين ، مما زاد من الهجرة إلى المدن.
وقد حاول نوري السعيد تفسير مشكلة الإقطاع على أنها موروث اجتماعي ،وسيحل من خلال الزمن حيث سيورث الآباء أبناءهم، والأبناء أحفادهم ، وبذلك ستنتهي الملكيات الكبيرة ، لكن بعض الشيوعيون عارضوا هذا الرأي ، فيقول أحدهم وهو إبراهيم كبه:
" من الغريب أن يطمئن السيد نوري السعيد الرأي العام العراقي بقرب زوال النظام الاقطاعي العشائري عن طريق الإرث ، وتقسيم الإقطاعيات الكبيرة على الأبناء والأحفاد ، وقد تناسى فخامته أن قرونا سحيقة مضت على نظام الإرث دون أن تنال من النظام المذكور ، وأن الأنظمة والتقاليد العشائرية تحتفظ بالملكيات الكبيرة للأبناء الكبار فقط ، ويعلم الرأي العام أن السبيل الوحيد للقضاء على هذا النظام الظالم هو تغيير العلاقات الإقطاعية نفسها ؛ بتمليك الأرض لمنتجها والقضاء على الملكيات الاستغلالية الكبرى في الزراعة وتوزيع أراضي الدولة على الفلاحين وأتباع نظام التعاونيات الزراعية... الخ، كل هذا مرتبط بالقضاء على الاستعمار وسحق الرجعية وانتصار الحركة الوطنية بمجموعها وتحقيق الأهداف الوطنية الكبرى"([122]) .
لكن يرى سيار الجميل أن الإقطاع لم يوجد في كل مناطق العراق فكان في مناطق محدودة ، وإن علاقة الفلاح بالمالك أو شيخ العشيرة كانت جيدة فيقول في ذلك :
" فليس هناك أية علاقات إقطاعية كالتي صبغ بها تاريخ العراق الاقتصادي ظلماً وعدواناً .. إن غالبية شيوخ العشائر كانت تمتلك سندات التفويض بالطابو لأراضي العشيرة والتي كانت تدعى بـ " الديرة " ، وتعريفها : أنها مساحة من الأرض التي تأوي العشيرة التي اعتادت زراعتها أباً عن جد ، وهي ارض أميرية مملوكة للدولة ، ولكنها مفوضة بالطابو بأسماء شيوخ العشائر .. وكان استثمار الأرض يتم طبقاً للأعراف والتقاليد التي تلتزم العشيرة بها ، وكان لكل أسرة في العشيرة لزمتها الخاصة ، بما فيها أسرة الشيخ .. وكانت العشائر في جنوب العراق والأدنى من الفرات الأوسط هي التي تضطلع بكري الجداول والنهيرات وبناء السدود وفتح الترع .. وكلها تتم بأسلوب التعاون وبتلقائية من قبل الجميع بما فيهم طاقم الشيخ ، وكلنا يعرف أن الفلاحين انقلبت على شيوخها في كل من العمارة والناصرية يوم 14 تموز 1958، إذ لم نجد أية ثورات وانتفاضات وانقلابات فلاحية ضد شيوخ الديوانية ولا الكوت ولا الانبار ولا ديالي ولا شهربان ولا الحويجة والعظيم ولا الموصل ولا أربيل والسليمانية"([123]) .
وبعد الثورة العراقية عام 1958، تزعزع الإقطاع بظهور قوانين الإصلاح الزراعي ، وتحجيم امتيازات الطبقة الإقطاعية، ونمو طبقة رأسمالية صناعية، نافست الإقطاع في المصالح، خاصة بعد دخول الآلة قطاع الزراعة، وازدياد الهجرة من الريف إلى المدينة، مما أدى إلى تطور المجتمع العراقي، بازدياد قوة الطبقة الوسطى في المجتمع والتي كانت الأساس في الثورة العراقية عام 1958، وزاد من نفوذها استغلال موارد جديدة في الدولة، ونمو المؤسسات المالية في العراق، مما أدى على التوسع في العمران، ونمو طبقة عاملة أصبحت تقوى وتشتد وتزداد نفوذاً([124])، لكن أيضاً ظهرت أثار سلبية في ظل تطبيق قانون الإصلاح الزراعي ،على مستوى الدخل القومي والفردي ، فالعلاقات الإنتاجية للأرض الزراعية العراقية كانت أقوى بكثير قبل 14 تموز 1958 مما غدت عليه في ظل حكم قاسم، حيث أن الفلاح الذي كان يخاف فيعمل وينتج ، أصبح حراً طليقاً لا يعمل ولا ينتج ، فالإنتاج الزراعي العراقي من قمح وشعير وتمر وفواكه ، كان فائضه يصدر من خلال نقله عن طريق النهر إلى البصرة ليشحن إلى خارج العراق ، لكن العراق أصبح يستورد المواد الغذائية الأساسية ؛ لأن الأرض لم تعد تزرع وبات الفلاح حراً لا يعمل ، وقد ساهمت الدولة في هذه الكارثة ؛ لأنها لم توفر أية أدوات تطوير ولا أية مكننة ولا أي تسويق ولا أي بذور ولا أي مواصلات متطورة ، ولم تستطع أن تحميه لأنه غير قادر أن يحمي نفسه من رئيس عشيرته أولاً، ذلك الشيخ الذي أخذت أرضه ؛ حيث ذهبت إلى الفلاح الذي كان يرتبط به ؟ فكيف باستطاعته وهو المعدم في الجنوب أو الشمال ، وفي القرى البعيدة أن يعتمد على نفسه في تهيئة مستلزمات الزراعة ؟ من أين سيحصل على ما يؤهله للإنتاج ؟ لذلك عمل النظام على محاولة حل هذه المشكلة بإعادة بعض الأراضي إلى مالكيها ، وتخصيص 5% من إنتاج الفلاح إلى المالك الأصلي الذي أخذت منه الأرض ،وأطلق قاسم شعار " الفلاح أخو الإقطاعي " ؛ مما أكسبه سخط الفلاحين .
وبالنسبة إلى الصناعة، فقد كانت في العراق ضعيفة، واقتصرت على بعض الصناعات الصغيرة عدا النفط، كالصابون ، والمشروبات ، والكبريت، وقد تمركزت في ثلاث مدن هي : بغداد ، والبصرة ، والموصل، حيث كان ثلثي عمال المصانع في هذه المدن؛ بسبب اتساع مراكز هذه المدن لاستيعاب المنتجات الصناعية، وسهولة المواصلات فيها، مما يسهل انتقال المواد الأولية، وتصرف الإنتاج ، ووجود مؤسسات مهمة إدارية للدولة فيها، إضافة لوجود الطاقة الكهربائية فيها، مما يشجع وجود المصانع فيها([125]).
وكان من أسباب ضعف الصناعية في العراق هو ما كان من دور للسيطرة العثمانية على العراق في تخلفه الاقتصادي والاجتماعي، ففيما يخص الإنتاج الزراعي وتخلف نظام الري، فقد كان الشيوخ والأغوات يسرقون جهود الفلاحين لمصلحة العثمانيين، وظلت السلطات العثمانية منذ فتحها للعراق غير مهتمة بتطوير القوى المنتجة، إضافة إلى عدم اهتمامها بتطوير الصناعة، وبقى العراق لفترات طويلة جداً مستورداً للمواد الصناعية رغم كونه يصدر المواد الأولية، كما اتجه التجار المحليين إلى التجارة الخارجية بدل الاهتمام بإنشاء صناعات وطنية ، واستمر هذا الحال حتى الاحتلال الإنكليزي ، حيث ارتبطت الصناعة بالمصالح الاستعمارية في مجالات الحبوب ، والتمور ، والصوف ، والجلود ، وصناعات أخرى، ولقد لبت هذه الصناعات الأهداف الاستهلاكية للمحتلين، ونتج عن ذلك عدم تطور البرجوازية العراقية مثل مثيلاتها في الأقطار العربية الأخرى، كمصر، وسوريا، ولبنان وغيرها([126]).
وكانت الدولة العراقية قد شجعت في فترة ما قبل ثورة 14 يوليو 1958 على نمو الصناعة ، على اعتبار أنها ستساهم في تنمية الدخل القومية ، وتحقق استقلال البلاد اقتصادياً، وترفع المستوى المعاشي للأفراد، كما أنها تقوم بتحقيق التوازن بين المبادلات الخارجية عن طريق تنويع الصادرات، فهي واسطة ؛ لتحقيق الاكتفاء الذاتي في الدولة من خلال إحلال سلع مصنعة محلياً مكان سلع مستوردة، ووسيلة للقضاء على البطالة في ظل تزايد عدد السكان ، لكن رغم ذلك لم تكن نتيجة هذا التشجيع إيجابية على الطبقة العاملة؛ بسبب ارتفاع الأرباح الكبيرة في المصانع، وارتفاع تكاليف الاستثمار، مما أدى لتزايد الفوارق الطبقية في المجتمع؛ بسبب تفاوت الدخول، ونشأت طبقة مالكة غنية، وطبقة فقيرة عاملة، ومازاد من نسبة أرباح أرباب العمل، هو عدم وجود إجراءات قانونية منظمة لتوزيع الشركات، ولم تكن نسبة العاملين بالصناعة يتجاوز الخمسة بالمائة من السكان قبل الثورة العراقية، وحتى بعد الثورة لم تكن معالجة الحكومات العراقية مفيدة للتَّقدم في الصناعة، فمثلاً حركة التأميم التي قام بها عبد الكريم قاسم، قد سجَّلت المشاريع التي ساهم القطاع العام بالجزء الأكبر منها، ولم يؤمم إلا البسيط منها، كما أن معظم هذه الشركات كانت ذات طابع تجاري، لا تساهم في تكوين تراكم رأسمالي للبلد ([127]).
وقد كان في حوزة أصحاب رؤوس الأموال العراقيين عدة ملكيات متشعبة في كثير من المرافق، فمثلاً كان يملك في آن واحد مضخات مياه الزراعة، وأراض زراعية يعمل فيها الفلاحين ويمتلك في ذات الوقت عقارات معينة في المدينة ، إضافة إلى قيامه بأعمال تجارية في كثير من المجالات مع وجود بعض الصناعات، وبهذا قد أضعفت هذه العملية ( التراكم ) الذي كان بالإمكان أن يؤدي إلى قيام صناعة وطنية متطورة ، ويعلل وجود بعض الصناعات الأولية بعد ذلك أنها صناعات معينة تنسجم مع متطلبات المصالح الإنكليزية ، بينما بقت الصناعات الأجنبية لفترات طويلة تحتل مواقع الصدارة في العراق،أما صناعة النفط (استخراج النفط ) فقد كانت لها آثاراً متميزة على عموم الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في العراق، فقد جعلت الاقتصاد العراقي يرتبط بالاقتصاد الرأسمالي الأجنبي ، وأصبح يتأثر بأزماته الاقتصادية الدورية والعامة([128]).
وحول الصراع الطبقي في مجال الصناعة ، فقد خاضت الطبقة العاملة العراقية منذ نشؤها في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر صراعاً مزدوجاً طبقياً وقومياً، فقامت باضرابات قبل ثورة العشرين لاسيما في عام 1918 ، واعتبرت هذه الإضرابات إحدى العوامل التي ساهمت في ثورة العشرين 1920 في العراق ، لكن كانت أول تجربة يقوم بها عمال العراق لتنظيم أنفسهم في عام 1924 ، حيث حاول عمال السكك الحديدية أن ينظموا أنفسهم، وكانوا يشكلون أكبر مجموعة عمالية تقدر بثمانية آلاف عامل، فقدموا طلباً إلى السكك الحديدية الحكومية ؛ لمنحهم إجازة فتح نادٍ لهم، لكن السلطات الحكومية لم تمنحهم الإجازة، وقد حوكم مقدمي الطلب قانونياً ووجهت لهم عقوبات إدارية ، وبين عامي 1928 – 1929 حدثت تبدلات في الوضع السياسي ؛ فتكونت "جمعية حرفي" العراق برئاسة محمد صالح القزاز ، وكذلك تكونت منظمات أخرى مثل " الاتحاد التعاوني للحلاقين " ، و"اتحاد عمال الطباعة" الذي ضم عمال الصحف ، والمطابع الحكومية،و"اتحاد عمال الميكانيك" و"اتحاد السواق"([129]).
وقد قادت منظمة حرفي العراق اضرابين عماليين لعمال السكك الحديدية في 1930 – 1931، وساهم في هذين الاضرابين حوالي ألف عامل وطالب بزيادة الأجور، وأعقبه إضراب آخر شارك فيه ألف ومائتي عامل ؛ وطالب بتقليص أوقات العمل وتطبيق نظام العمل بالمناوبة ؛ أي يبقى العامل عاطلاً فترة زمنية ويعمل فترة أخرى، وقد بدأ هذا الإضراب في بغداد في يوليو 1931 ، وفرضت السلطات الحكومية ضرائب جديدة على أصحاب الورشات ،وفي نفس الشهر السابق قام عمال البصرة بإضراب كبير ؛ قامت على إثره مظاهرة واسعة ساهم فيها عمال السكك الحديدية، وقد حدثت صراعات دموية بين العمال والسلطات الحكومية، حيث قامت السلطات بإطلاق النار على المتظاهرين مما أدى إلى قتل وجرح العديد منهم، وفي الوقت نفسه قامت مظاهرة في بغداد فاعتقل العديد من العمال ، واتخذت هذه الإضرابات والمظاهرات طابعاً حزبياً سياسياً أيضاً ، وقد استطاع العمال من خلال هذه المظاهرات الحصول على العديد من حقوقهم ، مما حذا ببعض الأحزاب الإصلاحية الموالية للحكومة للتدخل مثل :الحزب الوطني ، وحزب الإخاء الوطني ؛ اللذين كانا يتفاوضان مع السلطات من جهة ،ومع القادة النقابيين المعتقلين من جهة أخرى،لذلك قامت السلطات بغلق جمعية الحرفين في أواخر شهر أغسطس 1930 ، وشكلت بدلاً منها "منظمة العمال العراقيين " وهي منظمة عراقية حكومية يقودها أعضاء من الحكومة، إلا أن ذلك لم يمنع العمال من العمل في اتحاد الميكانيك من استمرار نشاطاتهم لصالح العمال ، فدعوا لتكوين " اتحاد عمال العراق " الذي تم تكوينه في عام 1933 وانظم إليه حوالي عشرون ألف عامل من جميع النقابات العمالية ، وكانت شعارات الاتحاد اقتصادية فقط ، حيث شملت " ساعات العمل، والضمان الاجتماعي، وتشريع قانون العمل، والأجور، والبطالة ... الخ، ولم تكن شعارات الإتحاد تتضمن مطالباً سياسية ، وبين عامي (1932 – 1933)وتحت تأثير حزبي الإخاء الوطني، والحزب الوطني صدرت جريدة باسم ( العمال ) في الموصل ، وقد أشارت إلى تكوين حزب باسم "حزب العمال" ، والذي نشر برنامجه بعد موافقة السلطات الحكومية، وتضمنت بنوده حول الاستقلال التام، والعمل من أجل الوحدة العربية والقومية العربية، والدفاع عن حقوق العمال ونشر الثقافة بين العمال وغيرها من المطالب ([130]) .
كما كان رفع أسعار الكهرباء إلى الضعف ، قد أثار الشعب ضد شركة الكهرباء الإنكليزية ؛ مما أدى إلى الإعلان عن مقاطعة الكهرباء في 11 سبتمبر 1933 مما حذا بالحكومة إلى اعتقال المحرضين ، وفصل قسماً من العمال ، وإغلاق قسماً من المنظمات العمالية ، فقامت تحركات عمالية واسعة مثل: تقديم العرائض والمذكرات في سبيل إلغاء قرارات الحكومة ، وكذلك فتح المنظمات التي تم إغلاقها وتخفيض أجور الكهرباء، وقد استجابت الحكومة لبعض مطالب العمال ، ثم قامت الحكومة عام 1934 بقمع الحركة العمالية بعد المقاطعة المذكورة، وتراجعت نسبياً حركة الطبقة العاملة العراقية ، لكن في الوقت نفسه شهد تاريخ العراق مرحلة جديدة من العمل السياسي حيث أعلن عن تأسيس حزباً للطبقة العاملة العراقية ، وأداتها السياسية وهو الحزب الشيوعي العراقي في عام 1934 ، والذي قاد الطبقة العاملة ضد الحكومة والاتفاقيات مع بريطانيا([131]) .
وخلال تطور الصناعة في الأربعينات اتسعت الطبقة العاملة أكثر من السابق ؛ فتصاعدت حركة الإضرابات المتنوعة التي خاضتها بعد ثورة 1941، ونتيجة هذه الإضرابات والتصميم ؛ اضطرت السلطات الحكومية على إجازة ( النقابات العمالية) اعتباراً من سنة 1944 ؛ فقد تشكلت (16) نقابة واستأنف خلال هذه الفترة نشاط النقابات ، ونشط الحزب الشيوعي العراقي الذي كان يقود (12) نقابة ، وعقدت على أثر ذلك نقابة السكك أول اجتماع لها في أيلول 1944 ، وتضمن برنامجها التي المطالبة ؛ بزيادة الأجور وتحسين ظروف العمل ؛ وقدمت هذه الطلبات إلى مجلس إدارة الشركة البريطانية من أجل تنفيذها بشكل سلمي، ولكن مجلس الإدارة رفض هذه المطالب ؛ لذلك دعت النقابة إلى الإضراب ولقد لبى الطلب (1250 ) عامل ، ونجح العمال في تحقيق مطالبهم في زيادة الأجور، لكن بعد فترة وجيزة منعت النقابة من ممارسة نشاطها ؛ فقام العمال بتنظيم إضراباً عاماً في 1946 وآخر في 1948 ، وقد سجلت ما قبل هذين التاريخين إضرابات عمالية في الميناء حيث قام العمال بتأسيس نقابتهم عام 1945، وكذلك إضرابات النفط في كركوك عام 1946 ؛ حيث شارك في المظاهرة العمالية حينذاك خمسة آلاف عامل وكانت هذه الإضرابات من خلال قادة الحزب الشيوعي العراقي الذين أعدم قسماً ·منهم بعد حرب فلسطين عام 1948 .
وفي عام 1951 تم تأسيس ( مكتب النقابات الدائم ) دون أخذ موافقة من السلطة الحكومية ، وركز نشاطه في المجالين الإعلامي و التنظيمي ، ففي الجانب الإعلامي أصدر المكتب العديد من البيانات، وفي مجال التنظيم قام بتشكيل الحلقات النقابية واللجان النقابية السرية خلال عام 1953 ، كما أصدرت الحركة السرية في 1954 جريدتها السرية ( اتحاد العمال ) ، وشهدت فترة الخمسينيات إضرابات عمالية عديدة ومتنوعة ، ونشطت هذه الإضرابات في مجال عمال البناء في البصرة وإضرابهم المعروف، وتبعهم إضراب عمال النفط في البصرة أيضاً ، ثم إضرابات عمال النسيج والسكاير والمطابع في بغداد، وشاركوا في انتفاضة 1952 ، كما أضرب عمال مصلحة نقل الركاب في البصرة، واضرب في تشرين الثاني عمال اللاسلكي في الميناء، وتلتها إضرابات عمالية تضامنية عديدة، وعندما تفاقم الأمر أعلنت السلطات الحكومية الأحكام العرفية العسكرية لقمع الإضرابات والحركة الجماهيرية المتصاعدة مما أدى إلى غلق العديد من الصحف الوطنية وزج المئات في السجون والمعتقلات وتقديمهم للمحاكم العسكرية ، لكن استمرت الطبقة العاملة في المساهمة لقيادة الحركة النقابية الديمقراطية وشاركت في جميع المظاهرات الحزبية والشعبية المساندة لحركة التحرر الوطني وبخاصة ضد العدوان الثلاثي على مصر في 1956 ، كما شهد عامي 1957 و 1958 بعض الإضرابات العمالية في قطاعات مختلفة مثل معمل نسيج الوصي، وشركة الغزل والنسيج وغيرها وحضر ممثلي عمال ونقابات العمال العراقيين للعمال العراقيين المؤتمر العمالي العالمي ، في عام 1957 ، فكان للعمال مساهمة جبارة في ثورة 1958 في العراق([132]).
لكن هذا التطور قد خلق صعوبات عانتها الطبقات الدنيا من العمال ؛ فكان العامل لا ينال من نصيبه سوى القوت الضروري لحياته الخاصة، بسبب استغلال أرباب العمل لجهد العمال، وهذا ما أدى لظهور جماعات منظمة تسعى لإبراز حقوق العمالة، وتطالب بتحسين ظروف العمل ، والمعيشة الخاصة بهم، فقاومها أرباب العمل، على أساس أنها ضد الدولة، بسبب ما قامت به من إضرابات ضد الحكومة ، مثل الإضراب الذي قام به عمال النفط في العراق عام 1952·.
وبعد ثورة 1958 قامت الطبقة العاملة بتأسيس نقاباتها بكل حرية ، وسارعت للعمل من أجل علانية العمل النقابي الذي كان يعيش الظروف السرية ، والملاحقة في العهد الملكي ، ومنذ التشكيلات الأولى أخذ عشرات الآلاف من العمال ينتمون إلى نقاباتهم ، وبعد أتمام عملية تأسيس النقابات في أكثرية المرافق العمالية من المعامل والورش والمهن وغيرها ؛ انطلق العمال من أجل التحضير لعقد المؤتمر التأسيسي العلني وقد تحقق ذلك في تموز 1959 ، وفي نقلة هامة في تاريخ الحركة النقابية العراقية الذي مثلها المؤتمر التأسيسي الذي مَثّل (250 ) ألف عامل، عقدوا المؤتمر الأول في 1959 ، وحضره (350) مندوباً يمثلون أكثر من ( 350 ) ألف عامل عراقي ، وهكذا عاشت الطبقة العاملة العراقية وحركتها النقابية أوج ازدهارها من خلال تعبئة عشرات الآلاف من العمال في النقابات، ثم تم تشكيل (51) نقابة واتحاد فرعي في جميع أنحاء العراق ، إلا أن هذه الفترة الذهبية للطبقة العاملة وحركتها النقابية الحرة لم تدم طويلاً، حيث بدأت الأجهزة والمؤسسات الحكومية الأمنية وغير الأمنية ؛ تضيق الخناق على هذه الحركة وتوجهاتها وطابعها الطبقي، من خلال دعم خارجي مثل شركات النفط الاستعمارية ، وبقايا من مالكي الأراضي الكبيرة ، والجبهة القومية وعلى رأسها حزب البعث العربي الاشتراكي العراقي ، ورؤساء بعض العشائر ، والأغوات ، والبعض من رجال الدين الذين أصدروا البعض منهم فتاوي ضد النظام الحاكم ، وزج بالمئات من نشطاء العمال النقابين في المعتقلات والسجون، وكان الحجز بأمر الحاكم العسكري بحجة التشرد ؛ قد طال أساتذة ومعلمين وأطباء ومثقفين وسياسيين ، إضافة لقادة نقابين معروفين، ومنذ بداية 1960 ، بدأت الممانعة تشتد وتتوسع على الحركة النقابية حيث جر تزوير الانتخابات في عدة فروع وهيئات نقابية نتج عنها السيطرة على اتحاد النقابات العام ، وعين على رأس كل نقابة عضو من الحكومة ، لكن الطبقة العاملة بقت تتذمر من أجل تخليص النقابات من سيطرة رجال الحكومة ، وتدعوا إلى الحرية النقابية ومبادئ الديمقراطية النقابية([134]).
ومن سلبيات هذه المرحلة أيضاً أن معظم الصناعات التي أممت في العراق قبل عام 1963، كانت صناعات استهلاكية، بسبب أن القطاع الخاص، كان يتجه غالباً إلى النشاط الربحي السريع، ومن المعلوم به أن صغر المؤسسة الإنتاجية يؤدي غالباً إلى رفع سعر الوحدة المنتجة، بسبب ازدياد تكاليف إنتاجها، وهذه الصناعات لا تحقق تطور للبلد([135])؛ فالصناعات الثقيلة لم تدخل للعراق إلا في عهد عبد الكريم قاسم، ورغم دخول بعض هذه الصناعات ، إلا أن خبرة استعمالها ظلت ضعيفة ؛ لخضوعها التام للإدارة العامة للدولة ، وعلى ذلك فتطور الصناعة في العراق حتى عام 1963 ، لم يستطع إدخالها إلى السوق الرأسمالية العالمية، وتحول الكثير من الرأسماليين العراقيين إلى وكلاء محليين للبضائع الأجنبية المصنعة، التي نافست الصناعات التقليدية اليدوية في العراق، مما زاد من البطالة ؛ بسبب عدم قدرتهم على منافستها، فتوجهوا إلى مصانع البرجوازيين ؛ ليعملوا فيها بالقطعة([136]).
ورغم أن الحكومة العراقية- قبل ثورة 14 تموز 1958- قد ضمنت لعمال النفط تحديد ساعات العمل، وأجور أيام العطل، إضافة إلى أجور الساعات الإضافية، والحد الأدنى للأجور، إلا أنها اضطهدت تنظيمهم النقابي، مما حذا بالكثير من الأحزاب أن تقف إلى جانبهم([137]).
أيضاً في المجال التجاري، ساهمت التجارة في زيادة الفوارق الطبقية في المجتمع؛ فبسبب ضيق السوق الداخلية نتيجة انخفاض مستوى دخل الفرد في العراق، ومنافسة السلع الأجنبية للسلع الوطنية ؛ نتيجة عدم الإشراف الحكومي على السوق الداخلية، مما أدى إلى احتكار فئة معينة من المستوردين للسلع الاستهلاكية، وذلك بغية التحكم في أسعارها، مما أثَّر سلباً على التطور الإنتاجي الوطني([138]).
وبسبب إجراءات التأميم والإصلاح الزراعي التي قام بها عبد الكريم قاسم، لم يعد المستثمر يستثمر من أجل التنمية، في أوضاع ليست في مصلحته، فقد فقدَ السيطرة على الدولة التي أصبحت وكأنها ليست دولته، ولا الحكم حكمه، واستبعد رجال الاستثمار من كل الأجهزة البيروقراطية ، ولم تشرع لهم ضمانات ضد التأميم ، والمصادرة ، والوضع تحت الحراسة ، وغيرها من الإجراءات التي تقوم بها السلطات الديكتاتورية ، والشيوعية، فكان تقوية دور الدولة من خلال سيطرتها على المجتمع ، والاقتصاد ؛ بحجة منع السيطرة الإمبريالية على موارد الدولة حجة خاطئة وزائفة ؛ لأن الدولة قد تحولت بسبب ذلك إلى شريك في السيطرة الإمبريالية على موارد الدولة ، والمجتمع ، ومصالح الشعب([139]).
وأما الادعاء بأن الإصلاح الزراعي ، قد حدَّ من الملكيات الواسعة الزائدة عن الحد المعقول، والتي تعيق المالكين أنفسهم عن إمكانية استثمارها على الوجه الأكمل ؛ بسبب اتساعها، وتباعد أمكنتها، والمشاكل المتوطنة فيما بينها ، وبين المالك ، والفلاح من أجلها، حيث سيؤدي هذا إلى اتجاه المالك إلى إحياء أراضيه المتبقية له مستخدماً كامل قوته ، وكفاءته اللتين ظلتا موزعتين على جميع ما كان في ملكيته، ونتيجة لذلك سيؤدي هذا الإجراء إلى الحصر في المقدرة ؛ وبالتالي إلى رفع نسبة الإنتاج، والتقليل من التكاليف ، والمصاريف، وسيقود ذلك في النهاية إلى الفائدة وتخفَّيف الأعباء، لكن هذا الادعاء لا يمت للحقيقة بأي صلة؛ لأن الدولة لم تستطع توجيه المالكين الجدد من الفلاحين لزيادة إنتاجهم، كما لم يستطع الفلاح أن يستثمر الأرض التي أعطيت له من خلال الإصلاح الزراعي، بسبب بيروقراطية الدولة في تأمينها لمستلزمات الأرض والإنتاج، كما أدى تشتيت الأرض على أعداد كبيرة من الفلاحين إلى ظهور ما عرف بالإنتاج الصغير الغير قادر على المنافسة ، والتطور، وتحقيق التنمية الاقتصادية في الزراعة، فلم تكن إجراءات التأميم ، والإصلاح الزراعي في خدمة رفع الدخل العام في الدولة بقدر ما ساهمت في انخفاض الدخل القومي، وبالتالي الفردي؛ بسبب العلاقة بينهما.
· التمايز الحزبي في العراق قبل عام 1963
الحزبية في العراق قديمة جداً، فلم تكن الحركات الاجتماعية الثورية التي اكتسبت الطابع الديني ، أو المذهبي، في العصر العباسي سوى أحزاب سياسية تسعى للسيطرة على الحكم ، واكتسبت بعد ذلك الصفة الدينية، لإيمان المريدين بأفكارها ، واعتبارهم إياها مقدسة، مثل الخوارج، والبرامكة، والشيعة وغيرهم من الحركات الاجتماعية، لكن في العصر الحديث، أصبح للحزب مفهوماً عصرياً، فأصبح منظمة متخصصة في تدريب المرشحين للبرلمان، من أجل عرض مشكلات المجتمع فيه، وأصبح مؤسسة سياسية تنظم بشكل رسمي ضمن أهداف معلنة بشكل قانوني([140]).
وعليه فقد رأت الدراسة أن تطور الأحزاب في العراق قد مر بثلاث مراحل، وكل مرحلة كانت تتسم بطابع خاص، يطبع أحزابها يميِّزه عن غيره من المراحل الأخرى، لذلك فثمة أحزاب كانت ذات سمة خاصة قبل الحرب العالمية الثانية، ثم ظهرت أحزاب في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، مختلفة بطبيعتها عن سابقتها، ثم ظهرت أحزاب جديدة في عهد الثورة العراقية عام 1958، حيث اتسمت هي الأخرى بطابع خاص، بعد إلغاء القيادة السياسية للأحزاب القديمة، واستمرت تلك الأحزاب حتى سقوط نظام عبد الكريم قاسم عام 1963.
وأهمية ذكر هذه المراحل الثلاث تكمن في بحث المسار الذي وصل فيه حزب البعث الذي هو موضع الدراسة إلى الحكم في العراق، حيث أن وجوده في الساحة العراقية قبل حركته عام 1963، لم يكن منفرداً، بينما أصبح بعد عام 1963 منفرداً ، أو قائداً للمجتمع، فهنا يثار تساؤل مفاده: هل كان رفض الفرد العراقي لأيديولوجيات الأحزاب السياسية -غير البعث- هو الذي جعل البعث يصل إلى السلطة ؟ وهل استفاد الفرد العراقي من التجارب الحزبية التي قد مرت بالعراق قبل حركة البعث الأولى عام 1963 ؟ وهل كانت التمايزات الحزبية في المجتمع العراقي عاملاً سهَّل وصول حزب البعث إلى السلطة؛ بسبب ما سببه وجود أحزاب متعددة في العراق من عدم استقرار سياسي فيه ؟.
-الأحزاب العراقية قبل الحرب العالمية الثانية
كانت معظم هذه الأحزاب امتداداً للتأثيرات الفكرية ؛ التي خضع لها المثقفون الذين تلقوا علومهم في الغرب، فبضعهم كان يمثل صيغة الديمقراطية البرجوازية، ، كما خضع بعضهم لتأثير الفاشية، وتأثر آخرون بالفكر الاشتراكي، سواءاً الديمقراطي كالفابية، أو الديكتاتوري كالماركسية، فلم يكن الواقع العربي هو المطلق في المعاناة الفكرية، بل كان التأثر بالأيديولوجيات هو الأساس؛ لذلك كان الطابع النسخي المقلد هو الطابع الذي يغلب على هذه الأحزاب([141]).
وأهم الأشكال الحزبية التي وجدت في العراق خلال هذه الفترة هي:
1. أحزاب ذات طابع ليبرالي مثل الحزب العراقي عام 1922.
2. أحزاب ذات طابع ديني مذهبي مثل جمعية الشباب المسلمين، التي كان مركزها في سوريا ، والعراق، وحركة الإخوان المسلمين التي انتشرت في بعض الدول العربية ، والإسلامية، ومنها العراق، بعد أن كان مركزها مصر ، وكلا هاتين الحركتين تتبعان المذهب السني([142])، كما نشأت أحزاب شيعية أهمها حزب النهضة الذي تأسس في منطقة الفرات الأوسط ، ودعا إلى تعديل الدستور الذي تشكل عقب قيام المملكة العراقية عام 1921، كما دعا إلى إتاحة المجال في مجلس إدارة الدولة والحكومة، لصالح الشيعة، كونهم يمثلون الأكثرية، وأن يكون حكم العراق شيعياً، وقد قام أعضاء هذا الحزب ببعض التمردات ضد الحكومة، لكن تم قمعها، وقد عزا بعض الشيعة ؛ أن تمردات هذا الحزب ، كانت بسبب إدارة الدولة العراقية التي لا تعتبر أنها تمثل المجتمع العراقي بكل فئاته([143]).
3. الأحزاب القومية العربية التي كانت امتداداً للجمعيات السرية ، والحركات القومية التي وجدت منذ ِأواخر العهد العثماني ؛ حيث كانت تدعو إلى الوحدة العربية بشكل غامض، وقد تفاعلت أفكارها مع ثورة الشريف حسين عام 1916، ومع قيام الدولة العربية الفيصلية في سوريا ، ثم في العراق، وأهم هذه الأحزاب كان نادي المثنى (1921 ـ 1927) ، وعصبة العمل القومي في سوريا ، والعراق.
4. الأحزاب الإقليمية، وهي الأحزاب التي رأت وجود أمم عربية، وخصائص لكل قطر من الأقطار العربية، مثل الحزب الحر العراقي عام 1922، وحزب التقدم (1924 – 1929) ، وحزب الشعب وحزب العهد عام 1930 ، وكانت هذه الأحزاب تطالب بالإبقاء على الوضع الراهن ؛ مستغلة مصالح شيوخ العشائر ، ورجال الدين في العراق، لكن رغم ذلك ظهرت بعض الأحزاب الإقليمية الأخرى التي كانت معارضة للسلطة نفسها من خلال رفضها للانتداب البريطاني، ومطالبتها ببرلمان منتخب من قبل الشعب ، وتحويل الملكية إلى ملكية دستورية، وأهم هذه الأحزاب كان الحزب الوطني (1921-1934) ، وحزب الإخاء (1930-1933) وحزب الأمة، وحزب الاستقلال الوطني في الموصل 1924([144]).
5. الأحزاب الاشتراكية، وهي الأحزاب الاجتماعية التي دعت لمساعدة المحتاجين، وكانت تقوم ببعض النشاطات الثقافية والسياسية مثل جمعية البصرة الإصلاحية 1913 ، وجماعة الأهالي في العراق 1931، ، ونادي البعث العربي ؛ الذي بدأ في العراق في منتصف الأربعينيات، إلا أنه كان لظهور بعض هذه الأحزاب الاشتراكية خدمة لمصالح خارجية، وكانت تتبع مصالح تلك الدول، مثل الحزب الشيوعي في العراق الذي تأسس عام 1930، على يد شخص اسمه (يوسف سليمان يوسف) الملقب بفهد، وقد انتشر هذا الحزب في المدن العراقية، وكان مدعوماً من قبل روسيا الشيوعية، وقد نادى هذا الحزب بإلغاء الانتداب البريطاني عن العراق، ثم طالب بإلغاء المعاهدة العراقية عام 1930، لكن رغم ذلك لم يكن انتشاره كبيراً في أوساط الغالبية من سكان العراق، فقد اقتصر انتشاره بين الأقليات العرقية ، والدينية، وما يثبت تأثره بالسياسة الشيوعية السوفياتية ؛ أنه أيد التحالف الذي قامت به روسيا مع الغرب ضد قوات المحور أثناء الحرب العالمية الثانية، وقد سيطر هذا الحزب على النقابات، وتغلغل في صفوف الطلاب ، والمثقفين ، وطالب بضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية، ، وزيادة الأجور ، وضرورة تحقيق التضامن الاجتماعي([145])، ويعتبر هذا الحزب من الأحزاب الأممية، الذي لم يكن يعمل على المستوى العراقي فحسب، بل على المستوى العالمي، بحكم ارتباطه بروسيا الشيوعية.
6. الأحزاب القومية الكردية، حيث ظهرت هذه الأحزاب رداً على الأحزاب القومية في تركيا ، أو في المنطقة العربية ، ومنها العراق، ورغم أن بعضها لم يكن وجوده في العراق ؛ إلا من خلال امتداده لحزب أخر موجود في تركيا التي تحتوى أكبر تجمع للأكراد في العالم، إلا أن ظهورها في العراق كان ملحوظاً بشكل أكبر، كون الأكراد في العراق متواجدين في منطقة محددة من العراق تتيح لهم الانعزال عن غيرهم من أبناء الشعب العراقي، وأهم هذه الأحزاب هي: حزب خيبون (الاستقلال)، الذي تشكل في تركيا وامتد إلى العراق عام 1926 ، وطالب بضرورة جمع القوى الكردية من أجل تحقيق إقامة الدولة الكردية، وحزب (كومه لي لاوان) أي الفتوَّى، وتشكَّل في بغداد عام 1932، وأصدر بعض المجلات مثل : مجلة "ذكريات الشباب" ، وحزب هيوا الذي تشكَّل عام 1939 ، وتأسس في إحدى المدن العراقية ذات الأكثرية الكردية ، وهي السليمانية، وذلك من خلال عدداً من الضباط ، والمثقفين الأكراد، الذين دعوا لإقامة الدولة الكردية الكبرى ، أو ما يسمى بدولة كردستان الكبرى، كما دعوا إلى ضرورة تأسيس حكومة كردية، والتقارب مع زعماء الحركة الكردية في إيران، لكن هذا الحزب انقسم إلى تيارين، يميني ، ويساري، حيث انحل التيار اليميني، بينما انضم التيار اليساري إلى الحزب الشيوعي العراقي، كما ظهر حزب أخر اسمه حزب "شورس" عام 1944، وكان حزباً شيوعياً لكنه خاص بالأكراد، وحدد أهدافه وبرامجه على أساس تحقيق الأماني القومية للأكراد، وأخيراً ظهر حزب "زركاري كورد" أي الثورة الكردية في عام 1944، وهو أيضاً ركَّز جهوده على المطالب الكردية، وضرورة الاستفادة من كافة القوى الكردية لتحقيق ذلك، حيث جاء في بيانه: "الأمة الكردية المقسمة حسب خطط وأطماع الاستعمار، عليها أن تناضل في سبيل تقرير المصير وتحرير كردستان الكبرى" ، وقد حدد هدفه المرحلي، بضرورة تحرير كردستان العراق ضمن الدولة العراقية، وهو الحزب الذي رفع مذكرة إلى مجلس الأمم المتحدة الذي عقد في لندن في نهاية الحرب العالمية الثانية، وأشار فيها إلى ما أسماه المؤامرة التي أيدها مؤتمر الصلح الذي عقد في باريس عام 1919 ، وذلك غداة الحرب العالمية الأولى، حيث رأى أن ذلك المؤتمر كان له دور مهم في تقسيم كردستان بين تركيا ، والعراق ، وسوريا ، وإيران، وأضاف أن الأكراد يتعرضون للاضطهاد في هذه الدول([146]).
-الأحزاب العراقية بعد الحرب العالمية الثانية ،وحتى ثورة 14 يونيو 1958
استمرت بعض أحزاب الفترة السابقة، في هذه المرحلة، لكن ظهرت أحزاب جديدة أخرى ، خاصة بعد ظهور تطورات كبيرة على الساحة السياسية العالمية ، والإقليمية، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث ظهر نظام عالمي ثنائي القطبية، يسعى كل قطب على استقطاب حكومات ، وأنظمة الدول الأخرى من العالم الثالث، وكان لهذين القطبين عدة أدوات ، ومنها كانت الأحزاب السياسية، فكان الحزب الشيوعي يسعى جاهداً للوصول إلى السلطة في العراق ضمن استراتيجية السوفيت ؛ للوصول إلى منطقة الخليج الغنية بالنفط، كما أيد هذا الحزب سياسة الاتحاد السوفيتي ، وقراراته التي تمس المنطقة العربية، مثل تقسيم فلسطين، وهذا أثار الشعب العراقي ضده، وحكم على بعض أعضاءه بالإعدام مثل رئيسه فهد الذي أعدم عام 1949، ثم استخدم هذا الحزب أسماء متعددة لتثبيت تغلغله في المجتمع العراقي مثل تسميته " أنصار السلام" ، تلك الحركة التي ضمَّت الكثير من الطلاب ، وقد شارك هذا الحزب في انتفاضة العمال في العراق عام 1952 ، وعارض الوحدة السورية المصرية عام 1958، وبما أن الكثير من أعضاء هذا الحزب كانوا من الأقليات الدينية ، والقومية العراقية، لذلك عملوا على إثارة النعرات الإثنية ، والطائفية، واستغلالها لصالح استقطاب الأقليات التي تدعي بأنها مضطهدة ، وكل ذلك من خلال سياسة الاتحاد السوفيتي في المنطقة([147]).
كما ظهرت في العراق خلال هذه الفترة، ما عرف بالحركة الناصرية ، تلك الحركة التي تأثرت بمبادئ جمال عبد الناصر الاشتراكية، منذ عام 1954 فدعت في برنامجها السياسي إلى ضرورة تحقيق الاستقلال الوطني ، وتنميته ومكافحة الاستعمار بكل صوره، واعتناق سياسة عدم الانحياز في السياسة الخارجية، وتنمية الاقتصاد ، والاجتماع، وكل نواحي الحياة في المجتمع، مع ضرورة تحقيق الاستقلال الاقتصادي ، والسعي لتحقيق الوحدة العربية، والاشتراكية العربية، المنبثقة عن الشعب العامل، والإيمان بالصراع الطبقي بشكل سلمي، وتحويل المجتمع المتخلف إلى متطور من خلال إقامة سلطة قوية([148]).
وبالمقابل ظهرت بعض الأحزاب الموالية للسلطة العراقية ، المرتبطة ببعض الدول الغربية من خلال المعاهدات، وقد عملت السلطة السياسية على تأسيس هذه الأحزاب بحيث تكون مؤيدة لها من جهة، وتعارض الحكومة (ظاهرياً) في البرلمان في بعض الأشياء ، وذلك بغية إظهار النظام العراقي بالمظهر الديمقراطي، وقد تميَّز أعضاء هذه الأحزاب ؛ بأنهم محافظين ، وإقطاعيين مثل : حزب الأمة الاشتراكي الذي أسسه رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد، وحزب الاتحاد الدستوري الذي أسسه رئيس الوزراء العراقي صالح جبر، وقد تم حل هذين الحزبين عام 1954، بناءاً على قرار نوري السعيد تجميد الأحزاب السياسية في العراق، كما حلت الأحزاب الأخرى في نفس الفترة بينما استمر آخرون مثل: البعث ، والشيوعي يعملان سراً([149]).
كما ظهرت خلال هذه الفترة، بعض الأحزاب الإصلاحية في البرلمان، حيث دعت لإصلاح الأوضاع الداخلية، وتحقيق الوحدة الوطنية، وإلغاء المعاهدة العراقية البريطانية ، ونشر الديمقراطية ، والاهتمام بالتصنيع ، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتقريب الطبقات من بعضها البعض من خلال الضرائب التصاعدية على الدخول، وإصلاح الإدارة والتعليم، ومكافحة الأمراض، وكان من أهم هذه الأحزاب: حزب الوحدة ، وحزب الأحرار، وحزب الاستقلال، والحزب الوطني الديمقراطي، وحزب الجبهة الشعبية المتحدة([150]).
إلا أن أخطر الأحزاب التي ساهمت في تصديع الوحدة الوطنية في العراق، خلال هذه الفترة، من خلال تبنيها أفكاراً قومية انفصالية ؛ هو الحزب الديمقراطي الكردستاني، وبما أن هذا الحزب سيستمر معنا إلى نهاية فترة الدراسة، لذلك رأت الدراسة أن نلم بهذا الحزب بشئ من التفصيل، خاصة أن هذا الحزب كانت له ارتباطات خارجية منذ نشأته في العراق عام 1945.
فمن المعروف أن التمردات الكردية لم تكن جديدة في المنطقة الكردية سواءاً كانت في تركيا ، أم في العراق ، أم في إيران،أم في سوريا، حيث كانت نواة الحركة الكردية منذ عام 1908 ، من خلال تأسيس بعض الأكراد نواة لهم في القاهرة، ثم أنشاءهم صحيفة خاصة بهم، رغم أنهم منذ عام 1843 أي في ظل الحكم العثماني، كانت لهم تمردات ضد السلطة العثمانية، وضد الإقطاعيين الأكراد الموالين لها، إلا أن جميع هذه التمردات قد باءت بالفشل.
والزعامات الكردية في العراق، هي زعامات قبلية ، ودينية في نفس الوقت، فكان أول ظهور لها في العراق من خلال الشيخ محمود البرزنجي منذ نهاية القرن التاسع عشر، حيث حارب الشيخ محمود مع الأتراك ضد الروس ، وضد الحلفاء، لكن اختلافه مع الأتراك بعد ذلك جعله يعلن ولاءه للإنكليز، فوافقوا على ذلك وجعلوه حاكماً على محافظة السليمانية، ثم عمل على إرسال رسالة إلى أحد ممثلي الأكراد ، والقاطنين في باريس عام 1919، وكان هذا الممثل الكردي هو "شريف باشا" ، حيث كان سينعقد مؤتمر الصلح ، وسيمثل الأكراد في ذلك المؤتمر، وسيطالب بحقوقهم القومية، إلا أن هذه الرسالة لم تصل إلى شريف باشا ، لكنه استطاع بعد حصوله على تفويض من أكراد تركيا ـ حضور المؤتمر ـ ثم حصل على تأكيد من ذلك المؤتمر، بحق الأكراد في تقرير مصيرهم في تركيا، والعراق إذا وافق أكراد العراق على ذلك ، وقد حددت في ذلك المؤتمر منطقة كردستان من خلال مواد المؤتمر (2-56-63-64)، وذلك ضمن ما عرف بمعاهدة سيفر 1919([151]).
وعندما حاول الشيخ محمود البرزنجي، توسيع منطقة نفوذه في السليمانية اصطدم مع الزعماء الأكراد الآخرين، ومع القوات البريطانية، التي كانت منتدبة للعراق، مما حذا ببريطانيا إلى أسر الشيخ محمود ، ونفيه إلى الهند، وعينت موظفين في السليمانية تحت إشرافها المباشر، لكن أعادته بعد ذلك بعد أن أخذت ضمانات على حسن سلوكه عام 1922، حيث شكَّل حكومة في السليمانية ،وأصدر صحيفة "روزي كردستان" ؛ التي أخذت تدَّعي أن السليمانية ليست جزءاً من العراق، وأنَّ لها كيانها الخاص، لكن انتصار القوات التركية على قوات الحلفاء عام 1923، أجبر الحلفاء على توقيع معاهدة لوزان ، وبموجبها ألغت بريطانيا أي أحقية للأكراد في إقامة الدولة الكردية في تركيا، وقضت على الحكومة الكردية في السليمانية، بعد اتفاقها مع تركيا على تعيين الحدود بينهما([152]).
كما تأثر الواقع الكردي في العراق، بالواقع الكردي في إيران، في أعقاب تشكيل الحزب الوطني الكردستاني في إيران، وتشكيله لفرع له في العراق عام 1946، حيث شكَّل هذا الحزب ما عرف بجمهورية "مهباد" ، التي دعمها السوفيت أثناء احتلالهم لإيران خلال فترة الحرب العالمية الثانية , وحتى نهاية عام 1946 , إضافة لمساعدة رئيس جمهورية أذربيجان السوفيتية لها، إلا أن انسحاب السوفيت من إيران، قضى على هذه الدولة، وأعدم رئيسها المسمى (القاضي محمد)،وهرب مستشاره مصطفى البرزاني -هو شقيق الشيخ محمود ، وتولى قيادة التمردات الكردية من أخيه الشيخ أحمد- خارج إيران إلى روسيا , وقاد الفرع الأخر للحزب الكردي في العراق ، حيث كان الملا مصطفى البرازي في روسيا ويتابع تطورات الأحداث في العراق، وكانت أولى مؤتمرات هذا الحزب في العاصمة العراقية بغداد في أغسطس عام 1946 ([153]).
وقد أصدر هذا الحزب صحيفة " رزكاري " لتكون لسان هذا الحزب ، كما تعرض هذا الحزب منذ وجوده في العراق للمطاردة ، والملاحقة من قبل السلطات العراقية، ونقلت الحكومة العراقية قسماً من الأكراد إلى الجنوب العراقي، وهرب الكثير منهم إلى خارج العراق ؛ بسبب ما كان لهذا الحزب من أهداف انفصالية، من خلال مبادئه، ومطالبته باستقلال الأكراد، حيث رأى هذا الحزب أن إقامة كردستان الكبرى يبدأ من العراق، كما أن الكثير من أعضاء هذا الحزب قد قاموا بعمليات عنيفة ضد المراكز الحكومية في شمال العراق، وأعلنوا العصيان المسلح ضدها.
وكون مصطفى البرازي موالياً للسوفيت، لذلك فقد رفض هذا الحزب معاهدات الحكومة العراقية مع الغرب، مثل معاهدة "بورتسموث" عام 1947 ، ونظم المظاهرات ضدها، مما حذا بالحكومة إلى القيام بحملات عسكرية ضد هذا الحزب ، وأعضائه، وتمكنت من اعتقال بعض قياداته ، حيث صرَّح أحدهم لمراسل الصنداي تلغراف: " لقد اتهمنا بأننا شيوعيين، وذلك غير صحيح، ليس لنا أية أهداف شيوعية، إننا نريد فقط الاستقلال، إنهاء الاضطهاد للغتنا ، وثقافتنا واقتصادنا" ([154]).
وقد دعا هذا الحزب في مؤتمره الثالث عام 1953، إلى ضرورة الإصلاح الزراعي ، والتأميم ، والعدالة الاجتماعية، والوقوف إلى جانب المعسكر الشيوعي، وإسقاط الملكية في العراق، وإحلال الديمقراطية، وإلغاء المعاهدة البريطانية العراقية التي تشكلت عقب استقلال العراق من الانتداب البريطاني عام 1930 ، كما دعا إلى حكم ذاتي للأكراد ضمن الجمهورية العراقية، والتعليم الإجباري المجاني، ويلاحظ أن هذه الأهداف تتطابق مع الأهداف التي يدعو لها الحزب الشيوعي في العراق، مع زيادة الحقوق القومية للأكراد، والحكم الذاتي لهم، وهذا ما يؤكد ارتباط هذا الحزب جذرياً بالاتحاد السوفيتي ، وسياسته في المنطقة العربية في إطار حربه الباردة مع المعسكر الغربي ؛ الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ، وهذا ما يفسِّر وقوفه إلى جانب الشعب المصري في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، حيث تلاقت بعض قيادات هذا الحزب مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر، لشرح القضية الكردية له، والاتفاق على تنسيق العلاقات بين الحركتين الكردية والعراقية عام 1957، كما التقى أحد قادة هذا الحزب وهو "جلال طلباني" مع أحد القادة اليساريين في سوريا وهو "أكرم الحوراني" من أجل هذه الغاية([155]).
لكن رغم ذلك ظلت النزعة الانفصالية في أيديولوجية، وبرنامج عمل هذا الحزب، بالرغم من أن العرب ، والأكراد قد تعايشا مع بعضهما البعض منذ أقدم العصور، حتى أنه كان كل زعيم كردي تقريباً يفخر بأنه ينحدر من أصل عربي ، ويحاول إرجاع نسبة إلى الرسول محمد (ص) ، أو إلى أحد أصحابه([156])، كما أن العراق هو أول من اهتم بالأكراد ، وأدخلهم في جميع وظائف الدولة، حتى أن الكثير من أكراد تركيا هجروا أراضيهم وسكنوا العراق([157])، فلم يدرك قادة هذا الحزب أن الأكراد ليسوا سوى ساحة للعمل ، وميدان للصراع ، وأنهم ليسوا موضوع الصراع، في ظل وجودهم في مجال حيوي تعمل فيه جميع القوى الإقليمية، والدولية الكبرى، كما أن تضحيات الأكراد ، وثوراتهم هي نيابة عن تلك القوى([158])، فالعروبة في ضميرها تؤمن بالتسامح ، والتعايش السلمي مع القوميات الأخرى([159])، وهذا ما يفسَّر وصول الكثير من الأكراد إلى صفوف قيادية في الدول العربية المتواجدين منها، فقد لعب الأكراد أدوارا مهمة في تاريخ العراق، الدول العربية عموماً، وخرج منهم صلاح الدين الأيوبي، والمؤرخ والمترجم الشهير ابن خلكان صاحب "وفيات الأعيان" كما ينسب إلى الأكراد في تركيا وسورية وإيران ومصر والعراق شخصيات كبار تبوأوا مواقع قيادية وبلغوا في مجالات الثقافة والفكر والفن شأناً عالياً في مقدمهم أمير الشعراء أحمد شوقي ، وقاسم أمين "محرر المرآة" في مصر، والمجاهد الاستقلالي السوري إبراهيم هنانو والمؤرخ والعلامة محمد كرد علي وعدد من أهل السياسة والحكم والجيش في سورية ولبنان مثل الرئيسين السوريين فوزي سلو وأديب الشيشكلي ، وزعيم الحزب التقدمي الاشتراكي في لبنان كمال جنبلاط .
وفي العراق بالذات وصل عدد منهم إلى مناصب رفيعة في الدولة منها رئاسة الحكومة، ومن هؤلاء ـ ولا سيما من تعرّبت أسرته من قبل ـ جعفر العسكري وجميل المدفعي ونور الدين محمود وأحمد مختار بابان في العهد الملكي. كذلك شغل الوزارات والمواقع القيادية المدنية والعسكرية عدد من كبار الشخصيات الكردية منهم جلال وجمال بابان، ومحمد أمين زكي ، وبكر صدقي قائد انقلاب 1936، وعدد من آل النقشبندي، وغيرهم كثيرون. وفي مجالات الأدب والعلم والفن اشتهرت شخصيات كردية عديدة لعل من أشهرها الشاعر الكبير جميل صدقي الزهاوي، وكذلك الشاعر الكبير بلند الحيدري، ولقد خصص منصب نائب الرئيس لهم في العهد الجمهوري.
ورغم ذلك ظلت تطلعات هذا الحزب انفصالية وأكبر الأدلة على ذلك ، ما في برنامج هذا الحرب من بنود تثير القوميات العراقية الأخرى، وتساهم في تشكيل الفواصل بينهم، فتقول المادة الثامنة من هذا الحزب: " إن حزبنا حزب ديمقراطي طليعي يمثل مصالح العمال ، والفلاحين ، والحزبيين ، والمثقفين الأكراد في العراق"([160])، كما تقول الفقرة (هـ) من المادة الحادية عشر:"تخصيص كرسي في جامعة بغداد ؛ لتدريس اللغة ، والتاريخ الكردي ، والسعي لتعميم اللغة الكردية في سائر أجزاء العراق، وإنشاء مجمع لغوى كردي ، وزيادة الجهد باللغة الكردية في دور الإذاعة "([161])، وتقول المادة الحادية والعشرين: " السعي لمساندة إخواننا الأكراد أينما كانوا في نضالهم من أجل استكمال حرياتهم وحقوقهم القومية ...." ([162])، وتقول المادة الخامسة: "السعي من أجل تعزيز علاقات الأخوة بين جميع القوميات المتآخية التي يتكون منها الشعب العراقي ، كالعرب ، والتركمان ، والأشوريين ، والأرمن ، وسائر الأقليات الأخرى في العراق"([163])، فهذا التقارب الذي يدعو إليه هذا الحزب ليس سوى تقارب بين الأكراد ، والغرباء، فلا يوجد أي تمايز بينهما حسب رأي هذا الحزب ، وهذا خلاف للواقع الذي يؤكد العلاقات المتميزة بين الأكراد ، والعرب، وعلى هذا الأساس فهذا الحزب في مبادئه يتناقض مع مبادئ الوحدة الوطنية في العراق، ومع مصالح الأكراد ، والعرب على حد سواء.
-الأحزاب العراقية من ثورة 14 يوليو 1958 وحتى حركة البعث 1963
حيث تشمل هذه الفترة فترة حكم عبد الكريم قاسم للعراق، كحكم فردي أوتوقراطي؛ بسبب ما جمعه من سلطات تشريعية ، وتنفيذية، بحسب الدستور الذي وضعه هو نفسه، بالرغم من أن هذه الثورة لم يقم بها الجيش وحده، حيث كان قاسم هو أحد القيادات التي نفَّذت الثورة، وليس هو وحده القائد العسكري الذي أطاح بالنظام، بل هناك قادة آخرون شاركوه في ذلك ، وأبرزهم عبد السلام عارف، وناظم الطبقجلي ، وعبد الوهاب الشواف ، ورفعت الحاج سري،ونجيب الربيعي ، وقد اضطهدهم قاسم بعد ذلك وأعدم بعضهم ، كما أن الإطاحة بالنظام الملكي، اشترك فيها ما عرف بالجبهة الوطنية، التي تشكلت عام 1957م ، من مجموعة من الأحزاب العراقية اليسارية ، والقومية العراقية ، وخاصة حزب البعث العربي الاشتراكي ، والحزب الشيوعي العراقي، لكن بعد ذلك قام عبد الكريم قاسم ؛ بإلغاء جميع هذه الأحزاب، مع إجازة أربعة أحزاب هي([164]).
1- الحزب الشيوعي، الذي شكَّله عبد الكريم قاسم بعد أن حلَّ الحزب الشيوعي القديم.
2- الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، الذي تميَّز منذ ما قبل الثورة، بنزعاته الاشتراكية.
3- الحزب الوطني الكردستاني الذي ذكرناه سابقاً.
4- الحزب الإسلامي، الذي أراد قاسم من خلاله ، إثبات أن حكمه ليس شيوعياً، ورغبة منه في استغلال الأيديولوجيا الدينية التي تتسم بتأثيرها الشديد على الشعب العراقي.
وقد سمح قاسم للحزب الوطني الكردستاني، بإصدار الصحف، وتعليم اللغة الكردية في مدارس الأكراد، وخصص لهم برامج بالإذاعة العراقية بلغتهم، وعفى عن الملا مصطفى البرزاني ، ومؤديه، بعد ثلاثة عشر سنة قضوها خارج البلاد في روسيا ، واستقبلهم على أساس أنهم كانوا يكافحون ضد الملكية الديكتاتورية ، وبالرغم من ذلك عاد هذا الحزب إلى نشاطاته السرية ، ودعواته الانفصالية، حتى أن أحد قادة الحزب صرَّح للرئيس المصري جمال عبد الناصر خلال فترة الوحدة بين سوريا ، ومصر بأنه آن الأوان لخلق دولة كردية، وأنَّ للأكراد ديناً على العرب، وأن هذا الدين يجب أن يوفه عبد الناصر، وهو بذلك يقصد هزيمة الصليبيين على يد القائد التاريخي صلاح الدين الأيوبي –كردي- وإخراجهم من الديار العربية، وبالفعل فقد ساهم عبد الناصر بدعمهم في طار خلافه مع نظام عبد الكريم قاسم، فسلحهم، وأنشأ لهم برامج تبث من صوت العرب([165])، وأخذت صحيفة الحزب المسماة (خه بات) ترفع شعار: " يا جماهير شعبياً: ناضلي من أجل اتحاد وطني للعمل على تمتع الشعب الكردي، بحقوقه القومية، بما في ذلك الحكم الذاتي لكردستان العراق "([166]).
وقد تأثرت بعض الفئات العراقية سلباً بسياسة عبد الكريم قاسم مع الأكراد، إضافة لمساندة نظام الجمهورية العربية المتحدة للقوميين العرب، الذين كانوا على علاقة بذلك النظام فقاموا بثورة الموصل عام 1959 ضد نظام قاسم، وقد دعمت الجمهورية العربية المتحدة هذه الثورة وأمدتها بالخبرات الفنية ، وبالسلاح ، وبالمال، لكن فشلت هذه الثورة، وساهم الحزب الوطني الكردستاني، والحزب الشيوعي، في قمع هذه الثورة وقاموا بعمليات في منتهى القسوة ضد مؤيديها، كما كان نظام قاسم قاسياً جداً على أعضاء هذه الثورة، وخاصة من خلال ما عرف بالمحاكمات التي كان رئيسها قريبه "فاضل عباس المهداوي" ، وقد كان من أسباب هذه الثورة ، إضافة للأسباب السالفة الذكر، ارتفاع نفوذ العناصر الشيوعية في عهد قاسم، وقضاءه على الأحزاب القومية العربية في العراق، وديكتاتورية النظام، ولجوء قاسم إلى سياسة ضرب الفئات السياسية ببعضها البعض ؛ بحيث تصفي نفسها بنفسها، وإعدامه لبعض القادة الذين اشتركوا معه بالثورة مثل : رفعت الحاج سري ، وناظم الطقجلي، وسجنه لرفيق ثورته "عبد السلام عارف" ، ونشوء فجوة بين الشعب العراقي ، والنظام العراقي ؛ بسبب انعدام وجود رسالة عقائدية يتفق عليها الجميع ، والمركزية المفرطة في إدارة الدولة، مما جعل الكثير من مناطق العراق مهملة، وذلك بالنسبة إلى مناطق أخرى ، وانعدام الوعي الثقافي لدى أفراد الشعب العراقي؛ بسبب الأمية التي كانت منتشرة بشكل كبير في العراق، والتدخل العسكري في صنع القرار السياسي، كما أنه –قاسم- لم يوجد دستور دائم حدد على أساسه الشكل الحقيقي لنظامه، إضافة لمغامرات قاسم في المجال الخارجي ؛ بإنهائه لمصالح الشركات الغربية النفطية في العراق، وإثارته لمشكلة الكويت عام 1960، وإثارته لمشكلة الإمتيازات الفرنسية النفطية في العراق، حيث رفع شعار استثمارها من قبل النظام العراقي، وتقاربه الكبير مع الاتحاد السوفيتي، هذه الأشياء جعلت الغرب يثير الأكراد ضده؛ لأن الكثير من الأكراد لهم علاقات مع الغرب، وعلى هذا الأساس قام أفراد من الحزب الوطني الكردستاني بمهاجمة المناطق الكردية في الشمال ، والاستيلاء عليها، وأصبح لهم قوة مؤثرة فيها([167]).
كما تبين من خلال التحقيقات التي أجراها مجلس قيادة ثورة البعث الأولى 1963، أنه في الأشهر الأربعة التي سبقت الثورة، كان الشيوعيون يدأبون على تحريض عبد الكريم قاسم على ما يسمونها المؤامرة المزعومة، حتى أن جريدة "طريق الشعب" السرية كتبت في أحد مقالاتها، أن هناك تآمر في معسكري أبو غريب والرشيد، وأن آمري كتائب دبابات بين المتآمرين وأن ساعة الصفر حددت، لكن تبين فيما بعد أنه كانت هناك ثلاث كتل داخل المكتب السياسي للحزب الشيوعي، واحدة متطرفة يقودها سلام عادل منذ 1959 تطالب بمشاركة الحزب الشيوعي بنسبة معقولة في حكم عبد الكريم قاسم، وأخرى مع التسليم التام لقاسم وتأييده من دون قيد أو شرط يمثلها بهاء الدين نوري وعامر عبد الله، واتجاه ثالث في الوسط يمثله زكي خيري، وكانت مراكز القوى تتبدل في شكل دائم فأبعد سلام عادل إلى موسكو مرة، ثم عاد وأبعد بعدما أبعد إليها نوري وعبد الله([168]).
هذه الأمور جعلت بعض الأحزاب السياسية المعارضة ، وخاصة القومية، تعمل لإسقاط عبد الكريم قاسم، حيث حدث تجمع للناصرين من خلال عبد السلام عارف ـ بعد خروجه من السجن- واجتمع مع بعض أفراد حزب الاستقلال، وتلاقى مع بعض الأكراد على أساس أن إسقاط قاسم سيكون في صالحهم، إلا أن أهم الفصائل التي كان لها الدور الأول في سقوط قاسم هو حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي كانت له عدة محاولات لاغتيال قاسم، إلا أنها كلها باءت بالفشل، وبعد ذلك استطاع حزب البعث أن يجمع جميع القوى المعارضة لقاسم، تحت قيادته، وأن يسقط بعد ذلك النظام، من خلال عدداً من الضباط العسكريين في الجيش العراقي ، وخاصة من البعثيين ، وقد رأى البعث أن حركته هذه هي حركة تصحيحه لمسار ثورة 1958، وتأكيد مبادئها في تحرر العراق من الاستغلال الاقتصادي العربي، وإنهاء القيود المفروضة على حرية الشعب وحقوقه، وإعادة العراق إلى دوره القومي العربي، وتحقيق الديمقراطية ، ورفع مستوى الطبقات الفقيرة، وكل ذلك ضمن وحدة الشعب ، والالتزام بالمعاهدات ، والمواثيق الدولية([169]).
وعلى هذا كانت الأحزاب العراقية خلال المراحل الثلاث التي ذكرت سابقاً ، قد اتسمت بعدد من السمات التي جعلتها لا تستطيع الاستمرار ، أو حل المشاكل العراقية ؛ مما جعلها لا تعبِّر عن الواقع العراقي بجميع تمايزاته، بل ساهمت بتمايزها عن بعضها البعض في إضعاف الوحدة الوطنية، وأهم المآخذ على هذه الأحزاب هي([170]):
1- انعدم ارتكاز زعمائها على تنظيم شعبي؛ بسبب ديكاتوريتهم.
2- افتقارها إلى التنظيم، مما سهَّل وقوعها في عثرات كثيرة.
3- كان الكثير من أعضائها ذوي مصالح شخصية ، لا يهمهم سوى مصالحهم.
4- عدم شعبيتها ، وجماهيريتها، وتبعيتها للمؤسس ، أو للقادة الذين يسيرونها.
5- اختراقها من قبل جهات خارجية لها مصالح في العراق.
6- ديكتاتورية النظام العراقي في المراحل السابقة، مما ساهم في عدم وجود ، أو استمرار حياة حزبية عادلة.
7- افتقادها لفهم نفسية الشعب العراقي، المتسم بتنوع الآراء ، إضافة إلى جهله بما يحيط بمجتمعه.
كما تميزت هذه الأحزاب بهشاشة بنيتها وبغموض برامجها، وحتى لو أن لبعضها برامج محددة، فلم تكن تتقيد بها، فكان من الممكن حل الحزب ، أو انشقاقه في الداخل؛ بسبب تعارض المصالح الضيقة للقادة ، والزعماء مع البرامج التي كانوا يتبنوها ، وساهم في ضعف الهيكلية التنظيمية لهذه الأحزاب، إبقاء نشاطها ، وتأثيرها محدوداً، فلم تعرف ما يسمى بالهيكل التنظيمي المتدرج من القيادة إلى الكوادر إلى الوحدات الأصغر المنتشرة بين صفوف السكان، وهذا ما أدى إلى عدم وجود أنظمة داخلية تقرر حقوق الأعضاء ، وواجباتهم، ونمط العلاقات القائمة بين القيادات ، والقواعد في الهرم التنظيمي، وهذا ما جعلها أحزاب مرحلية ، ووقتية ، ومحدودة النشاط ،والتأثير، وضعيفه الاتصال الواسع مع الشعب، وكان سبب عدم وجود هياكل تنظيمية ؛ بسبب غياب القواعد الفكرية المشتركة التي تسير هذه الأحزاب، ومن علائم ضعف نضج هذه الأحزاب، أن الخلافات فيما بينها كانت هي السائدة ، وأكثر هذه الخلافات ، كان بسبب الرغبة في الوصول إلى السلطة ، أو البرلمان، وتحقيق مكسب معنوي([171]).
كما لم تستطع هذه الأحزاب حل مشكلة الفوارق الاجتماعية ، والاقتصادية ، والسياسية بحيث تضيق الهوة بين الأفراد، ولم تكن لها استراتيجية واضحة ، وعلمية في تحقيق أهدافها، باستثناء بعض الأحزاب القومية العربية التي رأت ضرورة تذليل ، وإزالة هذه الفوارق من خلال عملية متدرجة توصل بالنهاية إلى تحقيق الوحدة العربية، وبالمقابل كانت بعض الأحزاب تتناقض مع أعراف ، وتقاليد ومبادئ الشعب العراقي الذي يتسم بالتدين في معظم مناطقه، فكان وجود الأحزاب الشيوعية سواءاً ما كان منها يميل إلى الأمية ، أو ما كان يميل إلى القومية الكردية، قد جعل الهوِّة كبيرة بينه ، وبين الشعب، فظلت هذه الأحزاب أسيرة أفكارها، رغم ما كانت تقوم به من دعايات واسعة، من قبيل أن أهدافها الرئيسية هي: القضاء على الفوارق الطبقية، وإن التمايز بين الأفراد ليس منزلاً من عند الله ، بل هو ناجم عن أسباب إنسانية ، وتاريخية، وأن الاتحاد السوفيتي قد انتصر بالعلم في الحرب العالمية الثانية، ووصل إلى الفضاء ، وامتلك الذرة، ، وطور أسلحته، وأنه يدعم الحركة القومية العربية، وهو الذي كشف عن مخططات الغرب لتقسيم الأرض العربية في سايكس بيكو1916، ورغم ذلك لم يستطع هذا الحزب أن يكون جماهيرياً، بسبب إيمانه بالمادية الجدلية التي رفضها الشعب العراقي، فعلى سبيل المثال يقول لينين:
"على الماركسي أن يكون مادياً، أي عدواً للدين، ولكن أن يكون مادياً جدلياً، أي مادياً لا ينظر إلى محاربة الدين بطريقة تجريبية، ولا على أساس الوعظ الرتيب ، والبعيد، والنظري البحت، بل بطريقة واقعية، على أساس الصراع الطبقي الجاري بالممارسة العملية ، والذي يثقف الجماهير أكثر، وأفضل مما يفعله أي شيء أخر"([172]).
كما يقول أيضاً: "يجب أن يرتبط بالممارسة الفعلية للحركة الطبقية التي تهدف إلى اقتلاع الجذور الاجتماعية للدين"([173]).
ورغم أن هذا الحزب كان له النفوذ الأكبر خلال عهد عبد الكريم قاسم، إلا أنه لم يستطع الحفاظ على نفوذه ؛ بسبب عدم شعبيته أولاً، وبسبب اضطهاد قاسم له، في مرحلة لاحقة لنفوذه، حيث عمل قاسم على إبعاد الكثير من الشيوعيين عن المراكز القيادية، وحل حزبهم، بعدما شعر أن هذا الحزب أصبح عاملاً سلبياً في وجه سلطته المطلقة.
مما سبق رأينا أن المجتمع العراقي يحتوي تمايزات عديدة، منها التمايزات العرقية ، والدينية ، والطائفية ، والمذهبية ، والعشائرية ، والإقليمية ، والطبقية ، والحزبية، وأن كل تمايز من هذه التمايزات له خصوصياته التي تؤثر بشكل مباشر على الحياة الاجتماعية ، والاقتصادية ، والسياسية في المجتمع العراقي، وبالتالي على أي سلطة سياسية تحكمه، وقد رأينا على سبيل المثال مساهمة الأحزاب السياسية، في إسقاط النظام الملكي ، وفي إسقاط قاسم بعد ذلك، كما رأينا مساهمة الأكراد في إحداث تضعضع في الأنظمة السياسية المتعاقبة، ورأينا أثر وجود السلطة العشائرية في بروز الصراع الطبقي في المجتمع العراقي، ورأينا الخلافات العقائدية، ودورها في الانتقاص من شرعية النظام السياسي، فهذه التناقضات كافية لزعزعة أي نظام سياسي، والتقليل من شرعيته ما لم يستطع التعامل معها بكل حكمة وموضوعية.
وعلى هذا فقد رأينا من خلال مبحثي هذا الفصل، أن حزب البعث العربي الاشتراكي، قد وجد في مجتمع يحتوي تمايزات عديدة، فكيف استطاع التعامل معها، رغم أنه حزب قومي، لا يمثل كل القوميات الموجودة في العراق، وهو حزب يرفض الإقليمية ، والعشائرية ، والطائفية ، والمذهبية ، والطبقية ، والتعددية الحزبية، في مجتمع يحوي كل هذه التناقضات، هذا ما ستوضحه لنا الدراسة في الفصول القادمة، حيث سيتناول الفصل الثاني، الوصول الأول لحزب البعث العربي الاشتراكي إلى السلطة في العراق في حركة 8 فبراير 1963 ، كما سيناول أسباب فشل تجربته الأولى في الحكم ، والأسباب التي سهلت الإطاحة به من خلال عبد السلام عارف، الذي وصل إلى الحكم من خلال البعث، ثم سيتناول هذا الفصل المحاولات البعثية للوصول إلى السلطة مرة أخرى، إلى أن ككل لهم النجاح بالإطاحة بعبد الرحمن عارف عام 1968م.
([1]) Phebe ,Marr,. "Iraq's Leadership Dilemma: A Study in Leadership Trends, 1948-1968," Middle East Journal, 24, No. 3.Winter-Autumn 1970,pp 283-301.
· انظر الجدول (1-1) الذي يبين نسبة كل إثنية من الإثنيات (الأعراق ) الموجودة في العراق .
([2]) شفيق عبد الرازق السامرائي، مرجع سابق ذكره، ص ص 12-15 للمزيد انظر قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق، ص67.
([3]) قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق: دراسة سياسية اقتصادية، اجتماعية، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 1977، ص ص199-200
([4]) أمين سامي الغمراوي، قصة الأكراد في شمال العراق، القاهرة: دار النهضة العربية،1967، ص ص91-101 .
([5]) شفيق عبد الرازق السامرائي، مرجع سابق ذكره، ص 31، للمزيد حول دور العرب الحضاري، انظر عاطف أمين وصفي، المجتمع العربي، ط3، القاهرة: دار المعارف بمصر، 1969، ص ص 18-20.
· لم يكن الشيعة العرب يشكلون الأكثرية من سكان العراق ، إلا في القرن التاسع عشر عندما حدثت الهجرة العربية في عهد والي بغداد داود باشا حيث تشيعت تلك القبائل ، لتزيد نسبة الشيعة العرب ، إلا أن هذا لا يعني أن الشيعة بقوا هم الأكثرية في العراق ، فلو جمعنا العرب السنة ، مع السنة من القوميات الأخرى من الأكراد والتركمان وغيرهم ، فسيكون هناك تعادل بين السنة والشيعة (الباحث ) .
([6]) عباس العزاوي، عشائر العراق، بغداد: مطبعة المعارف، 1947، ص ص 17-18 ، أنظر أيضاً شاكر خصباك، الأكراد: دراسة جغرافية إثنوغرافية، بغداد: مطبعة شفيق ، 1972، ص 503 – 511.
([7]) نفس المرجع السابق، ص19 ، للمزيد انظر :
Edmund ,Ghareeb,. The Kurdish Question in Iraq. Syracuse: Syracuse University Press, 1981,pp.8-40. Also Look :
Stephen, C ,Pelletiere,. The Kurds: An Unstable Element in the Gulf. Boulder, Colorado: Westview Press, 1984.pp.30-70.
([8]) نفس المرجع السابق، ص ص20 – 23 .
([9]) نفس المرجع السابق، ص ص 19-22 .
([10]) مازن بلال، المسألة الكردية: الوهم والحقيقة، بيروت: بيسان للنشر والتوزيع، 1993، ص ص19-33
Also Look : Saad, Jawad,. Iraq and the Kurdish Question, 1958-1970.
London: Ithaca Press, 1981.pp.10-28
([11]) مازن بلال، مرجع سابق ذكره ، ص ص19-33 ، للمزيد انظر :
Edmund ,Ghareeb,. The Kurdish Question in Iraq,Op.Cit,pp.18-25.
([12]) أحمد تاج الدين، الأكراد: تاريخ شعب وقضية وطن، القاهرة: الدار الثقافية للنشر، 2001، ص ص 15-20، ص 20-30، للمزيد أنظر عزيز الحاج، مرجع سابق ذكره، ص ص 224-227 ، انظر أيضاً شاكر خصال، مرجع سابق ذكره، ص ص 511-512 أيضا، منذر موصلي، الحياة السياسية والحزبية في كردستان، لندن: رياض الريس للكتب والنشر ، 1991، ص ص 25-30، انظر أيضاً :
Saad ,Jawad,. Iraq and the Kurdish Question, op.cit.pp.15-50
([13])أحمد تاج الدين، مرجع سابق ذكره ، ص11
([14])ناجي أبي عاد وميشيل جريتون ، النزاع وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، ترجمة: محمد نجار، عمان: الأهلية للنشر والتوزيع، 1999، ص121.
([15]) حول اختلاف الباحثين حول معالم الوطن الكردي، انظر: أمين سامي الغمراوي، مرجع سابق ذكره ، ص ص26-40، أيضاً قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره ص ص 76-79 . أيضاً، مازن بلال، مرجع سابق ذكره، ص ص 24-25 ، أيضاً منذر موصلي، مرجع سابق ذكره، ص25، أيضاً شاكر خصباك، مرجع سابق ذكره، ص ص 515-516 ، أيضاً أحمد تاج الدين، مرجع سابق ذكره، ص 11 ، ص29.
· الدولة الأيوبية التي حكمت مصر والشام ، وأجزاءاً من العراق ، كانت دولة دينية مستعربة ، لا يوجد تمييز قومي أو عنصري لأي من رعاياها مثلها مثل دولة المماليك في العراق (الباحث) .
([16]) Minorisky. V. "The encyclopedia of Islam : the Kurds", London, 1925, pp. 480-479.
([17]) شاكر خصباك، مرجع سابق ذكره، ص ص 481-482 .
([18]) نفس المرجع السابق، ص ص 483 – 488 .
· انظر الخريطة في المبحث السابق .
· بسبب سماح الزعيم العراقي عبد الكريم قاسم للمعارضة الكردية بالرجوع إلى الوطن بعد أن ظلت لسنوات عديدة في المنفى ، وتسامحه مع الأحزاب الكردية الانفصالية ، هاجر الكثير من الأكراد إلى كركوك في عهده ، مما سبب الكثير من المشاكل في المدينة وخاصة إبان ثورة الشواف في الموصل ، حيث تعرض الكثير من التركمان إلى الأعمال الوحشية من قبل الأحزاب الكردية و الشيوعية التي كانت في أغلبها كردية (الباحث ) .
([19]) شاكر خصباك، مرجع سابق ذكره، ص52.
([20]) أمين سامي الغمراوي، مرجع سابق ذكره، ص ص101 - 103
([21]) قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص 212 – 213 .
([22])صلاح بدر الدين، ، الحركة القومية الكردية في سوريا، بيروت، رابطة كاوا للثقافة الكردية، 2003، ص15-148.
([23]) قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص 202-205، للمزيد انظر محمد طلب هلال، دراسة عن محافظة الجزيرة من النواحي القومية والاجتماعية والسياسية (وثيقة) ، بيروت: دار كاوا للنشر والتوزيع، 2001، ص ص23-27، انظر أيضاً :
, Abbas ,Kelidar. "Iraq: The Search for Stability," Conflict Studies ,London, 59, July 1975,pp. 1-22
([24]) نفس المرجع السابق، ص ص 76 – 79 .
([25])Vanly, I.C. "Kurdistan in Iraq." pp. 192-203. in Gerard Chaliand .(ed.), People Without a Country: The Kurds and Kurdistan. London: Zed Books, 1980.
أنظر أيضاً : سعد البزاز، الأكراد في المسألة العراقية، عمان: الأهلية للنشر والتوزيع، 1997، ص ص 94-96 .
([26]) نظرة بالأرقام والأسماء إلى النسيج الاجتماعي للعراق ، 20/3/2003 ، مأخوذ من الموقع : http://www.amanjordan.org/arabic_news/wmview.php?ArtID=5841
([27]) قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص215، 216، انظر أيضاً ، أمين سامي الغمراوي ، مرجع سابق ذكره، ص101.
· انظر الخريطة في المبحث السابق .
([28]) قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص 87-89 .
([29])قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره ، ص 14 .
([30]) نفس المرجع السابق، ص14.
([31]) نفس المرجع السابق، ص14
([32]) نفس المرجع السابق، ص15
([33])إفرام برصوم ، اللؤلؤ المنثور في تاريخ العلوم والآداب السريانية ، ط3، بغداد ، 1976 ، ص 521 . انظر أيضاً ، بطرس نصري ، ذخيرة الأذهان في تاريخ المشارقة والمغاربة السريان، بيروت ،ج3 ، مطبعة الدومنيكان، 1913 ، ص 72، ص 89 ، ص 225 ، انظر أيضاً : البير أبونا، شهداء المشرق، ج1 ، بغداد ، 1985 ، ص 200 ، أيضاً مراد كامل ، تاريخ الأدب السرياني ، القاهرة ، 1974 ،
ص 258، انظر أيضاً ، بطرس حداد ، البطريرك مار إيليا عبو اليونان ، بين النهرين، العددين( 39 ، 40)، 1982، ص 250 .
([34]) نفس المرجع السابق، ص211.
· بالرغم من أنهم يتكلمون إحدى اللغات السامية وهي اللغة السريانية ذات الأصول الآرامية ، إلا أنهم يختلفون بعض الشيئ في سحناتهم ، وإثنيتهم ، عن العراقيين ، كما أن ولاءهم للدولة العراقية ظل ضعيفاً ، بعكس ولاءهم لبعض الدول الغربية ، أو الشيوعية ، مثل روسيا ، أو بريطانيا ، وهذا ما شكك الكثير من الباحثين على اعتبارهم عراقيين أو من أصول عراقية، لكن هذا لا يبرر أنهم غير عراقيين اعتمداً على السحنان ، لأن السحنات تتغير بتغير المناطق التي يسكنها الإنسان (الباحث )وللمزيد حول ارتباط الأشوريين بالغرب أنظر : فرست مرعي الدهوكي ، مجلة البيان ، العدد 1532، أغسطس 2000.
([35]) نفس المرجع السابق، ص212.
([36]) موسى الشابندر، ذكريات بغدادية: العراق بين الاحتلال والاستقلال، بيروت: رياض الريس للكتب والنشر، 1993، ص128
([37]) عزيز الحاج، مرجع سابق ذكره، ص95.
([38]) نفس المرجع السابق، ص ص: 217-221، للمزيد أنظر، أمين سامي الغمراوي، مرجع سابق ذكره، ص – ص 101-103.
([39]) أمين سامي الغمراوي، مرجع سابق ذكره، ص102، للمزيد أنظر سمير عبده، المسيحيون السوريون خلال ألفي عام ، دمشق ، دار علاء الدين، 2000، ص ص 29-29،ص 68. أنظر أيضاً : بطرس نصري ، ذخيرة الأذهان في تاريخ المشارقة والمغاربة السريان ، ج2 ، بيروت: مطبعة الدومنيكان، 1913 ، ص 72، للمزيد انظر : إفرام برصوم ، اللؤلؤ المنثور في تاريخ العلوم والآداب السريانية ، ط3 ، بغداد : 1976 ، ص 521 ، انظر أيضاً مراد كامل ، تاريخ الأدب السرياني ، القاهرة ، 1974 ، ص 73 ، أنظر أيضاً : يوسف حبي ، من هم مسيحيو العراق ، مجلة قالا سوريانا، العدد 1 السنة، 13 كانون الثاني 1990، ص 29 .
([40]) محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، الملل والنحل، ج2، تحقيق: أحمد فهمي محمد، القاهرة: مكتبة الحسين التجارية، 1948، ص ص44-48 ، أنظر أيضاً : فهمي ماروكي ، بحث في تاريخنا المشترك ، خويادا ، العدد 9، السنة 13، 1990 ، انظر أيضاً : فرست مرعي الدهوكي ، النشاط التنصيري في كردستان العراق ، مجلة البيان ، العدد (153) ،أغسطس 2000.
([41]) سمير عبده، مرجع سابق ذكره، ص88.
([42]) عزت اندراوس ، أنسكلوبيديا موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history الكنيسة النسطورية السريانية الشرقية ، مأخوذ من الموقع الإلكتروني : http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm
([43])الأرمن في العراق ، http://www.minoritiescouncil.org/html/armen.htm ، للمزيد انظر : فالنتيناس مايت ، العراق: الطائفة الأرمنية
http://64.233.183.104/search?q=cache:6LBkqsCisrkJ:arabic.tharwaproject.com/node
أيضاً انظر ، صحيفة الديوان العراقية6/2/2006 .
([44]) سعيد السامرائي، الطائفية في العراق: الواقع والحل ، لندن، مؤسسة القمر، 1993، ص43.
([45]) نفس المرجع السابق، ص46.
· الجدول (2-1) الذي يبين نسبة المسلمين السنة والشيعة في العراق ، والجدول (3-1) يبين تقاطع الإطار المذهبي والقومي لنسبة المسلمين عموماً في العراق ، و الجدول (4-1) يبين نسبة السكان بناءاً على الأديان الموجودة في العراق ، والجدول (5-1) يبين تقاطع الإطارين الديني والقومي ( الإثني ) للسكان في العراق .
([46]) The Europe year Book 1974, Awarld survey, vol. 11. London: Europe publications ltd, 1974, p. 696.
([47]) مأمون كيوان، اليهود في الشرق الأوسط : الخروج الأخير من الجيتو الجديد، عمان: الأهلية للنشر والتوزيع، 1996، ص36، للمزيد حول نسبة السكان حسب المذهب ، والقومية أنظر المرجع Encyclopedic Britannica. Vol. 12 ,USA William Benton publisher, 1971, p. 529.
([48]) قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، ص ص45-50 .
([49]) نجيب الأرمنازي ، عشر سنوات في الدبلوماسية ، بيروت، دار الكتاب الجديد، 1964، ص 58، أنظر أيضاً، فرهاد إبراهيم، مرجع سابق ذكره، ص91، أنظر أيضاً: حنا بطاطو، العراق: الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية، ط2، ترجمة : عفيف الرزاز ، بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، 1995، ص36.
([50]) فرهاد إبراهيم، مرجع سابق ذكره، ص94 .
([51]) سعيد السامرائي، مرجع سابق ذكره،ص 86 , للمزيد انظر :
Peter ,Sluglett, and Marion Farouk-Sluglett. "Some Reflections on the Sunni/Shia Question in Iraq," British Society for Middle East Studies ,London, 5, 1978,pp. 79-87.
([52]) , Hanna, Batatu. Shi'i Organizations in Iraq: Al-Da'wah al-Islamiyah and Al-Mujahidin."pp. 179-200. in, Juan R.I. Cole and Nikki R. Keddie (eds.), Shi'ism and Social Protest. New Haven: Yale University Press, 1986.
للمزيد أنظر : قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص 217-218.
([53]) محمود إسماعيل، فرق الشيعة بين التفكير السياسي والنفسي الديني، القاهرة: سينا للنشر، 1995، ص ص98-100 , للمزيد انظر :
Hodgson, Marshall G.S. "How Did the Early Shia Become Sectarian?". Journal of the American Oriental Society, 75, No. 1, January-March 1955, 1-13.
([54]) محمود إسماعيل، مرجع سابق ذكره ، ص47 ، ص94
([55])Marshall G.S,Hodgson,. How Did the Early Shia Become Sectarian?. Journal of the American Oriental Society, 75, No. 1, January-March 1955,pp. 1-13.
انظر أيضاً : محمود إسماعيل، مرجع سابق ذكره ، ص96.
([56])محمود إسماعيل، مرجع سابق ذكره ، ص98 .
([57]) نفس المرجع السابق، ص ص 100-105 ، للمزيد أنظر محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، مرجع سابق ذكره،ص ص254 ، 235 ، ص ص280 – 288 ، للمزيد حول الشيعة انظر :
Moojan ,Momen,. An Introduction to Shia Islam. New Haven: Yale University Press, 1985.pp.20-180.
([58]) نفس المرجع السابق، ص ص 104 – 121 .
· الكثير من القبائل والعوائل العربية الشيعية لا تتقبل هذا الزواج وتستكرهه ،رغم عدم تحريمها له ، وإذا حصل فلا يحصل للبكر ،وإنما للمطلقة ، أو الأرملة ونحوها من النساء (الباحث ).
([59]) قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص48.
([60]) فرهاد إبراهيم، مرجع سابق ذكره ، ص ص39-58 .
([61]) نفس المرجع السابق، ص ص 65-88 ، ص ص 114-115
([62]) نفس المرجع السابق، ص 106 – ص ص 122-191 ، للمزيد انظر :
Hanna ,Batatu,. Iraq's Underground Shia Movements: Characteristics, Causes, and Prospects, Middle East . Journal, 35, No. 4, Autumn 1981,pp.94-578. Also Look : Hanna, Batatu. Shi'i Organizations in Iraq: Al-Da'wah al-Islamiyah and Al-Mujahidin.pp.179-200
([63]). نزار عسكر ، المسيحيون العراقيون، ماض عريق وحاضر مجهول ، 24/2/2005 ، مأخوذ من الموقع : http://www.enjeely.com/vb/showthread.php?t=862
([64]) قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص 51-53 .
([65]) نزار عسكر ، المسيحيون العراقيون، ماض عريق وحاضر مجهول ، 24/2/2005 ، مأخوذ من الموقع : http://www.enjeely.com/vb/showthread.php?t=862
([66]) نفس المرجع السابق
([67])نفس المرجع السابق
([68]) سمير عبده ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 10-50 .
([69]) مأمون كيوان، مرجع سابق ذكره ص ص18-28 ، انظر أيضاً :
pp.12-120, ، Baghdad Sasson ,D., A, History of the Jews in
للمزيد حول اليهود في العراق يمكن الرجوع إلى المصادر التالية :
Cohen, H., The Anti Jewish Farhud in Baghdad, Middle Eastern Studies, Vol. 3, London, 1966 - 1967
Goitein, S., Jews and Arabs, New York,1955 also:
Hourani, A. Minorities in the Arab World, London, 1947 also:
also : Lancshut, S., Jewish Communities in the Muslim Countries of Middle East, London, 1950
also :Lilienthal, A. The Other Side of the Coin, New York, 1965
also : Masliyah, S, Zionism in Iraq, Middle Eastern stuedies, Vol. 25, No. 2, London, April, 1989
also :Rajwan., N, The Jews of Iraq, London,1985
([70]) مير بصري (رئيس الطائفة الموسوية في العراق سابقاً): يهود العراق ، مأخوذ من الموقع : http://www.almawsem.net/diwan01/yahood.htm
أنظر أيضاً : vol, 25. Masliyah, S., Zionism in Iraq, Middle Estern studies
أنظر أيضاًSchechman, On Wings of Eagles, pp331-332.
أنظر أيضاً :
Albert. Hourani,; Minorities in the Arab World, san Francesco,1990. p.102
Steven, E., Tigris and Euphrates,London.1961, pp.216
([71]) مير بصري ، مرجع سابق ذكره ، أنظر أيضاً : حسقيل قوجمان ، الجالية اليهودية في العراق سابقاً ، مأخوذ من الموقع : http://bahzani.net/C%20Ordner/c146.htm
أنظر أيضاً : 332- Schechman, On Wings of Eagles, pp. 331
([72]) نفس المرجع السابق، ص ص 28-32 ، انظر أيضاً قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراقي، مرجع سابق ذكره ص219 ، للمزيد أنظر : محمد جلاء إدريس، العراق والتعايش العربي اليهودي ، مأخوذ من الموقع :http://www.aljazeera.net/NR/exeres/D3DFF17C-E828-4A27-8184-0A5D8189DF4D.htm ، وحول تغلغل بعض العناصر الصهيونية والبريطانية من خارج العراق – إضافة لبعض عملاءها من اليهود العراقيين في الداخل - ، وقيامه ببعض الأعمال التخريبية ، مما أثار ضدهم الحكومة العراقية التي كان يرأسها توفيق السويدي : يمكن الرجوع إلى الموقع التالي : http://www.hamseyes.com/vb/showthread.php?t=2544
([73]) أمين سامي الغمراوي، مرجع سابق ذكره، ص104 ، للمزيد حول اليزيدية أنظر : خضر دوملي ، من هم الأيزيديون في عراق اليوم ؟، مأخوذ من الموقع : http://kaniya-sipi.de/arabic/far9.php
أنظر أيضاً :
Felipe,G . Crainbrok ,Yezidism-Its Background, Observances and Textual.pp33-70 Tradition: taufek .wehba ,The Yezidism are not Devil- Worshippers, London, 1962.pp 12-50 ،
([74])صديق الدملوجي، اليزيدية، الموصل، مطبعة الاتحاد ، 1941 ، ص ص4-19، انظر أيضاً : خليل جندي ، نحو معرفة حقيقة الديانة والأيزيدية، السويد، رابوون ، 1998، ص265، ص ص223-241
([75])نفس المرجع السابق ، ص ص20-50 ، للمزيد أنظر : نزار آغري ، الشيخ عدي والملك طاووس ، أوراق كردية ، العدد 1 ، 1/8/2002 ، أيضاً : خليل جندي : الشيخ آدي مجدد الديانة وليس مؤسسها والأيزيدية ليست طائفة إسلامية ، مأخوذ من الموقع : http://www.khaliljindy.com/ar-m2alat6.htm ، أنظر أيضاً : : صقر شنكالي ، الشيخ آدي بن مسافر...بين سندان الحقيقة ومطرقة الكتّاب، مجلة لالش/ دهوك، العدد17، كانون الثاني/2002
([76])نفس المرجع السابق ، ص ص50-70.
([77])نفس المرجع السابق ، ص ص49-72.
· أمراء اليزيدية لهم سحنات عربية تميزهم ، فالخصائص الأنثروبولوجية العربية واضحة فيهم ، وهذا دحض لبعض المزاعم التي يوردها البعض من أنه لا علاقة لليزيدية بالعرب ، أو بالمسلمين ، عبر تاريخهم الطويل (الباحث ) .
([78]) نفس المرجع السابق، ص ص 174 – 176 ، ص ص 398 – 177 ، للمزيد أنظر عزيز الحاج، مرجع سابق ذكره ، ص84 .
([79]) نفس المرجع السابق ص ص 728 – 506 ، أنظر أيضاً : قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره ، ص217 .
([80]) محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، مرجع سابق ذكره ص ص 108-201
([81]) نفس المرجع السابق ص 109-200
([82]) قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره ، ص225 ، ص ص 57 – 61
([83]) نظرة بالأرقام والأسماء إلى النسيج الاجتماعي للعراق ، 20/30/02003 ، مأخوذ من الموقع الالكتروني : http://www.amanjordan.org/arabic_news/wmview.php?ArtID=5841
([84]) شاكر خصاك، مرجع سابق ذكره، ص ص 492 - 493
([85]) قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 65-66 .
([86])فهمي كاكه يي ، من مشاهير كاكائية كركوك ، مأخوذ من الموقع :
http://bahzani.org/Maqalat%20ordner/M75.html
انظر أيضاً : إبراهيم داود الداود ، طائفة الكاكائية العلوية الصوفية ، مأخوذ من الموقع : http://www.mesopotamia4374.com/adad9/37.htm
· الحروفية طريقة صوفية تدعي الولاء لآل البيت عليه السلام ، لكنها تغلوا فيهمبشكل يمس جوهر العقيدة الدينية ، وقد تبرأ الإمام جعفر الصادق (رض ) منها ، ودعا لمقاومة أفكارها ومعتنقيها (الباحث ) .
([87])شاكر خصاك، مرجع سابق ذكره، ص 493، أنظر أيضاً، قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره ، ص ص 63-64 ، انظر أيضاً :
الكاكائيةُ، وحيرة المؤرخين في تقصي تاريخِها،ومعرفةِ أحوالِها الراهنة ،صحيفة المرصد ، مأخوذ من الموقع : http://arabic.tharwaproject.com/node/1027 ، أنظر أيضاً : الكـاكـائـية من فرق العراق ، مجلة الراصد ،العدد 54 / 2007 .
([88]) نفس المرجع السابق ، ص ص493 – 494 .
([89]) وليد دولة ، الشبك: والهوية الضائعة بين زمنين ، موسوعة صوت العراق، 17/7/2004 ،أنظر أيضاً قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص 64-65
([90]) نظرة بالأرقام والأسماء إلى النسيج الاجتماعي للعراق ، 20/30/02003 ، مرجع سابق ذكره ، للمزيد انظر : ادهام عبدالعزيز الولي ، الشبك: مزيج فريد لتلاقح الحضارات والتأثير المتبادل بين الشعوب، ،صحيفة الزمان ، العدد 1540 ص ص 4-5 .
([91]) نفس المرجع السابق، ص56 .
([92]) نفس المرجع السابق ص ص 56 – 57 ، أنظر أيضاً قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره ص ص 223 .
· لهم رقص خاص في إسبانيا يسمى الفلامنكو وهم يفتخرون بها بشكل كبير ، وهم أول من استخدم الثيران في المصارعة ، ورغم ادعاء بعض الإسبان أنهم من بقايا العرب ، إلا أن خصائصهم لا توحي بذلك على الإطلاق (الباحث ) .
([93] ) عبد الفتاح رواس قلعة جي، ، حلب القديمة والحديثة، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1989، ص333-386، للمزيد انظر : سامي كلاوي ، الغجر يحكمون العراق ، 6/8/2007 ، مأخوذ من الموقع : http://www.sotkurdistan.net/index.php?mod=article&cat=samiklawi&article=12801
أيضا ، غجر العراق في مواجهة الموت والابادة مَنْ المسؤول ؟6/1/2006 ، Kurdistan Regional Government ، مأخوذ من الموقع :
http://www.krg.org/articles/print.asp?anr=8551&lngnr=14&rnr=84
أيضاً :جمال جمعة ، أصل الغجر :نشر بتاريخ 6 سبتمبر 2006 ، مأخوذ من الموقع :
http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphWriter/2005/9/88606.htm
· أكثر ما يشاع عن سرقاتهم هو سرقة الأطفال ، وقد وجد بالفعل أنهم يتبنون اللقطاء أو أطفال الشوارع بغية الاستفادة منهم في المهن المختلفة في المستقبل لهم (الباحث ) .
·· هناك شائعة تظهر بين العوام من أن الغجر هم من أصول عربية من قبيلة بني مرة العربية ، التي اضطهدها الزير سالم انتقاماً لمقتل أخيه كليب على يد ابن رئيس تلك القبيلة وهو جساس ، وهذه الشائعة ليس لها أي مصدر للصحة ، لأن هؤلاء القوم مختلفين نهائياً بسحناتهم ، وأنثروبوليجيتهم ، و أخلاقهم ، ومبادئهم ، وعقائدهم الدينية ، عن العرب ، وخاصة في مجال صون العرض ، والكرم ، والنزعة الثورية ، وحب القتال والحرب والغزو ، وهذه الصفات لا تتوفر عند الغجر(الباحث) .
([94])علي النشمي ، الفلامانكو وأصل الغجر والكاولية ، مأخوذ من الموقع : http://www.alsabaah.com/paper.php?source=akbar&mlf=interpage&sid=6794
للمزيد انظر : الفقر والخوف يحكمان حياة الغجر في العراق : مأخوذ من الموقع : http://www.annabaa.org/nbanews/53/155.htm
أيضاً : 6/1/2005 ، عراقيات يرقصن في ليل دمشق : victor wardeh
مأخوذ من الموقع : http://www.zaidal.com/229/Syria_Homs/topic/1345-1.htm
أنظر أيضا :عدنان أحمد العباد ، الغجر... حين يرون أنفسهم سادة الأرض ، 14/5/2004، صحيفة الوفاق : السنة التاسعة ، العدد 2505 ، مأخوذ من الموقع : http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%BA%D8%AC%D8%B1
أيضا : سليم أبو جبل ،. فلسطين عام 1935، مأخوذ من الموقع :
http://www.banias.net/nuke/html/modules.php?name=News&file=article&sid=2746
أيضاً : عرفان شهيد ، الغجر في فلسطين - حضارة داثرة ، 14/4/ 2007، مأخوذ من الموقع :
http://www.aljabha.org/q/print.asp?f=-3385698419.htm
أيضاً : عدنان أبو زيد ، العراقيون والغجر أصدقاء الليل وأعداء النهار ، 20 ديسمبر 2006، مأخوذ من الموقع : http://www.elaph.com/ElaphWeb/Reports/2006/12/198784.htm
أيضاً : محمد ناجي ، الغجر:هويَّة ثقافية ، صحيفة الوفد ،8/1/2008 ،
([95]) قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص 69 – 70.
([96]) نفس المرجع السابق، ص ص 80-81 للمزيد انظر شاكر خصباك ، مرجع سابق ذكره، ص ص 169 – 174 ، ص 383 ، للمزيد أيضاً أنظر: Phillips ,Price Morgan, , A journey Through Azerbeijan and Persian Kurdistan 1885, p.19
([97]) نفس المرجع السابق، ص ص 81-85، أنظر أيضاً: شاكر خصباك، مرجع سابق ذكره ، ص ص 405- 4065
([98]) عبد الجليل الطاهر، العشائر العراقية، بغداد : مكتبة المشيخة ، 1972، ص ص 18-21 ص 37 – 44 للمزيد أنظر حنا بطاطو، العراق: الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية ، مرجع سابق ذكره ص ص31-32 ، ص ص 38-42 ، انظر أيضاً : زينب النعيمي ، وثائق: العشائر العراقية وعلاقتها بالدولة العثمانية ، صحيفة الجريدة ، 15/7/2006 .
([99]) نفس المرجع السابق ، ص ص37 – 38 ، أنظر أيضاً : علي الوردي ، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث ، ج 1، بغداد ، 1969 ، ص 18 .
([100]) ماهر عبد الله ، دور العشائر العراقية في صناعة مستقبل العراق ، برنامج قناة الجزيرة : عراق مابعد الحرب ، بتارخ 5/5/2003 ، أخذ من الموقع ، www.aljazeera.com .
([101])عبد الجليل الطاهر ، العشائر والسياسة ، بغداد ، 1958 ، ص6 .
([102]) Bunion, H.W. The Kurds, Journal of Royal, Central Asian society, No. 8, p.72, vol, xxxI, 1944.
([103]) قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص230.
([104]) قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص72-73 .
([105]) عبد الجليل الطاهر، مرجع سابق ذكره، ص36 .
([106])هاشم جواد ، مقدمة في كيان العراق الاجتماعي، جمعية الرابطة الثقافية ، 1946 ، ص28 ـ 29، انظر أيضاً : قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص 69-70 .
([107]) نفس المرجع السابق، ص ص 71- 72 .
([108]) حنا بطاطو، العراق: الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية، مرجع سابق ذكره، ص ص42-43
([109]) نفس المرجع السابق، ص ص38 ـ 42 ، انظر أيضاً : سيّار الجَميل، البنية العشائرية في العراق ، حرر في 29/12/2007، جادة حوار عراقي: مقاربات ومباعدات بيني وبين الأستاذ الدكتور كاظم حبيب، أخذ من الموقع : http://www.akhbaar.org/wesima_articles/democratic_studies-20071229-40428.html
· لقد قسم العراق إلى أقاليم عديدة كل منها كانت تدفع خراجاً للسلطة المركزية ، وقد ظهر هذا التقسيم بشكل أوضح في ظل حكم السلاجقة للعراق حيث بدت الأقاليم وكأنها دول ، انظر حول ذلك : رشيد الخيون
أقاليم العراق: لبغداد أكثر من الدعاء والخطبة، الشرق الأوسط ، العدد 10158، 20 سبتمبر 2006
([110]) قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص73 أنظر أيضاً، عز الدين دياب، التحليل السياسي لظاهرة الانقسام السياسي في الوطن العربي، مرجع سابق ذكره، ص 67 ـ ص52 .
([111]) حنا بطاطو، العراق، الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية، مرجع سابق ذكره، ص120 .
([112]) باسيل يوسف بجك وأخرون، استراتيجية التدمير: آلية الاحتلال الأمريكي للعراق ونتائجه، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2006، ص2 ، أنظر أيضاً : حنا بطاطو، العراق، مرجع سابق ذكره، ص120.
([113]) قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص73 ، للمزيد انظر : جرجس كوليزادة ، الأقاليم العراقية ، حرر بتاريخ 08/01/2008 ، وأخذ من الموقع :
http://www.iraqoftomorrow.org/wesima_articles/articles-20080108-51742.htm
([114]) شفيق عبد الرازق السامرائي، مرجع سابق ذكره، ص ص55-56
· كان يسمى العسكريون في الجيش العثماني باسم الفرسان أو السباهيين ، حيث كانت خدمتهم في الجيش مدى الحياة (الباحث ) .
([115]) نفس المرجع السابق ص58 .
([116]) يوسف الحكيم، سوريا والعهد العثماني، ط2، بيروت: دار النهار للنشر، 1980، ص ص83-84، للمزيد انظر : حنا بطاطو، العراق: الطبقات الاجتماعية، مرجع سابق ذكره : ص77 - 88
([117]) طلعت الشيباني ، بعض مشاكل العراق الاقتصادية ومعرفة اتجاهاتها التطورية ، بغداد، 1953 ، ص16، أنظر أيضاً :عزير الحاج، مرجع سابق ذكره، ص ص58- 70 .
([118]). Weliam Hay, two years in Kurdistan, London 1921, p.p. 65 - 64.
للمزيد أنظر، شاكر خصباك، مرجع سابق ذكره ، ص348 ، ص ص382 – 383 .أيضاً عبد الجليل الطاهر، مرجع سابق ذكره، ص ص 6-16 ص ص20-21 . ص38-42 ، أيضاً قاسم جميل قاسم: الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص 15- 116 .
([119]) قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي، حي العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص 116-117 للمزيد أنظر عبد الجليل الطاهر، العشائر العراقية، بغداد مكتبة المثنى 1972، ص42، أيضاً، نوري خليل ، الملكية والتطور الزراعي في العراق، بغداد: مطبعة العاني: 1964، ص5، أيضاً صالح يوسف عجينة، ضريبة الدخل في العراق من الوجهتين الفنية والاقتصادية، القاهرة: المطبعة العالمية، 1965، ص ص20-21، أيضاً: حنا بطاطو: العراق: الطبقات الاجتماعية ، والحركات الثورية، مرجع سابق ذكره، ص ص65-71 ، حمود الساعدي ، دراسات في عشائر العراق ، بغداد ، 1988 ، ص 7 .
([120])سلام كبه ، طريق الشعب ، 30/9/ 2007 .
([121]) قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص 116- 118، ص ص 122 ، 123 ، حول وضع الطبقة الدنيا في المجتمع العراقي، أنظر أيضاً، نفس المرجع المذكور، ص ص 254 – 255 .
([122])إبراهيم كبه ، الإقطاع في العراق ، بغداد ، 1957 ، ص 17.
([123])سيّار الجَميل، البنية العشائرية في العراق ، مرجع سابق ذكره .
([124]) نفس المرجع السابق، ص167 ، للمزيد حول الإصلاح الزراعي في العراق أنظر :
Doreen ,Warriner,. Land Reform and Development in the Middle East: A Study Egypt, Syria, and Iraq. London: Oxford. University Press for the Royal Institute of International. Affairs, 1962.pp.100-150.Also Look :
Martin E ,Adams,. "Lessons from Agrarian Reform in Iraq," Land Reform [Rome], No. 1, 1972,pp. 56-64.
([125]) قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص139-140 للمزيد أنظر، حنا بطاطو، العراق: الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية، مرجع سابق ذكره ص ص330 ص 387.
([126]) مصطفى محمد غريب ، الطبقة العاملة العراقية وحركتها النقابية تاريخ ونضالات وآفاق مستقبلية ، الحوار المتمدن، العدد: 484 ، 11/5/2003 .
([127])قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص: 140-142.
([128]). Langley. M. Kathleen,. The Industrialization of Iraq. Harvard Middle Eastern Monograph Series, V). Cambridge: Harvard University Press, 1967.pp.30-50.
([129])مصطفى محمد غريب ، مرجع سابق ذكره ، 11/5/2003 .
([130]) op.cit.pp.35-70, . Kathleen. M. Langley
([131]) Ibid.pp.50-60.
· كان أهم الذين أعدموا هو زعيم الحزب الشيوعي العراقي يوسف سليمان يوسف ، حيث اتهم بالعمالة لصالح الصهيونية (الباحث).
([132])Ibid.pp.70-75. ، للمزيد أنظر : سيار الجميل : البنية العشائرية في العراق ، 01/01/2008
مأخوذ من الموقع ، www.aljeeran.net
· حيث ازداد إنتاج النفط في العراق منذ ذلك الوقت بشكل كبير،ومنذ ذلك الوقت والاقتصاد العراقي يعتمد اعتماداً شديداً على النفط ، فاقتصاده نفطي في المقام الأول، لكنه ليس المورد الوحيد في العراق ، وهو من الدول المؤسسة لمنظمة الأوبك وقد بدأت صناعته منذ عام 1925 ، وبدأ الإنتاج في حقل كركوك بعد عامين من ذلك التاريخ ، وتوالي في الحقول الأخرى ، وقبل التأميم اتبعت شركات الامتياز النفطي العاملة سياسة معاقبة العراق بالحد من إنتاجه والتقليل من حصته في الأسواق العالمية خاصة بعد ثورة 14 تموز 1958 وسن قانون رقم 80 لعام 1961 والمعروف بقانون الاستثمار المباشر أنظر حول ذلك : قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص: 232-233، ص ص: 255-256.
([134]) مصطفى محمد غريب ،مرجع سابق ذكره .
([135]) نفس المرجع السابق، ص144.
([136]) خلدون حسن النقيب، الدولة التسلطية في المشرق العربي المعاصر، ط3، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1996، ص ص: 105-106.
([137]) نفس المرجع السابق، ص ص: 254-255.
([138]) نفس المرجع السابق، ص144.
([139])Rony ,Gabbay,. Communism and Agrarian Reform in Iraq. London: Croom Helm, 1978.pp.30-180. ، انظر أيضاً : خلدون حسن النقيب، الدولة التسلطية في المشرق العربي المعاصر، مرجع سابق ذكره، ص197.
([140]) parties , Northumberland, Press : Great Pritch , pp.3-4 James, Jupp. ,Political
([141]) شفيق عبد الرزاق السامرائي ، مرجع ساق ذكره ، ص ص 83-85 .
([142]) نفس المرجع السابق، ص ص84-89 ، للمزيد حول أحزاب ما قبل الحرب العالمية الثانية ، أنظر قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، ص ص 3-13 ، ص ص28-31 .
([143]) فرهاد إبراهيم، الطائفة والسياسة في العالم العربي: نموذج الشيعة في العراق، القاهرة: مكتبة مدبولي، 1996 ، ص125.
([144]) قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص 3-13 .
([145]) نفس المرجع السابق، ص ص 16-19 .
([146]) قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص217 – 225.
([147]) قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص17-19.
([148]) قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره ، ص20 .
([149]) فرهاد إبراهيم، مرجع سابق ذكره، ص ص 190 – 191 .
([150]) قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص 23-28 .
([151]) قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص211 – 214 للمزيد أنظر : أمين سامي الغمراوي، مرجع سابق ذكره ص ص 193 – 208 .
([152]) نفس المرجع السابق، ص ص 214 – 215 .
([153]) أمين سامي الغمراوي، مرجع سابق ذكره، ص ص 212 – 250 .
([154]) قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص230 .
([155]) نفس المرجع السابق، ص225 .
([156]) عزيز الحاج، مرجع سابق ذكره، ص 43، ص108 .
([157]) نفس المرجع السابق، ص43 - 108 .
([158]) سعد البزاز، مرجع سابق ذكره، ص26.
([159]) باسيل يوسف بجك وآخرون، استراتيجية التدمير: آلية الاحتلال الأمريكي للعراق ونتائجه، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2005 ، ص59، للمزيد، حول الحقوق التي أعطيت للأكراد في العراق، أنظر قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص 208 - 209 .
([160]) محمد طالب هلال، دراسة عن محافظة الجزيرة، من النواحي القومية والاجتماعية والسياسية (وثيقة)، (بيروت: دار كاد النشر والتوزيع، 2001) ، ص96 .
([161]) نفس المرجع السابق، ص99 .
([162]) نفس المرجع السابق، ص102 .
([163]) نفس المرجع السابق، ص106 .
([164]) نفس المرجع السابق، ص245 .
([165]) محمد طلب هلال، مرجع سابق ذكره، ص ص 32-33.
([166]) أمين سامي الغمراوي، مرجع سابق ذكره، ص ص 253 – 278 .
([167])Michael, E,Brown,. The Nationalization of the Iraqi Petroleum Company
International Journal of Middle East Studies, 10, No. 1, February 1979,pp. 107-24.
أنظر أيضاً : قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص246 – 247، ص ص 205 – 208 ، ص ص 240 – 241 .
([168]) حازم جواد، صحيفة الحياة، 11/2/2004.
([169]) نفس المرجع السابق، ص 247 .
([170]) نفس المرجع السابق، ص ص 33 – 34 .
([171]) محمد جعفر فاضل الحيالي، العلاقات بين سوريا والعراق (1945 - 1958) ، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2001، ص ص 135 – 136 .
([172]( Vladimir, Lenin, Marx, English, Marxism, Moscow, 1951, pp. 274 – 280.
([173])Vladimir. Lenin, collected works, Moscow, 1963, pp. 403 – 408.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق