حزب البعث العربي الاشتراكي
ضمن تركيبة المجتمع العراقي
· الفصل الأول : حزب البعث العربي الاشتراكي
- المطلب الأول: الظروف السياسية والاجتماعية التي أدت إلى ظهور
حزب البعث
- المطلب الثاني: نشوء حزب البعث في سوريا وانتقاله إلى العراق
1. البعث في سوريا
2. البعث في العراق
- المطلب الثالث: أيديولوجية وفكر حزب البعث وآراءه
حول التمايزات المجتمعية في المجتمع العربي
1- أيديولوجية حزب البعث
2- فكر ميشيل عفلق في تفسير أيديولوجية حزب البعث
3- بعض المنطلقات النظرية في حزب البعث
· الفصل الثاني : تركيبة المجتمع العراقي
- المطلب الأول: التمايز العرقي –الإثني- في العراق
- المطلب الثاني: التمايز الديني ، والطائفي ، والمذهبي في العراق
- المطلب الثالث: التمايز الحضري ، والعشائري ، والإقليمي في العراق
- المطلب الرابع: التمايز الطبقي ، والحزبي في العراق قبل عام 1963
الفصل الأول
حزب البعث العربي الاشتراكي
ضمن تركيبة المجتمع العراقي
يقسم هذا الفصل إلى مبحثين ، فيتناول المبحث الأول: حزب البعث العربي الاشتراكي، من حيث الظروف السياسية ، والاجتماعية ، والاقتصادية التي ساهمت في وجوده في كال من سوريا ، والعراق،على اعتبار أن تشابه الظروف يولد تشابهاً في الآراء والمعتقدات السياسية، خاصة أن بداية ظهور هذا الحزب كان في سوريا ثم في العراق، لم تكن بعيدة في فترتها الزمنية عن الاتفاقية الإنكليزية الفرنسية حول تقسيم منطقة الهلال الخصب، التي بموجبها انفصل العراق ، وسوريا عن بعضهما البعض، مكوناً كل جزء دولة خاصة به، كما سيتناول هذا المبحث عن تاريخ نشوء حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا والعراق،على اعتبار أنه قد بدأ في سوريا ، ومن ثم انتقل إلى العراق، وتمتد هذه المرحلة حتى وصول حزب البعث العربي الاشتراكي إلى السلطة في كل من هذين البلدين، ثم يتناول هذا المبحث أيديولوجية حزب البعث العربي الاشتراكي ، وأهدافه وبرامجه السياسية، إضافة إلى آراء أهم مؤسسي هذا الحزب، وهو ميشيل عفلق الذي فسَّر الكثير من آراء الحزب ، وأيديولوجيته ، واستراتيجيته ، ورغم أن ثمة رفقاء لمشيل عفلق في تأسيس هذا الحزب ؛ إلا أنه يبقى المنظر الأساسي للحزب، خاصة وأنه استمر في قيادة الحزب حتى نهاية الثمانينات من القرن الماضي، فكان في معظم مراحل البعث الأمين القومي العام للحزب، كما سيتعرض المبحث إلى بعض المنطلقات النظرية للحزب ، تلك التي تهم الدراسة .
أما المبحث الثاني، فسيتناول تركيبة المجتمع العراقي من الناحية الإثنية ، والطائفية ، والحزبية ، والعشائرية ، والإقليمية ، والطبقية على اعتبار أن المجتمع العراقي يحتوي عدة قوميات في داخله إضافة إلى القومية العربية السائدة فيه، فهو يحوي كل من الأكراد ، والتركمان ، والآشوريين، والفرس ، وغيرها من الجنسيات المستوطنة في العراق ، وكل منها لها خصائص مميزة تختلف عن الأخرى، سواءاً باللغة، أو ببعض العادات، والأعراف، كما تختلف بدرجة ولاءها للنظام السياسي القائم، أيضاً يحتوي المجتمع العراقي على طوائف دينية ، ومذهبية عديدة، فرغم أن الديانة السائدة في العراق هي الإسلام ؛ إلا أن هذا الدين افترق في العراق والعديد من الدول الإسلامية إلى عدة مذاهب أهمها، المذهب السني، والمذهب الشيعي، وكل من هذين المذهبين انقسم إلى مذاهب فرعية، إضافة إلى وجود طوائف دينية أخرى مثل اليهود الذي يعود تاريخهم إلى عهد أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام إضافة إلى وجودهم في عهد الدولة البابلية عندما قام ملكها نبوخذ نصَّر بسبيهم إلى العراق ، والمسيحيين الذين كانوا في العراق قبل وجود الإسلامي فيه، وكلا الديانتين اليهودية ، والمسيحية مقسمة إلى مذاهب دينية عديدة، كما توجد طوائف دينية بعيدة عن هذه الديانات السماوية الثلاث، مثل الصائبة، والعلى اللهية. واليزيدية، والشبك، وكل منها لها طريقتها الدينية الخاصة بالحياة، كما أن المجتمع العراقي، قد حوى أحزاباً عديدة، فتاريخه السياسي قد حوى الكثير من الأحزاب السياسية التي وصل بعض منها إلى السلطة منذ نشأة دولة العراق ، قبل حركة البعث الأولى في العراق عام 1963، وتحتوي تركيبة المجتمع العراقي على الكثير من العشائر ، والقبائل العراقية العربية ، والكردية ، والتركمانية وغيرها من الأعراق الموجودة في العراق ؛ لأن المجتمع العراقي هو مجتمع عشائري ، وقبلي ، قبل كل شيء ، وتتسم كل عشيرة منه بسمات خاصة بها قد تتشابه في بعض السمات مع عشائر أخرى، وقد تختلف بسمات أخرى ، كما يتناول هذا المبحث الطبقات الاجتماعية في المجتمع العراقي؛ لأن المجتمع العراقي كان يحوي على ثلاث طبقات اجتماعية، حيث ستتناول الدراسة أهمية كل طبقة في المجتمع العراقي، ودورها خلال الفترة السابقة للدراسة،لأن دراسة دورها قبل فترة الدراسة سيحدد دورها خلال فترة الدراسة، إضافة إلى ذلك سيتناول هذا المبحث عن دور التمايز الإقليمي في المجتمع العراقي، على اعتبار أن المجتمع العراقي يحتوي أقاليم متعددة، جبلية ، وسهلية ، وصحراوية، وتمايز بين الأقاليم الريفية ، والبدوية ، وبين الأقاليم المدينية، وتأثير كل منها على سكان هذه المناطق أو الأقاليم.
والغرض من دراسة التمايزات المجتمعية في العراق هو للتعرف على الظروف التي ولد فيها حزب البعث العري الاشتراكي، وكيف استطاع صياغة أيديولوجيته في مثل هذا المجتمع ؟ وما هي برامجه السياسية التي اعتنقها في ظل ظروف المجتمع العراقي ؟ وفي ظل دولة تتمتع باحتياطات نفط تبلغ 112 مليار برميل من النفط المؤكد الوجود في العراق ، حيث يحتل المرتبة الثانية في العالم بعد السعودية في حجم احتياطي النفط، وبحسب التقارير فإن 90 % من نفط العراق لا يزال غير مستكشف ، ويقدر النفط الموجود بهذه الآبار الغير مستكشفه ب 100 مليار برميل، ويتميز النفط العراقي أن تكاليف إنتاجه هي من أدنى المستويات في العالم، وتتركز معظم احتياطات النفط في مناطق البصرة –ذات الأغلبية الشيعية -في جنوب البلاد ، وفي منطقة كركوك –ذات الأغلبية الكردية والتركمانية- الواقعة شمال غرب البلاد .
فتحليل كل هذه العوامل يقودنا إلى التعرف في الفصول التالية من الدراسة على مدى قدرة حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق على استيعاب تناقضات المجتمع العراقي، والمحافظة على الوحدة الوطنية فيه.
المبحث الأول
حزب البعث العربي الاشتراكي
حزب البعث العربي الاشتراكي هو حزب وُلِدَ في ظروف مجتمعية سياسية واقتصادية كان لها دورها الكبير في صياغة أهدافه ، وبرامجه السياسية حيث كانت سوريا ما تزال تحت الانتداب الفرنسي ، أما العراق فرغم أنه كان قد حقق نوعاً من الاستقلال منذ عام 1930 ، إلا أنه كان مرتبطاً مع بريطانيا بمعاهدة تحد من استقلاله، وتجعله تابعاً سياسياً ، واقتصادياً لبريطانيا، فما هي هذه الظروف التي ساهمت في وجود هذا الحزب وما هي تداعياتها على أهدافه ، وبرامجه السياسية ؟، هذا ما سيوضحه لنا هذا المبحث من خلال بحثه في أيديولوجية حزب البعث وعقيدته السياسية والاقتصادية في تفسيره ، وتحليله للمجتمع العربي بشكل عام ، والعراقي بشكل خاص ، وتفسير هذه الأيديولوجيا على ضوء أفكار منظر البعث ومؤسسه الأول ميشيل عفلق ؛ من خلال عرض أهم آراءه حول تناقضات المجتمع ، وحلولها من وجهة نظره ، على أساس أنه يعتبر المفسِّر الأول والأخير لأيدولوجيا حزب البعث ، إضافة لما يهم الدراسة من بعض المنطلقات النظرية للحزب؛ تلك المنطلقات التي صاغتها المؤتمرات القومية للحزب خلال فترات انعقادها .
المطلب الأول
الظروف السياسية والاجتماعية
التي أدت إلى ظهور حزب البعث
منذ رفض العرب لسياسة التتريك ؛ التي اتبعتها الدولة العثمانية ، بعد انقلاب جمعية الاتحاد والترقي عام 1908 ، ومن ثم توافق العرب بجميع طوائفهم الدينية ،على تجاوز خلافاتهم حول فكرة القومية العربية، واتفاقهم على برنامج عملي عربي قومي ، بدأت الأحزاب القومية في الظهور فكانت كلها تنادي بالقومية العربية ، وضرورة قيام كيان عربي موحد، رغم أن الظروف لم تكن مواتية ، إلا أنهم سعوا إلى أن تكون لهم شخصيتهم القومية المتميزة في ظل الدولة العثمانية، فقد اشترك قسماً من السياسيين العرب في المؤتمر العربي في باريس في يونيو 1913 ، وقرروا الأمور التالية([1]) :
1- اشتراك العرب في الحكومة المركزية للامبراطورية العثمانية.
2- اشتراك العرب يجب أن يكون فعالاً ، وليس اسميــاً.
3- اعتبار اللغة العربية لغة رسمية في الولايات العربية ،والاعتراف بها كلغة ثانية في البرلمان العثماني.
4- اقتصار الخدمة العسكرية على حاجات الولايات العربية ، باستثناء الحالات العادية.
5- إقامة نظام لامركزي في جميع الولايات العربية.
6- مشاركة العرب للأرمن حول نظام لا مركزي مماثل.
ومنذ ذلك الوقت بدأت الآراء القومية تجد لها مريدين في الدول العربية وخاصة تلك الدول التي عانت من التقسيم الاستعماري لها، وهي دول الهلال الخصيب، حيث قُسِّمت هذه المنطقة بين فرنسا ، وبريطانيا ؛ فكان نصب فرنسا كل من سوريا ، ولبنان، أما نصيب بريطانيا فكل من العراق ، والأردن ، وفلسطين ، ورغم ما كان يربط هذه المنطقة ببعضها البعض من روابط سياسية ، وعشائرية ، واقتصادية، إلا أن نظامي الانتداب الفرنسي والإنكليزي عملا على حل هذه الروابط ؛ فنشأت فيها موجات متصاعدة من الصراع الداخلي.
وقد تميزت هذه المرحلة بعدة سمات أهمها([2]):
1- اجتماع القوى الوطنية بغض النظر عن انتمائها الطبقي ، وتكوينها الفكري على مكافحة الاحتلال من منطلقات ، ومواقف ، ومصالح مختلفة.
2- هيمنة الطابع الإقليمي على الحركات الاستقلالية ، وتركيزها على تحقيق الاستقلال السياسي ضمن حدود القطر العربي الواحد.
3- ظهور وتنامي الشعور القومي مقترناً بوعي قومي خالص اشتراكي.
4- سيطرة الفئات البرجوازية على قيادة الأحزاب ، والمنظمات السياسية.
5- بدء بروز الطبقة الوسطى عن طريق بعض المثقفين ، والضباط ، وقيادات الأحزاب ، والحركات السياسية.
6- بروز دور النخبة المثقفة على حساب المشاركة الواسعة والفعَّالة للجماهير.
7- إهمال الأحزاب الوطنية التي تتزعمها البرجوازية للمطالب الاجتماعية ، وعزلها لطلب الاستقلال ، والحرية عن مطلب التغيير الاجتماعي ، والتطور الرأسمالي.
وفي هذه الظروف اتسم المجتمع العربي في بنيته الاجتماعية، بعدة سمات أهمها([3]) :
1- هيمنة الظاهرة الاستعمارية، وتأثر المجتمع العربي بتطور النظام الرأسمالي.
2- طابع التخلف المسيطر على القطاعات الأساسية الثلاث (البدوي، الريفي، المديني) للبناء الاجتماعي، وارتفاع نسبة السكان في القطاعين البدوي والريفي، وانخفاضها في القطاع المديني.
3- غلبة العلاقات الإقطاعية في الريف ، والنمو النسبي للعلاقات الرأسمالية في المدن (البرجوازية التجارية ،والصناعية).
4- بدء بروز الطبقة العاملة ،وصعود الطبقة الوسطى ( الملاكون، وصغار التجار، وأصحاب المهن الحرة، والمثقفون الوطنيون، والعناصر الوطنية في الجيش ....الخ) ، خاصة بعد بدء إنتاج النفط العراقي الذي اكتشفت في عام 1927 ، بالقرب من شمال مدينة كركوك العراقية، ثم في بقية أجزاء العراق([4]).
5- انتشار الأيديولوجيات الليبرالية ، والاشتراكية ، والفاشية إلى جانب الوعي القومي ، ونمو النزعات الاستقلالية ، والتحررية.
وعلى هذا الأساس رأى الكثير من المثقفين أن التكامل العربي من خلال الوحدة الاقتصادية العربية، هو الهدف الرئيسي وهو السبيل والأساس المادي للوحدة العربية الشاملة، وإن تجاهل هذه الأهداف يجعل التكامل الاقتصادي بين الدول العربية ليس سوى شكلاً من أشكال التكاملات الاقتصادية العادية التي هي شكل من أشكال التنظيمات الإقليمية ؛ للقضاء على التمييز في المعاملة في محيط الدول الأعضاء، وأن السياسة الاستعمارية عمدت إلى تجزئة الوطن العربي؛ من أجل القضاء على الوحدة العربية ، واستنزاف ثروات الأمة، والاستفادة من الموقع الاستراتيجي للوطن العربي، وإضعاف الروابط بين اقتصادياته، وربطها بالغرب، والحيلولة دون قيام الصناعات الوطنية ؛ إلا بما يخدم أغراضها الاستعمارية([5]).
لهذا كان للنموذج الوحدوي جاذبية كبيرة في الدول العربية ، وخاصة في دول الهلال الخصيب ؛ بسبب ما تعانيه هذه الأقطار من تشرذم سياسي ، وعدم تجانس ثقافي، ووجود الولاءات الطائفية ، والقبلية ، والإقليمية، فلا وفاق جماعي داخلها في القضايا الأساسية التي تواجهها ؛ لذلك رأى الكثير من السياسيين في هذه الدول ضرورة التطلع خلف حدود هذه الأقطار من أجل حل المشاكل المتعلقة بهوية هذه الدول ؛ بسبب ما تعانيه من أزمة الهوية داخلها، حيث حاول الاستعمار أن يصنع لها هوية مختلفة عن هويتها الأصلية، وجعلت تلك الهوية عمداً لصالح الأقليات سواء كانت أقليات طائفية ، أو عرقية ، أو طبقية ، أو غير ذلك، لذلك فقد أخفقت حكومات مابعد الاستقلال ؛ التي كانت سياستها قطرية ، وإقليمية إلى حد بعيد في جذب مشاعر الولاء ، والطاعة من الشعب كله، من هنا كان دور الصفوة السياسية التي جعلت من أولى مهامها البحث عن الهوية الوطنية من خلال إقليم يتجاوز حدود هذه الدول، فكانت مشاريع سوريا الكبرى ، أو الهلال الخصيب، أو الوحدة العربية الشاملة، تلك المشاريع التي دعت إلى وجوب وجود هوية جامعة خارج كيان هوية الدولة القطرية([6]).
وكان فشل السياسيين السورين التقليديين، الذين تزعموا نضال الشعب السوري ضد الانتداب الفرنسي في المفاوضات ، مع سلطات الانتداب الفرنسي، قد ساهم في سلب لواء الإسكندرونة السوري لصالح تركيا عام 1939 ، كما أنهم تميزوا في فترة ما بعد الاستقلال الرسمي السوري عام 1943؛ بعدم القدرة على قيادة هذه المرحلة ؛ بسبب نقصهم للكفاءات الإدارية، وعدم قدرتهم على حل المشاكل الاقتصادية ، والاجتماعية، إضافة لعدم قدرتهم على تحقيق التضامن العربي، كبديل لسد عجزهم عن كبح جماح التسلط الصهيوني على فلسطين التي يعتبرها الكثيرين أنها جزءاً من الوطن السوري بشكل خاص ، والعربي بشكل عام ، كل ذلك أدى إلى ولادة أحزاب جديدة سواء كانت تقليدية ، أو يسارية([7]).
كما كان ظهور جماعة مساندة للثورة العراقية عام 1941، واشتراك عدداً من القوميين السوريين فيها، ودعهما مادياً، خاصة أن هذه الثورة كانت قد دعت لتحرير سوريا ، والعراق معاً، مما زاد من مريدي الأحزاب القومية في كل من سوريا ، والعراق، حيث رؤوا أن التجزئة الحاصلة بين الدول العربية، هي تجزئة تحاول أن تكون ثابتة ، وشرعية، بخلاف العهود قبل سايكس بيكو([8]).
كما أن وجود الجامعة العربية منذ عام 1943، وقيام دستورها منذ عام 1945، قد أثار القوميين العرب، الذين رؤوا فيها مؤامرة غربية بريطانية تهدف لمنع تدخل الحكام العرب في شؤون بعضهم البعض، واحترام كل منهم لحدود الدول العربية الأخرى، وإقامة الصلات الدبلوماسية مع بعضهم البعض كما لو كانوا دولاً أجنبية، مما حذا بهؤلاء القوميون إلى السعي ؛ لإقامة أحزاب تدعو إلى الوحدة العربية، بغض النظر عن الجامعة العربية([9]).
هذه الظروف اجتمعت مع بعضها البعض ؛ لتساهم في ظهور حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا، كحزب رأى أنه قادر على حل تناقضات المجتمع العربي السياسية ، والاجتماعية، وعلى قيادة الدول العربية من خلال أيديولوجيته وبرامجه وأهدافه، فما هي الديناميكية التي ظهر من خلالها حزب البعث ؟ وكيف استطاع نقل هذه الأيديولوجية إلى العراق ؟ وما هي الأسباب التي جعلته يستقطب الكثير من أفراد المجتمع سواءاً في سوريا أم في العراق ؟ هذا ما سيبحثه المطلب الثاني من هذا المبحث، حيث سيبحث عن ديناميكية نشوء هذا الحزب في سوريا وانتقاله إلى العراق.
المطلب الثاني
نشوء حزب البعث في سوريا وانتقاله إلى العراق
· البعث في سوريا
كان نشوء حزب البعث في ظل ظروف كان قد عمل فيها الاستعمار الأوروبي على تجزئة الوطن العربي، وإنشائه للحدود السياسية المصطنعة بين الدول العربية، وإضفائه للقدسية التي تحرم التنقل بين الأقطار العربية إلا بإذن مسبق، مما مهد لنشوء وتعزيز التيارات الفكرية ، والإقليمية التي تتحرك من قاعدة أن القطر العربي الواحد يشكل أمة كاملة ومتمايزة، وآزرها التقوقع على الذات والابتعاد عن التراث في كل منها، والتخلف الاقتصادي وانتشار الجهل ، والنهب الأوروبي لثروات الوطن العربي، من خلال استعماره المباشر ، أو غير المباشر ، أو من خلال معاهداته التي تقيد الدولة ببنود التبعية الاقتصادية ، أو السياسية([10]).
لكن النشوء العملي لحزب البعث بدأ عندما كان أحد الطلبة السوريين في باريس وهو ميشيل عفلق يدرس هناك منذ عام 1929 وكان تأثره بالجمعيات العربية القومية التي كانت في سوريا قبل الانتداب الفرنسي، إضافة لما أثرت به الثورة السورية الكبرى عام 1925 ضد الانتداب الفرنسي، مما حذا به -وهو في باريس- إلى الانضمام لجمعيتين عربيتين قوميتين هما : الجمعية العربية السورية، وجمعية الثقافة العربية، وكانت الجمعية الأولى سياسية تطالب بالاستقلال والدفاع عن قضية فلسطين ، وتدعو إلى الوحدة العربية الشاملة، أما الثانية فكانت ثقافية تعتمد أسلوب التثقيف من خلال إلقاء المحاضرات التي تتناول أعمال الأدباء العرب القدماء ، وتذِّكر العرب بأنفسهم بأنهم أبناء حضارة واحدة، وقد اطلع ميشيل عفلق خلالٍ نفس تلك الفترة على أعمال المفكرين الأوروبيين أمثال: دستوفسكي ، وتولستوي، وبيرغسون، وأناتول فرانس،وفيختيه،ونيتشه وغيرهم من المفكرين الغربيين الذين يتسمون بالنزعة القومية والاشتراكية ، والنازية([11]).
وقد استجاب لأفكار ميشيل عفلق التي اتسمت بالدعوة لإحياء الفكرة القومية في نفوس العرب، عدداً من أصدقائه الذين كانوا معه في الدراسة في باريس، وكان من أهمهم صديقه صلاح الدين البيطار، الذي كان يدرس الفيزياء، بينما كان ميشيل عفلق يدرس التاريخ، لذلك تحالف الاثنان على العمل من أجل القضية القومية، وعندما عادا إلى سوريا اشتغالا بالتدريس الثانوي في دمشق منذ عام 1933، وكونا أول منظمة سياسية باسم " منظمة الإحياء العربي " عام 1941،على أساس أن منظمتهم تهدف إلى إحياء المجد العربي ، كما أسسا " حركة نصرة العراق"·، عقب اندلاع ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق، التي اتهمت بعلاقتها بالنازية الهتلرية خلال الحرب العالمية الثانية([12]) ، لكن منذ عام 1943 أصبحت بيانات الحركة تحمل اسم "البعث العربي" ، الذي قصدو به ، إعادة نهضة الأمة العربية من خلال بعث الروح القومية فيها لتعود إلى أمجادها ، كما كانت في الماضي ، وافتتح أول مكتب للحزب منذ عام 1945 وكان عدد الأعضاء يصل إلى 400 عضو([13]).
لكن يرى بعض البحاث أن من الذين لهم دور في تأسيس البعث المفكر زكي الأرسوزي، الذي كان عضواً في عصبة العمل القومي عام 1932، لكنها انتهت عام 1940، إلا أن الأرسوزي عاود العمل في السياسة فأسس الحزب القومي العربي، الذي حاول نشر أفكاره في العراق، لكنه فشل، وتتسم أفكاره بأنها أفكار هدامة للمجتمع، فهو يعتبر أن كل من لا يؤمن بأفكاره خائناً، وكان إعجابه بالنازية وكتبها مثل أفكار نيتشه ، وفيختيه، وإعجابه بالشعر العربي الجاهلي الذي اعتبر عصره الفترة الذهبية للعرب، وتفضيله التكلم بالفرنسية على العربية، وعيبه على كل إنسان متأثر بالقرآن، كل هذه الأمور قد أبعدت الكثيرين عنه، حيث انتهى عمله السياسي بسقوط سوريا بيد الإنكليز وقوات فرنسا الحرة ، وذلك بعد فشل الثورة العراقية نهاية عام 1941([14])، وكانت أفكار الأرسوزي قد تأثرت، بسلب لواء الإسكندونة من سوريا عام 1939 كونه من لواء الإسكندرونة السوري ، ومن ضمن السوريين الذين هجروا بيوتهم وانتقلوا إلى بقية أنحاء الوطن السوري بعد ضم لواء الإسكندرونة إلى تركيا، حيث كان اللواء يحتوي على أقلية تركية ؛ لكن حدث اتفاق فرنسي تركي، لضم اللواء إلى تركيا، رغم احتجاجات سكانه الأكثرية الذين كانوا من العرب والأرمن، مما حذا الأرسوزي إلى الدعوة لاستنهاض الشباب العربي من أجل القضية العربية القومية، ورغم انضمام بعض المريدين إليه، إلا أنهم سرعان ما تركوه ؛ بسبب انفعالاته وعزلته، وانضموا إلى أحد مريديه وهو وهيب القائم الذي انضم إليه فايز إسماعيل ووصفي الغانم، الذين كان لهما الدور الأول في زرع بذور البعث الأولى في العراق، إلا أن كل هؤلاء كانوا متعلقين بأفكار ميشيل عفلق ، وصلاح الدين البيطار([15])؛ اللذين عبَّرا عن أفكارهما عام 1944، بقولهما : " لقد جئنا إلى الاشتراكية عن طريق الفكر والعلم، ووجدنا أنفسنا أمام تفسير بارع وساحر لكل المشاعر السياسية والاجتماعية التي ترهق العالم عموماً، والتي نعانيها نحن العرب بشكل خاص"([16]).
وسبب تأثر الاثنان بالاشتراكية ؛ أنه لم يكن أحد يتعاطف مع السوريين الموجودون في باريس سوى الشيوعيين والاشتراكيين، إلا أنهما تأثرا بالقومية بعد تحول روسيا في عهد ستالين إلى دولة قومية، وتخليها (عملياً) عن الشيوعية الأممية([17])، وقد سميا الحركة بحركة الإحياء العربي ، ومنذ عام 1943 استعملت اسم حركة البعث العربي، وفي عام 1945 تشكل أول مكتب تنفيذي للحزب.
وأول نواة للبعث العربي كانت عام 1940، وأصدرت أولى بياناتها عام 1941، دعماً للاضطراب السوري ضد فرنسا([18])، وبعدها استقال كل من ميشيل عفلق ، وصلاح الدين البيطار من التدريس عام 1942، وتفرغا للعمل الحزبي، ثم انضم مريدو زكي الأسوزي إلى تنظيم ميشيل عفلق عام 1945، وأصدر البعث صحيفة البعث في الثالث من يوليو عام 1946، رغم أن أول صحيفة سرية للبعث كانت قد صدرت عام 1932 باسم (العربي الجديد) ، ثم (العربي الاشتراكي) ([19])، وفي السابع من مايو 1947 تم انعقاد المؤتمر التأسيسي للحزب بمقهى الرشيد في دمشق ، وتميز بأن معظم أعضاءه كانوا من النخبة المثقفة ومن الطبعة الوسطى.
وقد اشترك في المؤتمر التأسيسي الأول جميع الأفراد الذين انتسبوا للحزب من سوريا ولبنان وكان عددهم لا يتجاوز مائة عضو، وقد ترأس الاجتماع عضو اللجنة التنفيذية جلال السيد، وقد برز في المؤتمر تياران: الأول: وصف بالاعتدال يتزعمه ميشيل عفلق وصلاح البيطار، والثاني: وصف بالتطرف يتزعمه وهيب الغانم الذي كان يصر على إبراز الهوية الاشتراكية للحزب ، وأهم النقاط التي دارت حولها المناقشات هي([20]):
* موقف حزب البعث من الدين والرجعية الدينية.
* مفهوم الوحدة والسياسة الخارجية على الصعيد العربي.
* الحرية الفردية.
* مفهوم الاشتراكية العربية.
ولقد انتهى المؤتمر بعد إقرار دستور الحزب وانتخاب لجنته التنفيذية الجديدة التي تشكلت من ميشيل عفلق والبيطار وجلال السيد ووهيب الغانم، واعتبر هذا التاريخ هو الميلاد الرسمي لحزب البعث العربي.
وقد رشح الحزب ميشيل عفلق للانتخابات البرلمانية عام 1947، ونجح فيها، ثم قاد ميشيل عفلق مع صديقه صلاح الدين البيطار، كتائب المتطوعين في حرب فلسطين عام 1948([21])، وأعقب ذلك مرحلة الاضطراب السياسي في سوريا ؛ بسبب الانقلابات العسكرية، مما زاد من قوة جاذبية الحزب من قبل النخبة المثقفة، إلا أنها تراجعت عن تأييدها لعميد الحزب ميشيل عفلق ؛ بسبب رسالته إلى الرئيس السوري المشير حسني الزعيم، الذي سجنه ، حيث احتوت تلك الرسالة على نوع من الخنوع والاستجداء، وهذا ما اعتبره البعض خيانة في حق الحزب، إلا أن معظم أعضاء الحزب رؤوا أن هذه الرسالة كانت ؛ بسبب ما لاقاه من تعذيب في سجن المزة ، وأنه قد ضحى بنفسه من أجل حماية الأعضاء الآخرين في الحزب ، حيث هدد الرئيس السوري بقتلهم.
وبعد سقوط نظام الرئيس حسني الزعيم عام 1949 ، عاد ميشيل عفلق إلى العمل بالسياسة ،ودخل الحكومة الجديدة ، وتسلم وزارة التربية بعد أن رشحه الحزب لذلك، لكن بعد انقلاب أديب الشيشكلي في سوريا أصدر عفلق بياناً ضد النظام الانقلابي ، ودعا لإبعاد الجيش عن السياسة ، وقد وافقه في العداء للدكتاتورية العسكرية ، زعيم الحزب العربي الاشتراكي أكرم الحوراني، الذي حوَّل حزب الشباب الذي أسسه عمه عثمان الحوراني، إلى الحزب العربي الاشتراكي، وقد تقاربت أفكار كل من الحزبين : العربي الاشتراكي، والبعث العربي، تجاه ديكتاتورية الشيشكلي، إضافة إلى تبنيهما الاشتراكية بدعوتهما للتأميم ، وإزالة الهيمنة الأجنبية ، وتوفير الخدمات الاجتماعية الشاملة ، إضافة إلى الدعوة للوحدة العربية، وفي عام 1954عقد المؤتمر القومي الثاني للحزب وغير اسم الحزب إلى حزب البعث العربي الاشتراكي بدلاً من حزب البعث العربي وانتخب قيادة قومية له تتألف من([22]):
1- الأمين العام للحزب وهو ميشيل عفلق.
2- القيادة القومية بعضوية كل من : أكرم الحوراني، وصلاح الدين البيطار وكلاهما من سوريا، وعبد الله الريماوي وعبد الله الفواس من الأردن، وعلي جابر من لبنان، وفؤاد الركابي من العراق.
وأخذ البعث في سوريا يزرع في نفوس الشعب أن الإقطاعيين يريدون أن يستنفذوا الثروة الوطنية ويخضعوها للمصالح الأجنبية، من خلال البرجوازية الوطنية، وأن استثمارات هذه البرجوازية مع الإقطاع الوطني هي استثمارات جاهلة للحكم والاقتصاد ؛ لأنها تريد تحويل البلاد إلى مزرعة لأبناء العائلات الإقطاعية والانتهازية التجارية، وأن هؤلاء عديمو الوطنية ؛ لأنهم عجزوا عن الدفاع عن الوطن في نكبة فلسطين عام 1948، وعجزوا أمام عودة الاستعمار بشكله الجديد الذي اتخذ شكل محاور ، وأحلاف في المنطقة، وعلى الجماهير أن تحتقر مستوياتها الجاهلة ، والتابعة ، والتقليدية ، والغيبية ؛ لأنها لا وطنية لها، وانتهازية، وفاسدة، وعميلة للرجعية الرسمية العربية، وللإمبريالية العالمية من خلال المخططات الاستعمارية مثل : مشروع الهلال الخصب تحت الحكم الهاشمي الرجعي الموالي للعميل نورى السعيد، أو من خلال مخطط سوريا الكبرى التابع للاستعمار البريطاني من خلال الأردن، لذلك فإن حزب البعث يرفض الواقع المتخلف من خلال الإقطاع والرأسمالية ويتطلع إلى بناء مجتمع عصري متحرر من الاستعمار كلياً، ومن الاستقلال والتخلف داخلياً، وذلك من خلال إقامة الدولة العربية الكبرى القادرة على تحرير وطنها ودحر محاولات الاستعمار الخارجية، وإعداد الإمكانيات البشرية والمادية لبناء المجتمع العصري المتقدم والعادل([23]).
وأنه ثورة ذات مضمون ثوري صحيح بكل أبعادها ، ومعانيها ، ومستوياتها ؛ لأنها قضاء على المصالح الإقليمية التي توضحت ، وترسبت عبر القرون، حيث تجابه هذه الثورة مصالح ، وطبقات الذين يعادون الوحدة العربية ويقفون في وجهها، وأن البرلمانية في الوطن العربي ليست سوى بناءاً كرتونياً هزيلاً ونسخةً مزيفةً عن البرلمانية الغربية، على أساس أنها لم تستطع مواجهة مهام النضال القومي الاشتراكي من جهة، ولم تستطع ترسيخ جذورها في الحياة السياسية، وأن الحزب يعارض الحكم الفردي، ويؤمن بالديمقراطية الثورية التي لا يمكن أن تأخذ مداها التطبيقي الفعَّال إلا إذا قامت على تنظيم شعبي طلائعي، يؤمن بديمقراطية الجماهير الشعبية، ويتيح المجال لدور طلائعي فعَّال للعمال ، والفلاحين خصوصاً، جماهير الكادحين عموماً، ويكون ذلك سيطرة الطبقة الكادحة على مقاليد السلطة وتخطى البرلمانية على اعتبار أنها إحدى أشكال سيطرة الطبقات البرجوازية ، والإقطاعية على الجماهير الشعبية، ويكون تحقيق الديمقراطية الشعبية من قبل الشعب بالتدريج، وبصورة دورية من الأسفل إلى الأعلى وخضوع الأقلية للأكثرية، خضوعاً مخلصاً وخضوع الهيئات الدنيا للهيئات العليا، وخضوع المنظمات لقرارات القيادة المركزية، وتوجيهها، والهدف النهائي هو إقامة مجتمع عربي اشتراكي موحد، تزول فيه الطبقات، وتنتهي فيه كل أشكال الاستغلال([24]).
وأنه حزب عربي شامل تؤسس له فروع في سائر الأقطار العربية، وهو لا يعالج السياسية القطرية، إلا من وجهة نظر المصلحة العربية العليا، وهو قومي شعبي انقلابي، يؤمن أن أهدافه الرئيسية في الوحدة والحرية والاشتراكية تسعى لتحقيق أهداف القومية العربية، وأنها لن تتحقق إلا عن طريق الانقلاب، وأن قضية فلسطين هي قضيته المركزية في النضال وهي أساس سياسته، وقوميته العربية ذات محتوى تقدمي·، فلا يتفق أو يتظاهر بالنزعة العنصرية ، أو الإقليمية ، أو العشائرية ، أو الإقطاعية ، أو البرجوازية ، أو الطائفية([25]).
وأن القومية العربية هي الشعور بالانتماء إلى كيان جماعي واحد هو الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، وهي التي تبلورت تاريخياً على مدى أكثر من أربعة عشر قرناً، بفعل الإسلام وحضارته، وبفعل اللغة العربية كأداة خطاب وتواصل، وبفعل الجوار الجغرافي، والتفاعل الاجتماعي كموحدات للمصير ، والمصالح ، وبفعل التحديات الخارجية من التتار ، والمغول ، والصليبيين إلى الاستعمار الغربي الحديث إلى الصهيونية التي خلقت وحدة الهموم والمصير([26]).
وأن جامعة الدول العربية هي تزوير لإرادة الأمة العربية، في الوحدة الحقيقية التي يهدف الحزب إلى تحقيقها، وأنها صنيعة استعمارية كان المقصود منها إضعاف إمكانيات الفئات التي أخذت على عاتقها إقامة الوحدة العربية الحقيقية([27]).
وفي كل ذلك يصف صلاح الدين البيطار حزب البعث بقوله:
"كان الحزب غير الأحزاب القائمة، لم يكن حزباً تقليدياً ، أو رجعياً، لم يكن يبحث فقط عن زيادة الأجور ، وتحديد ساعات العمل، وكل ما تقوم به الأحزاب التقليدية في البلاد العربية، بل كان حزباً يرمي إلى بعث حضارة يشارك فيها الجميع، ويتقدم الصفوف من هو المؤهل نضالياً للتقدم"([28]).
كما يوضح ميشيل عفلق أن البعث هو حزب شعبي، وأنه ضد أعداء الشعب، حيث يقول في ذلك:
" لو جعلنا الشعب العربي في صف، والذين يعادون ويعرقلون القضية القومية، ويقيمون في سبيلها، جعلناهم في صف أخر، فليس فقط الرأسماليون والإقطاعيون هم أعداء الشعب، بل أيضاً السياسيون الذين يتمسكون بالتجزئة ؛ لأنها تقيدهم شخصياً، وليس هؤلاء فحسب، بل أولئك الذين يسايرون الاستعمار بشكل من الأشكال، وأولئك الذين يعادون الفكر ، والعلم، والتطور .......والتفتح والتسامح، والذين يقاومون أو يحولون دون تجذر أمتنا، وضعناهم في صف، ومجموع الشعب في صف أخر، فنحن إذاً لا نقول أننا قسَّمنا أمنا إلى طبقات ، أو طبقتين"([29]).
هذه الأمور جعلت الكثير من القوى الشعبية تؤيد الحزب في خمسينات القرن العشرين، خاصة بعد اندماج البعث العربي مع الحزب العربي الاشتراكي عام 1952، ذلك الحزب الذي كان ذو طابع فلاحي، على اعتبار أن مؤسسه أكرم الحوراني كان عدواً لدوداً للإقطاع في سوريا، كما كان تنديد الحزب لبعض المشاريع الغربية مثل مشروع إيزنهاور، وحلف بغداد، والتحالف التركي الإسرائيلي، قد زاد من شعبية الحزب في أوساطاً القومين في سوريا، خاصة بعد تلاقيه في الأفكار مع الثورة المصرية بقيادة محمد نجيب في 23 يوليو 1952 ، وتأييده للوحدة بين سوريا ومصر، والعمل على تحقيقها باستقطاب بعض أفراد الجيش إليه، مما أدى لولادة الوحدة السورية المصرية، رغم عدم رغبة الكثير من السياسيين السوريين وعلى رأسهم الرئيس السوري شكري القوتلي للطريقة التي تمت بها الوحدة، بسبب ارتجاليتها ، وعدم دراستها دراسة علمية دقيقة من كافة النواحي.
لكن في عهد الوحدة، أُلغي حزب البعث العربي الاشتراكي نظرياً، كما أُلغيت جميع الأحزاب في سوريا، بعد قرار رئيس دولة الوحدة جمال عبد الناصر بضرورة إلغاء جميع الأحزاب السورية، وإقامة ما سمي آنذاك بالاتحاد القومي ؛ إلا أنه عملياً رفض البعث حل نفسه، وظل ميشيل عفلق الأمين القومي للحزب فقد جمع أعضاء الحزب في بيروت عام 1959، وعقد مؤتمراً حزبياً هناك وأكد في ذلك المؤتمر على ما يلي:([30])
1- إن الهدف من إقامة الوحدة كان ؛ لإيقاف المد الشيوعي الذي سيطر على سوريا في الشارع والمؤسسات قبل الوحدة.
2- إن الخلل والاضطراب داخل صفوف الحزب، قد قاد إلى تفتيت ، وانهيار المؤسسة الحزبية، وكان حل الحزب والوحدة مع مصر، طريق الإنقاذ للحزب.
وكان قرار حل الحزب قد تم من القيادة مباشرة دون التشاور مع أعضاء البعث حول ذلك، مع أن ميشيل عفلق كان يعلم أن عبد الناصر سيحكم دولة الوحدة بمؤسساته المعروفة والمعتمدة بالدرجة الأولى على أجهزة الأمن والمخابرات ، إضافة إلى شعبيته الطاغية، إلا أنه كان معتقداً أن عبد الناصر كان من الممكن أن يعطي البعث حصة الحكم في سوريا ، أو أن تعطي لميشيل عفلق رئاسة الاتحاد القومي، بعدما أُعطي أكرم الحوراني منصب نائب رئيس دولة الوحدة ([31]) ، إضافة إلى خمسة وزراء بعثيين في الحكومة المركزية لدولة الوحدة.
وظهر الخلاف بين قيادات البعث خلال عهد الوحدة، إلا أنهم ظلوا على صلة مع بعضهم البعض، ولم يلبث أن أخذ البعث يقاوم الأخطاء التي ظهرت في عهد الوحدة ؛ فقدم الوزراء البعثيون استقالتهم من الحكومة المركزية ، إضافة إلى نائبه أكرم الحوراني، وحاول ميشيل عفلق تأليب بعض الضباط المصريين ضد نظام الحكم ؛ إلا أنه عندما شعر بخطورة الموقف ذهب إلى بيروت حتى سقوط الوحدة على يد عبد الكريم النحلاوي عام 1961، حيث وقَّع اثنين من قادة البعث على وثيقة الانفصال وهما : أكرم الحوراني، وصلاح الدين البيطار، كما أن ميشيل عفلق قال حول ذلك: "الانفصال شر لابد منه"([32]) ثم أيد ذلك بقوله :
"كنا مقنعين بأن الوحدة العربية لن تقوم بدون مصر، ولم يكن ذلك لاقتناعنا بأنها ستكون بروسيا العالم العربي، وستحقق الوحدة بالقوة، ولا لأننا كنا نعتقد بأنه لا يمكن لأي بلاد أخرى أن تتخذ مركز التقاء، ولكننا فعلنا ذلك بشكل خاص؛ لأنه كانت أمامنا قوة العرقلة المصرية ، فقد كانت قادرة وتريد أن تقف بنجاح في وجه أي حركة نحو الوحدة تستبق مصر، مثلما أظهرت ذلك قصة مشاريع الهلال الخصيب المؤسفة "([33]) .
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه في ظل الوحدة ظل البعض من البعثيين بعد قرار حل الحزب عام 1958، متواجدين في بعض المناطق البعيدة عن دمشق مثل دير الزور واللاذقية، وكانوا على اتصال دائم باللجنة العسكرية البعثية التي تشكلت سراً في عهد الوحدة من عدداً من الضباط السوريين الذين تذمروا من حكم الوحدة، وشكَّلوا تنظيماً سرياً لإسقاط النظام القائم([34]) .
لكن سرعان ما انقلب زعماء البعث مرة أخرى على بعضهم البعض ، وذلك بعد تشكيل البعث رسميا مرة أخرى عام 1962، وقرر المؤتمر القومي الخامس للحزب طرد الحوراني من الحزب، ثم أخذ البعث يعمل على إسقاط نظام الانفصال في سوريا، فعمل على استمالة الضباط العسكريين القوميين والناصريين وأعضاء اللجنة العسكرية البعثية، للقيام بحركة الثامن من إبريل عام 1963 وساعدها في ذلك نجاح حركة البعث في العراق وسيطرتها على السلطة هناك وذلك في 8 مارس 1963، ومنذ تولي البعث للسلطة في كل من العراق وسوريا عام 1963، أصبح له جيشاً عقائدياً على أساس أن مهمته الدفاع عن الثورة داخلياً وخارجياً، وأن يكون البعث هو المشارك الفعلي في بناء الاشتراكية ، وأصبح ميشيل عفلق الموجه والمراقب للحزب([35]) .
وتجدر الإشارة هنا أن حركتي البعث في كل من العراق ، وسوريا لم تكونا عفويتين ، بل كانتا بعد اجتماع القيادة القومية لحزب البعث أوائل عام 1963 بمجموعات عراقية ، وسورية في بيروت، ودراستها سبل الإطاحة بنظامي عبد الكريم قاسم في العراق، وناظم القدسي في سوريا، وأن تكون الإطاحة في يوم واحد، لذلك ربطوا معهم مجموعة من الضباط – غير البعثيين إضافة للضباط البعثيين - لتحقيق نجاح الحركتين، وعلى هذا الأساس تشكلت لجنة سرية من ممثلي البعث وأعضاء من لجنة الضباط الأحرار القديمة([36]) .
كما تجدر الإشارة أيضا أنه في المؤتمر القومي الخامس لحزب البعث عام 1962 ، قد قل عدد أعضاء حزب البعث بشكل كبير، ولم يكن سوي إثنين في القيادة القومية، هما ميشيل عفلق وجمال الأتاسي ، وقد أعيد تشكيل القيادة القطرية لحزب البعث في سوريا بعد تكليف القيادة القومية لبعض البعثيين العراقيين ، ومنهم على صالح السعدي وهاني الفكيكي لتشكيلها في سوريا من جديد ؛ وكان ذلك بسبب الصراعات العنيفة بين البعثيين السوريين([37]) .
وبالنسبة للتنظيم الهرمي للحزب، فبناء على أن حزب البعث العربي الاشتراكي ، فهو يعتبر نفسه ممثلا للأمة العربية كلها من المحيط إلى الخليج ؛ فيكون له قيادة قومية تشمل الوطن العربي كاملاً ، وتتبعها القيادات القطرية، حيث بكل قطر عربي قيادة قطرية تسيِّر أمور الحزب في ذلك القطر، ويكون لها ممثل في القيادة القومية، ويحق له التصويت وإبداء الرأي والمشورة، كما تحتوي القيادة القومية على مجموعة مكاتب الحزب للإدارة والثقافة والعمال والرياضة والمالية، ومن رئيس وأعضاء المكتب السياسي([38]) .
وتعيينات قيادات الوحدات المختلفة تتم من الأعلى على كافة المستويات، وماعدا الأمين القومي (العميد) ، فإنها تنتخب من قبل المجلس الحزبي المؤلف من : العميد ، ورؤساء مكاتب الحزب وفروعه ، وأعضاء المكتب السياسي، والأعضاء المنتجون الذين يمثلون كل الفروع([39]) .
وقد كان هذا التنظيم يضم كل الأعضاء الرئيسيين الذين يكونوا مسؤولين بشكل خاص عن نشاطات الحزب وتقدمه، ومنهم يتم اختيار كل من العميد ، وأمناء الفرق، والشعب، وأعضاء الأجهزة الإدارية للفرع، ومختلف المكاتب، وهؤلاء ينتخبون مجلس الحزب([40]) .
وقد عرف المؤتمر التأسيسي للحزب عام 1947، العميد بأنه : المرجع الأعلى للحزب في كل سياساته، ومدير كل تنظيماته، وهو وحده يجري كل التعيينات في كل المناصب الحزبية الأساسية، وهو الذي يوقع على ترقي الأعضاء الرئيسيين، ولكن بعد عام 1954، تم تعديل بعد اللوائح ومنها([41]):
1- ألغي منصب العميد، وأصبح بدلاً منه أسم الأمين القومي العام .
2- أضيف إلى الوحدات السابقة، وحدتان تنظيميتان هما الحلقة التي تضم ثلاث إلى سبع أشخاص، والأمين القطري الذي تمتاز به القيادة القطرية، المنتخبة من القيادة القومية للحزب.
3- أُلغي الفاروق بين الأعضاء والأعضاء الرئيسيين، وأصبح الأعضاء هم المرشح ، والعنصر العامل ، ويترقى المرشح إلى عضو عامل بعد مضي ستة أشهر، ثم أوجدت بعد ذلك عضوية المؤيدين أو الأنصار· .
· البعث في العراق
العراق هو: إحدى الدول العربية الواقعة في المشرق العربي، ويشكل منفرداً الجزء الشرقي للبيئة الجغرافية والتاريخية المسمى الهلال الخصيب، وهناك آراء مختلفة عن أصل كلمة العراق حيث يرجح بعض المستشرقين أن مصدرها هي مدينة أورك السومرية القديمة والتي تسمى الآن بالوركاء ، ويرى البعض الأخر أن كلمة العراق مصدرها العروق نسبة إلى النهرين دجلة ، والفرات اللذين شبهتا بالعرق أو الوريد لأهميتهما بالنسبة للعراق ، ويرى البعض الآخر أنها سميت بالعراق نسبة إلى عروق أشجار النخيل التي تتواجد بكثرة في جنوب ووسط العراق بينما يرى الآخرون أن أصل التسمية هي عراقة المنطقة الموغلة بالقدم.
وأطلقت كلمة العراق ما كان يسمى ببلاد ما بين النهرين ، بيت نهرين Beth-Nahrain بالآرامية التي كانت تشمل الأرض الواقعة بين نهري دجلة والفرات بما في ضمنها أراضي تقع الآن في سوريا وتركيا ، ويعتبر العراق "مهد الحضارات" ، وله أكثر من ميناء بحري على الخليج العربي أهمها ميناء أم قصر. لذلك يعتبر العراق أحياناً أحد دول الخليج العربي ، لكنه ليس عضواً في مجلس التعاون الخليجي حيث يبلغ طول الساحل البحري للعراق أكثر من 20 كيلومتر، يمر نهرا دجلة والفرات في البلاد من شماله إلى جنوبه، اللذان كانا أساس نشأة حضارات مابين النهرين التي قامت في العراق على مر التاريخ حيث نشأت على أرض العراق وعلى امتداد سبعة آلاف سنة مجموعة من الحضارات على يد السومريين ، والأكاديين ، والبابليين ، والأشوريين ، والمناذرة ، وانبعثت من هذه الحضارات بدايات الكتابة ، وعلوم الرياضيات ، والشرائع في تاريخ الإنسان.
شكل رقم (1) خريطة للعراق تمثل جميع المحافظات العراقي
محافظات العراق حسب الخريطة :( بغداد ، 1) ، ( صلاح الدين-تكريت- ، 2 ) ، ( ديالى ، 3 ) ،( واسط ، 4 ) ،(ميسان ، 5 ) ، (البصرة ، 6 ) ، ( ذي قار ، 7 ) ، (المثنى ، 8 ) ،(القادسية،9 )، (بابل ، 10) ، (كربلاء ، 11) ، (النجف ،12 ) ، (الأنبار ، 13 ) ، (نينوى-الموصل- ، 14 )، (دهوك ، 15 ) ،(أربيل ، 16) ، (كركوك ، 17) ، (السليمانية ، 18)
وقد بدأ البعث في العراق في المدارس الثانوية في بغداد إضافة إلى جامعتها، وذلك من خلال بعض الطلبة السوريين الذين كانوا يدرسون في بغداد ومعظمهم من مريدي زكي الأرسوزي الذين انضموا لتنظيم ميشيل عفلق عام 1945، ومنهم: أدهم مصطفى، وسليمان العيسى ، وفائز إسماعيل، ثم أنضم إليهم فؤاد الركابي، وحازم جواد-ابن أخت فؤاد الكابي- ، وبعض المثقفين الآخرين، وكان أكثرهم من الشيعة الفقراء، ثم أمتد البعث إلى بقية المدن العراقية في الناصرية ، والرمادي ، والبصرة ، والنجف وغيرها من المدن العراقية·، وقد قاد البعث في العراق في هذه الفترة الطالب السوري : فائز إسماعيل ، ثم انتقلت القيادة إلى طالب سوري آخر هو:عبد الرحمن الضامن عام 1950، وذلك بعد عودة فائز إسماعيل إلى سوريا ، ثم تسلمها عام 1951 المهندس العراقي : فؤاد الركابي لمدة ثمان سنوات أي حتى عام 1959 ، وهو أول عراقي استلم قيادة التنظيم في العراق، ويتميز بانتمائه إلى عائلة شيعية فقيرة، وهذا ما جعله يتأثر بفكرة العروبة والاشتراكية التي ينادي هما البعث ، وقد انتسب إلى الحزب مائة عضو عام 1952، ومنذ ذلك الوقت اعترفت به القيادة القومية في سوريا ، وقد وصل أعضاءه عام 1955 إلى مائتين وتسعة وثمانين عضواً عاملاً ماعدا ألاف المؤيدين([42]).
أما الرعيل الثاني للحزب فقد ظهر في العراق بعد انتفاضة العراق عام 1952 ضد معاهدة بورتسموث، فظهر التيار العنيف في الحزب من خلال كل من: علي صالح السعدي، وسعدون حمادي ، وهاني الفكيكي وغيرهم، وبعد ذلك ظهر الرعيل الثالث للحزب من خلال كل من: فائق البزاز ، وعبد الخالق السامرائي ، وطارق عزيز وغيرهم ، وقد بدأ أعضاء البعث يتجهون إلى الجيش والكليات العسكرية منذ عام 1955، وكانت النشرات الطباعية للبعث تدعو للانقلاب منذ عام 1954، على أساس أن انقلاب البعث هو انقلاب على الذات ، كما اتبع البعث استراتيجية التحالف مع الشيوعيين ؛ الذين كان لهم قوة شعبية في العراق ، وكانت اتصالات البعث في العراق مع القيادة القومية في سوريا تقوم من خلال السفير السوري في العراق محمد كبول، والأمين القطري لحزب البعث في العراق فؤاد الركابي، إضافة إلى المراسلات المباشرة مع القيادة القومية في سوريا([43]).
أما الديناميكية التي وصل فيها البعث بأفكاره إلى العراق فكانت منذ عام 1950 تحت اسم نادي قومي سمي "نادي البعث العربي" ، كرد فعل للحركات الإقليمية في العراق، وإلى آمنت بالتقسيمات الاستعمارية للمنطقة العربية ، وخاصة الاتفاقية الاستعمارية للمنطقة العربية سايكس بيكو عام 1916 ؛ لذلك نادي هذا النادي بضرورة حل مشاكل العرب الاجتماعية ، والاقتصادية ، وتحقيق ثورة جذرية في المجتمع، وتحقيق دولة موحدة مستقلة للعرب.
لكن مما تجدر الإشارة إليه أنه قبل ذلك كانت أفكار البعث ، قد صدرت قبل تأسيس ذلك النادي، وكانت سبباً في تأسيسه، حيث كان قد صدر كراسان موقعان في العراق منذ عام 1948، أي بعد سنة واحدة من تأسيس حزب البعث في سوريا ، وحمل الأول من هذان الكراسان عنوان : "أحاديث البعث العربي"، والثاني كان بعنوان : " في السياسة العربية" وقد أكد كل منهما على مطالب الشعب، ورفض الحزب لكل المساومات وطالب بالحلول الجذرية ، والتأكيد على وحدة المصير ، وأن طريق الثورة هو الحل ؛ لتحقيق التغيير ، ثم استمرت المنشورات ، والملصقات تشمل كل أنحاء العراق ، خاصة بعد تأسيس فؤاد الركابي عام 1952 لصحيفة: الأخبار البغدادية التي أعلنت عن تشكيل حزب البعث العربي في العراق، ودعا إلى القيام باضرابات طلابية في بغداد في انتفاضة 1952 في العراق ؛ لأن معظم أعضاء البعث في العراق كانوا من الطلاب وقد استنكر الحزب في هذه الانتفاضة اعتداءات الحكومة على كلية الصيدلة ، والكيمياء ، ودعا لمواصلة النضال ضدها ثم أصدر في عام 1953، صحيفة سرية باسم " العربي الجديد " ، ثم غيَّر الاسم إلى " العربي الاشتراكي " ، ثم إلى "الثورة العربية"([44]).
وقد قاوم البعث في العراق سياسة رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد عام 1995 ؛ على أثر حلف بغداد وُسجن قسماً منهم بسبب ذلك ، مما حذا بالحزب إلى إصدار بياناً ضد هذا الحلف الذي سماه ؛ حزب نوري مندريس نسبة إلى رئيسي وزراء كل من العراق وتركيا وقد جاء في البيان:
" إن إعلان هذا البيان المشترك لا يعتبر تحدياً صريحاً لإرادة شعبنا في التحرر والإنعتاق، فحسب، ولكن الشعب الذي صارع الاستعمار طوال السنين المنصرمة، وسجل في صراع مواقف بطولية خالدة سيقاوم اليوم بشدة أية اتفاقية استعمارية، وخاصة مع تركيا، تركيا سالبة لواء الإسكندرونة العربي، تركيا صديقة إسرائيل، تركيا التي طالبت ببقاء الجيوش البريطانية في قناة السويس، تركيا التي أرادت سلب لواء الموصل من العراق، تركيا حليفة إسرائيل، لقد آن لجماهير الشعب أن تخلع عنها رداء القنوت والانزواء وتبدأ كفاحها لإسقاط حكومة نوري السعيد، وإلغاء معاهدة 1930 العراقية البريطانية ؛ لإحباط الاتفاق العراقي التركي والمؤامرات الاستعمارية"([45]).
ولقد لبَّت الأحزاب الوطنية في الكليات والمدارس العراقية بمساندة الشعب العراقي هذا النداء، وأغلقت أبوابها، واعتقلت الحكومة العراقية الكثير من البعثيين ، وقد ترابط البعث في العراق خلال هذه الفترة مع الحركة القومية العراقية، التي تأثرت بالثورة المصرية في 23 يوليو 1952، وعرفت بعد ذلك بالحركة الناصرية في العراق كما في سوريا، لكن لم يجمعهم تنظيم مشترك واحد، وكانت أهم مبادئها هي([46]):
1- تحقيق الاستقلال الوطني وتنميته.
2- مكافحة جميع أنواع الاستعمار.
3- اعتناق مبدأ عدم الانحياز في السياسة الخارجية العراقية.
4- تنمية الاقتصاد ، والاجتماع، وكل نواحي الحياة في المجتمع.
5- تحقيق الاستقلال الاقتصادي.
6- السعي للوحدة العربية، وإبراز قوة العرب أمام الدول العظمى.
7- تحقيق الاشتراكي في المجتمع العربي بتحقيق سيادة الشعب.
8- تنبثق القيادة السياسية عن تحالف طبقات الشعب العاملة.
9- الإيمان بالصراع الطبقي بشكل سلمي.
10- تحقيق السلطة القوية القادرة على تطوير المجتمع المتخلف.
وفي منتصف عام 1953، عقد أول مؤتمر قطري للحزب، رافعاً شعار "إتحاد وطني لإسقاط النظام الملكي"، ثم قام عام 1956 بالمظاهرات ضد العدوان الثلاثي على مصر، ودعا إلى إضراب عام في السادس عشر من أغسطس 1956 وقاد علي صالح السعدي المظاهرات ضد الحكومة، واصطدم معها في مظاهرة الجسر التي وقع منها ا لكثير من الضحايا البعثيين([47]).
أصدأ
وقد مرَّ حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق ـ القيادة القطرية ـ بظهور اتجاهين متضاربين في أول مؤتمر قطري له عام 1953، وهذين الاتجاهين هما:([48]).
1- اتجاه على صالح السعدي: الذي رأى أن ضعف الالتزام عند بعض الأعضاء وعدم تقيدهم بواجباتهم الحزبية، وعدم حضورهم اجتماعات الحزب بشكل منظم، سيؤدي إلى ضعف الحزب، لذلك فهو يرى ضرورة أن يضم الحزب أعضاء صداميين ، يلتزمون بأوامر الحزب، ويتحملون التضحيات التي قد يتعرضون لها، حتى يستطيع الحزب أن يعتمد عليهم، ويوكل لهم المهمات التي تتطلبها الظروف، وضرورة فصل الأعضاء غير الملتزمين.
2- اتجاه حازم جواد، الذي يرى عدم فصل هؤلاء الأعضاء، وإعطاءهم الفرصة لتأكيد ولاءهم ومواقفهم الحزبية.
وقد حل الخلاف بين هذين التيارين بانتخاب أعضاء القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في العراق، وعلى رأسهم فؤاد الركابي، وفصل الأعضاء الغير ملتزمين مع تجميد قسماً منهم.
وفي عام 1955 قامت السلطات العراقية باعتقال الأمين القطري للحزب في العراق، بسبب استعمال الحزب لطابعة تنشر منشورات ضد الحكومة بعدما كان أعضاء الحزب يكتبون في صحيفة " الحرية " منذ عام 1954 ؛ لكن أفرج عنه ، وبعد ذلك عقد فؤاد الركابي اجتماعاً ضم القيادة القطرية في العراق عام 1957 وذلك للبحث في الأمور الداخلية التي تهم المجتمع العراقي، وقد قررت القيادة عدداً من الأمور أهمها([49]):
1- تنظيم أعضاء الحزب خارج بغداد.
2- موقف الحزب من جبهة الاتحاد الوطني التي انعقدت مع مجموعة من الأحزاب السياسية العراقية ومنها حزب البعث ؛ للاتفاق على إسقاط النظام الملكي العراقي، وقد ظهر شيئاً من الخلاف بينه ، وبين الحزب الديمقراطي الكردي (البارتي) ، ولم يشجع البعث التعاون معه على عكس الحزب الشيوعي في العراق.
وعلى مستوى الوطن العربي هاجم الحزب في العراق، نظام الرئيس السوري أديب الشيشكلي، واعتبره ديكتاتورياً، ودعا إلى جبهة وطنية موحدة تضم جميع الكتل السياسية والحزبية في سوريا لإسقاطه ؛ إلا أنه رفض محاولة النظام الملكي العراقي إسقاط النظام السوري ، على اعتبار أن ذلك يخدم الاستعمار البريطاني، الذي يحاول الإطاحة بالنظام السوري العميل للولايات المتحدة، وشجب الحزب محاولات الحكومة العراقية إثارة عدم الاستقرار السياسي في سوريا بتهريب السلاح إلى مؤيديها في سوريا، وعلى الصعيد الأردني رحب البعث في العراق بإبعاد كلوب باشا عن قيادة الجيش الأردني عام 1956، وطالب بإلغاء المعاهدة البريطانية الأردنية ، والاستغناء عن الإعانة المالية البريطانية، وقبول الإعانة العربية، والانضمام إلى المواثيق العربية، وتقوية الجيش الأردني لمجابهة إسرائيل، واعتبر الوحدة العراقية الأردنية بما عرف بالاتحاد الهاشمي الذي تم عام 1958، بأنها كانت بإيعاز من الاستعمار ضد الوحدة السورية المصرية، وأيد الثورة المصرية عام 1952، لكنه ندد بتقارب الرئيس المصري محمد نجيب من الولايات المتحدة، واعتبر ذلك دليلاً على محاولة جديدة من الاستعمار لتكبيل مصر، بيد أنه غيَّر موقفه بعد تأميم قناة السويس، وقال بيان القيادة القطرية حول ذلك: " تأميم قناة السويس نصر جديد للسياسة العربية التحررية"، ودعا الحزب إلى دعم الثورة الجزائرية التي ابتدأت عام 1954، ودعا لاستقلال المغرب وتقديم الدعم الموحد لكل من المغرب والجزائر، وإلى تقديم ما يلزم للثورة الجزائرية([50])، ثم أيد الإضرابات التي قام بها العمال في الشركات النفطية، في شركة الدخان العراقية، وفي كل أنحاء الوطن العربي، فحين أضرب عمال شركة أرامكو الأمريكية السعودية، دعا الحزب لمساندة عمالها، وشجب موقف النظام السعودي في ذلك الوقت([51]).
وفي إطار محاولات البعث في العراق ؛ لإسقاط النظام الملكي العراقي، أيَّد الحزب إضراب عمال النفط في البصرة عام 1953، ووجَّه نداءاً بضرورة مساندتهم ضد استغلال شركات النفط ، وضد الحكم الذاتي الذي كان يدعم تلك الشركات، وهاجم الحزب شركة نفط كركوك من موقفها من العمال، وأكدت صحيفته أن عيد مايو 1956 يجب أن يكون حافزاً لجمع العرب ؛ من أجل تحرير الأمة العربية من الاستعمار والاستغلال، ودعا العمال العراقيين للثورة ضد مستغليهم، وحثَّ نقابات العمال على العمل من أجل العمال، وهاجم الحكومات العراقية الداعمة للاستقلال ، واعتبرها عميلة للغرب وضد مصلحة الشعب، وشدد على الحكومات التي يرأسها نوري السعيد ، أو أحد مواليه، وهاجم رأي نوري السعيد في حل قضية الإقطاع في العراق، بأن توزع أراضي الإقطاعي على أولاد الاقطاعي بعد وفاته ثم على أحفاده بعد وفاة الأولاد، وبذلك تنتهي مشكلة الإقطاع بعد جيلين أو ثلاثة، واعتبر هذا الرأي خاطئاً ؛ لأن الفلاح العراقي وفق ذلك عليه أن ينتظر عشرات السنين ؛ ليحصل على العدالة في المجتمع، واعتبر الحزب أن كل الحكومات العراقية الملكية موالية لنوري السعيد ورجعية ومفروضة على العراق، ودعا الأحزاب العراقية إلى ضرورة الالتفاف حول جبهة الاتحاد الوطني ؛ لإسقاط النظام الملكي وتحرير العراق([52]).
كل هذه الأمور جعلت حزب البعث في العراق مساهماً أساسياً في إسقاط النظام الملكي في العراق في ثورة 14 يوليو 1958 بقيادة عبد الكريم قاسم ، كما كانت قيادة البعث على علم دقيق وتفصيلي بتلك الثورة وبتنظيمات ضباطها، ولعب الأمين القطري للبعث في العراق فؤاد الركابي دور همزة الوصل مع الجيش، وخاصة مع عبد السلام عارف، وناجي طالب، ورفعت الحاج سري، وناظم الطبقجلي ،وعبد الوهاب الشواف ، ونجيب الربيعي، وأصبح عبد السلام عارف المعبِّر الأساسي عن أفكار الثورة، ورغم حل القيادة القومية في سوريا نظرياً؛ إلا أن الصلات بين القيادة القومية المنحلة بقيادة ميشيل عفلق ، والقيادة القطرية في العراق ظلت كما هي، واعتلى فؤاد الركابي إحدى الوزارات العراقية في حكومة عبد الكريم قاسم([53]).
وبحدوث الخلاف بين عبد الكريم قاسم ، وعبد السلام عارف، انحاز البعث إلى عبد السلام عارف ذو العلاقة الحميمة بفؤاد الركابي، حيث كان عبد السلام عارف متوافق الآراء مع البعث حول الوحدة، وحول العلاقة مع الجمهورية العربية المتحدة، وقد حاول البعث تهريب عبد السلام عارف من السجن عندما سجنه عبد الكريم قاسم، وحرص البعث أيضاً على تقديم مساعدة عائلته مالياً عندما كان في السجن([54]).
وما زاد من عداء البعث لعبد الكريم قاسم، إضافة إلى سجنه لأهم أصدقاء البعث في حينها وهو عبد السلام عارف، أن قاسم اعتمد الديكتاتورية الفردية في حكمه؛ بسبب ما أعطى لنفسه من صلاحيات في الدستور الذي أقامه من خلال قوته العسكرية، بعد أن حلَّ جبهة الأحزاب التي تألفت في العراق عام 1957، وأسقطت الحكم الملكي عام 1958، وكان حزب البعث من أهم أعضائها، فقد أصبح قاسم بموجب الدستور الذي وضعه هو رئيساً للوزراء، الذي كانت له كل الصلاحيات التنفيذية في الدولة، ولم يكن ما سمي بمجلس السيادة برئاسة نجيب الربيعي أي شأن، سوى التوقيع على المعاهدات ، والقرارات التي يقررها قاسم، كما سيطر قاسم على التشريع بموجب الدستور، وخاصة من خلال مادتيه الحادية والعشرين والثانية والعشرين، ولم يكن للوزراء أي سلطة على قاسم، خاصة أنه قد احتفظ لنفسه بقيادة الجيش ووزارة الدفاع، كما أجاز قاسم للحزب الشيوعي الذي شكله هو بعد أن حل الحزب الشيوعي القديم، وأجاز الحزب الوطني الديمقراطي ذي الاتجاهات الإقليمية ، والحزب الوطني الكردستاني ذي النزعة القومية الكردية الانفصالية ، رغم أن الغرب عمل على إثارة الأكراد في الشمال من خلال تركيا وإيران ضد نظام عبد الكريم قاسم، وشجعوا المعارضة الطائفية ضده ، من خلال ما عرف بحلف السنتو وهو نفس حلف بغداد بعد سقوط النظام الملكي العراقي وخروج العراق منه ، حيث كان قد تحول إلى هذا الاسم ، كما قام قاسم بتشجيع وإجازة التيار الإسلامي ؛ لأجل استغلاله ، وإتباعه أسلوب وجود قوي متقاربة القوة لضربها ببعضها البعض، بحيث تضعف وتنهي نفسها بنفسها ، كل هذه الأمور جعلت بعض الوطنيين الوحدويين ومنهم عبد الوهاب الشواف، ورفعت الحاج سري، وناظم الطبقجلي ، وغيرهم، يعارضون حكم قاسم، مما حذا بهم إلى القيام بثورة الموصل عام 1959 ـ لكنها فشلت وأعدم القائمين فيها ـ وعملت الأحزاب الموالية لقاسم ، وأهمها الحزب الديمقراطي الكردستاني ، والحزب الشيوعي على تصفية وقمع كل من كان له علاقة بالثورة، رغم أن معظمهم قد شارك في ثورة 14 يوليو 1958 ، واشتهروا بوطنيتهم، ثم كان إتباع قاسم لسياسة العزلة السياسية عن الأقطار العربية ، وتأكيده على الطابع المحلي للثورة، واتِّخاذه سياسة خارجية ارتجالية بدون أي ضوابط أو محددات، وإخضاعها له بشكل مطلق، وخلقه لأزمة الكويت عام 1961، مما أثار عداوات بعض الدول العربية ضده، إضافة إلى محاولاته استرجاع مناطق الإمتيازات النفطية الخاصة بالشركات الأجنبية ؛ مما أثار له خصومات كبيرة مع دول الغرب، ثم خلقه لأزمة الأكراد من خلال إعطائه صلاحيات كبيرة للحزب الوطني الكردستاني، وإجازة تسليحه، وارتفاع نفوذ التيار الشيوعي في عهده ، وتنكره لأهداف ثورة 1958، التي كان من أهدافها تحرير العراق من الاستغلال الاقتصادي، وإنهاء القيود التي فرضت على حريات الشعب وحقوقه وإنهاء الوجود الاستعماري على أرض العراق وإرجاعه إلى الركب العربي مع تحقيق الديمقراطية الشعبية ، ورفع مستوى الطبقات الفقيرة([55]).
كل هذه الأمور ألقت على عاتق البعث العراقي مهمة إسقاط عبد الكريم قاسم، خاصة وأنه لم يبقى في الساحة السياسية سواه ، حيث أصبح يعمل في السر بالاتفاق مع القيادة القومية المنحلة نظرياً في سوريا ، وكان لسريته خلال هذه الفترة وقعاً نفسياً ، وسياسياً ، وثقافياً مؤثراً على مريديه الذين كانت تتوافر فيهم النضالية ، والصدامية ، والصمود ، والكتمان ، والطاعة العمياء لمرؤوسيهم ، معتمدين على نظام الأرقام للأعضاء، كما أخذ الحزب على عاتقه أنه لابد من إزالة النظام على اعتبار أن البعث يمثل الأمة والشعب ؛ لذلك حاول البعث إحداث انشقاقات في نظام عبد الكريم قاسم ، ثم حاول قتله عام 1959 من خلال بعض الأعضاء البعثيين، حيث تم التنسيق بين فؤاد الركابي في العراق، وحازم جواد الذي كان لاجئاً في سوريا وبين بعض البعثيين في العراق ، كما كان يتم تهريب السلاح عبر الحدود إلى العراق، من خلال العقيد السوري أمين الحافظ· ، وقد تمت محاولة الاغتيال بالتنسيق أيضاً مع القيادة القومية المنحلة في سوريا ؛ لكن فشلت المحاولة وقتل في العملية عبد الوهاب العزيري، وهرب فاتك الصافي، وصدام حسين مجيد التكريتي، كلاجئين إلى سوريا، وقد أصيب صدام حسين بساقه في هذه العملية ([56]).
كما كان نظام الوحدة بين سوريا ، ومصر يقدم المساعدات للبعثين العراقيين من مساعدات مالية ، وأجهزة إرسال إذاعي، واتصالات لاسلكية، ويدربهم في معسكرات خاصة؛ بسبب الخلاف بين نظام الوحدة بقيادة عبد الناصر ـ ونظام عبد الكريم قاسم في العراق ، كما أشرف أحد البعثيين العراقيين ضمن الجمهورية العربية المتحدة في دمشق على إذاعة " صوت العراق الحر " وهو عبد الهادي الفكيكي([57]).
كما كان هناك تنسيق بين البعث في العراق والسفارة الأمريكية عن طريق مساعد الملحق العسكري في بغداد وليم ليكلاند منذ عام 1962 ؛ بغية إسقاط عبد الكريم قاسم([58]).
وكانت استراتيجية البعث لإسقاط عبد الكريم قاسم ، هو التعاون مع الضباط العسكريين في الجيش الذين رفضوا مواقف قاسم ، وتذمروا منها وأيدوا التعاون مع القوميون الوحدويين والناصريين والبعثيين ([59]).
ثم قام البعث بإشعال المظاهرات في بغداد للاحتجاج على ارتفاع أسعار البنزين في مارس 1961، ثم حدث إضراب عام 1962 للاتحاد الوطني لطلبة العراق، ثم اتبعه اضطراب الطلبة في كلية الآداب ، بعد فترة وجيزة من نفس العام، وفي بداية عام 1963، أصدر الاتحاد الوطني لطلبة العراق، نداءاً إلى جميع منظمات الطلبة ، والشبيبة في العالم لتحقيق عدة مطالب، ثم حدث اعتصام مائتي طالب في مقر جامعة بغداد، وأعلنوا إضرابهم عن الطعام، ثم حدثت مواجهات بينهم ، وبين الانضباط العسكري، وفي هذه الأثناء أقرت القيادة القطرية في العراق التعاون مع الأكراد؛ لإسقاط عبد الكريم قاسم، مقابل إقرار الحقوق الثقافية للأكراد ولامركزية الحكم فيما لو استلم البعث السلطة في العراق([60]).
كل هذه الأمور أثارت الرأي العام في العراق، ومهَّدت الأجواء لتدخل بعض ضباط الجيش البعثيين ضد نظام عبد الكريم قاسم، حيث قاموا بحركة الثامن من فبراير 1963، وقتلوا قائد القوة الجوية، ثم قصفوا وزارة الدفاع، وفي اليوم التالي ، تم قتل عبد الكريم قاسم([61])، وهكذا وصل البعث إلى السلطة في العراق، وكان أهم رموزه خلال هذه الفترة علي صالح السعدي الذي تسلم الحرس القومي، وأحمد حسن البكر الذي عينه البعث رئيساً للوزراء ، حيث لم يرد البعث احتلال منصب الرئاسة، على اعتبار أنه استلم الحكومة برئاسة أحمد حسن البكر ، وكان عبد السلام عارف حليفاً رئيسياً للبعث، واستولى البعثيون على معظم الوزارات العراقية ، وخاصة الرئيسية منها، أما حازم جواد فقد تسلم القيادة القطرية للحزب في العراق، وعلى هذا الأساس فقد أصبح الحكم بعثي يؤازره بعض القوميين الناصريين وعلى رأسهم عبد السلام عارف.
وعلى ذلك يلاحظ من خلال دراسة مرحلتي نشوء البعث في سوريا والعراق، عدة أمور تميز فيها حزب البعث سواء بقيادته القومية ، أو بقيادتيه القطريتين في سوريا ، والعراق وأهم هذه الأمور هي:
1- ظهرت مشاهد انقسام عديدة في الحزب أهمها: انقسام الأمين القطري في الأردن عبد الله الريماوي ، بعد أن اتهمته القيادة القومية بالخيانة ؛ لأنه تعامل مع مخابرات عبد الحميد السراج في عهد الوحدة، وانقسام الأمين القطري في العراق فؤاد الركابي، حيث اتهمته القيادة القومية المنحلة نظرياً في عهد الوحدة ؛ بعدم تنفيذ أوامر القيادة، فشكل في مصر تنظيم الوحدويين الاشتراكيين، وأصبح وثيق الصلة بعبد الناصر في مصر، وفي المؤتمر القومي الخامس في بيروت، ظهر انقسام أحد قيادتي الحزب في سوريا وهو أكرم الحوراني ، الذي انفصل عن البعث وشكل حزباً جديداً هو "الاشتراكيون العرب" ، وكان ذلك بسبب خلافه مع ميشيل عفلق حول قيادة الحزب، ثم ظهر في المؤتمر القومي السادس عام 1963، مشهد انقسام علي صالح السعدي عن حازم جواد، بعد وصول البعث إلى السلطة في العراق، ثم انفصال القيادة القطرية في العراق عن القيادة القومية، وهذا سهَّل كما سنرى في الفصل القادم، من اختراق الحزب من قبل بعض العناصر العسكرية، وعلى صعيد سوريا أيضاً حدث فيما بعد انقسام القيادة القطرية عن القيادة القومية في سوريا عام 1966، حيث كانت بوادر هذا الانقسام منذ الوحدة بين سوريا ، ومصر عام 1958، وذلك عندما قام نائب حماه عبد الكريم زهور، بالسعي للانفصال عن القيادة القومية، بدعوى أنها قبلت بحل الحزب، فتألفت حركة سيناء فيما بعد من قبل مجموعة من العسكريين البعثيين ، التي قامت بحركة 23 فبراير 1966 في سوريا ، واتهمت القيادة القوية بالعمالة والسقوط([62]).
2- تميز معظم أعضاء البعث بالشباب، وكان معظم البعثيون من الطبقات البرجوازية الصغيرة، أو من الطبقات الكادحة، وكانت في معظمها من أصول قروية، وفي العراق تحديداً تميزت معظمها بأنها شيعية، حيث كانوا متأثرين بوضعهم الطبقي، في ظل نظام معظم ضباطه من السنة([63]).
3- الصلات القوية بين القيادات القطرية في كل من سوريا والعراق، فقبل وصول البعث إلى السلطة في العراق كان يتلقى الدعم من القيادة القطرية والقومية في سوريا، وعندما وصل البعث إلى السلطة في العراق عمل على إثارة عدم الاستقرار الداخلي في سوريا ضد النظام السوري في عهد ناظم القدسي ، مما أدى إلى سقوطه بعد شهر واحد فقط من وصول البعث العراقي إلى السلطة في العراق([64]).
4- تميزت بعض قيادات البعث في العراق بأنها لم تكن على درجة كبيرة من التمرس السياسي ، أو المستوى العلمي، الذي يؤهلها لتسلم حكم العراق، إضافة إلى ما كان له دور في وصولها إلى هذه المراكز الحساسة، من عوامل إقليمية ومذهبية فعلى سبيل المثال كان علي صالح السعدي ، وهاني الفكيكي، وصلاح التكريتي، معلمين ابتدائي ، أما أحمد حسن البكر ومروان التكريتي وصالح مهدي عماش، فكانوا ضباطاً([65])، وبالنسبة إلى صدام حسين التكريتي فقد كان طالباً في الحقوق لم يكمل دراسته ، لكن القيادة القطرية في العراق أتاحت ترفيعه من عضو عادي في الحزب إلى عضو في القيادة القطرية في الحزب، وأصبح له رأي مسموعاً أمام أرفع السلطات الحزبية ، خاصة بعد توصية الأمين القومي للحزب به ([66]).
مما سبق نرى أن نشوء حزب البعث في كل من سوريا والعراق كان متأثراً إلى حد بعيد بمشكلات المجتمع السوري أوالعراقي، وبالوضع الاجتماعي والسياسي لأفراد الشعب العراقي ، إضافة إلى الوضع الإقليمي والعالمي، فكل هذه الأمور ساهمت في وجوده على الساحة العراقية، ومن ثم نفوذه من خلال الجيش إلى السلطة في بداية عام 1963م.
المطلب الثالث
أيديولوجية وفكر حزب البعث وآراءه
حول التمايزات المجتمعية في المجتمع العربي
ا ـ أيديولوجية حزب البعث العربي الاشتراكي
لابد لتبيان أيديولوجية حزب البعث من التعرف على مبادئه التي نادى بها في مؤتمره التأسيسي عام 1947، وما طرأ عليها من تعديلات بعد ذلك، وهل تناسبت هذه الأيديولوجية بتطوراتها مع تطورات المجتمع خاصة في الأقطار التي ظهر فيها البعث بقوة مثل سوريا ، والعراق، ثم نأتي إلى تفسير هذه الأيديولوجيا على ضوء فكر المؤسس الرئيسي لحزب البعث العربي الاشتراكي وهو ميشيل عفلق، إضافة إلى بعض المنطلقات النظرية في فكر الحزب .
مبادئ حزب البعث في مؤتمره التأسيسي([67])
1- حزب البعث العربي الاشتراكي هو حزب عربي شامل تؤسس له فروع في سائر الأقطار العربية ، وهو لا يعالج السياسية القطرية ، إلا من وجهة نظر المصلحة العربية العليا.
2- أنه حزب قومي يؤمن بأن القومية العربية حقيقة حية خالدة ، وأن الشعور القومي الواعي الذي يربط الفرد بأمته ربطاً وثيقاً هو شعور مقدس.
3- يؤمن بأن أهدافه الرئيسية في بعث القومية العربية، وبناء الاشتراكية لا يمكن أن تتم إلا عن طريق الانقلاب والنضال، وإن الاعتماد على التطور البطيء والاكتفاء بالإصلاح الجزئي السطحي يهدد هذه الأهداف بالفشل والضياع.
4- حرية الكلام والاجتماع والاعتقاد مقدسة، ولا يمكن لأي سلطة أن تنتقصها.
5- السيادة ملك الشعب، وأن قيمة الدولة ناجمة عن انبثاقها عن إرادة الجماهير، كما أن قدسيتها متوقفة على مدى حريتهم في اختيارها.
6- إقامة نظام نيابي دستوري، السلطة التنفيذية فيه مسؤولة أمام السلطة التشريعية التي ينتخبها الشعب مباشرة.
7- السلطة القضائية مصونة ، ومستقلة عن أية سلطة أخرى، وتتمتع بحصانة مطلقة.
8- يسعى الحزب لوضع دستور للدولة ؛ يكفل للمواطنين المساواة المطلقة أمام القانون، والتعبير بملء الحرية عن إرادتهم ، واختيار ممثليهم اختياراً صادقاً ويهيئ لهم بذلك حياة حرة ضمن نطاق القوانين.
9- اعتبار الاشتراكية ضرورة منبثقة من صميم القومية العربية، واعتبارها النظام الأمثل الذي يسمح للشعب العربي بتحقيق إمكانياته، وتفتح عبقريته على أكمل وجه.
10- الثروات الاقتصادية ملك للدولة.
11- يمنع استثمار جهد الآخرين.
12- يعاد توزيع الثروات توزيعاً عادلاً.
13- تدير الدولة المؤسسات ذات النفع العام، وتمتلك وسائل الإنتاج الكبرى ومصادر الثروة.
14- تشرف الدولة على التجارة الداخلية ، والخارجية إشرافاً مباشراً.
15- تحدد الملكية الزراعية بمقدور المالك على الاستهلاك.
16- تباح ملكية العقارات على ألا تستثمر.
17- يشترك العمال في إدارة المعمل ويمنحون نصيباً في الأرباح عدا أجورهم.
18- يوضع برنامج شامل للتصنيع على ضوء أحدث النظريات.
19- يؤمَّن الطب للجميع.
20- العمل إلزامي للجميع وتضمن الدولة معيشة العاجزين.
21- يلغى التفاوت الطبقي والتمايز الطبقي.
22- حرية التملك والإرث مصونة في حدود المصلحة القومية.
وقد نص دستور البعث على أن العرب أمة واحدة ، وإن المشاكل القطرية يجب أن تحل على أساس النظرة القومية، لهذا السبب فقد رفض البعث تحديد عمله في قطر عربي واحد، واعتبر أن مجال عمله يشمل جميع الأقطار العربية([68]).
ويرى أن الاشتراكية هي اشتراك جميع أفراد المجتمع في إنتاج الثروة وتوزيعها ؛ بقيام الدولة بالهيمنة على هذين الجانبين الإنتاج والتوزيع، على اعتبار أنهما أساس الحياة الاقتصادية، وهذه الاشتراكية لا تنكر وجود الدولة أو تعاديها لكنها تثق في الدولة ومقدرتها على إدارة ، وتوجيه الحياة الاجتماعية ، والاقتصادية بما يقضي على الشرور الناجمة عن الحرية الفردية، ويؤدي إلى تحقيق الرفاهية الاجتماعية التي تتضمن كفالة مستوى لائق من المعيشة للأفراد وخاصة الطبقات الفقيرة، فغاية الاشتراكية هي الفرد وتحقيق نموه الكامل بعيداً عن استغلال الطبقات المالكة ، والرأسمالية([69]).
ويرى البعث أن العرب أمة واحدة لها حقها الطبيعي في أن تحيا في دولة واحدة وأن تكون حرة في توجيه مقدراتها، ولهذا فإن حزب البعث يعتبر أن([70]):
1- الوطن العربي وحدة سياسية اقتصادية لا تتجزأ، ولا يمكن لأي قطر من الأقطار العربية أن يستكمل شروط حياته منعزلاً عن الآخر.
2- الأمة العربية وحدة روحية ثقافية وجميع الفوارق القائمة بين أبناءها عرضية زائفة تزول بيقظة الوجدان العربي.
3- الوطن العربي للعرب، ولهم وحدهم حق التصرف بشؤونه وثرواته وتوجهي مقدراته.
كما يعتبر أن العرب أمة واحدة ، وعليهم أن يؤلفوا دولة واحدة في وطن واحد، وأن لغتهم تعبِّر عن أصالتهم ، ورسالة الأمة تتجلى في نشر التضامن والإخاء بين الأمم، والوطن العربي هو أرض سكنها العرب، ونشروا فيها لغتهم وطبعوها، وكل أرض اغتصبت من أراضي العرب هي جزء من الوطن العربي، ويعمل الحزب على إزالة الحواجز بين مختلف الطوائف الدينية ، والمذهبية ، والعنصرية ، والطبقية، ويهدم النظم الاجتماعية ، والاقتصادية ، والسياسية الفاسدة، وأنه قد وضع نظم تتفق مع طبيعة العرب ، وحاجاتهم في العصر الحاضر([71]).
وقد نادى بضرورة إزالة الهيمنة الأجنبية، وتأميم الصناعة وتوفير خدمات اجتماعية شاملة، وهذه الأمور تتحقق بواسطة ثلاثة مبادئ هي: الاستقلال العربي التام ، والاشتراكية من خلال حزب دولة واحدة، وأن هذه الأشياء غير قابلة للتعديل([72]).
ويرى أن راية الدولة العربية هي راية الثورة العربية التي انفجرت عام 1916 لتحرير الأمة العربية· ، وتوحيدها، لذلك فعلم البعث يحتوي على أربعة ألوان هي الأبيض الذي يرمز للعهد الراشدي ، والأخضر الذي يرمز للعهد الأموي ، والأسود الذي يرمز للعهد العباسي، أما المثلث الأحمر فهو تعبير عن دماء الشهداء الذين ضحُّوا من أجل الأمة العربية.
لكن رغم كل هذه الأمور إلا أنه قد أخذت عدة مآخذ على البعث ، فقد وصف الأمين العام للقيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي منيف الرزاز· حزب البعث العربي الاشتراكي بأنه : حزب الطوائف، فقد تفنن البعث في اختراع تسميات التجزيء، ففرز الناس إلى: تقدمي ورجعي. وأسس لمشروع الحقد الطبقي، واعتبر الحقد المجتمعي مقدساً، فإذا ذُكر التجار في أدبيات البعث فيجب أن يشار إليهم بـ "صغار الكسبة والحرفيين"، لأن الكبار كانوا خارج القوس البعثي، وإذا ذكر المثقفون وجب أن يقيد الذكر بـ"المثقفين الثوريين" ؛ لأن الآخرين يجب أن يلقوا في زوايا الإهمال، وهذا مما لا شك فيه سيكون له ردة فعل سلبية على الوحدة الوطنية ، فحتى على الصعيد الحزبي نفسه مُيز البعثيون إلى يمينيين ويساريين، وادعى كل فريق لنفسه لقب اليسار وافتخر به ([73]) .
أما على صعيد الحرية ، فقد نادى البعث بها ؛ لكنه لم يضع لها المحددات، فقد نادى بأن " لاحرية لأعداء الشعب" ، فلم يحدد من هم أعداء الشعب في مجتمع عربي ملئ بالقوميات ، والطوائف ، كما شكلت المادة الثامنة من الدستور صورة من صور الانتداب، ووضعت الحزب في مقام المندوب السامي، حيث اعتبرت فريقاً من المواطنين أوصياء على الآخرين، بما صار في أيديهم من أدوات القوة والإكراه من خلال تسلمه السلطة([74]).
وأما ما يسمى بالجيش العقائدي الذي ورد في دستور البعث، فمن المعروف أن مفهوم الجيش الوطني إنما يرتبط من الناحيتين البنيوية والوظيفية بمفهوم الوطن ، والمواطن أي أن بنيته يلزم أن تعكس وتنعكس عن البنية الاجتماعية للوطن وأن ترتبط أساساً بالدفاع عن الوطن ضد أي عدوان خارجي محتمل ، وإذا ما حاد الجيش عن هذه المهمة ، وتحول إلى قوة أمن داخلي تحت ذريعة الحفاظ على النظام والدفاع عن الثورة ؛ فإنه يكون قد تحوّل إلى جيش عقائدي - بالمعنى السلبي للمفهوم - ذلك أن مفهوم الجيش العقائدي غالباً ما يرتبط مع أيديولوجيا عصبوية تعكس آراء ومواقف ومصالح جزء أو أجزاء محددة ، وقد تكون محدودة من المجموع الكلي للشعب ، وإن أي نظام سياسي غير ديمقراطي ، هو بالضرورة نظام أقلّية ما سواءاً كانت دينية ، أو طائفية ، أو قومية ، أو قبلية ، أو حزبية ...الخ ، وأن الجيش ! هو وسيلتها للوصول والاستمرار في السلطة ، وأن إضافة صفة العقائدي إلى كلمة الجيش ، لا يعدو أن يكون غطاءاً يحاول النظام الذي يحكم في ظل تلك الأيديولوجية أن يستر بها ديكتاتوريته ، والذي - الجيش العقائدي - يتداخل ويتكامل دوره السياسي في احتكار السلطة مع الغطاء الأيديولوجي الديني، أو الحزبي الذي يتخفى تحته هذا النظام ، ويصبح معداً للنكسات ، والهزائم العسكرية المذلة التي يحصد عواقبها الشعب بصورة أساسية ، لكن لا يعني أن الجيش الوطني –الغير عقائدي -هو جيش بلا عقيدة ؛ لأن كلمة وطني بحد ذاتها مشبعة بالمضمون العقائدي ، ولكن المضمون الذي يعكس وينعكس عن العقيدة الكلية للأمة والوطن بكل أطيافهما ، وليس عقيدة فئة محددة ومحدودة منهما ، لكن حزب البعث دعا للجيش العقائدي الممثل للحزب ، ولم يدعو لإقامة الجيش الوطني الممثل للشعب بكل أطيافه ،وفئاته .
ومن جهة أخرى فإنه عندما يكون التمثيل الشعبي للنظام ضعيفاً ، فهو لا يستطيع أن يضع كامل ثقته في الجيش العقائدي أو في الحزب القائد أو في المنظمات الشعبية ، ذلك أن النظام ، وبحكم تمثيله الشعبي الأقلياتي ، لا يستطيع أن يمسك بكافة المفاصل الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تشكل البنية العامة والخاصة، لهذه المؤسسات ، وبالتالي فإن انحسار سيطرته على المفاصل الحساسة فيها فقط ، يجعله يتخوف منها،مما يدفعه إلى إحاطة نفسه بمجموعة من الأسوار الأمنية التي تتداخل في بنيتها صلة القرابة ، والمنافع المادية ، وتتداخل في وظيفتها مراقبة المجتمع مع مراقبة بعضها بعضاً ، ويتداخل في وضعها القانوني، الدستور والقوانين النافذة مع حالة الطوارئ التي تمثل إسقاط أي قرار دستوري وقانوني حتى ولو كان إيجابياً ، وخاصة أن السيطرة على الجيش والحزب تضمن للنظام السيطرة على السلطتين التشريعية والقضائية ، والمنظمات الشعبية ، حيث تتحول جميعها إلى مجرد واجهات للنظام([75]).
كما نلاحظ من خلال تتبعنا لأيديولوجية ، وفكر البعث ؛ فنرى أنها أيديولوجية علمانية ليس للدين فيها أي ذكر، على اعتبار أنها تجمع الأمة العربية بكافة أطيافها، وأنها أيديولوجية اشتراكية تعمل على إزالة الحواجز الطبقية في المجتمع العربي، وهي أيديولوجية وحدوية تنادي وتعمل من أجل توحيد الأقطار العربية كافة تحت قيادة واحدة هي قيادة البعث، الذي من المفترض أن يوحدها ويوجهها وفق أيديولوجيته ؛ لكن اتسمت هذه الأيديولوجيا بغموضها ؛ فلا إستراتيجية معينة لكيفية تحقيق الوحدة العربية، ولا كيفية سيطرة القيادة القومية على القيادات القطرية في الدول العربية فيما لو وصلت إلى السلطة في أي من هذه الدول، ولا وضوح للاشتراكية البعثية، حيث نادت بحق الملكية والإرث، وضرورة دفع الفرد للتنافس مع الآخرين،وتشجيع الدوافع الفردية للأفراد، فالمادة الخامسة من دستور البعث التي تقول "تحديد الملكية الزراعية بما يتناسب ومقدرة المالك على الاستهلاك" ، هي غامضة لأنها مسألة نسبية، كما تشير مواد أخرى إلى إلغاء التمايز الطبقي بين الأفراد، وسيطرة الدولة على التجارة الداخلية ، والخارجية ، وعلى موارد الإنتاج ، واشتراك العمال في إدارة المعمل ، ومنحهم نصيباً من الأرباح، وعلى هذا الأساس تختلط الرأسمالية مع الاشتراكية في أيديولوجية البعث، كما أن هذه الأيديولوجية تتجاهل تماماً الفوارق بين الأقطار العربية ، وتلك الفوارق التي ترسخت عبر الزمن وأصبحت عائقاً كبيراً أمام اتحاد الكثير من الأقطار العربية، كما تتجاهل كيفية التعامل مع الأقليات العرقية في الأقطار العربية فلا يكاد يخلو قطر عربي من وجود أقليات إثنية فيه، كما أن إيمانها ودعوتها للقومية العربية قد أثار تلك القوميات العرقية على أساس أن هذه الأيديولوجية ؛ تهدف إلى إذابتها ضمنياً ، وعلى ضوء هذه الملاحظات ، كيف استطاع مؤسسو حزب البعث وفي مقدمتهم ميشيل عفلق ، الإجابة عن هذه التساؤلات ، وتفسير هذه الأيديولوجية، وما هو النقد الذي وجهه إليه ، أو إلى هذه الأيديولوجيا من قبل السياسيين والمفكرين من التيارات المختلفة في المجتمع العربي؟.
2- فكر ميشيل عفلق في تفسير أيديولوجية حزب البعث
يعتبر ميشيل عفلق المنظر الأول لحزب البعث، فهو الأمين القومي للحزب منذ نشأته، وظل فيلسوفه حتى مماته في عام 1989، ولم يترك الحزب أو ينقطع عنه سوى لسنوات معدودة امتدت من عام 1964 وحتى عام 1965، وعلى هذا الأساس يعتبر هو المعبر الرئيسي عن فكر البعث، وخاصة في العراق ؛ لأن القيادة القطرية في سوريا انفصلت عنه منذ عام 1966، وأصبح تفسيرها لتلك الأيديولوجيا ينطلق من مفهومها الذاتي أكثر من اعتمادها على مفاهيم مؤسسي الحزب.
وقد انطلقت هذه الأفكار من خلال مجموعة أحاديث ومقالات ميشيل عفلق، والتي اتسمت بالغموض في بعض الأحيان، وكانت فلسفية – كما سنرى- رومانسية أكثر منها علمية، ولا تقبل مقارنتها بأي مثيلٍ لها من الأفكار ، والتيارات ، والنظريات السياسية في العالم سواءاً كانت شيوعية ، أم ليبرالية موجودة في المجتمع ، كما تحتوي هذه الأفكار على وصايا منظر البعث ميشيل عفلق لكل الأعضاء البعثيين في الوطن العربي.
· آراءه حول الاشتراكية والطبقية في المجتمع العربي
يقول ميشيل عفلق :
" أن العرب يعانون مشكلة أساسية واحدة هي استسلامهم لطبقة اجتماعية تقوم على الاستثمار والاستئثار، وهذا الوضع يشكل ضعفهم الداخلي والخارجي ؛ لأنه يخنق معظم قواهم وإمكانياتهم في الداخل ويظهرهم أمام العالم بمظهر الشعب المتخلف " ([76]).
ويقول أيضاً :
" إن الفئة المتحكمة اليوم بمصير البلاد مسوقة حتماً إلى استغلال الحكم بكل الوسائل؛ لأنها مضطرة إلى إرضاء الأسرة الكبيرة التي إنما جاءت هذه الفئة إلى الحكم لتحتل مصالحها، وإلى إرضاء الأنصار الذين تعتمد عليهم وتسيِّر مصالح كبار التجار الذين يسندونها في الظروف الحرجة ... ولكن الخطر الحقيقي الجسيم هو في أن هذه الفئة الحاكمة لكي تصل إلى ما تريد من استغلال لثروة البلاد ووظائف الدولة، لا تستطيع أن تلجأ إلى قوة الجيش، ولابد لها لذلك من أن تحتال على دستور الدولة وقوانينها، لكي تحول دون مراقبة الشعب لها ، واعتراضه على أعمالها، من هنا يأتي عداءها للحرية واعتداءها عليها"([77]).
ويستطرد الكلام حول الطبقية في المجتمع العربي بأنها المشكلة الكبرى التي يواجهها الشعب الكادح، وأن الوسيلة لتحرره من الظلم والعبودية هو ؛ إسقاط النظام القائم ومن ثم الإجهاز على الطبقة المستغلة وعلى ذلك يقول:
" فمصيبة العرب في هذا الدور هو أن الطبقة التي فرضت نفسها عليهم تعيش في طريق معاكس تماماً لنفسيتهم وآمالهم، فهي طليقة شائخة ، طبقة فاسدة، أفسدها الترف ، أفسدها الاستعمار، أفسدها ظلمها للآخرين، ونفسية الظالم، نفسية المستثمر، نفسية الغاصب، هي دوماً نفسية شائخة هرمية متعبة، لذلك تنظر هذه الطبقة إلى أبسط الأمور وتحسبها غاية ما يطمح إليه ويرغب فيه، تنظر إلى مظاهر بسيطة من التقدم، فتقول للشعب، للأمة العربية جمعاء، هذا أقصى ما يمكن أن تصلى إليه"([78]).
وعلى هذا الأساس يرى ميشيل عفلق أن العدو الأساسي للشعب هو في طبقة الأغنياء، وأن مشاكلهم لا تحل إلا بانهيار هذه الطبقة ، ولا يدرك أن الكثير من أفراد هذه الطبقة كان لهم دورهم البارز في تحقيق استقلال الكثير من البلاد العربية وفي مقدمتها سوريا، فهو لا يدعو إلى زيادة الاستثمار في الدولة كما فعلت الدول الرأسمالية المتقدمة، ولا يدعو إلى الضمان الاجتماعي للعمال في ظروف عملهم، لكنه يدعو إلى تدمير بينة المجتمع الطبقية ، وإحلال سلطة الدولة على هذه الممتلكات الصناعية والزراعية، رغم أن هذه السياسة قد أثبتت فشلها فازداد الفقر في معظم المجتمعات التي حلت بها الشيوعية، وهذا ما يفسر انهيار الاتحاد السوفيتي ، والدول الأوروبية الشرقية ، وإتباعها بعد ذلك نظام السوق، وعودة التنافس الاقتصادي بين الأفراد لزيادة الإنتاج ، وزيادة الدخل القومي الذي يؤدي إلى زيادة الدخل الفردي.
وعن تفسيره لمعنى الاشتراكية فاتسم بالتضارب والتناقض فهو يقول:
" الاشتراكية تعني دوماً تأميم المرافق العامة ، والصناعات الحيوية الكبرى، كما تعني التوزيع العادل للأراضي، وإشراف الدولة ، أو وضع يدها على التجارتين الخارجية والداخلية ... الاشتراكية ليست غاية في حد ذاتها ؛ بل وسيلة ضرورية لتضمن للمجتمع أعلى مستوى من الإنتاج مع أبعد حد من الانسجام والتضامن بين المواطنين.. الاشتراكية أن ترفع عن صدر أكثرية مواطنينا هذه الأثقال، أثقال الفقر والجهل والمرض، وترجعهم إلى طريقهم الطبيعي السوي، وتقول لهم أنتم أبناء الوطن، لكم ما لغيركم من الحقوق، فانطلقوا ، أو أنتجوا ، وأبدعوا حتى ترفعوا بناء وطنكم وتكونوا عنوان فخر لأمتكم"([79]).
فهذا تفسير يشبه التفسير الشيوعي للاشتراكية، لكنه في مكان أخر يربط هذه الاشتراكية بالعروبة فيقول: " الاشتراكية العربية : تستمد من روح الأمة العربية وحاجاتها العميقة وأخلاقها الأصلية، وتزود أكبر عدد ممكن من أفراد الشعب العربي بكل الوسائل والفرص ؛ ليستطيعوا تحقيق عروبتهم على أكمل وجه"([80]).
لكن ما الذي يربط بين العروبة والاشتراكية، هل تبنى المجتمع العربي منذ القديم وحتى نشوء البعث المنهج الاشتراكي ؛ ليزدهر ويتقدم ؟ رغم أن الكثير من المجتمعات قد تقدمت بدون تبنيها لهذا المنهج ، وبعضها تبنى الاشتراكية دون ربطها بالمحتوى القومي، وهذا ما أدى إلى تضارب بين مفهومه السابق الذي يشبه المفهوم الشيوعي، وبين مفهومه الأخر الذي يربطها بالقومية العربية.
لكن ميشيل عفلق يقارن في مكان أخر بين اشتراكية البعث ، والاشتراكية الشيوعية بقوله:([81]).
· " الاشتراكية الشيوعية قضت على حق التملك، وبذلك قضت على الدوافع الغريزية للأفراد، بينما اشتراكية البعث تعتبر أن أغزر قوة في الأمة تكمن في الدوافع الذاتية للأفراد.
· الشيوعية لا تعترف بحق الأرض، بينما اشتراكية البعث تعترف بذلك.
· اشتراكية الحزب الشيوعي تعد الشعب العربي ؛ بأنها ستحقق حاجاته الماسة إلى الاشتراكية في حين أن غايتها ربط مصير العرب بمصير دولة أخرى هي روسيا.
· الحزب الشيوعي يدعو للأممية اللاقومية، بينما البعث يدعو للدولة العربية القومية.
إلا أن البعث دعا على الإصلاح الزراعي والتأميم، أما حق التملك الذي رآه فهو حق لا يسمح له بالمنافسة ، والإنتاج الكثيف ، وتحقيق الإنتاج الكبير على غرار الإنتاج في الدول المتقدمة، كما أن الحزب الشيوعي السوفيتي نفسه قد تحول إلى حزب قومي في عهد ستالين، وعلى هذا فيتشابه الحزبان حول الاشتراكية، ورغم ذلك يهاجم ميشيل عفلق الشيوعية في آراءه ويعتبرها غريبة عن المجتمع العربي فيقول:
"الشيوعية غريبة عن كل ما هو عربي ..... إن الشيوعيون يتجاهلون النظريات ، والأنظمة المنبعثة من حضارة العرب، وأوضاعه لا تلبي حاجات البيئة العربية، ولا تلقى فيها قبولاً ....... إن الشيوعية ليست مجرد نظام اقتصادي بل هي رسالة مادية أممية مصطنعة تنفي حقيقة القوميات في العالم، وتنكر الأسس الروحية والوثائق التاريخية التي تقوم عليها الأمة"([82]).
إلا أنه رغم ذلك التطبيق العملي للشيوعية في البلدان التي قامت فيها؛ إلا أنها كانت قومية إلى حد بعيد، فرغم أنها دعت إلى الأممية، لكنها أممية من أجل تحقيق مصالح القطب الشيوعي في فترة الحرب الباردة بين المعسكرين، كما أن هذه الأقوال من ميشيل عفلق لا تتفق مع آراءه في الأربعينات من القرن الماضي حيث يقول: " إن العرب وبطبيعة طموحاتهم وتقاليدهم، هم في صف الديمقراطيات الغربية ضد التجاوزات الشيوعية للفكر القومي والديمقراطي والتقاليد العربية نفسها"([83])، كما يدعو في مكان آخر أن الاشتراكية هي: "تحقيق الذات العربية، ومن الممكن أن تنفصل عن الديمقراطية"([84]).
لكنه يقول في موضع آخر:
"إن التوزيع الراهن للثروة في الوطن العربي ليس توزيعاً عادلاً .... لا يمكن للنضال القومي أن يتم حالياً ؛ إلا إذا كان يستند إلى كل العرب، وهؤلاء لن يشتركوا فيه إلا إذا كانوا مستغلين .. الاشتراكية ضرورة تنبع من عمق القومية العربية، إذ أنها تشكل النضال المثالي الذي سيسمح للعرب، بتحقيق إمكاناتهم، وتطوير نبوغهم حتى الكمال"([85]).
ولكن لا يحدد هنا استراتيجية بناء الاشتراكية كما يرها، ولا يتفق على تعريف محدد المعالم لها، فهو تارة يربطها بالشيوعية، وتارة يربطها بالديمقراطيات الغربية، وتارة يفصلها عن الديمقراطية نفسها.
ثم يحدد علاقة البعث بالشعب بقوله:
" إن للبعث العربي دعامتين لا يستطيع أن يمشي إلا بهما معاً وهما الجناحان اللذان بهما ينهض ويحلق، هما الطبقة العاملة ، والطبقة المثقفة... يجب أن يفهم المثقفون أن ثقافتهم لا تكتسب معناها ولا تعود على أمتهم بالخير ؛ إلا إذا وضعوها في خدمة العمال وخدمة الطبقات الشعبية الكادحة، وإلا إذا قسموا جهودهم بين عمل الفكر وعمل اليد"([86]).
إلا أنه على الواقع العملي اعتمد ميشيل عفلق على المثقفين بشكل أكبر بكثير من اعتماده على الطبقة الشعبية، وكان هذا من أسباب خلافاته مع أحد قياديي حزب البعث وهو أكرم الحوراني.
كما يقول أيضاً:
"يجب أن يرتفع مستوى الشعب المادي حتى يستطيع النضال، واقع الحوادث وتاريخ حركتنا يدل على أن مستوى الشعب يرتفع نتيجة للنضال ، وكلما ناضل استطاع تحقيق شيئ من التحسن في أوضاعه، وكلما كان النضال محققاً لمستوى اقتصادي أعلى كلما كان أقوى وأجدى"([87]).
ولكن لا يفسر لنا هنا كيف يكون النضال، هل يكون بالإصلاح الزراعي، أم بالتأميم، وإلغاء الطبقية في المجتمع، أم يكون بسيطرة الطبقة العاملة ، أو الكادحة على السلطة، وقد أثبتت التجارب أن التأميم ، والإصلاح الزراعي، قد أضر بالمجتمعات الزراعية، وجعلها أضعف مادياً من ذي قبل،وهذا ما أثبتته كل التجارب في جميع الدول التي قامت به .
ثم يفرِّق عفلق بين الطبقية الماركسية ، وطبقية البعث بقوله:
" ليس في فكر الحزب طبقية بالمعنى الذي تفهمه الماركسية، ولكن فيه طبقية ؛ أي أننا نعترف بها وأن كنا لا نتبنى المفهوم الماركسي لها، فالماركسية أقرَّت حقيقة واقعية عندما قالت بأن الصراع في هذا العصر هو بين الطبقات، وجعلته بهذا قانون التطور التاريخي، وهي محقة في تعليلها واستقرائها لمميزات هذا العصر، إذن هناك صراع بين الطبقات لا يجوز تجاهله، إلا أن الماركسية انطلقت من نظرة جعلت هذا الصراع على النطاق العالمي الأسمى، وتجاهلت هذا التكوين التاريخي الحي للقوميات، حين اعتقدت بأن الروابط التي تجمع طبقة معينة في أمة معينة بقوميتها"([88]).
فلو سلمنا بأن الصراع الطبقي في المجتمع العربي ، هو نفسه الصراع الطبقي حسب التعريف الماركسي مع إضافة أنه صراع بين طبقين تنتميان إلى قومية واحدة، فهل يفترق هذا الصراع الذي بينهما عن صراع بين عدوين أحداهما خارجي والآخر داخلي ؟ وهل إسقاط هذه الطبقية في المجتمع العربي سيؤدي إلى نهوضه وتقدمه ؟ وما هو التفسير العلمي للاشتراكية العربية التي يتبناها ميشيل عفلق ؟ حيث يقول " الاشتراكية العربية تعني بأنها : اشتراكية ملائمة لظروف وحاجات المجتمع العربي"([89]). كل هذه الأمور تجعل تفسير الاشتراكية وفق رأي ميشيل عفلق تبتعد عن العلمية، ولا تحوي استراتيجية تنموية للمجتمع.
· آراءه حول القومية والأمة والوحدة
يربط ميشيل عفلق القومية العربية بالاشتراكية على أساس أن الاشتراكية جزء منها بقوله: " القومية العربية عندما تعي ذاتها وعياً عميقاً وصحيحاً، عندما تتهيأ الشروط لكي تنضج النضج الصحيح وتعبر عن نفسها، تجد أن الاشتراكية شئ أصيل منها" ([90])؛ لكن ما هي محددات الوعي في القومية العربية حسب رأيه؟ وما هي الشروط التي تجعلها تنضج النضج الصحيح لكي تعبر عن نفسها ؟ كل هذه الأمور غامضة وتحتاج إلى تفسير علمي دقيق.
ورغم أن معظم التيارات السياسية في المجتمع السوري ، أو العراقي كانت تعمل على القضاء على التمايز الطبقي في المجتمع، سواءاً كانت يسارية ، أم يمينية، إلا أن ميشيل عفلق يعتبر أن البعث هو الذي دعا إلى إلغاء التفاوت الطبقي في المجتمع العربي، لتحقيق النجاح للقومية العربية، وفي ذلك يقول:
"كانت هذه الحركة أول من وضع القضية القومية، قضية الأمة العربية، في قلب الواقع، في قلب الجد بوضعها المشكلة الاجتماعية في صميم الثورة القومية، بوضعها مشكلة عيش الملايين من أفراد الشعب العربي، رزق الملايين وعشرات الملايين الذين كانوا وما يزالون مشلولين إلى حد بعيد ؛ بنتيجة الأوضاع الجائرة المعكوسة فالتعبير العملي عن الثورة القومية هو الثورة الاجتماعية"([91]).
وعلى ذلك فحدوث الثورة الاجتماعية من خلال الإصلاح الزراعي ، والتأميم ، وسيطرة الدولة التي يقودها البعث على التجارتين الداخلية والخارجية، سيحقق الثورة القومية، ويحقق أهدافها ؛ لكن عملياً اصطدم البعث مع عبد الناصر، رغم أنه حقق تلك الأشياء ، بل لقد ساهم في الانفصال السوري عن دولة الوحدة.
ثم يربط ميشيل عفلق بين الوحدة العربية ، والديمقراطية التي تعني عنده مشاركة الجماهير الكادحة بالسلطة بقوله :
" إن ابتعاد الأنظمة العربية التقدمية عن الشرطين الأساسيين اللذين بدونهما لا تكون الثورة العربية ثورة بالمعنى الصحيح :
· مشاركة الجماهير الكادحة.
· السير في طريق الوحدة العربية.
فقد أفقد تلك الأنظمة كل طابع ثوري جدي، وجعلها تقوم في الأساس على التسويات الطبقية والإقليمية"([92]).
ورغم ذلك يرفض عفلق في مكان آخر مشاركة غير البعث في السلطة السياسية ، كما أنه من يعتبرهم طليعة الحزب هم من يجب أن يقودوا الشعب والأمة ،على أساس أنهم ممثلين لهذه الطبقات، وهذا يعني عملياً تجاهل الفئات الأخرى من الشعب –من غير البعثيين-، إضافة لجعل البعث ممثلاً عن كل فئات الأمة ، وهذا يشبه المبادئ الشيوعية ، والفئات الطليعية في الحزب الشيوعي.
وحول تعريفة للوحدة العربية يقول: " الوحدة العربية قبل كل شئ نضال، ووحدة في النضال، فالوحدة السياسية هي التي تتحقق في النضال، لأن النضال هو الحياة الصحيحة للعرب ..... النضال هو المعبر الصحيح عن الأمة"([93]).
لكن حزب البعث العربي الاشتراكي رفض الوحدة السياسية على المستوى الإقليمي على غرار الوحدة الهاشمية، كما رفض وحدة الهلال الخصيب، أو وحدة سوريا الكبرى، من خلال المشاريع الهاشمية، كما رفض الوحدة العسكرية من خلال دولة تفرض نفسها على الآخرين، كما فعل كل من بسمارك وغالباردي، على أساس أنك لو جمعت أشياء ميتة إلى بعضها البعض فلن تنتج حياة([94])، كما دعا حزب البعث إلى تكوين وحدة اتحادية تستند إلى واقع الفوارق الإقليمية، لكنه أصدر أحكاماً تؤدي إلى زيادة الفوارق الإقليمية وتعمقها من خلال مشروع الوحدة الذي أقرته القيادة القومية عام 1963([95])، كما كان هناك تناقض بين آراء ميشيل عفلق ، وصلاح الدين البيطار، حول الوحدة وآرائهما لم تكن تتضمن أي استراتيجية نحو الوحدة العربية ، فعلى سبيل المثال، قالت صحيفة البعث في العدد الخامس والأربعين في الخامس عشر من أبريل لسنة 1963 : " ليبيا تعد القهقري للمركزية"، حيث كان قد وافق مجلس النواب الليبي على قانون دمج ولايات ليبيا الثلاث: طرابلس، وبرقة، وفزان، معاً في ظل دولة واحدة، حيث رأت هذه الصحيفة ألا يحصل اندماج لتبقى دولة اتحادية ، ويكون لكل ولاية سلطاتها الخاصة، فهي تستنكر توحيد ليبيا واعتبار هذه التوحيد تقهقراً إلى الوراء ([96]) ويقول حول العروبة : " العروبة في أعمق وأصدق معانيها هي النضال في سبيل الحرية"([97]) ، لكن لا يوجد أي تحديد لماهية الحرية ؛ لأنها مفهوم واسع وتختلف من مكان لآخر ،ومن زمن لآخر ، كما أن لكل منظِّر آراءه الخاصة فيها .
كما دعت القيادة القطرية في العراق للعمل من أجل الوحدة العربية على أساس أن ذلك من أهداف البعث وشعاراته، لكنها رأت أن هذا التوحيد لا يجب أن يتم في ظل الحكومات الرجعية التي لا يؤمن بها البعث ، بل بتوحيد المنظمات والهيئات الحزبية في الوطن العربي، ومن ثم يضع مسألة الوحدة كهدف أسمى يسعى لتحقيقه عاجلاً أم آجلاً([98])، ويرد على هذا الرأي بأن جميع التوحدات التي حدثت بين الدول ، لم تصل عملياً إلى وحدة دولها من خلال هذا الرأي، كما أنه لو افترضنا أن كل الحكومات رجعية، فكيف نستطيع إسقاطها ؟ هل بوصول حزب البعث في كل واحدة منها إلى السلطة ؟ وهذا شئ صعب ؛ لأن الظروف التي أتاحت وجود حزب البعث في السلطة في كل من سوريا ، والعراق ليست هي نفسها الظروف الموجودة في كل البلاد العربية ، وعلى هذا فمن المستحيل تحقيق هذا الرأي.
كما يقول ميشيل عفلق حول الوحدة: "نؤمن بالوحدة الديناميكية المنفتحة الهجومية، التي تعرف بأن الزمن قد يكون معاكساً لها وأنها يجب أن تفرض نفسها وأنها مفجرة للقوى"([99])؛ لكن كيف يكون ذلك وما هي الأسس التي تقوم عليها هذه الوحدة، وكيف تجعل الزمن يسير معها، وكيف تفرض نفسها وتفجر قواها ؟ كل هذه الأسئلة لها إجابات غامضة في فكر ميشيل عفلق أو فكر البعث.
وحول تعريف الأمة يقول ميشيل عفلق: " الأمة ليست مجموعاً حسابياً بل فكرة مجسدة في كل أو بعض أفرادها، ولهذا فإن أولئك الذين يجسدون هذه الفكرة يملكون الحق في التحدث باسم الأمة بأسرها"([100]) ، ونتساءل هنا هل البعث وحده هو من يجسد الفكرة القومية، ليمتلك التحدث باسم الأمة العربية كلها ؟ ألا توجد قوى قومية ، أو وطنية تمثل جانباً مهماً من الأمة، لتعبر عن تلك الجوانب ؟.
ويقول أيضاً : " حزبنا هو حزب ثوري عبَّر عن ثوريته في عدة مجالات، ولكن أهم مجال عبَّر فيه عن هذه الثورية هو مجال وحدة التنظيم، كون الحزب ذا تنظيم عربي لا ينحصر في قطر واحد، ويشكل تحدياً لواقع قوى وصعب جداً هو واقع التجزئة"([101]) ، إلا أنه عملياً انتشر التنظيم الناصري المجسد للفكرة القومية التي عبَّرت عنها ثورة 23 يوليو 1952، ومن خلال فلسفة الثورة التي عبَّر عنها عبد الناصر وذلك في مجموعة من الدول العربية، وكان لها تأثير في إسقاط أنظمة الكثير من الدول العربية، كما في اليمن وليبيا، والعراق وغيرها من الدول وعلى ذلك فإن الادعاء بأن هذا الفكر وحده الذي انتشر في الدول العربية ، لا يمكن أن يكون هو الحقيقة الكاملة بل ثمة تنظيمات قومية أخرى كان لها انتشاراً أقوى، كما أن هناك ثمة أيديولوجيات دينية ، أو شيوعية انتشرت هي الأخرى؛ منطلقة من دولة بعينها، مثل حزب الإخوان المسلمين في مصر الذي امتد إلى عدداً من الدول الأخرى خارج مصر، والحزب الشيوعي الذي امتد من روسيا ليصل إلى الكثير من دول العالم.
· آراءه حول الإقليمية والعرقية والطائفية والجمهورية والحزبية
انتقد البعض الممارسات العملية للبعث في قيادته للمجتمع والدولة، على أساس أن سبب انهيار البناء القيمي للحزب هو أن قيادته قد مارست دور رئيس الأسرة ، ووجيه العائلة، وشيخ القبيلة ، الذي لا يعير الاهتمام لتكافؤ الفرص، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، وإنما يتعصب للولاء الشخصي والاستلزام ، والتبعية ويعطيه كل اهتمامه وألوياته ، وبذلك تفككت القيم والروابط النضالية والوحدوية، لصالح القيم التقليدية، واستمرت حلقة التفكك تتوسع تدريجياً([102]).
وما يثبت هذه الأمور قول ميشيل عفلق بأن الإيمان بمبادئ الحزب يجب أن يسبق المعرفة الموضوعية بها، فهو بذلك يشبه قساوسة القرون الوسطى الذين طلبوا من غاليليو أن يستغفر الله على الإثم الذي ارتكبه باعتقادهم ، وهو أن الأرض تدور حول نفسها، كما حثَّ بذلك مريديه أن يثقوا بكل شئ يقوله دون براهين علمية ، أو أرقام بقوله : " إن الأعضاء المخلصين الذين يطيعون القادة"([103])، من هذا المنطلق ترابط أعضاء البعث مع بعضهم البعض ، في مجال تعاملهم مع الآخرين مما نتج عنه العوامل الشخصية والتقليدية التي ميزت أعضاء البعث .
كما يرفض ميشيل عفلق الآخرين الذين يؤمنون بالأيديولوجيات ، والأفكار الأخرى المخالفة للبعث بقوله:
" هل يجوز المقارنة بين هذا النوع الفاسد المبتذل من الناس خصوم البعثيين ذوي النفوس الحقيرة ، والأهداف الشخصية الوضيعة وبيننا نحن حملة الرسالة الخالدة ........ إن القدر الذي حملنا هذه الرسالة، خوَّلنا أيضاً حق الأمر والكلام بقوة، والعمل بقسوة، وانتشالهم من الانتهازيين إلى الحياة الحرة السامية التي يرغبونها"([104]).
فهو يعتبر أن حركة البعث هي المعبر الأول ، والنهائي عن الآخرين وأن كل من ليس في هذه الحركة ، أو يختلف معها هو عدو وانتهازي، وعلى ذلك يقول: " حركتنا أصبحت قدر الأمة العربية في هذا العصر ... حركتنا لا يمكن لأي حركة أن تنافسها ، أو أن تحل محلها" ([105]) ، وعلى ذلك فهو يشبه حركة البعث بنظرية الحق الإلهي ؛ لكنه يستبدل القدر بدل كلمة الإله.
وحول رأيه في القوميات يرى أن القومية العربية المتعصبة كان لها تأثيرها السيئ على القوميات الأخرى مثل الأكراد ، والأشوريين ، والأرمن([106])، كما أن البعث اعتبر الأكراد من أصل عربي، واعتبر تلك القوميات أنها عربية بقوله : "الناطقين بالسريانية من كلدان وأثوريين وسريان" ، مما اعتبره البعض منهم محاولة تهدف إلى تمييع هويتهم القومية وصولاً إلى تعريبهم، والدليل على ذلك رفضه لأي تكتل قومي غير عربي لأي من القوميات الأخرى على الواقع العملي، فقد قال في مادته الحادية عشرة من دستوره، " يجلى عن الوطن العربي كل داع إلى تكتل عنصري يناهض العرب ، أو منضم إليه"([107]). ورغم تعديل هذه المادة في المؤتمر القومي السادس للحزب عام 1963، إلا أنها ظلت موضع إيمان على المستوى العملي ، كما تقول المادة الخامسة عشرة من دستور حزب البعث: "الرابطة القومية هي الرابطة الوحيدة القائمة في الدول العربية، التي تكفل الانسجام بين المواطنين، وأنصارهم في بوتقة واحدة، وتكافح سائر العصبيات المذهبية ، والطائفية ، والقبلية ، والعرقية ، والإقليمية"([108]) ، كما يؤكد ميشيل عفلق ذلك بقوله :
" يعني انتماء عضو البعث العربي أنه قد رفض رفضاً باتاً ونهائياً الأفكار المتناقضة والمخالفة، أي أنه عرف واقتنع بأن العربي في مفهوم البعث لا يمكن أن يكون شيوعياً أممياً، وأن العربي لا يمكن أن يكون إقليمياً، أو طائفياً، أو أن يعمل بوحي عن وحي العروبة نفسها"([109]).
وعلى هذا فإن منظر البعث تتوافق آراءه مع الأيديولوجية البعثية، حول موضوع رفض التمايز العرقي ، والطائفي في المجتمع وأن تتسهم في عضو البعث سمات تختلف عن الآخرين، وعلى هذا يقول حول ذلك:
" أعضاء الحزب يجب أن يكونوا قساة مع أنفسهم وقساة مع الآخرين وأن يتسلحوا بالعلم، وأن يكرسوا أنفسهم كلياً للنشاط الثوري للحزب وعليهم أيضاً أن يعوا أوضاع أمتهم، وأن يخلصوا لقضيتها، وأن يغاروا على حقوقها، وأن يستجيبوا لطموحات الشعب واحتياجاته وسيعرف إخلاصهم وتميزهم من خلال أفعالهم ومن سلوكهم اليومي وحتى من نبرة أصواتهم"([110]).
لكنه من ناحية أخرى يدعو أعضاء الحزب على القسوة مع معارضي الحزب، وتصفيتهم الجسدية فيقول في ذلك :
" العمل القومي القابل للنجاح هو ذلك الذي يستثير الحقد حتى الموت، تجاه أولئك الذين يجسدون فكرة مضادة للقومية، إن من التفاهة بمكان أن يحارب أعضاء الحركة النظريات، ويقولوا لماذا علينا أن نهتم بالأشخاص إن النظرية لا توجد بذاتها لذاتها، بل تتجسد في أشخاص لابد من زوالهم لزوالها" ([111]).
كما يؤكد هذا الرأي بقوله: " إن مقاومة الأفكار الهدامة لا تقتصر على مناقشتها ودحضها، بل تملي تصفية المؤمنين بها، والداعين إليها"([112])، وعلى هذا الأساس يرفض ميشيل عفلق أي أيديولوجيات ، أو أفكار ، أو حركات تناقض تفكيره ، أو أيديولوجيته التي يؤمن بها وهذا يبعده عن أي إيمان بحرية الرأي أو بالديمقراطية التي ينادي بها، ويؤكد ذلك بقوله : " إن الدفاع عن العقدية لا يكون إلا هجوماً"([113])، وهذا ما يفسر موقفه من الأحزاب الأخرى بقوله:
" إن موقفنا من الأحزاب، فنحن لا نرفض فكرة التعاون معها، ولكننا نقيدها بجملة تحفظات وشروط تجعل مجال تطبيقها محصوراً في نطاق بعض الأحزاب دون البعض الآخر ، ومقتصراً على بعض الحالات العامة التي يكون فيها التعاون ضرورة قومية، ونفصِّل ذلك أننا نخرج من نطاق التعاون بين الأحزاب التي تقوم في أساس تشكيلها على ارتباط أجنبي، وعلى فكرة مخالفة للقومية العربية"([114]).
ولكن ما هي محددات التعاون التي يرى فيها البعث، ضرورة قومية لهذه الأحزاب ؟ وما هي المحددات المخالفة للقومية العربية كما يرها البعث ؟ هذه المحددات لم يحددها ميشيل عفلق تحديداً علمياً ، بحيث يمكن التعرف على من يقبل في إطاره من الأحزاب ، أو الحركات التي تساهم في النشاط السياسي في المجتمع ، وإلا ماذا يعني اشتراكه – قبل عام 1963- مع الأحزاب الشيوعية التي تتسم بمعاداتها لأي فكرة قومية ، أو الأحزاب الكردية التي تتسم بدعواتها الانفصالية.
أما عن رأيه في الدين والعلمانية، فقد آثار التيار الديني نحوه، على أساس رأيه القائل ؛ أن الإسلام قد جاء طوراً من أطوار العقلية العربية الراقية، وهذا ما اعتبره التيار الديني وخاصة الإسلامي، ديناً غير سماوي، وغير منزه ؛ لأن العقلية الإنسانية مهما كانت لابد أنها قاصرة، وإن رأي البعث. " إن للعرب رسالة غير الإسلام ، على أساس أن الرسالة الخالدة حسب رأي ميشيل عفلق هي :
" فهم العرب لأنفسهم وإدراكهم لقضايا أمتهم، وتحررهم من الاحتلال الأجنبي، وهي حضارة وقيم معينة يقوم العرب بتبليغها للأمم الأخرى، عندما يبلغون مستوى القدرة، والارتقاء وتبدأ هذه الرسالة من الانقلاب الشامل عندما يبدأ العرب يواجهون مشكلاتهم بجرأة وصدق وصراحة"([115]).
فهذه الرسالة حسب رأي التيار الديني الإسلامي، تخالف رسالة الإسلام تلك الأيديولوجية السائدة في الوطن العربي منذ القرن السادس الميلادي، وحتى الآن والدليل على ذلك حسب رأي هذا التيار قول القرآن الكريم: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله " ، أما أن يطلب العرب الحرية والتقدم والأمن والوحدة فهذه مطالب أية أمة من الأمم، وأن رسالة العرب حسب رأي محمد الغزالي هي : حراسة الفضائل ونشر شعارها ، ومحاصرة الرذائل ، وطي عارها، والالتفاف حول الإيمان بالله وحده، وقمع الإلحاد والعوج، وتسخير قوى الأمة كلها لبلوغ هذه الأهداف الإنسانية، وسوق العدالة للمظلومين والحرية للمضطهدين، واليقين والتقوى للشاكِّين، وتعريف البشر بربهم بعد تحريك مواهبهم الإنسانية، وأن للإسلام فقط الفضل على العرب ؛ لأنه وحدهم وحررهم من العبودية، عندما لم يكونوا شيئاً يذكر في التاريخ، وعبيداً في مستعمرات الروم والفرس([116]).
كما أن قول ميشيل عفلق:
" هذه الأمة التي أفصحت عن نفسها وعن شعورها بالحياة إفصاحاً متعدداً متنوعاً في تشريع حمورابي ، وشعر الجاهلية، ودين محمد، وثقافة عصر المأمون، شعور واحد يهزها في مختلف الأزمان، ولها هدف واحد بالرغم من فترات الانقطاع والانحراف"([117]).
فإن هذا القول ينقص من المستوى القيمي لرسالة الإسلام، لأنه يقارن، رسالة إلهية، أنزلت على الرسول محمد (ص)، مع ثقافات بشرية لكثير من الأمم مثلها، كما لا يمكن مقارنة شريعة الإسلام بشريعة أناس وثنيين مثل حمورابي، أو بثقافة جاهلية من أناس كانوا ذوي عادات سيئة في معظمها، بشريعة القرآن، كما أن طبيعة رسالة الإسلام ترفض التمزق مثلها مثل الطبيعة العربية، وأن للقرآن الفضل الأول في حفظ اللغة العربية وجعلها لغة مقدسة، فهو الذي جعل الحفاظ عليها ديناً([118])، وهو الذي جعلها تنتشر وتحل محل اللغات القبطية ، والفارسية ، والرومانية،والسريانية ، وأصبحت جميع الأجناس البشرية تأتي ؛ لتتلمذ على الذكاء العربي، في مجالات العلوم الإنسانية والفكرية.
كما أن الإسلام لم يعرف مساساً بالأقليات الدينية ؛ فهم في ذمة المسلمين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، على ألا يحاربوا معهم، بل يحميهم المسلمين مقابل ضريبة رمزية تسمى الجزية، وتسقط عن غير القادرين عليها، بل يعطوا من بيت مال المسلمين إن احتاجوا، وبالنسبة للأقليات العرقية من المسلمين فلها ما لكل مسلم عربي من حقوق وواجبات، ولم تولد فكرة الأقليات إلا من خلال عصر القوميات في أوربا، وهي التي صدَّرت هذه المشكلة لتفتيت الوطن العربي، كما أن الرسول محمد (ص) من العرب المستعربة ، وليس من العرب العاربة·، ومن حق أي إنسان أن يستعرب حسب رأي الإسلام ؛ لأن ذلك يدعم كيان الأمة العربية، ويمدها بأساليب البقاء والنماء، حيث أن كثير من العلماء كانوا من المستعربين، وقدَّموا خدمات علمية ، وأدبية ، وسياسية ، وعسكرية أكثر من أقوام ترجع أصولها إلى عدنان أو قحطان، ورغم هذا كله فإن برنامج (دستور) حزب البعث لا يحوي أي ذكر للإسلام ، أو أي إيماء إلى عقائده ، أو شرائعه ، أو ماضيه ، أو حاضره([119]).
وينتقد التيار الإسلامي أيضاً المادة التاسعة من دستور البعث التي تقول: "راية الدولة العربية هي راية الثورة العربية التي انفجرت عام 1916 لتحرير الأمة العربية وتوحيدها"، رغم أن قائد الثورة الشريف حسين، قد أعلن هذه الثورة بناءاً على مبدأ الخيانة ، والغدر على حسب رأي هذا التيار ، وكان مغفلاً ؛ وعمي عن أية توجهات إسلامية سياسية، وكان يريد خلافه عربية بمساعدة الإنكليز إلا أن العروبة الأصلية لا صلة لها بأناس يعشقون الحكم، ويريدونه بسلاح الأجنبي، في حرب لم تخدم سوى الحلفاء ضد العرب ، والمسلمين، كما أن هذه الثورة قد ترتبت عليها اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، والتي قسَّمت بموجبها منطقة الهلال الخصب، وترتب عليها أيضاً وعد بلفور عام 1917، الذي دعا ؛ لإقامة دولة دينية قومية يهودية في فلسطين، وعلى هذا الأساس لا تعتبر هذه الثورة نهضة عربية ؛ لأنها تمت في أحضان الإنكليز وشقت طريقها بسلاحهم([120]).
لكن هذا لا يبرر أن ميشيل عفلق قد ارتفع فوق التناقضات الطائفية ، والدينية ، وبيَّن أثر الإسلام على العرب في دعوته القومية العلمانية فهو على سبيل المثال يقوم : " إن الإسلام بالنسبة إلى العرب، ليس عقيدة أخروية فحسب ولا هو أخلاق مجردة، بل هو مفصح عن شعورهم الكوني، ونظرتهم إلى الحياة، وأقوى تعبير عن وحدة شخصيتهم"([121]) ، كما يقول أيضاً في نفس السياق:
" علاقة الإسلام بالعروبة، ليس كعلاقة أي دين بأية قومية، وسوف يعرف المسيحيون العرب، عندما تستيقظ قوميتهم يقظتها التامة، ويسترجعون طبعهم الأصيل، أن الإسلام هو لهم ثقافة قومية، يجب أن يتشبعوا بها حتى يفهموها ، ويحبوها ، فيحرصوا على الإسلام حرصهم على أثمن شئ في عروبتهم، وإذا كان الواقع لا يزال بعيداً عن هذه الأمنية، فإن على الجيل الجديد من المسيحيين العرب مهمة تحقيقها بجرأة ، وتجرد مضمنين في سبيل ذلك بالكبرياء والمنافع، إذا لا شئ يعادل العروبة، وشرف الانتساب إليها"([122]).
وعلى هذا الأساس يعتبر ميشيل عفلق قد ربط البعث بالإسلام وجعله شيئاً أصيلاً فيه ، رغم عدم تضمن برنامج البعث لإيديولوجية الإسلام ، وهذا ما يعتبر دافعاً للأقليات الدينية في المجتمع العربي إلى الدخول فيه ، بعد أن كانت تتخوف من العروبة ، وقوميتها على أساس أنها تريد التحكم فيهم ، وإخفاء شخصيتهم في بوتقتها، بل لقد زاد ميشيل عفلق من ربط البعث بالإسلام، بقوله إن الرسالة الخالدة هي الإسلام نفسه·، ثم يستدرك ذلك أيضاً، بقوله:
" يفترض الحل البعثي لوحدة العصيات، التمسك بالرسالة الخالدة التي هي الإسلام تمسكاً حضارياً؛ لأن الإسلام بالنسبة للعرب أكثر من دين، أنه قوميتهم وعروبتهم وإنسانيتهم، وأداة حضورهم الأخلاقي وناموس وحدتهم العصبة"([123]).
وعلى ذلك فإن هذا التعبير لابد أنه كان حافزاً لانتشار البعث في الأوساط الشعبية، بنقضه أية عصبيات دينية ، أو إثنية، كما كانت مشاركة ميشيل عفلق في الاحتفالات الدينية الإسلامية كاحتفالات مولد الرسول لها دورها في ذلك ([124])، فيقول حول رسالة الأمة العربية التي نشأت في قلب الأرض العربية:
"إن الأمة التي ظهرت فيها رسالة بحجم رسالة الإسلام، ترفض الخضوع، وترفض التبعية، الفكرية والحضارية، إن لها طريقها الخاص، واشتراكية عربية ..... الأمة التي حملت إلى العالم رسالة الإسلام لا يمكن أن تكون قوميتها سلبية تعصبية عدوانية، فقوميتها في أساسها أخلاقية وإنسانية تحمل مبادئ العدل والمساواة"([125]) .
فهذه القومية الرومانسية قد خدمت وظيفة التكامل بالنسبة للمثقفين من الأقليات الدينية؛ لأنها استبدلت فكرة الأيديولوجية الإسلامية، بالفكرة الإسلامية القومية ذات الطابع العلماني التي تضم كل العرب من جميع الأديان، والذين يشتركون بتراث ثقافي واحد([126])، فعلمانية البعث، لم ترد من الشعب العربي أن ينسى تراثه ، وشخصيته ، وهويته ، ويتنكر لما فيه، بدعوى الالتقاء بين أبناء الشعب في تعددية دينية على الساحتين الوطنية والقومية، كما أن عفلق قد رأى أن للدين دور نضالي في الثورات العربية، وأن العلاقة بين الإسلام والعروبة هي علاقة وثيقة، وأن العروبة هي الجسم ، والإسلام هو الروح، وأن المسيرة الروحية للفكر السياسي العربي، لا تبعده عن العلم والمنهجية، وإنما تقربه منها وتوحده معها([127]).
وبالفعل فالأمة العربية هي أمة العرب بدون تفريق بين عربي وأخر على قاعدة انتمائه الديني ، أو المذهبي، والتاريخ العربي هو تاريخ مفتوح على جميع الإسهامات التي قدمتها المجوعات المنتظمة في سياقه العام، بما في ذلك المجموعات الغير عربية، وإذا كانت ثمة استشعار بخوف من اضطهاد، أو ذوبان لدى جماعة في مرحلة تاريخية ما، فذلك يعود إلى سوء التصرف في المعاملة الخاصة بسلطة متعسفة([128]) ، أما عن رأيه في العلمانية فيقول:
" تعتبر حركتنا بموقفها الإيجابي من الدين ... أعطت الدين بصورة عامة كدين له دوره المشروع في حياة البشر وتاريخهم وتطورهم ، وأعطت الإسلام الدين العربي، الدين الإنساني، أعطته المكانة الأساسية في تكوين قوميتنا.... الأيديولوجيا التي تفصل العقيدة الدينية عن العقيدة القومية ، والثورة القومية، بكل متطلباتها، هذا شئ مجزأ ، وسطحي ، ولن يحرك كل القوى المبدعة في أمتنا وسرعان ما يتحول إلى تقليد واندفاع، إلى غوغائية ونفعية ... واقعنا هو العلاقة بين العروبة والإسلام، أما العلمانية فهي الدستور ، والقوانين، يجب ألا نميز مذهباً على آخر في القبول للوظائف"([129]).
فالعلمانية في فكر ميشيل عفلق ليست تحييد الدين والتجرد من أحكامه، التي ترتفع بالإنسان نمو الكمال، لكنها تعني أن لا يتدخل الدين في سياسة الدولة الإدارية والوظيفية؛ لأن السياسة تتغير بتغير الأحوال والظروف ، وتعتمد في كثير من الأحيان على أشياء لا تمت للدين بأي صلة، فتحييد الدين وجعله يسير في طريقه الخاص، وأن تسير السياسة في طريقها الخاص، يحافظ على الدين، ويحافظ على القوانين، ويؤكد ذلك بقوله: "نؤمن بأن الجماهير الكبيرة الواسعة هي القادرة على إحداث التغييرات التاريخية الحاسمة وليست الأقليات المثقفة مهما يكن شأن تفوقها الفكري والثقافي"([130]).
ورغم كل ذلك فإن رأي ميشيل عفلق حول رسالة الأمة العربية يتسم بالتناقض في كثير من المواضع فمثلاً يقول: "أما الرسالة الخالدة فالقصد منها أن هذه الأمة لا تعترف بواقعها السيئ، وموقفها المنفعل ولا تتنازل عن مرتبتها الأصيلة بين الأمم، بل تصرّ على أنها لا تزال هي في جوهرها"([131]) ، وهذا ما جعل الكثيرين ينقدون فكرة الرسالة الخالدة التي قال عنها ميشيل عفلق في أيديولوجيته وآراءه وفكره.
وقد انتقد ميشيل عفلق في فكره البعثي النزاعات الإقليمية في مصر، وتوجه المسيحيين في لبنان لمسيحيتهم ، ومحاولتهم مكافحة الفكرة العربية، بحجة أن العروبة معناها سيادة ، وسيطرة الإسلام كدين ، وتشريع ، وتقاليد ، وحضارة، وانتقد دعاة التعصب في القومية العربية أو الكردية، فيقول في ذلك.
"القومية المغلقة المتعصبة أكبر خطر علينا لأنها تغذي الفروق بدلاً من القضاء عليها... ووجد دوماً من صور العروبة بأنها مقتصرة على نوع معين، وعدد معين من الناس ، وأنها تفاخر ، واستعلاء على الآخرين، وطبيعي أن يحدث هذا رد فعل، وأن تشعر الأقليات العنصرية بأنها مهددة بوجودها أمام مثل هذه القوى، لذلك كان هناك رد فعل على القومية المتعصبة من الأكراد ، والآشورية ، والأرمن ورد فعل ديني ومذهبي ، إن القومية الإسلامية ، والدعوات الطائفية الأخرى كان مصيرها الفشل كما كان مصير القومية الطاغية المتعصبة، نحن عندما ننادي بالمساواة الاقتصادية ، وبتكافؤ الفرص، إننا سلمنا قضية البلاد لأصحابها الحقيقيين، وهم أفراد الشعب، وهم في حقيقتهم شيء واحد لا فرق بين مسلم ، ومسيحي ، وعربي ،وكردي ، ويزيدي .." ([132]).
ويستطرد ذلك بقوله :
"واجبنا أن نشرح للبنانيين الانعزاليين بأن العروبة التي نعمل لها ؛ تمنع الضغط الديني، وسيطرة طائفة دينية على أخرى، إنهم يتهربون من العروبة، وهي مرادفة في نظرهم للإسلام؛ لأنها في نظرهم لا تسمح بتكوين مجتمع يحفظ حرية الفرد ، ويساير التطور الحديث في العالم... الأكراد ظلوا مئات السنين يعيشون مع العرب ويحاربون ويستبسلون في الدفاع عن الأرض العربية، وأفراد الشعب من الأكراد ماذا يريدون، وأي شيء يطمحون إليه أكثر من أن يعيشوا حياة كريمة سعيدة، وأن يكون لهم ما للجميع وعليهم ما على الجميع ؛ باستثناء بعض الزعماء الذين لهم مصالح أقطاعية، أفراد الشعب هؤلاء لا يريدون أكثر مما يريده العرب أنفسهم........ لا أحد يمنع الأكراد أن يتعلموا لغتهم شريطة أن يكونوا خاضعين لقوانين الدولة, ولا يشكلون خطراً على الدولة، والطوائف المسيحية مثلاً لا يوجد ما يمنعها من ممارسة شعارها الدينية ، ومن الثقافة المسيحية ضمن هذه الثقافة العربية العامة، فمفهومنا بعيد جداً عن مفهوم القومية النازية التي تؤمن بأن هناك عرقاً مفضلاً، وله مميزات خاصة يجب أن يتطهر من كل شئ، وبالتالي أن يضطهد كل من لا تتوفر له الشروط من حيث النسب ،والعادات المعينة... فالعروبة هي إنسانية ونحن نفهم من قومينا العربية ؛ بأنها الإنسانية الصحيحة، وبأنها تقديس للقوميات الآخرى ، فنقدس هذا الشعور عند كل شعب آخر... أن نظهر للبربر الذين يتحفظون تجاه القومية العربية؛ بأنها عين ما يطمحون إليه، وأنها حريتهم وحياتهم وازدهارهم، وأنها القوة الحقيقية، وأنهم لن يكونوا فئة قليلة، وبأنهم سيكونون جزءاً من أمة واسعة منتشرة في الشرق والغرب، وهذا أضمن لقوتهم وسعادتهم" ([133]).
ويرى ميشيل عفلق أن التناقض بين العرب والكرد هو تناقض ليس بين قوميتين ، بل تناقض بين طبقة مستغلة تستغل الأكراد ، أو لصالح نفسها في مقاومة القومية العربية التي تنظر بتعاطف واحترام لكل القوميات الأخرى وفي ذلك يقول:
" القومية العربية هي قومية إنسانية تنظر بحب وتعاطف واحترام لكل القوميات، وخاصة لتلك القوميات التي شاركت العرب بالمصير قروناً ، وأجيالاً وجمعتها بالعرب حضارة واحدة ، وتراث روحي واحد........ إن المشكلة بين العرب ، والأكراد هي ليست بين قوميتين ، بل المشكلة هي بين أناس تقدميين منفتحين على روح العصر وهم أعداء الإقطاع ، والعنصرية، وبين شخصيات عنصرية إقطاعية تحاول استثمار القومية الكردية لصالح نفسها، وإن من الأجدر لهذه القيادات أن تتطوع لقتال أعداء الأمة ، وهم الصهاينة في فلسطين، وأن ما يثيرونه من توترات هو جزء من حرب الإمبريالية ، والصهيونية ضد العرب ، وأن هذه المشاكل دخلت بدخول الاستعمار الغربي الداعي إلى التفرقة بين الأخوة، وإننا رغم ذلك مستعدون ومنفتحون دائماً أمام من يرجع عن الخطأ"([134]).
ويرى أنه لحل مشكلة القوميات هو في التآخي بين جميع فئات الشعب، وعدم ترك ثغرات ينفذ منها الآخرون لتفريق الشعب عن بعضه، لكنه لا يحدد ما هي محددات هذا الحل وكيف تستطيع تحقيق ذلك ؟ ، فيقول في ذلك:
" إن المنطق لحل مشكلة الأقليات هو منطق واحد لا يتغير هو إنسانية قوميتنا العربية، المنطق بأن قوميتنا ليست هي القومية المتعصبة، ليست هي القومية الضيقة، ليست هي القومية المستعلية ، والهادفة إلى التوسع، وإلى استعباد الآخرين ..... مصلحتنا هي في التآخي وليست في إبقاء عوامل وأسباب للتنافر الداخلي، ولترك ثغرات يستغلها الأعداء في داخل بنياننا القومي، الإشارة إلى الفروق تعني أن كل قطر لابد أن يأخذ بعين الاعتبار واقعة الحي ، ويحاول أن يجد الحل الملائم ليس هناك شئ جاهر يطابق حرفياً في كل مكان"([135]).
مما سبق نجد أن ميشيل عفلق يحاول من خلال فكرة أن يصوغ فكرة القومية العربية التي تتناسب مع الأيديولوجيات الدينية ، والعرقية لجميع الفئات في الوطن العربي، بحيث يجعل هذه الأيديولوجية البعثية هي وحدها القادرة على قيادة مجتمع ذو قوميات وطوائف متعددة.
كما يحارب ميشيل عفلق في فكرة، كل الأفكار الشيوعية ، أو اللادينية، الداعية إلى الإلحاد، وإبعاد الدين عن حياة الأمة، فيقول في ذلك:
" نحن لا نرضى عن الإلحاد ولا نشجع الإلحاد، ونعتبر الإلحاد موقفاً زائفاً في الحياة، موقفاً باطلاً وضاراً، وكاذباً، إذ أن الحياة معناها الإيمان والملحد كاذب، أنه يقول: شيئاً ويعتقد شيئاً أخر، أنه مؤمن بشئ مؤمن ببعض القيم، ولكننا ننظر للإلحاد كظاهرة مرضية، يجب أن تعرف أسبابها لتداوي، ولا ننظر إليها كشر يجب أن يعاقب؛ لأن ذلك لا يخفف الإلحاد بل يزيده، فعندما نبحث عن الأسباب، نستطيع أن نزيل الإلحاد"([136]).
إلا أن ميشيل عفلق يرفض ما يدَّعيه رجعية دينية، ويرى أنها تحاول إيقاف عجلة التطور في المجتمع العربي، ويرى أنه من الضروري مقاومتها؛ لأنها تشوه المجتمع وخطر على الدين نفسه، لكنه مع ذلك لا يضع أي محددات لتلك الفئات المجتمعية، التي يعتبرها رجعية، وما هو معيار متاجرتها بالدين ووقوفها في وجه التحرر وتدخلها في المجتمع، وعلى ذلك يقول:
" الرجعية الدينية تؤلف مع الرجعية الاجتماعية معسكراً واحداً ؛ يدافع عن مصالح واحدة، وأنها أكبر خطر يهدد الدين، إن هذه الرجعية التي تحمل لواء الدين في يومنا هذا ، وتتاجر به ، وتستغله ، وتحارب كل تحرر باسمه ، وتدخله في كل صغيرة ، وكبيرة لكي يعتق الانطلاقة الجديدة، هي أكبر خطر على الدين ، وهي التي تهدم مجتمعنا ، وتشوهه، فلو لم نكن نحن ولو لم تكن حركتنا موجودة لتهدد المجتمع العربي ، إذ أننا بمقاومتنا الرجعية الدينية بدون اعتدال وبدون مسايرة وبمواقفنا الجريئة المؤمنة لها، ننفذ مجتمعنا العربي من تشويه الإلحاد ....... المناضل البعثي يجب أن تتوافر فيه شروط صعبة جداً، وتكاد تكون متناقضة، فهو حرب على كل تدجيل باسم الدين والتستر وراءه ؛ لمنع التطور ، والتحرر ، والإبقاء على الأوضاع الفاسدة ، والتأخر الاجتماعي، ولكنه في الوقت نفسه يعرف حقيقة الدين، وحقيقة النفس الإنسانية التي هي إيجابية قائمة على الإيجاب لا تطيق الإنكار والجمود ........ على المناضل البعثي عندما يحارب الرجعية ويصمد أمام هجماتها ، وافتراءاتها ، وتهيجاتها ، وإثارتها، أن يتذكر دوماً أنه مؤمن بالقيم الإيجابية ، والقيم الروحية ، وأنه عندما يساير جمهور الشعب ، ويتصرف تصرفاً حكيماً معه، دون أن يجرح عواطفه لكي ينقله تدريجياً إلى مستوى الوعي اللازم ، عليه أن يتذكر أنه رجل ثائر متحرر لا يقبل لنفسه ولا لأمته مستواً رجعياً رخيصاً من الاعتقاد ، ولا صورة مشوهة للعقيدة الروحية، وأن مسايرته للشعب ليست إلا وسيلة مؤقتة للعقيدة الروحية لكي تهيئه ؛ لأن يفهم الأمور الصعبة ، إن ثقة البعثي بالإنسان عامة وبالإنسان العربي خاصة، يجب أن تغريه دوماً بالمزيد من الجرأة في مكافحة المعتقدات الخاطئة الجامدة"([137]).
· آراءه حول الانقلاب ، والوحدة العربية ، والقيادة القومية:
يختلف مفهوم الانقلاب في فكر ميشيل عفلق عن الانقلاب الذي تقوم به بعض الأوساط العسكرية ضد نظام الدولة؛ لأنه يعتبر الانقلاب ثورة نضالية من أجل مصلحة الأمة وتحقيق مصالح الشعب، وعلى ذلك يقول:
" الطريقة المميزة للبعث لتحقيق أهدافه هي الانقلاب على الدولة .. الانقلاب ظاهرة روحية وثورة في القيم العربية، وفي طريقة تفكير العرب وهو علاج الأمة قبل علاج الدولة، لأن الدولة جسداً بلا روح .... الأمة على الرغم من تخلفها تمتلك الحقيقة، وهذه الحقيقة تعبر عن نفسها مهما كانت قوة الوقائع الراهنة، والانقلاب هو هذا التعبير أنه الشهادة على وجود الأمة ..... التعبير العملي عن فكرة الانقلاب هو النضال؛ وما نعنيه بالنضال هو استرداد الأمة بعد سبات طويل لتوقها إلى الصراع مع الحياة والمصير، إن نظرتها إلى الوجود عميقة وبطولية، وهي تنظر إلى قيمة الجهد قبل النظر إلى ما يثمره الجهد"([138]).
ثم يقول حول الانقلاب في فكر البعث موضحاً بعض المحددات التي تجعل من حركة البعث انقلاباً فيقول:
" الانقلاب في فكر البعث يعني:
1- ثورية المرحلة وعقم الاعتماد على التطور والإصلاح الجزئي.
2- واقعية الثورة وطابعها الاقتصادي، واعتمادها على جماهير الشعب.
3- وحدة الأهداف الثورية، وتفاعلها، والتأثير المتبادل للنضال التحرري ، والنضال الاشتراكي ، والنضال الوحدوي.
4- مشمولية القضية، وترابط مصلحة الشعب العربي في جميع أقطاره وضرورة توحيد نضاله.
5- الحرية كأعمق أساس وواقع ، واعتبار الأمة مسرحاً لتحقيق القيم الإنسانية"([139]).
وعلى هذا الأساس فالانقلاب في فكر البعث هو نفسه الثورة في الحزب الشيوعي، تلك التي تحقق للشعب كل أهدافه، مع إضافة الجانب القومي إلى الجانب الشعبي، ويؤكد ذلك بقوله :
" إن حركتنا عربية انقلابية ..... إن انقلابيتنا تنبع من صلتنا القومية بفقر الواقع ، وقساوته ، وضرورة تبديله، والقيام بانقلاب يرجع إلى الأمة حقيقتها ، ويظهر كفاءتها الحقيقية، وروحها وأخلاقها ...... الشروط اللازمة للحركة الانقلابية، تقوم على الوعي أولاً، وعلى الشعور بالمسؤولية ثانياً، وعلى الإيمان أخيراً ....... إن زمن الحركة الانقلابية يرجع آخر الأمر إلى نشاطها ، وإلى صدقها وجديتها"([140]).
لكن هذا القول لا يحتوي محددات علمية يمكن أن نرتكز عليها ؛ لتبيان ماهية هذا الانقلاب، وكيفية قدرته على تحقيق أهداف الأمة، وإظهار كفاءتها، وروحها وأخلاقها، وبالنسبة للوعي والشعور بالمسؤولية، والإيمان، فهي مسائل نسبية، يجب أن تحدد وفق منطق علمي وليس من خلال تركها سائرة بحركة عشوائية، كما أن هذا الانقلاب الذي يريده عفلق يتسم بأنه يرفض أي إصلاح للمجتمع من الحكومات السابقة ، فرؤيته أن المجتمع يجب أن يبنى من الصفر بحسب رؤية البعث ، فيها شيء من الطوباوية والبعد عن النظرة البعيدة ، وهذه مما سببت للبعث الانكسارات والهزائم المتوالية كما سنرى في الفصول القادمة([141]) .
وكل هذه الأمور جعلت بعض البحاث يرى أن سيطرة البعث على الدولة تشبه سيطرة الأحزاب الشيوعية مستعملاً كلمة القوميين الكادحين بدلاً من البروليتاريا، حيث يقول لينين:
" لكي تكسب البروليتاريا غالبية السكان إلى صفها، فإن عليها في المقام الأول أن تطيح بالبرجوازية، وأن تستولي على سلطة الدولة، وتسحق تماماً جهاز الدولة القديم، وعندما تصبح سلطة الدولة ، بيد طبقة واحدة هي البروليتاريا التي عليها أن تصبح أداة لكسب الجماهير من الأحزاب البرجوازية ، والبرجوازية الصغيرة"([142]).
كما يؤكد ليبين في نفس السياق أن سيطرة أقلية من طليعة البروليتاريا المؤمنين بها وبحقها لابد أنه سيقود حتماً إلى كسبها للأغلبية من السكان؛ لأن البروليتاريا حسب رأيه، تهيمن اقتصادياً على مركز وعصب النظام الاقتصادي للطبقات الأخرى([143]).
وما يؤكد هذا القول أن ميشيل عفلق يرى أن الحفاظ على سيطرة الحزب على الدولة يكون من خلال القوة العسكرية نفسها، وزيادة التشكيلات العسكرية للحزب وفي ذلك يقول: "لقد نظمنا الشبيبة في حلقات وفروع وقومندوسات"([144]) وذلك بغية إيصال الحزب إلى السلطة، حيث كان للبعث تشكيلات سرية بجانب تشكيلاته العلنية، ويقول أيضاً :
" وهذا الجيل لا يزال في دور النشوء والتهيؤ، لم يتسلم السلطة، ولم يصل بعد إلى مرحلة التحقيق، وسيبقى زمناً طويلاً إذا فهم حقيقة مهمته، في دور النضال، والنضال يسمح له، بل يشترط عليه أن يكون متشدداً في مطالبه، دقيقاً في الحافظ على مبادئه، مبتعداً عن كل تساهل تقضي به السياسة ويبرره استعمال النجاح" ([145]).
ورغم ذلك فقد أيد عفلق بعض الانقلابات العسكرية التي حدثت في سوريا مثل انقلاب المشير حسني الزعيم عام 1949 حيث قال حول ذلك الانقلاب : " الشعب العربي في سوريا ، وفي جميع أقطار العروبة ، لا يقنع من الانقلاب بأن يكون نهاية عهد أسود فحسب ، بل يريد أن يجد فيه نقطة انطلاق نحو الحياة الحرة المنتجة القوية"، فالغاية تبرر الوسيلة في تحقيق الأهداف بحسب فكر ميشيل عفلق، على اعتبار أن الغاية هي تحقيق أهداف البعث التي هي نفسها برأيه أهداف الأمة ، بغض النظر عن الشكل الذي تتحقق به سواءاً كان انقلاباً له أم لغيره ، فالمهم أن يحقق أهدافه.
أما عن رأيه حول الوحدة العربية، فقد أيد البعث منذ نشأته المشاريع الوحدوية العربية على المستوى الإقليمي – كمشروع سوريا الكبرى ، أو الهلال الخصب، وهاجم سياسة النظام السوري، لمحاربة ، أو عدم الموافقة على هذين المشروعين، ورأى أن الرجعية العربية ممثلة في نظام الملك فاروق في مصر ، والملك عبد العزيز في السعودية، هي التي تقف وراء عدم وحدة سوريا الكبرى ، أو الهلال الخصب([146]) ، لكنه ما لبث بعد ذلك أن شعر بأن سيره في اتجاه المشاريع الهاشمية سيعرضه للعزلة السياسية؛ بسبب عدم تبني النظام السوري لهذه المشاريع فغيَّر اتجاهه منذ عام 1945، وأصبح يعارض هذه المشاريع، إلا أنه استمر في دعوته لوحدة سوريا ، والعراق بشرط إلغاء المعاهدة البريطانية العراقية لعام 1930، تلك التي تحقق مصالح بريطانيا في العراق.
وأصبح يؤكد أيضاً على ضرورة الوحدة العربية الشاملة، فيقول ميشيل عفلق في ذلك :
" العمل للوحدة أمر ضروري طبيعي بالنسبة للعرب الضمان مستقبلهم، كذلك العمل في سبيل الحرية أيضاً؛ لأنه لا قيمة للوحدة إذا لم تضم شعباً حراً واعياً لحقوقه قادراً على ممارستها، والاشتراكية هي أن يكون في هذه الوحدة شعب حر منتج قادر على الحياة، وتكون لأفراده فرص متكافئة فتظهر قواه وإمكانياته دون عرقلة مصطنعة تفرضه طبقة على أخرى ، أو استثمار داخلي عندما يعطي العرب طاقاتهم القصوى، ويكون مجتمعهم قادراً على البقاء ، والدفاع عن النفس، وهذه الأهداف لا تتعارض مع بعضها"([147]).
وندد عفلق بالأنظمة السورية التي عجزت عن تحقيق الوحدة العربية واعتبرها قطرية ، وضد مصالح الأمة العربية ، فيقول في ذلك:
"القيادة القديمة التي أولاها الشعب ثقته ؛ عجزت عن مجاراة الشعب في تحقيق أهدافه في الوحدة العربية الكبرى ، واعتمادها القطرية في عملها، وابتعدت عن الشعب، وانتشر الفساد في أجهزتها الإدارية.. وسوريا سبقت غيرها من الأقطار العربية في الاستقلال، يجب أن تتحمل مسؤوليتها في المساهمة في تحقيق استقلال البلاد العربية، وتحقيق حكم دستوري يساهم في تقدم الأمة ..... والبعث هو أمل الأمة في تحقيق أهدافها"([148]).
لكن لم يبين ميشيل عفلق عن الأشياء التي جعلت هذه القيادة لا تستطيع تحقيق هذه الأهداف، وما هي الظروف الدولية والمشاكل الداخلية رغم أن الكثير من القادة السياسيين السوريين كانوا يسعون للوحدة مع العراق ، أو الأردن، ولم يخل حزب سوري من الدعوة للوحدة العربية، أو التعاون مع الدول العربية، كما أن البعث نفسه وقف موقفاً معارضاً في كثير من المرات للوحدة السورية مع العراق ، أو الأردن في ظل الحكم الهاشمي فيهما، ولم يرى أن الأنظمة تتغير والقيادات تتغير، بينما الشعب يبقى ، أما المعاهدات فهي سبيلها إلى الزوال مهما طال أمدها، وبالفعل لم تبق معاهدة بين الدول العربية وكلا الدولتين فرنسا ، أو بريطانيا إلا وانتهت بما في ذلك المعاهدات البريطانية مع مشيخات الخليج، تلك المنطقة التي كانت تعتبرها بريطانيا حيوية بالنسبة إليها، ويعتبرها ميشيل عفلق من أنظمة الدول العربية الرجعية ، والمهادنة للاستعمار ، وضد جماهير الشعب العربي، وأنها طبقية([149])، لكن رغم ذلك، انتهت علاقتها مع بريطانيا كما انتهت المعاهدات التي تربط دول المغرب العربي ، والأردن مع فرنسا ، أو بريطانيا .
ولم يرى ميشيل عفلق أن الدول العربية ذات أنظمة سياسية متعددة، ولكل نظام فلسفته ، فلا يمكن أن تتحقق وحدة البلاد العربية وفق الشروط التاريخية الموجودة، إلا على أساس فيدرالي، تتوحد فيه أشياء، وتحترم في داخله أشياء أخرى، كما في دول المغرب العربي، أو دول الخليج ، أو وادي النيل، أو الهلال الخصب، فعلى سبيل المثال يقول ميشيل عفلق حول السودان ذلك القطر العربي المتعدد الأديان والقوميات: "العروبة السودانية هي الإسلام في جوهره"([150])، وهذا أمر لا يتفق عليه الكثير من السودانيين من غير العرب ، أو من غير المسلمين، ولعل المشاكل الحاصلة الآن في السودان أكبر مثال على ذلك، ثم أنه يرفض في مواضع أخرى القبول بقوميات أخرى ، أو بلغات أخرى داخل الوطن العربي الكبير، الذي يتميز قسماً مهماً منه بالفوارق القومية ، واللغوية، فيقول في ذلك: "إن لهذه البلاد في شرقها ، وغربها اسماً واحداً ، ولغة واحدة ، وقومية واحدة"([151]).
ومعيار الرجعية في النظام السياسي عند ميشيل عفلق هو عدم مشاركة الجماهير الشعبية في الحكم، وعدم السير في طريق الوحدة العربية ؛ لأن ذلك برأيه يبعد النظام عن كل طابع ثوري، ويجعله طبقياً، وإقليمياً([152])، كما أنه يرفض انفرادية أي حزب ، أو نظام في الحكم، لكن كل هذه الآراء تناقض آراءه السابقة التي يرى فيها حزب البعث أن البعثيون هم الممثلين للأمة ، وللجماهير وهم الطليعة الثورية، رغم أن قادة الحزب أنفسهم طالبوا عبد الناصر في عهد الوحدة بإنشاء لجنة سرية محدودة العدد يمارس من خلالها البعث حكم سوريا([153])، كما أن اثنين من قادة البعث وقعوا على وثيقة الانفصال عام 1961 وهما صلاح الدين البيطار وأكرم الحوراني ، وقال حول ذلك ميشيل عفلق : " الانفصال شر لابد منه"([154]).
كما يعارض ميشيل عفلق ميثاق الجامعة العربية ويعتبره كارثياً على الأمة العربية، ولعله في هذه الناحية محق في ذلك ؛ لأن ميثاق الجامعة ليس فيه أية إيماءات لتحقيق وحدة عربية، على المستوى السياسي ، أو الاقتصادي ، أو الاجتماعي ، فيقول في ذلك:
" إن التعاون الذي حققه ميثاق الجامعة العربية هو تعاون قاصر ، قد يتحقق مثله بين دول غريبة متباينة في اللغة ، والعنصر ، والتاريخ ، وبعيدة عن بعضها في الإقليم والقارة، فالميثاق في مجموعه إقرار لحالة التجزئة الراهنة في العالم العربي، وتوكيد للنزعات الشخصية في الفئات الحاكمة، وإذعان من دول الجامعة لسياسية الأمر الواقع، الذي سهَّل عليها التراجع أمام مطامع الأجنبي ضد بعض أجزاء الوطن العربي"([155]).
أما عن رأيه في القيادة القومية للحزب، فيقول عنها:
" القيادة القومية: هي التعبير العملي لنظام الحزب عن هذه الوحدة، وبالتالي عن ثورية الحزب، وهي تعني وجود عدد من القادة من أقطار مختلفة حسب مؤهلاتهم وثقة المؤتمرات بهم وتنتخبهم المؤتمرات ويقودون الحزب، وعندما يصل الحزب في قطر ، أو أكثر إلى مستوى الاشتراك في الحكم ، أو استلام الحكم كاملاً، تصل القيادات القطرية في هذه الأقطار إلى حد من القوة يغريها بألا تخضع لأي سلطة فوقها ، والحل في ذلك هو نظري فقط، لكي تكون القيادة القومية هي صاحبة السلطة العليا فعلياً يجب أن يكون وعي القاعدة الحزبية في أعلى مستوى ، وسهرها على سير الحزب ، والتزامها بمبادئه ، ونظامه فائقاً "([156]).
لكن هذا الحل النظري الذي يراه ميشيل عفلق ليس واقعياً ، ولا يمكن أن يحدث تحت أي ظروف؛ لأن نسبه الوعي هي مسألة نسبية، كما أن المصالح الشخصية لها دور كبير في المجتمعات المتخلفة ، ومنها المجتمعات العربية فعلى سبيل المثال يرى ساطع الحصري أن بعض القادة البعثيين عندما وصلوا إلى بعض الوزارات في الحكومات السورية قبل الوحدة، كانوا يستخدمون المحسوبية ، والوساطة لمن ينتمون إلى الحزب، وهذا ما يشجع بعض الانتهازيين ممن لا يؤمنون بمبادئ الحزب إلى الانتساب إليه([157])، فما بالنا لو وصل الحزب إلى السلطة في بعض الأقطار ، فسيزداد عدد الانتهازيين بشكل أكبر، وسيقفون ضد القرارات التي تعيق مصالحهم حتى لو كانت نابعة من القيادة القومية؛ لأن القوة العسكرية والسلطوية في أيديهم.
وما يؤكد هذه الحقيقة قول أحد قادة الحزب وهو شبلي العسيمي عند انعقاد المؤتمر الخامس للحزب عام 1962: " لقد كان عدد الذين انضموا إلى الحزب قليلاً، ولكننا أخذنا ننمو رويداً،وكان علي صالح السعدي عضواً في القيادة القطرية، وكذلك حمدي عبد المجيد وأنا وحمود الشوفي، ووليد طالب وفي عام 1963 كان عددنا حوالي 400 عضو"([158]).
من خلال تتبعنا لعرض وتحليل أيديولوجية حزب البعث وفكر مؤسسة الرئيسي ميشيل عفلق، حول عدد من القضايا التي تهم المجتمع العربي عموماً، والمجتمع العراقي خصوصاً، والذي هو موضوع الدراسة، نجد أنه لا يوجد في نظرية البعث طريق عمل ، أو استراتيجية واضحة المعالم، فاشتراك البعث في عدد من الحكومات اليمينية التي وصلت إلى الحكم من خلال الانقلابات العسكرية، واعتماده على الضغط من خلال المؤسسة العسكرية، لتحقيق الكثير من أهدافه، يبعده عن الشعبية، كما تميز فكر مؤسسه ميشيل عفلق بالضبابية في تعريفاته لكثير من الأمور ، وعدم وجود محددات علمية لأي مفهوم ، فعلى سبيل المثال لا الحصر لم يقدم ميشيل عفلق تعريفاً للأمة ، وللقومية له صفة العلمية، ولم يرصد تاريخ نضالها حسب المنهج الثوري السليم، ولم يجب عن سؤال كيف يبدأ النضال العربي من أجل الوحدة ؟ فيقول حول تعريف الأمة العربية: " هي كلية مطلقة لا متناهية، خالدة ، أفعالها ليست أفعال تاريخية عادية، ولكنها معجزات"([159]). وفي تعريف خصائص هذه الأمة يقول: " هي خصائص فوق الزمان ، والمكان ، وهي التي توجه التاريخ"([160]) ، كما أن الكثير من أفكاره تعتبر مجردات ميتافيزيقية لا تنطلق من الواقع والروح العلمية، من خلال تعريفاته للقدر ، والخلود ، والاشتراكية ، وكلمة السر ، والفرد، فعلى سبيل المثال يقول: " ليس بيننا ، وبين المستقبل الذي يتحدث عنه البعث العربي والذي هو موضوع عملنا ونضالنا زمن حسابي يقدر بالأشهر والسنين، فقد يصل المرء إلى هذا المستقبل في ثانية واحدة، عندما يدرك الفرد ذاته المثالية ويعي ويصمم"([161])، فلا يمكن أن يفهم المرء أي شيء من هذا الكلام.
3-بعض المنطلقات النظرية في حزب البعث
تقول إحدى المنطلقات "إن أيديولوجية حزبنا ترفض ، بلا تردد وبحزم الآراء الإصلاحية الانتهازية التي تروج لتدرج بطيء طويل للتغيير الاجتماعي ... إن الأيديولوجية الثورية هي الحل الطبيعي والوحيد لمشاكل بلد متخلف" ، وعلى هذا فالمنطلقات النظرية تؤكد فكرة الانقلاب الشامل ، وعدم إتاحة المجال للإصلاحيين ، على أساس أن آراءهم غير جديرة بتحقيق التقدم .
وتقول منطلقات أخرى :
" وفي الظروف الراهنة ... يجب نقل السلطة من الطبقات البرجوازية إلى الطبقات الكادحة، ولهذا يجب تخطي( البرلمانية) باعتبارها أحد أشكال سيطرة تلك الطبقات على الجماهير الشعبية...... إن تخطي (البرلمانية ) لايعني الانتقال إلى أشكال للحكم ديكتاتورية أو فردية بيروقراطية أو عسكرية ، بل يعني زوال الإطار البرجوازي شبه الإقطاعي للديموقراطية والانتقال إلى ديمقراطية أوسع وأعمق وأمتن وأسلم هي الديمقراطية الشعبية"([162]).
وعلى هذا فيرفض البعث القبول بالمجالس الشعبية البرلمانية ، رغم أنها ستمثل جميع أطياف المجتمع ، فهو يعتبرها إحدى الأشكال التي تحاول استغلال طبقات المجتمع لصالحها ، وأنه هو فقط المعبر عن الشعب ، وهنا يتشابه هذا الرأي مع رأي الماركسيين ، الذين يرون أن الحزب الطليعي الشيوعي هو المعبر الوحيد عن الشعب .
وتستطرد بعض المنطلقات النظرية للحزب في آراءها حول الحكم في الدولة بقولها :
" إما أن نعيش نحن أو تعيش الرجعية ، وكل تسوية وسط أكذوبة أو خدعة نتيجتها إنقاذ الرجعية ...... إن مبدأ (الحزب القائد) أصبح أمراً تمليه الضرورة المرحلية لوجود سلطة مركزية ثابتة تقود عملية البناء الاشتراكي..... الممارسة العملية للديمقراطية تقتضي نبذ مبدأ إبعاد الجيش عن السياسة ... بل إن فكرة الجيش المحترف هي بالأساس مبدأ الرجعية والبرجوازية في الحكم "([163]).
وبناءاً على ذلك يرفض البعث إشراك الآخر في السلطة ، ولا يحدد مؤشرات الرجعية عنده تلك التي يعتبرها لا توافق أهدافه ، وأن وجود البعث كحزب قائد في المجتمع هو شئ ضروري من أجل تقدم المجتمع من خلال الاشتراكية ،وتحقيق أهدافه ، مع ضرورة إشراك الجيش بالسياسة ، وأن يكون هذا الجيش هو جيش تابع للحزب، والبعث يعلم أن تدخل الجيش في السياسة كان له أثره السيئ ، في القضاء على الحكومات المدنية ؛ بسبب ما قام به من انقلابات عسكرية في سوريا ، والعراق .
كما أن إحجام البعث من خلال أيديولوجيته وأفكار مؤسسه ومنطلقاته النظرية ، عن تحليل العوامل الطائفية ، والعرفية ، والشعائرية ، والطبقية ، والحزبية، والجهوية تحليلاً علمياً، للوصول إلى حل لمشكلاتها، قد قاد الحزب إلى مشكلات مستقبلية في الدول التي وصل إليها البعث؛ لأن هذه الرواسب هي من رواسب المجتمع التقليدي، الذي يعيق الشعور القومي ، والاجتماعي ، والاقتصادي.
وتناقض الآراء في فكر ميشيل عفلق، في عدة مفاهيم، جعل نظرية البعث تتخبط في حل علمي لمشكلات محددة، قد تواجه المجتمع والدولة، إضافة أن اعتماده على مبدأ الانقلاب في تحقيق الأهداف، فلم يكن سوى مثله مثل الانقلابات التي حدثت من قبل من قبل بعض الضباط العسكريين، بل لقد انفصلت القيادة القطرية عن القومية؛ بسبب الصراع بين العسكريين ، والمدينين داخل الحزب نفسه، وهذا ما سنراه في الفصول القادمة.
فكون الحزب يعتمد في إيديولوجيته على شعار توحيد جميع الدول العربية في دولة واحدة وبتبني المنهج الاشتراكي ، إلا أنه لم يستطع تطبيق ذلك بسبب بعض المشاكل التي هزت كيانه ومصداقيته، مثل عدم وجود منهج وبرنامج عمل علمي واضح المعالم يمكن تنفيذ أفكاره على الأرض فبقي أسير أهدافه التي بقيت شعارات لم تجد من ينفذها ويحققها ، وتبنيه أسلوب تنظيم الأحزاب الشيوعية، أشبه بالتنظيمات الاستخبارية منها إلى التنظيمات السياسية، معتمدةً على أكبر قدر من الاستقطاب الحزبي للمنتمين للحزب دون الاهتمام بنوع العناصر وتأثيرها الاجتماعي، وهذا مما يشجع أعضاء الحزب من المغامرين والانتهازيين لتحقيق المطامح الشخصية ؛ وإحداث انشقاقات مستمرة في الحزب منذ نشأته ، فما هي الاستراتيجية التي قام بها البعث ؛ لحل كل مشكلات المجتمع العربي، المتسِّم بالتنوع الإقليمي ، والطائفي والديني، والعرقي،والطبقي، إضافة لما ساهم به الاستعمار في كافة مراحله، من إحداث انشقاقات بين الدول العربية في أعرافها ، وعاداتها ، وولاءاتها الشخصية .
([1]) شفيق عبد الرزاق السامرائي، المشرق العربي: العراق، سوريا، لبنان، بغداد: وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، 1980، ص ص 72- 73، للمزيد أنظر :
c. Ernest dawn , the formation in the inter –war years , international Journal of middle East Studies , 20 February, 1980,p 80
([2])شفيق عبد الرزاق السامرائي ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 83-84 .
([3]) نفس المرجع السابق، ص83.
([4] ) Albert Hourani , Arabic though in the liberal age , 1997-1939(London . 1962) chap 2 .
Also Look: Spotlight on Iraq , qustia, , Vol. 66, 2002
([5])pp. 1396-1407 John .F. Devlin, The baath party : rise and metamorphosis, London. 1991, Also Look : John F. Devlin. The American Historical Review, Vol. 96, No. 5 (Dec., 1991),Also Look : شفيق عبد الرزاق السامرائي ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 77-82.
([6]) عادل مختار الهواري، الصفوة السياسية في الشرق الأوسط ، القاهرة: مكتبة نهضة الشرق 1984، ص ص 15-17 .
([7]) أمين أسبر، تطور النظم السياسية والدستورية في سوريا (1946 – 1973)، بيروت: دار النهار للنشر، 1979، ص ص 19-20 ، أنظر أيضاً، حنا بطاطو، العراق: الشيوعيون ، والبعثيون ، والضباط الأحرار، ترجمة عفيف الرزاز، بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية ، 1992، ص ص 33-34
([8]) حبيب عيسى، السقوط الأخير للإقليميين العرب، بيروت: دار المسير ، 1978 ، ص34، أنظر أيضاً : أمين أسبر، مرجع سابق ذكره، ص ص 28-30 .
([9]) حبيب عيسى، مرجع سابق ذكره، ص33 .
([10])Michel Aflaq: The Battle for a Unique Destiny, p. 185 ،أنظر أيضاً :هاني الفكيكي، أوكار الهزيمة: تجربتي في حزب البعث العراقي، بيروت: رياض الريس للكتب والنشر، 1993، ص155.
([11]) ميشيل عفلق، في سبيل البعث ج1، بغداد ، مكتبة الثقافة والإعلام، د ت، ص8 .
· انظر بيان الحركة التي كتبه ميشيل عفلق في الملحق .
([12]). Ruling party learned from Nazis, .George Kerevan
29 March 2003.The Scotsman newspaper
([13])ميشيل عفلق، في سبيل البعث ،ج1 ،مرجع سابق ذكره ، ص 9، للمزيد انظر:
Wikipedia article. Baath_Party
http://en.wikipedia.org/wiki/Nationalism from the website :
أنظر أيضاً : قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، المشكلة الكردية، جامعة القاهرة ، رسالة دكتوراه غير منشورة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، 1977، ص266.
([14]) سامي الجندي، البعث، بيروت، دار النهار للنشر، 1969، ص ص 20-38 .
([15])Baath Party, Encyclopedia Article,، مأخوذ من الموقع : http://uk.encarta.msn.com/encyclopedia_761580273/Baath_Party.html
أنظر أيضاً : حنا بطاطو ، العراق: الشيوعيون ، والبعثيون ، والضباط الأحرار، مرجع سابق ذكره، ص ص 29-32 .
([16])حنا بطاطو ، العراق: الشيوعيون ، والبعثيون ، والضباط الأحرار،مرجع سابق ذكره، ص32
([17]) نفس المرجع السابق ، ص33 -34
([18])عز الدين دياب، التحليل السياسي لظاهرة الانقسام السياسي في الوطن العربي، القاهرة: مكتبة مدبولي 1993، ص ص 27-28 .
([19]) نفس المرجع السابق، ص ص 33-34 ، للمزيد انظر :
Isam, Khafaji,. State Incubation of Iraqi Capitalism Merip, Middle East Report, No. 142. pp. 4-12
إيمان راسخ، البعث العربي الاشتراكي ،ط4، بغداد: دار الحرية للطباعة، 1977 ، ص ص 24-25 .
([20])مصطفى دندشلي ، حزب البعث العربي الاشتراكي، بيروت،دن ، ص ص 1-49 ، انظر أيضاً :
إيمان راسخ، البعث العربي الاشتراكي ،ط4، بغداد: دار الحرية للطباعة، 1977 ، ص ص 24-25 .
([21]) ميشيل عفلق، في سبيل البعث ، ج1، مرجع سابق ذكره ، ص ص 256-262 ، ص 267 – 272
([22]) نفس المرجع السابق، ص ص 35- 36 ، انظر أيضاً شفيق عبد الرازق السامرائي، مرجع سابق ذكره ص 96، أيضاً : ناجي أبي عاد وميشيل جريتون ، النزاع وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط ، ترجمة: محمد نجار ، عمان ، الأهلية للنشر والتوزيع، 1999، ص77 ، أنظر أيضاً :
Baath Party: Encyclopedia II - Baath Party - Origins
([23]) مطاع الصفدي، التجربة الناصرية والتجربة الثالثة ، بيروت: مؤسسة الأبحاث العلمية العربية العليا، 1973، ص ص 194-195، للمزيد انظر: Raymond Hinnebusch, Syria: Revolution from Above, , London : Routledge, 2001, pp.139-164. ، أنظر أيضاً : أمين أسبر، تطور النظم السياسية والدستورية في سوريا (1946-1973) ، بيروت دار النهار للنشر ، 1979، ص ص 28-29.
([24]) أمين أسبر، تطور النظم السياسية، والدستورية في سوريا، (1946، 1973) بيروت: دار النهار للنشر 1979) ص ص 28-30 .
· انظر دستور حزب البعث ومبادئه في الملحق .
([25]) نفس المرجع السابق ، ص ص 28-30 ، ص ص 43-37.
([26]) سعد الدين إبراهيم، مصر تراجع نفسها، القاهرة : دار المستقبل الجديدة، 1983، ص 196.
([27]) مطاع الصفدي، مرجع سابق ذكره، ص ص194 – 195 .
([28]) جمال الشاعر، سياسي يتذكر، بيروت، رياض الريس للكتب والنشر، دت، ص51 .
([29]) عز الدين ديان، التحليل السياسي لظاهرة الانقسام السياسي في الوطن العربي، مرجع سابق ذكره، ص ص 203 – 204 .
([30]) نيقولاوس فان دام، الصراع على السلطة في سوريا: الطائفية والإقليمية والعشائرية في السياسة 1961 – 1995، ط2، القاهرة : مكتبة مدبولي، 1995، ص45.
([31] ) هاني الفكيكي ، مرجع سابق ذكره، ص147 ، للمزيد أنظر: أديث وائي وايف، بينروز، مرجع سابق ذكره، ص 230 ، أنظر أيضاً : . Wikipedia article. Baath_Party
http://en.wikipedia.org/wiki/Nationalism : from the website
([32] ) نفس المرجع السابق ، ص ص 154 – 156 – ص 196
([33] ) هنري لورانس، اللعبة الكبرى : المشرق العربي والأطماع الدولية ، ط 2 ، بنغاري ، دار الكتب الوطنية ، 1993 ، ص236 .
([34] ) نفس المرجع السابق ، ص ص 38 – 39 .
([35] ) عز الدين دياب، مرجع سابق ذكره، ص 234
([36] ) أديث وائي، إيف بينروز، العراق: دراسة في علاقاته الخارجية وتطوراته الداخلية 1915 – 1975، ترجمة: عبد المجيد حسيب القيسي، بيروت دار الملتقي ، 1989، ص ص 451 – 452
([37] ) هاني الفكيكي ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 59 – 60
([38] ) حنا بطاطو العراق : الشيوعيون البعثيون والضباط الأحرار ، مرجع سابق ذكره ، ص 29
([39] ) نفس المرجع السابق ، ص 30
([40] ) نفس المرجع السابق، ص31
([41] ) A Country Study: Iraq, U.S. Library of Congress .5/1988
، أنظر أيضاً : حنا بطاطو العراق : الشيوعيون البعثيون والضباط الأحرار ، مرجع سابق ذكره، ص 32
· عضوية المؤيدين ظهرت في العراق ، وناظرتها في سوريا عضوية الأنصار ( الباحث ) .
· كما كان للطلبة العراقيين الذين كانوا يدرسون في جامعة دمشق دور في نقل الأفكار البعثية إلى العراق ، وذلك بعد عودتهم للعراق ، كما كانت بعض الكتل و التجمعات الأهلية تحمل شعارات قومية مثل : جماعة الأهالي في العراق ، و حزب الاستقلال ، حيث انضم أفرادها فيما بعد لحزب البعث انظر حول ذلك أيضا أنظر قاسم جميل قاسم ، التكامل القومي العراق : المشكلة الكردية ، رسالة دكتوراه غير منشورة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، جامعة القاهرة، ، 1977 ، ص ص 266 – 269.
([42] ) هاني الفكيكي، مرجع سابق ذكره ص ص 59 – 60، أنظر أيضا حنا بطاطو، العراق: الشيوعيون والبعثيون والضباط الأحرار، مرجع سابق ذكره ص 47 – 48، أنظر حول الخلفية الطبقية لأعضاء حزب البعث ، هنري لورانس، اللعبة الكبرى ، مرجع سابق ذكره، ص ، 23 ، أيضاً : Wikipedia article. Baath.Party op.cit , Also Look : A Country Study: Iraq, U.S. Library of Congress, 5.1988
([43] ) هاني الفكيكي مرجع سابق ذكره ص ص 65 – 78 ,وقد أنضم أعضاء حزب الاستقلال- بعد حله- إلى حزب البعث ، أنظر حول ذلك قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره ص ص 269 – 270 ، انظر أيضاً:
Doreen, Warriner,. Land Reform and Development in the Middle East: A Study of Egypt, Syria, and Iraq. London: Oxford, University Press for the Royal Institute of International Affairs, 1962,pp.20-180. and Look : Kemal, Abu Jaber,. The Arab Baath Socialist Party, Syracuse: Syracuse University Press, 1966,pp.10.250
([44] ) قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق: دراسة سياسية اقتصادية اجتماعية ، رسالة ماجستير غير منشورة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، جامعة القاهرة ، 1973، ص ص 20 – 21 للمزيد أنظر:
Devlin, John, The Baath Party: A History from Its Origins to1966. Stanford: Hoover Institution Press, 1976,PP.12-30. Also Look :
عز الدين دياب التحليل الاجتماعي لظاهرة الانقسام السياسي في الوطن العربي مرجع سابق ذكره ص ص 324 – 245 ، للمزيد أيضا أنظر: قاسم جميل قاسم ، التكامل القومي العراق : المشكلة الكردية ، رسالة دكتوراه غير منشورة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، جامعة القاهرة، 1977 ، ص ص 266 – 269.
([45] ) أكرم الحوراني، مذكرات أكرم الحوراني، القاهرة، مكتبة مدبولي 2000، ص1721 ، للمزيد انظر :قاسم جميل قاسم ، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق: دراسة سياسية اقتصادية اجتماعية ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 272-277 , أنظر أيضاً : Devlin, ,Op.Cit,pp.22-30. John
Also Look :Gallman, John, Waldemar. Iraq Under General Nuri. Baltimore, Johns Hopkins University Press, 1964,pp.50-120.
([46]) قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره ص20 .
([47]) نفس المرجع السابق، ص21 ص ص 272 ، 281 .
([48]) قاسم جميل قاسم، التكامل القوي في العراق، مرجع سابق ذكره ، ص ص 270 – 271 .
([49]) نفس المرجع السابق ، ص 270 .
([50]) نفس المرجع السابق ، ص 281، ص ص 281- 283، أنظر أيضاً حنا بطاطو: العراق: الشيوعيون ، والبعثيون ، والضباط الأحرار، مرجع سابق ذكره، ص 75-81 .
([51]) نفس المرجع السابق، ص 272.
([52]) نفس المرجع السابق ، ص ص 275 ـ 278، للمزيد انظر :
Elie ,Kedourie,. "Continuity and Change in Modern Iraqi History," Asian Affairs London, June 1975,pp. 140-146.
([53]) هاني الفكيكي، مرجع سابق ذكره، ص ص 85- 99 .
([54]) نفس المرجع السابق ، ص180 .
([55]) قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص243-245.
· أصبح رئيساً لسوريا خلال الفترة (1963-1966) ، حيث يعتبر أول رئيس بعثي تسلم الحكم في سوريا ، ثم قامت مجموعة من الضباط بالانقلاب عليه بحركة 23 فبراير 1966 ، وبذلك انشق البعث السوري عن العراقي الموالي للقيادة القومية (الباحث) .
([56]) أديت وائي، إيف بينروز، مرجع ساق ذكره، ص ص 251 – 452 ، أنظر أيضاً هاني الفكيكي، مرجع سابق ذكره ، ص ص 246 ـ 277 ، ص ص 139 – 142 .
([57]) هاني الفكيكي،، مرجع سابق ذكره ، ص ص 160 – 185 ، ص135
([58]) نفس المرجع السابق، ص 180، أنظر أيضاً، أديث وائي، إيف، بينروز، ص237 .
([59]) شفيق عبد الرازق السامرائي، مرجع سابق ذكره، ص110-113 .
([60]) نفس المرجع السابق ص115، أنظر أيضاً هاني الفكيكي، مرجع سابق ذكره ص171، ص191.
([61])Abbas ,Kelidar,. The Integration of Modern Iraq. New York: St. Martin's Press, 1979.pp.50-60. also Look :
أديث وائي، إيف، بينروز، مرجع سابق ذكره، ص ص 451 – 452 .
([62]) عز الدين دياب، التحليل السياسي لطاهرة الانقسام السياسي في الوطن العربي، مرجع سابق ذكره، ص 415، انظر أيضاً، هاني الفكيكي، مرجع سابق ذكره، ص ص 100 – 103 .
([63]) حنا بطاطو ، العراق، الشيوعيون والبعثيون والضباط الأحرار، مرجع سابق ذكره، ص ص 52-76.
([64]) هاني الفكيكي، مرجع سابق ذكره، ص ص 202 – 204 .
([65]) سعد جمعة، مجتمع الكراهية، مرجع سابق ذكره، ص59 ، للمزيد أنظر : Ba'ath party ، مأخوذ من الموقع : http://www.infoplease.com/ce6/history/A0805601.htm
([66]) هاني الفكيكي، مرجع سابق ذكره، ص191
([67]) قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص 274 – 275 ، للمزيد حول أيديولوجية البعث ، انظر الملحق .
([68]) شفيق عبد الرازق السامرائي ، مرجع سابق ذكره، ص96 .
([69]) نفس المرجع السابق، ص140.
([70]) أبو خلدون ساطع الحصري، العروبة بين دعاتها ومعارضيها، ط2، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1985، ص ص 120-123 .
([71]) نفس المرجع السابق، ص 123 .
([72]) ناجي أبي عاد، وميشيل جريتون، النزاع وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، ترجمة محمد نجار، عمان: الأهلية للنشر والتوزيع، 1999، ص77
· أنظر دستور حزب البعث في الملحق .
· تولي أمانة القيادة القومية عامي 1964، 1965 ،أما باقي السنوات فكانت من نصيب ميشيل عفلق حتى وفاته سنة 1989، (الباحث).
([73])البعث الذكرى الحادية والأربعين للتجربة المرة (تقرير خاص) ، 8/4/2004 ، أخذ من الموقع : http://www.aliraqi.org/forums/showthread.php?t=44760
([74])نفس المرجع السابق.
([75]).A Country Study: Iraq, U.S. Library of Congress .5/1988
([76]) ميشيل عفلق، البعث والاشتراكية ، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1973، ص39، انظر أيضاً : ميشيل عفلق ، في سبيل البعث، مرجع سابق ذكره، ص ص 80-81 .
([77]) نفس المرجع السابق ص ص 40-41 .
([78]) نفس المرجع السابق ص 45 ، للمزيد أنظر :
Baath Party: Encyclopedia II - Baath Party – Origins
([79]) نفس المرجع السابق ، ص ص 47-54.
([80]) ميشيل عفلق، في سبيل البعث، ج4، بغداد: دار الحرية للطباعة، د ت ، ص ص 25-28 ، وحول تأثره بالشيوعية ومبادئها ، وترتيباتها أنظر :
29 March. 2003.The Scotsman newspaper. Ruling party learned from Nazis. GEORGE KEREVAN
([81]) نفس المرجع السابق، ص ص209 – 210.
([82]) نفس المرجع السابق، ص132.
([83]) جمال الشاعر، سياسي يتذكر، بيروت، رياض الريس للكتب والنشر، دت، ص21.
([84]) سعد جمعة، مرجع سابق ذكره، ص56
([85]) ميشيل عفلق، في سبيل البعث، ج4، مرجع سابق ذكره، ص38 .
([86]) ميشيل عفلق، البعث والاشتراكية، مرجع سابق ذكره، ص 54، للمزيد أنظر نفس المرجع، ص ص 191-194.
([87]) نفس المرجع السابق، ص 78 .
([88]) نفس المرجع السابق، ص111 .
([89]) نفس المرجع السابق، ص125.
([90]) نفس المرجع الساق، ص126 .
([91]) نفس المرجع السابق، ص153، للمزيد حول ادعاء ميشيل عفلق، أن البعث كان أول حركة اعتنقت القومية العربية، انظر أبو خلدون ساطع الحصري ، الإقليمية : جذورها وبذورها ، مرجع سابق ذكره، ص ص 184 – 195.
([92]) نفس المرجع السابق ص199. عز اللين دياب، التحليل السياسي لظاهرة الانقسام في الوطن العربي، مرجع سابق ذكره ص269.
([93]) Michel Aflaq ,The Baath's Struggle, Part III, pp. 316-317 ، أنظر أيضاً : عز اللين دياب، التحليل السياسي لظاهرة الانقسام في الوطن العربي، مرجع سابق ذكره ص269.
([94]) نفس المرجع السابق ص 268 .
([95]) أبو خلدون ساطع الحصري ، الإقليمية، جذورها وبذورها، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1985، ص 51 – 52 ، للمزيد أنظر :
Michel Aflaq: Following the Baath; pp. 271-275.
([96]) نفس المرجع السابق ، ص ص 64-67 ، ص ص 157 – 161 .
([97])ميشيل علق ، في سبيل البعث ، ج2 ، مرجع سابق ذكره ، ص 137 ، انظر أيضاً :
Michel 'Aflaq: Following the Baath, pp. 285-286; pp. 287-290
([98]) قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره ، ص 180 ، للمزيد حول آراء البعث في الوحدة وواقع التعامل معها على الواقع العملي أنظر : سعد جمعة، مرجع سابق ذكره، ص52 .
([99]) ميشيل عفلق، في سبيل البعث، مرجع سابق ذكره، ص ص 32 ، للمزيد حول آراء ميشيل عفلق في الوحدة أنظر:
Michel Aflaq, Part III,Op, Cit، pp. 261-267; pp. 269-270, And Look : Michel Aflaq The Baath's Struggle; Part IV, p. 105 ,pp. 84-87.; pp. 72-83.; pp. 79-80.
([100]) نفس المرجع السابق ، ج4، ص46
([101]) نفس المرجع السابق ، ج4، ص74
([102]) عز الدين دياب ، التحليل السياسي لظاهرة الانقسام في الوطن العربي، مرجع سابق ذكره، ص ص 373 – 374 ، للمزيد انظر : Paul Berman; Terror and Liberalism; W.W. Norton & Company, New York, London: 2003; p.55.
([103]) أبو خلدون ساطع الحصري ، الإقليمية: بذورها وجذورها ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 88 – 89 .
([104]) ميشيل عفلق ، في سبيل البعث، بيروت ، دار الطليعة ، 1959، ص 27
([105]) نفس المرجع السابق ، ص ص 299 - 300 ، للمزيد حول رأي البعث في قيادة الأمة والشعب من خلال القيادة البعثية ، والتي هي أشبه بالقيادة الشيوعية للشعب والأمة ، أنظر أيضاً :
Evgenii Novikov,A View From The Other Side: An Introduction To Arab Media, Global Terrorism Anlaysis,The Jamestown Foundation, Terrorism Monitor, Volume 1, Issue 2. 26 September, 2003.
([106]) أبو خلدون ساطع الحصرين مرجع سابق ذكره ، ص180
([107]) هاني الفكيكي، مرجع سابق ذكره، ص76 .
([108]) نيقولاوس فان دام، مرجع سابق ذكره ، ص27 .
([109]) ميشيل عفلق ، ج4، مرجع سابق ذكره ، ص53 .
([110]) حنا بطاطو، العراق: الشيوعيون والبعثيون والضباط الأحرار، مرجع سابق ذكره، ص46.
([111]) نفس المرجع السابق ، ص46.
([112]) هاني الفكيكي، مرجع سابق ذكره، ص ص 77-78 ، للمزيد أنظر : ميشيل عفلق ، في سبيل البعث ، ج4 ، مرجع سابق ذكره ، ص 80 .
([113]) ميشيل عفلق في سبيل البعث ، ج3، مرجع سابق ذكره ص 108 .
([114]) نفس المرجع السابق، ص ص 27-28 .
([115]) هذا القول لميشيل عفلق مأخوذ من مرجع : محمد الغزالي، حقيقة القومية العربية، وأسطورة البعث العربي، القاهرة: دار نهضة مصر، 1998، ص ص 45 – 46 .
([116]) نفس المرجع السابق، ص ص 47 – 50 .
([117]) ميشيل عفلق، في سبيل البعث ، بيروت: دار الطليعة، 1963، ص 102 .
([118])Paul Berman; Terror and Liberalism; op.cit .p 78,p 94
· النبي محمد صلى الله عليه وسلم من ذرية النبي إسماعيل ابن أبو الأنبياء إبراهيم عليهما الصلاة والسلام ، الذي لم يكن عربياً بل تزوج امرأة من إحدى القبائل العربية وهي قبيلة جرهم (الباحث) .
([119]) محمد الغزالي ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 66 – 90 .
([120]) نفس المرجع السابق، ص ص 156 – 261 .
([121]) عز الدين دياب، التحليل السياسي لظاهرة الانقسام السياسي في الوطن العربي، مرجع سابق ذكره، ص24، للمزيد حول ذلك انظر: ميشيل عفلق ، في سيبل البعث، ج4، مرجع سابق ذكره ص17 .
([122]) نفس المرجع السابق، ص ص 363 – 364 .
· قالها في نهاية سنوات وجوده في العراق (الباحث) .
([123]) نفس المرجع السابق، ص 391، انظر أيضاً ميشيل عفلق، في سبيل البعث ،مرجع سابق ذكره ،ص ص 33 - 35، ص60 ، ص 64 – 61 .
([124]) جمال الشاعر، مرجع سابق ذكره، ص65 .
([125]) ميشيل عفلق ، في سبيل البعث ، ج4 ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 60-64 .
([126]) عادل مختار الهواري، الصفوة السياسية في الشرق الأوسط ، القاهرة، مكتبة نهضة الشرق، 1984، ص ص 15-17 .
([127]) عز الدين ديان، التحليل الاجتماعي لظاهرة الانقسام السياسي في الوطن العربي ، مرجع سابق ذكره، ص21
([128]) محمد جابر الأنصاري وآخرون ، النزاعات الأهلية العربية: العوامل الداخلية والخارجية ، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1997، ص 188 .
([129]) ميشيل عفلق، في سبيل البعث، مرجع سابق ذكره، ص ص 29-33.
([130]) نفس المرجع السابق، ص80.
([131]) ميشيل عفلق، في سبيل البعث، بيروت، دار الطليعة، 1963، ص102، للمزيد حول الرسالة الخالدة في فكر ميشيل عفلق، أنظر نفس المرجع السابق، ص112.
([132]) ميشيل عفلق ، في سيبل البعث، بيروت: دار الطليعة، 1963، ص 172.
([133])ميشيل عفلق، في سبيل البعث، ج5، ص ص 173-176.
([134]) ميشيل عفلق، في سبيل البعث، ج5، مرجع سابق ذكره، ص ص141 – 143 .
([135]) نفس المرجع السابق، ص ص 299 – 300 .
([136]) نفس المرجع السابق، ص207 .
([137])([137]) ميشيل عفلق ، في سيبل البعث، بيروت: دار الطليعة، 1963،ص ص214 – 216 ، للمزيد أنظر نفس المرجع السابق، ص ص116-117، ص ص 117 – 128، للمزيد نفس المرجع السابق ، ج3 ، ص89 .
([138]) حنا بطاطو، العراق: الشيوعيون والبعثيون والضباط الأحرار، مرجع سابق ذكره، ص45 .
([139]) عز الدين دياب، التحليل السياسي لظاهرة الانقسام السياسي في الوطن العربي، مرجع سابق ذكره، ص258.
([140]) نفس المرجع السابق، ص ص 373 – 374 .
([141])Al-Quds (PA), October 11, 2000.
([142]) جاك ووديز ، الجيوش والسياسة، ترجمة عبد الحميد عبد الله ، بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، 1982، ص ص 32-33 .
([143]) نفس المرجع السابق، ص33.
([144]) أبو خلدون ساطع الحصري ، الإقليمية: جذورها وبذورها، مرجع سابق ذكره، ص ص 198.
([145]) عز الدين دياب، التحليل السياسي لظاهره في الوطن العربي، مرجع سابق ذكره، ص272، للمزيد أنظر نفس المرجع السابق، ص365.
([146]) محمد جعفر فاصل الحيالي، العلاقات بين سوريا والعراق (1945-1958) ، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية ، 2001، ص ص 133 – 134 .
([147]) مشيل عفلق، في سبيل البعث ، ج4، مرجع سابق ذكره، ص41 .
([148]) نفس المرجع السابق، ص ص 32-40 .
([149]) ميشيل عفلق، في سبيل البعث، ج2، مرجع سابق ذكره، ص ص 118 – 121 .
([150]) ميشيل عفلق، في سبيل البعث، ج5، مرجع سابق ذكره، ص ص 294 ـ 295.
([151]) ميشيل عفلق، في سبيل البعث، ط2، بيروت: دار الطليعة، 1963، ص177.
([152]) ميشيل عفلق، البعث والاشتراكية، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1973، ص ص196-199
([153]) سعد جمعة، مرجع سابق ذكره، ص ص 51-52 ، للمزيد انظر ميشيل عفلق، في سبيل البعث، ج4، ص ص 215 – 217 ، ص 81 – 195 .
([154]) نفس المرجع السابق، ص59
([155]) ميشيل عفلق، في سبيل البعث، ج4، مرجع سابق ذكره ، ص ص126 – 129 .
([156]) نفس المرجع السابق، ص74 .
([157]) أبو خلدون ساطع الحصري، الإقليمية: جذورها وبذورها ، مرجع سابق ذكره ص ص 200-2001 .
([158]) أكرم الحوراني، مرجع سابق ذكره ، ص3045.
([159]) سعد جمعة ، مرجع سابق ذكره ، ص53.
([160]) نفس المرجع السابق ، ص53.
([161]) أبو خلدون ساطع الحصري، الإقليمية : جذورها وبذورها ، مرجع سابق ذكره ص ص 153 – 178.
([162]) محمد أحمد الزعبي ، النظام السوري إلى أين ، 28/3/2007 مأخوذ عن الموقع :
http://www.asharqalarabi.org.uk/center/dirasat-ni.htm
([163]) نفس المرجع السابق .
ضمن تركيبة المجتمع العراقي
· الفصل الأول : حزب البعث العربي الاشتراكي
- المطلب الأول: الظروف السياسية والاجتماعية التي أدت إلى ظهور
حزب البعث
- المطلب الثاني: نشوء حزب البعث في سوريا وانتقاله إلى العراق
1. البعث في سوريا
2. البعث في العراق
- المطلب الثالث: أيديولوجية وفكر حزب البعث وآراءه
حول التمايزات المجتمعية في المجتمع العربي
1- أيديولوجية حزب البعث
2- فكر ميشيل عفلق في تفسير أيديولوجية حزب البعث
3- بعض المنطلقات النظرية في حزب البعث
· الفصل الثاني : تركيبة المجتمع العراقي
- المطلب الأول: التمايز العرقي –الإثني- في العراق
- المطلب الثاني: التمايز الديني ، والطائفي ، والمذهبي في العراق
- المطلب الثالث: التمايز الحضري ، والعشائري ، والإقليمي في العراق
- المطلب الرابع: التمايز الطبقي ، والحزبي في العراق قبل عام 1963
الفصل الأول
حزب البعث العربي الاشتراكي
ضمن تركيبة المجتمع العراقي
يقسم هذا الفصل إلى مبحثين ، فيتناول المبحث الأول: حزب البعث العربي الاشتراكي، من حيث الظروف السياسية ، والاجتماعية ، والاقتصادية التي ساهمت في وجوده في كال من سوريا ، والعراق،على اعتبار أن تشابه الظروف يولد تشابهاً في الآراء والمعتقدات السياسية، خاصة أن بداية ظهور هذا الحزب كان في سوريا ثم في العراق، لم تكن بعيدة في فترتها الزمنية عن الاتفاقية الإنكليزية الفرنسية حول تقسيم منطقة الهلال الخصب، التي بموجبها انفصل العراق ، وسوريا عن بعضهما البعض، مكوناً كل جزء دولة خاصة به، كما سيتناول هذا المبحث عن تاريخ نشوء حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا والعراق،على اعتبار أنه قد بدأ في سوريا ، ومن ثم انتقل إلى العراق، وتمتد هذه المرحلة حتى وصول حزب البعث العربي الاشتراكي إلى السلطة في كل من هذين البلدين، ثم يتناول هذا المبحث أيديولوجية حزب البعث العربي الاشتراكي ، وأهدافه وبرامجه السياسية، إضافة إلى آراء أهم مؤسسي هذا الحزب، وهو ميشيل عفلق الذي فسَّر الكثير من آراء الحزب ، وأيديولوجيته ، واستراتيجيته ، ورغم أن ثمة رفقاء لمشيل عفلق في تأسيس هذا الحزب ؛ إلا أنه يبقى المنظر الأساسي للحزب، خاصة وأنه استمر في قيادة الحزب حتى نهاية الثمانينات من القرن الماضي، فكان في معظم مراحل البعث الأمين القومي العام للحزب، كما سيتعرض المبحث إلى بعض المنطلقات النظرية للحزب ، تلك التي تهم الدراسة .
أما المبحث الثاني، فسيتناول تركيبة المجتمع العراقي من الناحية الإثنية ، والطائفية ، والحزبية ، والعشائرية ، والإقليمية ، والطبقية على اعتبار أن المجتمع العراقي يحتوي عدة قوميات في داخله إضافة إلى القومية العربية السائدة فيه، فهو يحوي كل من الأكراد ، والتركمان ، والآشوريين، والفرس ، وغيرها من الجنسيات المستوطنة في العراق ، وكل منها لها خصائص مميزة تختلف عن الأخرى، سواءاً باللغة، أو ببعض العادات، والأعراف، كما تختلف بدرجة ولاءها للنظام السياسي القائم، أيضاً يحتوي المجتمع العراقي على طوائف دينية ، ومذهبية عديدة، فرغم أن الديانة السائدة في العراق هي الإسلام ؛ إلا أن هذا الدين افترق في العراق والعديد من الدول الإسلامية إلى عدة مذاهب أهمها، المذهب السني، والمذهب الشيعي، وكل من هذين المذهبين انقسم إلى مذاهب فرعية، إضافة إلى وجود طوائف دينية أخرى مثل اليهود الذي يعود تاريخهم إلى عهد أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام إضافة إلى وجودهم في عهد الدولة البابلية عندما قام ملكها نبوخذ نصَّر بسبيهم إلى العراق ، والمسيحيين الذين كانوا في العراق قبل وجود الإسلامي فيه، وكلا الديانتين اليهودية ، والمسيحية مقسمة إلى مذاهب دينية عديدة، كما توجد طوائف دينية بعيدة عن هذه الديانات السماوية الثلاث، مثل الصائبة، والعلى اللهية. واليزيدية، والشبك، وكل منها لها طريقتها الدينية الخاصة بالحياة، كما أن المجتمع العراقي، قد حوى أحزاباً عديدة، فتاريخه السياسي قد حوى الكثير من الأحزاب السياسية التي وصل بعض منها إلى السلطة منذ نشأة دولة العراق ، قبل حركة البعث الأولى في العراق عام 1963، وتحتوي تركيبة المجتمع العراقي على الكثير من العشائر ، والقبائل العراقية العربية ، والكردية ، والتركمانية وغيرها من الأعراق الموجودة في العراق ؛ لأن المجتمع العراقي هو مجتمع عشائري ، وقبلي ، قبل كل شيء ، وتتسم كل عشيرة منه بسمات خاصة بها قد تتشابه في بعض السمات مع عشائر أخرى، وقد تختلف بسمات أخرى ، كما يتناول هذا المبحث الطبقات الاجتماعية في المجتمع العراقي؛ لأن المجتمع العراقي كان يحوي على ثلاث طبقات اجتماعية، حيث ستتناول الدراسة أهمية كل طبقة في المجتمع العراقي، ودورها خلال الفترة السابقة للدراسة،لأن دراسة دورها قبل فترة الدراسة سيحدد دورها خلال فترة الدراسة، إضافة إلى ذلك سيتناول هذا المبحث عن دور التمايز الإقليمي في المجتمع العراقي، على اعتبار أن المجتمع العراقي يحتوي أقاليم متعددة، جبلية ، وسهلية ، وصحراوية، وتمايز بين الأقاليم الريفية ، والبدوية ، وبين الأقاليم المدينية، وتأثير كل منها على سكان هذه المناطق أو الأقاليم.
والغرض من دراسة التمايزات المجتمعية في العراق هو للتعرف على الظروف التي ولد فيها حزب البعث العري الاشتراكي، وكيف استطاع صياغة أيديولوجيته في مثل هذا المجتمع ؟ وما هي برامجه السياسية التي اعتنقها في ظل ظروف المجتمع العراقي ؟ وفي ظل دولة تتمتع باحتياطات نفط تبلغ 112 مليار برميل من النفط المؤكد الوجود في العراق ، حيث يحتل المرتبة الثانية في العالم بعد السعودية في حجم احتياطي النفط، وبحسب التقارير فإن 90 % من نفط العراق لا يزال غير مستكشف ، ويقدر النفط الموجود بهذه الآبار الغير مستكشفه ب 100 مليار برميل، ويتميز النفط العراقي أن تكاليف إنتاجه هي من أدنى المستويات في العالم، وتتركز معظم احتياطات النفط في مناطق البصرة –ذات الأغلبية الشيعية -في جنوب البلاد ، وفي منطقة كركوك –ذات الأغلبية الكردية والتركمانية- الواقعة شمال غرب البلاد .
فتحليل كل هذه العوامل يقودنا إلى التعرف في الفصول التالية من الدراسة على مدى قدرة حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق على استيعاب تناقضات المجتمع العراقي، والمحافظة على الوحدة الوطنية فيه.
المبحث الأول
حزب البعث العربي الاشتراكي
حزب البعث العربي الاشتراكي هو حزب وُلِدَ في ظروف مجتمعية سياسية واقتصادية كان لها دورها الكبير في صياغة أهدافه ، وبرامجه السياسية حيث كانت سوريا ما تزال تحت الانتداب الفرنسي ، أما العراق فرغم أنه كان قد حقق نوعاً من الاستقلال منذ عام 1930 ، إلا أنه كان مرتبطاً مع بريطانيا بمعاهدة تحد من استقلاله، وتجعله تابعاً سياسياً ، واقتصادياً لبريطانيا، فما هي هذه الظروف التي ساهمت في وجود هذا الحزب وما هي تداعياتها على أهدافه ، وبرامجه السياسية ؟، هذا ما سيوضحه لنا هذا المبحث من خلال بحثه في أيديولوجية حزب البعث وعقيدته السياسية والاقتصادية في تفسيره ، وتحليله للمجتمع العربي بشكل عام ، والعراقي بشكل خاص ، وتفسير هذه الأيديولوجيا على ضوء أفكار منظر البعث ومؤسسه الأول ميشيل عفلق ؛ من خلال عرض أهم آراءه حول تناقضات المجتمع ، وحلولها من وجهة نظره ، على أساس أنه يعتبر المفسِّر الأول والأخير لأيدولوجيا حزب البعث ، إضافة لما يهم الدراسة من بعض المنطلقات النظرية للحزب؛ تلك المنطلقات التي صاغتها المؤتمرات القومية للحزب خلال فترات انعقادها .
المطلب الأول
الظروف السياسية والاجتماعية
التي أدت إلى ظهور حزب البعث
منذ رفض العرب لسياسة التتريك ؛ التي اتبعتها الدولة العثمانية ، بعد انقلاب جمعية الاتحاد والترقي عام 1908 ، ومن ثم توافق العرب بجميع طوائفهم الدينية ،على تجاوز خلافاتهم حول فكرة القومية العربية، واتفاقهم على برنامج عملي عربي قومي ، بدأت الأحزاب القومية في الظهور فكانت كلها تنادي بالقومية العربية ، وضرورة قيام كيان عربي موحد، رغم أن الظروف لم تكن مواتية ، إلا أنهم سعوا إلى أن تكون لهم شخصيتهم القومية المتميزة في ظل الدولة العثمانية، فقد اشترك قسماً من السياسيين العرب في المؤتمر العربي في باريس في يونيو 1913 ، وقرروا الأمور التالية([1]) :
1- اشتراك العرب في الحكومة المركزية للامبراطورية العثمانية.
2- اشتراك العرب يجب أن يكون فعالاً ، وليس اسميــاً.
3- اعتبار اللغة العربية لغة رسمية في الولايات العربية ،والاعتراف بها كلغة ثانية في البرلمان العثماني.
4- اقتصار الخدمة العسكرية على حاجات الولايات العربية ، باستثناء الحالات العادية.
5- إقامة نظام لامركزي في جميع الولايات العربية.
6- مشاركة العرب للأرمن حول نظام لا مركزي مماثل.
ومنذ ذلك الوقت بدأت الآراء القومية تجد لها مريدين في الدول العربية وخاصة تلك الدول التي عانت من التقسيم الاستعماري لها، وهي دول الهلال الخصيب، حيث قُسِّمت هذه المنطقة بين فرنسا ، وبريطانيا ؛ فكان نصب فرنسا كل من سوريا ، ولبنان، أما نصيب بريطانيا فكل من العراق ، والأردن ، وفلسطين ، ورغم ما كان يربط هذه المنطقة ببعضها البعض من روابط سياسية ، وعشائرية ، واقتصادية، إلا أن نظامي الانتداب الفرنسي والإنكليزي عملا على حل هذه الروابط ؛ فنشأت فيها موجات متصاعدة من الصراع الداخلي.
وقد تميزت هذه المرحلة بعدة سمات أهمها([2]):
1- اجتماع القوى الوطنية بغض النظر عن انتمائها الطبقي ، وتكوينها الفكري على مكافحة الاحتلال من منطلقات ، ومواقف ، ومصالح مختلفة.
2- هيمنة الطابع الإقليمي على الحركات الاستقلالية ، وتركيزها على تحقيق الاستقلال السياسي ضمن حدود القطر العربي الواحد.
3- ظهور وتنامي الشعور القومي مقترناً بوعي قومي خالص اشتراكي.
4- سيطرة الفئات البرجوازية على قيادة الأحزاب ، والمنظمات السياسية.
5- بدء بروز الطبقة الوسطى عن طريق بعض المثقفين ، والضباط ، وقيادات الأحزاب ، والحركات السياسية.
6- بروز دور النخبة المثقفة على حساب المشاركة الواسعة والفعَّالة للجماهير.
7- إهمال الأحزاب الوطنية التي تتزعمها البرجوازية للمطالب الاجتماعية ، وعزلها لطلب الاستقلال ، والحرية عن مطلب التغيير الاجتماعي ، والتطور الرأسمالي.
وفي هذه الظروف اتسم المجتمع العربي في بنيته الاجتماعية، بعدة سمات أهمها([3]) :
1- هيمنة الظاهرة الاستعمارية، وتأثر المجتمع العربي بتطور النظام الرأسمالي.
2- طابع التخلف المسيطر على القطاعات الأساسية الثلاث (البدوي، الريفي، المديني) للبناء الاجتماعي، وارتفاع نسبة السكان في القطاعين البدوي والريفي، وانخفاضها في القطاع المديني.
3- غلبة العلاقات الإقطاعية في الريف ، والنمو النسبي للعلاقات الرأسمالية في المدن (البرجوازية التجارية ،والصناعية).
4- بدء بروز الطبقة العاملة ،وصعود الطبقة الوسطى ( الملاكون، وصغار التجار، وأصحاب المهن الحرة، والمثقفون الوطنيون، والعناصر الوطنية في الجيش ....الخ) ، خاصة بعد بدء إنتاج النفط العراقي الذي اكتشفت في عام 1927 ، بالقرب من شمال مدينة كركوك العراقية، ثم في بقية أجزاء العراق([4]).
5- انتشار الأيديولوجيات الليبرالية ، والاشتراكية ، والفاشية إلى جانب الوعي القومي ، ونمو النزعات الاستقلالية ، والتحررية.
وعلى هذا الأساس رأى الكثير من المثقفين أن التكامل العربي من خلال الوحدة الاقتصادية العربية، هو الهدف الرئيسي وهو السبيل والأساس المادي للوحدة العربية الشاملة، وإن تجاهل هذه الأهداف يجعل التكامل الاقتصادي بين الدول العربية ليس سوى شكلاً من أشكال التكاملات الاقتصادية العادية التي هي شكل من أشكال التنظيمات الإقليمية ؛ للقضاء على التمييز في المعاملة في محيط الدول الأعضاء، وأن السياسة الاستعمارية عمدت إلى تجزئة الوطن العربي؛ من أجل القضاء على الوحدة العربية ، واستنزاف ثروات الأمة، والاستفادة من الموقع الاستراتيجي للوطن العربي، وإضعاف الروابط بين اقتصادياته، وربطها بالغرب، والحيلولة دون قيام الصناعات الوطنية ؛ إلا بما يخدم أغراضها الاستعمارية([5]).
لهذا كان للنموذج الوحدوي جاذبية كبيرة في الدول العربية ، وخاصة في دول الهلال الخصيب ؛ بسبب ما تعانيه هذه الأقطار من تشرذم سياسي ، وعدم تجانس ثقافي، ووجود الولاءات الطائفية ، والقبلية ، والإقليمية، فلا وفاق جماعي داخلها في القضايا الأساسية التي تواجهها ؛ لذلك رأى الكثير من السياسيين في هذه الدول ضرورة التطلع خلف حدود هذه الأقطار من أجل حل المشاكل المتعلقة بهوية هذه الدول ؛ بسبب ما تعانيه من أزمة الهوية داخلها، حيث حاول الاستعمار أن يصنع لها هوية مختلفة عن هويتها الأصلية، وجعلت تلك الهوية عمداً لصالح الأقليات سواء كانت أقليات طائفية ، أو عرقية ، أو طبقية ، أو غير ذلك، لذلك فقد أخفقت حكومات مابعد الاستقلال ؛ التي كانت سياستها قطرية ، وإقليمية إلى حد بعيد في جذب مشاعر الولاء ، والطاعة من الشعب كله، من هنا كان دور الصفوة السياسية التي جعلت من أولى مهامها البحث عن الهوية الوطنية من خلال إقليم يتجاوز حدود هذه الدول، فكانت مشاريع سوريا الكبرى ، أو الهلال الخصيب، أو الوحدة العربية الشاملة، تلك المشاريع التي دعت إلى وجوب وجود هوية جامعة خارج كيان هوية الدولة القطرية([6]).
وكان فشل السياسيين السورين التقليديين، الذين تزعموا نضال الشعب السوري ضد الانتداب الفرنسي في المفاوضات ، مع سلطات الانتداب الفرنسي، قد ساهم في سلب لواء الإسكندرونة السوري لصالح تركيا عام 1939 ، كما أنهم تميزوا في فترة ما بعد الاستقلال الرسمي السوري عام 1943؛ بعدم القدرة على قيادة هذه المرحلة ؛ بسبب نقصهم للكفاءات الإدارية، وعدم قدرتهم على حل المشاكل الاقتصادية ، والاجتماعية، إضافة لعدم قدرتهم على تحقيق التضامن العربي، كبديل لسد عجزهم عن كبح جماح التسلط الصهيوني على فلسطين التي يعتبرها الكثيرين أنها جزءاً من الوطن السوري بشكل خاص ، والعربي بشكل عام ، كل ذلك أدى إلى ولادة أحزاب جديدة سواء كانت تقليدية ، أو يسارية([7]).
كما كان ظهور جماعة مساندة للثورة العراقية عام 1941، واشتراك عدداً من القوميين السوريين فيها، ودعهما مادياً، خاصة أن هذه الثورة كانت قد دعت لتحرير سوريا ، والعراق معاً، مما زاد من مريدي الأحزاب القومية في كل من سوريا ، والعراق، حيث رؤوا أن التجزئة الحاصلة بين الدول العربية، هي تجزئة تحاول أن تكون ثابتة ، وشرعية، بخلاف العهود قبل سايكس بيكو([8]).
كما أن وجود الجامعة العربية منذ عام 1943، وقيام دستورها منذ عام 1945، قد أثار القوميين العرب، الذين رؤوا فيها مؤامرة غربية بريطانية تهدف لمنع تدخل الحكام العرب في شؤون بعضهم البعض، واحترام كل منهم لحدود الدول العربية الأخرى، وإقامة الصلات الدبلوماسية مع بعضهم البعض كما لو كانوا دولاً أجنبية، مما حذا بهؤلاء القوميون إلى السعي ؛ لإقامة أحزاب تدعو إلى الوحدة العربية، بغض النظر عن الجامعة العربية([9]).
هذه الظروف اجتمعت مع بعضها البعض ؛ لتساهم في ظهور حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا، كحزب رأى أنه قادر على حل تناقضات المجتمع العربي السياسية ، والاجتماعية، وعلى قيادة الدول العربية من خلال أيديولوجيته وبرامجه وأهدافه، فما هي الديناميكية التي ظهر من خلالها حزب البعث ؟ وكيف استطاع نقل هذه الأيديولوجية إلى العراق ؟ وما هي الأسباب التي جعلته يستقطب الكثير من أفراد المجتمع سواءاً في سوريا أم في العراق ؟ هذا ما سيبحثه المطلب الثاني من هذا المبحث، حيث سيبحث عن ديناميكية نشوء هذا الحزب في سوريا وانتقاله إلى العراق.
المطلب الثاني
نشوء حزب البعث في سوريا وانتقاله إلى العراق
· البعث في سوريا
كان نشوء حزب البعث في ظل ظروف كان قد عمل فيها الاستعمار الأوروبي على تجزئة الوطن العربي، وإنشائه للحدود السياسية المصطنعة بين الدول العربية، وإضفائه للقدسية التي تحرم التنقل بين الأقطار العربية إلا بإذن مسبق، مما مهد لنشوء وتعزيز التيارات الفكرية ، والإقليمية التي تتحرك من قاعدة أن القطر العربي الواحد يشكل أمة كاملة ومتمايزة، وآزرها التقوقع على الذات والابتعاد عن التراث في كل منها، والتخلف الاقتصادي وانتشار الجهل ، والنهب الأوروبي لثروات الوطن العربي، من خلال استعماره المباشر ، أو غير المباشر ، أو من خلال معاهداته التي تقيد الدولة ببنود التبعية الاقتصادية ، أو السياسية([10]).
لكن النشوء العملي لحزب البعث بدأ عندما كان أحد الطلبة السوريين في باريس وهو ميشيل عفلق يدرس هناك منذ عام 1929 وكان تأثره بالجمعيات العربية القومية التي كانت في سوريا قبل الانتداب الفرنسي، إضافة لما أثرت به الثورة السورية الكبرى عام 1925 ضد الانتداب الفرنسي، مما حذا به -وهو في باريس- إلى الانضمام لجمعيتين عربيتين قوميتين هما : الجمعية العربية السورية، وجمعية الثقافة العربية، وكانت الجمعية الأولى سياسية تطالب بالاستقلال والدفاع عن قضية فلسطين ، وتدعو إلى الوحدة العربية الشاملة، أما الثانية فكانت ثقافية تعتمد أسلوب التثقيف من خلال إلقاء المحاضرات التي تتناول أعمال الأدباء العرب القدماء ، وتذِّكر العرب بأنفسهم بأنهم أبناء حضارة واحدة، وقد اطلع ميشيل عفلق خلالٍ نفس تلك الفترة على أعمال المفكرين الأوروبيين أمثال: دستوفسكي ، وتولستوي، وبيرغسون، وأناتول فرانس،وفيختيه،ونيتشه وغيرهم من المفكرين الغربيين الذين يتسمون بالنزعة القومية والاشتراكية ، والنازية([11]).
وقد استجاب لأفكار ميشيل عفلق التي اتسمت بالدعوة لإحياء الفكرة القومية في نفوس العرب، عدداً من أصدقائه الذين كانوا معه في الدراسة في باريس، وكان من أهمهم صديقه صلاح الدين البيطار، الذي كان يدرس الفيزياء، بينما كان ميشيل عفلق يدرس التاريخ، لذلك تحالف الاثنان على العمل من أجل القضية القومية، وعندما عادا إلى سوريا اشتغالا بالتدريس الثانوي في دمشق منذ عام 1933، وكونا أول منظمة سياسية باسم " منظمة الإحياء العربي " عام 1941،على أساس أن منظمتهم تهدف إلى إحياء المجد العربي ، كما أسسا " حركة نصرة العراق"·، عقب اندلاع ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق، التي اتهمت بعلاقتها بالنازية الهتلرية خلال الحرب العالمية الثانية([12]) ، لكن منذ عام 1943 أصبحت بيانات الحركة تحمل اسم "البعث العربي" ، الذي قصدو به ، إعادة نهضة الأمة العربية من خلال بعث الروح القومية فيها لتعود إلى أمجادها ، كما كانت في الماضي ، وافتتح أول مكتب للحزب منذ عام 1945 وكان عدد الأعضاء يصل إلى 400 عضو([13]).
لكن يرى بعض البحاث أن من الذين لهم دور في تأسيس البعث المفكر زكي الأرسوزي، الذي كان عضواً في عصبة العمل القومي عام 1932، لكنها انتهت عام 1940، إلا أن الأرسوزي عاود العمل في السياسة فأسس الحزب القومي العربي، الذي حاول نشر أفكاره في العراق، لكنه فشل، وتتسم أفكاره بأنها أفكار هدامة للمجتمع، فهو يعتبر أن كل من لا يؤمن بأفكاره خائناً، وكان إعجابه بالنازية وكتبها مثل أفكار نيتشه ، وفيختيه، وإعجابه بالشعر العربي الجاهلي الذي اعتبر عصره الفترة الذهبية للعرب، وتفضيله التكلم بالفرنسية على العربية، وعيبه على كل إنسان متأثر بالقرآن، كل هذه الأمور قد أبعدت الكثيرين عنه، حيث انتهى عمله السياسي بسقوط سوريا بيد الإنكليز وقوات فرنسا الحرة ، وذلك بعد فشل الثورة العراقية نهاية عام 1941([14])، وكانت أفكار الأرسوزي قد تأثرت، بسلب لواء الإسكندونة من سوريا عام 1939 كونه من لواء الإسكندرونة السوري ، ومن ضمن السوريين الذين هجروا بيوتهم وانتقلوا إلى بقية أنحاء الوطن السوري بعد ضم لواء الإسكندرونة إلى تركيا، حيث كان اللواء يحتوي على أقلية تركية ؛ لكن حدث اتفاق فرنسي تركي، لضم اللواء إلى تركيا، رغم احتجاجات سكانه الأكثرية الذين كانوا من العرب والأرمن، مما حذا الأرسوزي إلى الدعوة لاستنهاض الشباب العربي من أجل القضية العربية القومية، ورغم انضمام بعض المريدين إليه، إلا أنهم سرعان ما تركوه ؛ بسبب انفعالاته وعزلته، وانضموا إلى أحد مريديه وهو وهيب القائم الذي انضم إليه فايز إسماعيل ووصفي الغانم، الذين كان لهما الدور الأول في زرع بذور البعث الأولى في العراق، إلا أن كل هؤلاء كانوا متعلقين بأفكار ميشيل عفلق ، وصلاح الدين البيطار([15])؛ اللذين عبَّرا عن أفكارهما عام 1944، بقولهما : " لقد جئنا إلى الاشتراكية عن طريق الفكر والعلم، ووجدنا أنفسنا أمام تفسير بارع وساحر لكل المشاعر السياسية والاجتماعية التي ترهق العالم عموماً، والتي نعانيها نحن العرب بشكل خاص"([16]).
وسبب تأثر الاثنان بالاشتراكية ؛ أنه لم يكن أحد يتعاطف مع السوريين الموجودون في باريس سوى الشيوعيين والاشتراكيين، إلا أنهما تأثرا بالقومية بعد تحول روسيا في عهد ستالين إلى دولة قومية، وتخليها (عملياً) عن الشيوعية الأممية([17])، وقد سميا الحركة بحركة الإحياء العربي ، ومنذ عام 1943 استعملت اسم حركة البعث العربي، وفي عام 1945 تشكل أول مكتب تنفيذي للحزب.
وأول نواة للبعث العربي كانت عام 1940، وأصدرت أولى بياناتها عام 1941، دعماً للاضطراب السوري ضد فرنسا([18])، وبعدها استقال كل من ميشيل عفلق ، وصلاح الدين البيطار من التدريس عام 1942، وتفرغا للعمل الحزبي، ثم انضم مريدو زكي الأسوزي إلى تنظيم ميشيل عفلق عام 1945، وأصدر البعث صحيفة البعث في الثالث من يوليو عام 1946، رغم أن أول صحيفة سرية للبعث كانت قد صدرت عام 1932 باسم (العربي الجديد) ، ثم (العربي الاشتراكي) ([19])، وفي السابع من مايو 1947 تم انعقاد المؤتمر التأسيسي للحزب بمقهى الرشيد في دمشق ، وتميز بأن معظم أعضاءه كانوا من النخبة المثقفة ومن الطبعة الوسطى.
وقد اشترك في المؤتمر التأسيسي الأول جميع الأفراد الذين انتسبوا للحزب من سوريا ولبنان وكان عددهم لا يتجاوز مائة عضو، وقد ترأس الاجتماع عضو اللجنة التنفيذية جلال السيد، وقد برز في المؤتمر تياران: الأول: وصف بالاعتدال يتزعمه ميشيل عفلق وصلاح البيطار، والثاني: وصف بالتطرف يتزعمه وهيب الغانم الذي كان يصر على إبراز الهوية الاشتراكية للحزب ، وأهم النقاط التي دارت حولها المناقشات هي([20]):
* موقف حزب البعث من الدين والرجعية الدينية.
* مفهوم الوحدة والسياسة الخارجية على الصعيد العربي.
* الحرية الفردية.
* مفهوم الاشتراكية العربية.
ولقد انتهى المؤتمر بعد إقرار دستور الحزب وانتخاب لجنته التنفيذية الجديدة التي تشكلت من ميشيل عفلق والبيطار وجلال السيد ووهيب الغانم، واعتبر هذا التاريخ هو الميلاد الرسمي لحزب البعث العربي.
وقد رشح الحزب ميشيل عفلق للانتخابات البرلمانية عام 1947، ونجح فيها، ثم قاد ميشيل عفلق مع صديقه صلاح الدين البيطار، كتائب المتطوعين في حرب فلسطين عام 1948([21])، وأعقب ذلك مرحلة الاضطراب السياسي في سوريا ؛ بسبب الانقلابات العسكرية، مما زاد من قوة جاذبية الحزب من قبل النخبة المثقفة، إلا أنها تراجعت عن تأييدها لعميد الحزب ميشيل عفلق ؛ بسبب رسالته إلى الرئيس السوري المشير حسني الزعيم، الذي سجنه ، حيث احتوت تلك الرسالة على نوع من الخنوع والاستجداء، وهذا ما اعتبره البعض خيانة في حق الحزب، إلا أن معظم أعضاء الحزب رؤوا أن هذه الرسالة كانت ؛ بسبب ما لاقاه من تعذيب في سجن المزة ، وأنه قد ضحى بنفسه من أجل حماية الأعضاء الآخرين في الحزب ، حيث هدد الرئيس السوري بقتلهم.
وبعد سقوط نظام الرئيس حسني الزعيم عام 1949 ، عاد ميشيل عفلق إلى العمل بالسياسة ،ودخل الحكومة الجديدة ، وتسلم وزارة التربية بعد أن رشحه الحزب لذلك، لكن بعد انقلاب أديب الشيشكلي في سوريا أصدر عفلق بياناً ضد النظام الانقلابي ، ودعا لإبعاد الجيش عن السياسة ، وقد وافقه في العداء للدكتاتورية العسكرية ، زعيم الحزب العربي الاشتراكي أكرم الحوراني، الذي حوَّل حزب الشباب الذي أسسه عمه عثمان الحوراني، إلى الحزب العربي الاشتراكي، وقد تقاربت أفكار كل من الحزبين : العربي الاشتراكي، والبعث العربي، تجاه ديكتاتورية الشيشكلي، إضافة إلى تبنيهما الاشتراكية بدعوتهما للتأميم ، وإزالة الهيمنة الأجنبية ، وتوفير الخدمات الاجتماعية الشاملة ، إضافة إلى الدعوة للوحدة العربية، وفي عام 1954عقد المؤتمر القومي الثاني للحزب وغير اسم الحزب إلى حزب البعث العربي الاشتراكي بدلاً من حزب البعث العربي وانتخب قيادة قومية له تتألف من([22]):
1- الأمين العام للحزب وهو ميشيل عفلق.
2- القيادة القومية بعضوية كل من : أكرم الحوراني، وصلاح الدين البيطار وكلاهما من سوريا، وعبد الله الريماوي وعبد الله الفواس من الأردن، وعلي جابر من لبنان، وفؤاد الركابي من العراق.
وأخذ البعث في سوريا يزرع في نفوس الشعب أن الإقطاعيين يريدون أن يستنفذوا الثروة الوطنية ويخضعوها للمصالح الأجنبية، من خلال البرجوازية الوطنية، وأن استثمارات هذه البرجوازية مع الإقطاع الوطني هي استثمارات جاهلة للحكم والاقتصاد ؛ لأنها تريد تحويل البلاد إلى مزرعة لأبناء العائلات الإقطاعية والانتهازية التجارية، وأن هؤلاء عديمو الوطنية ؛ لأنهم عجزوا عن الدفاع عن الوطن في نكبة فلسطين عام 1948، وعجزوا أمام عودة الاستعمار بشكله الجديد الذي اتخذ شكل محاور ، وأحلاف في المنطقة، وعلى الجماهير أن تحتقر مستوياتها الجاهلة ، والتابعة ، والتقليدية ، والغيبية ؛ لأنها لا وطنية لها، وانتهازية، وفاسدة، وعميلة للرجعية الرسمية العربية، وللإمبريالية العالمية من خلال المخططات الاستعمارية مثل : مشروع الهلال الخصب تحت الحكم الهاشمي الرجعي الموالي للعميل نورى السعيد، أو من خلال مخطط سوريا الكبرى التابع للاستعمار البريطاني من خلال الأردن، لذلك فإن حزب البعث يرفض الواقع المتخلف من خلال الإقطاع والرأسمالية ويتطلع إلى بناء مجتمع عصري متحرر من الاستعمار كلياً، ومن الاستقلال والتخلف داخلياً، وذلك من خلال إقامة الدولة العربية الكبرى القادرة على تحرير وطنها ودحر محاولات الاستعمار الخارجية، وإعداد الإمكانيات البشرية والمادية لبناء المجتمع العصري المتقدم والعادل([23]).
وأنه ثورة ذات مضمون ثوري صحيح بكل أبعادها ، ومعانيها ، ومستوياتها ؛ لأنها قضاء على المصالح الإقليمية التي توضحت ، وترسبت عبر القرون، حيث تجابه هذه الثورة مصالح ، وطبقات الذين يعادون الوحدة العربية ويقفون في وجهها، وأن البرلمانية في الوطن العربي ليست سوى بناءاً كرتونياً هزيلاً ونسخةً مزيفةً عن البرلمانية الغربية، على أساس أنها لم تستطع مواجهة مهام النضال القومي الاشتراكي من جهة، ولم تستطع ترسيخ جذورها في الحياة السياسية، وأن الحزب يعارض الحكم الفردي، ويؤمن بالديمقراطية الثورية التي لا يمكن أن تأخذ مداها التطبيقي الفعَّال إلا إذا قامت على تنظيم شعبي طلائعي، يؤمن بديمقراطية الجماهير الشعبية، ويتيح المجال لدور طلائعي فعَّال للعمال ، والفلاحين خصوصاً، جماهير الكادحين عموماً، ويكون ذلك سيطرة الطبقة الكادحة على مقاليد السلطة وتخطى البرلمانية على اعتبار أنها إحدى أشكال سيطرة الطبقات البرجوازية ، والإقطاعية على الجماهير الشعبية، ويكون تحقيق الديمقراطية الشعبية من قبل الشعب بالتدريج، وبصورة دورية من الأسفل إلى الأعلى وخضوع الأقلية للأكثرية، خضوعاً مخلصاً وخضوع الهيئات الدنيا للهيئات العليا، وخضوع المنظمات لقرارات القيادة المركزية، وتوجيهها، والهدف النهائي هو إقامة مجتمع عربي اشتراكي موحد، تزول فيه الطبقات، وتنتهي فيه كل أشكال الاستغلال([24]).
وأنه حزب عربي شامل تؤسس له فروع في سائر الأقطار العربية، وهو لا يعالج السياسية القطرية، إلا من وجهة نظر المصلحة العربية العليا، وهو قومي شعبي انقلابي، يؤمن أن أهدافه الرئيسية في الوحدة والحرية والاشتراكية تسعى لتحقيق أهداف القومية العربية، وأنها لن تتحقق إلا عن طريق الانقلاب، وأن قضية فلسطين هي قضيته المركزية في النضال وهي أساس سياسته، وقوميته العربية ذات محتوى تقدمي·، فلا يتفق أو يتظاهر بالنزعة العنصرية ، أو الإقليمية ، أو العشائرية ، أو الإقطاعية ، أو البرجوازية ، أو الطائفية([25]).
وأن القومية العربية هي الشعور بالانتماء إلى كيان جماعي واحد هو الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، وهي التي تبلورت تاريخياً على مدى أكثر من أربعة عشر قرناً، بفعل الإسلام وحضارته، وبفعل اللغة العربية كأداة خطاب وتواصل، وبفعل الجوار الجغرافي، والتفاعل الاجتماعي كموحدات للمصير ، والمصالح ، وبفعل التحديات الخارجية من التتار ، والمغول ، والصليبيين إلى الاستعمار الغربي الحديث إلى الصهيونية التي خلقت وحدة الهموم والمصير([26]).
وأن جامعة الدول العربية هي تزوير لإرادة الأمة العربية، في الوحدة الحقيقية التي يهدف الحزب إلى تحقيقها، وأنها صنيعة استعمارية كان المقصود منها إضعاف إمكانيات الفئات التي أخذت على عاتقها إقامة الوحدة العربية الحقيقية([27]).
وفي كل ذلك يصف صلاح الدين البيطار حزب البعث بقوله:
"كان الحزب غير الأحزاب القائمة، لم يكن حزباً تقليدياً ، أو رجعياً، لم يكن يبحث فقط عن زيادة الأجور ، وتحديد ساعات العمل، وكل ما تقوم به الأحزاب التقليدية في البلاد العربية، بل كان حزباً يرمي إلى بعث حضارة يشارك فيها الجميع، ويتقدم الصفوف من هو المؤهل نضالياً للتقدم"([28]).
كما يوضح ميشيل عفلق أن البعث هو حزب شعبي، وأنه ضد أعداء الشعب، حيث يقول في ذلك:
" لو جعلنا الشعب العربي في صف، والذين يعادون ويعرقلون القضية القومية، ويقيمون في سبيلها، جعلناهم في صف أخر، فليس فقط الرأسماليون والإقطاعيون هم أعداء الشعب، بل أيضاً السياسيون الذين يتمسكون بالتجزئة ؛ لأنها تقيدهم شخصياً، وليس هؤلاء فحسب، بل أولئك الذين يسايرون الاستعمار بشكل من الأشكال، وأولئك الذين يعادون الفكر ، والعلم، والتطور .......والتفتح والتسامح، والذين يقاومون أو يحولون دون تجذر أمتنا، وضعناهم في صف، ومجموع الشعب في صف أخر، فنحن إذاً لا نقول أننا قسَّمنا أمنا إلى طبقات ، أو طبقتين"([29]).
هذه الأمور جعلت الكثير من القوى الشعبية تؤيد الحزب في خمسينات القرن العشرين، خاصة بعد اندماج البعث العربي مع الحزب العربي الاشتراكي عام 1952، ذلك الحزب الذي كان ذو طابع فلاحي، على اعتبار أن مؤسسه أكرم الحوراني كان عدواً لدوداً للإقطاع في سوريا، كما كان تنديد الحزب لبعض المشاريع الغربية مثل مشروع إيزنهاور، وحلف بغداد، والتحالف التركي الإسرائيلي، قد زاد من شعبية الحزب في أوساطاً القومين في سوريا، خاصة بعد تلاقيه في الأفكار مع الثورة المصرية بقيادة محمد نجيب في 23 يوليو 1952 ، وتأييده للوحدة بين سوريا ومصر، والعمل على تحقيقها باستقطاب بعض أفراد الجيش إليه، مما أدى لولادة الوحدة السورية المصرية، رغم عدم رغبة الكثير من السياسيين السوريين وعلى رأسهم الرئيس السوري شكري القوتلي للطريقة التي تمت بها الوحدة، بسبب ارتجاليتها ، وعدم دراستها دراسة علمية دقيقة من كافة النواحي.
لكن في عهد الوحدة، أُلغي حزب البعث العربي الاشتراكي نظرياً، كما أُلغيت جميع الأحزاب في سوريا، بعد قرار رئيس دولة الوحدة جمال عبد الناصر بضرورة إلغاء جميع الأحزاب السورية، وإقامة ما سمي آنذاك بالاتحاد القومي ؛ إلا أنه عملياً رفض البعث حل نفسه، وظل ميشيل عفلق الأمين القومي للحزب فقد جمع أعضاء الحزب في بيروت عام 1959، وعقد مؤتمراً حزبياً هناك وأكد في ذلك المؤتمر على ما يلي:([30])
1- إن الهدف من إقامة الوحدة كان ؛ لإيقاف المد الشيوعي الذي سيطر على سوريا في الشارع والمؤسسات قبل الوحدة.
2- إن الخلل والاضطراب داخل صفوف الحزب، قد قاد إلى تفتيت ، وانهيار المؤسسة الحزبية، وكان حل الحزب والوحدة مع مصر، طريق الإنقاذ للحزب.
وكان قرار حل الحزب قد تم من القيادة مباشرة دون التشاور مع أعضاء البعث حول ذلك، مع أن ميشيل عفلق كان يعلم أن عبد الناصر سيحكم دولة الوحدة بمؤسساته المعروفة والمعتمدة بالدرجة الأولى على أجهزة الأمن والمخابرات ، إضافة إلى شعبيته الطاغية، إلا أنه كان معتقداً أن عبد الناصر كان من الممكن أن يعطي البعث حصة الحكم في سوريا ، أو أن تعطي لميشيل عفلق رئاسة الاتحاد القومي، بعدما أُعطي أكرم الحوراني منصب نائب رئيس دولة الوحدة ([31]) ، إضافة إلى خمسة وزراء بعثيين في الحكومة المركزية لدولة الوحدة.
وظهر الخلاف بين قيادات البعث خلال عهد الوحدة، إلا أنهم ظلوا على صلة مع بعضهم البعض، ولم يلبث أن أخذ البعث يقاوم الأخطاء التي ظهرت في عهد الوحدة ؛ فقدم الوزراء البعثيون استقالتهم من الحكومة المركزية ، إضافة إلى نائبه أكرم الحوراني، وحاول ميشيل عفلق تأليب بعض الضباط المصريين ضد نظام الحكم ؛ إلا أنه عندما شعر بخطورة الموقف ذهب إلى بيروت حتى سقوط الوحدة على يد عبد الكريم النحلاوي عام 1961، حيث وقَّع اثنين من قادة البعث على وثيقة الانفصال وهما : أكرم الحوراني، وصلاح الدين البيطار، كما أن ميشيل عفلق قال حول ذلك: "الانفصال شر لابد منه"([32]) ثم أيد ذلك بقوله :
"كنا مقنعين بأن الوحدة العربية لن تقوم بدون مصر، ولم يكن ذلك لاقتناعنا بأنها ستكون بروسيا العالم العربي، وستحقق الوحدة بالقوة، ولا لأننا كنا نعتقد بأنه لا يمكن لأي بلاد أخرى أن تتخذ مركز التقاء، ولكننا فعلنا ذلك بشكل خاص؛ لأنه كانت أمامنا قوة العرقلة المصرية ، فقد كانت قادرة وتريد أن تقف بنجاح في وجه أي حركة نحو الوحدة تستبق مصر، مثلما أظهرت ذلك قصة مشاريع الهلال الخصيب المؤسفة "([33]) .
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه في ظل الوحدة ظل البعض من البعثيين بعد قرار حل الحزب عام 1958، متواجدين في بعض المناطق البعيدة عن دمشق مثل دير الزور واللاذقية، وكانوا على اتصال دائم باللجنة العسكرية البعثية التي تشكلت سراً في عهد الوحدة من عدداً من الضباط السوريين الذين تذمروا من حكم الوحدة، وشكَّلوا تنظيماً سرياً لإسقاط النظام القائم([34]) .
لكن سرعان ما انقلب زعماء البعث مرة أخرى على بعضهم البعض ، وذلك بعد تشكيل البعث رسميا مرة أخرى عام 1962، وقرر المؤتمر القومي الخامس للحزب طرد الحوراني من الحزب، ثم أخذ البعث يعمل على إسقاط نظام الانفصال في سوريا، فعمل على استمالة الضباط العسكريين القوميين والناصريين وأعضاء اللجنة العسكرية البعثية، للقيام بحركة الثامن من إبريل عام 1963 وساعدها في ذلك نجاح حركة البعث في العراق وسيطرتها على السلطة هناك وذلك في 8 مارس 1963، ومنذ تولي البعث للسلطة في كل من العراق وسوريا عام 1963، أصبح له جيشاً عقائدياً على أساس أن مهمته الدفاع عن الثورة داخلياً وخارجياً، وأن يكون البعث هو المشارك الفعلي في بناء الاشتراكية ، وأصبح ميشيل عفلق الموجه والمراقب للحزب([35]) .
وتجدر الإشارة هنا أن حركتي البعث في كل من العراق ، وسوريا لم تكونا عفويتين ، بل كانتا بعد اجتماع القيادة القومية لحزب البعث أوائل عام 1963 بمجموعات عراقية ، وسورية في بيروت، ودراستها سبل الإطاحة بنظامي عبد الكريم قاسم في العراق، وناظم القدسي في سوريا، وأن تكون الإطاحة في يوم واحد، لذلك ربطوا معهم مجموعة من الضباط – غير البعثيين إضافة للضباط البعثيين - لتحقيق نجاح الحركتين، وعلى هذا الأساس تشكلت لجنة سرية من ممثلي البعث وأعضاء من لجنة الضباط الأحرار القديمة([36]) .
كما تجدر الإشارة أيضا أنه في المؤتمر القومي الخامس لحزب البعث عام 1962 ، قد قل عدد أعضاء حزب البعث بشكل كبير، ولم يكن سوي إثنين في القيادة القومية، هما ميشيل عفلق وجمال الأتاسي ، وقد أعيد تشكيل القيادة القطرية لحزب البعث في سوريا بعد تكليف القيادة القومية لبعض البعثيين العراقيين ، ومنهم على صالح السعدي وهاني الفكيكي لتشكيلها في سوريا من جديد ؛ وكان ذلك بسبب الصراعات العنيفة بين البعثيين السوريين([37]) .
وبالنسبة للتنظيم الهرمي للحزب، فبناء على أن حزب البعث العربي الاشتراكي ، فهو يعتبر نفسه ممثلا للأمة العربية كلها من المحيط إلى الخليج ؛ فيكون له قيادة قومية تشمل الوطن العربي كاملاً ، وتتبعها القيادات القطرية، حيث بكل قطر عربي قيادة قطرية تسيِّر أمور الحزب في ذلك القطر، ويكون لها ممثل في القيادة القومية، ويحق له التصويت وإبداء الرأي والمشورة، كما تحتوي القيادة القومية على مجموعة مكاتب الحزب للإدارة والثقافة والعمال والرياضة والمالية، ومن رئيس وأعضاء المكتب السياسي([38]) .
وتعيينات قيادات الوحدات المختلفة تتم من الأعلى على كافة المستويات، وماعدا الأمين القومي (العميد) ، فإنها تنتخب من قبل المجلس الحزبي المؤلف من : العميد ، ورؤساء مكاتب الحزب وفروعه ، وأعضاء المكتب السياسي، والأعضاء المنتجون الذين يمثلون كل الفروع([39]) .
وقد كان هذا التنظيم يضم كل الأعضاء الرئيسيين الذين يكونوا مسؤولين بشكل خاص عن نشاطات الحزب وتقدمه، ومنهم يتم اختيار كل من العميد ، وأمناء الفرق، والشعب، وأعضاء الأجهزة الإدارية للفرع، ومختلف المكاتب، وهؤلاء ينتخبون مجلس الحزب([40]) .
وقد عرف المؤتمر التأسيسي للحزب عام 1947، العميد بأنه : المرجع الأعلى للحزب في كل سياساته، ومدير كل تنظيماته، وهو وحده يجري كل التعيينات في كل المناصب الحزبية الأساسية، وهو الذي يوقع على ترقي الأعضاء الرئيسيين، ولكن بعد عام 1954، تم تعديل بعد اللوائح ومنها([41]):
1- ألغي منصب العميد، وأصبح بدلاً منه أسم الأمين القومي العام .
2- أضيف إلى الوحدات السابقة، وحدتان تنظيميتان هما الحلقة التي تضم ثلاث إلى سبع أشخاص، والأمين القطري الذي تمتاز به القيادة القطرية، المنتخبة من القيادة القومية للحزب.
3- أُلغي الفاروق بين الأعضاء والأعضاء الرئيسيين، وأصبح الأعضاء هم المرشح ، والعنصر العامل ، ويترقى المرشح إلى عضو عامل بعد مضي ستة أشهر، ثم أوجدت بعد ذلك عضوية المؤيدين أو الأنصار· .
· البعث في العراق
العراق هو: إحدى الدول العربية الواقعة في المشرق العربي، ويشكل منفرداً الجزء الشرقي للبيئة الجغرافية والتاريخية المسمى الهلال الخصيب، وهناك آراء مختلفة عن أصل كلمة العراق حيث يرجح بعض المستشرقين أن مصدرها هي مدينة أورك السومرية القديمة والتي تسمى الآن بالوركاء ، ويرى البعض الأخر أن كلمة العراق مصدرها العروق نسبة إلى النهرين دجلة ، والفرات اللذين شبهتا بالعرق أو الوريد لأهميتهما بالنسبة للعراق ، ويرى البعض الآخر أنها سميت بالعراق نسبة إلى عروق أشجار النخيل التي تتواجد بكثرة في جنوب ووسط العراق بينما يرى الآخرون أن أصل التسمية هي عراقة المنطقة الموغلة بالقدم.
وأطلقت كلمة العراق ما كان يسمى ببلاد ما بين النهرين ، بيت نهرين Beth-Nahrain بالآرامية التي كانت تشمل الأرض الواقعة بين نهري دجلة والفرات بما في ضمنها أراضي تقع الآن في سوريا وتركيا ، ويعتبر العراق "مهد الحضارات" ، وله أكثر من ميناء بحري على الخليج العربي أهمها ميناء أم قصر. لذلك يعتبر العراق أحياناً أحد دول الخليج العربي ، لكنه ليس عضواً في مجلس التعاون الخليجي حيث يبلغ طول الساحل البحري للعراق أكثر من 20 كيلومتر، يمر نهرا دجلة والفرات في البلاد من شماله إلى جنوبه، اللذان كانا أساس نشأة حضارات مابين النهرين التي قامت في العراق على مر التاريخ حيث نشأت على أرض العراق وعلى امتداد سبعة آلاف سنة مجموعة من الحضارات على يد السومريين ، والأكاديين ، والبابليين ، والأشوريين ، والمناذرة ، وانبعثت من هذه الحضارات بدايات الكتابة ، وعلوم الرياضيات ، والشرائع في تاريخ الإنسان.
شكل رقم (1) خريطة للعراق تمثل جميع المحافظات العراقي
محافظات العراق حسب الخريطة :( بغداد ، 1) ، ( صلاح الدين-تكريت- ، 2 ) ، ( ديالى ، 3 ) ،( واسط ، 4 ) ،(ميسان ، 5 ) ، (البصرة ، 6 ) ، ( ذي قار ، 7 ) ، (المثنى ، 8 ) ،(القادسية،9 )، (بابل ، 10) ، (كربلاء ، 11) ، (النجف ،12 ) ، (الأنبار ، 13 ) ، (نينوى-الموصل- ، 14 )، (دهوك ، 15 ) ،(أربيل ، 16) ، (كركوك ، 17) ، (السليمانية ، 18)
وقد بدأ البعث في العراق في المدارس الثانوية في بغداد إضافة إلى جامعتها، وذلك من خلال بعض الطلبة السوريين الذين كانوا يدرسون في بغداد ومعظمهم من مريدي زكي الأرسوزي الذين انضموا لتنظيم ميشيل عفلق عام 1945، ومنهم: أدهم مصطفى، وسليمان العيسى ، وفائز إسماعيل، ثم أنضم إليهم فؤاد الركابي، وحازم جواد-ابن أخت فؤاد الكابي- ، وبعض المثقفين الآخرين، وكان أكثرهم من الشيعة الفقراء، ثم أمتد البعث إلى بقية المدن العراقية في الناصرية ، والرمادي ، والبصرة ، والنجف وغيرها من المدن العراقية·، وقد قاد البعث في العراق في هذه الفترة الطالب السوري : فائز إسماعيل ، ثم انتقلت القيادة إلى طالب سوري آخر هو:عبد الرحمن الضامن عام 1950، وذلك بعد عودة فائز إسماعيل إلى سوريا ، ثم تسلمها عام 1951 المهندس العراقي : فؤاد الركابي لمدة ثمان سنوات أي حتى عام 1959 ، وهو أول عراقي استلم قيادة التنظيم في العراق، ويتميز بانتمائه إلى عائلة شيعية فقيرة، وهذا ما جعله يتأثر بفكرة العروبة والاشتراكية التي ينادي هما البعث ، وقد انتسب إلى الحزب مائة عضو عام 1952، ومنذ ذلك الوقت اعترفت به القيادة القومية في سوريا ، وقد وصل أعضاءه عام 1955 إلى مائتين وتسعة وثمانين عضواً عاملاً ماعدا ألاف المؤيدين([42]).
أما الرعيل الثاني للحزب فقد ظهر في العراق بعد انتفاضة العراق عام 1952 ضد معاهدة بورتسموث، فظهر التيار العنيف في الحزب من خلال كل من: علي صالح السعدي، وسعدون حمادي ، وهاني الفكيكي وغيرهم، وبعد ذلك ظهر الرعيل الثالث للحزب من خلال كل من: فائق البزاز ، وعبد الخالق السامرائي ، وطارق عزيز وغيرهم ، وقد بدأ أعضاء البعث يتجهون إلى الجيش والكليات العسكرية منذ عام 1955، وكانت النشرات الطباعية للبعث تدعو للانقلاب منذ عام 1954، على أساس أن انقلاب البعث هو انقلاب على الذات ، كما اتبع البعث استراتيجية التحالف مع الشيوعيين ؛ الذين كان لهم قوة شعبية في العراق ، وكانت اتصالات البعث في العراق مع القيادة القومية في سوريا تقوم من خلال السفير السوري في العراق محمد كبول، والأمين القطري لحزب البعث في العراق فؤاد الركابي، إضافة إلى المراسلات المباشرة مع القيادة القومية في سوريا([43]).
أما الديناميكية التي وصل فيها البعث بأفكاره إلى العراق فكانت منذ عام 1950 تحت اسم نادي قومي سمي "نادي البعث العربي" ، كرد فعل للحركات الإقليمية في العراق، وإلى آمنت بالتقسيمات الاستعمارية للمنطقة العربية ، وخاصة الاتفاقية الاستعمارية للمنطقة العربية سايكس بيكو عام 1916 ؛ لذلك نادي هذا النادي بضرورة حل مشاكل العرب الاجتماعية ، والاقتصادية ، وتحقيق ثورة جذرية في المجتمع، وتحقيق دولة موحدة مستقلة للعرب.
لكن مما تجدر الإشارة إليه أنه قبل ذلك كانت أفكار البعث ، قد صدرت قبل تأسيس ذلك النادي، وكانت سبباً في تأسيسه، حيث كان قد صدر كراسان موقعان في العراق منذ عام 1948، أي بعد سنة واحدة من تأسيس حزب البعث في سوريا ، وحمل الأول من هذان الكراسان عنوان : "أحاديث البعث العربي"، والثاني كان بعنوان : " في السياسة العربية" وقد أكد كل منهما على مطالب الشعب، ورفض الحزب لكل المساومات وطالب بالحلول الجذرية ، والتأكيد على وحدة المصير ، وأن طريق الثورة هو الحل ؛ لتحقيق التغيير ، ثم استمرت المنشورات ، والملصقات تشمل كل أنحاء العراق ، خاصة بعد تأسيس فؤاد الركابي عام 1952 لصحيفة: الأخبار البغدادية التي أعلنت عن تشكيل حزب البعث العربي في العراق، ودعا إلى القيام باضرابات طلابية في بغداد في انتفاضة 1952 في العراق ؛ لأن معظم أعضاء البعث في العراق كانوا من الطلاب وقد استنكر الحزب في هذه الانتفاضة اعتداءات الحكومة على كلية الصيدلة ، والكيمياء ، ودعا لمواصلة النضال ضدها ثم أصدر في عام 1953، صحيفة سرية باسم " العربي الجديد " ، ثم غيَّر الاسم إلى " العربي الاشتراكي " ، ثم إلى "الثورة العربية"([44]).
وقد قاوم البعث في العراق سياسة رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد عام 1995 ؛ على أثر حلف بغداد وُسجن قسماً منهم بسبب ذلك ، مما حذا بالحزب إلى إصدار بياناً ضد هذا الحلف الذي سماه ؛ حزب نوري مندريس نسبة إلى رئيسي وزراء كل من العراق وتركيا وقد جاء في البيان:
" إن إعلان هذا البيان المشترك لا يعتبر تحدياً صريحاً لإرادة شعبنا في التحرر والإنعتاق، فحسب، ولكن الشعب الذي صارع الاستعمار طوال السنين المنصرمة، وسجل في صراع مواقف بطولية خالدة سيقاوم اليوم بشدة أية اتفاقية استعمارية، وخاصة مع تركيا، تركيا سالبة لواء الإسكندرونة العربي، تركيا صديقة إسرائيل، تركيا التي طالبت ببقاء الجيوش البريطانية في قناة السويس، تركيا التي أرادت سلب لواء الموصل من العراق، تركيا حليفة إسرائيل، لقد آن لجماهير الشعب أن تخلع عنها رداء القنوت والانزواء وتبدأ كفاحها لإسقاط حكومة نوري السعيد، وإلغاء معاهدة 1930 العراقية البريطانية ؛ لإحباط الاتفاق العراقي التركي والمؤامرات الاستعمارية"([45]).
ولقد لبَّت الأحزاب الوطنية في الكليات والمدارس العراقية بمساندة الشعب العراقي هذا النداء، وأغلقت أبوابها، واعتقلت الحكومة العراقية الكثير من البعثيين ، وقد ترابط البعث في العراق خلال هذه الفترة مع الحركة القومية العراقية، التي تأثرت بالثورة المصرية في 23 يوليو 1952، وعرفت بعد ذلك بالحركة الناصرية في العراق كما في سوريا، لكن لم يجمعهم تنظيم مشترك واحد، وكانت أهم مبادئها هي([46]):
1- تحقيق الاستقلال الوطني وتنميته.
2- مكافحة جميع أنواع الاستعمار.
3- اعتناق مبدأ عدم الانحياز في السياسة الخارجية العراقية.
4- تنمية الاقتصاد ، والاجتماع، وكل نواحي الحياة في المجتمع.
5- تحقيق الاستقلال الاقتصادي.
6- السعي للوحدة العربية، وإبراز قوة العرب أمام الدول العظمى.
7- تحقيق الاشتراكي في المجتمع العربي بتحقيق سيادة الشعب.
8- تنبثق القيادة السياسية عن تحالف طبقات الشعب العاملة.
9- الإيمان بالصراع الطبقي بشكل سلمي.
10- تحقيق السلطة القوية القادرة على تطوير المجتمع المتخلف.
وفي منتصف عام 1953، عقد أول مؤتمر قطري للحزب، رافعاً شعار "إتحاد وطني لإسقاط النظام الملكي"، ثم قام عام 1956 بالمظاهرات ضد العدوان الثلاثي على مصر، ودعا إلى إضراب عام في السادس عشر من أغسطس 1956 وقاد علي صالح السعدي المظاهرات ضد الحكومة، واصطدم معها في مظاهرة الجسر التي وقع منها ا لكثير من الضحايا البعثيين([47]).
أصدأ
وقد مرَّ حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق ـ القيادة القطرية ـ بظهور اتجاهين متضاربين في أول مؤتمر قطري له عام 1953، وهذين الاتجاهين هما:([48]).
1- اتجاه على صالح السعدي: الذي رأى أن ضعف الالتزام عند بعض الأعضاء وعدم تقيدهم بواجباتهم الحزبية، وعدم حضورهم اجتماعات الحزب بشكل منظم، سيؤدي إلى ضعف الحزب، لذلك فهو يرى ضرورة أن يضم الحزب أعضاء صداميين ، يلتزمون بأوامر الحزب، ويتحملون التضحيات التي قد يتعرضون لها، حتى يستطيع الحزب أن يعتمد عليهم، ويوكل لهم المهمات التي تتطلبها الظروف، وضرورة فصل الأعضاء غير الملتزمين.
2- اتجاه حازم جواد، الذي يرى عدم فصل هؤلاء الأعضاء، وإعطاءهم الفرصة لتأكيد ولاءهم ومواقفهم الحزبية.
وقد حل الخلاف بين هذين التيارين بانتخاب أعضاء القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في العراق، وعلى رأسهم فؤاد الركابي، وفصل الأعضاء الغير ملتزمين مع تجميد قسماً منهم.
وفي عام 1955 قامت السلطات العراقية باعتقال الأمين القطري للحزب في العراق، بسبب استعمال الحزب لطابعة تنشر منشورات ضد الحكومة بعدما كان أعضاء الحزب يكتبون في صحيفة " الحرية " منذ عام 1954 ؛ لكن أفرج عنه ، وبعد ذلك عقد فؤاد الركابي اجتماعاً ضم القيادة القطرية في العراق عام 1957 وذلك للبحث في الأمور الداخلية التي تهم المجتمع العراقي، وقد قررت القيادة عدداً من الأمور أهمها([49]):
1- تنظيم أعضاء الحزب خارج بغداد.
2- موقف الحزب من جبهة الاتحاد الوطني التي انعقدت مع مجموعة من الأحزاب السياسية العراقية ومنها حزب البعث ؛ للاتفاق على إسقاط النظام الملكي العراقي، وقد ظهر شيئاً من الخلاف بينه ، وبين الحزب الديمقراطي الكردي (البارتي) ، ولم يشجع البعث التعاون معه على عكس الحزب الشيوعي في العراق.
وعلى مستوى الوطن العربي هاجم الحزب في العراق، نظام الرئيس السوري أديب الشيشكلي، واعتبره ديكتاتورياً، ودعا إلى جبهة وطنية موحدة تضم جميع الكتل السياسية والحزبية في سوريا لإسقاطه ؛ إلا أنه رفض محاولة النظام الملكي العراقي إسقاط النظام السوري ، على اعتبار أن ذلك يخدم الاستعمار البريطاني، الذي يحاول الإطاحة بالنظام السوري العميل للولايات المتحدة، وشجب الحزب محاولات الحكومة العراقية إثارة عدم الاستقرار السياسي في سوريا بتهريب السلاح إلى مؤيديها في سوريا، وعلى الصعيد الأردني رحب البعث في العراق بإبعاد كلوب باشا عن قيادة الجيش الأردني عام 1956، وطالب بإلغاء المعاهدة البريطانية الأردنية ، والاستغناء عن الإعانة المالية البريطانية، وقبول الإعانة العربية، والانضمام إلى المواثيق العربية، وتقوية الجيش الأردني لمجابهة إسرائيل، واعتبر الوحدة العراقية الأردنية بما عرف بالاتحاد الهاشمي الذي تم عام 1958، بأنها كانت بإيعاز من الاستعمار ضد الوحدة السورية المصرية، وأيد الثورة المصرية عام 1952، لكنه ندد بتقارب الرئيس المصري محمد نجيب من الولايات المتحدة، واعتبر ذلك دليلاً على محاولة جديدة من الاستعمار لتكبيل مصر، بيد أنه غيَّر موقفه بعد تأميم قناة السويس، وقال بيان القيادة القطرية حول ذلك: " تأميم قناة السويس نصر جديد للسياسة العربية التحررية"، ودعا الحزب إلى دعم الثورة الجزائرية التي ابتدأت عام 1954، ودعا لاستقلال المغرب وتقديم الدعم الموحد لكل من المغرب والجزائر، وإلى تقديم ما يلزم للثورة الجزائرية([50])، ثم أيد الإضرابات التي قام بها العمال في الشركات النفطية، في شركة الدخان العراقية، وفي كل أنحاء الوطن العربي، فحين أضرب عمال شركة أرامكو الأمريكية السعودية، دعا الحزب لمساندة عمالها، وشجب موقف النظام السعودي في ذلك الوقت([51]).
وفي إطار محاولات البعث في العراق ؛ لإسقاط النظام الملكي العراقي، أيَّد الحزب إضراب عمال النفط في البصرة عام 1953، ووجَّه نداءاً بضرورة مساندتهم ضد استغلال شركات النفط ، وضد الحكم الذاتي الذي كان يدعم تلك الشركات، وهاجم الحزب شركة نفط كركوك من موقفها من العمال، وأكدت صحيفته أن عيد مايو 1956 يجب أن يكون حافزاً لجمع العرب ؛ من أجل تحرير الأمة العربية من الاستعمار والاستغلال، ودعا العمال العراقيين للثورة ضد مستغليهم، وحثَّ نقابات العمال على العمل من أجل العمال، وهاجم الحكومات العراقية الداعمة للاستقلال ، واعتبرها عميلة للغرب وضد مصلحة الشعب، وشدد على الحكومات التي يرأسها نوري السعيد ، أو أحد مواليه، وهاجم رأي نوري السعيد في حل قضية الإقطاع في العراق، بأن توزع أراضي الإقطاعي على أولاد الاقطاعي بعد وفاته ثم على أحفاده بعد وفاة الأولاد، وبذلك تنتهي مشكلة الإقطاع بعد جيلين أو ثلاثة، واعتبر هذا الرأي خاطئاً ؛ لأن الفلاح العراقي وفق ذلك عليه أن ينتظر عشرات السنين ؛ ليحصل على العدالة في المجتمع، واعتبر الحزب أن كل الحكومات العراقية الملكية موالية لنوري السعيد ورجعية ومفروضة على العراق، ودعا الأحزاب العراقية إلى ضرورة الالتفاف حول جبهة الاتحاد الوطني ؛ لإسقاط النظام الملكي وتحرير العراق([52]).
كل هذه الأمور جعلت حزب البعث في العراق مساهماً أساسياً في إسقاط النظام الملكي في العراق في ثورة 14 يوليو 1958 بقيادة عبد الكريم قاسم ، كما كانت قيادة البعث على علم دقيق وتفصيلي بتلك الثورة وبتنظيمات ضباطها، ولعب الأمين القطري للبعث في العراق فؤاد الركابي دور همزة الوصل مع الجيش، وخاصة مع عبد السلام عارف، وناجي طالب، ورفعت الحاج سري، وناظم الطبقجلي ،وعبد الوهاب الشواف ، ونجيب الربيعي، وأصبح عبد السلام عارف المعبِّر الأساسي عن أفكار الثورة، ورغم حل القيادة القومية في سوريا نظرياً؛ إلا أن الصلات بين القيادة القومية المنحلة بقيادة ميشيل عفلق ، والقيادة القطرية في العراق ظلت كما هي، واعتلى فؤاد الركابي إحدى الوزارات العراقية في حكومة عبد الكريم قاسم([53]).
وبحدوث الخلاف بين عبد الكريم قاسم ، وعبد السلام عارف، انحاز البعث إلى عبد السلام عارف ذو العلاقة الحميمة بفؤاد الركابي، حيث كان عبد السلام عارف متوافق الآراء مع البعث حول الوحدة، وحول العلاقة مع الجمهورية العربية المتحدة، وقد حاول البعث تهريب عبد السلام عارف من السجن عندما سجنه عبد الكريم قاسم، وحرص البعث أيضاً على تقديم مساعدة عائلته مالياً عندما كان في السجن([54]).
وما زاد من عداء البعث لعبد الكريم قاسم، إضافة إلى سجنه لأهم أصدقاء البعث في حينها وهو عبد السلام عارف، أن قاسم اعتمد الديكتاتورية الفردية في حكمه؛ بسبب ما أعطى لنفسه من صلاحيات في الدستور الذي أقامه من خلال قوته العسكرية، بعد أن حلَّ جبهة الأحزاب التي تألفت في العراق عام 1957، وأسقطت الحكم الملكي عام 1958، وكان حزب البعث من أهم أعضائها، فقد أصبح قاسم بموجب الدستور الذي وضعه هو رئيساً للوزراء، الذي كانت له كل الصلاحيات التنفيذية في الدولة، ولم يكن ما سمي بمجلس السيادة برئاسة نجيب الربيعي أي شأن، سوى التوقيع على المعاهدات ، والقرارات التي يقررها قاسم، كما سيطر قاسم على التشريع بموجب الدستور، وخاصة من خلال مادتيه الحادية والعشرين والثانية والعشرين، ولم يكن للوزراء أي سلطة على قاسم، خاصة أنه قد احتفظ لنفسه بقيادة الجيش ووزارة الدفاع، كما أجاز قاسم للحزب الشيوعي الذي شكله هو بعد أن حل الحزب الشيوعي القديم، وأجاز الحزب الوطني الديمقراطي ذي الاتجاهات الإقليمية ، والحزب الوطني الكردستاني ذي النزعة القومية الكردية الانفصالية ، رغم أن الغرب عمل على إثارة الأكراد في الشمال من خلال تركيا وإيران ضد نظام عبد الكريم قاسم، وشجعوا المعارضة الطائفية ضده ، من خلال ما عرف بحلف السنتو وهو نفس حلف بغداد بعد سقوط النظام الملكي العراقي وخروج العراق منه ، حيث كان قد تحول إلى هذا الاسم ، كما قام قاسم بتشجيع وإجازة التيار الإسلامي ؛ لأجل استغلاله ، وإتباعه أسلوب وجود قوي متقاربة القوة لضربها ببعضها البعض، بحيث تضعف وتنهي نفسها بنفسها ، كل هذه الأمور جعلت بعض الوطنيين الوحدويين ومنهم عبد الوهاب الشواف، ورفعت الحاج سري، وناظم الطبقجلي ، وغيرهم، يعارضون حكم قاسم، مما حذا بهم إلى القيام بثورة الموصل عام 1959 ـ لكنها فشلت وأعدم القائمين فيها ـ وعملت الأحزاب الموالية لقاسم ، وأهمها الحزب الديمقراطي الكردستاني ، والحزب الشيوعي على تصفية وقمع كل من كان له علاقة بالثورة، رغم أن معظمهم قد شارك في ثورة 14 يوليو 1958 ، واشتهروا بوطنيتهم، ثم كان إتباع قاسم لسياسة العزلة السياسية عن الأقطار العربية ، وتأكيده على الطابع المحلي للثورة، واتِّخاذه سياسة خارجية ارتجالية بدون أي ضوابط أو محددات، وإخضاعها له بشكل مطلق، وخلقه لأزمة الكويت عام 1961، مما أثار عداوات بعض الدول العربية ضده، إضافة إلى محاولاته استرجاع مناطق الإمتيازات النفطية الخاصة بالشركات الأجنبية ؛ مما أثار له خصومات كبيرة مع دول الغرب، ثم خلقه لأزمة الأكراد من خلال إعطائه صلاحيات كبيرة للحزب الوطني الكردستاني، وإجازة تسليحه، وارتفاع نفوذ التيار الشيوعي في عهده ، وتنكره لأهداف ثورة 1958، التي كان من أهدافها تحرير العراق من الاستغلال الاقتصادي، وإنهاء القيود التي فرضت على حريات الشعب وحقوقه وإنهاء الوجود الاستعماري على أرض العراق وإرجاعه إلى الركب العربي مع تحقيق الديمقراطية الشعبية ، ورفع مستوى الطبقات الفقيرة([55]).
كل هذه الأمور ألقت على عاتق البعث العراقي مهمة إسقاط عبد الكريم قاسم، خاصة وأنه لم يبقى في الساحة السياسية سواه ، حيث أصبح يعمل في السر بالاتفاق مع القيادة القومية المنحلة نظرياً في سوريا ، وكان لسريته خلال هذه الفترة وقعاً نفسياً ، وسياسياً ، وثقافياً مؤثراً على مريديه الذين كانت تتوافر فيهم النضالية ، والصدامية ، والصمود ، والكتمان ، والطاعة العمياء لمرؤوسيهم ، معتمدين على نظام الأرقام للأعضاء، كما أخذ الحزب على عاتقه أنه لابد من إزالة النظام على اعتبار أن البعث يمثل الأمة والشعب ؛ لذلك حاول البعث إحداث انشقاقات في نظام عبد الكريم قاسم ، ثم حاول قتله عام 1959 من خلال بعض الأعضاء البعثيين، حيث تم التنسيق بين فؤاد الركابي في العراق، وحازم جواد الذي كان لاجئاً في سوريا وبين بعض البعثيين في العراق ، كما كان يتم تهريب السلاح عبر الحدود إلى العراق، من خلال العقيد السوري أمين الحافظ· ، وقد تمت محاولة الاغتيال بالتنسيق أيضاً مع القيادة القومية المنحلة في سوريا ؛ لكن فشلت المحاولة وقتل في العملية عبد الوهاب العزيري، وهرب فاتك الصافي، وصدام حسين مجيد التكريتي، كلاجئين إلى سوريا، وقد أصيب صدام حسين بساقه في هذه العملية ([56]).
كما كان نظام الوحدة بين سوريا ، ومصر يقدم المساعدات للبعثين العراقيين من مساعدات مالية ، وأجهزة إرسال إذاعي، واتصالات لاسلكية، ويدربهم في معسكرات خاصة؛ بسبب الخلاف بين نظام الوحدة بقيادة عبد الناصر ـ ونظام عبد الكريم قاسم في العراق ، كما أشرف أحد البعثيين العراقيين ضمن الجمهورية العربية المتحدة في دمشق على إذاعة " صوت العراق الحر " وهو عبد الهادي الفكيكي([57]).
كما كان هناك تنسيق بين البعث في العراق والسفارة الأمريكية عن طريق مساعد الملحق العسكري في بغداد وليم ليكلاند منذ عام 1962 ؛ بغية إسقاط عبد الكريم قاسم([58]).
وكانت استراتيجية البعث لإسقاط عبد الكريم قاسم ، هو التعاون مع الضباط العسكريين في الجيش الذين رفضوا مواقف قاسم ، وتذمروا منها وأيدوا التعاون مع القوميون الوحدويين والناصريين والبعثيين ([59]).
ثم قام البعث بإشعال المظاهرات في بغداد للاحتجاج على ارتفاع أسعار البنزين في مارس 1961، ثم حدث إضراب عام 1962 للاتحاد الوطني لطلبة العراق، ثم اتبعه اضطراب الطلبة في كلية الآداب ، بعد فترة وجيزة من نفس العام، وفي بداية عام 1963، أصدر الاتحاد الوطني لطلبة العراق، نداءاً إلى جميع منظمات الطلبة ، والشبيبة في العالم لتحقيق عدة مطالب، ثم حدث اعتصام مائتي طالب في مقر جامعة بغداد، وأعلنوا إضرابهم عن الطعام، ثم حدثت مواجهات بينهم ، وبين الانضباط العسكري، وفي هذه الأثناء أقرت القيادة القطرية في العراق التعاون مع الأكراد؛ لإسقاط عبد الكريم قاسم، مقابل إقرار الحقوق الثقافية للأكراد ولامركزية الحكم فيما لو استلم البعث السلطة في العراق([60]).
كل هذه الأمور أثارت الرأي العام في العراق، ومهَّدت الأجواء لتدخل بعض ضباط الجيش البعثيين ضد نظام عبد الكريم قاسم، حيث قاموا بحركة الثامن من فبراير 1963، وقتلوا قائد القوة الجوية، ثم قصفوا وزارة الدفاع، وفي اليوم التالي ، تم قتل عبد الكريم قاسم([61])، وهكذا وصل البعث إلى السلطة في العراق، وكان أهم رموزه خلال هذه الفترة علي صالح السعدي الذي تسلم الحرس القومي، وأحمد حسن البكر الذي عينه البعث رئيساً للوزراء ، حيث لم يرد البعث احتلال منصب الرئاسة، على اعتبار أنه استلم الحكومة برئاسة أحمد حسن البكر ، وكان عبد السلام عارف حليفاً رئيسياً للبعث، واستولى البعثيون على معظم الوزارات العراقية ، وخاصة الرئيسية منها، أما حازم جواد فقد تسلم القيادة القطرية للحزب في العراق، وعلى هذا الأساس فقد أصبح الحكم بعثي يؤازره بعض القوميين الناصريين وعلى رأسهم عبد السلام عارف.
وعلى ذلك يلاحظ من خلال دراسة مرحلتي نشوء البعث في سوريا والعراق، عدة أمور تميز فيها حزب البعث سواء بقيادته القومية ، أو بقيادتيه القطريتين في سوريا ، والعراق وأهم هذه الأمور هي:
1- ظهرت مشاهد انقسام عديدة في الحزب أهمها: انقسام الأمين القطري في الأردن عبد الله الريماوي ، بعد أن اتهمته القيادة القومية بالخيانة ؛ لأنه تعامل مع مخابرات عبد الحميد السراج في عهد الوحدة، وانقسام الأمين القطري في العراق فؤاد الركابي، حيث اتهمته القيادة القومية المنحلة نظرياً في عهد الوحدة ؛ بعدم تنفيذ أوامر القيادة، فشكل في مصر تنظيم الوحدويين الاشتراكيين، وأصبح وثيق الصلة بعبد الناصر في مصر، وفي المؤتمر القومي الخامس في بيروت، ظهر انقسام أحد قيادتي الحزب في سوريا وهو أكرم الحوراني ، الذي انفصل عن البعث وشكل حزباً جديداً هو "الاشتراكيون العرب" ، وكان ذلك بسبب خلافه مع ميشيل عفلق حول قيادة الحزب، ثم ظهر في المؤتمر القومي السادس عام 1963، مشهد انقسام علي صالح السعدي عن حازم جواد، بعد وصول البعث إلى السلطة في العراق، ثم انفصال القيادة القطرية في العراق عن القيادة القومية، وهذا سهَّل كما سنرى في الفصل القادم، من اختراق الحزب من قبل بعض العناصر العسكرية، وعلى صعيد سوريا أيضاً حدث فيما بعد انقسام القيادة القطرية عن القيادة القومية في سوريا عام 1966، حيث كانت بوادر هذا الانقسام منذ الوحدة بين سوريا ، ومصر عام 1958، وذلك عندما قام نائب حماه عبد الكريم زهور، بالسعي للانفصال عن القيادة القومية، بدعوى أنها قبلت بحل الحزب، فتألفت حركة سيناء فيما بعد من قبل مجموعة من العسكريين البعثيين ، التي قامت بحركة 23 فبراير 1966 في سوريا ، واتهمت القيادة القوية بالعمالة والسقوط([62]).
2- تميز معظم أعضاء البعث بالشباب، وكان معظم البعثيون من الطبقات البرجوازية الصغيرة، أو من الطبقات الكادحة، وكانت في معظمها من أصول قروية، وفي العراق تحديداً تميزت معظمها بأنها شيعية، حيث كانوا متأثرين بوضعهم الطبقي، في ظل نظام معظم ضباطه من السنة([63]).
3- الصلات القوية بين القيادات القطرية في كل من سوريا والعراق، فقبل وصول البعث إلى السلطة في العراق كان يتلقى الدعم من القيادة القطرية والقومية في سوريا، وعندما وصل البعث إلى السلطة في العراق عمل على إثارة عدم الاستقرار الداخلي في سوريا ضد النظام السوري في عهد ناظم القدسي ، مما أدى إلى سقوطه بعد شهر واحد فقط من وصول البعث العراقي إلى السلطة في العراق([64]).
4- تميزت بعض قيادات البعث في العراق بأنها لم تكن على درجة كبيرة من التمرس السياسي ، أو المستوى العلمي، الذي يؤهلها لتسلم حكم العراق، إضافة إلى ما كان له دور في وصولها إلى هذه المراكز الحساسة، من عوامل إقليمية ومذهبية فعلى سبيل المثال كان علي صالح السعدي ، وهاني الفكيكي، وصلاح التكريتي، معلمين ابتدائي ، أما أحمد حسن البكر ومروان التكريتي وصالح مهدي عماش، فكانوا ضباطاً([65])، وبالنسبة إلى صدام حسين التكريتي فقد كان طالباً في الحقوق لم يكمل دراسته ، لكن القيادة القطرية في العراق أتاحت ترفيعه من عضو عادي في الحزب إلى عضو في القيادة القطرية في الحزب، وأصبح له رأي مسموعاً أمام أرفع السلطات الحزبية ، خاصة بعد توصية الأمين القومي للحزب به ([66]).
مما سبق نرى أن نشوء حزب البعث في كل من سوريا والعراق كان متأثراً إلى حد بعيد بمشكلات المجتمع السوري أوالعراقي، وبالوضع الاجتماعي والسياسي لأفراد الشعب العراقي ، إضافة إلى الوضع الإقليمي والعالمي، فكل هذه الأمور ساهمت في وجوده على الساحة العراقية، ومن ثم نفوذه من خلال الجيش إلى السلطة في بداية عام 1963م.
المطلب الثالث
أيديولوجية وفكر حزب البعث وآراءه
حول التمايزات المجتمعية في المجتمع العربي
ا ـ أيديولوجية حزب البعث العربي الاشتراكي
لابد لتبيان أيديولوجية حزب البعث من التعرف على مبادئه التي نادى بها في مؤتمره التأسيسي عام 1947، وما طرأ عليها من تعديلات بعد ذلك، وهل تناسبت هذه الأيديولوجية بتطوراتها مع تطورات المجتمع خاصة في الأقطار التي ظهر فيها البعث بقوة مثل سوريا ، والعراق، ثم نأتي إلى تفسير هذه الأيديولوجيا على ضوء فكر المؤسس الرئيسي لحزب البعث العربي الاشتراكي وهو ميشيل عفلق، إضافة إلى بعض المنطلقات النظرية في فكر الحزب .
مبادئ حزب البعث في مؤتمره التأسيسي([67])
1- حزب البعث العربي الاشتراكي هو حزب عربي شامل تؤسس له فروع في سائر الأقطار العربية ، وهو لا يعالج السياسية القطرية ، إلا من وجهة نظر المصلحة العربية العليا.
2- أنه حزب قومي يؤمن بأن القومية العربية حقيقة حية خالدة ، وأن الشعور القومي الواعي الذي يربط الفرد بأمته ربطاً وثيقاً هو شعور مقدس.
3- يؤمن بأن أهدافه الرئيسية في بعث القومية العربية، وبناء الاشتراكية لا يمكن أن تتم إلا عن طريق الانقلاب والنضال، وإن الاعتماد على التطور البطيء والاكتفاء بالإصلاح الجزئي السطحي يهدد هذه الأهداف بالفشل والضياع.
4- حرية الكلام والاجتماع والاعتقاد مقدسة، ولا يمكن لأي سلطة أن تنتقصها.
5- السيادة ملك الشعب، وأن قيمة الدولة ناجمة عن انبثاقها عن إرادة الجماهير، كما أن قدسيتها متوقفة على مدى حريتهم في اختيارها.
6- إقامة نظام نيابي دستوري، السلطة التنفيذية فيه مسؤولة أمام السلطة التشريعية التي ينتخبها الشعب مباشرة.
7- السلطة القضائية مصونة ، ومستقلة عن أية سلطة أخرى، وتتمتع بحصانة مطلقة.
8- يسعى الحزب لوضع دستور للدولة ؛ يكفل للمواطنين المساواة المطلقة أمام القانون، والتعبير بملء الحرية عن إرادتهم ، واختيار ممثليهم اختياراً صادقاً ويهيئ لهم بذلك حياة حرة ضمن نطاق القوانين.
9- اعتبار الاشتراكية ضرورة منبثقة من صميم القومية العربية، واعتبارها النظام الأمثل الذي يسمح للشعب العربي بتحقيق إمكانياته، وتفتح عبقريته على أكمل وجه.
10- الثروات الاقتصادية ملك للدولة.
11- يمنع استثمار جهد الآخرين.
12- يعاد توزيع الثروات توزيعاً عادلاً.
13- تدير الدولة المؤسسات ذات النفع العام، وتمتلك وسائل الإنتاج الكبرى ومصادر الثروة.
14- تشرف الدولة على التجارة الداخلية ، والخارجية إشرافاً مباشراً.
15- تحدد الملكية الزراعية بمقدور المالك على الاستهلاك.
16- تباح ملكية العقارات على ألا تستثمر.
17- يشترك العمال في إدارة المعمل ويمنحون نصيباً في الأرباح عدا أجورهم.
18- يوضع برنامج شامل للتصنيع على ضوء أحدث النظريات.
19- يؤمَّن الطب للجميع.
20- العمل إلزامي للجميع وتضمن الدولة معيشة العاجزين.
21- يلغى التفاوت الطبقي والتمايز الطبقي.
22- حرية التملك والإرث مصونة في حدود المصلحة القومية.
وقد نص دستور البعث على أن العرب أمة واحدة ، وإن المشاكل القطرية يجب أن تحل على أساس النظرة القومية، لهذا السبب فقد رفض البعث تحديد عمله في قطر عربي واحد، واعتبر أن مجال عمله يشمل جميع الأقطار العربية([68]).
ويرى أن الاشتراكية هي اشتراك جميع أفراد المجتمع في إنتاج الثروة وتوزيعها ؛ بقيام الدولة بالهيمنة على هذين الجانبين الإنتاج والتوزيع، على اعتبار أنهما أساس الحياة الاقتصادية، وهذه الاشتراكية لا تنكر وجود الدولة أو تعاديها لكنها تثق في الدولة ومقدرتها على إدارة ، وتوجيه الحياة الاجتماعية ، والاقتصادية بما يقضي على الشرور الناجمة عن الحرية الفردية، ويؤدي إلى تحقيق الرفاهية الاجتماعية التي تتضمن كفالة مستوى لائق من المعيشة للأفراد وخاصة الطبقات الفقيرة، فغاية الاشتراكية هي الفرد وتحقيق نموه الكامل بعيداً عن استغلال الطبقات المالكة ، والرأسمالية([69]).
ويرى البعث أن العرب أمة واحدة لها حقها الطبيعي في أن تحيا في دولة واحدة وأن تكون حرة في توجيه مقدراتها، ولهذا فإن حزب البعث يعتبر أن([70]):
1- الوطن العربي وحدة سياسية اقتصادية لا تتجزأ، ولا يمكن لأي قطر من الأقطار العربية أن يستكمل شروط حياته منعزلاً عن الآخر.
2- الأمة العربية وحدة روحية ثقافية وجميع الفوارق القائمة بين أبناءها عرضية زائفة تزول بيقظة الوجدان العربي.
3- الوطن العربي للعرب، ولهم وحدهم حق التصرف بشؤونه وثرواته وتوجهي مقدراته.
كما يعتبر أن العرب أمة واحدة ، وعليهم أن يؤلفوا دولة واحدة في وطن واحد، وأن لغتهم تعبِّر عن أصالتهم ، ورسالة الأمة تتجلى في نشر التضامن والإخاء بين الأمم، والوطن العربي هو أرض سكنها العرب، ونشروا فيها لغتهم وطبعوها، وكل أرض اغتصبت من أراضي العرب هي جزء من الوطن العربي، ويعمل الحزب على إزالة الحواجز بين مختلف الطوائف الدينية ، والمذهبية ، والعنصرية ، والطبقية، ويهدم النظم الاجتماعية ، والاقتصادية ، والسياسية الفاسدة، وأنه قد وضع نظم تتفق مع طبيعة العرب ، وحاجاتهم في العصر الحاضر([71]).
وقد نادى بضرورة إزالة الهيمنة الأجنبية، وتأميم الصناعة وتوفير خدمات اجتماعية شاملة، وهذه الأمور تتحقق بواسطة ثلاثة مبادئ هي: الاستقلال العربي التام ، والاشتراكية من خلال حزب دولة واحدة، وأن هذه الأشياء غير قابلة للتعديل([72]).
ويرى أن راية الدولة العربية هي راية الثورة العربية التي انفجرت عام 1916 لتحرير الأمة العربية· ، وتوحيدها، لذلك فعلم البعث يحتوي على أربعة ألوان هي الأبيض الذي يرمز للعهد الراشدي ، والأخضر الذي يرمز للعهد الأموي ، والأسود الذي يرمز للعهد العباسي، أما المثلث الأحمر فهو تعبير عن دماء الشهداء الذين ضحُّوا من أجل الأمة العربية.
لكن رغم كل هذه الأمور إلا أنه قد أخذت عدة مآخذ على البعث ، فقد وصف الأمين العام للقيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي منيف الرزاز· حزب البعث العربي الاشتراكي بأنه : حزب الطوائف، فقد تفنن البعث في اختراع تسميات التجزيء، ففرز الناس إلى: تقدمي ورجعي. وأسس لمشروع الحقد الطبقي، واعتبر الحقد المجتمعي مقدساً، فإذا ذُكر التجار في أدبيات البعث فيجب أن يشار إليهم بـ "صغار الكسبة والحرفيين"، لأن الكبار كانوا خارج القوس البعثي، وإذا ذكر المثقفون وجب أن يقيد الذكر بـ"المثقفين الثوريين" ؛ لأن الآخرين يجب أن يلقوا في زوايا الإهمال، وهذا مما لا شك فيه سيكون له ردة فعل سلبية على الوحدة الوطنية ، فحتى على الصعيد الحزبي نفسه مُيز البعثيون إلى يمينيين ويساريين، وادعى كل فريق لنفسه لقب اليسار وافتخر به ([73]) .
أما على صعيد الحرية ، فقد نادى البعث بها ؛ لكنه لم يضع لها المحددات، فقد نادى بأن " لاحرية لأعداء الشعب" ، فلم يحدد من هم أعداء الشعب في مجتمع عربي ملئ بالقوميات ، والطوائف ، كما شكلت المادة الثامنة من الدستور صورة من صور الانتداب، ووضعت الحزب في مقام المندوب السامي، حيث اعتبرت فريقاً من المواطنين أوصياء على الآخرين، بما صار في أيديهم من أدوات القوة والإكراه من خلال تسلمه السلطة([74]).
وأما ما يسمى بالجيش العقائدي الذي ورد في دستور البعث، فمن المعروف أن مفهوم الجيش الوطني إنما يرتبط من الناحيتين البنيوية والوظيفية بمفهوم الوطن ، والمواطن أي أن بنيته يلزم أن تعكس وتنعكس عن البنية الاجتماعية للوطن وأن ترتبط أساساً بالدفاع عن الوطن ضد أي عدوان خارجي محتمل ، وإذا ما حاد الجيش عن هذه المهمة ، وتحول إلى قوة أمن داخلي تحت ذريعة الحفاظ على النظام والدفاع عن الثورة ؛ فإنه يكون قد تحوّل إلى جيش عقائدي - بالمعنى السلبي للمفهوم - ذلك أن مفهوم الجيش العقائدي غالباً ما يرتبط مع أيديولوجيا عصبوية تعكس آراء ومواقف ومصالح جزء أو أجزاء محددة ، وقد تكون محدودة من المجموع الكلي للشعب ، وإن أي نظام سياسي غير ديمقراطي ، هو بالضرورة نظام أقلّية ما سواءاً كانت دينية ، أو طائفية ، أو قومية ، أو قبلية ، أو حزبية ...الخ ، وأن الجيش ! هو وسيلتها للوصول والاستمرار في السلطة ، وأن إضافة صفة العقائدي إلى كلمة الجيش ، لا يعدو أن يكون غطاءاً يحاول النظام الذي يحكم في ظل تلك الأيديولوجية أن يستر بها ديكتاتوريته ، والذي - الجيش العقائدي - يتداخل ويتكامل دوره السياسي في احتكار السلطة مع الغطاء الأيديولوجي الديني، أو الحزبي الذي يتخفى تحته هذا النظام ، ويصبح معداً للنكسات ، والهزائم العسكرية المذلة التي يحصد عواقبها الشعب بصورة أساسية ، لكن لا يعني أن الجيش الوطني –الغير عقائدي -هو جيش بلا عقيدة ؛ لأن كلمة وطني بحد ذاتها مشبعة بالمضمون العقائدي ، ولكن المضمون الذي يعكس وينعكس عن العقيدة الكلية للأمة والوطن بكل أطيافهما ، وليس عقيدة فئة محددة ومحدودة منهما ، لكن حزب البعث دعا للجيش العقائدي الممثل للحزب ، ولم يدعو لإقامة الجيش الوطني الممثل للشعب بكل أطيافه ،وفئاته .
ومن جهة أخرى فإنه عندما يكون التمثيل الشعبي للنظام ضعيفاً ، فهو لا يستطيع أن يضع كامل ثقته في الجيش العقائدي أو في الحزب القائد أو في المنظمات الشعبية ، ذلك أن النظام ، وبحكم تمثيله الشعبي الأقلياتي ، لا يستطيع أن يمسك بكافة المفاصل الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تشكل البنية العامة والخاصة، لهذه المؤسسات ، وبالتالي فإن انحسار سيطرته على المفاصل الحساسة فيها فقط ، يجعله يتخوف منها،مما يدفعه إلى إحاطة نفسه بمجموعة من الأسوار الأمنية التي تتداخل في بنيتها صلة القرابة ، والمنافع المادية ، وتتداخل في وظيفتها مراقبة المجتمع مع مراقبة بعضها بعضاً ، ويتداخل في وضعها القانوني، الدستور والقوانين النافذة مع حالة الطوارئ التي تمثل إسقاط أي قرار دستوري وقانوني حتى ولو كان إيجابياً ، وخاصة أن السيطرة على الجيش والحزب تضمن للنظام السيطرة على السلطتين التشريعية والقضائية ، والمنظمات الشعبية ، حيث تتحول جميعها إلى مجرد واجهات للنظام([75]).
كما نلاحظ من خلال تتبعنا لأيديولوجية ، وفكر البعث ؛ فنرى أنها أيديولوجية علمانية ليس للدين فيها أي ذكر، على اعتبار أنها تجمع الأمة العربية بكافة أطيافها، وأنها أيديولوجية اشتراكية تعمل على إزالة الحواجز الطبقية في المجتمع العربي، وهي أيديولوجية وحدوية تنادي وتعمل من أجل توحيد الأقطار العربية كافة تحت قيادة واحدة هي قيادة البعث، الذي من المفترض أن يوحدها ويوجهها وفق أيديولوجيته ؛ لكن اتسمت هذه الأيديولوجيا بغموضها ؛ فلا إستراتيجية معينة لكيفية تحقيق الوحدة العربية، ولا كيفية سيطرة القيادة القومية على القيادات القطرية في الدول العربية فيما لو وصلت إلى السلطة في أي من هذه الدول، ولا وضوح للاشتراكية البعثية، حيث نادت بحق الملكية والإرث، وضرورة دفع الفرد للتنافس مع الآخرين،وتشجيع الدوافع الفردية للأفراد، فالمادة الخامسة من دستور البعث التي تقول "تحديد الملكية الزراعية بما يتناسب ومقدرة المالك على الاستهلاك" ، هي غامضة لأنها مسألة نسبية، كما تشير مواد أخرى إلى إلغاء التمايز الطبقي بين الأفراد، وسيطرة الدولة على التجارة الداخلية ، والخارجية ، وعلى موارد الإنتاج ، واشتراك العمال في إدارة المعمل ، ومنحهم نصيباً من الأرباح، وعلى هذا الأساس تختلط الرأسمالية مع الاشتراكية في أيديولوجية البعث، كما أن هذه الأيديولوجية تتجاهل تماماً الفوارق بين الأقطار العربية ، وتلك الفوارق التي ترسخت عبر الزمن وأصبحت عائقاً كبيراً أمام اتحاد الكثير من الأقطار العربية، كما تتجاهل كيفية التعامل مع الأقليات العرقية في الأقطار العربية فلا يكاد يخلو قطر عربي من وجود أقليات إثنية فيه، كما أن إيمانها ودعوتها للقومية العربية قد أثار تلك القوميات العرقية على أساس أن هذه الأيديولوجية ؛ تهدف إلى إذابتها ضمنياً ، وعلى ضوء هذه الملاحظات ، كيف استطاع مؤسسو حزب البعث وفي مقدمتهم ميشيل عفلق ، الإجابة عن هذه التساؤلات ، وتفسير هذه الأيديولوجية، وما هو النقد الذي وجهه إليه ، أو إلى هذه الأيديولوجيا من قبل السياسيين والمفكرين من التيارات المختلفة في المجتمع العربي؟.
2- فكر ميشيل عفلق في تفسير أيديولوجية حزب البعث
يعتبر ميشيل عفلق المنظر الأول لحزب البعث، فهو الأمين القومي للحزب منذ نشأته، وظل فيلسوفه حتى مماته في عام 1989، ولم يترك الحزب أو ينقطع عنه سوى لسنوات معدودة امتدت من عام 1964 وحتى عام 1965، وعلى هذا الأساس يعتبر هو المعبر الرئيسي عن فكر البعث، وخاصة في العراق ؛ لأن القيادة القطرية في سوريا انفصلت عنه منذ عام 1966، وأصبح تفسيرها لتلك الأيديولوجيا ينطلق من مفهومها الذاتي أكثر من اعتمادها على مفاهيم مؤسسي الحزب.
وقد انطلقت هذه الأفكار من خلال مجموعة أحاديث ومقالات ميشيل عفلق، والتي اتسمت بالغموض في بعض الأحيان، وكانت فلسفية – كما سنرى- رومانسية أكثر منها علمية، ولا تقبل مقارنتها بأي مثيلٍ لها من الأفكار ، والتيارات ، والنظريات السياسية في العالم سواءاً كانت شيوعية ، أم ليبرالية موجودة في المجتمع ، كما تحتوي هذه الأفكار على وصايا منظر البعث ميشيل عفلق لكل الأعضاء البعثيين في الوطن العربي.
· آراءه حول الاشتراكية والطبقية في المجتمع العربي
يقول ميشيل عفلق :
" أن العرب يعانون مشكلة أساسية واحدة هي استسلامهم لطبقة اجتماعية تقوم على الاستثمار والاستئثار، وهذا الوضع يشكل ضعفهم الداخلي والخارجي ؛ لأنه يخنق معظم قواهم وإمكانياتهم في الداخل ويظهرهم أمام العالم بمظهر الشعب المتخلف " ([76]).
ويقول أيضاً :
" إن الفئة المتحكمة اليوم بمصير البلاد مسوقة حتماً إلى استغلال الحكم بكل الوسائل؛ لأنها مضطرة إلى إرضاء الأسرة الكبيرة التي إنما جاءت هذه الفئة إلى الحكم لتحتل مصالحها، وإلى إرضاء الأنصار الذين تعتمد عليهم وتسيِّر مصالح كبار التجار الذين يسندونها في الظروف الحرجة ... ولكن الخطر الحقيقي الجسيم هو في أن هذه الفئة الحاكمة لكي تصل إلى ما تريد من استغلال لثروة البلاد ووظائف الدولة، لا تستطيع أن تلجأ إلى قوة الجيش، ولابد لها لذلك من أن تحتال على دستور الدولة وقوانينها، لكي تحول دون مراقبة الشعب لها ، واعتراضه على أعمالها، من هنا يأتي عداءها للحرية واعتداءها عليها"([77]).
ويستطرد الكلام حول الطبقية في المجتمع العربي بأنها المشكلة الكبرى التي يواجهها الشعب الكادح، وأن الوسيلة لتحرره من الظلم والعبودية هو ؛ إسقاط النظام القائم ومن ثم الإجهاز على الطبقة المستغلة وعلى ذلك يقول:
" فمصيبة العرب في هذا الدور هو أن الطبقة التي فرضت نفسها عليهم تعيش في طريق معاكس تماماً لنفسيتهم وآمالهم، فهي طليقة شائخة ، طبقة فاسدة، أفسدها الترف ، أفسدها الاستعمار، أفسدها ظلمها للآخرين، ونفسية الظالم، نفسية المستثمر، نفسية الغاصب، هي دوماً نفسية شائخة هرمية متعبة، لذلك تنظر هذه الطبقة إلى أبسط الأمور وتحسبها غاية ما يطمح إليه ويرغب فيه، تنظر إلى مظاهر بسيطة من التقدم، فتقول للشعب، للأمة العربية جمعاء، هذا أقصى ما يمكن أن تصلى إليه"([78]).
وعلى هذا الأساس يرى ميشيل عفلق أن العدو الأساسي للشعب هو في طبقة الأغنياء، وأن مشاكلهم لا تحل إلا بانهيار هذه الطبقة ، ولا يدرك أن الكثير من أفراد هذه الطبقة كان لهم دورهم البارز في تحقيق استقلال الكثير من البلاد العربية وفي مقدمتها سوريا، فهو لا يدعو إلى زيادة الاستثمار في الدولة كما فعلت الدول الرأسمالية المتقدمة، ولا يدعو إلى الضمان الاجتماعي للعمال في ظروف عملهم، لكنه يدعو إلى تدمير بينة المجتمع الطبقية ، وإحلال سلطة الدولة على هذه الممتلكات الصناعية والزراعية، رغم أن هذه السياسة قد أثبتت فشلها فازداد الفقر في معظم المجتمعات التي حلت بها الشيوعية، وهذا ما يفسر انهيار الاتحاد السوفيتي ، والدول الأوروبية الشرقية ، وإتباعها بعد ذلك نظام السوق، وعودة التنافس الاقتصادي بين الأفراد لزيادة الإنتاج ، وزيادة الدخل القومي الذي يؤدي إلى زيادة الدخل الفردي.
وعن تفسيره لمعنى الاشتراكية فاتسم بالتضارب والتناقض فهو يقول:
" الاشتراكية تعني دوماً تأميم المرافق العامة ، والصناعات الحيوية الكبرى، كما تعني التوزيع العادل للأراضي، وإشراف الدولة ، أو وضع يدها على التجارتين الخارجية والداخلية ... الاشتراكية ليست غاية في حد ذاتها ؛ بل وسيلة ضرورية لتضمن للمجتمع أعلى مستوى من الإنتاج مع أبعد حد من الانسجام والتضامن بين المواطنين.. الاشتراكية أن ترفع عن صدر أكثرية مواطنينا هذه الأثقال، أثقال الفقر والجهل والمرض، وترجعهم إلى طريقهم الطبيعي السوي، وتقول لهم أنتم أبناء الوطن، لكم ما لغيركم من الحقوق، فانطلقوا ، أو أنتجوا ، وأبدعوا حتى ترفعوا بناء وطنكم وتكونوا عنوان فخر لأمتكم"([79]).
فهذا تفسير يشبه التفسير الشيوعي للاشتراكية، لكنه في مكان أخر يربط هذه الاشتراكية بالعروبة فيقول: " الاشتراكية العربية : تستمد من روح الأمة العربية وحاجاتها العميقة وأخلاقها الأصلية، وتزود أكبر عدد ممكن من أفراد الشعب العربي بكل الوسائل والفرص ؛ ليستطيعوا تحقيق عروبتهم على أكمل وجه"([80]).
لكن ما الذي يربط بين العروبة والاشتراكية، هل تبنى المجتمع العربي منذ القديم وحتى نشوء البعث المنهج الاشتراكي ؛ ليزدهر ويتقدم ؟ رغم أن الكثير من المجتمعات قد تقدمت بدون تبنيها لهذا المنهج ، وبعضها تبنى الاشتراكية دون ربطها بالمحتوى القومي، وهذا ما أدى إلى تضارب بين مفهومه السابق الذي يشبه المفهوم الشيوعي، وبين مفهومه الأخر الذي يربطها بالقومية العربية.
لكن ميشيل عفلق يقارن في مكان أخر بين اشتراكية البعث ، والاشتراكية الشيوعية بقوله:([81]).
· " الاشتراكية الشيوعية قضت على حق التملك، وبذلك قضت على الدوافع الغريزية للأفراد، بينما اشتراكية البعث تعتبر أن أغزر قوة في الأمة تكمن في الدوافع الذاتية للأفراد.
· الشيوعية لا تعترف بحق الأرض، بينما اشتراكية البعث تعترف بذلك.
· اشتراكية الحزب الشيوعي تعد الشعب العربي ؛ بأنها ستحقق حاجاته الماسة إلى الاشتراكية في حين أن غايتها ربط مصير العرب بمصير دولة أخرى هي روسيا.
· الحزب الشيوعي يدعو للأممية اللاقومية، بينما البعث يدعو للدولة العربية القومية.
إلا أن البعث دعا على الإصلاح الزراعي والتأميم، أما حق التملك الذي رآه فهو حق لا يسمح له بالمنافسة ، والإنتاج الكثيف ، وتحقيق الإنتاج الكبير على غرار الإنتاج في الدول المتقدمة، كما أن الحزب الشيوعي السوفيتي نفسه قد تحول إلى حزب قومي في عهد ستالين، وعلى هذا فيتشابه الحزبان حول الاشتراكية، ورغم ذلك يهاجم ميشيل عفلق الشيوعية في آراءه ويعتبرها غريبة عن المجتمع العربي فيقول:
"الشيوعية غريبة عن كل ما هو عربي ..... إن الشيوعيون يتجاهلون النظريات ، والأنظمة المنبعثة من حضارة العرب، وأوضاعه لا تلبي حاجات البيئة العربية، ولا تلقى فيها قبولاً ....... إن الشيوعية ليست مجرد نظام اقتصادي بل هي رسالة مادية أممية مصطنعة تنفي حقيقة القوميات في العالم، وتنكر الأسس الروحية والوثائق التاريخية التي تقوم عليها الأمة"([82]).
إلا أنه رغم ذلك التطبيق العملي للشيوعية في البلدان التي قامت فيها؛ إلا أنها كانت قومية إلى حد بعيد، فرغم أنها دعت إلى الأممية، لكنها أممية من أجل تحقيق مصالح القطب الشيوعي في فترة الحرب الباردة بين المعسكرين، كما أن هذه الأقوال من ميشيل عفلق لا تتفق مع آراءه في الأربعينات من القرن الماضي حيث يقول: " إن العرب وبطبيعة طموحاتهم وتقاليدهم، هم في صف الديمقراطيات الغربية ضد التجاوزات الشيوعية للفكر القومي والديمقراطي والتقاليد العربية نفسها"([83])، كما يدعو في مكان آخر أن الاشتراكية هي: "تحقيق الذات العربية، ومن الممكن أن تنفصل عن الديمقراطية"([84]).
لكنه يقول في موضع آخر:
"إن التوزيع الراهن للثروة في الوطن العربي ليس توزيعاً عادلاً .... لا يمكن للنضال القومي أن يتم حالياً ؛ إلا إذا كان يستند إلى كل العرب، وهؤلاء لن يشتركوا فيه إلا إذا كانوا مستغلين .. الاشتراكية ضرورة تنبع من عمق القومية العربية، إذ أنها تشكل النضال المثالي الذي سيسمح للعرب، بتحقيق إمكاناتهم، وتطوير نبوغهم حتى الكمال"([85]).
ولكن لا يحدد هنا استراتيجية بناء الاشتراكية كما يرها، ولا يتفق على تعريف محدد المعالم لها، فهو تارة يربطها بالشيوعية، وتارة يربطها بالديمقراطيات الغربية، وتارة يفصلها عن الديمقراطية نفسها.
ثم يحدد علاقة البعث بالشعب بقوله:
" إن للبعث العربي دعامتين لا يستطيع أن يمشي إلا بهما معاً وهما الجناحان اللذان بهما ينهض ويحلق، هما الطبقة العاملة ، والطبقة المثقفة... يجب أن يفهم المثقفون أن ثقافتهم لا تكتسب معناها ولا تعود على أمتهم بالخير ؛ إلا إذا وضعوها في خدمة العمال وخدمة الطبقات الشعبية الكادحة، وإلا إذا قسموا جهودهم بين عمل الفكر وعمل اليد"([86]).
إلا أنه على الواقع العملي اعتمد ميشيل عفلق على المثقفين بشكل أكبر بكثير من اعتماده على الطبقة الشعبية، وكان هذا من أسباب خلافاته مع أحد قياديي حزب البعث وهو أكرم الحوراني.
كما يقول أيضاً:
"يجب أن يرتفع مستوى الشعب المادي حتى يستطيع النضال، واقع الحوادث وتاريخ حركتنا يدل على أن مستوى الشعب يرتفع نتيجة للنضال ، وكلما ناضل استطاع تحقيق شيئ من التحسن في أوضاعه، وكلما كان النضال محققاً لمستوى اقتصادي أعلى كلما كان أقوى وأجدى"([87]).
ولكن لا يفسر لنا هنا كيف يكون النضال، هل يكون بالإصلاح الزراعي، أم بالتأميم، وإلغاء الطبقية في المجتمع، أم يكون بسيطرة الطبقة العاملة ، أو الكادحة على السلطة، وقد أثبتت التجارب أن التأميم ، والإصلاح الزراعي، قد أضر بالمجتمعات الزراعية، وجعلها أضعف مادياً من ذي قبل،وهذا ما أثبتته كل التجارب في جميع الدول التي قامت به .
ثم يفرِّق عفلق بين الطبقية الماركسية ، وطبقية البعث بقوله:
" ليس في فكر الحزب طبقية بالمعنى الذي تفهمه الماركسية، ولكن فيه طبقية ؛ أي أننا نعترف بها وأن كنا لا نتبنى المفهوم الماركسي لها، فالماركسية أقرَّت حقيقة واقعية عندما قالت بأن الصراع في هذا العصر هو بين الطبقات، وجعلته بهذا قانون التطور التاريخي، وهي محقة في تعليلها واستقرائها لمميزات هذا العصر، إذن هناك صراع بين الطبقات لا يجوز تجاهله، إلا أن الماركسية انطلقت من نظرة جعلت هذا الصراع على النطاق العالمي الأسمى، وتجاهلت هذا التكوين التاريخي الحي للقوميات، حين اعتقدت بأن الروابط التي تجمع طبقة معينة في أمة معينة بقوميتها"([88]).
فلو سلمنا بأن الصراع الطبقي في المجتمع العربي ، هو نفسه الصراع الطبقي حسب التعريف الماركسي مع إضافة أنه صراع بين طبقين تنتميان إلى قومية واحدة، فهل يفترق هذا الصراع الذي بينهما عن صراع بين عدوين أحداهما خارجي والآخر داخلي ؟ وهل إسقاط هذه الطبقية في المجتمع العربي سيؤدي إلى نهوضه وتقدمه ؟ وما هو التفسير العلمي للاشتراكية العربية التي يتبناها ميشيل عفلق ؟ حيث يقول " الاشتراكية العربية تعني بأنها : اشتراكية ملائمة لظروف وحاجات المجتمع العربي"([89]). كل هذه الأمور تجعل تفسير الاشتراكية وفق رأي ميشيل عفلق تبتعد عن العلمية، ولا تحوي استراتيجية تنموية للمجتمع.
· آراءه حول القومية والأمة والوحدة
يربط ميشيل عفلق القومية العربية بالاشتراكية على أساس أن الاشتراكية جزء منها بقوله: " القومية العربية عندما تعي ذاتها وعياً عميقاً وصحيحاً، عندما تتهيأ الشروط لكي تنضج النضج الصحيح وتعبر عن نفسها، تجد أن الاشتراكية شئ أصيل منها" ([90])؛ لكن ما هي محددات الوعي في القومية العربية حسب رأيه؟ وما هي الشروط التي تجعلها تنضج النضج الصحيح لكي تعبر عن نفسها ؟ كل هذه الأمور غامضة وتحتاج إلى تفسير علمي دقيق.
ورغم أن معظم التيارات السياسية في المجتمع السوري ، أو العراقي كانت تعمل على القضاء على التمايز الطبقي في المجتمع، سواءاً كانت يسارية ، أم يمينية، إلا أن ميشيل عفلق يعتبر أن البعث هو الذي دعا إلى إلغاء التفاوت الطبقي في المجتمع العربي، لتحقيق النجاح للقومية العربية، وفي ذلك يقول:
"كانت هذه الحركة أول من وضع القضية القومية، قضية الأمة العربية، في قلب الواقع، في قلب الجد بوضعها المشكلة الاجتماعية في صميم الثورة القومية، بوضعها مشكلة عيش الملايين من أفراد الشعب العربي، رزق الملايين وعشرات الملايين الذين كانوا وما يزالون مشلولين إلى حد بعيد ؛ بنتيجة الأوضاع الجائرة المعكوسة فالتعبير العملي عن الثورة القومية هو الثورة الاجتماعية"([91]).
وعلى ذلك فحدوث الثورة الاجتماعية من خلال الإصلاح الزراعي ، والتأميم ، وسيطرة الدولة التي يقودها البعث على التجارتين الداخلية والخارجية، سيحقق الثورة القومية، ويحقق أهدافها ؛ لكن عملياً اصطدم البعث مع عبد الناصر، رغم أنه حقق تلك الأشياء ، بل لقد ساهم في الانفصال السوري عن دولة الوحدة.
ثم يربط ميشيل عفلق بين الوحدة العربية ، والديمقراطية التي تعني عنده مشاركة الجماهير الكادحة بالسلطة بقوله :
" إن ابتعاد الأنظمة العربية التقدمية عن الشرطين الأساسيين اللذين بدونهما لا تكون الثورة العربية ثورة بالمعنى الصحيح :
· مشاركة الجماهير الكادحة.
· السير في طريق الوحدة العربية.
فقد أفقد تلك الأنظمة كل طابع ثوري جدي، وجعلها تقوم في الأساس على التسويات الطبقية والإقليمية"([92]).
ورغم ذلك يرفض عفلق في مكان آخر مشاركة غير البعث في السلطة السياسية ، كما أنه من يعتبرهم طليعة الحزب هم من يجب أن يقودوا الشعب والأمة ،على أساس أنهم ممثلين لهذه الطبقات، وهذا يعني عملياً تجاهل الفئات الأخرى من الشعب –من غير البعثيين-، إضافة لجعل البعث ممثلاً عن كل فئات الأمة ، وهذا يشبه المبادئ الشيوعية ، والفئات الطليعية في الحزب الشيوعي.
وحول تعريفة للوحدة العربية يقول: " الوحدة العربية قبل كل شئ نضال، ووحدة في النضال، فالوحدة السياسية هي التي تتحقق في النضال، لأن النضال هو الحياة الصحيحة للعرب ..... النضال هو المعبر الصحيح عن الأمة"([93]).
لكن حزب البعث العربي الاشتراكي رفض الوحدة السياسية على المستوى الإقليمي على غرار الوحدة الهاشمية، كما رفض وحدة الهلال الخصيب، أو وحدة سوريا الكبرى، من خلال المشاريع الهاشمية، كما رفض الوحدة العسكرية من خلال دولة تفرض نفسها على الآخرين، كما فعل كل من بسمارك وغالباردي، على أساس أنك لو جمعت أشياء ميتة إلى بعضها البعض فلن تنتج حياة([94])، كما دعا حزب البعث إلى تكوين وحدة اتحادية تستند إلى واقع الفوارق الإقليمية، لكنه أصدر أحكاماً تؤدي إلى زيادة الفوارق الإقليمية وتعمقها من خلال مشروع الوحدة الذي أقرته القيادة القومية عام 1963([95])، كما كان هناك تناقض بين آراء ميشيل عفلق ، وصلاح الدين البيطار، حول الوحدة وآرائهما لم تكن تتضمن أي استراتيجية نحو الوحدة العربية ، فعلى سبيل المثال، قالت صحيفة البعث في العدد الخامس والأربعين في الخامس عشر من أبريل لسنة 1963 : " ليبيا تعد القهقري للمركزية"، حيث كان قد وافق مجلس النواب الليبي على قانون دمج ولايات ليبيا الثلاث: طرابلس، وبرقة، وفزان، معاً في ظل دولة واحدة، حيث رأت هذه الصحيفة ألا يحصل اندماج لتبقى دولة اتحادية ، ويكون لكل ولاية سلطاتها الخاصة، فهي تستنكر توحيد ليبيا واعتبار هذه التوحيد تقهقراً إلى الوراء ([96]) ويقول حول العروبة : " العروبة في أعمق وأصدق معانيها هي النضال في سبيل الحرية"([97]) ، لكن لا يوجد أي تحديد لماهية الحرية ؛ لأنها مفهوم واسع وتختلف من مكان لآخر ،ومن زمن لآخر ، كما أن لكل منظِّر آراءه الخاصة فيها .
كما دعت القيادة القطرية في العراق للعمل من أجل الوحدة العربية على أساس أن ذلك من أهداف البعث وشعاراته، لكنها رأت أن هذا التوحيد لا يجب أن يتم في ظل الحكومات الرجعية التي لا يؤمن بها البعث ، بل بتوحيد المنظمات والهيئات الحزبية في الوطن العربي، ومن ثم يضع مسألة الوحدة كهدف أسمى يسعى لتحقيقه عاجلاً أم آجلاً([98])، ويرد على هذا الرأي بأن جميع التوحدات التي حدثت بين الدول ، لم تصل عملياً إلى وحدة دولها من خلال هذا الرأي، كما أنه لو افترضنا أن كل الحكومات رجعية، فكيف نستطيع إسقاطها ؟ هل بوصول حزب البعث في كل واحدة منها إلى السلطة ؟ وهذا شئ صعب ؛ لأن الظروف التي أتاحت وجود حزب البعث في السلطة في كل من سوريا ، والعراق ليست هي نفسها الظروف الموجودة في كل البلاد العربية ، وعلى هذا فمن المستحيل تحقيق هذا الرأي.
كما يقول ميشيل عفلق حول الوحدة: "نؤمن بالوحدة الديناميكية المنفتحة الهجومية، التي تعرف بأن الزمن قد يكون معاكساً لها وأنها يجب أن تفرض نفسها وأنها مفجرة للقوى"([99])؛ لكن كيف يكون ذلك وما هي الأسس التي تقوم عليها هذه الوحدة، وكيف تجعل الزمن يسير معها، وكيف تفرض نفسها وتفجر قواها ؟ كل هذه الأسئلة لها إجابات غامضة في فكر ميشيل عفلق أو فكر البعث.
وحول تعريف الأمة يقول ميشيل عفلق: " الأمة ليست مجموعاً حسابياً بل فكرة مجسدة في كل أو بعض أفرادها، ولهذا فإن أولئك الذين يجسدون هذه الفكرة يملكون الحق في التحدث باسم الأمة بأسرها"([100]) ، ونتساءل هنا هل البعث وحده هو من يجسد الفكرة القومية، ليمتلك التحدث باسم الأمة العربية كلها ؟ ألا توجد قوى قومية ، أو وطنية تمثل جانباً مهماً من الأمة، لتعبر عن تلك الجوانب ؟.
ويقول أيضاً : " حزبنا هو حزب ثوري عبَّر عن ثوريته في عدة مجالات، ولكن أهم مجال عبَّر فيه عن هذه الثورية هو مجال وحدة التنظيم، كون الحزب ذا تنظيم عربي لا ينحصر في قطر واحد، ويشكل تحدياً لواقع قوى وصعب جداً هو واقع التجزئة"([101]) ، إلا أنه عملياً انتشر التنظيم الناصري المجسد للفكرة القومية التي عبَّرت عنها ثورة 23 يوليو 1952، ومن خلال فلسفة الثورة التي عبَّر عنها عبد الناصر وذلك في مجموعة من الدول العربية، وكان لها تأثير في إسقاط أنظمة الكثير من الدول العربية، كما في اليمن وليبيا، والعراق وغيرها من الدول وعلى ذلك فإن الادعاء بأن هذا الفكر وحده الذي انتشر في الدول العربية ، لا يمكن أن يكون هو الحقيقة الكاملة بل ثمة تنظيمات قومية أخرى كان لها انتشاراً أقوى، كما أن هناك ثمة أيديولوجيات دينية ، أو شيوعية انتشرت هي الأخرى؛ منطلقة من دولة بعينها، مثل حزب الإخوان المسلمين في مصر الذي امتد إلى عدداً من الدول الأخرى خارج مصر، والحزب الشيوعي الذي امتد من روسيا ليصل إلى الكثير من دول العالم.
· آراءه حول الإقليمية والعرقية والطائفية والجمهورية والحزبية
انتقد البعض الممارسات العملية للبعث في قيادته للمجتمع والدولة، على أساس أن سبب انهيار البناء القيمي للحزب هو أن قيادته قد مارست دور رئيس الأسرة ، ووجيه العائلة، وشيخ القبيلة ، الذي لا يعير الاهتمام لتكافؤ الفرص، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، وإنما يتعصب للولاء الشخصي والاستلزام ، والتبعية ويعطيه كل اهتمامه وألوياته ، وبذلك تفككت القيم والروابط النضالية والوحدوية، لصالح القيم التقليدية، واستمرت حلقة التفكك تتوسع تدريجياً([102]).
وما يثبت هذه الأمور قول ميشيل عفلق بأن الإيمان بمبادئ الحزب يجب أن يسبق المعرفة الموضوعية بها، فهو بذلك يشبه قساوسة القرون الوسطى الذين طلبوا من غاليليو أن يستغفر الله على الإثم الذي ارتكبه باعتقادهم ، وهو أن الأرض تدور حول نفسها، كما حثَّ بذلك مريديه أن يثقوا بكل شئ يقوله دون براهين علمية ، أو أرقام بقوله : " إن الأعضاء المخلصين الذين يطيعون القادة"([103])، من هذا المنطلق ترابط أعضاء البعث مع بعضهم البعض ، في مجال تعاملهم مع الآخرين مما نتج عنه العوامل الشخصية والتقليدية التي ميزت أعضاء البعث .
كما يرفض ميشيل عفلق الآخرين الذين يؤمنون بالأيديولوجيات ، والأفكار الأخرى المخالفة للبعث بقوله:
" هل يجوز المقارنة بين هذا النوع الفاسد المبتذل من الناس خصوم البعثيين ذوي النفوس الحقيرة ، والأهداف الشخصية الوضيعة وبيننا نحن حملة الرسالة الخالدة ........ إن القدر الذي حملنا هذه الرسالة، خوَّلنا أيضاً حق الأمر والكلام بقوة، والعمل بقسوة، وانتشالهم من الانتهازيين إلى الحياة الحرة السامية التي يرغبونها"([104]).
فهو يعتبر أن حركة البعث هي المعبر الأول ، والنهائي عن الآخرين وأن كل من ليس في هذه الحركة ، أو يختلف معها هو عدو وانتهازي، وعلى ذلك يقول: " حركتنا أصبحت قدر الأمة العربية في هذا العصر ... حركتنا لا يمكن لأي حركة أن تنافسها ، أو أن تحل محلها" ([105]) ، وعلى ذلك فهو يشبه حركة البعث بنظرية الحق الإلهي ؛ لكنه يستبدل القدر بدل كلمة الإله.
وحول رأيه في القوميات يرى أن القومية العربية المتعصبة كان لها تأثيرها السيئ على القوميات الأخرى مثل الأكراد ، والأشوريين ، والأرمن([106])، كما أن البعث اعتبر الأكراد من أصل عربي، واعتبر تلك القوميات أنها عربية بقوله : "الناطقين بالسريانية من كلدان وأثوريين وسريان" ، مما اعتبره البعض منهم محاولة تهدف إلى تمييع هويتهم القومية وصولاً إلى تعريبهم، والدليل على ذلك رفضه لأي تكتل قومي غير عربي لأي من القوميات الأخرى على الواقع العملي، فقد قال في مادته الحادية عشرة من دستوره، " يجلى عن الوطن العربي كل داع إلى تكتل عنصري يناهض العرب ، أو منضم إليه"([107]). ورغم تعديل هذه المادة في المؤتمر القومي السادس للحزب عام 1963، إلا أنها ظلت موضع إيمان على المستوى العملي ، كما تقول المادة الخامسة عشرة من دستور حزب البعث: "الرابطة القومية هي الرابطة الوحيدة القائمة في الدول العربية، التي تكفل الانسجام بين المواطنين، وأنصارهم في بوتقة واحدة، وتكافح سائر العصبيات المذهبية ، والطائفية ، والقبلية ، والعرقية ، والإقليمية"([108]) ، كما يؤكد ميشيل عفلق ذلك بقوله :
" يعني انتماء عضو البعث العربي أنه قد رفض رفضاً باتاً ونهائياً الأفكار المتناقضة والمخالفة، أي أنه عرف واقتنع بأن العربي في مفهوم البعث لا يمكن أن يكون شيوعياً أممياً، وأن العربي لا يمكن أن يكون إقليمياً، أو طائفياً، أو أن يعمل بوحي عن وحي العروبة نفسها"([109]).
وعلى هذا فإن منظر البعث تتوافق آراءه مع الأيديولوجية البعثية، حول موضوع رفض التمايز العرقي ، والطائفي في المجتمع وأن تتسهم في عضو البعث سمات تختلف عن الآخرين، وعلى هذا يقول حول ذلك:
" أعضاء الحزب يجب أن يكونوا قساة مع أنفسهم وقساة مع الآخرين وأن يتسلحوا بالعلم، وأن يكرسوا أنفسهم كلياً للنشاط الثوري للحزب وعليهم أيضاً أن يعوا أوضاع أمتهم، وأن يخلصوا لقضيتها، وأن يغاروا على حقوقها، وأن يستجيبوا لطموحات الشعب واحتياجاته وسيعرف إخلاصهم وتميزهم من خلال أفعالهم ومن سلوكهم اليومي وحتى من نبرة أصواتهم"([110]).
لكنه من ناحية أخرى يدعو أعضاء الحزب على القسوة مع معارضي الحزب، وتصفيتهم الجسدية فيقول في ذلك :
" العمل القومي القابل للنجاح هو ذلك الذي يستثير الحقد حتى الموت، تجاه أولئك الذين يجسدون فكرة مضادة للقومية، إن من التفاهة بمكان أن يحارب أعضاء الحركة النظريات، ويقولوا لماذا علينا أن نهتم بالأشخاص إن النظرية لا توجد بذاتها لذاتها، بل تتجسد في أشخاص لابد من زوالهم لزوالها" ([111]).
كما يؤكد هذا الرأي بقوله: " إن مقاومة الأفكار الهدامة لا تقتصر على مناقشتها ودحضها، بل تملي تصفية المؤمنين بها، والداعين إليها"([112])، وعلى هذا الأساس يرفض ميشيل عفلق أي أيديولوجيات ، أو أفكار ، أو حركات تناقض تفكيره ، أو أيديولوجيته التي يؤمن بها وهذا يبعده عن أي إيمان بحرية الرأي أو بالديمقراطية التي ينادي بها، ويؤكد ذلك بقوله : " إن الدفاع عن العقدية لا يكون إلا هجوماً"([113])، وهذا ما يفسر موقفه من الأحزاب الأخرى بقوله:
" إن موقفنا من الأحزاب، فنحن لا نرفض فكرة التعاون معها، ولكننا نقيدها بجملة تحفظات وشروط تجعل مجال تطبيقها محصوراً في نطاق بعض الأحزاب دون البعض الآخر ، ومقتصراً على بعض الحالات العامة التي يكون فيها التعاون ضرورة قومية، ونفصِّل ذلك أننا نخرج من نطاق التعاون بين الأحزاب التي تقوم في أساس تشكيلها على ارتباط أجنبي، وعلى فكرة مخالفة للقومية العربية"([114]).
ولكن ما هي محددات التعاون التي يرى فيها البعث، ضرورة قومية لهذه الأحزاب ؟ وما هي المحددات المخالفة للقومية العربية كما يرها البعث ؟ هذه المحددات لم يحددها ميشيل عفلق تحديداً علمياً ، بحيث يمكن التعرف على من يقبل في إطاره من الأحزاب ، أو الحركات التي تساهم في النشاط السياسي في المجتمع ، وإلا ماذا يعني اشتراكه – قبل عام 1963- مع الأحزاب الشيوعية التي تتسم بمعاداتها لأي فكرة قومية ، أو الأحزاب الكردية التي تتسم بدعواتها الانفصالية.
أما عن رأيه في الدين والعلمانية، فقد آثار التيار الديني نحوه، على أساس رأيه القائل ؛ أن الإسلام قد جاء طوراً من أطوار العقلية العربية الراقية، وهذا ما اعتبره التيار الديني وخاصة الإسلامي، ديناً غير سماوي، وغير منزه ؛ لأن العقلية الإنسانية مهما كانت لابد أنها قاصرة، وإن رأي البعث. " إن للعرب رسالة غير الإسلام ، على أساس أن الرسالة الخالدة حسب رأي ميشيل عفلق هي :
" فهم العرب لأنفسهم وإدراكهم لقضايا أمتهم، وتحررهم من الاحتلال الأجنبي، وهي حضارة وقيم معينة يقوم العرب بتبليغها للأمم الأخرى، عندما يبلغون مستوى القدرة، والارتقاء وتبدأ هذه الرسالة من الانقلاب الشامل عندما يبدأ العرب يواجهون مشكلاتهم بجرأة وصدق وصراحة"([115]).
فهذه الرسالة حسب رأي التيار الديني الإسلامي، تخالف رسالة الإسلام تلك الأيديولوجية السائدة في الوطن العربي منذ القرن السادس الميلادي، وحتى الآن والدليل على ذلك حسب رأي هذا التيار قول القرآن الكريم: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله " ، أما أن يطلب العرب الحرية والتقدم والأمن والوحدة فهذه مطالب أية أمة من الأمم، وأن رسالة العرب حسب رأي محمد الغزالي هي : حراسة الفضائل ونشر شعارها ، ومحاصرة الرذائل ، وطي عارها، والالتفاف حول الإيمان بالله وحده، وقمع الإلحاد والعوج، وتسخير قوى الأمة كلها لبلوغ هذه الأهداف الإنسانية، وسوق العدالة للمظلومين والحرية للمضطهدين، واليقين والتقوى للشاكِّين، وتعريف البشر بربهم بعد تحريك مواهبهم الإنسانية، وأن للإسلام فقط الفضل على العرب ؛ لأنه وحدهم وحررهم من العبودية، عندما لم يكونوا شيئاً يذكر في التاريخ، وعبيداً في مستعمرات الروم والفرس([116]).
كما أن قول ميشيل عفلق:
" هذه الأمة التي أفصحت عن نفسها وعن شعورها بالحياة إفصاحاً متعدداً متنوعاً في تشريع حمورابي ، وشعر الجاهلية، ودين محمد، وثقافة عصر المأمون، شعور واحد يهزها في مختلف الأزمان، ولها هدف واحد بالرغم من فترات الانقطاع والانحراف"([117]).
فإن هذا القول ينقص من المستوى القيمي لرسالة الإسلام، لأنه يقارن، رسالة إلهية، أنزلت على الرسول محمد (ص)، مع ثقافات بشرية لكثير من الأمم مثلها، كما لا يمكن مقارنة شريعة الإسلام بشريعة أناس وثنيين مثل حمورابي، أو بثقافة جاهلية من أناس كانوا ذوي عادات سيئة في معظمها، بشريعة القرآن، كما أن طبيعة رسالة الإسلام ترفض التمزق مثلها مثل الطبيعة العربية، وأن للقرآن الفضل الأول في حفظ اللغة العربية وجعلها لغة مقدسة، فهو الذي جعل الحفاظ عليها ديناً([118])، وهو الذي جعلها تنتشر وتحل محل اللغات القبطية ، والفارسية ، والرومانية،والسريانية ، وأصبحت جميع الأجناس البشرية تأتي ؛ لتتلمذ على الذكاء العربي، في مجالات العلوم الإنسانية والفكرية.
كما أن الإسلام لم يعرف مساساً بالأقليات الدينية ؛ فهم في ذمة المسلمين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، على ألا يحاربوا معهم، بل يحميهم المسلمين مقابل ضريبة رمزية تسمى الجزية، وتسقط عن غير القادرين عليها، بل يعطوا من بيت مال المسلمين إن احتاجوا، وبالنسبة للأقليات العرقية من المسلمين فلها ما لكل مسلم عربي من حقوق وواجبات، ولم تولد فكرة الأقليات إلا من خلال عصر القوميات في أوربا، وهي التي صدَّرت هذه المشكلة لتفتيت الوطن العربي، كما أن الرسول محمد (ص) من العرب المستعربة ، وليس من العرب العاربة·، ومن حق أي إنسان أن يستعرب حسب رأي الإسلام ؛ لأن ذلك يدعم كيان الأمة العربية، ويمدها بأساليب البقاء والنماء، حيث أن كثير من العلماء كانوا من المستعربين، وقدَّموا خدمات علمية ، وأدبية ، وسياسية ، وعسكرية أكثر من أقوام ترجع أصولها إلى عدنان أو قحطان، ورغم هذا كله فإن برنامج (دستور) حزب البعث لا يحوي أي ذكر للإسلام ، أو أي إيماء إلى عقائده ، أو شرائعه ، أو ماضيه ، أو حاضره([119]).
وينتقد التيار الإسلامي أيضاً المادة التاسعة من دستور البعث التي تقول: "راية الدولة العربية هي راية الثورة العربية التي انفجرت عام 1916 لتحرير الأمة العربية وتوحيدها"، رغم أن قائد الثورة الشريف حسين، قد أعلن هذه الثورة بناءاً على مبدأ الخيانة ، والغدر على حسب رأي هذا التيار ، وكان مغفلاً ؛ وعمي عن أية توجهات إسلامية سياسية، وكان يريد خلافه عربية بمساعدة الإنكليز إلا أن العروبة الأصلية لا صلة لها بأناس يعشقون الحكم، ويريدونه بسلاح الأجنبي، في حرب لم تخدم سوى الحلفاء ضد العرب ، والمسلمين، كما أن هذه الثورة قد ترتبت عليها اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، والتي قسَّمت بموجبها منطقة الهلال الخصب، وترتب عليها أيضاً وعد بلفور عام 1917، الذي دعا ؛ لإقامة دولة دينية قومية يهودية في فلسطين، وعلى هذا الأساس لا تعتبر هذه الثورة نهضة عربية ؛ لأنها تمت في أحضان الإنكليز وشقت طريقها بسلاحهم([120]).
لكن هذا لا يبرر أن ميشيل عفلق قد ارتفع فوق التناقضات الطائفية ، والدينية ، وبيَّن أثر الإسلام على العرب في دعوته القومية العلمانية فهو على سبيل المثال يقوم : " إن الإسلام بالنسبة إلى العرب، ليس عقيدة أخروية فحسب ولا هو أخلاق مجردة، بل هو مفصح عن شعورهم الكوني، ونظرتهم إلى الحياة، وأقوى تعبير عن وحدة شخصيتهم"([121]) ، كما يقول أيضاً في نفس السياق:
" علاقة الإسلام بالعروبة، ليس كعلاقة أي دين بأية قومية، وسوف يعرف المسيحيون العرب، عندما تستيقظ قوميتهم يقظتها التامة، ويسترجعون طبعهم الأصيل، أن الإسلام هو لهم ثقافة قومية، يجب أن يتشبعوا بها حتى يفهموها ، ويحبوها ، فيحرصوا على الإسلام حرصهم على أثمن شئ في عروبتهم، وإذا كان الواقع لا يزال بعيداً عن هذه الأمنية، فإن على الجيل الجديد من المسيحيين العرب مهمة تحقيقها بجرأة ، وتجرد مضمنين في سبيل ذلك بالكبرياء والمنافع، إذا لا شئ يعادل العروبة، وشرف الانتساب إليها"([122]).
وعلى هذا الأساس يعتبر ميشيل عفلق قد ربط البعث بالإسلام وجعله شيئاً أصيلاً فيه ، رغم عدم تضمن برنامج البعث لإيديولوجية الإسلام ، وهذا ما يعتبر دافعاً للأقليات الدينية في المجتمع العربي إلى الدخول فيه ، بعد أن كانت تتخوف من العروبة ، وقوميتها على أساس أنها تريد التحكم فيهم ، وإخفاء شخصيتهم في بوتقتها، بل لقد زاد ميشيل عفلق من ربط البعث بالإسلام، بقوله إن الرسالة الخالدة هي الإسلام نفسه·، ثم يستدرك ذلك أيضاً، بقوله:
" يفترض الحل البعثي لوحدة العصيات، التمسك بالرسالة الخالدة التي هي الإسلام تمسكاً حضارياً؛ لأن الإسلام بالنسبة للعرب أكثر من دين، أنه قوميتهم وعروبتهم وإنسانيتهم، وأداة حضورهم الأخلاقي وناموس وحدتهم العصبة"([123]).
وعلى ذلك فإن هذا التعبير لابد أنه كان حافزاً لانتشار البعث في الأوساط الشعبية، بنقضه أية عصبيات دينية ، أو إثنية، كما كانت مشاركة ميشيل عفلق في الاحتفالات الدينية الإسلامية كاحتفالات مولد الرسول لها دورها في ذلك ([124])، فيقول حول رسالة الأمة العربية التي نشأت في قلب الأرض العربية:
"إن الأمة التي ظهرت فيها رسالة بحجم رسالة الإسلام، ترفض الخضوع، وترفض التبعية، الفكرية والحضارية، إن لها طريقها الخاص، واشتراكية عربية ..... الأمة التي حملت إلى العالم رسالة الإسلام لا يمكن أن تكون قوميتها سلبية تعصبية عدوانية، فقوميتها في أساسها أخلاقية وإنسانية تحمل مبادئ العدل والمساواة"([125]) .
فهذه القومية الرومانسية قد خدمت وظيفة التكامل بالنسبة للمثقفين من الأقليات الدينية؛ لأنها استبدلت فكرة الأيديولوجية الإسلامية، بالفكرة الإسلامية القومية ذات الطابع العلماني التي تضم كل العرب من جميع الأديان، والذين يشتركون بتراث ثقافي واحد([126])، فعلمانية البعث، لم ترد من الشعب العربي أن ينسى تراثه ، وشخصيته ، وهويته ، ويتنكر لما فيه، بدعوى الالتقاء بين أبناء الشعب في تعددية دينية على الساحتين الوطنية والقومية، كما أن عفلق قد رأى أن للدين دور نضالي في الثورات العربية، وأن العلاقة بين الإسلام والعروبة هي علاقة وثيقة، وأن العروبة هي الجسم ، والإسلام هو الروح، وأن المسيرة الروحية للفكر السياسي العربي، لا تبعده عن العلم والمنهجية، وإنما تقربه منها وتوحده معها([127]).
وبالفعل فالأمة العربية هي أمة العرب بدون تفريق بين عربي وأخر على قاعدة انتمائه الديني ، أو المذهبي، والتاريخ العربي هو تاريخ مفتوح على جميع الإسهامات التي قدمتها المجوعات المنتظمة في سياقه العام، بما في ذلك المجموعات الغير عربية، وإذا كانت ثمة استشعار بخوف من اضطهاد، أو ذوبان لدى جماعة في مرحلة تاريخية ما، فذلك يعود إلى سوء التصرف في المعاملة الخاصة بسلطة متعسفة([128]) ، أما عن رأيه في العلمانية فيقول:
" تعتبر حركتنا بموقفها الإيجابي من الدين ... أعطت الدين بصورة عامة كدين له دوره المشروع في حياة البشر وتاريخهم وتطورهم ، وأعطت الإسلام الدين العربي، الدين الإنساني، أعطته المكانة الأساسية في تكوين قوميتنا.... الأيديولوجيا التي تفصل العقيدة الدينية عن العقيدة القومية ، والثورة القومية، بكل متطلباتها، هذا شئ مجزأ ، وسطحي ، ولن يحرك كل القوى المبدعة في أمتنا وسرعان ما يتحول إلى تقليد واندفاع، إلى غوغائية ونفعية ... واقعنا هو العلاقة بين العروبة والإسلام، أما العلمانية فهي الدستور ، والقوانين، يجب ألا نميز مذهباً على آخر في القبول للوظائف"([129]).
فالعلمانية في فكر ميشيل عفلق ليست تحييد الدين والتجرد من أحكامه، التي ترتفع بالإنسان نمو الكمال، لكنها تعني أن لا يتدخل الدين في سياسة الدولة الإدارية والوظيفية؛ لأن السياسة تتغير بتغير الأحوال والظروف ، وتعتمد في كثير من الأحيان على أشياء لا تمت للدين بأي صلة، فتحييد الدين وجعله يسير في طريقه الخاص، وأن تسير السياسة في طريقها الخاص، يحافظ على الدين، ويحافظ على القوانين، ويؤكد ذلك بقوله: "نؤمن بأن الجماهير الكبيرة الواسعة هي القادرة على إحداث التغييرات التاريخية الحاسمة وليست الأقليات المثقفة مهما يكن شأن تفوقها الفكري والثقافي"([130]).
ورغم كل ذلك فإن رأي ميشيل عفلق حول رسالة الأمة العربية يتسم بالتناقض في كثير من المواضع فمثلاً يقول: "أما الرسالة الخالدة فالقصد منها أن هذه الأمة لا تعترف بواقعها السيئ، وموقفها المنفعل ولا تتنازل عن مرتبتها الأصيلة بين الأمم، بل تصرّ على أنها لا تزال هي في جوهرها"([131]) ، وهذا ما جعل الكثيرين ينقدون فكرة الرسالة الخالدة التي قال عنها ميشيل عفلق في أيديولوجيته وآراءه وفكره.
وقد انتقد ميشيل عفلق في فكره البعثي النزاعات الإقليمية في مصر، وتوجه المسيحيين في لبنان لمسيحيتهم ، ومحاولتهم مكافحة الفكرة العربية، بحجة أن العروبة معناها سيادة ، وسيطرة الإسلام كدين ، وتشريع ، وتقاليد ، وحضارة، وانتقد دعاة التعصب في القومية العربية أو الكردية، فيقول في ذلك.
"القومية المغلقة المتعصبة أكبر خطر علينا لأنها تغذي الفروق بدلاً من القضاء عليها... ووجد دوماً من صور العروبة بأنها مقتصرة على نوع معين، وعدد معين من الناس ، وأنها تفاخر ، واستعلاء على الآخرين، وطبيعي أن يحدث هذا رد فعل، وأن تشعر الأقليات العنصرية بأنها مهددة بوجودها أمام مثل هذه القوى، لذلك كان هناك رد فعل على القومية المتعصبة من الأكراد ، والآشورية ، والأرمن ورد فعل ديني ومذهبي ، إن القومية الإسلامية ، والدعوات الطائفية الأخرى كان مصيرها الفشل كما كان مصير القومية الطاغية المتعصبة، نحن عندما ننادي بالمساواة الاقتصادية ، وبتكافؤ الفرص، إننا سلمنا قضية البلاد لأصحابها الحقيقيين، وهم أفراد الشعب، وهم في حقيقتهم شيء واحد لا فرق بين مسلم ، ومسيحي ، وعربي ،وكردي ، ويزيدي .." ([132]).
ويستطرد ذلك بقوله :
"واجبنا أن نشرح للبنانيين الانعزاليين بأن العروبة التي نعمل لها ؛ تمنع الضغط الديني، وسيطرة طائفة دينية على أخرى، إنهم يتهربون من العروبة، وهي مرادفة في نظرهم للإسلام؛ لأنها في نظرهم لا تسمح بتكوين مجتمع يحفظ حرية الفرد ، ويساير التطور الحديث في العالم... الأكراد ظلوا مئات السنين يعيشون مع العرب ويحاربون ويستبسلون في الدفاع عن الأرض العربية، وأفراد الشعب من الأكراد ماذا يريدون، وأي شيء يطمحون إليه أكثر من أن يعيشوا حياة كريمة سعيدة، وأن يكون لهم ما للجميع وعليهم ما على الجميع ؛ باستثناء بعض الزعماء الذين لهم مصالح أقطاعية، أفراد الشعب هؤلاء لا يريدون أكثر مما يريده العرب أنفسهم........ لا أحد يمنع الأكراد أن يتعلموا لغتهم شريطة أن يكونوا خاضعين لقوانين الدولة, ولا يشكلون خطراً على الدولة، والطوائف المسيحية مثلاً لا يوجد ما يمنعها من ممارسة شعارها الدينية ، ومن الثقافة المسيحية ضمن هذه الثقافة العربية العامة، فمفهومنا بعيد جداً عن مفهوم القومية النازية التي تؤمن بأن هناك عرقاً مفضلاً، وله مميزات خاصة يجب أن يتطهر من كل شئ، وبالتالي أن يضطهد كل من لا تتوفر له الشروط من حيث النسب ،والعادات المعينة... فالعروبة هي إنسانية ونحن نفهم من قومينا العربية ؛ بأنها الإنسانية الصحيحة، وبأنها تقديس للقوميات الآخرى ، فنقدس هذا الشعور عند كل شعب آخر... أن نظهر للبربر الذين يتحفظون تجاه القومية العربية؛ بأنها عين ما يطمحون إليه، وأنها حريتهم وحياتهم وازدهارهم، وأنها القوة الحقيقية، وأنهم لن يكونوا فئة قليلة، وبأنهم سيكونون جزءاً من أمة واسعة منتشرة في الشرق والغرب، وهذا أضمن لقوتهم وسعادتهم" ([133]).
ويرى ميشيل عفلق أن التناقض بين العرب والكرد هو تناقض ليس بين قوميتين ، بل تناقض بين طبقة مستغلة تستغل الأكراد ، أو لصالح نفسها في مقاومة القومية العربية التي تنظر بتعاطف واحترام لكل القوميات الأخرى وفي ذلك يقول:
" القومية العربية هي قومية إنسانية تنظر بحب وتعاطف واحترام لكل القوميات، وخاصة لتلك القوميات التي شاركت العرب بالمصير قروناً ، وأجيالاً وجمعتها بالعرب حضارة واحدة ، وتراث روحي واحد........ إن المشكلة بين العرب ، والأكراد هي ليست بين قوميتين ، بل المشكلة هي بين أناس تقدميين منفتحين على روح العصر وهم أعداء الإقطاع ، والعنصرية، وبين شخصيات عنصرية إقطاعية تحاول استثمار القومية الكردية لصالح نفسها، وإن من الأجدر لهذه القيادات أن تتطوع لقتال أعداء الأمة ، وهم الصهاينة في فلسطين، وأن ما يثيرونه من توترات هو جزء من حرب الإمبريالية ، والصهيونية ضد العرب ، وأن هذه المشاكل دخلت بدخول الاستعمار الغربي الداعي إلى التفرقة بين الأخوة، وإننا رغم ذلك مستعدون ومنفتحون دائماً أمام من يرجع عن الخطأ"([134]).
ويرى أنه لحل مشكلة القوميات هو في التآخي بين جميع فئات الشعب، وعدم ترك ثغرات ينفذ منها الآخرون لتفريق الشعب عن بعضه، لكنه لا يحدد ما هي محددات هذا الحل وكيف تستطيع تحقيق ذلك ؟ ، فيقول في ذلك:
" إن المنطق لحل مشكلة الأقليات هو منطق واحد لا يتغير هو إنسانية قوميتنا العربية، المنطق بأن قوميتنا ليست هي القومية المتعصبة، ليست هي القومية الضيقة، ليست هي القومية المستعلية ، والهادفة إلى التوسع، وإلى استعباد الآخرين ..... مصلحتنا هي في التآخي وليست في إبقاء عوامل وأسباب للتنافر الداخلي، ولترك ثغرات يستغلها الأعداء في داخل بنياننا القومي، الإشارة إلى الفروق تعني أن كل قطر لابد أن يأخذ بعين الاعتبار واقعة الحي ، ويحاول أن يجد الحل الملائم ليس هناك شئ جاهر يطابق حرفياً في كل مكان"([135]).
مما سبق نجد أن ميشيل عفلق يحاول من خلال فكرة أن يصوغ فكرة القومية العربية التي تتناسب مع الأيديولوجيات الدينية ، والعرقية لجميع الفئات في الوطن العربي، بحيث يجعل هذه الأيديولوجية البعثية هي وحدها القادرة على قيادة مجتمع ذو قوميات وطوائف متعددة.
كما يحارب ميشيل عفلق في فكرة، كل الأفكار الشيوعية ، أو اللادينية، الداعية إلى الإلحاد، وإبعاد الدين عن حياة الأمة، فيقول في ذلك:
" نحن لا نرضى عن الإلحاد ولا نشجع الإلحاد، ونعتبر الإلحاد موقفاً زائفاً في الحياة، موقفاً باطلاً وضاراً، وكاذباً، إذ أن الحياة معناها الإيمان والملحد كاذب، أنه يقول: شيئاً ويعتقد شيئاً أخر، أنه مؤمن بشئ مؤمن ببعض القيم، ولكننا ننظر للإلحاد كظاهرة مرضية، يجب أن تعرف أسبابها لتداوي، ولا ننظر إليها كشر يجب أن يعاقب؛ لأن ذلك لا يخفف الإلحاد بل يزيده، فعندما نبحث عن الأسباب، نستطيع أن نزيل الإلحاد"([136]).
إلا أن ميشيل عفلق يرفض ما يدَّعيه رجعية دينية، ويرى أنها تحاول إيقاف عجلة التطور في المجتمع العربي، ويرى أنه من الضروري مقاومتها؛ لأنها تشوه المجتمع وخطر على الدين نفسه، لكنه مع ذلك لا يضع أي محددات لتلك الفئات المجتمعية، التي يعتبرها رجعية، وما هو معيار متاجرتها بالدين ووقوفها في وجه التحرر وتدخلها في المجتمع، وعلى ذلك يقول:
" الرجعية الدينية تؤلف مع الرجعية الاجتماعية معسكراً واحداً ؛ يدافع عن مصالح واحدة، وأنها أكبر خطر يهدد الدين، إن هذه الرجعية التي تحمل لواء الدين في يومنا هذا ، وتتاجر به ، وتستغله ، وتحارب كل تحرر باسمه ، وتدخله في كل صغيرة ، وكبيرة لكي يعتق الانطلاقة الجديدة، هي أكبر خطر على الدين ، وهي التي تهدم مجتمعنا ، وتشوهه، فلو لم نكن نحن ولو لم تكن حركتنا موجودة لتهدد المجتمع العربي ، إذ أننا بمقاومتنا الرجعية الدينية بدون اعتدال وبدون مسايرة وبمواقفنا الجريئة المؤمنة لها، ننفذ مجتمعنا العربي من تشويه الإلحاد ....... المناضل البعثي يجب أن تتوافر فيه شروط صعبة جداً، وتكاد تكون متناقضة، فهو حرب على كل تدجيل باسم الدين والتستر وراءه ؛ لمنع التطور ، والتحرر ، والإبقاء على الأوضاع الفاسدة ، والتأخر الاجتماعي، ولكنه في الوقت نفسه يعرف حقيقة الدين، وحقيقة النفس الإنسانية التي هي إيجابية قائمة على الإيجاب لا تطيق الإنكار والجمود ........ على المناضل البعثي عندما يحارب الرجعية ويصمد أمام هجماتها ، وافتراءاتها ، وتهيجاتها ، وإثارتها، أن يتذكر دوماً أنه مؤمن بالقيم الإيجابية ، والقيم الروحية ، وأنه عندما يساير جمهور الشعب ، ويتصرف تصرفاً حكيماً معه، دون أن يجرح عواطفه لكي ينقله تدريجياً إلى مستوى الوعي اللازم ، عليه أن يتذكر أنه رجل ثائر متحرر لا يقبل لنفسه ولا لأمته مستواً رجعياً رخيصاً من الاعتقاد ، ولا صورة مشوهة للعقيدة الروحية، وأن مسايرته للشعب ليست إلا وسيلة مؤقتة للعقيدة الروحية لكي تهيئه ؛ لأن يفهم الأمور الصعبة ، إن ثقة البعثي بالإنسان عامة وبالإنسان العربي خاصة، يجب أن تغريه دوماً بالمزيد من الجرأة في مكافحة المعتقدات الخاطئة الجامدة"([137]).
· آراءه حول الانقلاب ، والوحدة العربية ، والقيادة القومية:
يختلف مفهوم الانقلاب في فكر ميشيل عفلق عن الانقلاب الذي تقوم به بعض الأوساط العسكرية ضد نظام الدولة؛ لأنه يعتبر الانقلاب ثورة نضالية من أجل مصلحة الأمة وتحقيق مصالح الشعب، وعلى ذلك يقول:
" الطريقة المميزة للبعث لتحقيق أهدافه هي الانقلاب على الدولة .. الانقلاب ظاهرة روحية وثورة في القيم العربية، وفي طريقة تفكير العرب وهو علاج الأمة قبل علاج الدولة، لأن الدولة جسداً بلا روح .... الأمة على الرغم من تخلفها تمتلك الحقيقة، وهذه الحقيقة تعبر عن نفسها مهما كانت قوة الوقائع الراهنة، والانقلاب هو هذا التعبير أنه الشهادة على وجود الأمة ..... التعبير العملي عن فكرة الانقلاب هو النضال؛ وما نعنيه بالنضال هو استرداد الأمة بعد سبات طويل لتوقها إلى الصراع مع الحياة والمصير، إن نظرتها إلى الوجود عميقة وبطولية، وهي تنظر إلى قيمة الجهد قبل النظر إلى ما يثمره الجهد"([138]).
ثم يقول حول الانقلاب في فكر البعث موضحاً بعض المحددات التي تجعل من حركة البعث انقلاباً فيقول:
" الانقلاب في فكر البعث يعني:
1- ثورية المرحلة وعقم الاعتماد على التطور والإصلاح الجزئي.
2- واقعية الثورة وطابعها الاقتصادي، واعتمادها على جماهير الشعب.
3- وحدة الأهداف الثورية، وتفاعلها، والتأثير المتبادل للنضال التحرري ، والنضال الاشتراكي ، والنضال الوحدوي.
4- مشمولية القضية، وترابط مصلحة الشعب العربي في جميع أقطاره وضرورة توحيد نضاله.
5- الحرية كأعمق أساس وواقع ، واعتبار الأمة مسرحاً لتحقيق القيم الإنسانية"([139]).
وعلى هذا الأساس فالانقلاب في فكر البعث هو نفسه الثورة في الحزب الشيوعي، تلك التي تحقق للشعب كل أهدافه، مع إضافة الجانب القومي إلى الجانب الشعبي، ويؤكد ذلك بقوله :
" إن حركتنا عربية انقلابية ..... إن انقلابيتنا تنبع من صلتنا القومية بفقر الواقع ، وقساوته ، وضرورة تبديله، والقيام بانقلاب يرجع إلى الأمة حقيقتها ، ويظهر كفاءتها الحقيقية، وروحها وأخلاقها ...... الشروط اللازمة للحركة الانقلابية، تقوم على الوعي أولاً، وعلى الشعور بالمسؤولية ثانياً، وعلى الإيمان أخيراً ....... إن زمن الحركة الانقلابية يرجع آخر الأمر إلى نشاطها ، وإلى صدقها وجديتها"([140]).
لكن هذا القول لا يحتوي محددات علمية يمكن أن نرتكز عليها ؛ لتبيان ماهية هذا الانقلاب، وكيفية قدرته على تحقيق أهداف الأمة، وإظهار كفاءتها، وروحها وأخلاقها، وبالنسبة للوعي والشعور بالمسؤولية، والإيمان، فهي مسائل نسبية، يجب أن تحدد وفق منطق علمي وليس من خلال تركها سائرة بحركة عشوائية، كما أن هذا الانقلاب الذي يريده عفلق يتسم بأنه يرفض أي إصلاح للمجتمع من الحكومات السابقة ، فرؤيته أن المجتمع يجب أن يبنى من الصفر بحسب رؤية البعث ، فيها شيء من الطوباوية والبعد عن النظرة البعيدة ، وهذه مما سببت للبعث الانكسارات والهزائم المتوالية كما سنرى في الفصول القادمة([141]) .
وكل هذه الأمور جعلت بعض البحاث يرى أن سيطرة البعث على الدولة تشبه سيطرة الأحزاب الشيوعية مستعملاً كلمة القوميين الكادحين بدلاً من البروليتاريا، حيث يقول لينين:
" لكي تكسب البروليتاريا غالبية السكان إلى صفها، فإن عليها في المقام الأول أن تطيح بالبرجوازية، وأن تستولي على سلطة الدولة، وتسحق تماماً جهاز الدولة القديم، وعندما تصبح سلطة الدولة ، بيد طبقة واحدة هي البروليتاريا التي عليها أن تصبح أداة لكسب الجماهير من الأحزاب البرجوازية ، والبرجوازية الصغيرة"([142]).
كما يؤكد ليبين في نفس السياق أن سيطرة أقلية من طليعة البروليتاريا المؤمنين بها وبحقها لابد أنه سيقود حتماً إلى كسبها للأغلبية من السكان؛ لأن البروليتاريا حسب رأيه، تهيمن اقتصادياً على مركز وعصب النظام الاقتصادي للطبقات الأخرى([143]).
وما يؤكد هذا القول أن ميشيل عفلق يرى أن الحفاظ على سيطرة الحزب على الدولة يكون من خلال القوة العسكرية نفسها، وزيادة التشكيلات العسكرية للحزب وفي ذلك يقول: "لقد نظمنا الشبيبة في حلقات وفروع وقومندوسات"([144]) وذلك بغية إيصال الحزب إلى السلطة، حيث كان للبعث تشكيلات سرية بجانب تشكيلاته العلنية، ويقول أيضاً :
" وهذا الجيل لا يزال في دور النشوء والتهيؤ، لم يتسلم السلطة، ولم يصل بعد إلى مرحلة التحقيق، وسيبقى زمناً طويلاً إذا فهم حقيقة مهمته، في دور النضال، والنضال يسمح له، بل يشترط عليه أن يكون متشدداً في مطالبه، دقيقاً في الحافظ على مبادئه، مبتعداً عن كل تساهل تقضي به السياسة ويبرره استعمال النجاح" ([145]).
ورغم ذلك فقد أيد عفلق بعض الانقلابات العسكرية التي حدثت في سوريا مثل انقلاب المشير حسني الزعيم عام 1949 حيث قال حول ذلك الانقلاب : " الشعب العربي في سوريا ، وفي جميع أقطار العروبة ، لا يقنع من الانقلاب بأن يكون نهاية عهد أسود فحسب ، بل يريد أن يجد فيه نقطة انطلاق نحو الحياة الحرة المنتجة القوية"، فالغاية تبرر الوسيلة في تحقيق الأهداف بحسب فكر ميشيل عفلق، على اعتبار أن الغاية هي تحقيق أهداف البعث التي هي نفسها برأيه أهداف الأمة ، بغض النظر عن الشكل الذي تتحقق به سواءاً كان انقلاباً له أم لغيره ، فالمهم أن يحقق أهدافه.
أما عن رأيه حول الوحدة العربية، فقد أيد البعث منذ نشأته المشاريع الوحدوية العربية على المستوى الإقليمي – كمشروع سوريا الكبرى ، أو الهلال الخصب، وهاجم سياسة النظام السوري، لمحاربة ، أو عدم الموافقة على هذين المشروعين، ورأى أن الرجعية العربية ممثلة في نظام الملك فاروق في مصر ، والملك عبد العزيز في السعودية، هي التي تقف وراء عدم وحدة سوريا الكبرى ، أو الهلال الخصب([146]) ، لكنه ما لبث بعد ذلك أن شعر بأن سيره في اتجاه المشاريع الهاشمية سيعرضه للعزلة السياسية؛ بسبب عدم تبني النظام السوري لهذه المشاريع فغيَّر اتجاهه منذ عام 1945، وأصبح يعارض هذه المشاريع، إلا أنه استمر في دعوته لوحدة سوريا ، والعراق بشرط إلغاء المعاهدة البريطانية العراقية لعام 1930، تلك التي تحقق مصالح بريطانيا في العراق.
وأصبح يؤكد أيضاً على ضرورة الوحدة العربية الشاملة، فيقول ميشيل عفلق في ذلك :
" العمل للوحدة أمر ضروري طبيعي بالنسبة للعرب الضمان مستقبلهم، كذلك العمل في سبيل الحرية أيضاً؛ لأنه لا قيمة للوحدة إذا لم تضم شعباً حراً واعياً لحقوقه قادراً على ممارستها، والاشتراكية هي أن يكون في هذه الوحدة شعب حر منتج قادر على الحياة، وتكون لأفراده فرص متكافئة فتظهر قواه وإمكانياته دون عرقلة مصطنعة تفرضه طبقة على أخرى ، أو استثمار داخلي عندما يعطي العرب طاقاتهم القصوى، ويكون مجتمعهم قادراً على البقاء ، والدفاع عن النفس، وهذه الأهداف لا تتعارض مع بعضها"([147]).
وندد عفلق بالأنظمة السورية التي عجزت عن تحقيق الوحدة العربية واعتبرها قطرية ، وضد مصالح الأمة العربية ، فيقول في ذلك:
"القيادة القديمة التي أولاها الشعب ثقته ؛ عجزت عن مجاراة الشعب في تحقيق أهدافه في الوحدة العربية الكبرى ، واعتمادها القطرية في عملها، وابتعدت عن الشعب، وانتشر الفساد في أجهزتها الإدارية.. وسوريا سبقت غيرها من الأقطار العربية في الاستقلال، يجب أن تتحمل مسؤوليتها في المساهمة في تحقيق استقلال البلاد العربية، وتحقيق حكم دستوري يساهم في تقدم الأمة ..... والبعث هو أمل الأمة في تحقيق أهدافها"([148]).
لكن لم يبين ميشيل عفلق عن الأشياء التي جعلت هذه القيادة لا تستطيع تحقيق هذه الأهداف، وما هي الظروف الدولية والمشاكل الداخلية رغم أن الكثير من القادة السياسيين السوريين كانوا يسعون للوحدة مع العراق ، أو الأردن، ولم يخل حزب سوري من الدعوة للوحدة العربية، أو التعاون مع الدول العربية، كما أن البعث نفسه وقف موقفاً معارضاً في كثير من المرات للوحدة السورية مع العراق ، أو الأردن في ظل الحكم الهاشمي فيهما، ولم يرى أن الأنظمة تتغير والقيادات تتغير، بينما الشعب يبقى ، أما المعاهدات فهي سبيلها إلى الزوال مهما طال أمدها، وبالفعل لم تبق معاهدة بين الدول العربية وكلا الدولتين فرنسا ، أو بريطانيا إلا وانتهت بما في ذلك المعاهدات البريطانية مع مشيخات الخليج، تلك المنطقة التي كانت تعتبرها بريطانيا حيوية بالنسبة إليها، ويعتبرها ميشيل عفلق من أنظمة الدول العربية الرجعية ، والمهادنة للاستعمار ، وضد جماهير الشعب العربي، وأنها طبقية([149])، لكن رغم ذلك، انتهت علاقتها مع بريطانيا كما انتهت المعاهدات التي تربط دول المغرب العربي ، والأردن مع فرنسا ، أو بريطانيا .
ولم يرى ميشيل عفلق أن الدول العربية ذات أنظمة سياسية متعددة، ولكل نظام فلسفته ، فلا يمكن أن تتحقق وحدة البلاد العربية وفق الشروط التاريخية الموجودة، إلا على أساس فيدرالي، تتوحد فيه أشياء، وتحترم في داخله أشياء أخرى، كما في دول المغرب العربي، أو دول الخليج ، أو وادي النيل، أو الهلال الخصب، فعلى سبيل المثال يقول ميشيل عفلق حول السودان ذلك القطر العربي المتعدد الأديان والقوميات: "العروبة السودانية هي الإسلام في جوهره"([150])، وهذا أمر لا يتفق عليه الكثير من السودانيين من غير العرب ، أو من غير المسلمين، ولعل المشاكل الحاصلة الآن في السودان أكبر مثال على ذلك، ثم أنه يرفض في مواضع أخرى القبول بقوميات أخرى ، أو بلغات أخرى داخل الوطن العربي الكبير، الذي يتميز قسماً مهماً منه بالفوارق القومية ، واللغوية، فيقول في ذلك: "إن لهذه البلاد في شرقها ، وغربها اسماً واحداً ، ولغة واحدة ، وقومية واحدة"([151]).
ومعيار الرجعية في النظام السياسي عند ميشيل عفلق هو عدم مشاركة الجماهير الشعبية في الحكم، وعدم السير في طريق الوحدة العربية ؛ لأن ذلك برأيه يبعد النظام عن كل طابع ثوري، ويجعله طبقياً، وإقليمياً([152])، كما أنه يرفض انفرادية أي حزب ، أو نظام في الحكم، لكن كل هذه الآراء تناقض آراءه السابقة التي يرى فيها حزب البعث أن البعثيون هم الممثلين للأمة ، وللجماهير وهم الطليعة الثورية، رغم أن قادة الحزب أنفسهم طالبوا عبد الناصر في عهد الوحدة بإنشاء لجنة سرية محدودة العدد يمارس من خلالها البعث حكم سوريا([153])، كما أن اثنين من قادة البعث وقعوا على وثيقة الانفصال عام 1961 وهما صلاح الدين البيطار وأكرم الحوراني ، وقال حول ذلك ميشيل عفلق : " الانفصال شر لابد منه"([154]).
كما يعارض ميشيل عفلق ميثاق الجامعة العربية ويعتبره كارثياً على الأمة العربية، ولعله في هذه الناحية محق في ذلك ؛ لأن ميثاق الجامعة ليس فيه أية إيماءات لتحقيق وحدة عربية، على المستوى السياسي ، أو الاقتصادي ، أو الاجتماعي ، فيقول في ذلك:
" إن التعاون الذي حققه ميثاق الجامعة العربية هو تعاون قاصر ، قد يتحقق مثله بين دول غريبة متباينة في اللغة ، والعنصر ، والتاريخ ، وبعيدة عن بعضها في الإقليم والقارة، فالميثاق في مجموعه إقرار لحالة التجزئة الراهنة في العالم العربي، وتوكيد للنزعات الشخصية في الفئات الحاكمة، وإذعان من دول الجامعة لسياسية الأمر الواقع، الذي سهَّل عليها التراجع أمام مطامع الأجنبي ضد بعض أجزاء الوطن العربي"([155]).
أما عن رأيه في القيادة القومية للحزب، فيقول عنها:
" القيادة القومية: هي التعبير العملي لنظام الحزب عن هذه الوحدة، وبالتالي عن ثورية الحزب، وهي تعني وجود عدد من القادة من أقطار مختلفة حسب مؤهلاتهم وثقة المؤتمرات بهم وتنتخبهم المؤتمرات ويقودون الحزب، وعندما يصل الحزب في قطر ، أو أكثر إلى مستوى الاشتراك في الحكم ، أو استلام الحكم كاملاً، تصل القيادات القطرية في هذه الأقطار إلى حد من القوة يغريها بألا تخضع لأي سلطة فوقها ، والحل في ذلك هو نظري فقط، لكي تكون القيادة القومية هي صاحبة السلطة العليا فعلياً يجب أن يكون وعي القاعدة الحزبية في أعلى مستوى ، وسهرها على سير الحزب ، والتزامها بمبادئه ، ونظامه فائقاً "([156]).
لكن هذا الحل النظري الذي يراه ميشيل عفلق ليس واقعياً ، ولا يمكن أن يحدث تحت أي ظروف؛ لأن نسبه الوعي هي مسألة نسبية، كما أن المصالح الشخصية لها دور كبير في المجتمعات المتخلفة ، ومنها المجتمعات العربية فعلى سبيل المثال يرى ساطع الحصري أن بعض القادة البعثيين عندما وصلوا إلى بعض الوزارات في الحكومات السورية قبل الوحدة، كانوا يستخدمون المحسوبية ، والوساطة لمن ينتمون إلى الحزب، وهذا ما يشجع بعض الانتهازيين ممن لا يؤمنون بمبادئ الحزب إلى الانتساب إليه([157])، فما بالنا لو وصل الحزب إلى السلطة في بعض الأقطار ، فسيزداد عدد الانتهازيين بشكل أكبر، وسيقفون ضد القرارات التي تعيق مصالحهم حتى لو كانت نابعة من القيادة القومية؛ لأن القوة العسكرية والسلطوية في أيديهم.
وما يؤكد هذه الحقيقة قول أحد قادة الحزب وهو شبلي العسيمي عند انعقاد المؤتمر الخامس للحزب عام 1962: " لقد كان عدد الذين انضموا إلى الحزب قليلاً، ولكننا أخذنا ننمو رويداً،وكان علي صالح السعدي عضواً في القيادة القطرية، وكذلك حمدي عبد المجيد وأنا وحمود الشوفي، ووليد طالب وفي عام 1963 كان عددنا حوالي 400 عضو"([158]).
من خلال تتبعنا لعرض وتحليل أيديولوجية حزب البعث وفكر مؤسسة الرئيسي ميشيل عفلق، حول عدد من القضايا التي تهم المجتمع العربي عموماً، والمجتمع العراقي خصوصاً، والذي هو موضوع الدراسة، نجد أنه لا يوجد في نظرية البعث طريق عمل ، أو استراتيجية واضحة المعالم، فاشتراك البعث في عدد من الحكومات اليمينية التي وصلت إلى الحكم من خلال الانقلابات العسكرية، واعتماده على الضغط من خلال المؤسسة العسكرية، لتحقيق الكثير من أهدافه، يبعده عن الشعبية، كما تميز فكر مؤسسه ميشيل عفلق بالضبابية في تعريفاته لكثير من الأمور ، وعدم وجود محددات علمية لأي مفهوم ، فعلى سبيل المثال لا الحصر لم يقدم ميشيل عفلق تعريفاً للأمة ، وللقومية له صفة العلمية، ولم يرصد تاريخ نضالها حسب المنهج الثوري السليم، ولم يجب عن سؤال كيف يبدأ النضال العربي من أجل الوحدة ؟ فيقول حول تعريف الأمة العربية: " هي كلية مطلقة لا متناهية، خالدة ، أفعالها ليست أفعال تاريخية عادية، ولكنها معجزات"([159]). وفي تعريف خصائص هذه الأمة يقول: " هي خصائص فوق الزمان ، والمكان ، وهي التي توجه التاريخ"([160]) ، كما أن الكثير من أفكاره تعتبر مجردات ميتافيزيقية لا تنطلق من الواقع والروح العلمية، من خلال تعريفاته للقدر ، والخلود ، والاشتراكية ، وكلمة السر ، والفرد، فعلى سبيل المثال يقول: " ليس بيننا ، وبين المستقبل الذي يتحدث عنه البعث العربي والذي هو موضوع عملنا ونضالنا زمن حسابي يقدر بالأشهر والسنين، فقد يصل المرء إلى هذا المستقبل في ثانية واحدة، عندما يدرك الفرد ذاته المثالية ويعي ويصمم"([161])، فلا يمكن أن يفهم المرء أي شيء من هذا الكلام.
3-بعض المنطلقات النظرية في حزب البعث
تقول إحدى المنطلقات "إن أيديولوجية حزبنا ترفض ، بلا تردد وبحزم الآراء الإصلاحية الانتهازية التي تروج لتدرج بطيء طويل للتغيير الاجتماعي ... إن الأيديولوجية الثورية هي الحل الطبيعي والوحيد لمشاكل بلد متخلف" ، وعلى هذا فالمنطلقات النظرية تؤكد فكرة الانقلاب الشامل ، وعدم إتاحة المجال للإصلاحيين ، على أساس أن آراءهم غير جديرة بتحقيق التقدم .
وتقول منطلقات أخرى :
" وفي الظروف الراهنة ... يجب نقل السلطة من الطبقات البرجوازية إلى الطبقات الكادحة، ولهذا يجب تخطي( البرلمانية) باعتبارها أحد أشكال سيطرة تلك الطبقات على الجماهير الشعبية...... إن تخطي (البرلمانية ) لايعني الانتقال إلى أشكال للحكم ديكتاتورية أو فردية بيروقراطية أو عسكرية ، بل يعني زوال الإطار البرجوازي شبه الإقطاعي للديموقراطية والانتقال إلى ديمقراطية أوسع وأعمق وأمتن وأسلم هي الديمقراطية الشعبية"([162]).
وعلى هذا فيرفض البعث القبول بالمجالس الشعبية البرلمانية ، رغم أنها ستمثل جميع أطياف المجتمع ، فهو يعتبرها إحدى الأشكال التي تحاول استغلال طبقات المجتمع لصالحها ، وأنه هو فقط المعبر عن الشعب ، وهنا يتشابه هذا الرأي مع رأي الماركسيين ، الذين يرون أن الحزب الطليعي الشيوعي هو المعبر الوحيد عن الشعب .
وتستطرد بعض المنطلقات النظرية للحزب في آراءها حول الحكم في الدولة بقولها :
" إما أن نعيش نحن أو تعيش الرجعية ، وكل تسوية وسط أكذوبة أو خدعة نتيجتها إنقاذ الرجعية ...... إن مبدأ (الحزب القائد) أصبح أمراً تمليه الضرورة المرحلية لوجود سلطة مركزية ثابتة تقود عملية البناء الاشتراكي..... الممارسة العملية للديمقراطية تقتضي نبذ مبدأ إبعاد الجيش عن السياسة ... بل إن فكرة الجيش المحترف هي بالأساس مبدأ الرجعية والبرجوازية في الحكم "([163]).
وبناءاً على ذلك يرفض البعث إشراك الآخر في السلطة ، ولا يحدد مؤشرات الرجعية عنده تلك التي يعتبرها لا توافق أهدافه ، وأن وجود البعث كحزب قائد في المجتمع هو شئ ضروري من أجل تقدم المجتمع من خلال الاشتراكية ،وتحقيق أهدافه ، مع ضرورة إشراك الجيش بالسياسة ، وأن يكون هذا الجيش هو جيش تابع للحزب، والبعث يعلم أن تدخل الجيش في السياسة كان له أثره السيئ ، في القضاء على الحكومات المدنية ؛ بسبب ما قام به من انقلابات عسكرية في سوريا ، والعراق .
كما أن إحجام البعث من خلال أيديولوجيته وأفكار مؤسسه ومنطلقاته النظرية ، عن تحليل العوامل الطائفية ، والعرفية ، والشعائرية ، والطبقية ، والحزبية، والجهوية تحليلاً علمياً، للوصول إلى حل لمشكلاتها، قد قاد الحزب إلى مشكلات مستقبلية في الدول التي وصل إليها البعث؛ لأن هذه الرواسب هي من رواسب المجتمع التقليدي، الذي يعيق الشعور القومي ، والاجتماعي ، والاقتصادي.
وتناقض الآراء في فكر ميشيل عفلق، في عدة مفاهيم، جعل نظرية البعث تتخبط في حل علمي لمشكلات محددة، قد تواجه المجتمع والدولة، إضافة أن اعتماده على مبدأ الانقلاب في تحقيق الأهداف، فلم يكن سوى مثله مثل الانقلابات التي حدثت من قبل من قبل بعض الضباط العسكريين، بل لقد انفصلت القيادة القطرية عن القومية؛ بسبب الصراع بين العسكريين ، والمدينين داخل الحزب نفسه، وهذا ما سنراه في الفصول القادمة.
فكون الحزب يعتمد في إيديولوجيته على شعار توحيد جميع الدول العربية في دولة واحدة وبتبني المنهج الاشتراكي ، إلا أنه لم يستطع تطبيق ذلك بسبب بعض المشاكل التي هزت كيانه ومصداقيته، مثل عدم وجود منهج وبرنامج عمل علمي واضح المعالم يمكن تنفيذ أفكاره على الأرض فبقي أسير أهدافه التي بقيت شعارات لم تجد من ينفذها ويحققها ، وتبنيه أسلوب تنظيم الأحزاب الشيوعية، أشبه بالتنظيمات الاستخبارية منها إلى التنظيمات السياسية، معتمدةً على أكبر قدر من الاستقطاب الحزبي للمنتمين للحزب دون الاهتمام بنوع العناصر وتأثيرها الاجتماعي، وهذا مما يشجع أعضاء الحزب من المغامرين والانتهازيين لتحقيق المطامح الشخصية ؛ وإحداث انشقاقات مستمرة في الحزب منذ نشأته ، فما هي الاستراتيجية التي قام بها البعث ؛ لحل كل مشكلات المجتمع العربي، المتسِّم بالتنوع الإقليمي ، والطائفي والديني، والعرقي،والطبقي، إضافة لما ساهم به الاستعمار في كافة مراحله، من إحداث انشقاقات بين الدول العربية في أعرافها ، وعاداتها ، وولاءاتها الشخصية .
([1]) شفيق عبد الرزاق السامرائي، المشرق العربي: العراق، سوريا، لبنان، بغداد: وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، 1980، ص ص 72- 73، للمزيد أنظر :
c. Ernest dawn , the formation in the inter –war years , international Journal of middle East Studies , 20 February, 1980,p 80
([2])شفيق عبد الرزاق السامرائي ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 83-84 .
([3]) نفس المرجع السابق، ص83.
([4] ) Albert Hourani , Arabic though in the liberal age , 1997-1939(London . 1962) chap 2 .
Also Look: Spotlight on Iraq , qustia, , Vol. 66, 2002
([5])pp. 1396-1407 John .F. Devlin, The baath party : rise and metamorphosis, London. 1991, Also Look : John F. Devlin. The American Historical Review, Vol. 96, No. 5 (Dec., 1991),Also Look : شفيق عبد الرزاق السامرائي ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 77-82.
([6]) عادل مختار الهواري، الصفوة السياسية في الشرق الأوسط ، القاهرة: مكتبة نهضة الشرق 1984، ص ص 15-17 .
([7]) أمين أسبر، تطور النظم السياسية والدستورية في سوريا (1946 – 1973)، بيروت: دار النهار للنشر، 1979، ص ص 19-20 ، أنظر أيضاً، حنا بطاطو، العراق: الشيوعيون ، والبعثيون ، والضباط الأحرار، ترجمة عفيف الرزاز، بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية ، 1992، ص ص 33-34
([8]) حبيب عيسى، السقوط الأخير للإقليميين العرب، بيروت: دار المسير ، 1978 ، ص34، أنظر أيضاً : أمين أسبر، مرجع سابق ذكره، ص ص 28-30 .
([9]) حبيب عيسى، مرجع سابق ذكره، ص33 .
([10])Michel Aflaq: The Battle for a Unique Destiny, p. 185 ،أنظر أيضاً :هاني الفكيكي، أوكار الهزيمة: تجربتي في حزب البعث العراقي، بيروت: رياض الريس للكتب والنشر، 1993، ص155.
([11]) ميشيل عفلق، في سبيل البعث ج1، بغداد ، مكتبة الثقافة والإعلام، د ت، ص8 .
· انظر بيان الحركة التي كتبه ميشيل عفلق في الملحق .
([12]). Ruling party learned from Nazis, .George Kerevan
29 March 2003.The Scotsman newspaper
([13])ميشيل عفلق، في سبيل البعث ،ج1 ،مرجع سابق ذكره ، ص 9، للمزيد انظر:
Wikipedia article. Baath_Party
http://en.wikipedia.org/wiki/Nationalism from the website :
أنظر أيضاً : قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، المشكلة الكردية، جامعة القاهرة ، رسالة دكتوراه غير منشورة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، 1977، ص266.
([14]) سامي الجندي، البعث، بيروت، دار النهار للنشر، 1969، ص ص 20-38 .
([15])Baath Party, Encyclopedia Article,، مأخوذ من الموقع : http://uk.encarta.msn.com/encyclopedia_761580273/Baath_Party.html
أنظر أيضاً : حنا بطاطو ، العراق: الشيوعيون ، والبعثيون ، والضباط الأحرار، مرجع سابق ذكره، ص ص 29-32 .
([16])حنا بطاطو ، العراق: الشيوعيون ، والبعثيون ، والضباط الأحرار،مرجع سابق ذكره، ص32
([17]) نفس المرجع السابق ، ص33 -34
([18])عز الدين دياب، التحليل السياسي لظاهرة الانقسام السياسي في الوطن العربي، القاهرة: مكتبة مدبولي 1993، ص ص 27-28 .
([19]) نفس المرجع السابق، ص ص 33-34 ، للمزيد انظر :
Isam, Khafaji,. State Incubation of Iraqi Capitalism Merip, Middle East Report, No. 142. pp. 4-12
إيمان راسخ، البعث العربي الاشتراكي ،ط4، بغداد: دار الحرية للطباعة، 1977 ، ص ص 24-25 .
([20])مصطفى دندشلي ، حزب البعث العربي الاشتراكي، بيروت،دن ، ص ص 1-49 ، انظر أيضاً :
إيمان راسخ، البعث العربي الاشتراكي ،ط4، بغداد: دار الحرية للطباعة، 1977 ، ص ص 24-25 .
([21]) ميشيل عفلق، في سبيل البعث ، ج1، مرجع سابق ذكره ، ص ص 256-262 ، ص 267 – 272
([22]) نفس المرجع السابق، ص ص 35- 36 ، انظر أيضاً شفيق عبد الرازق السامرائي، مرجع سابق ذكره ص 96، أيضاً : ناجي أبي عاد وميشيل جريتون ، النزاع وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط ، ترجمة: محمد نجار ، عمان ، الأهلية للنشر والتوزيع، 1999، ص77 ، أنظر أيضاً :
Baath Party: Encyclopedia II - Baath Party - Origins
([23]) مطاع الصفدي، التجربة الناصرية والتجربة الثالثة ، بيروت: مؤسسة الأبحاث العلمية العربية العليا، 1973، ص ص 194-195، للمزيد انظر: Raymond Hinnebusch, Syria: Revolution from Above, , London : Routledge, 2001, pp.139-164. ، أنظر أيضاً : أمين أسبر، تطور النظم السياسية والدستورية في سوريا (1946-1973) ، بيروت دار النهار للنشر ، 1979، ص ص 28-29.
([24]) أمين أسبر، تطور النظم السياسية، والدستورية في سوريا، (1946، 1973) بيروت: دار النهار للنشر 1979) ص ص 28-30 .
· انظر دستور حزب البعث ومبادئه في الملحق .
([25]) نفس المرجع السابق ، ص ص 28-30 ، ص ص 43-37.
([26]) سعد الدين إبراهيم، مصر تراجع نفسها، القاهرة : دار المستقبل الجديدة، 1983، ص 196.
([27]) مطاع الصفدي، مرجع سابق ذكره، ص ص194 – 195 .
([28]) جمال الشاعر، سياسي يتذكر، بيروت، رياض الريس للكتب والنشر، دت، ص51 .
([29]) عز الدين ديان، التحليل السياسي لظاهرة الانقسام السياسي في الوطن العربي، مرجع سابق ذكره، ص ص 203 – 204 .
([30]) نيقولاوس فان دام، الصراع على السلطة في سوريا: الطائفية والإقليمية والعشائرية في السياسة 1961 – 1995، ط2، القاهرة : مكتبة مدبولي، 1995، ص45.
([31] ) هاني الفكيكي ، مرجع سابق ذكره، ص147 ، للمزيد أنظر: أديث وائي وايف، بينروز، مرجع سابق ذكره، ص 230 ، أنظر أيضاً : . Wikipedia article. Baath_Party
http://en.wikipedia.org/wiki/Nationalism : from the website
([32] ) نفس المرجع السابق ، ص ص 154 – 156 – ص 196
([33] ) هنري لورانس، اللعبة الكبرى : المشرق العربي والأطماع الدولية ، ط 2 ، بنغاري ، دار الكتب الوطنية ، 1993 ، ص236 .
([34] ) نفس المرجع السابق ، ص ص 38 – 39 .
([35] ) عز الدين دياب، مرجع سابق ذكره، ص 234
([36] ) أديث وائي، إيف بينروز، العراق: دراسة في علاقاته الخارجية وتطوراته الداخلية 1915 – 1975، ترجمة: عبد المجيد حسيب القيسي، بيروت دار الملتقي ، 1989، ص ص 451 – 452
([37] ) هاني الفكيكي ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 59 – 60
([38] ) حنا بطاطو العراق : الشيوعيون البعثيون والضباط الأحرار ، مرجع سابق ذكره ، ص 29
([39] ) نفس المرجع السابق ، ص 30
([40] ) نفس المرجع السابق، ص31
([41] ) A Country Study: Iraq, U.S. Library of Congress .5/1988
، أنظر أيضاً : حنا بطاطو العراق : الشيوعيون البعثيون والضباط الأحرار ، مرجع سابق ذكره، ص 32
· عضوية المؤيدين ظهرت في العراق ، وناظرتها في سوريا عضوية الأنصار ( الباحث ) .
· كما كان للطلبة العراقيين الذين كانوا يدرسون في جامعة دمشق دور في نقل الأفكار البعثية إلى العراق ، وذلك بعد عودتهم للعراق ، كما كانت بعض الكتل و التجمعات الأهلية تحمل شعارات قومية مثل : جماعة الأهالي في العراق ، و حزب الاستقلال ، حيث انضم أفرادها فيما بعد لحزب البعث انظر حول ذلك أيضا أنظر قاسم جميل قاسم ، التكامل القومي العراق : المشكلة الكردية ، رسالة دكتوراه غير منشورة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، جامعة القاهرة، ، 1977 ، ص ص 266 – 269.
([42] ) هاني الفكيكي، مرجع سابق ذكره ص ص 59 – 60، أنظر أيضا حنا بطاطو، العراق: الشيوعيون والبعثيون والضباط الأحرار، مرجع سابق ذكره ص 47 – 48، أنظر حول الخلفية الطبقية لأعضاء حزب البعث ، هنري لورانس، اللعبة الكبرى ، مرجع سابق ذكره، ص ، 23 ، أيضاً : Wikipedia article. Baath.Party op.cit , Also Look : A Country Study: Iraq, U.S. Library of Congress, 5.1988
([43] ) هاني الفكيكي مرجع سابق ذكره ص ص 65 – 78 ,وقد أنضم أعضاء حزب الاستقلال- بعد حله- إلى حزب البعث ، أنظر حول ذلك قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره ص ص 269 – 270 ، انظر أيضاً:
Doreen, Warriner,. Land Reform and Development in the Middle East: A Study of Egypt, Syria, and Iraq. London: Oxford, University Press for the Royal Institute of International Affairs, 1962,pp.20-180. and Look : Kemal, Abu Jaber,. The Arab Baath Socialist Party, Syracuse: Syracuse University Press, 1966,pp.10.250
([44] ) قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق: دراسة سياسية اقتصادية اجتماعية ، رسالة ماجستير غير منشورة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، جامعة القاهرة ، 1973، ص ص 20 – 21 للمزيد أنظر:
Devlin, John, The Baath Party: A History from Its Origins to1966. Stanford: Hoover Institution Press, 1976,PP.12-30. Also Look :
عز الدين دياب التحليل الاجتماعي لظاهرة الانقسام السياسي في الوطن العربي مرجع سابق ذكره ص ص 324 – 245 ، للمزيد أيضا أنظر: قاسم جميل قاسم ، التكامل القومي العراق : المشكلة الكردية ، رسالة دكتوراه غير منشورة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، جامعة القاهرة، 1977 ، ص ص 266 – 269.
([45] ) أكرم الحوراني، مذكرات أكرم الحوراني، القاهرة، مكتبة مدبولي 2000، ص1721 ، للمزيد انظر :قاسم جميل قاسم ، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق: دراسة سياسية اقتصادية اجتماعية ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 272-277 , أنظر أيضاً : Devlin, ,Op.Cit,pp.22-30. John
Also Look :Gallman, John, Waldemar. Iraq Under General Nuri. Baltimore, Johns Hopkins University Press, 1964,pp.50-120.
([46]) قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره ص20 .
([47]) نفس المرجع السابق، ص21 ص ص 272 ، 281 .
([48]) قاسم جميل قاسم، التكامل القوي في العراق، مرجع سابق ذكره ، ص ص 270 – 271 .
([49]) نفس المرجع السابق ، ص 270 .
([50]) نفس المرجع السابق ، ص 281، ص ص 281- 283، أنظر أيضاً حنا بطاطو: العراق: الشيوعيون ، والبعثيون ، والضباط الأحرار، مرجع سابق ذكره، ص 75-81 .
([51]) نفس المرجع السابق، ص 272.
([52]) نفس المرجع السابق ، ص ص 275 ـ 278، للمزيد انظر :
Elie ,Kedourie,. "Continuity and Change in Modern Iraqi History," Asian Affairs London, June 1975,pp. 140-146.
([53]) هاني الفكيكي، مرجع سابق ذكره، ص ص 85- 99 .
([54]) نفس المرجع السابق ، ص180 .
([55]) قاسم جميل قاسم، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص243-245.
· أصبح رئيساً لسوريا خلال الفترة (1963-1966) ، حيث يعتبر أول رئيس بعثي تسلم الحكم في سوريا ، ثم قامت مجموعة من الضباط بالانقلاب عليه بحركة 23 فبراير 1966 ، وبذلك انشق البعث السوري عن العراقي الموالي للقيادة القومية (الباحث) .
([56]) أديت وائي، إيف بينروز، مرجع ساق ذكره، ص ص 251 – 452 ، أنظر أيضاً هاني الفكيكي، مرجع سابق ذكره ، ص ص 246 ـ 277 ، ص ص 139 – 142 .
([57]) هاني الفكيكي،، مرجع سابق ذكره ، ص ص 160 – 185 ، ص135
([58]) نفس المرجع السابق، ص 180، أنظر أيضاً، أديث وائي، إيف، بينروز، ص237 .
([59]) شفيق عبد الرازق السامرائي، مرجع سابق ذكره، ص110-113 .
([60]) نفس المرجع السابق ص115، أنظر أيضاً هاني الفكيكي، مرجع سابق ذكره ص171، ص191.
([61])Abbas ,Kelidar,. The Integration of Modern Iraq. New York: St. Martin's Press, 1979.pp.50-60. also Look :
أديث وائي، إيف، بينروز، مرجع سابق ذكره، ص ص 451 – 452 .
([62]) عز الدين دياب، التحليل السياسي لطاهرة الانقسام السياسي في الوطن العربي، مرجع سابق ذكره، ص 415، انظر أيضاً، هاني الفكيكي، مرجع سابق ذكره، ص ص 100 – 103 .
([63]) حنا بطاطو ، العراق، الشيوعيون والبعثيون والضباط الأحرار، مرجع سابق ذكره، ص ص 52-76.
([64]) هاني الفكيكي، مرجع سابق ذكره، ص ص 202 – 204 .
([65]) سعد جمعة، مجتمع الكراهية، مرجع سابق ذكره، ص59 ، للمزيد أنظر : Ba'ath party ، مأخوذ من الموقع : http://www.infoplease.com/ce6/history/A0805601.htm
([66]) هاني الفكيكي، مرجع سابق ذكره، ص191
([67]) قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص 274 – 275 ، للمزيد حول أيديولوجية البعث ، انظر الملحق .
([68]) شفيق عبد الرازق السامرائي ، مرجع سابق ذكره، ص96 .
([69]) نفس المرجع السابق، ص140.
([70]) أبو خلدون ساطع الحصري، العروبة بين دعاتها ومعارضيها، ط2، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1985، ص ص 120-123 .
([71]) نفس المرجع السابق، ص 123 .
([72]) ناجي أبي عاد، وميشيل جريتون، النزاع وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، ترجمة محمد نجار، عمان: الأهلية للنشر والتوزيع، 1999، ص77
· أنظر دستور حزب البعث في الملحق .
· تولي أمانة القيادة القومية عامي 1964، 1965 ،أما باقي السنوات فكانت من نصيب ميشيل عفلق حتى وفاته سنة 1989، (الباحث).
([73])البعث الذكرى الحادية والأربعين للتجربة المرة (تقرير خاص) ، 8/4/2004 ، أخذ من الموقع : http://www.aliraqi.org/forums/showthread.php?t=44760
([74])نفس المرجع السابق.
([75]).A Country Study: Iraq, U.S. Library of Congress .5/1988
([76]) ميشيل عفلق، البعث والاشتراكية ، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1973، ص39، انظر أيضاً : ميشيل عفلق ، في سبيل البعث، مرجع سابق ذكره، ص ص 80-81 .
([77]) نفس المرجع السابق ص ص 40-41 .
([78]) نفس المرجع السابق ص 45 ، للمزيد أنظر :
Baath Party: Encyclopedia II - Baath Party – Origins
([79]) نفس المرجع السابق ، ص ص 47-54.
([80]) ميشيل عفلق، في سبيل البعث، ج4، بغداد: دار الحرية للطباعة، د ت ، ص ص 25-28 ، وحول تأثره بالشيوعية ومبادئها ، وترتيباتها أنظر :
29 March. 2003.The Scotsman newspaper. Ruling party learned from Nazis. GEORGE KEREVAN
([81]) نفس المرجع السابق، ص ص209 – 210.
([82]) نفس المرجع السابق، ص132.
([83]) جمال الشاعر، سياسي يتذكر، بيروت، رياض الريس للكتب والنشر، دت، ص21.
([84]) سعد جمعة، مرجع سابق ذكره، ص56
([85]) ميشيل عفلق، في سبيل البعث، ج4، مرجع سابق ذكره، ص38 .
([86]) ميشيل عفلق، البعث والاشتراكية، مرجع سابق ذكره، ص 54، للمزيد أنظر نفس المرجع، ص ص 191-194.
([87]) نفس المرجع السابق، ص 78 .
([88]) نفس المرجع السابق، ص111 .
([89]) نفس المرجع السابق، ص125.
([90]) نفس المرجع الساق، ص126 .
([91]) نفس المرجع السابق، ص153، للمزيد حول ادعاء ميشيل عفلق، أن البعث كان أول حركة اعتنقت القومية العربية، انظر أبو خلدون ساطع الحصري ، الإقليمية : جذورها وبذورها ، مرجع سابق ذكره، ص ص 184 – 195.
([92]) نفس المرجع السابق ص199. عز اللين دياب، التحليل السياسي لظاهرة الانقسام في الوطن العربي، مرجع سابق ذكره ص269.
([93]) Michel Aflaq ,The Baath's Struggle, Part III, pp. 316-317 ، أنظر أيضاً : عز اللين دياب، التحليل السياسي لظاهرة الانقسام في الوطن العربي، مرجع سابق ذكره ص269.
([94]) نفس المرجع السابق ص 268 .
([95]) أبو خلدون ساطع الحصري ، الإقليمية، جذورها وبذورها، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1985، ص 51 – 52 ، للمزيد أنظر :
Michel Aflaq: Following the Baath; pp. 271-275.
([96]) نفس المرجع السابق ، ص ص 64-67 ، ص ص 157 – 161 .
([97])ميشيل علق ، في سبيل البعث ، ج2 ، مرجع سابق ذكره ، ص 137 ، انظر أيضاً :
Michel 'Aflaq: Following the Baath, pp. 285-286; pp. 287-290
([98]) قاسم جميل قاسم، التكامل القومي في العراق، مرجع سابق ذكره ، ص 180 ، للمزيد حول آراء البعث في الوحدة وواقع التعامل معها على الواقع العملي أنظر : سعد جمعة، مرجع سابق ذكره، ص52 .
([99]) ميشيل عفلق، في سبيل البعث، مرجع سابق ذكره، ص ص 32 ، للمزيد حول آراء ميشيل عفلق في الوحدة أنظر:
Michel Aflaq, Part III,Op, Cit، pp. 261-267; pp. 269-270, And Look : Michel Aflaq The Baath's Struggle; Part IV, p. 105 ,pp. 84-87.; pp. 72-83.; pp. 79-80.
([100]) نفس المرجع السابق ، ج4، ص46
([101]) نفس المرجع السابق ، ج4، ص74
([102]) عز الدين دياب ، التحليل السياسي لظاهرة الانقسام في الوطن العربي، مرجع سابق ذكره، ص ص 373 – 374 ، للمزيد انظر : Paul Berman; Terror and Liberalism; W.W. Norton & Company, New York, London: 2003; p.55.
([103]) أبو خلدون ساطع الحصري ، الإقليمية: بذورها وجذورها ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 88 – 89 .
([104]) ميشيل عفلق ، في سبيل البعث، بيروت ، دار الطليعة ، 1959، ص 27
([105]) نفس المرجع السابق ، ص ص 299 - 300 ، للمزيد حول رأي البعث في قيادة الأمة والشعب من خلال القيادة البعثية ، والتي هي أشبه بالقيادة الشيوعية للشعب والأمة ، أنظر أيضاً :
Evgenii Novikov,A View From The Other Side: An Introduction To Arab Media, Global Terrorism Anlaysis,The Jamestown Foundation, Terrorism Monitor, Volume 1, Issue 2. 26 September, 2003.
([106]) أبو خلدون ساطع الحصرين مرجع سابق ذكره ، ص180
([107]) هاني الفكيكي، مرجع سابق ذكره، ص76 .
([108]) نيقولاوس فان دام، مرجع سابق ذكره ، ص27 .
([109]) ميشيل عفلق ، ج4، مرجع سابق ذكره ، ص53 .
([110]) حنا بطاطو، العراق: الشيوعيون والبعثيون والضباط الأحرار، مرجع سابق ذكره، ص46.
([111]) نفس المرجع السابق ، ص46.
([112]) هاني الفكيكي، مرجع سابق ذكره، ص ص 77-78 ، للمزيد أنظر : ميشيل عفلق ، في سبيل البعث ، ج4 ، مرجع سابق ذكره ، ص 80 .
([113]) ميشيل عفلق في سبيل البعث ، ج3، مرجع سابق ذكره ص 108 .
([114]) نفس المرجع السابق، ص ص 27-28 .
([115]) هذا القول لميشيل عفلق مأخوذ من مرجع : محمد الغزالي، حقيقة القومية العربية، وأسطورة البعث العربي، القاهرة: دار نهضة مصر، 1998، ص ص 45 – 46 .
([116]) نفس المرجع السابق، ص ص 47 – 50 .
([117]) ميشيل عفلق، في سبيل البعث ، بيروت: دار الطليعة، 1963، ص 102 .
([118])Paul Berman; Terror and Liberalism; op.cit .p 78,p 94
· النبي محمد صلى الله عليه وسلم من ذرية النبي إسماعيل ابن أبو الأنبياء إبراهيم عليهما الصلاة والسلام ، الذي لم يكن عربياً بل تزوج امرأة من إحدى القبائل العربية وهي قبيلة جرهم (الباحث) .
([119]) محمد الغزالي ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 66 – 90 .
([120]) نفس المرجع السابق، ص ص 156 – 261 .
([121]) عز الدين دياب، التحليل السياسي لظاهرة الانقسام السياسي في الوطن العربي، مرجع سابق ذكره، ص24، للمزيد حول ذلك انظر: ميشيل عفلق ، في سيبل البعث، ج4، مرجع سابق ذكره ص17 .
([122]) نفس المرجع السابق، ص ص 363 – 364 .
· قالها في نهاية سنوات وجوده في العراق (الباحث) .
([123]) نفس المرجع السابق، ص 391، انظر أيضاً ميشيل عفلق، في سبيل البعث ،مرجع سابق ذكره ،ص ص 33 - 35، ص60 ، ص 64 – 61 .
([124]) جمال الشاعر، مرجع سابق ذكره، ص65 .
([125]) ميشيل عفلق ، في سبيل البعث ، ج4 ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 60-64 .
([126]) عادل مختار الهواري، الصفوة السياسية في الشرق الأوسط ، القاهرة، مكتبة نهضة الشرق، 1984، ص ص 15-17 .
([127]) عز الدين ديان، التحليل الاجتماعي لظاهرة الانقسام السياسي في الوطن العربي ، مرجع سابق ذكره، ص21
([128]) محمد جابر الأنصاري وآخرون ، النزاعات الأهلية العربية: العوامل الداخلية والخارجية ، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1997، ص 188 .
([129]) ميشيل عفلق، في سبيل البعث، مرجع سابق ذكره، ص ص 29-33.
([130]) نفس المرجع السابق، ص80.
([131]) ميشيل عفلق، في سبيل البعث، بيروت، دار الطليعة، 1963، ص102، للمزيد حول الرسالة الخالدة في فكر ميشيل عفلق، أنظر نفس المرجع السابق، ص112.
([132]) ميشيل عفلق ، في سيبل البعث، بيروت: دار الطليعة، 1963، ص 172.
([133])ميشيل عفلق، في سبيل البعث، ج5، ص ص 173-176.
([134]) ميشيل عفلق، في سبيل البعث، ج5، مرجع سابق ذكره، ص ص141 – 143 .
([135]) نفس المرجع السابق، ص ص 299 – 300 .
([136]) نفس المرجع السابق، ص207 .
([137])([137]) ميشيل عفلق ، في سيبل البعث، بيروت: دار الطليعة، 1963،ص ص214 – 216 ، للمزيد أنظر نفس المرجع السابق، ص ص116-117، ص ص 117 – 128، للمزيد نفس المرجع السابق ، ج3 ، ص89 .
([138]) حنا بطاطو، العراق: الشيوعيون والبعثيون والضباط الأحرار، مرجع سابق ذكره، ص45 .
([139]) عز الدين دياب، التحليل السياسي لظاهرة الانقسام السياسي في الوطن العربي، مرجع سابق ذكره، ص258.
([140]) نفس المرجع السابق، ص ص 373 – 374 .
([141])Al-Quds (PA), October 11, 2000.
([142]) جاك ووديز ، الجيوش والسياسة، ترجمة عبد الحميد عبد الله ، بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، 1982، ص ص 32-33 .
([143]) نفس المرجع السابق، ص33.
([144]) أبو خلدون ساطع الحصري ، الإقليمية: جذورها وبذورها، مرجع سابق ذكره، ص ص 198.
([145]) عز الدين دياب، التحليل السياسي لظاهره في الوطن العربي، مرجع سابق ذكره، ص272، للمزيد أنظر نفس المرجع السابق، ص365.
([146]) محمد جعفر فاصل الحيالي، العلاقات بين سوريا والعراق (1945-1958) ، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية ، 2001، ص ص 133 – 134 .
([147]) مشيل عفلق، في سبيل البعث ، ج4، مرجع سابق ذكره، ص41 .
([148]) نفس المرجع السابق، ص ص 32-40 .
([149]) ميشيل عفلق، في سبيل البعث، ج2، مرجع سابق ذكره، ص ص 118 – 121 .
([150]) ميشيل عفلق، في سبيل البعث، ج5، مرجع سابق ذكره، ص ص 294 ـ 295.
([151]) ميشيل عفلق، في سبيل البعث، ط2، بيروت: دار الطليعة، 1963، ص177.
([152]) ميشيل عفلق، البعث والاشتراكية، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1973، ص ص196-199
([153]) سعد جمعة، مرجع سابق ذكره، ص ص 51-52 ، للمزيد انظر ميشيل عفلق، في سبيل البعث، ج4، ص ص 215 – 217 ، ص 81 – 195 .
([154]) نفس المرجع السابق، ص59
([155]) ميشيل عفلق، في سبيل البعث، ج4، مرجع سابق ذكره ، ص ص126 – 129 .
([156]) نفس المرجع السابق، ص74 .
([157]) أبو خلدون ساطع الحصري، الإقليمية: جذورها وبذورها ، مرجع سابق ذكره ص ص 200-2001 .
([158]) أكرم الحوراني، مرجع سابق ذكره ، ص3045.
([159]) سعد جمعة ، مرجع سابق ذكره ، ص53.
([160]) نفس المرجع السابق ، ص53.
([161]) أبو خلدون ساطع الحصري، الإقليمية : جذورها وبذورها ، مرجع سابق ذكره ص ص 153 – 178.
([162]) محمد أحمد الزعبي ، النظام السوري إلى أين ، 28/3/2007 مأخوذ عن الموقع :
http://www.asharqalarabi.org.uk/center/dirasat-ni.htm
([163]) نفس المرجع السابق .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق