نهدي
هذا التحليل لجميع شهداء الثورة السورية المباركة ، وعلى رأسهم شقيقي الشهيد البطل
عامر محمد عبد القادر ناجي ، القائد في كتائب ثوار الغوطة في الجيش السوري الحر ، إضافة لشهداء عائلتي
الآخرين ومنهم خالي الشهيد البطل وليد الشيخ بكري ، وأولاد عمومتي خالد ومحمود
ونبيل ناجي ، وأولاد أخوالي وخالاتي وعلى رأسهم فهد عبد الدايم ، وزوج خالتي حسان
عبد الدايم ، وصهري أحمد رجب وأخيه وابن أخيه ، وأولاد عمومة آل ناجي من آل شيخ
الضيعة ، وصديقي حيدر عز الدين ، وأولاد الجيران محمد ناصر وإبراهيم حوا ومحمود
صيداوي ونعمان صيداوي ، وكل شهداء عائلات مدينة الشهداء دوما ، والغوطة ، والوطن
السوري ، وكل شهيد ضحى من أجل إنهاء حكم الطائفية النصيرية والمجوسية الصفوية ،
وأحزاب الإرهاب والقتل والإجرام أمثال عصابات بدر وجيش المهدي وحزب الله ، وجيش
القدس وحركة أمل ، والحرس الثوري الإيراني ، وغيرهم من دعاة القتل والإجرام والحقد
على الإنسانية والحياة الحرة الكريمة
تحليل
كتاب فن الحرب
للفيلسوف
الصيني سون تزو
سون تزو ووه قائد
عسكري صيني ألف كتاباً في الفن العسكري والقتال ، بعد أن اختبره ملك الصين ، حيث
أكد للملك أن القيادة الحكيمة للجيش هي التي تقود إلى النصر ، وإن تقصير القيادة
سيؤدي إلى الفشل والخسارة في المعركة ويجب أن يتحملوا الخسارة بكافة أبعادها ،
ويعاقبوا على تقصيرهم بأشد العقوبات ، فلا رحمة أو شفقة في التقصير بحسب رأي سون
تزو فالدقة والانتظام والخطط المحكمة والعقيدة الراسخة مع توفر الإمكانيات
الضرورية ومعرفة ما يدور في ذهن العدو ، ومدى قوته وحجم عتاده ، ونفسيته ، كل هذه
الأمور تقود إلى النصر إحدى معارك سون تزو
انتصر بجيش قوامه 30 ألف جندي على جيش عدوه الذي قوامه 200 إلف جندي , بسبب افتقار
عدوه إلى عنصر التنظيم والإدارة.
حتى أن قيادة
القوات الأمريكية حرصت أثناء ذهابها إلى حرب الخليج الأولى على أن يحمل كل جندي
أمريكي نسخة من كتاب فن الحرب, وأن الإستراتيجية الحربية الأمريكية "الصدمة
والترويع" التي دشنها الخبير العسكري هارلمان حين نشر كتابه Shock and War :
Achieving Rapid Dominance في عام 1996 مبنية على مبادئ كتاب فن الحرب ,
تلك الإستراتيجية التي انتهجتها الولايات المتحدة في حرب الخليج الثانية , وإسرائيل
في حربها على الدول العربية ، حتى أن لكثير من الشركات العالمية تطبق مبادئ سون
تزو في غزوها للأسواق الخارجية وتقابل بعض الدول الضغط الخارجي من أجل تحرير سعر
صرف عملتها وفتح أسواقها أمام التجارة الخارجية من خلال تطبيق الاستراتيجيات في
معارك التجارة العالمية الحرة . .
و أكد الكثيرون من
الخبراء العسكريين أن الكثير من المذابح الرهيبة التي شابت تلك الحرب العالمية كان
يمكن تجنبها لو توفر مثل هذا الكتاب للقادة العسكريين و المخططين ومتخذي القرار, لكن
رغم توفر هذا الكتاب للقادة العسكريين في الحرب العالمية الثانية فلم يفلح في
تجنيب العالم ويلات المذابح والمغامرات الحربية الفاشلة بسبب عدم التقيد بنظرياته
يرى سون تزو في أن
فن الحرب ذو أهمية حيوية للدولة ، كونه مسألة حياة أو موت , و بمثابة الطريق إلى
بر الأمان أو إلى الخراب , ولذا فهو موضوع يستحق البحث والتحري لا يمكن بأي حال تجاهله ، ويحكم فن الحرب خمسة
عوامل ثابتة , يجب على من يتحرى أحوال ميدان المعركة أن يضعها في الحسبان و أخذها
في الاعتبار .
هذه العناصر الخمس
هي :
·
القانون الأخلاقي هو
انسجام ما بين الحاكم والمحكومين , ما يدفع الأفراد لإتباع أوامر القائد العام دون
تردد , و دون خوف من العواقب . ( التدريب المستمر يجعل الضباط مستعدين للحرب , غير
مترددين أو قلقين , كما أن القائد سيكون مستعدا كذلك بدوره) .
·
السماء (المناخ) و
يقصد بها الليل والنهار , البرودة والحرارة , الأوقات و الفصول الأربعة , السحب
والرياح.
·
الأرض (التضاريس) ترمز
للمسافات القصيرة والطويلة , المخاطر ومدى الأمان , الأراضي المفتوحة والممرات
الضيقة , احتمالات النجاة و الموت .
·
القائد يرمز إلى
فضائل الحكمة و الإخلاص (التفاني في العمل ) وحسن الخلق والشجاعة والصرامة .
·
النظام العام و
يقصد به طريقة تنظيم الجيش و تقسيمه بطريقة صحيحة إلى وحدات , و طريقة توزيع الرتب
العسكرية بين الضباط , وصيانة طرق الإمدادات التي تصل إلى الجيش , والتحكم في معدل
الإنفاق العسكري .
ويرى سون تزو أن هذه
العوامل الخمس يجب أن تكون معروفة لأي قائد, فمن يلم بها تماما سيكون المنتصر ,
وغير ذلك سيفشل في تحقيق النصر لذلك على القائد العسكري في كل مشاوراته وفي طريقة
تفكيره أن يسعى للوقوف على أحوال أرض المعركة , أن يجعل هذه العناصر أساسا
للمقارنة , على النحو التالي :
·
أي من حكام
الطرفين أكثر تمسكا بعناصر القانون الأخلاقي ؟
·
أي من قادة
الطرفين أكثر كفاءة و قدرة و تدبيرا ؟
·
لصالح أي من
الطرفين تميل عناصر السماء والأرض ؟
·
أي من الطرفين
يتبع النظام العام بحذافيره ؟
·
أي الجيشين أقوى
(معنويا وبدنيا وعتادا ) ؟
·
ضباط أي الجيشين
أكثر تدريبا و استعدادا ؟
·
أي الجيشين أكثر
التزاما بمبدأ الثواب والعقاب ؟
من خلال نتائج هذه
الأسئلة السبعة يرى سون تزو أننا نستطيع معرفة من سيصيب النصر ومن سينهزم ، فالقائد
الذي يصغي لمبادئ فن الحرب ويعمل المشاورات الضرورية مع قادة فصائل جيشه و يعمل
بها سينتصر، فالقائد الذي لا يصغي لوفق مبادئ فن الحرب- سيعاني الهزيمة , ومن هم
مثله يجب أن يصرفوا من الخدمة ، ويجب على القائد الاستعانة بأي ظروف مواتية و
عناصر مساعدة تقع خارج نطاق المألوف والمعتاد ، كما أنه بناء على مدى توافق الظروف
, على المرء أن يعدل خططه ، ويرى سون تزو أن جميع الأمور المتعلقة بالحرب تعتمد
على الخداع بناءاً على مبدأ (الحرب خدعة) ، لذا فعندما نستطيع الهجوم - يجب أن
نبدو كما لو كنا عاجزين عنه , وعندما نناور ونتحرك بالقوات - يجب أن نبدو خاملين ,
وعندما نقترب يجب أن نجعل العدو يظن أننا بعيدين - وعندما نكون بعيدين - يجب أن
نجعل العدو يظن أننا قريبين ، أي كشف مايريده العدو ويفكر فيه ، كما يجب على
القائد أن يبقي له طمعا يغري من خلاله العدو العدو ، وأن يتظاهر بانتشار الفوضى
بين صفوفه وقواته ، وبعد أن ينخدع العدو بهذه الطريقة يتم سحق العدو .
لكن عندما يكون
العدو متحصنا من جميع الجهات فيجب على القائد أن يستعد لملاقاته ، إلا أنه عندما
يكون العدو في حالة قوة أكبر من حيث التحصين فأفضل تجنبه .
وإذا كان قادة
العدو سريعي الغضب فيجب أن يحرص القائد على مضايقتهم وإثارة غيظهم ، وأن يتظاهر
بالضعف حتى يتمادى العدو في غروره ، فإذا
كان العدو يستريح , فلا تعطه الفرصة لذلك ، وإذا كنت أنت تستريح فلتحرص على أن
تنهك قوى عدوك إثناء راحتك .
ويجب أن يكون
الهجوم عندما يكون العدو غير مستعد, ومهاجمته في المكان الذي لا يتوقعك فيه ، وعدم إفشاء الخطط والتكتيك للجنود في الأوان
المناسب ، كما أن القائد الذي يفوز في المعركة يقوم بعمل الكثير من الحسابات في
مركز القيادة قبل بدء القتال ، فالقائد الذي يخسر المعركة يقوم بعمل القليل من
الحسابات سلفا ، لذا فالكثير من الحسابات تؤدي إلى النصر , والقليل منها يؤدي إلى
الهزيمة ،و بناء على درجة اهتمامك لهذه النقطة تستطيع أن تتنبأ بمن سيفوز و من
سينهزم .
وعند شن الحرب يجب أن يحسب تكلفتها أولا فيرى
سون تزو أنه في مجريات الحرب , حيث هناك في الميدان ألف مركبة خفيفة و سريعة
(للهجوم) , ومثلها من المركبات الثقيلة (للدفاع ), ومئة ألف جندي مشاة مدرع ,
يحملون إمدادات تكفيهم للسير ألف لي (لي هي وحدة قياس مسافة صينية , اختلف طولها
على مر العصور الصينية وباختلاف الأماكن , وهي تعادل اليوم نصف كيلومتر طولا ) ,
وقتها ستبلغ النفقات العامة - في الداخل وعلى الجبهة - المتضمنة ترفيه ضيوف الدولة
والنثريات مثل نفقات الإغراء والدهان , ونفقات صيانة العربات الحربية و الدروع ,
تبلغ هذه النفقات ما يعادل ألف أونصة فضة في اليوم , وهذه هي تكلفة تجيش جيش قوامه
ألف رجل ،وعندما تلتحم في قتال فعلي ,
فتتأخر بشائر النصر , فستبدأ أسلحة الجنود تفقد دقتها , وستنطفئ حماسة أولئك
الجنود، فإذا حاصرت مدينة فسترهق قواك ، وإذا طال أمد حملتك العسكرية , فموارد
الدولة لن تواكب نزيف النفقات العسكرية ، وعندما تفقد أسلحتك دقتها , وتنهار الروح
المعنوية العامة , وتضعف قواك وتستنفذ مواردك, فسيبدأ بقية حكام الدول المجاورين
لك في التطلع لانتهاز فرصة تهورك و انهيارك ، عندها لن يستطيع أحد - مهما كان
حكيما - أن يحول دون حدوث العواقب الوخيمة التي ستحدث نتيجة ذلك.
التسرع الأحمق
لخوض الحرب, فالتأني واستغلال الوقت المناسب حتى ولو تأخر هو الأنسب لتحقيق النصر
فالقائد الغبي بطبيعته لن ينتصر أبدا باستخدام القوة الغاشمة في سرعة كبيرة ، لأن
التحرك بسرعة كبيرة قد يكون من الغباء, لكنه رغم ذلك يقلل النفقات اليومية و تدهور
المعنويات واستهلاك الطاقات ، فالتأني من الحكمة أحياناً, لكنه يجلب معه الهدوء
والسكون ، لكن إذا كان النصر يمكن إحرازه, فالتسرع الأحمق أفضل من التأني الماهر ،
فإذا كانت السرعة تعتبر أحيانا عملا طائشا (لا حكمة منه) فالتباطؤ يعتبر عملا
أحمقا ( سخيفا) بسبب ما يسببه الأخير من استنزاف لموارد الأمة ، من هذا المنطلق
يجب أن يراعي القائد الوقت المناسب للهجوم على العدو وتدميره فلا توجد سابقة
تاريخية تذكر أن بلدا ما قد استفاد من دخوله حروبا طويلة ، فالمخضرم - العالم
بويلات إطالة الحروب - هو فقط القادر على فهم أهمية وجوب إنهاء الحروب بسرعة ، كما أن الجندي الماهر لن ينتظر ليحصل على
راتبه مرة أخرى, ولن يتم تزويده بالإمدادات أكثر من مرتين (أي عليه أن يسرع فيدخل
في قلب المعركة دون تباطؤ أو انتظار - فيسبق بذلك خصمه).
ويرى سون تزو أن
على القائد أن يكون سلاحه الرئيسي في المقدمة وليس في الخطوط الخلفية ، وأن لا
يكثر من المؤن من طعام أو شراب في المقدمة ، فبانتصاره يمكن أن يعتمد على موارد
العدو نفسه ، كون أثقال المؤن الكثيرة ترهق الجيش وتشتت قواه .
كما يرى سون تزو
أن نضوب معين الخزانة العامة للدولة ينتج عنه الحاجة لإمداد الجيش عن طريق
التبرعات من أماكن بعيدة وهذا يتسبب في
إفقار موارد الشعب ، بسبب الضرائب المترتبة عليه ، كما أن اقتراب الجيش (تلاحمه مع
العدو) يتسبب في ارتفاع الأسعار الداخلية , ما يؤدي لاستنزاف ثروات الشعب ، وعند
نفاذ ثروات الشعب , سيعانون بشدة من الضرائب المفروضة عليهم ، ومع ضياع الثروات و
خوار القوى , تصبح بيوت الشعب شبه خاوية , وسيتبخر ثلاثة أعشار دخلهم , بينما
النفقات الحكومية لإصلاح المعدات الحربية واستبدالها ستبتلع كل هذه النفقات أربعة
أعشار الدخل العام.
من هذا المنطلق فالقائد
الحكيم سيعتمد على العدو كمصدر للطعام والمؤونة ، فعربة واحدة محملة بالمؤونة
تعادل عشرين عربة من خطوط الإمداد (لأن وصول عربة واحدة للجبهة يستهلك محتويات 20
عربة) وبالمثل فان ما وزنه بيكل (وحدة وزن تعادل 65.5 كيلوجرام) من طعام العدو
يعادل عشرين من مخازن الدولة ، ولقتال العدو فلا بد من إثارة غضب الجنود , ولا بد
من توضيح مزايا الانتصار على العدو, لابد و أن يحصلوا على مكافآتهم (نصيبهم من
غنائم الحرب) ، وهنا يعتمد سون تزو نظام المكافئات والحوافز للجنود من أجل استمرار
طاعتهم لأوامر القيادة ، واستمرار قوة الروح المعنوية لديهم ، فعند الاستيلاء على عشرة
عربات حربية أو أكثر, يجب مكافأة أول من استولى على العربة الأولى ، يجب استبدال
أعلام العدو المشرعة على تلك العربات بأعلامنا كوننا منتصرين على العدو, ويجب خلط
تلك العربات المستولى عليها بعرباتنا واستعمالها في القتال. يجب معاملة الأسرى من
الجنود بطيبة والإبقاء عليهم ، حتى نستفيد من المعلومات التي لديهم ومن الممكن
تجنيدهم لصالحنا وهذا ما يطلق عليه استخدام غنائم العدو المقهور لزيادة قوتنا
الذاتية فيجب أن يكون همك الأول و الأكبر
في الحرب هو تحقيق النصر, لا إطالة أمد الحملات العسكرية ، وهنا يمكن القول أن قائد
الجيوش هو المتحكم في أقدار الشعب, فهو الرجل الذي يعتمد عليه ما إذا كانت الأمة
ستعيش في سلام أم في خطر.
والتطبيق الأفضل لإجادة
فن الحرب حسب رأي سون تزو هو أن تغنم مدينة العدو كاملة و سالمة , و أما تقسيمها و
تدميرها فليس بأفضل شيء. أيضا, من الأفضل أن تأسر جيش العدو كاملا عوضا عن إبادته,
وأن تأسر فرقة, فصيلة, أو سرية سالمين أفضل من القضاء عليهم ، وهنا يتجلى الجانب
الإنساني في فكر سون تزو ، لكن هذا الجانب له أسبابه الواقعية في صالح القائد
المنتصر ، لأنه من الممكن أن نستفيد من معلومات وخبرات وخطط العدو من خلال هؤلاء
،فالقتال والانتصار في جميع المعارك ليس هو قمة المهارة, فالتفوق الأعظم هو كسر مقاومة العدو دون أي قتال ، وأعلى
درجات البراعة العسكرية هي إعاقة خطط العدو بالهجوم المضاد , يليها منع قوات العدو
من الالتحام ببعضها البعض (عزلها وقطع خطوط الاتصال والإمدادات) يليها الهجوم على
جيش العدو في الميدان, و أما أسوأ السياسات فهي حصار المدن ذات الأسوار العالية
(المنيعة) ، فالأفضل ألا تحاصر المدن ذات الأسوار إذا كان يمكن تجنب ذلك ، لأن
تجهيز الأبراج القابلة للتحريك والحصون النقالة, والعديد من التطبيقات الحربية
اللازمة, سيستغرق ثلاثة أشهر كاملة, وإهالة التراب أمام الأسوار سيستغرق ثلاثة
أشهر إضافية ، فالقائد البارع يقهر قوات العدو دون أي قتال, وهو سيفتح مدن العدو
دون حصارها, وسيسقط نظامها الحاكم دون عمليات عسكرية طويلة في الميدان، يُسقط
الحكومة دون المساس بالمواطنين ، وهذا ما اتبعته الولايات المتحدة خلال الحرب
الباردة من خلال تعيينها لرؤساء عملاء لها في معظم دول العالم الثالث ، وبالنسبة
لحروبها في العراق وأفغانستان وليبيا لإسقاط أنظمتها ، فكان الهدف تفتيت كيان
الدولة من الداخل والسعي لمزيد من التوتر الداخلي لتحقيق أكبر مكاسب مادية لها مع
استغلال تناقضات المجتمع في هذه البلدان لتمزيقها وإثارة الفوضى فيها .
كما يرى سون تزو
أن إبقاء القائد البارع قواته سالمة سيشكك بقوة في نفوذ العدو وحكمه, وهكذا - دون
فقدان جندي واحد - يكون الانتصار قد بلغ حد الكمال،هذه هي طريقة الهجوم بالخداع ،
فالحفاظ على أرواح الجنود يعتبر في الخطط العسكرية منتهى النصر وهذا ما فعله
رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، عندما عقد صلح الحديبية مع أعداءه ، حيث
أعطاهم مكة لمدة عشرة سنوات ، عندما عرف إن ميزان القوى ليس في صالحه ، فعندما
تتغير الظروف تتغير الاتفاقيات ، كما أنه عمل بنفس الاستراتيجية القائد صلاح الدين
الأيوبي عندما تنازل عن الساحل الفلسطيني للصليبيين ووقف القتال معهم عندما علم أن
ميزان القوى أصبح في غير صالحه وأن التضحية بالجنود يعتبر نوعاً من الانتحار له ،
كما فعل أخوه الكامل بالله عندما تنازل عن القدس للصليبيين عندما أصبح ميزان القوى
ليس في صالحه ، ريثما تتغير الظروف ، وبالفعل عندما تغيرت قام السلطان قلاوون
باستعادة كل الأراضي الإسلامية المحتلة من قبل الصليبيين .
ويرى سون تزو أن
القاعدة في الحرب أنه إذا كانت نسبة قواتنا إلى العدو عشرة إلى واحد, فحاصر العدو
, وإذا كانت خمسة إلى واحد فهاجمه فورا, وإذا كانت الضعف فيجب تقسيم جيشنا إلى
نصفين النصف الأول قد يستخدم في القتال,
بينما الثاني في الخداع, أو نصف يهاجم من المقدمة بينما الثاني يهاجم المؤخرة ،
لأن الهجوم بكامل الجيش يعتبر مخاطرة فلربما يكون العدو في وضع مخادع يريد تدميرنا
من خلال خطة محكمة .
وإذا كانت النسبة
متكافئة (1:1) فيمكن أن نقاتل لكن حينها سيفوز القائد الأقدر ، وإذا كان الفرق
ضئيلا في غير صالحنا فيمكننا تجنب العدو , و إذا كان الفرق كبيرا في أكثر من وجه
مقارنة, فيجب أن نفر من العدو ، لأن الفرقة قليلة العدد يمكنها أن تقاتل بضراوة,
لكنها في النهاية سيتم أسرها من قبل القوات المعادية الأكثر عددا.
يرى سون تزو أن القائد
هو حصن الدولة, فإذا كان هذا الحصن كاملا من جميع الجهات , فالدولة ستكون قوية,
أما إذا كان هذا الحصن به عيوب, فالدولة ستكون ضعيفة ، وثمة ثلاث طرق يجلب بها
الحاكم المحن إلى جيشه وهي :
·
استخدام كلمة حاكم
يقصد بها صاحب الأمر في الخطوط الخلفية, فإدارة الجيوش يجب أن تتم عن بعد وليس من
على خط المواجهة.
·
إصدار الأوامر
للجيش بالتحرك أو التقهقر, جاهلا بحقيقة أن الجيش غير قادر على إطاعة الأمر ،هذا
ما يسمى إعاقة الجيش.
·
قيادة الجيش بذات
الطريقة التي يحكم بها الدولة, جاهلا بالظروف التي يواجهها الجيش , ذلك يسبب الضيق
والقلق في نفوس الجنود.
·
تعيين الضباط في
جيشه دون تفرقة فلا يضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، بسبب جهله بالأعراف
العسكرية المتعلقة بالتكيف حسب الظروف المحيطة. ذلك يهز ثقة الجنود في الحاكم ، لأنه
عندما يصبح أفراد الجيش قلقين و غير واثقين في الحاكم, فالمشاكل حتما ستأتي من
بقية زعماء العشائر ، ذلك ببساطة هو إلحاق الفوضى بالجيش , ورمي النصر بعيدا.
ويرى سون تزو أن
هناك خمس أساسيات للنصر هي :
·
من ينتصر يعرف
جيدا متى يحارب و متى لا يحارب.
·
من ينتصر يعرف كيف
يتعامل مع مختلف أشكال القوة : كثيرها وقليلها .
·
من ينتصر هو من
تُحرك جيشه روح معنوية واحدة على جميع مستويات القادة و الجند.
·
من ينتصر هو من
جهز نفسه جيدا, ثم انتظر ليأخذ عدوه على غفلة منه.
·
من ينتصر هو قائد
لديه صلاحيات كاملة ولا يتدخل الحاكم معه في حيثيات عمله ،فالحاكم يصدر أوامر
عامة, بينما القائد هو من ينفذ تلك الأوامر بالطرق التي تتراءى له.
فإذا كنت تعرف
العدو وتعرف نفسك فلا حاجة بك للخوف من
نتائج مائة معركة وإذا عرفت نفسك للعدو , فكل نصر تحرزه سيقابله هزيمة تلقاها وإذا
كنت لا تعرف نفسك أو العدو - ستنهزم في كل معركة فعلمُك بعدوك يُعرفك كيف تدافع,
علمُك بنفسك يعرفك كيف تهاجم - الهجوم سر الدفاع, والدفاع هو التخطيط للهجوم.
يرى سون تزو أنه
من المفترض أن ينأى المقاتلون الماهرون بأنفسهم بعيدا عن تعرضهم للهزيمة , وأن ينتظروا
فلا يبادروا بالهجوم حتى تلوح الفرصة لهزيمة العدو فمسؤولية حماية أنفسنا من تلقي
الهزيمة تقع على عاتقنا نحن , لكن فرصة هزيمة العدو يوفرها لنا العدو نفسه عبر خطأ
يقع فيه العدو ، حيث أن المقاتل الجيد يُحصن نفسه ضد الهزيمة عبر إخفاء تحركاته و
أثره, واتخاذ إجراءات أمنية احترازية دائمة ومشددة ، لكنه لا يستطيع تأكيد إمكانية
هزيمة العدو ، فالعدو هو من يهزم نفسه ، فقد تعرف السبيل إلى قهر عدوك, دون أن تكون
قادرا بالضرورة على تحقيق ذلك ، لكن التحصن ضد الهزيمة يستلزم إتباع التكتيكات
الدفاعية, و أما القدرة على هزيمة العدو فتعني انتهاز الفرصة ، لكن من لا يستطيع
قهر عدوه عليه اتخاذ الوضع الدفاعي.
يرى سون تزو أن اتخاذك
الوضع الدفاعي يشير إلى قوة غير كافية , بينما الهجوم يستلزم توفر القوة الزائدة ،
فالقائد العسكري الماهر في الدفاع يختبئ في أكثر الأماكن سرية والتي لا تخطر على
بشر, كما أن القائد العسكري الماهر في الهجوم ينقض كالبرق والقدوم من أماكن غير
متوقعة, بما لا يدع أي فرصة للعدو للاستعداد ، من الناحية الأولى , فنحن بأيدينا
حماية أنفسنا, ومن الناحية الأخرى, فبإمكاننا إحراز النصر الكامل ، ورؤية النصر
حين يستطيع الرجل العادي رؤيته قادما ليست هي قمة التميز ، بل أن ترى الأشياء قبل
حدوثها ومتوقعاً حدوثها ، كما أن قمة التميز ليست هي أن تحارب و تقهر ثم تقول لك
الدولة كلها"حسنا فعلت - سلمت يداك", قمة التميز هي أن تخطط بسرية
كاملة, وأن تتحرك بحذر شديد, و أن تحبط نوايا العدو وتفسد مخططاته, وأن تنتصر عليه
دون إراقة قطرة دم واحدة ، ورؤية الأشياء ظاهرياً لا يعني عما هي حقيقة فأن ترفع
شعرة رفيعة من فراء أرنب بري في موسم الخريف لا يعني القوة العظيمة (مثل شائع في
اللغة الصينية ويعني أدق شيء), رؤية الشمس و القمر ليست علامة البصر الحاد, سماع
الرعد ليس علامة السمع الحاد.
ويرى سون تزو أن المقاتل
الماهر هو من لا ينتصر وحسب , بل يبرع في الانتصار بكل سهولة ويُسر, من يُقصر نظره
على ما هو واضح جلي - ينتصر بصعوبة, من يتخطى ببصره حدود المعتاد - ينتصر بكل
سهولة ، وبالتالي تجلب انتصاراته له السمعة الطيبة نتيجة حكمته الواسعة, وتجلب له
التقدير على شجاعته فهو ينتصر في معاركه بعدم ارتكابه لأي خطأ , عدم الوقوع في أي
خطأ هو ما يؤسس لتأكيد النصر , وهو ما يعني هزيمة عدو قد انهزم بالفعل ، كما أن المقاتل
الماهر يقف في مكان يستحيل هزيمته فيه , وهو لا يضيع الفرصة السانحة لهزيمة العدو وفي
الحرب , القائد الاستراتيجي المنتصر هو من يذهب للقتال بعدما ضمن النصر , حيث هو
المُقدر له أن ينتصر في أولى معاركه وبعدها ينتظر النصر المظفر ففي الحرب , ابدأ
بوضع الخطط التي تضمن النصر , ثم قد جيشك إلى المعركة, إذا لم تبدأ بالخداع و
اعتمدت عوضا عنه على القوة الغاشمة فقط , فالنصر بذلك يصبح غير مؤكد ، فالقائد
شديد البراعة يراعي القانون الأخلاقي, و يلتزم بشدة النظام العام, و هكذا يصبح
بإمكانه التحكم في النصر ، وهذا يعني الالتزام بقوانين وقواعد الحرب والأخلاق
الإنسانية.
يرى سون تزو أنه من وجهة النظر العسكرية, فإن عناصر
فن الحرب هي:
·
قياس المسافات و
مسح الأرض (لتقدير قوة العدو)
·
تقدير الكميات
(حساب حالة العدو)
·
حسابات الأرقام
(وضع قيمة رقمية لقوة العدو)
·
المقارنة (المعرفة
العملية لبيان قوتنا مقارنة بقوة العدو)
·
احتمالات النصر
(نتيجة المقارنة)
ويرى سون تزو أن الجيش المنتصر مقارنة
بالمنهزم هو كثقل وضع على كفة ميزان مقابل حبة صغيرة ، فلا وزن للمنهزم أمام
المنتصر فهو بلا قيمة كما أن اندفاع القوات المنتصرة يعادل تدفق المياه المتفجرة
من فجوة عالية إلى الأعماق السحيقة |، وطريقة تنظيم و إدارة قوة كبيرة هي ذاتها
طريقة تنظيم وإدارة قوة صغيرة مكونة من بضعة رجال : إنها مسألة تقسيم العدد الكبير
إلى مجموعات صغيرة أي تقسيم قوات الجيش إلى فرق وسرايا و فصائل و مجموعات و وحدات,
مع تعيين قائد لكل وحدة ، فالقتال وتحت إمرتك جيش كبير لا يختلف عن القتال مع وحدة
صغيرة, فهي مسألة وضع أسس استعمال العلامات و الإشارات والرموز في التواصل ، وللتأكد
من أن جيشك يستطيع تحمل وطأة هجوم العدو و يبقى متماسكا غير مهزوز - يتحقق ذلك من
خلال القيام بمزيج من المناورات المباشرة الإيجابية والمناورات غير المباشرة السلبية,
من أجل إرباك العدو ، حيث أن هدف المناورات العسكرية وقت الحرب هو تضليل العدو فلا
يعرف نوايانا الحقيقية ، كما أن تأثير جيشك يجب أن يكون مثل تأثير الحجر الصلب
المندفع بقوة جبارة ضد بيضة - يتحقق ذلك عبر تعلم و معرفة نقاط الضعف والقوة في
كلا الطرفين : أنت و العدو ، فيجب أن تعرف قوتك وقوة خصمك .
يرى سون تزو أنه في
جميع أوجه القتال, يمكن انتهاج الطريقة المباشرة من أجل الانضمام إلى المعارك ,
أما الطرق غير مباشرة فيتم اللجوء أليها من أجل تأمين النصر فالتكتيكات غير
المباشرة - في حالة تم تطبيقها بكفاءة – معين لا ينضب أبدا تماما مثل السماء و
الأرض, لا نهاية لها , مثل الأنهار و فيضان العيون, مثل الشمس والقمر اللذان
يغيبان فقط ليشرقا من جديد , مثل الفصول الأربعة التي تمر فقط لتعود من جديد ، فكل
حالة لها تكتيك معين ، وفكرة معينة فليس هناك أكثر من خمس علامات موسيقية, و رغم
ذلك فإن مزج هذه الخمسة ساعد على تأليف ما لا يمكن عده من القطع والألحان, وبأكثر
مما يمكن سماعه على الإطلاق ، كما أنه ليس هناك أكثر من خمسة ألوان أساسية (أزرق ,
أصفر, أحمر , أسود, أبيض ) ورغم ذلك فإن مزج هذه الألوان معا يخرج لنا تدرجات
لونية بأكثر مما يمكن رؤيته ، وليس هناك أكثر من خمسة نكهات أساسية : حامض, حريف,
مالح , حلو , مر , ورغم ذلك فإن مزجها معا يخرج لنا نكهات بأكثر مما يمكننا تذوقه
، وعليه ففي المعركة ليس هناك أكثر من طريقتين للهجوم: مباشرة وغير مباشرة, ورغم
ذلك فإن مزج هاتين الطريقتين ينتج عته سلسلة لا نهائية من المناورات الممكنة ، وتؤدي
كل من الطريقة المباشرة وغير المباشرة بدورها إلى الأخرى, تماما مثل التحرك في
دائرة, حيث لا تصل أبدا إلى نهاية ، وبالتالي , فمن ذا الذي يمكنه الوصول لحد
نهاية الاحتمالات الممكنة نتيجة لمزج هاتين الطريقتين معا ؟ فيشبه هجوم الجنود
السيل الجارف الذي يحمل معه في مجراه حتى الصخور الرواسي.
ويرى سون تزو أن دقة
توقيت اتخاذ القرار الصائب من القائد تشبه تلك الدقة التي ينتجها الصقر عندما يهجم
كالبرق على فريسته, في دقة فائقة, تمكنه من الإمساك بها و تدميرها ، هذه الدقة
الناتجة من حسن قياس المسافات و خط سير الفريسة و توقع رد فعلها للهجوم عليها ، لذا
فالمقاتل الباسل سيكون رهيبا في هجومه , متأنيا عند اتخاذه لقراراته ، فقراراته
يجب ألا تتسم بالعشوائية وأن تراعي التوقيت السليم ، فيمكن تشبيه الطاقة (القوة)
بشد القوس من أجل إطلاق السهم, و تشبيه القرار بلحظة ترك القوس لينطلق في اتجاهه
الذي حددته له.
ويرى سون تزو أنه وسط
اضطراب المعركة, قد يكون هناك فوضى ظاهرية , لكنها ليست فوضى على الإطلاق, فوسط
حالات الارتباك والعشوائية, قد تكون قواتك بلا مقدمة أو مؤخرة, لكنها رغم ذلك
محصنة ضد الهزيمة بفضل حسن التنظيم والتدريب والتفكير ، لكن التظاهر بحدوث حالة من
الفوضى -لإغراء العدو بالهجوم -يتطلب مقدما كشرط أساس حالة انضباط تام -للخروج
بسرعة من حالة الفوضى الزائفة إلى حالة الانضباط من أجل الانقضاض السريع على العدو
المهاجم-, والتظاهر بالجبن يستلزم الشجاعة, والتظاهر بالضعف -لإعطاء العدو الشعور
بالغلبة- يستلزم القوة و المقدرة ، كما أن إخفاء الانضباط تحت عباءة الفوضى هو
ببساطة مسألة حسن تقسيم لوحات الجيش, و إخفاء الشجاعة تحت ستار من الجُبن يتطلب
قدرا كبيرا من الطاقة الكامنة , و إخفاء القوة خلف الضعف الظاهري يتحقق عبر
المناورات التكتيكية ، وبالتالي فمن يظن أنه ماهر في التلاعب بالعدو -بإعطائه
إشارات خادعة- يجب عليه الحفاظ على مظهره المخادع, والذي بناء عليه سيتصرف العدو،
فإذا كنت قويا فأظهر الضعف للعدو كي يهجم عليك, وإذا كنت ضعيفا فاحرص على إظهار
نقاط القوة لديك, فيحترس منك العدو ويبتعد
ويجب أن تكون تحركات العدو بناء على إشارات نرسلها نحن إليه, وبذلك نبقيه
في الموقع الذي نريده له ، أي تمويه العدو بإشارات معينة ولكن لا تكون حقيقية ، فعبر
امتلاك شرك/ طعم يُغري العدو , ستبقيه دائما زاحفا, ثم تنتظره بأفضل رجالك
المنتقين بعناية وهي قوات النخبة ، كما أن
المقاتل البارع يبحث في آثار اتحاد القوات, ولا يتوقع الكثير من الأفراد. فهو يُقدر
مدى قوة جيشه ككل, ثم يأخذ المهارات و المواهب الفردية في الحسبان, ثم يستعمل كل
فرد في الجيش حسب قدراته , ولا يطلب بلوغ الكمال من غير الموهوبين ،وبذلك يصبح
قادرا على اختيار الرجال المناسبين والاستفادة من اتحاد القوات ، وعندما يستفيد من
اتحاد القوات , يصبح مقاتلوه مثل الصخور المنقضة, لأن طبيعة الصخور البقاء في
أماكنها ما دامت فوق سطح مستو , وطبيعتها أن تخر من أعلى إذا وضعتها فوق منحدر ، فإذا
كانت الصخرة على شكل مربع , فستتوقف سريعا , و أما إذا كانت ذات شكل دائري ,
فستنقض بسرعة متزايدة في نزولها ، وبالتالي , فإن الطاقة التي تنجلي من خلال
الرجال المقاتلين البواسل , هي مثل القوة الدافعة التي يكتسبها الحجر الدائري
الصغير المتدحرج من قمة جبل يرتفع آلاف الأمتار ، هذا هو موضوع الطاقة ، أي أنه
يمكن تحقيق نتائج عظيمة عن طريق قوات قليلة العدد ، وهذا ما تم استعماله في معركة
بدر بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم ، لكن عندما خالف المقاتلون أوامر الرسول
صلى الله عليه وسلم في معركة أحد تعرضوا لهزيمة قاسية .
ويرى سون تزو أن الطرف
الذي يصل إلى ميدان القتال أولاً , و ينتظر قدوم عدوه إليه , سيكون أكثر استعدادا
للقتال, بينما من يصل ثانيا فيجب عليه التعجل للقتال وسيصل مُنهكا مُرهقا ، وبذلك
يفرض المقاتل الماهر رغباته على العدو , لكنه لا يدع العدو يفرض رغباته عليه فالجندي
الماهر يحارب وفقا لشروطه , أو لا يحارب على الإطلاق ، فعن طريق تحقيقه القائد
الماهر للأسبقية , يمكنه إجبار العدو على الاقتراب منه كما يريد , أو - عن طريق
إلحاق الخسائر به - يمكنه جعل الأمر مستحيلا على العدو أن يقترب منه ففي الشق
الأول سيقدم للعدو طعما , وفي الثاني سيضرب العدو في أماكن مؤلمة تجبر العدو على
التخندق للدفاع ، وإذا كان عدوه يستريح, فسيقوم [القائد الماهر] بمضايقته , وإذا
كان عند العدو خطوط إمداد جيدة توفر له مؤونة الطعام , فسيقوم بتجويع العدو , و
إذا كان العدو يعسكر بشكل هادئ , فسيقوم بإجباره على التحرك ، لذلك احرص عل الظهور في نقاط يجب على العدو
الإسراع لكي يدافع عنها , وسر بأقصى سرعة إلى الأماكن التي لا يُفترض بك التواجد
فيها ، كونها أماكن خطيرة وغير مؤتمنة أو غير إستراتيجية ، فيمكن لأي جيش قطع
المسافات الطويلة دون أي قلق نفسي أو كرب , هذا إذا سار خلال طرق لا يتواجد فيها
العدو ، كما يمكنك الوثوق في نجاح هجومك فقط إذا هاجمت الأماكن غير المحروسة أي النقاط
الضعيفة, يمكنك كذلك ضمان دفاعاتك إذا تمسكت بالنقاط التي لا يمكن الهجوم عليها ،
فضرب أماكن ضعف العدو فسيجعل ذلك نقاط قوته تتخوف من الهجوم وينشر الرعب في داخلها
وهذا يؤثر على نفسية العدو فلكي تجعل دفاعاتك قوية يجب عليك الدفاع تحصين كل
الأماكن حتى تلك التي لا تتوقع الهجوم عليها , مع زيادة تحصينك لتلك النقاط التي
تتوقع الهجوم عليها ، فالقائد الماهر في الهجوم لا يعرف خصمه وما الذي يجب عليه
الدفاع عنه, وأما القائد الماهر في الدفاع فلا يعرف خصمه أين وكيف يهاجمه ، فمثل
خُطي القدر , تلك التي تأتي في رقة رقيقة وسرية تامة , تعلم أن تختفي عن العيون
مثلها , و ألا يصدر أي صوت أو ضوضاء (الهدوء التام), وبذلك تتحكم في مصير العدو
بيديك ويمكنك التقدم بطريقة تجعل مقاومتك مستحيلة وذلك إذا قصدت نقاط ضعف
العدو فيمكنك التراجع و النجاة من مخاطر
مطاردة العدو لك، وذلك إذا كانت تحركاتك سريعة , أسرع من تلك التي للعدو .
ويرى سون تزو أنه إذا
كنت تريد القتال , فيمكنك دفع العدو للالتحام حتى ولو كان يحتمي خلف متاريس عالية
وخنادق عميقة ، فكل ما علينا فعله هو الهجوم على الأماكن و المناطق التي تجبره على
الخروج من مكمنه ليدافع عنها ،فإذا كان
العدو هو الغازي , فيمكنك قطع خطوط اتصالاته و احتلال الطرق التي يعتمد عليها في
العودة , وهذا ما يضطره للعودة لتأمينها ، فإذا كنت أنت الغازي , ركز هجومك على
حاكم بلاد العدو نفسه ، وإذا كنت لا ترغب في القتال , اخدع العدو ، فيمكننا منع
العدو من الالتحام معنا من خلال ترك آثار لمعسكراتنا يمكن تتبعها على الأرض ، فكل
ما نحتاجه هو أن ترمي بشيء غريب غير مفهوم وغير متوقع منا في طريق العدو ، وهذا يعني خداع العدو وتجهيز الحيل ضده من أجل
الانقضاض عليه وتدميره .
ويرى سون تزو
أيضاً أنه عبر اكتشاف مناورات العدو وأماكن تجمعه , مع بقائنا مختفين عن الأنظار ,
يمكننا إبقاء قواتنا مركزة و مكثفة , بينما يجب تفريق و تقسيم العدو ,فإظهار العدو
نفسه لنا يمكننا من تركيز القوات , بينما بقاءنا مختفين عنه يضطره لتقسيم قواته
تحسبا لأي خطوة يمكن لنا أن نتخذها ، فبإمكاننا تجميع جيش ذي جسد و قوام واحد,
بينما يجب تقسيم العدو إلى فرق و كسور , بذلك نكون جمعا واحدا متوحدين ضد عدو
متفرق مشتت, وهذا ما يجعلنا كثرة متحدة ضد
قلة متفرقة ,و إذا كنا قادرين على الهجوم على قوة أقل شانا بقوة أعظم منها . فغريمنا
سيكون في كرب لا يُحسد عليه ، كما أن المكان الذي سنهاجم عنده يجب ألا يكون معروفا
لأحد , حيث يجب على العدو أن يستعد لهجومنا في أكثر من مكان مختلف , فتكون قواته
متفرقة مشتتة في اتجاهات مختلفة , و بذلك تكون القوات التي سنقابلها قليلة العدد
مقارنة بنا ، وبذلك إذا قام العدو بتقوية طليعة الجيش , فسيُضعف من قوة المؤخرة ,
و إذا قام بتقوية المؤخرة جاء ذلك على حساب الميمنة , و إذا قام بتقوية الميمنة
جاء ذلك على حساب الميسرة , وإذا أرسل العدو التعزيزات إلى جميع الأماكن, فهو يصبح
بذلك ضعيفا في كل الأماكن ، فالحرب الدفاعية تخون صاحبها بسبب كثرة التعزيزات
المطلوبة ، من هنا تنطلق نظرية أن الهجوم هو أحسن وسائل الدفاع ، لكن يجب أن يكون
وفق مؤشرات ومعايير محددة فالهجوم العشوائي خسائره أكبر بكثير من مرابحه .
كما يرى سون تزو
أن الضعف العددي ينبُع من الاستعداد لصد هجمات محتملة في أماكن متعددة , بينما
القوة العددية تأتي من إجبار العدو على اتخاذ مثل هذه الاستعدادات لمقابلتنا ( أن
تضطر العدو لتقسيم و تجزئة قواته, ثم تهجم على كل جزء منها بكامل قوتك) ،
ومعلوماتنا حول مكان و موعد المعركة القادمة يمكننا من تركيز قوانا من مسافات
بعيدة من أجل القتال ، فحسابات المسافات والأزمان و تطبيق المناسب من
الاستراتيجيات بما يسمح للقائد بتقسيم جيشه من أجل السير لمسافات طويلة وسريعة ,
بما يمكنه من الوصول للمكان المناسب في الوقت المناسب وبالقوة المناسبة ، أما إذا
كان المكان والزمان غير معروفين , فالميسرة تعجز عن مساعدة الميمنة, وتعجز عن
إسعاف الميسرة, والمقدمة تعجز عن التخفيف عن المؤخرة, وتعجز المؤخرة عن دعم
المقدمة, حتى ولو كانت المسافة الفاصلة بضع المئات من الأمتار ، وهذا مصداق لقول الله تبارك وتعالى كالمرصاد
المصفوف ، أي أن يكون التجمع في المعركة أو حركة الاتصال مثل الجسم الواحد ، فحتى
إذا كان جيش العدو يفوق جيشنا في العدد , فلن يعطي ذلك لهم أي أفضلية علينا , فأنا
أستطيع القول أن النصر يمكن تحقيقه وقتها بدون التعارض مع المبدأ الذي يقول أنه في
حالة استعداد العدو التام , فالنصر وقتها يكون غير مؤكد , على أن المقصود هنا هو
جيش العدو الذي ظل في جهل تام بمكان و زمان المعركة المقبلة , فبمعرفتها يمكن
تحقيق النصر عليه ، ورغم تفوق العدو في العدد , فبإمكاننا منعه من القتال ، وذلك بوضع
الخطط التي تكشف نوايا العدو , وادرس إمكانيات نجاح ما يخطط لع العدو ، ومثال على
ذلك أزعج العدو و عكر صفو يومه , ثم لاحظ نشاطاته و سكناته , وأجبره على أن يكشف
عن نفسه, لكي تكشف نقاط ضعفه المحتملة فإذا
أزعجت العدو فستعرف من ردة فعله نواياه : هل يريد البقاء مختفيا عن الأنظار أو
العكس ، أيضاً قارن بحرص جيش العدو بجيشك , لتقف على نقاط القوة المفرطة , وتلك
الناقصة ، وعند القيام بالمناورات والتحركات التكتيكية , فإن أفضل شيء تقوم به هو
أن تحجب تماما و تخفي ما تنوي أن تفعله , وبذلك تكون بمأمن من عيون الجواسيس التي
تراقبك , ومن دسائس أحكم العقول من جيش العدو ، فكيف يمكن تحقيق النصر لهم اعتمادا
على تكتيك العدو , هذا ما لا يستطيع العوام فهمه ، لكن تفهمه النخبة المختارة
بعناية فيمكن أن يروا التكتيك الذي به أقهر العدو , لكن لا يستطيع أحد رؤية
الإستراتيجية التي يأتي النصر من خلالها ، فالجميع يرى كيف يتم الفوز بالمعركة ,
لكن ما لا يروه هو القائمة الطويلة من الخطط التي سبقت المعركة وأدت لهذا النصر ،
لأن الإستراتيجية هي مجموعة التكتيكات التي تشكلها وعليه لابد من مراعاة عدة أمور
عند وضع الاستراتيجيات والتكتيكات هي :
·
لا تكرر التكتيكات
العسكرية الذي اتبعته من قبل وجلب لك النصر , لكن اجعل الطرق التي تتبعها يتم وفقا
للظروف المتغيرة ، فالنصر واحد , لكن الطرق المؤدية إليه لا يمكن حصرها.
·
التكتيكات
العسكرية تشبه الماء كثيراً , فالماء في حالته الطبيعية ينساب من الأماكن العالية
إلى المنخفضة ، لذا في الحرب , الطريق السديد هو أن تتجنب نقاط القوة و أن تضرب ما
هو ضعيف مثل الماء المنساب , الذي يختار في طريقه المسار الأقل لهذا الانسياب ،
حيث تحدد المياه مسارها وفقا لطبيعة الأرض التي تنساب فوقها , والجندي يعمد إلى
توفير أسباب النصر وفقا للعدو الذي يواجهه ، إذن تماما مثل الماء الذي لا يتخذ
شكلا ثابتا مستديما , فالحرب لا تعرف شروطا أو أحوالا ثابتة ، فمن يستطيع تعديل
تكتيكاته بناء على خصمه , محققا بذلك النصر , فهذا القائد هو هدية الشماء ، فالعناصر
الخمسة ( الماء , النار , الخشب و المعدن , الأرض) لا تهيمن أو تسود بشكل منتظم ,
كما أن الفصول الأربعة تعطي المجال لبعضها البعض في التعاقب, كما توجد أيام قصيرة
وتلك الطويلة, والقمر له منازل ينير فيها وتلك التي يختفي فيها تماما ،فالحرب - مثلها مثل كل شيء
في الطبيعة - لا تعتمد على عوامل ثابتة جامدة, بل عوامل متغيرة بطبيعتها.
·
القائد العسكري
يتلقى في الحرب , أوامره من الحاكم المدني
وذلك في الدول الديمقراطية لكن في الدول الديكتاتورية نلاحظ العكس فالعسكر هم من
يتحكمون بكل شيئ الدولة ، وما أن يجتمع الجيش ويبدأ في تعزيز قواته, فعلى القائد
مزج كل هذه العناصر المختلفة معا والعمل على انسجامها مع بعضها قبل أن يضرب معسكره
فالانسجام ما بين الرتب العليا والدنيا أمر محتوم و حيوي قبل دخول ميدان القتال , وعلى
من يشن الحرب التخلص من أي اضطرابات داخلية قبل أن يهم بمهاجمة عدو خارجي" ، بعد
ذلك يأتي دور المناورة التكتيكية , التي لا يوجد ما هو أصعب منها , وسبب صعوبتها
أنها تتطلب تحويل المُخادع المُراوغ غير المباشر إلى مباشر, وتحويل ما هو ضدك لكي
يعمل لصالحك أي أن تسبق العدو في اقتناص الفرص لصالحك، فحاول أن تبدو وكأنك على
بعد مسيرة طويلة, ثم اقطع المسافات الطويلة بسرعة واحضر إلى ميدان المعركة قبل
العدو بمظهرك المتكاسل الخامل, حتى يخبو حماسه و تفتر همته فيكثر إهماله ويتروى
طويلا بينما أنت تقطع المسافات جريا تسابق الريح العاصف وبالتالي فإن أخذ الطريق
الدائري الطويل, بعدما تكون قد أغريت العدو و أغويته فحاد عن طريقك, و رغم أنك
بدأت المسير متأخرا عنه - إلا أنك تبلغ هدفك قبله, ما يدل على معرفة وإلمام ببراعة
التحييد ، فالمناورة بالجيش أمر له مزاياه, لكن المناورة بالأعداد الغفيرة غير
المنظمة أمر له مخاطره الشديدة ، فالمردود الناتج من القيام بالمناورات يعتمد في
الدرجة الأولى على القائد العسكري و كفاءته الإدارية التنظيمية.
·
إذا قمت بتحريك
جيش بأكمله بعدته وعتاده كاملين من أجل انتهاز فرصة ما, فالاحتمال الأكبر أنك ستصل
متأخرا جدا ، من الجهة الأخرى, إذا فصلت رتلا عسكريا خفيف الحركة لذات الغرض
فالأمر سيتضمن التضحية بعتاد و مؤونة هذا الرتل الذي سيتركها خلفه فلا يشجع سون
تزو السير لمسافات طويلة بدون مؤن كافية) ،وبالتالي , إذا أمرت رجالك بالتشمير عن
سواعدهم و أجبرتهم على السير المتواصل ليلا ونهارا بدون أي راحة, قاطعين ضعف
المسافة المعتادة التي كانوا ليقطعونها في السير السريع (100 وحدة مسافة لي) فإن قادة فرق جيشك الثلاثة سيقعون في يد
العدو ، وسيكون الرجال الأقوياء في المقدمة, و منهكو القوة خلفهم, وبذلك سيبلغ
عُشر جيشك مقصده ، فلا تدفع بجنودك مسافة مائتي وحدة مسافة من أجل اكتساب ميزة إستراتيجية,
سواء كانوا يحملون أمتعتهم و مؤونتهم أم لا, فمثل هذه المناورات يجب تقييدها
بالمسافات القصيرة, فلا تضحي بكل شيء من أجل السرعة وذلك ما لم تكن تنسحب ، وإذا
سرت 30 وحدة مسافة لي –وحدة مسافة صينية- للسبب ذاته, فسيبلغ ثلثي رجال الفرقة
المكان المطلوب منهم الوصول إليه ، فهذا المثال للدلالة على مدى صعوبة المناورة
بالجيش.
يجب أن يتوفر في الجيش
كل ما يحتاجه من ذخيرة و سلاح و طعام و شراب و وقود و دواء وغير ذلك مما يحتاجه
ليستمر في العطاء والانتصارات ولا يمكننا
الدخول في تحالفات قبل أن نكتسب خبرة بطبيعة تضاريس جيراننا من الدول و المقاطعات
المجاورة فالتحالف يجب أن يكون فيه سمة بمعرفة ممن نتحالف معه وقوته وموقعه
الاستراتيجي وقدراته ، فلسنا في حالة تؤهلنا لقيادة الجيش في مسيرة حتى نألف وجه
الأرض: جبالها و غاباتها , أجرافها و مخاطرها , مستنقعاتها و أحراشها ولن نصبح
قادرين على أن نحول المزايا الطبيعية لمصلحتنا ما لم نستفد من المرشدين المحليين وخبراء
الطبوغرافيا والجغرافيا والخرائط ، و في الحرب , يجب عليك أن تتدرب على الخداع
والاختفاء تحت مظاهر و أشكال خادعة و سوف تنجح ، وقرار تركيزك أو تقسيم القوات يجب
اتخاذه وفقاً لظروف المعركة ، فكل معركة لها ظروف خاصة وبناءاً عليه يتم تقسيم
القوات ووضع الخطط والاستراتيجيات ، ولتكن مثل الريح , سريعا ولا تترك أي أثر ,
وكن مُحكماً منتظماً مثل الغابة بأن تبقى الرتب و الصفوف منتظمة عند المسير ببطء,
تحسباً لأي هجوم مباغت من العدو ،وعند الإغارة و السلب, كن مثل النار الملتهبة,
راسخاً مثل الجبل الشامخ فعندما تتمسك بموقع يحاول العدو إخراجك منه, أو حينما يحاول
العدو جرك إلى فخ نصبه لك ،واجعل خططك مبهمة مثل قطع الليل المظلم لا سبيل لفهمها
من الغير إلا من رجالك وقادة جيشك , و عندما تتحرك, كن خاطفاً مثل صاعقة السماء ،
وعندما تسلب وتغتنم أرياف العدو, اجعل
الغنائم توزع و تقسم بين رجالك جنودك بالعدل, و عندما تحتل أراض جديدة, قسمها إلى
قطع يستفيد منها الجنود يزرعونها و يحصدون غلتها ، ويجب عليك أن تفكر ملياً و بتمعن,
و تأن قبل أن تخطو خطوة واحدة ، وسيقهر من تعلم براعة و مهارة الخداع بالمظاهر ,
فهذا هو فن المناورة الذي يعني التحرك والتصرف بطريقة تسلب الغريم من أي ميزة اكتسبها
أي قتال الجيش العرمرم بالعدد القليل أمر مستهجن, لكن الهجوم على قطاع / جزء /
فصيل منه للقضاء عليه فهذه هي المناورة.
بناء على تطور
الأمور في المعركة يأتي التكتيك الأمثل ،وفق
المعتقدات الصينية, يُعتبر الرقم تسعة هو أفضل الأعداد لأنه يحمل سمات كل الأعداد
الأخرى ففي الحرب, يتلقى القائد التعليمات من الحاكم, ثم يجمع جيشه ويركز قواته ،
وعندما تخوض المعارك في بلد صعب ليس فيه مصادر مياه أو طعام, ذي تضاريس منخفضة, فلا
تنصب معسكرك فيه ، واتحد مع حلفائك في بلد تتقاطع فيه الطرق الواسعة بحيث تكون
الطرق سهلة ولا تعسكر في أماكن خطيرة و معزولة ،وإذا كنت في أراض مُحاطة و مُحاصرة
فيجب أن تلجأ للخداع, لكن إذا كنت في موقف
يائس (أرض الموت) - فيتحتم عليك القتال ، لأنه ليس لديك ما تخسره فأمامك الموت ،
وعندك فرصة النصر وإن كانت ضعيفة
ويرى سون تزو أنه توجد
طرق عليك ألا تسلكها وهي تلك التي تخشى أن ينصب لك عدوك فيها فخاً أو مكيدة ، وتوجد
جيوش يجب ألا تهاجمها وذلك إذا وجدت فرصة للهجوم, لكنك أضعف من أن تحقق النصر ,
فلا تهاجم عدوك في هذه الحالة ، كما توجد مدن يجب ألا تحاصرها ،فلا تحاصر مدناً لا
تستطيع إدارتها , أو إذا كان تركها لا ضرر فيه عليك ، كما توجد مواقف لا يجب أن
تقاتل فيها بضراوة ، كما توجد أوامر للحاكم يجب ألا تطيعها فعندما ترى الطريق
الصحيح, اسلكه ولا تنتظر الأوامر، فالقائد الضليع بالمزايا التي تنتج عن تنويع
التكتيكات الحربية حسب المتغيرات التسعة المذكورة سابقاً يعرف كيف يتعامل مع قواته
و يوظفها بأحسن طريقة ،والقائد غير المُلم بهذه المزايا , قد يكون عالماً بتضاريس
البلاد, لكنه لن يتمكن من تحويل هذه المعرفة إلى فائدة علمية ، وطالب الحرب غير
المتمرس في فنونها الخاصة بتغيير الخطط وفقاً للمتغيرات الحربية, حتى ولو كان
عالماً بالمزايا الخمس (سابقة الذكر), سيفشل في تحقيق أقصى استفادة من جنوده ، وإذا
كان الطريق قصيراً خالياً من المخاطر فيجب
عليك سلكه ، فإذا كان جيش العدو معزولاً هاجمه ،وإذا كان الموقف يسمح بالهجوم
الكاسح ، يجب أن تحاول الهجوم ، وإذا توافقت مع الأعراف العسكرية فهنا يجب طاعة
أوامر الحاكم.
ويرى سون تزو أنه في
خطط القائد الحكيم, ستنصهر معاً اعتبارات المزايا و العيوب ، ويجب انتهاز الفرص
السانحة, وتجنب المخاطر المهلكة, دون تهور أو إهدار فرص ، وباتخاذ العناصر
المواتية في الحسبان عندها تصبح الخطة الحربية قابلة للتنفيذ ،وباتخاذ العناصر غير المواتية في الحسبان فيتم
تذليل الصعاب و المخاطر و البحث عن حلول وإذا
أردت أن استغل نقطة ضعف العدو , يجب أن أحسب كذلك رد فعل العدو الانتقامي جراء ذلك
, ثم أحسب المزايا و العيوب الإجمالية ،و بذلك قد ننجح في تحقيق الجزء الأساس من
مخططنا العام ، وإذا كنا - في خضم مشاكلنا - مستعدين لانتهاز أي فرصة قد تتاح لنا,
فيمكننا أن نخرج أنفسنا من مأزقنا.
ويرى سون تزو أنه لتقلل
من الأعداء فيجب أن تلحق بهم الدمار وأن تسبب
لهم الكثير من المشاكل , فاجعلهم دائماً مشغولين بمشاكلهم الداخلية, وقدم لهم
الإغراءات الخادعة حسنة المظهر, واجعلهم يسرعون في الخروج إلى أي مكان وراءها ، وإلحاق
الدمار ليس مقصورا على الأذى البدني ، لكن ابذل الإغراءات الكثيرة لأفضل و أحكم
رجال العدو فيصبح بدون مستشارين ، وأملأ بلده بالخونة الذين يقيضون نظام حكمه ،وقم
بترتيب المؤامرات و الخداع, و ازرع الشك بين الحاكم و بين وزرائه ، وافسد أخلاقه
عبر هدايا ماكرة تؤدي به إلى الجشع و طلب المزيد والمغالاة, وأزعج باله ولا تجعله
يرتاح وذلك بتقديم امرأة لعوب فاتنة الجمال له ،وغرر به فاجعله يخرج بجنوده إلى
مكان تلحق به شديد الأذى, فمناورات الجند كبيرة العدد تستنزف موارد الدولة ، أرهق
خزينته العامة وبدد موارده و أصوله المالية ،و احرص على بث روح الفرقة بين صفوفه
ولا تسمح له بالوحدة الداخلية ، أي قوض الوحدة الوطنية في داخل بلد العدو ، ولا تعتمد
على فرضية عدم هجوم العدو , بل يجب أن نجهز أنفسنا لملاقاته , ليس اعتماداً على
فرضية عدم قيامه بالهجوم, بل على حقيقة أننا جعلنا موقفنا العسكري صلباً لا شك في
قوته.
ويرى سون تزو
أنه توجد خمسة أخطاء خطيرة تؤثر على القائد العسكري هي الطيش والتهور
المؤدي إلى الهلاك أي شجاعة ينقصها التروي مثل الثور الهائج فمثل هذا العدو لا
تقابله بالقوة الغاشمة , بل غرر به إلى كمين ثم اذبحه ،والشجاعة وحدها لا تكفي
لتحقيق النصر , إذ يلزمها العقل و التدبر و التروي و حساب العواقب ، الأمر الثاني الجبن
المؤدي إلى الوقوع في الأسر ،فالتخلي عن انتهاز الفرص السانحة مثل الهرب من مواجهة
الخطر ،والحرص على العودة حياً من المعركة و عدم الاستعداد للمخاطرة ، الأمر
الثالث هو حدة طبع متسرعة, يمكن استثارتها بسهولة عبر الإهانات ، فمثلاً
عندما قام اللاعب الإيطالي في المباراة النهائية لكأس العالم بين إيطاليا وفرنسا ،
قام بإهانة قائد الفريق الفرنسي زين الدين زيدان ، ومن المعروف أن زين الدين زيدان
حاد الطبع ، مما جعله يضربه وهذا ما جعل الحكم يطرده ، وهذا أثر سلباً على نتيجة
المباراة بخسارة فرنسا أمام إيطاليا ،
الأمر الرابع هو حساسية مفرطة تجاه الشرف والسمعة تسبب الخوف الشديد من
الخزي والعار لكن لا يجب فهم هذا المقطع على أنه ذم في مبادئ الشرف, بل الذم هنا
موجه للحساسية المفرطة, فمن يذود عن شرفه لن يهتم بأشياء أخرى كثيرة, و يمكن وضعه
في المكان الذي تريده بسهولة ، الأمر الرابع هو القلق المفرط على حياة
الجنود و عدم الرغبة في المخاطرة بحياتهم لكن ليس القصد عدم الاكتراث بحياة
الجنود, بل المقصود أن الخوف من تقديم أي تضحيات عسكرية حفاظاً على حياة الجنود هو
سياسة قصيرة النظر, لأنه على المدى الطويل سيعاني أولئك الجنود من الهزيمة (الأسر
- القتل) أو في أفضل الأحوال إطالة زمن الحرب ، فالشعور بالأسى على الجنود سيدفع
القائد لعدم الالتزام بالقواعد و ارتكاب الأخطاء الحربية ، فهذه هي الخطايا الخمس
المغرية للقائد العسكري ذات الأثر المدمر على طريقة إدارة الحرب ،وعند هزيمة الجيش
و مقتل قائده , فحتما السبب لن يخرج عن هذه الأخطاء الخمس ، فيجب أن تجعل هذه
الأخطاء منك محل تأمل و تفكر وتدبر .
يرى سون تزو أن أماكن
ضرب معسكرات الجيش, ومراقبة العلامات التي تصدر عن جيش العدو , فعليك أن تمر سريعاً فوق الجبال , و تلتزم
بمجاورة الوديان فلا تتسكع فوق مرتفعات جدباء, لتبقى بالقرب من موارد المياه و
الطعام ، واجعل معسكرك في الأماكن العالية فليس المقصود هنا قمم الجبال , بل قمم التلال و الهضاب الصغيرة,
المرتفعة قليلاً فوق مستوى أراضي العدو المواجهة للشمس. ولا تتسلق المرتفعات من
أجل أن تقاتل . هذا فيما يخص حروب الجبال .
وعندما تعبر النهر
, يجب عليك أن تبتعد عنه لكي تغري العدو ليعبر خلفك ، وعندما تعبر قوات غازية
نهراً ما سيراً بطريقتها المعتادة, لا تتقدم لتقابلها في منتصف المعبر المائي ,
فالأفضل دائماً هو أن تترك نصف القوات تعبر , ثم تقوم بالهجوم ، وإذا كنت متحمساً
للقتال, فيجب عليك ألا تقابل عدواً بالقرب من نهر يريد عبوره خوفاً ألا يعبره بسبب
قربك منه ، لترسي سفنك في مكان أعلى من العدو فلا يغمره المد حين يأتي, وواجه
الشمس دائما, ولا تبحر بسفنك عكس التيار لتواجه العدو فلا تعط عدوك ميزة استغلال
التيار ضدك هذا فيما يخص الحرب النهرية ،وعندما تقطع أراض / مستنقعات مالحة أي
تكاد تنخفض تحت مستوى مياه البحر فترشح منها المياه المالحة, فهنا جل اهتمامك يجب
أن ينصب على اجتيازها سريعاً , بدون أي تلكؤ أو مماطلة حيث أن الأرض المالحة لا ماء صالح للشرب فيها ,
كما أنها عادة ما تتميز بأنها مفتوحة منبسطة , وتناسب من يريد أن ينقض عليك ، وإذا
اضطررت للقتال على أراض مستنقعات مالحة ,
فيجب أن تفعل ذلك بالقرب من مصدر للماء الصالح للشرب, وبالقرب من مصدر العشب, و أن
تجعل ظهرك محمي بمنطقة تنمو فيها الأشجار , هذا فيما يخص الحرب على الأراضي
المالحة.
وعلى الأرض الجافة
المستوية , احتل موقعاً سهلاً تجاورك فيه المرتفعات من اليمين و من الخلف , و بهذا
يواجه الخطر المقدمة دائماً, و تقبع السلامة في الخلف , هذا فيما يخص العسكرة فوق
أرض منبسطة ،وعلى الجيش أن يقاتل و على يساره مجرى مائي أو مستنقع و على يمينه تل
أو مرتفع ،وتفضل جميع الجيوش الأماكن المرتفعة عن تلك المنخفضة , وتلك المشمسة عن
تلك المظلمة الداكنة ، وإذا كنت تهتم لشؤون جنودك, فستعسكر فوق أرض صلبة , و بذلك
لن تنهك الأمراض الجيش , و هذه هي بداية النصر , فالأرض الصلبة غير رطبة, جيدة
التهوية , لا تسمح للأمراض بالانتشار فيها ،وعندما تبلغ تلاً أو ضفة نهر , احرص
على احتلال الجانب الأكثر إضاءة, وأن تكون المنحدرات على يمين المؤخرة، بذلك يمكنك
التصرف على الفور لمصلحة الجنود و تستغل المزايا الطبيعية لعنصر الأرض ،وعندما
تتسبب الأمطار الغزيرة المنهمرة في فيضان النهر الذي تريد عبوره, و أن يعم الزبد و
الرغاء صفحة الماء , ساعتها يحب عليك أن تنتظر حتى يهدأ الماء و يقر .
ويرى سون تزو أن
الأراضي التي تنتشر فيها الأجراف و المنحدرات الحادة, و تكثر فيها مجاري السيول و
الفيضانات, والتجويفات الطبيعية الغائرة, والأماكن المحاطة من جميع الجهات هي سهلة
الدخول فيها, وصعبة الخروج منها, مثل الأدغال المتشابكة, والمستنقعات الطميية, والممرات
والشُعب الضيقة المتقاطعة, وكل هذه الأماكن يجب تركها بأقصى سرعة ممكنة و ألا
تقترب منها ، بينما نتجنب نحن مثل هذه الأماكن سابقة الذكر , يجب علينا جعل العدو
يقترب منها , وبينما نواجه مثل هذه الأماكن, يجب أن نجعل هذه الأماكن في مؤخرة
العدو ،وإذا كان هناك أي تلال أو مرتفعات
أو برك مياه يكسو سطحها النباتات العائمة, أو أحواض مائية يجب استطلاعها جيداً و
عمل دوريات عسكرية تحرسها, فهذه الأماكن من أفضل الطرق والوسائل لنصب الأكمنة و دس
الجواسيس وعناصر الاستطلاع ، فمثل هذه الأماكن تساعد الخونة على الدخول إلى
المعسكر ثم العودة بالأخبار ،وعندما يكون العدو على مقربة و هادئا فهو يعتمد على
المزايا الطبيعية لموقعه والتي تعطيه قوة إضافية ،وعندما يكون بعيدا و متحفظا ثم
يحاول استفزاز من أمامه لبدء المعركة, فهو متشوق لكي يبدأ الطرف الآخر القتال وإذا
كان الموقع الذي عسكر فيه سهل الوصول إليه , فهو يعرض طعما وينصب شركا ، وإذا مالت
الأشجار و تحركت في الغابة , فهذا معناه أن العدو يتقدم ،وظهور عدد من الحواجز وسط
العشب الأخضر الكثيف يعني أن العدو يريدنا أن نتشكك ونرتاب ،وارتفاع الطيور في
طيرانها علامة على كمين ،جفول الحيوانات دليل على اقتراب الهجوم الوشيك ،وارتفاع
التراب في عنان السماء على شكل عامودي علامة اقتراب العربات الحربية ، وعند انخفاض
مستوى ارتفاع التراب في أشكال عشوائية و من أماكن مختلفة, فهذا يعني إرسال الفرق
من أجل التموين والمئونة ،و سُحب التراب المتحركة ذهابا وإيابا تعني أن العدو ينصب
معسكره.
كما يرى سون تزو
أن الكلمات المتواضعة و التجهيزات المتزايدة علامة استعداد العدو للتقدم ، أما الكلمات
العنيفة والتقدم للأمام كما لو كان ينوي الهجوم علامة نية الانسحاب والتقهقر ،وعندما
تتقدم العربات الحربية أولا وتأخذ مواقعها على الأجنحة, فهذه علامة أن العدو يأخذ
وضعية الهجوم ، ورُسل السلام بدون عهود مختومة موثقة علامة مؤامرة و مكيدة.زد على
ذلك لضمان أكبر وثيقة مختومة مع رهائن كضمان لالتزام الطرفين ، وعند كثرة الهرج
والجري, وعندما يتجمع الجنود ضمن فرقهم تحت راياتهم في أماكنهم المفروضة, فهذا
علامة اقتراب اللحظة الحرجة ،وعندما ترى البعض يتقدم والبعض يتأخر, فهذه علامة
الإغراء للوقوع في شرك ،وعندما يقف الجنود منحنين على رماحهم , فهذه علامة الجوع
الشديد ،وعندما يبدأ السقاة بأنفسهم فيشربون أولا, فهذه علامة معاناة الجيش من
العطش الشديد ،وعندما يعثر العدو على ثغرة تتيح له تحقيق المكاسب فلا يتحرك
لاستغلالها, فهذه علامة إرهاق الجنود الشديد ،وعندما تتجمع الطيور في أي مكان
تريده, فهذه علامة خلو هذه الأماكن الجلبة الصاخبة ليلا علامة العصبية والهلع ،وظهور
القلاقل والشغب في المعسكر علامة ضعف سلطة القائد ،و تنقل الرايات والأعلام من
مكان لآخر علامة التحريض على العصيان ،و إذا كان الضباط غاضبون من جنودهم, فهذه
علامة أن الرجال متعبون مرهقون مضجرون ،وعندما يُطعم الجيش الجياد حبوبا, ويذبح
ماشيته من أجل الطعام فالوضع الطبيعي يقتضي أن يعتمد الرجال على الحبوب في طعامهم,
و الجياد على العشب، وعندما لا يعود الرجال إلى خيامهم, فهذه علامة الاستعداد
للقتال حتى الموت.
ويرى سون تزو أن مشهد
همس المجموعات الصغيرة من الجنود وصدور النغمات المقهورة من أصواتهم تشير إلى
انتشار السخط بين الرتب والأفراد ،فالمكافآت المتكررة في وقت قصير تعني قرب نفاذ
موارد العدو فعندما يكون الجيش مُحاصرا, يزداد الخوف من حدوث التمرد والعصيان,
ولذا يتم اللجوء للمكافآت السخية لإبقاء الرجال في مزاج معتدل, بينما العقوبات
الكثيرة تفضح حالة اليأس الشديد وبسبب غياب النظام يتم اللجوء للعقوبات المغلظة
التي لم تكن معهودة من قبل فالقائد الذي يعمد للتهديد و الوعيد والطغيان في
البداية, ثم تحت وطأة الخوف من أعداد العدو يحسن معاملة رجاله خوفا من تمردهم, لهو
دليل على انعدام الحد الأدنى من الفهم والإدراك لديه ، وعند قدوم وفود العدو حاملة
للهدايا مكيلة للمديح, فهذه علامة رغبة العدو في عقد هدنة ربما بسبب خوار قوته أو
لسبب آخر ،وعندما تسير قوات العدو في حالة من الغضب, وتبقى في مواجهة قواتنا لفترة
طويلة, دون أن تأخذ راحة أو تأتي قوات بديلة لها, فالموقف ساعتها يحتاج لحذر شديد
واحتراس كبير ، وإذا كانت قواتنا لا تزيد في العدد عن العدو, فهذا يكفي إذ أنه
وقتها لا يمكن اللجوء للهجوم المباشر ، فأكثر ما يمكننا عمله وقتها هو تركيز قوانا
الحالية, وأن نبقي أعيننا مركزة على العدو , و أن نجد في طلب الإمدادات فعند تساوي
أرقام الطرفين, وغياب أي ميزة تصب في صالح أي من الطرفين, و رغم أننا لسنا من
القوة بحيث نشن هجوما نستطيع الحفاظ عليه, فبإمكاننا دائما البحث عمن يتطوع في
صفوفنا ويقاتل معنا ، فالغرض هو تركيز الرجال الأشداء للقتال, و المتطوعين و
الملتحقين الجدد للأعمال الأقل درجة من حيث القوة والأهمية, لكن دون اللجوء
للمرتزقة ، فمن لا يفكر في كل صغيرة وكبيرة قبل الهجوم, ومن يستهين بعدوه ويقلل من
شأنه, سيقع في أسر هذا العدو حتما ،فالثعابين و العقارب الصغيرة تحمل سموما قاتلة,
فلا يمكن الاستهانة بها, فما بالك بجيش خرج للقتال.
ويرى سون تزو
أيضاً أنه إذا عاقبت الجنود قبل أن يصبحوا مرتبطين بك, فلن يصبحوا مطيعين, وبدون
كونهم مطيعين, فهم غير ذوي نفع أو جدوى، وإذا أصبح الجنود مرتبطين بك , ولم توقع
عليهم أي عقاب, فهم أيضا وقتها غير ذوي نفع أو جدوى ، لذلك يجب معاملة الجنود في
المقام الأول بإنسانية, لكن مع إبقائهم تحت السيطرة باستخدام النظام الصارم, فهذا
هو السبيل للانتصار ، وإذا تم تدريب الجنود على طاعة الأوامر حتى صارت عادة عندهم,
فالجيش سيكون وقتها منظما بشكل جيد, وإذا لم يحدث ذلك فالنظام سيكون سيئا ، وإذا
أظهر القائد الثقة في رجاله , لكن يصر دائما على أن تتم طاعة أوامره, فالمكسب
سيكون متبادلا وهو طاعة الجنود لأوامر القائد, و ثقة الجنود في القائد.
يرى سون تزو أن المهالك
الست للجيوش هي :
·
تتعرض الجيوش لست
أنواع من المهالك (المخاطر) , لا تنشأ من الأسباب الطبيعية , لكن من أخطاء قيادية
, يتحمل مسؤوليتها القائد العسكري و هي :
1- الاندفاع / الانهيار/ الفرار
2- التمرد و عصيان الأوامر
3- الانهيار الداخلي و فقدان الشجاعة
4- الخراب
5- انهيار التنظيم
6- الهزيمة المُنكرة
وعند تساوي بقية
المؤثرات و حيادها, و تم الزج بقوة عسكرية ما, ضد قوة عسكرية أخرى أقوى منها بعشرة
مرات أو تزيد, فالنتيجة هي حدوث حالة من الاندفاع غير المحسوب للفرقة الأولى ،
لأنه ليس لديها ما تخسره ، فليس أمامها سوى القتال ، فلربما يحدث طارئ ينقذها ، أو
تحصل مفاجئة تجعل الفرقة الثانية في وضع آخر غير النصر .
وإذا كان الجنود
العاديون أقوياء , بينما ضباطهم ضعفاء, فالنتيجة الحتمية هي حدوث حالة من التمرد و
العصيان الجماعي للأوامر بين الجنود ، أما عند حدوث العكس, فستنشأ حالة من
الانهيار الداخلي وفقدان الشجاعة و الضعف العام ، كون الضباط الأقوياء يريدون
التقدم فيضغطون على الجند الضعفاء, فينهار الجنود بشكل جماعي و تعم الفوضى ، وهذا
ما حدث في مصر إبان ثورة 25 يناير فالضباط الأقوياء ضغطوا على الجنود الضعفاء
المذلولين أمامهم ، فعند حدوث الفوضى وانهيار النظام ، استغل الجنود الأمر ونشروا
الفوضى في جميع أرجاء مصر ، وبعد انتصار الثورة ، وقدوم نظام منتخب ، لكنه لم يتسم
بإعجاب قوات الأمن والجيش –بسبب أخطاءه الكبيرة وعدم قدرته على التنظيم والإدارة
وضعف الاقتصاد وعدم اتسامه بالكاريزما- ، مما جعلهم ينفرون من النظام ولا يشجعون
على الوقوف في وجه الفوضى ، فنشأت حالة من اللامبالاة التي ساهمت في انهيار النظام
المصري في حركة 30يونيو 2013 ، فظهر الجنود والضباط في الأمن الجيش بمظهر القوي
وعاد النظام القديم بضباطه وجنوده
وعندما تغضب الرتب
العليا من الضباط, ويبدؤون هم في عصيان الأوامر -بعدم انتظار الأوامر الصادرة لهم
و التصرف حسبما يرونه في مصلحتهم-, فتجدهم عند لقاء العدو يقاتلون وفقا لأهوائهم
وانطلاقا من شعورهم بالاستياء, من قبل أن يُصدر القائد العام لهم الأمر ببدء
القتال, فالنتيجة هي حلول الخراب و الدمار ، وعند ضعف القائد العام و تجريده من أي
صلاحيات لتنفيذ أوامره, و عندما تكون أوامره غير واضحة أو جلية وعند عدم وجود
واجبات روتينية محددة وواضحة منوطة بالضباط و الجنود, وعند تنظيم الرتب العسكرية
بشكل فاسد عشوائي , فالنتيجة هي حدوث حالة متقدمة من الانهيار في الكيان التنظيمي
العسكري ، وهذا ما أسفرت عنه الثورة السورية في 15/18 مارس 2011 ، حيث كشفت
عشوائية جيش النظام الأسدي الطائفي وفساده وعدم أهليته ليكون جيش دولة ، وعندما
يعجز القائد عن تقدير قوة العدو , فيسمح لقوة صغيرة بقتال قوة أكبر منها, أو يدفع
بفصيلة ضعيفة بسرعة تجاه أخرى أقوى منها, ويهمل وضع أفضل الجنود في الصفوف
الأمامية, فالنتيجة هي الهزيمة المنكرة لأن وضع أفضل الرجال في الصفوف الأمامية يرفع
معنويات الجنود و يقلل من معنويات جنود العدو، هذه هي الحالات الستة من الهزائم
المحتملة في ميدان القتال , والتي يجب دراستها بعناية من قبل القائد الذي تم
تعيينه في موقع المسؤولية.
ويمكننا تقسيم
التضاريس إلى ستة أنواع هي :
·
الأراضي سهلة
المنال وهي ذات طرق معبدة و طرق اتصال متعددة
·
الأراضي المجوفة
بالمخاطر وهي التي إن دخلتها وقعت في فخ يسهل نصبه لك
·
الأراضي المعوقة وهي
الأراضي التي تؤخرك و تؤخر من يأتي على أثرك
·
الممرات الضيقة
·
المرتفعات الخطرة
·
المواقع شديدة
البعد عن العدو
فالأراضي التي
يمكن عبورها بسهولة من كلا طرفي القتال , نسميها سهلة المنال ، ومع أراضي هذه
طبيعتها , يتعين عليك أن تحتلها قبل العدو , وخاصة المناطق المرتفعة المشمسة ذات
مستوى الرؤية الأكبر واحرص على حماية خطوط
إمداداتك فيها ، عندها يمكنك القتال ومعك الأفضلية ، فسر الانتصار في الحرب يكمن
في متانة خطوط الإمداد والاتصالات ، أما الأراضي التي يمكن الانسحاب منها , لكن
يصعب احتلالها مرة أخرى نسميها المجوفة بالمخاطر ففي موقف مثل هذا , و إذا كان
العدو غير مستعد, فيمكنك أن تباغته بهجوم مفاجئ و تهزمه, لكن إذا كان العدو مستعد
لمجيئك, وفشلت في هزيمته, وكانت الرجعة مستحيلة , فستحل بك الكوارث ،وإذا كانت
الأرض يستحيل على كلا الطرفين إحكام السيطرة عليها من خلال اتخاذ الأولى, فهذه
نسميها المعوقة ، فكلا الطرفين يعرف أن اتخاذ الخطوة الأولى في غير صالحه , فيبقى
الطرفان في حالة جمود تنتهي بالوقوع في مأزق كبير ففي موقف مثل هذا وحتى لو كان العدو يقدم لنا طعما جذابا , وذلك بإدارة
ظهره لنا والتظاهر بالانسحاب وهذا ما
يغرينا بترك موقعنا الحالي ، فمن الأفضل أن لا نشتت قوانا , بل ننسحب , بطريقة
تغري العدو بنا , وما أن يتحرك قسما من جيشه ويخرج للقائنا, حتى يمكننا ساعتها
الهجوم عليه و بذلك تكون لنا الأفضلية ، أما بالنسبة إلى الممرات الضيقة , فإذا
استطعت احتلالها مقدما , وقتها احرص على تحصينها جيدا وانتظر قدوم العدو ،وبذلك
تكون المبادرة في أيدينا, إذ عبر التحرك المباغت و المفاجئ نضع العدو تحت رحمتنا
،ورغم قدرة العدو على إحباط خططك لاحتلال ممر ما , لكن عليك ألا تذهب خلفه إذا قام
هو بتحصين ممر ما جيدا , وأما إذا كان التحصين ضعيفا فاذهب خلفه ،وفي حالة
المرتفعات الخطيرة, و إذا كنت تسبق الخصم , فعليك احتلال النقاط المرتفعة و
المشمسة, ثم المكوث في انتظار العدو ،فميزة احتلال المرتفعات تكمن في صعوبة معرفة
العدو لما تخطط له , و بذلك لا يستطيع أن يُملي عليك قراراتك ، ويحكي التاريخ عن
جيوش عسكرت في سهول و تركت مرتفعات , فجاءت الأمطار والسيول فاجتاحت سهول
معسكراتهم, ولذا فالمرتفعات ذات مزايا كثيرة).
يرى سون تزو أنه
فيما لو سبقك العدو لاحتلال المرتفعات , لا تتبعه, لكن انسحب وأغره بالنزول ورائك
، وإذا كنت في موقع يبعد بمسافة طويلة جدا عن العدو , و كانت قوى كلا الطرفين
متساوية, فلن يكون سهلا استثارته لبدء القتال بينكما, بل و سيكون القتال في غير
مصلحتنا فلا ينبغي أن نفكر في خوض مسيرات طويلة منهكة , بينما العدو ينتظرنا بكامل
قواه ،فهذه هي المبادئ الست المرتبطة بالأرض , فالقائد العسكري الذي بلغ موقع
المسؤولية عليه أن يدرس هذه المبادئ جيدا ، والتنظيم السوي للدولة هو أفضل حليف
للجندي, و أما القدرة على حسن تقدير قوة الخصم, والتحكم في الأسباب المؤدية إلى
النصر , وحسن حساب الصعاب و المتاعب و العقبات والمخاطر والمسافات , فتلك التي تضع
قدرات القائد العظيم تحت الاختبار ،ومن يعرف كل هذه النقاط جيدا, و يضع تلك
المعرفة عند الحرب قيد التنفيذ, فسينتصر في معاركه، من لا يعرفها, أو لا يضعها قيد
التنفيذ, فبكل تأكيد سيعاني ويلات الهزيمة ، وفيما إذا كانت نتيجة القتال هي النصر
حتما, فعندها يجب أن تقاتل, حتى ولو منعك الحاكم العام من ذلك , وإذا لم يكن
القتال ليؤدي إلى النصر , فعندها يجب ألا تقاتل , حتى و لو أمر الحاكم العام بذلك
، فإذا حكم القصر مجريات القتال بالهجوم والانسحاب أي التدخل في مجريات المعركة من
دون معرفة الواقع، بدلا من القائد العسكري العام , فلن تتحقق أي نتائج ملموسة فوق
أرض المعركة ، فمثلا كان تدخل الرئيس العراقي صدام حسين في مجريات الحرب العراقية
الإيرانية أي حرب الخليج الأولى كان كارثياً لعدم معرفته بمجريات الأمور على الأرض
، وهذا سبب الكثير من الضحايا بسبب عدم معرفته بالوقائع على الأرض وعدم معرفته
المسبقة بأمور الحرب ، فهو لم يدخل الأكاديميات أو الكليات العسكرية وبالتالي كان
تدخله خاطئاً ، كما روت مذكرات لواءات الجيش المصري أو السوري المنسحبين بحنودهم و
معداتهم في الحرب التي انتهت بهزيمة القوات المصرية في 6 يونيو من العام 1967 كيف
صدرت لهم الأوامر بالعودة لقتال الجيش الإسرائيلي المنتشي بنصره المظفر و فرار
القوات المصرية أو السورية من أمامه بفضل استعداده الجيد لهذه الحرب الخاطفة,مما
أدى لإبادة فرق عسكرية بأكملها, وترك غيرها ليموت عطشا في صحراء سيناء أو الجولان
, بسبب ضعف الاستعدادات الحربية المصرية والسورية , ولو عصوا الأوامر الصادرة
إليهم بقتال لا جدوى منه , لكانوا أنقذوا أنفسهم و أنقذوا جنودهم, حتى ولو كانوا
قد تعرضوا لمحاكمة عسكرية بسب عصيان الأوامر , ففقدان حياتهم أفضل من إبادة من
يقودهم.
كما يرى سون تزو
أن القائد العسكري الذي يتقدم دون أن يكون غرضه الشهرة , و ينسحب دون الخوف من
لحاق الخزي والعار باسمه, والذي تسيطر عليه فكرة واحدة هي حماية وطنه وخدمة الملك,
فهذا القائد هو دُرة تاج الدولة ، يجب أن تنظر إلى جنودك كما لو كانوا أطفالك, وهم
سيتبعونك وقتها إلى مهالك الوديان العميقة, و انظر كما لو كانوا أحب أبنائك إليك,
وهم سيقفون معك حتى يلقوا حتفهم ، بأن ترتدي أقل ملابسهم التي يرتدونها قدرا, و أن
تسير كما يسيرون, و أن تركب ما يركبون, وأن تحمل على ظهرك مثل ما يحملون, وهذا ما
تأكد في الحروب الإسرائيلية ، فقد وجدنا أن سائق الجنرال شارون ، يرتدي معه نفس
الملابس ويأكلان نفس الطعام ، بعكس الجنرالات أو الضباط العرب الذين يتميزون عن
جنودهم بكافة الأشياء في الملبس والمأكل والمكان الذي يجلسون به ، وهذا يجعل
الفوارق والفجوات متباينة بينهم ، وهذا ما يسرع بهزيمتهم نتيجة إحساس الرتب الأدني
بالاحتقار من الأعلى ، وعليه إذا كنت - على أية حال- طيبا متساهلا , لكن غير قادر
على جعل جنودك يعرفون حدود سلطاتك عليهم,
وإذا كنت طيب القلب وغير قادر على فرض أوامرك بالقوة, وغير قادر على قمع مظاهر الفوضى
والشغب في المعسكر, فوقتها يصبح جنودك مثل الأطفال المدللين لا نفع يُرتجى منهم أو
فائدة ،فإذا خافك الجنود وخشوك فهم لن يخشوا العدو ، وعليه يجب أن تكون للقائد
هيبة وشخصية وكاريزما ، فلا يثقل في المزاح أو الأمور غير الجوهرية ، وأن يفرض
عليهم احترامه وتنفيذ أوامره من خلال إستراتيجيته في التعامل الجذاب والمقنع
والأخلاقي والعلمي
أيضاً يرى سون تزو
أنه إذا علمنا أن الجنود في وضع يسمح لهم بالهجوم , ولم ندري بأن العدو في وضع لا
يسمح لهم بالهجوم , فنحن وقتها نكون قد قطعنا نصف الطريق الى النصر ، أما إذا
علمنا أن العدو في وضع يسمح له بالهجوم , ولم ندري بأن الجنود في وضع لا يسمح لهم
بالهجوم, فنحن نكون قد قطعنا نصف الطريق إلى النصر ، وإذا علمنا أن العدو في وضع يسمح له بالهجوم ,
وعلمنا كذلك بأن الجنود في وضع يسمح لهم بالهجوم ,ولم ندري بأن طبيعة تضاريس أرض
المعركة تجعل القتال غير مجدي , فنحن وقتها نكون لا زلنا قد قطعنا نصف الطريق إلى
النصر ، وعليه فالجندي المحنك الخبير , ما
أن يصبح في وضع الحركة, لا تصيبه الحيرة أو الارتباك, وما أن يعسكر ,فهو لا يخسر
أي شيء كونه يحسب كل شيء قبل أن يتحرك, ويتحرى أسباب النصر جيدا, ويعمد على جعلها
تعمل لصالحه, ولذا فهو عندما يتحرك , لا يرتكب أي خطأ ، و هكذا تصح المقولة: إذا
عرفت عدوك و عرفت نفسك, فالنصر لن يصبح محل شك ،و إذا عرفت طبيعة سماء وطبيعة أرض
المعركة, فأنت تجعل انتصارك كاملا.
يرى سون تزو أن فن
الحرب يعرف تسعة أنواع من الأراضي:
·
الأرض المُشتتة
(التي تشتت)
·
الأرض السهلة
·
الأرض التي تسحق
مشقة الاستيلاء عليها
·
الأرض المفتوحة
·
أرض تقاطعات الطرق
·
الأرض الخطيرة/
الحرجة
·
الأرض الصعبة
·
الأرض المُحاطة
·
الأرض الميئوس
منها/المُهلكة
وعليه عندما يقاتل
القائد على أرضه فهو يقف على أرض مُشتتة، حيث سُميت كذلك لأن الجنود يعلمون قربهم
من أرضهم وبيوتهم, وهم حتما في حالة شوق للعودة إلى زوجاتهم و أبنائهم, ولذا
سينتهزون الفرصة التي تسنح أثناء القتال, لينتشروا في الأرض مشتتين في كل
الاتجاهات فارين إلى وطنهم ، من هنا كان حل هذه المشكلة في الدين الإسلامي أن
الجنود في هذه الحالة يمكنهم الزواج خلال فترة الحرب ، وهو ما عرف عند الشيعة
بزواج المتعة ، لكن يرى السنة أنه تم تعديله ليكون زواج ديمومة بدلا من فترة محددة
وذلك احتراما منه للمرأة ، وعلى كل حال فلا ما نع في الحرب من الزواج من فتاة في
منطقة قريبة من المعركة على أن يكون على سبيل الديمومة، فيحق له الزواج من أكثر من
زوجة في الإسلام ، لكن نلاحظ في الدول الكبرى في الوقت الحاضر أن يرافق الجنود في
حروبهم فتيات للمتعة الجنسية فقط ، بحيث يكونون معهم وهذا ما لاحظناه في حروب
فرنسا في الجزائر أو أفريقيا ، أو في حرب الولايات المتحدة في العراق 1990 وعام
2003 ، كما أنه عندما يتغلغل القائد داخل أرض معادية لمسافة قصيرة, فهو يقف على
أرض سهلة وذلك بسبب سهولة الانسحاب منها والعودة إلى أرضه ، كما أن الأرض التي
يجلب الاستيلاء عليها, للمنفعة لكلا طرفي الصراع, هي أرض تستحق مشقة وعناء
الاستيلاء عليها ، وهي تشمل الأرض التي يستطيع القلة و الضعفاء الدفاع عنها بل و
الانتصار فيها على الأقوياء, مثل الممرات الضيقة ، أما الأرض المفتوحة هي تلك التي
يستطيع كلا الطرفين التحرك فيها بحرية كاملة , وتدعمها شبكة طرق متصلة و متقاطعة ،
كما أن الأرض التي تشكل مفتاح الوصول لثلاث دول متجاورة (أرضنا , أرض العدو , أرض
الدول المجاورة)بطريقة تجعل من يحتلها أولا قادرا على إخضاع الإمبراطورية بأكملها
لسيطرته (يحصل وقتها على ولاء الباقين) والأرض التي تحتوي على الكثير من طرق
المواصلات المتقاطعة و المتقابلة هي أرض تقاطعات الطرق ، وعندما يتغلغل الجيش
عميقا داخل قلب أرض العدو, تاركا عددا من الدمن الحصينة وراءه لم يفتحها , فهذه
الأرض تكون خطرة وذلك عندما يبلغ جيش ما هذه النقطة , فهو في موضع خطير ، والغابات
والأجراف الوعرة و المستنقعات العميقة و الضحلة, وجميع الأراضي التي يصعب عبورها
إلا بشق الأنفس, هذه الأرض تسمى الأرض الصعبة ، والأرض التي لا يمكن الوصول إليها
إلا عبر مداخل و ممرات ضيقة, و التي لا يمكن الانسحاب منها إلا عبر ممرات غير
مأمونة, مما يجعل فصيلة صغيرة للعدو قادرة على سحق عدد كبير من قواتنا, هذه الأرض
تسمى الأرض المُحاطة (مجوفة بالمخاطر) ، أما الأرض التي يمكننا النجاة عليها من
الهلاك - فقط عبر القتال الشامل المستبسل دون أي تأخير, تسمى الأرض اليائسة (تشبه
سابقتها, عدا أنها بلا سبيل نجاة واضح, كحال قارب يغرق أو بيت يحترق) ، لذا لا
تقاتل أبدا على الأرض المُشتتة, ولا تقف على الأرض السهلة, ولا تهاجم على الأرض
التي تستحق مشقة الاستيلاء عليها ، وذلك إذا حصل العدو بالفعل على الوضع الأفضل,
وأصبح لديه مزايا تفرض علينا ألا نهاجمه, بل نغريه (بتصنع الفرار)للخروج إلى الأرض
التي يكون لنا نحن عليها المزايا و الأفضلية.
كما يرى سون تزو
أنه من الواجب عليك ألا تحاول سد طريق العدو فوق الأرض المفتوحة لأن ذلك سيقلب
الأمور عليك و سيضع القوة المهاجمة في وضع صعب للغاية ، وفوق أرض تقاطعات الطرق
تحال مع جيرانك ، وعليك أن تنهب وتسرق بأقصى قوتك فوق الأرض الخطرة ، والمقصود هنا
مخازن العدو وذخيرته وأمواله كونه معتدياً عليك ، وهذا ما فعله القائد سيف الدين
قطز عندما هاجم قوات المغول المتجهة نحو مصر ، فبعد أن تم سحق القوات المعتدية
وإبادتها تم السيطرة على كل معدات وذخيرة وأموال العدو ، خاصة أن طبيعة المغول هي
طبيعة همجية إرهابية لايمكن أن تصل إلى مرتبة الإنسانية بأي شكل من الأشكال إلا في
الحالات النادرة طبعا ، وهذه الطبيعة موجودة في المجوس الإيرانيين وهم من يحكمون
إيران الآن ، كما أنه موجودة عند النصيريين الذين يدعون أنهم علويين وهم من يحكمون
سوريا، فهؤلاء طبيعتهم غير الإنسانية تجعل إعادة تأهيلهم ضرورة أخلاقية ، كما أن
سلب ممتلكاتهم وأموالهم هو أمر ضروري ، كون هذه الممتلكات هي مسروقة من أموال
وممتلكات الشعب السوري ، فقبل أن يحكموا سوريا لم يكونوا سوى خدم عند السوريين ،
كما أن أصولهم الغير عربية فهم من الأورال في روسيا وأتوا من حوالي 1000 سنة واستقروا
في جبال البهرة أي جبال الساحل السوري الآن ، فهؤلاء لا ينفع معهم اللين كونهم ليسوا سوى
عصابات همجية إرهابية يحثها دينها المتخلف وهو الدين النصيري على القتل والسرقة
والإرهاب والإغتصاب ، وهذا ما رأيناه في كتابهم السري الهفت الشريف أو الهفت
والأظلة ، وهو كتاب يعتبر أنه كل من ليس منهم فهو لا يستحق الحياة ، وهذا يجعله
معاد للإنسانية بشكل عام ، وهذا يتوجب على الإنسانية برمتها أن تقف موقف القوة
لاستئصال هذه الفئة الإرهابية ، وإعادة تأهيل من يمكن تأهيله منهم ، وتوزيعهم على
المجتمعات العالمية ، مع عرض إحدى الديانات الإنسانية عليهم ، ولا نستطيع تطبيق
مبادئ الأديان السماوية مثل الإسلامية في التعامل مع هؤلاء (من عدم معاداة أهل أرض
العدو, والإحسان إليهم لكسبهم في صفك,فلا يكونوا مسمارا في ظهرك ، لكن هذا ينطبق
على الناس الحضريين لا الهمجيين أمثال النصيريين الذين يدعون أنهم سوريين أو عرب
أو مسلمين أو شيعة أو من سلالة الإمام علي كرم الله وجهه ، فكل هذه الأوصاف لا
تنطبق عليهم .
ويرى سون تزو أنه فوق
الأرض المُحاطة, عليك بالخدعة و الحيلة فيجب عليك ابتكار الجديد المناسب للموقف
بما يضلل العدو,وفوق الأرض الميئوس منها: قاتل حيث أن القتال حين لا تلوح في الأفق
فرصة للهرب مما يدفع الجندي لأن يُعطي كل ما عنده أملا في النجاة بالانتصار ، كما
أن القادة المهرة المحنكين يغرفون كيف يدقون إسفينا بين مقدمة و مؤخرة جيش العدو
(يفصلون تماما بينهما) مانعين الاتصال والتعاون بين وحدات الجيش الكبيرة والصغيرة,
ومانعين إنقاذ وحدات العدو القوية لتلك الضعيفة المصابة, ومانعين قادة العدو من لم
شمل فلول جنودهم و العودة بهم للمعركة ، وعندما يكون جنود العدو متحدين , يتمكن
القادة من نشر الفوضى بين أفراد العدو فلا تسمح لهم بالتجمع ، لكن هذا يحدث عندما يكون
ذلك في مصلحتهم , حيث يصدر القادة الأوامر بالتحرك للأمام , وعندما لم يكن كذلك, يصدرون
الأمر بالتوقف ، حيث أن التقدم بغرض بث الفوضى بين العدو, والتوقف إذا لم يكن
التحرك ليأتي بفائدة, إذا تجمعت قوات العدو, فلا تسمح له بأن ينتظم.
أيضاً يرى سون تزو
أنه للتعامل مع عدو كثير العدد , وضخم الحجم, ومنظم الصفوف و الخطوط, وعلى أهبة
الاستعداد للسير لقتالك فيجب أن تبدأ بالاستيلاء على شيء له قيمة كبيرة عند العدو,
عندها سيطيع العدو رغباتك ، كما أن السرعة هي جوهر الحرب , واحرص على الاستفادة من
عدم استعداد العدو , وشق طريقك مستخدما سبلا غير متوقعة , وهاجم النقاط غير
المحروسة ، وكلما تعمقت قواتك في قلب حدود العدو , كلما زاد تماسك جنودك, وهكذا لن
يتمكن المدافعون من النيل منك ، وعليك أن تغزو البلاد الخصيبة من أجل إمداد جيشك
بالطعام ، ويجب أن تدرس بعناية أسباب و عوامل راحة جنودك فرفه عنهم, وعالجهم, وتبسط
معهم, وأعطهم ما يفيض عن حاجتهم من الطعام والشراب, ولا تقم بفرض الضرائب الزائدة
عليهم ، وركز طاقتك وادخر قواك ،وابق جيشك مترابطا و متحركا على الدوام بحيث لا
يعرف العدو مكانا محددا لك، واخترع خططا مبهمة غير مفهومة من قبل العدو ، وعليك أن
تقذف بجنودك في مواقف لا مهرب منها , وهم ساعتها سيفضلون الموت على الفرار ، وذلك
إذا واجه جنودك الموت, فلا يوجد شيء يعجزون عن تحقيقه ، عندها سيبذل الجنود و
الضباط معا أقصى ما لديهم من طاقات ، حيث يفقد الجنود في المواقف اليائسة الإحساس
بالخوف , فإذا لم يكن هناك أي مهرب فسيقفون ثابتين, وإذا كانوا فوق أرض العدو,
فستكون مقدمتهم عنيدة, وإذا لم يكن هناك أية مساعدات تُرجى, فسيقاتلون بشدة و
صلابة ، وبذلك وبدون إصدار أوامر لهم, سيكون الجنود حينها في حالة عطاء دون سؤال,
ينفذون ما تريده قبل أن تطلبه منهم , بدون أي تحفظات أو حدود في حالة قصوى من
العطاء, حيث يمكنك الثقة بهم ، يجب على القائد أن يمنع التعاطي في أفكار نذر الخير
والتشاؤم, وأن يقضي على أي خرافات أو شكوك , و حتى يأتي الموت ذاته, فلا يجب الخوف
من أي فترات هدوء ، فالخرافات تجلب الخوف واليأس, وتقتل الرجال مئات المرات قبل أن
يلقوا حتفهم فعلا ، يجب القضاء على التعاطي بالسحر والتنجيم و استطلاع النجوم بين
الجنود , فذلك يُدخل الخوف إلى عقولهم ، من هذا المنطلق يجب استغلال الثوار
السوريون في الجيش الحر والقوى المقاتلة على أرض سوريا لهذه النقطة ، كون جنود
النظام الأسدي وخاصة النصيريون إضافة لجماعة حزب الله اللبناني وكتائب بدر وجيش
المهدي ولواء أبو الفضل العباس ، وحركة أمل ، وجيش القدس والحرس الثوري الإيراني ،
وغيرها من الكتائب الإرهابية الموجودة في سوريا والتي تنشر الرعب والفوضى والإرهاب
بين السكان الآمنين ، لكن هذه الكتائب وجنودها ومرتزقتها تؤمن بالسحر والشعوذة
والخرافات وعليه فمن الممكن استغلال نقطة ضعفها تمهيدا للقضاء عليها وإبادتها
إذا لم يعد جنودك
مهتمين بالحصول على الأموال , فلا تظن ذلك مرده زهدهم في الغنى, وإذا لم تعد
حياتهم طويلة مديدة, فلا تظن سببه عدم رغبتهم في العيش ، وهنا يريد سون تزو القول
أن الجنود ما هم إلا بشر , تراودهم أطماع الاغتناء والعمر المديد , لذا فلا تقذف
في طريقهم أي مغريات تشجع لديهم هذه الرغبات "الطبيعية" التي تجعلهم
يتركون القتال و يقبلون على الدنيا ، وفي اليوم الذي تصدر فيه الأوامر للجنود
بالقتال , سيذرف الجنود الدموع, وتسيل على خدودهم حتى تبلل ملابسهم ،ليس ذلك مرده
الخوف , بل لأنهم عاقدوا النية على تنفيذ الأوامر أو الموت دونها لكن دع هؤلاء
يطؤون أرض المعركة, وستجدهم يظهرون الشجاعة شو أو كيو ، فالبطل شو رجل عاصر سون
تزو, وقد تم تكليفه باغتيال الحاكم وانج لي بخنجر خبأه في أحشاء سمكة قُدمت على
الطاولة, لكنه ما أن فعل فعلته حتى تحول إلى أشلاء صغيرة بفعل سيوف حراس الملك -
على أنه نجح في تحقيق ما ذهب من أجله ،والبطل الثاني سبقت شهرته الأول, حيث كانت
مملكو لوو قد انهزمت ثلاث مرات من مملكة تشي, وكانت على وشك الاستسلام مقابل
التنازل عن قطعة كبيرة من أراضيها, فما كان من البطل كيو إلا أن وقف بخنجر مصوب
إلى صدر هوان كنج, دوق مملكة تشي, وطالبه بتصحيح أوضاع معاهدة الاستسلام, إذ أن
مملكة لوو صغيرة و ضعيفة, فما كان من الدوق, الذي عجز عن الاقتراب منه خوفا على
حياته , إلا أن وافق على مطالب كيو ، وقتها سحب كيو خنجره وذهب ليقف وسط الجموع
المرعوبة دون أن يتغير لونه أو يرجف له جفن, أراد الدوق بعدها الرجوع في كلمته
التي أعطاها, لكن مستشاره كوان شونج أوضح له توابع عودته في كلمته التي أعطلها,
وهكذا حفظت شجاعة كيو المملكة من فقدان نسبة كبيرة من أراضيها التي خسرتها في ثلاث
هزائم ، فالتضحية ضرورية من أجل تحقيق الانتصار ، ويجب أن يخلد هؤلاء الأبطال
الذين يضحون من أجل المبادئ الثابتة ، ومن أجل أوطانهم وعقيدتهم ومبادئهم ،
وأهاليهم .
يرى سون تزو أنه يمكن
تشبيه التكتيك الماهر بالثعبان شواي-جان, الذي تجده في جبال شانج, فما أن تضرب هذا
الثعبان عند رأسه حتى تجده يهاجمك بذيله, وما أن تضرب ذيله حتى يهاجمك برأسه, وما
أن تضربه في منتصف جسمه حتى يهجم عليك برأسه وذيله ، فكلمة شواي-جان تعني السرعة
المفاجئة في اللغة الصينية, وهي مأخوذة من عدم تردد هذا الثعبان في الهجوم الصاعق,
وهي تطورت اليوم لتصبح مرادفا عسكريا للمناورات الحربية ، فإذا سألت هل يمكن جعل
الجيش يقلد ثعبان شواي - جان, يكون الإجابة بنعم ،فاجعل مقدمة و مؤخرة الجيش سريعة
الرد عند الهجوم على أحدهما, كما لو كانتا عضوين في جسد واحد، فإذا كان رجال وو و
رجال يوو ألد الأعداء, فهما إذا عبرا النهر في قارب واحد وأحاطت بهم عاصفة هوجاء
فسيهبون لمساعدة بعضهما البعض تماما مثلما تساعد اليد اليمنى اليسرى ، والمعنى أنه
إذا كان العدوان سيساعدان بعضهما في وقت الخطر المحدق, فكيف لا يساعد جزءان من
الجيش بعضهما البعض, وهما يربطهما رابط الاهتمام والمصلحة المشتركة, على أن ذلك
أمر يجب التعامل معه بحذر , فكم من الجيوش دمرتها قلة الاتصالات فيما بينها, خاصة
في حالة الجيوش المتحالفة ، فالاتصالات ضرورية جدا بين قطاعات ووحدات الجيش ، فلا
يكفي ربط الخيول حتى لا تهرب, أو غرس عجلات العربات في الرمال حتى لا يفر الجنود ،
حيث كانت هذه الأشياء وسائل الهروب على وقت سون تزو, وهي كناية عن الوسائل التي
تظن أنك ستمنع الجنود من الهرب من ارض المعركة. وفقا لوجهة نظر سون تزو , كما
سيمنع الجنود فعلا من الهرب هو تماسكهم معا ووحدة هدفهم).
كما يرى سون تزو
أن المبدأ الذي على أساسه تُدار و تُنظم شؤون الجيش - هو عن طريق وضع معيار شجاعة
يجب على الجميع بلوغه ،بأن يكون الجنود جميعا على قلب رجل واحد, أو على الأقل على
مستويات متقاربة من الشجاعة ،فكيف تحقق أقصى استفادة من القوي و الضعيف ؟ هذا
السؤال يتضمن الاستعمال الصحيح (الأفضل)للأرض، فمثلا القوات الضعيفة المتحصنة في
مواقع قوية, سيمكنها القتال لذات الفترة الزمنية التي كانت لتمكنها القوات القوية
في أرض أقل تحصنا وأكثر انفتاحا ،والقائد الماهر يقود جيشه كما لو كان يقود رجلا
واحدا, بسلاسة ويسر ،وعمل القائد هو أن يبقى هادئا فيضمن السرية, وأن يكون مستقيما
و عادلا, فيضمن استقرار النظام العام ،ويجب عليه أن يثير حيرة ضباطه وجنوده (يخدع
عيونهم وآذانهم) عن طرق المظاهر و التقارير الخادعة, وبذلك يبقيهم في حالة جهل تام
،فلا يجب على جنودك مشاركتك خططك في البداية, بل فقط عليهم أن يبتهجوا معك
بالنتائج الايجابية المترتبة على تخطيطك هذا. أول أهم مبادئ الحرب أن تضلل و تحير
وتفاجئ العدو, لكن ماذا عن تضليل قواتك و رجالك؟ السرية التامة الكاملة تكون
أحيانا من مفاتيح تحقيق النصر , حتى مع قواتك, والذين سيتصرفون وقتها بشكل طبيعي,
ما يزيد من درجة تضليل العدو المُراقب لك ، وعبر تعديل ترتيباته وتغيير خطه (لا
يستعمل خطة ما أكثر من مرة) سيُبقي القائد الحكيم عدوه غير واثق في نواياه, غير
واثق في المعلومات التي لديه عنه. عبر نقل معسكرات الجنود وإتباع طرق ملتوية غير
مباشرة, سيمنع العدو من توقع الهدف وراء مثل هذه التحركات ،وحقيقة أن الحرب خدعة
لا تتوقف عند حدود العدو وحسب, بل تتسع فتشمل رجالك و جنودك ،وعند اللحظة الحرجة/
الحاسمة, يسلك القائد سلوك من تسلق قمة مرتفع عال ثم دفع السلم الذي تسلق عليه, فيحمل
رجاله إلى أرض العدو دون أن يظهر يده ، أي يأخذ خطوات مصيرية تجعل من المستحيل على
الجيش أن يتراجع, مثل حرق سفن نقل الجنود التي أقدم عليها طارق بن زياد وقت فتح
الأندلس حين قال لجنوده العدو من أمامكم والبحر من وراءكم ، وهنا سيحرق قواربه
ويحطم قدور الطعام, مثل راع يسوق قطيعا من الغنم, فيقود جنوده عبر هذا الطريق وذاك
, دون أن يعلم أحد منهم إلى أين هو ذاهب ، كما أن حشد الجنود و الدفع بهم نحو
الخطر- هذا هو عمل القائد، وما يقصد هنا هو أنه بعد الانتهاء من التحركات و
المناورات و لقاء العدو, هنا يجب عدم التأخر / التردد في إطلاق السهام نحو قلب
العدو).
كما يرى سون تزو
أن المقاييس المختلفة المناسبة للحالات التسعة للأرض هي : مدى ملائمة التكتيكات
الهجومية أو الدفاعية, والقوانين الأساسية للطبيعة البشرية, هذه هي الأشياء التي
يجب دراستها حتما بعناية ،وعند احتلال أرض العدو, يكون المبدأ العام هو أن التغلغل
في أعماق بلاد العدو يجلب التماسك والتلاحم لجيشك, بينما التغلغل لمسافة قصيرة
يعني التشتت والتشرذم ،وعندما تترك بلادك وراءك , وتجتاز بجيشك أراض مجاورة تفصلك
عن بلادك,فأنت وقتها فوق أرض حرجة. (يجب عليك أن تقضي حاجتك منها سريعا و تمضي في
طريقك - على أن هذه حالة نادرة الحدوث). عند توفر خطوط اتصالات في الاتجاهات
الأربعة, فالأرض تكون ذات طرق عامة متقاطعة ،وعندما تتوغل في أعماق بلد ما , فهي
ستصبح أرضا خطرة, وعندما تتوغل لمسافة قصيرة, فهي أرض سهلة الانقياد ،وعندما تصبح
حصون العدو خلفك, و الممرات الضيقة أمامك, فالأرض تطبق عليك. عند انعدام الملاذ
الآمن أو الملاجئ, فأنت تقف على أرض تدعو إلى اليأس ،لذلك و عند الوقوف فوق أرض
يائسة, سوف أُلهم رجالي وأبعث فيهم الأمل عبر وحدة الهدف. (اتبع منحى دفاعي وتجنب
المعركة). عند الوقوف فوق أرض سهلة الانقياد, فسأتأكد وقتها من توفر صلات قريبة
بين جميع وحدات جيشي ،وفوق الأرض المتصلة سأستعجل مؤخرة الجيش فلا تطول المسافة
بينهما و بين مقدمة الجيش, وحتى يصل الاثنان معا إلى الهدف المطلوب في وقت واحد,
لكن بما لا يتعارض مع مبدأ عدم الوصول إلى أرض المعركة ونحن في حالة إرهاق من
التحركات و المناورات.
ويرى سون تزو أنه فوق
الأرض المفتوحة, سابقي عينا حذرة بشدة على دفاعاتي, وفوق الأرض ذات الطرق العامة
المتقاطعة, سأقوي تحالفاتي ،وفوق الأرض الخطرة سأعمل على توفير خطوط إمداد
متواصلة, والعهدة على المعلقين: عبر السرقة والنهب وجمع المئونة , و ليس - كما
سيتراءى للكثير منكم- عبر خطوط اتصال غير مقطوعة مع قواعدنا الأساسية، فوق الأرض
الصعبة, سأستمر في المشي السريع فوق الطريق ،وفوق الأرض المُطبقة, سأسد أي طريق
للهرب ،وتفسير ذلك قد يكون لحماية موقعنا الحالي , لكن الغرض الفعلي والحقيقي هو
أن نُطبق كالصاعقة على خطوط العدو فنفصلها ونفتح فرجة نمر منها إلى بر الأمان ، وفوق
الأرض اليائسة, سأعلن للجنود عن انعدام الأمل في إنقاذ أرواحهم ،فاردم آبارك واكسر
قدورك واحرق أمتعتك واجعل حقيقة كون القتال السبيل الأوحد للنجاة واضحة تماما في
عيون الجنود ، وذلك لأن من طبيعة الجندي إبداء أقصى درجات المقاومة عند حصاره, وأن
يقاتل بشراسة الأسد الجريح عند عجزه عن مساعدة نفسه, وأن يطيع طاعة عمياء عندما
تحيق المخاطر به ،ولا يمكن لنا الدخول في
تحالفات مع جيراننا من الأمراء حتى نلك جيدا بمخططاتهم وأهدافهم. لسنا مهيئين
لقيادة مسيرة الجيش ما لم نكن على دراية و معرفة تامة بطبيعة تضاريس الأرض التي
سيسير عليها الجيش, جبالها و غاباتها, أخطارها وأجرافها , مستنقعاتها فلن نتمكن من
استغلال المزايا الطبيعية لصالحنا ما لم
نستفد من المرشدين المحليين ،والجهل بأي من المبادئ التالية لا يتناسب مع أمير حرب
،وعندما يهجم أمير حرب على ولاية قوية , تتجلى قدراته القيادية في صورة منع تركيز
العدو لقواته, وهو يلقي الرعب في قلوب خصومه, و يمنع حلفاء الخصوم من الاشتراك في
المعركة ضده ،فتشتيت صفوف العدو يمنحك تفوقا في جانب القوة, هذا التفوق يرهب
العدو, هذه الرهبة هي التي ستمنع جيران العدو من أن يهبوا لمساندته,و إذا خاف
الجيران فذلك سيلقي الخوف في قلوب الحلفاء المحتملين فيمنعهم من الانضمام للعدو ،وأمير
الحرب لا يكافح من أجل التحالف مع كل و مختلف الناس, وهو لا يزيد من قوة الولايات
الأخرى. أمير الحرب يقوم بتنفيذ مخططاته , مع إرهاب خصومه. بذلك يتمكن الأمير من
الاستيلاء على مدن الخصوم و تدمير مملكاتهم.
يرى سون تزو أنه
عليك أن تمنح المكافآت دون الاعتداد بالقواعد المنظمة لذلك كافئ الشجاعة بسخاء,
وعاقب الجبن والفرار, وأصدر الأوامر دون الاعتداد بالترتيبات السابقة ، وذلك لمنع
تفشي الخيانة, يجب عليك إصدار مثل هذه النوعية من الأوامر عند رؤية العدو, وكافئ
بسخاء عندما تجد أمارات الشجاعة على الجنود، وبذلك ستتمكن من التعامل مع الجيش
بأكمله كما لو كنت تتعامل مع جندي واحد ، وعليك أن تواجه جنودك بالأوامر , ولا
تجعلهم يعرفون مخططاتك فلا تبرر أو تفسر للجنود قراراتك) ،وعندما تتضح النتائج
الإيجابية لقراراتك, اجعلها واضحة جدا أمام أعين الجنود وأنظارهم , ولا تخبرهم أي
شيء عندما تتأخر هذه النتائج الإيجابية ،وسر بجيشك إلى قلب الخطر , وهو سينجو منها
, ادفع به إلى الأماكن الضيقة والمواقف العصيبة اليائسة, وهو سيخرج منها سالما ،لأنه
بالتحديد عندما تقف قوة ما في طريق الخطر , فهي قادرة على تحقيق النصر فالخطر له
تأثير مقوي يُظهر شجاعة الرجال ، كما أن الانتصار في الحرب يتحقق عن طريق
استعدادنا التام لتوفيق أوضاعنا بدقة حسب غرض العدو ، فتظاهر بالغباء, بالانصياع لرغبات العدو
وتحقيقها، إذا أظهر العدو رغبته في التقدم, اظهر له ما يغريه ويشجعه على ذلك, إذا
كان العدو متلهفا للانسحاب, تأخر و تلكأ عن عمد كي تشجع العدو على تراجعه. في النهاية هو دخول العدو حالة من التكاسل و
التراخي حتى يكون في وضع مُزري قبل أن نهجم عليه ، فمن خلال إصرارنا المستمر على
تطويق العدو (ملازمته من اتجاه واحد) فسننجح على المدى الطويل (حرفيا ألف وحدة
مسافة لي ) في قتل العدو ،وهذا ما يسمى القدرة على تحقيق أي شيء ببراعة ة مكر
تامين ،وفي ذلك اليوم الذي تتولى أنت فيه
القيادة (بعد هزيمة العدو و مقتل قائده) قم بسد جميع الممرات على الجبهة, و دمر
نقاط المرور (مراكز الجوازات والتأشيرات في يومنا هذا) و أوقف مرور جميع البعثات
(من و إلى داخل بلد العدو) ، ولتكن شديد الصرامة في مجلس الشورى ،فكن شديد الإصرار
على أن يقر الحاكم و يصدق على خططك ، وذلك حتى تكون دائما سيد الموقف متحكما في
مجريات الأمور ،وإذا ترك العدو بابا مفتوحا , فيجب عليك أن تهرع داخلا فيه ، وأحبط
مخططات عدوك عبر الاستيلاء على ما هو غال و ثمين في نظر العدو , ثم احتل برقة وخبث
حتى تتحكم في الوقت الذي سيصل فيه العدو إلى أرض المعركة ،فإذا تمكنت من احتلال
نقطة هامة في نظر العدو - لكن العدو لم يظهر بعدها في ساحة المعركة ليستعيدها,
فالأفضلية التي حصلت عليها لم تستفد منها بشكل عملي . ولذا فعلى من ينوي احتلال
موقع ذي أهمية للعدو , عليه أن يبدأ بتدبير موعد بارع وخبيث للقاء العدو , ثم يبدأ
في تملقه حتى يحضر العدو في الموعد الذي تحدده ( هذا الموعد تعبر عنه من خلال
جواسيس العدو, الذين سيعودون ومعهم من المعلومات ما تريده لهم , وبذلك نكون أظهرنا
نوايانا بطريقة بارعة و ماكرة. يجب علينا التحرك بعد تحرك العدو, لكن علينا الوصول
لأرض المعركة قبل وصول العدو فنحتل هذه النقطة الثمينة ،وسر في الطريق الذي تحدده
القاعدة و قم بتوفيق أوضاعك حسب العدو حتى يمكنك الدخول في معركة حاسمة مصيرية.
(النصر هو الشيء الوحيد الذي يهم , ولا يمكن تحقيقه بإتباع الطرق التقليدية المعتادة.
لم ينتصر نابليون في حروبه إلا بعدما كسر كل قاعدة حربية قديمة تمسك بها المنهزمون
على يديه. تكيف مع تكتيكات العدو حتى تلوح الفرصة السانحة, ثم تقدم و اشتبك معه في
معركة تحدد مصير القتال ،وفي البداية, أظهر خجل العذراء اليافعة, حتى يكشف العدو
على ثغرة صفوفه, بعدها نافس الأرنب البري في سرعته وأنت تهجم على العدو , فيكون
الوقت متأخرا عليه كي يقاومك أو يصد هجومك ، والمقصود هنا استخدم أشد أنواع
المراوغة والخداع للعدو من أجل الانتصار عليه .
يرى سون تزو أن هناك
خمسة طرق للهجوم بالنار:
·
أن تحرق جنود
العدو في معسكراتهم
·
أن تحرق مخازن
العدو (مخازن الذخيرة والمؤونة و الوقود)
·
أن تحرق وسائل
النقل والإمدادات
·
أن تحرق أسلحة
العدو و ذخيرته
·
أن تقذف النار بين
صفوف العدو (مثل كرات اللهب والأسهم المشتعلة)
ولكي نقوم بالهجوم
, يجب أن يكون لدينا طرقا ملائمة لذلك, و يجب أن تكون المكونات و الأدوات اللازمة
للهجوم في حالة استعداد تام على الدوام ، كما أنه يوجد هناك موسم ملائم للهجوم
بالنار , و يوجد هناك أيام بعينها تناسب إشعال الحرائق الواسعة ،والموسم الملائم
هو عند جفاف الطقس بشدة, والأيام المناسبة هي عندما يكون القمر هلالا (سابع يوم في
الشهر القمري) وبدرا (يوم 14) ومحاقا (يومي 27 و 28 ) إذ أن هذا الأيام الأربعة
تشهد رياحا نشطة ،وعند الهجوم بالنار , يجب الاستعداد لتطورات خمسة يمكن حدوثها هي
:
·
عندما تمتد
النيران من قلب معسكر العدو إلى خارجه, عندها يجب الهجوم على الفور من الخارج.
·
إذا امتدت النيران
لكن جنود الأعداء التزموا الهدوء و رباطة الجأش, فانتظر حلول الوقت الملائم ولا
تهاجم . (الغرض من الهجوم بالنار بث الفوضى في صفوف العدو - فإذا لم يُصب العدو
بالذعر فهذا معناه انه مستعد لك ينتظرك فيجب الحذر).
·
عندما تبلغ ألسنة
اللهب أقصى ارتفاع لها, أتبعها بالهجوم إذا كان ممكنا, فإن لم يكن ممكنا فابق
مكانك . (إذا وجدت فرجة فاستغلها وتقدم , وإذا كانت المصاعب جسام فالزم مكانك).
·
إذا لاحت الفرصة للهجوم بالنار من خارج معسكر
العدو, فلا تنتظر حتى يحترق المعسكر من داخله, لكن اختر الوقت المناسب للهجوم (قد
لا يكون في معسكر العدو أي شيء تشتعل فيه النار فيطول انتظارك وقتها لاشتعال
النار).
·
عندما تشعل نارا ,
أشعلها في الجهة التي تهب منها الريح. لا تهاجم باتجاه الريح. (إذا حاصرت العدو
بين جيشك وبين النار المشتعلة تهب باتجاهه فسيسبتسل في القتال , كما ستتضرر انت من
النار أيضا).
ويرى سون تزو أن الريح
التي تهب في وقت النهار تستمر لفترة طويلة, لكن نسمات الليل تهدأ بسرعة ،وفي كل
جيش يجب أن تكون التطورات الخمسة المتصلة بالنار معلومة جيدا, و يجب حساب حركة
النجوم , ومعرفة الوقت لحساب الأيام بدقة . (لمعرفة أوقات هبوب الرياح, وللاستعداد
أيضا للعدو إذا كان بدوره ينتظر موسم الرياح)،فالذين يستعملون النار لتساعدهم في
الهجوم يتحلون بالذكاء, وأولئك الذين يستخدمون المياه لتساعدهم في الهجوم يحصلون
على قوة إضافية ،وعن طريق المياه يمكن اعتراض العدو, لكن لا يمكن سرقة جميع
ممتلكاته. (للمياه مفعول كبير , لكنه لا يعادل تأثير النار التدميري , كما أن
المياه يمكنها إطفاء النار وإفقادها تأثيرها إذا كان معسكر العدو بالقرب من مصدر
مياه) ،ومصير شاق ينتظر لمن يحاول الانتصار في معاركه والنجاح في هجومه دون تنمية
روح المغامرة لدى جنوده, و تكون النتيجة ضياع الوقت و المجهود, (يجب مكافأة
المجيدين و توزيع الغنائم , كما يجب تحين الفرص و استغلالها على الفور) ،والحاكم
المستنير يضع خططه مقدما , والقائد الناجح يرعى مصادره و جنوده (عن طريق الثواب
والعقاب و المكافآت) ، وعليك ألا تتحرك حتى ترى فرصة تنتهزها , ولا تستعمل قواتك
ما لم تكن هناك فائدة ترجوها , ولا تقاتل ما لم يكن موقفك حرجا ،ولا يجب على
الحاكم أن يضع قواته في الميدان استجابة لثورة غضب, ولا يجب على القائد أن يخوض
معركة فقط بسبب جرح طال كبريائه ، وعليك أن تتحرك للأمام إذا كان ذلك في مصلحتك ,
وإلا فالزم مكانك ، والغضب - مع مرور
الوقت - قد يتحول إلى بهجة, و سبب الغيظ يمكن التغلب عليه بالقناعة و رضا النفس ،لكن
عندما يتم تدمير مملكة بأكملها فلا يمكن إعادتها كما كانت من جديد (الموتى لا
يعودون للحياة) ، إذاً الحاكم المستنير يحترس , والقائد العام يكون شديد الحذر ،
هذه هي السبيل لإبقاء الدولة في حالة سلام (داخلي و خارجي) مع إبقاء الجيش كاملاً
وسليماً و مستعداً.
ويرى سون تزو أن
تجميع مئة ألف من الجنود الرجال , والسير بهم لمسافات طويلة في مناورات حربية,
كفيل بأن يوقع خسائر ثقيلة على أفراد الشعب ويستنزف موارد الدولة, إذ سيبلغ معدل
الإنفاق الحكومي اليومي آلاف الأونصات من الفضة , و سينتشر الهرج والرج وتعم
الفوضى داخل البلاد و خارجها, و سيسقط الجنود من الإرهاق جراء سيرهم المسافات
الطويلة على الطرق, و ستزيد معاناتهم كلما أوغلوا في الأراضي المعادية, و سيتضرر
الآلاف من الأسر في أعمالهم و أرزاقهم ، وقد تقابل الجيوش المتحاربة بعضها البعض
في حروب استنزاف تستمر سنين, يصارع خلالها كل طرف لاقتناص النصر المظفر , والذي قد
يتحدد في يوم واحد , أن تبقى جاهلا بحالة العدو لأنك ترفض إنفاق حفنة أونصات ن
الفضة لشراء ذمم ورواتب الجواسيس لهو عمل يمثل قمة اللاإنسانية ،ومن يتصرف بهذه
الطريقة ليس بقائد كفء للأفراد , ولا يقدم يد المساعدة لحاكمه, و ليس بجالب للنصر
، والعنصر الذي يعين الحاكم الحكيم والقائد العسكري المحنك على تنفيذ الضربات و
تحقيق النصر , التي لا يمكن للرجال التقليدين تحقيقها , هذا العنصر هو المعرفة
المسبقة بأمور العدو ،ولا يمكن الحصول على هذه المعرفة المسبقة عن طريق استحضار
الأرواح أو استجداء الآلهة, أو بناء على سنوات الخبرة و التوقعات المدروسة, أو من
الحسابات الفلكية أو النجوم ، كما أن تحركات و نوايا العدو الفعلية يمكن معرفتها
فقط من خلال رجال آخرين . ( رغم التقدم التقني الكبير الذي حققه الأمريكيون, لكن
باعترافهم هم شخصياً, لا شيء يعدل معلومة سربها جاسوس من أرض العدو, خاصة إذا كان
هذا الجاسوس من رجال العدو) ،وهكذا تبرز الحاجة الماسة لاستعمال الجواسيس, الذين
ينقسمون إلى خمس فئات:
1- المحليون (المواطنون)
2- الداخليون
3- المنشقون (المزدوجون)
4- الهالكون (المضللون)
5- الاستراتيجيون (الباقون أحياء)
فعندما تعمل جميع
فئات الجواسيس معا في وقت واحد وفي انسجام تام , فلا يستطيع أحد وقتها اكتشاف هذا
التنظيم السري ، ذلك هو أكثر التنظيمات الإستخباراتية أهمية عند الحاكم ، واستعمال
جواسيس محليين يعني توظيف خدمات أولئك القاطنين في الأحياء السكنية ، فعليك أن تتودد
إلى سكان أحياء العدو و أكسبهم إلى صفك ليكونوا جواسيس لك ، كما أن استعمال جواسيس
داخليين يعني الاستفادة من ضباط جيش العدو ،فعليك الاقتراب بحذر من ضباط و عسكر
العدو المتذمرين, الذين تعرضوا لتخطيهم في الترقيات أو الطماعين غير الراضين عن
أحوالهم العامة, أو المتمردين المحكوم عليهم بعقوبات, أو القيادات العسكرية
المهمشة التي تريد إلحاق الفشل بصفوفها لتثبت أنها على حق فيما ذهبت إليه من رأي ، واستعمال جواسيس مضللين هالكين, لا ينفذون سوى
أعمال محددة في وضح النهار بغرض الخداع, لكي يعرفهم جواسيس العدو ويبلغون عنهم
العدو, و تزويدهم بمعلومات زائفة, حتى إذا تم اكتشافهم و القبض عليهم و اعترفوا
تحت ضغط تعذيب العدو, كانت المعلومات التي باحوا بها للعدو مضللة غير حقيقية ، واستعمال
جواسيس منشقين يعني بسط السيطرة على جواسيس العدو وجعلهم يعملون لصالحك ، فمن المنشقين
يعملون على إعطاء معلومات غير صحيحة للعدو عنا, ولا يقتصر الأمر على استمالة أفراد
ليعملوا جواسيس لنا, إذ يمكن التستر على جواسيس العدو لدينا وعدم إشعارهم بأن
أمرهم قد اكتشف, مقابل الحرص على تزويدهم بما نريده من معلومات, لينقلوها بدورهم
إلى العدو دون فطنتهم للأمر ،والجواسيس الباقون على قيد الحياة هم من يعودون أحياء
و معهم الأخبار من معسكر العدو ، فلا تجد شيئاً في أمور الجيش كله يفوق أهمية ألفاظ
على علاقات قريبة وحميمة مع الجواسيس , كما لا يجب أن يفوق أي شيء مكافأة هؤلاء
الجواسيس بسخاء , ولا يجب أن يفوق أي شيء السرية التامة للتعامل مع الجواسيس .يجب
أن يتمكن الجواسيس من الوصول للقائد بكل سهولة وفي كل و أي وقت.الجواسيس - بحكم
طبيعتهم - دائما ما يتعاونون من من يدفع أكثر, لذا لا يجب أن يعرفوا أي شيء أكثر
مما ينبغي, ويجب الحرص منهم دائماً, إذ يمكن ان يكونوا مزدوجين أو ينشقوا عليك
فيما بعد ، لكن لا يمكن توظيف الجواسيس بدو مبادئ حكيمة و مفهومة وواضحة . يجب أن
يكون القائد عالماً بحقائق الأمور, فيعرف الصدق من الكذب, ويعرف الأمين من المخادع
، ولا يمكن إدارة شؤون الجواسيس بنجاح من دون إظهار النوايا الطيبة و الوضوح التام
والصدق الكامل في التعامل. يجب أن تكسب ثقة الجاسوس تماماً ، وبدون أعمال العقل و
التفكير في تقارير المعلومات الواردة من الجواسيس, لا يمكن لأحد أن يكون واثقاً
تمام الثقة من صحة هذه المعلومات الاستخباراتية تماماً ، وعليك أن تكون دقيقاً بارعاً , واستعمل الجواسيس
في شتى الأمور و المجالات ، وإذا تم تسريب معلومات سرية إلى أي جواسيس قبل حلول
الوقت المناسب لذلك , فاقتل هذا الجاسوس وكل من نقل إليه هذا السر. قتل مثل
الجاسوس الشارد إنما هو عقاب له, وقتل المُسرب هو للقضاء تماماً على هذا التسريب
،وبغض النظر عما إذا كان الهدف هو قهر عدو أو غزو مدينة أو اغتيال فرد ما , فيجب
أن تبدأ بمعرفة قائمة أسماء الجميع, من مساعدين و عاملين وحراس, و يجب توجيه الجواسيس ليؤكدوا صحة هذه السماء. يحب
بحث إمكانية استمالة أي من هؤلاء بالرشوة بالمال ،ويجب البحث عن جواسيس الأعداء
الذين قدموا إلينا من أجل التجسس, وأن يتم بذلك إغرائهم بالرشاوى, وأن يتم إبعادهم
و تسكينهم في أماكن بعيدة و مريحة . بذلك سينشقون و يصبحون جواسيساً لنا مستعدين
لخدمتنا ،ومن خلال المعلومات التي يمدنا بها الحواسيس المنشقون, يصبح بإمكاننا
الحصول على وتوظيف جواسيس محليين و
داخليين ،وبناء على هذه المعلومات أيضاً, يمكننا تزويد الجواسيس الهالكين
(المضللين) بمعلومات زائفة يمررونها للعدو ،ويمكن استخدام الجواسيس الاستراتيجيين
في مهمات محددة ،والغرض والغاية من التجسس بكل صوره الخمسة السابقة هو معرفة أخبار
العدو, تلك المعرفة التي يتم الحصول عليها في البداية من الجواسيس المنشقين
(المزدوجين), ولذا يجب معاملة أولئك الجواسيس بكل سخاء وكرم ،وكأمثلة على ذلك فإن
التاريخ القديم يخبرنا عن بزوغ نجم سلالة ين بسبب آي تشي الذي خدم تحت هسيا ,
وكذلك صعود سلالة تشو بسبب لو يا الذي خدم تحت ين ،فالحاكم المتنور و القائد
الحكيم هما من يستخدمان أفضل المعلومات الاستخباراتية العسكرية لأغراض التجسس و
بذلك يحققان أفضل النتائج العظيمة . الجواسيس هم أكثر العناصر أهمية , لأن قدرة
الجيش على رؤية العدو وفهمه ومن ثم الاستعداد له تعتمد عليهم, على أن الإفراط في
الاعتماد على الجواسيس قد يؤدي لأثر عكسي , لذا فيجب الموازنة بين جميع العناصر
الاستخباراتية والمعلوماتية.
كما يرى سون
تزو أنه في ميدان المعركة, لا تذهب الكلمة
المنطوقة بعيداً بما يكفي, لذا وجب التأسيس لاستخدام الطبول و الأجراس, كما يصعب
رؤية الأهداف التقليدية بوضوح كاف, لذا وجب التأسيس لاستخدام الأعلام و الرايات ،
كما أن الطبول والأجراس و الأعلام و الرايات هي وسائل تساعد آذان و عيون الجيش على
التركيز على نقطة واحدة ،ويشكل بذلك الجيش وحدة واحدة متآلفة, تجعل من المستحيل
على الجندي الشجاع أن يتقدم بمفرده, وعلى الجبان أن ينسحب بمفرده, و هذا هو فن
التعامل مع أعداد كبيرة من الرجال فجُريمة من يتقدم وحده يُعادل من يلوذ بالفرار
من المعركة ،وفي القتال الليلي, استعمل بكثرة النيران و الطبول, وفي القتال
النهاري ركز على الرايات والأعلام, كوسيلة للتأثير على آذان و عيون جيشك ،ويمكن
سرقة روح المعنوية من الجيش الكبير, و يمكن سرقة حضور القائد الكبير في عقول
تابعيه فروح الغضب - إذا سادت في وقت واحد كل الرتب الكبيرة و الصغيرة في الجيش-
فلا يمكن مقاومة تأثيرها الكبير ، عندما يصل جنود الأعداء إلى أرض المعركة فستكون
روحهم المعنوية مرتفعة وهممهم عالية كالجبال الشوامخ, وعليه فدورنا هو ألا نقاتلهم
على الفور , بل ننتظر حتى تفتر عزيمتهم وتذهب همتهم, ساعتها نضرب بيد من حديد و
وبذلك نسرق روحهم المعنوية منهم ، كما أن الروح المعنوية للجندي تكون في أقصى
درجاتها في الصباح (بشرط حصوله على إفطار مقبول - تذكر حينما انهزم الرومانيون
بجنود صائمين أمام رجال هانيبال الذين كانوا قد حصلوا على وجبة إفطار شهية) وتبدأ
في وقت الظهيرة في الفتور , وفي المساء يكون تفكيره منصباً على العودة إلى المعسكر
، لذلك , فالقائد الماهر يتفادى مهاجمة
جيش روحه المعنوية مرتفعة, ويهاجمه عندما يكون عدوه كسولاً بليداً يميل إلى العودة
من حيث أتى. هذا هو فن دراسة الحالات النفسية ،فأن تبقى منظماً هادئاً, تترقب ظهور
الفوضى و الصخب و الهرج في صفوف العدو - هذا هو فن رباطة الجأش والتحكم في النفس
،وأن تكون بالقرب من الهدف بينما لا زال العدو بعيداً عنه, وأن تنتظر بكل راحة و
يسر بينما العدو يعاني الأمرين, و أن تكون تغذيتك سليمة بينما العدو يعاني الجوع و
قلة التغذية- هذا هو فن توفير الطاقة الذاتية ،وأن تحجم عن اعتراض عدو أعلامه
منظمة بشكل مثالي, و أن تحجم جيش يمشي في هدوء و بشكل ينم عن ثقة كبيرة في النفس-
هذا هو فن دراسة الحالات و الظروف ، فمن البديهيات العسكرية ألا تصعد مرتفعاً
لتقابل عدواً, و ألا تعترض طريقه عندما يهبط منه ، وعليك ألا تطارد عدواً سريعاً
يكاد يطير , ولا تهاجم جنوداً طبعهم حاد عنيف ، ولا تبتلع طُعماً قدمه لك العدو,
ولا تعترض جيشاً عائد إلى وطنه ، عندما تحاصر جيشاً , اترك له منفذاً ليهرب منه
(ولا يعني هذا ترك العدو ليهرب , بل توحي له بوجود مخرج لبر الأمان, فتحرمه من
شجاعة قتال اليائس من النجاة, بعد ذلك اطحنه بقواتك) ولا تضغط بشدة على عدو يائس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق